حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سراج منير

بقلم: كمال رمزي

إنه «الكبير» على شاشة السينما المصرية، ظهر منذ بداياتها ليغدو قوة لا يستهان به، جسم عملاق، ملامح وجه غليظة وإن بدت متسقة، صلابة فى الإرادة، شجاعة فى الإقدام، استعداد على النزال حتى الرمق الأخير، ينبوع من الحنان وقسوة لا يحدها حدود.

هو الطرف الحاضر بعمق فى الأفلام التى يظهر فيها، يمنحها ثقلا وطاقة، فالكاميرا لا يمكن أن تتجاهله، خاصة أنه، غالبا، الطرف المثير والمؤجج للصراعات، فضلا عن خبرته ودرايته بأصول فن التمثيل التى التقطها من مدرسة السينما الألمانية، فى عصرها الذهبى، إبان سنوات بعثته إلى برلين لدراسة الطب التى هجرها ليتابع النشاطات المسرحية ويعمل ضمن المجاميع فى الأفلام الألمانية ويلتقى بشباب المصريين هناك، مثل فتوح نشاطى، الممثل والمخرج المسرحى لاحقا. ومحمد كريم، أحد كبار رواد السينما المصرية، الذى أسند له دورا أساسيا فى «زينب» الصامت 1930.

تبلورت شخصية سراج منير على الشاشة، شيئا فشيئا، إلى أن اكتملت على يد صلاح أبوسيف الذى قدمه فى دور الفارس العربى، الشاعر، العاشق، عنترة، فى «عنتر وعبلة» 1947، حيث جسد بنجاح، قوة العزيمة، ورقة المحبين، وأشاد به نقاد تلك الأيام، ومنهم أنور أحمد، الذى قام، لاحقا، بدور «مصطفى كامل» لأحمد بدرخان 1953، فكتب فى مجلة المصور إن سراج منير ظهر فى «لقطات ممتازة أجاد فيها التعبير بوجهه وأبدع فى إلقائه».. وبعد عدة شهور من «عنتر وعبلة» يقوم ببطولة «أبوزيد الهلالى» لعزالدين ذو الفقار 1947.

شارك سراج منير فى أكثر من «110» أفلام، ظهر فى معظمها كرجل شديد المراس، فإذا كان ضابط شرطة، كما فى «البؤساء» لكمال سليم 1943، فإنه يطارد المجرم الهارب حتى يوقع به.. وهو صاحب الرتبة الرفيعة فى الجيش المصرى الذى يختار بعناية، ونظرة وطنية صائبة، ضباط الجيش الجدد فى «الله معنا» لأحمد بدرخان 1955. ويصل إلى درجة رفيعة من الإبداع فى أدائه المتميز، الخاص، فى «أمير الانتقام» لبركات 1950، حيث يؤدى دور رئيس الشرطة الفاسد ــ وزير الداخلية بلغتنا الآن ــ يحيك المؤامرات، يتلصص، يظلم الأبرياء، وعندما يسأل حسن الهلالى أنور وجدى عما إذا كان من الممكن أن يهرب أحد المجرمين من البلد الذى أتى منه، يجيبه الهلالى بجملة ذات مغزى عميق «واحد فقط، هو رئيس الشرطة»..

وفى معركة النهاية، بالسيوف، يقاتل قتالا بالغ العنف، مؤكدا أن للأشرار قوة لا يستهان بها. وهى القوة التى تجلت فى «قطار الليل» لعزالدين ذوالفقار 1953، داخل قمرة سفينة ضد أبوالعز «استيفان روستى»، فكانت أقرب إلى المواجهة الوحشية بين فيل ونمر. يتمكن فيها النمر «استيفان روستى» من توجيه طعنة خنجر قاتلة للفيل الهائج «سراج منير» الذى تلتمع عيناه بمزيج من الألم والدهشة والحقد مع مس من الجنون. أكاد أقول إنها من أعنف المعارك، على شاشة السينما المصرية.

أدرك صناع الأفلام ما تحمله شخصية سراج منير العاصفة من طاقة كوميدية، خاصة حين يتعرض الرجل المهيب إلى ما يهز غروره، فها هو لبلب ــ محمود شكوكو ــ يصفعه سبع صفعات ويجبره على مغادرة الحارة فى «شمشون ولبلب» لسيف الدين شوكت 1952.. أما حلمى رفلة فإنه أخرج أحد الاسكتشات الفريدة، شارك فيه مجموعة كبيرة من الممثلين: محمد توفيق، صلاح منصور، نور الدمرداش، إسماعيل ياسين، وسراج منير، حيث جميعهم فى مستشفى الأمراض العقلية، وذلك فى «المليونير» 1950.. هنا، يهل علينا سراج منير، بضخامته، مرتديا زيا بدويا فاخرا، محترما، رزينا، وبينما يتعامل معه الجميع بإجلال، على أنه عنترة، يفاجئنا بأنه يغنى، بصوت المنولوجست سعاد مكاوى: فتح يا بنى فتح.. شوف مين بيكلمك!

سراج منير «1901 ــ 1957»، صفحة مشرقة فى تاريخ السينما المصرية، تستحق الدراسة، وهو يستحق أن نتذكره، فى عيد ميلاده العاشر بعد المائة.

الشروق المصرية في

24/08/2011

 

شمشون ولبلب

بقلم: كمال رمزي 

مرة أخرى، وليست أخيرة، أشاهد «عنتر ولبلب» على إحدى القنوات. هذا الفيلم لا أمل من متابعته، هو عندى مثل الأغنية الجميلة، كلما سمعتها تتبين فيها سحرا جديدا.. الفيلم، بسيط وعميق، كوميديا يخفى رؤية شديدة الجدية، كتبه، أحد كبار المواهب المصرية: بديع خيرى، بحواراته المفعمة بالدلالات، وأخرجه فنان لم يأخذ حقه من الدراسة. اسمه: سيف الدين شوكت.. عرض الفيلم يوم 14/4/1952 أى قبل ثورة يوليو بثلاثة أشهر. وبرغم أن موقفه، واتجاهه الفكرى، السياسى، يصب فى طاحونة الثورة، فإنه تعرض لاضطهاد ظالم، أدى إلى حجبه لفترة غير قصيرة من ناحية وتغيير عنوانه من «شمشون ولبلب» إلى «عنتر ولبلب» من ناحية ثانية.

الأحداث تدور فى حارة مصرية، شعبية، تتدفق بالحياة والحيوية، دكاكينها تحمل أسماء «مطعم الحرية»، «جزارة القنال»، «عجلاتى الوحدة»، وفجأة يأتى وافد غريب، مريب، ضخم الجثة، مفتول العضلات، يؤدى دوره سراج منير «شمشون ــ عنتر فيما بعد»، يفتح كباريه، مما يزعج سكان الحارة خاصة حين تتبدى قوته حين يحمل البيانو، بذراعه.. يبدأ فى تقديم عروضه، من رقص لأكروبات لألاعيب سحرية، ولكن الأهم، بل الأخطر، أنه يستميل والد الفتاة الرقيقة، النهم للمال، بأداء عبدالوارث عسر، الذى يحاول إبعاد خطيب ابنته، شكوكو، عنها.. وسريعا، يندلع الصراع بين عنتر وشكوكو، ويتعمد صناع الفيلم أن يكون أقرب للكارتون، ومطاردات «توم وجيرى»، فعلى نحو كاريكاتورى، يطالعنا سراج منير، الضخم، بمايوه وفانلة مخططة بالعرض، وملامح وجهه الغليظة مدججة بشارب يمتد إلى الجانبين، بالإضافة لكثافة شعر الحاجبين. سريع الانفعال، يلجأ للعنف بلا تردد، ينزل من فوق خشبة المسرح غاضبا، متجها إلى شكوكو، المحتج، ليفرك أنفه الذى يتحول إلى ما يشبه البرتقالة، ويرفعه ليعلقه على مسمار.. يدرك لبلب، ابن البلد، أن الصراع ضد الدخيل حتمية، ولابد من استنفاد طاقته، وتبديد هيبته، وذلك بصفعه على وجهه سبع مرات. تتوالى المصادمات بين الشرس، المغرور، الشرير. والطيب، المتواضع، المعتمد على العقل.. وفى مشاهد كوميدية، ينجح ابن البلد فى إنجاز ست صفعات. حينها، يتدخل والد خطيبة «لبلب»، المتواطئ مع «شمشون»، ويقترح عقد «مفاوضات» من أجل الصلح، وبعد جولة مفاوضات، مع استمرار الدخيل فى أفعاله، ينتبه لبلب إلى عبث المفاوضات فيقرر إنجاز الصفعة السابعة. وبعد نجاحه فى مسعاه لا يصبح أمام «شمشون» إلا الرحيل، وسط الأفراح التى تعم الحارة وأهلها.

هذا الفيلم المصرى الظريف، الذى يشرح نفسه بنفسه، تعرض لعاصفة رقابية مجحفة، يتابع تفاصيلها، الباحث الدءوب، المتميز، المنصف فى أحكامه النقدية محمود على فى كتابه الممتع «مائة عام من الرقابة على السينما المصرية»، ويورد تقارير الرقباء المتعسفة، المشينة، والتى أدت إلى تغيير عنوانه، ومنعه من العرض والتصدير لسنوات، بتلك الحجة السقيمة «الإساءة لسمعة مصر».. لكنى بقى الفيلم، وتم نسيان أسماء الرقباء.

الشروق المصرية في

20/08/2011

 

الست غالية

بقلم: كمال رمزي 

أسعدتنى الست غالية، وأبهجتنى وجعلتنى أحس بقدر غير قليل من الألفة والراحة، هى واحدة من المصريات، متواضعة، بسيطة، صاحبة خبرة بالحياة، تطالعنا يوميا على إحدى القنوات، كى تطهو وجبة من طعام جميل، من الواضح أنه حلو المذاق، متنوع الألوان والأنواع، والأهم.. أنه محدود التكاليف، وهى فى هذا تذكرنا بالأمهات، ربات البيوت المصرية، الأقرب إلى وزراء الاقتصاد، ووزراء تموين أيضا، يدركن أن عليهن تدبير الأمور، تلبية الاحتياجات فى حدود الممكن والمتاح.

برامج الطهو، فى القنوات التليفزيونية كثيرة، يطالعنا فيها، غالبا «شيف»، ومعه مساعده. كل منهما يرتدى جاكتة بيضاء ويضع على رأسه الطربوش الورقى، وفى المطبخ المتسع، الأنيق، يبدأ الشيف فى استعراض المواد التى سيتم طهوها: هذا هو السمك، يستحسن أن يكون بالمايونيز، ولكى يكون طبق السلاطة جذابا، يستحسن أن يتم ترصيعه بحبات الجمبرى.. وبينما يبدأ المساعد فى العمل، يقوم الشيف بالرد على مكالمات، تطلب منه كيفية طهى اللحم البارد، أو الديك الرومى، أو الاستاكوزا، وبعد الترحيب بالمتحدث الذى يكيل المديح للشيف، وبدوره، يقطع الشيف على نفسه وعدا بأنه سيلبى المطلوب فى حلقات قادمة.

الست غالية، خالفت المقرر، جملة وتفصيلا، فالمطبخ الذى تقف فيه صغير، ضيق، ولكن نظيف، مرتب، يخلو من الأجهزة الكهربائية الحديثة، فيما عدا خلاط عادى، والبوتاجاز من النوع الشعبى، لا يشتعل بضغطة زر، ولكن يشتعل غازه بالكبريت.. والسيدة نفسها، متحررة من الإحساس بالنجومية، تضع المريلة فوق ملابسها التى تليق بسيدات الطبقة الوسطى. لا يوجد طلاءات للوجه أو فورمات للشعر، فثمة إيشارب لطيف مسدل على الجانبين من الوجه. وهى سمراء، شكل أخواتنا وبناتنا، ذات ثقافة شعبية وخبرة بالحياة، تحفظ وتردد عددا كبيرا من الأمثال، موجزة، عميقة المعانى. تتكلم من دون افتعال، ترحب بمحادثيها بحرارة بنات البلد، ودودة.

الأهم، نوعية المأكولات التى تقدمها، لا لحوم ولا دواجن ولا سمك إلا مرة واحدة أسبوعيا، وبكميات محدودة، وبتكاليف تحت السيطرة. فاللحوم، نصف كيلو مفروم، يوضع مع معكرونة. وإن وجدت دجاجة، فمن الممكن تقسيمها إلى ثمانية أجزاء. أما السمك فإن البلطى لا بأس به..

وتعويضا عن هذه البروتينات تروج لخضراوات متوافرة، تتفنن فى طهوها، فالباذنجان، له عشرات الطرق، والفول، شأنه شأن البطاطس، يتحول إلى العديد من الأشكال الجذابة.. وطبعا، لا مشروبات غازية، ولكن ثمة «العرقسوس»، والمشروبات الشرقية المفيدة، المتوفرة، بأثمان قليلة. وبمناسبة الشهر الكريم، تطهو نصف كيلو كنافة أو جلاج، لا يتجاوز تكاليفها أربعة جنيهات.. ولا يفوت الست غالية، الرشيدة، المدبرة، أن تحدد سعر كل شىء، الطماطم، الخيار، الكوسة، البامية، على ألا تتجاوز تكاليف وجبة الأسرة، خمسة عشر أو عشرين جنيها على الأكثر.. إنه برنامج مصرى، جملة وتفصيلا.

الشروق المصرية في

17/08/2011

 

حسن الأسمر

بقلم: كمال رمزي 

دستة أفلام ظهر فيها قبل أن يتألق فى «ليلة ساخنة»، الذى أخرجه القدير عاطف الطيب 1996. لم يكن دوره كبيرا، ولكنه فعال، بالغ الأهمية، مفجر الأحداث ونقطة اندفاع بطلة الفيلم فى غياهب الليل والمدينة.
اختيار عاطف الطيب، صاحب العين النافذة جاء موفقا تماما. يليق بحسن الأسمر، شكلا ومضمونا.. حسن الأسمر، بوجهه الداكن، والشامة على الجانب الأيسر من قورته، وملامح وجهه الغليظة، برغم تناسقها واتساقها، تعطى الإحساس أنه قادم من قاع المجتمع، لا يمكن أن يكون أرستقراطيا أو ممن استكملوا تعليمهم. وهو، من النوع الذى يملأ المكان بالنشاط والحركة والهيصة، مندفع، لا يخشى أو حتى يفكر فى عواقب الأمور، وربما فى هذه السمات يكمن السر فى نجاحه الكبير كمطرب شعبى، تسمعه فى مواقف السيارات وداخل عربات «السرفيس»، فضلا عن كونه فاكهة الأفراح، يضفى جوا من الحيوية على الحضور، حتى لو كانت أغانيه من نوع «كتاب حياتى يا عين ما شفت زيه كتاب/ الفرح فيه سطرين والباقى كله عذاب».. ولكن، علينا ألا ننسى أنه يتمتع بصوت صداح، منطلق، من معدن لامع، شديد الوضوح، يختلط فيه الذهب بالنحاس، وإن كانت نسبة النحاس أكبر. وهو صاحب لون واحد، لا علاقة له بتنوع الألوان الرومانسية، ولا بقوة وعزيمة الأناشيد الوطنية، ذلك أنه اختار على نحو تلقائى، التعبير عن الروح الفردية، حتى فى الأغنيات التى تجفف دموعها، وتتجه نحو الفخر والتحدى، مثل «أنا وأنا الواد الجن»، أو «أنا أهو.. إنت أهو».. لم يسعفه وعيه أن يكون محمد منير أو على الحجار. ولأنه ركن إلى كتاب أغانى أقرب للزجالين المتواضعى القدرات، وملحنين محدودى الموهبة، فإنه لم يصبح امتدادا لمحمد عبدالمطلب أو شفيق جلال.

فى «ليلة ساخنة» يطالعنا حسن الأسمر، مع «لبلبة» أو حورية حسب اسمها فى الفيلم، هى فتاة ليل تائبة، الأدق أنها متوقفة عن الممارسة. ربما ضجرا من المهنة أو لتقدمها فى السن أو لأن شقيقتها، الطالبة بالثانوية، لم تعد طفلة..

أيا كان دافع أو دوافع التوبة، فإنها غير حاسمة، وبالتالى توافق على الذهاب مع زبونها القديم، حسن الأسمر، إلى عوامة يستأجرها ثرى عربى، لإضفاء شىء من الأنس، على ليلة رأس السنة. وهناك، يسقط الثرى نائما من شدة السكر، ويقرر حسن أن ينفرد بالمرأة، ولكنها تنفر منه، بسبب لمساته المبتذلة ونظراته المقتحمة.. حسن الأسمر، يعبر بمهارة عن طاقة الشر المعتملة فى روح الشخصية التى يؤديها، بطريقة كلامه، بابتسامته التى تموت فجأة، بالدخان الكثيف المندفع من منخريه، وها هو، بلا تردد، يفتح حقيبتها ويأخذ نقودها، ويصل «الأخذ والعطاء» فنيا، بينهما إلى مستوى رفيع، خاصة حين تكاد تستسلم له، لكن موجة نفور جديدة تدفعها لإبعاده. لكنه، بكل شراسة، ينزع قلادتها الذهبية ويرفض إعادتها، بل يطردها مهددا بإبلاغ الشرطة، ولا يفوت عاطف الطيب أن يجعل حسن الأسمر يطل من النافذة ليشيعها بالشتائم. هذه المشاهد هى أفضل ما قدمه حسن الأسمر، سواء من قبل أو من بعد.

الشروق المصرية في

10/08/2011

 

عزف منفرد

بقلم: كمال رمزي 

الاستسهال، الركون إلى الراحة، الاستسلام للسائد والمألوف، الاعتماد على المتيسر، كلها معالم فى خارطة طريق نحو الفشل، أو على الأقل تجعل الأمور «محلك سر».. وهذا ما يجرى فى قنواتنا التليفزيونية، خاصة بالنسبة لبرامج «التوك شو» التى تشغل معظم ساعات الإرسال، وأدت، مع تكرارها إلى أن يغدو المذيع نجما فوق العادة، فها هو ينفرد بالكاميرا ليعزف كلاما عن الوضع الراهن، ويتغنى بالثورة، وضرورة زيادة الإنتاج، ومصر الكبيرة، قائدة المنطقة العربية، والشرق الأوسط وأفريقيا.. ثم يستضيف واحدا أو أكثر، من العارفين ببواطن الأمور، يحللون، يختلفون، يتفقون، ويتحول البرنامج إلى ندوة إذاعية مصورة، أو تكاد تكون منقولة من قاعدة بدون جمهور، وإن كانت المكالمات الخارجية، المتفق عليها غالبا، تحل مكان الجمهور.. وجوه الضيوف لا تتغير، تنتقل من برنامج لآخر، كأن أصحابها فى حالة «كعب داير» بين القنوات، يكررون ذات الكلام، فتبدو المسألة كما لو أنها عزف منفرد، متواصل، يؤدى ذات المعزوفة.

الإسراف فى برامج «التوك شو» أثرت بالسلب على برامج التحقيقات الأهم، والأجدى، التى تعتبر فخر أى قناة تعمل على تقديمها، وهى تحتاج لجهد وجدية، وقدرة على تحمل المشاق واستعداد شجاع للمواجهة.. هذه الشروط، أظن أنها تتوافر فى شبابنا، فقط تحتاج للمايسترو الذى يقود مجموعة العمل، والقناة المؤمنة بدور الإعلام فى الكشف عن الحقيقة.. فمثلا، المذيع اللامع، يسرى فودة، صاحب الأسلوب الهادئ، العاقل، الذى يشعرك أن صاحبه يسير على حبل مشدود، يخشى الوقوع فى هوة الاحتجاجات أو القضايا، قدم فيما قبل عدة حلقات من برنامج بالغ الأهمية بعنوان «سرى للغاية»، يتوغل فيه داخل الأحراش الغامضة لقضايا يعلوها ضباب كثيف، وينجح، مع طاقم العمل الذى يسانده، فى قراءة الجوانب الخفية المتعلقة بمقتل العالم المصرى «يحيى المشد»، أو ما أدى إلى «11 سبتمبر»، أو قصة «الجهاد فى العراق».

وإذا كان هذا البرنامج مهما فى حد ذاته، فإن أهميته تتضاعف الآن، فعندنا الكثير من القضايا الغامضة، المسكوت عنها، التى تكاد تقبر تحت ركان مجالس الكلام، وتحتاج، وبإلحاح، إلى من يفتح ملفاتها، قبل أن تهترئ، ويلفها غبار النسيان.. ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، واقعة اختفاء الكاتب الصحفى رضا هلال، منذ أكثر من ستة أعوام. شذرات من معلومات تدعى أنه موجود فى أحد المعتقلات، وثانية تدعى أنه محجوز فى مستشفى أمراض نفسية بالإسكندرية، وثالثة تزعم أنه قتل. التحقيقات الرسمية فشلت أو لم تشأ أن تصل إلى شىء، وبالتالى فإن الغائب ينتظر كتيبة التلفاز الشجاعة التى تظهر الحقيقة. كذلك الحال فيما يتعلق باللواء الشهيد محمد البطران الذى تضاربت الأقوال فى ظروف قتله، وإن كان الضمير الشعبى آمن بأن رصاصات الغدر طالته لأنه رفض فتح أبواب السجون.. أما عن حرق كنيسة القديسين بالإسكندرية، فإن الغموض لايزال يلف مرتكبها.. كذلك الحال بالنسبة للقناصة، قتلة الثوار، حيث يجرى الحديث عنهم كأشباح، بينما من الممكن كشفهم، والإمساك بهم. ثم، ثمة أنصاف أشباح.

البلطجية الذين نراهم وقد تمزقت ملابسهم وغطى الدم وجوههم. من أين أتوا، وكيف، ولماذا.. كل هذا نحتاجه من قنواتنا.. فهو أهم وأجدى من تلال الكلام، والأحاديث المطولة من هذا المذيع وتلك المذيعة.

الشروق المصرية في

06/08/2011

 

ليس كل ما يلمع ذهبًا

بقلم: كمال رمزي 

الانتصار الكبير، المبهر، ربما يعمى الأبصار، وقد يكون بداية هزيمة مروعة. هذا ما تعلمنا إياه الأيام.

لكن بعضنا لا يستوعب الدرس.. فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، فاز الحزب الوطنى فوزا ساحقا. اكتسح خصومه. أجبرهم على الانسحاب، وتعرض من دخل حلبة الصراع لهزيمة ماحقة.. وقف أباطرة الحزب، وقد ملأتهم النشوة، أمام الكاميرات، يتحدثون بتواضع مفتعل، يخفى غرورا بلا حدود، عن الحياة الحلوة التى سيعيشها الشعب المصرى، تحت رايات، وبفضل الحزب الرابح، لم ينتبه المنتصرون إلى أنهم هزموا فى قلوب الناس، وهى هزيمة فادحة، قاتلة، قد تكون صامتة، غير معلنة، لكنها تنمو، تزداد، تفور، إلى أن تنطلق فى لحظة، وتنتصر انتصارا حاسما على الرابحين، الذين بدأت خسائرهم غير المحسومة، يوم لمعان طالعهم المزيف. وحين جاءت لحظة الحقيقة، فى أعقاب الثورة، وجد منتصر الأمس نفسه، داخل زنزانة سجن، لا ينطبق عليه إلا وصف نجيب محفوظ: ذهب كل شىء ولم يبق إلا سوء السمعة.

انتصر لواء متقاعد، على المذيعة دينا عبدالرحمن، وهو انتصار له أكثر من معنى، فمن يتابع الحوار الذى جرى بينهما، يدرك الفارق بين الأسلوب العسكرى والأسلوب المدنى، فالعسكرى يقول بالحرف الواحد «القوات المسلحة تعلم الناس ــ كى، جى، وان ــ من الديمقراطية».. هكذا، كما لو أن القوات المسلحة ليست من أبناء الشعب، ذلك الشعب الذى يراه اللواء مجرد أطفال فى طور النمو..

وبعد محاورة قصيرة، انقض اللواء تجريحا فى واحدة من أشرف وأجدع بنات الشعب المصرى، نجلاء بدير، واصفا إياها بـ«المخربة». حاولت المذيعة، بنزاهتها المعهودة، الدفاع عن الصحفية التى تكتب مقالاتها بمداد من ضمير حى، انزعج اللواء، وحين أعوزته الحجة، خلع القايش معنويا، لينهال تأديبا، على الصحفية والمذيعة التى لم تنل ضربتين من صاحب القايش وحسب، بل تم طردها المشرف من القناة.. انتصر اللواء، لكن هزيمته الموجعة كانت فى قلوب الناس، وسحب معه، إلى الهزيمة، صاحب القناة المرتجب.. ولم تأت لحظة الحقيقة بعد سنوات، كما الحال مع الحزب المنحل، ولكن فورا، بعشرات المقالات المنددة باللواء، وبمالك القناة، الذى تلقى ما يليق به، حين قدم الكاتب الشجاع، بلال فضل، استقالته، احتجاجا على ما جرى.

فى مظاهرة يوم الجمعة 29 يوليو، حققت جماعات متطرفة انتصارا شكليا مهولا، ينطوى على خسارة فاجعة، وبعيدا عن التوافق المغدور بين الجماعات المتطرفة من ناحية، وفصائل القوى الليبرالية والجماعات الإسلامية من ناحية أخرى، بدا المشهد، فى المساء، غريبا، عجيبا، استعراضيا، فجا، لا علاقة له بالتاريخ أو الجغرافيا، قد يجلب الغبطة، والإحساس بالظفر لمصطنعيه، لكنه أحدث انقباضا فى القلوب ونفورا فى النفوس. خاصة حين ترددت هتافات سمجة، تجمع بين الجهل الشديد والتعصب الزنيم..

والأدهى، والأعمق إيلاما، ذلك التنازل المقيت على العلم المصرى الحبيب، المعبر عن وطن ضحى أبناؤه بدمائهم، من أجل رفعه ورفعته، واستبداله بأعلام سوداء، تتطابق مع أعلام طالبان وأعلام سفن القراصنة، بالإضافة لحمل عدة أعلام مرسوما عليها سيف أو أكثر، مستوحاة من علم دولة جارة.. المفارقة تكمن فى أن الذين قاموا بهذا الاستعراض ظنوا أنه نهار النصر الكبير، بينما هو، فى حقيقته، مساء العار.

الشروق المصرية في

03/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)