تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الكوميديا لعبة عادل امام ويوسف معاطي'بوبوس':

'شفرة' السينما لكشف فساد رجال الاعمال

القاهرة ـ من كمال القاضي

هناك فرق بين الكتابة الساخرة والكتابة الهزلية فالسخرية لا تعني ان يتحول الكاتب الى اراجوز من اجل ان يبدو خفيف الظل ويضحك الناس، فالعكس عادة هو الذي يحدث فالناس تضحك على النكتة والمفارقة والموقف ولا تجدي معها الزغزغة التي يلجأ اليها من يسمون انفسهم صناع الكوميديا عندما يفلسون ويبحثون في دفاترهم القديمة فلا يجدون شيئا.. الدويتو الذي يشكله عادل امام ويوسف معاطي منذ فترة والذي اسفر عن عدة تجارب آخرها ما هو معروض الان بدور العرض تحت عنوان 'بوبوس' يعد تراكما بالسلب على عادل بوصفه النجم الاكثر حضورا وشهرة، بينما المستفيد الحقيقي هو معاطي لاقتران اسمه على الافيش بزعيم الكوميديا وبطلها قرابة ثلاثين عاما على الاقل يلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق البطل، لاسيما ان يوسف معاطي لا يكلف نفسه عناء الاجتهاد ويكتفي بحشو الاطار العام لفيلمه ببعض الافيهات المحروقة سابقة التحضير والاستهلاك فلم نلحظ تميزاً يذكر في 'بوبوس' عن افلامه الاولى 'مرجان احمد مرجان' و'حسن ومرقص'، وهما فيلمان كانا امتدادا ايضا لأفلام اخرى لها ذات الفتور والنكهة.. مشكلة السيناريست المذكور انه يقدم نفسه بوصفه كاتبا ساخرا مثقفا ومن ثم تنطلق كتاباته كلها من هذا الاعتقاد، وعلى الرغم من ذلك لم يصلنا شيء من ثقافته غير السخرية من المثقفين ناهيك عن النزول بالقضايا الكبرى الى مستوى الاستخفاف والابتذال فما هو مطروح في تجربة 'بوبوس' يشي بأن المقصود والمستهدف متعلق بقضية البنوك والقروض والخصخصة وما يترتب عليها من هروب الى مدينة الضباب لندن المقر المؤقت لرجال الاعمال الهاربين، فالقضية في حد ذاتها جديرة بالطرح والمناقشة ولكن ما يعيبها هو التناول السطحي والاستسهال في الكتابة والاتكاء على الكوميديا في تمرير الترهات بافتراض وهمي ان فيلم لعادل امام يصعب رفضه والعزوف عنه وهي حقيقة كانت موجودة وقائمة منذ خمسة عشر عاما ولكنها سقطت وتلاشت بفضل كوميديا يوسف معاطي فقد لوحظ ان اعدادا كبيرة من الجمهور تتسرب من دور العرض واحداً تلو الآخر والفيلم لا يزال اسبوعه الاول وهو ما لم يحدث في تاريخ عادل امام كله فالفيلم ليس من النوع المركب حتى يكون لذلك مبرره وانما هي نتائج الملل من تكرار نفس المشاهد ونفس الحركات، رجل الاعمال محسن هنداوي المتعثر في سداد ما عليه من فوائد للبنوك، يسافر الى لندن هربا من المواجهة وبدون مقدمات ولا إحم ولا دستور يعود الى مصر بكل شجاعة ليبحث عن مخرج قانوني لتسوية اوضاعه المالية مع الحكومة، وبينما هو في طريقه لهذا الهدف يتذكر ديونه لدى احد اصدقائه، 7 ملايين فيتوجه الى فيلا الصديق الذي وافته المنية قبل سداد الدين فتظهر يسرا في الاحداث، سيدة ارستقراطية جميلة تمارس طقوس الحزن على زوجها هي وصديقاتها بالملابس الداخلية، فهكذا تتولد كوميديا يوسف معاطي وسخريته اللاذعة وكالعادة تتجلى ملكات الزعيم عادل امام في استغلال المساحات الدرامية بشكل خارج عن سياق الموقف، اذ يتعامل مع سرادق العزاء وحالة الحزن الفريدة على انها لحظة استثنائية لن تتكرر فيغازل الفتيات الحسناوات المرتديات ملابس السواريه الاسود ويحتسي البيرة ويبدي اعجابه بسيدة القصر يسرا قبل ان يصطدم بها ويشتبك معها بالايدي ويطرحها على ظهرها ارضا في مشهد سبق تصويره مع شيرين في 'بخيت وعديلة' ومع لبلبة في 'عريس من جهة امنية'، كأن الضرب هو لغة الحوار الوحيدة لرجل يشتهي سيدة جميلة او انه وسيلة التعبير المثلى لجذب المرأة نحو علاقة عاطفية، لم تقتصر المناوشات بين البطل والبطلة على مشهد او مشهدين لكنها استمرت لعدة مشاهد حتى ان الجمهور استهجن اللعبة وبات يضحك ساخرا فلم تكن هناك تفاصيل درامية تحتم هذا الاستظراف الزائد عن الحد.. وفي اطار الانفراد بالبطولة كالعادة بدت الشخصيات الاخرى في الفيلم مهمشة تماما فحسن حسني مثلا وهو فنان لديه رصيد وفير من الخبرة وقام بعدة بطولات نراه مع عادل امام مجرد سنيد وليس هذا لأن عادل صاحب كاريزما ونجومية طاغية فحسب ولكن لأن مساحة الدور لا تسمح بأكثر من ذلك، ايضا أشرف عبد الباقي كوميديان لا غبار عليه نراه مجرد ممثل مجتهد يحاول ان يؤكد وجوده كي لا يبدو متواريا في ظل الزعيم، والحكم ذاته ينطبق على رجاء الجداوي فلم تكن ذو تأثير يذكر وكان بالامكان الاستغناء عن دورها كما يمكن الاستغناء عن دور يوسف داوود ومي كساب واحمد صيام وغيرهم فالسيناريست يركز بالاساس على شخصية محسن هنداوي 'عادل امام' ويضع امامه مهجة النشار 'يسرا' كي يحملها على اكتافه ويمطرها بالقبلات احيانا والكلمات احيانا اخرى، حيث يصعب تحديد ملامح دور يسرا خارج هذا السياق واكسابه اهمية ليست به وهو عيب ضمن عيوب كثيرة وقع فيها يوسف معاطي ولم يلتفت اليها المخرج وائل احسان او انه التفت ولم يقو على الاعتراض.

ما يمكن ان يحسب للسيناريست والمخرج ذلك المشهد الذي تقمص فيه كل من عادل امام واشرف عبد الباقي شخصية رئيس الجمهورية بالتناوب في اعلان صريح للفقر وسوء الاحوال الاجتماعية وما آل اليه حال المواطن بعد بيع كل شيء وتطبيق مشروع الخصخصة عنوة، فالمواجهة بين المواطن والرئيس كانت على مستوى كبير من الجرأة تحسب إجازتها دراميا وفنيا لرقابة المصنفات الفنية فتكاد تكون هذه الجزئية هي محور الارتكاز الحقيقي الذي تدور حوله احداث الفيلم وتلخص ما افنى فيه معاطي نحو ساعتين ظل خلالهما يلف ويدور كي يخرج لنا بهذا المشهد، والحقيقة ان المخرج ابدع في تجسيده بشكل مؤثر ساعدته خبرة عادل امام التي لاشك فيها بالطبع، غير ان التصوير لعب دورا رئيسيا ايضا مع الاضاءة وكل عناصر التكوين، وما يضاف الى هذا البعد ويعمقه ويثير اسئلة كثيرة حول الدلالات والمعاني المختبئة في التوريات دور عزت ابو عوف، الشخصية الدبلوماسية المهمة التي ترقب كل ما يدور من احداث عبر قرون استشعار خاصة تمكنها من الاطلاع على كل الخفايا ورصد كافة التفاصيل دون الافصاح عن مصادر المعلومات وهوية الرجل المهم نفسه، فقد ظل غامضا طوال الفيلم اللهم الا تنويها بسيطا تمثل في اسم ابنه بوبوس يجعل الظن بانه رمز لقوة خارجية قد تكون امريكا مثلا ظنا واردا، خاصة انه يشجع الصفقات المشبوهة ويسهل عمليات الاستنزاف المالي مقابل عمولات ورشاوى، فضلا عن انه شريك ضالع في اللصوصية والابتزاز .. لم ينس الكاتب والسيناريست ومعه البطل والمخرج ان يبرئوا ساحة النظام من جرائم الاستيلاء على الاموال العامة فقد اكدوا في اكثر من مشهد حرص الدولة على تصفية حيتان البنوك واجبارهم على تسوية اوضاعهم المالية، فالبطل محسن هنداوي وقع تحت طائلة القانون وصودرت امواله وممتلكاته بما فيها سيارته الخاصة حتى اضطر الى ركوب سيارة 'سيرفيس' اجرة مع عامة الشعب وهذا وان كان خيال جانبه الصواب فانه جاء كإشارة لقسوة الحكومة مع المنحرفين والخارجين على قوانين الضبط والربط وهي بالطبع معالجة حكيمة اراد اصحاب الفيلم ان يبيضوا بها وجه الحكومة ويؤكدوا ان كل شيء تحت السيطرة مهما بلغت ذروة الفساد.. اما عمليات الدمج التي حدثت بين هنداوي ومهجة لتبرير وجود علاقة عاطفية تنتهي بالزواج برغم اعتراض الرجل الغامض ابو 'بوبوس' فتلك محاكاة لما حدث من عمليات دمج كثيرة ومتعددة بين البنوك المتعثرة ماليا يستخدمها يوسف معاطي في البناء الدرامي ليثبت انه يرى الاشياء بوضوح ككاتب له عين صقر! واحساس مايسترو لا يغفل الهنات فهو يحرك عصاه بدقة ويضبط ايقاع الاوركسترا باحتراف.. لقد ظل الجميع في هذا الفيلم يمسكون بالعصا من المنتصف حتى لا يقعون في محظور يؤدي بهم الى اصطدام حقيقي فهم يمشون على الحبل ويقدمون برهانا قويا على ديمقراطية البوح والفضفضة ولا يزيدون على ذلك قيد انملة فهم يعرفون بالتمرس والخبرة حجم المساحة التي يتحركون فيها ويتحسسون موضع قدميهم على سجادة الديمقراطية الشفاهية.

القدس العربي في

02/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)