حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الملك الأسطورة (15):

فريد شوقي… مستعدٌّ للرحيل

كتب: القاهرة - ماهر زهدي

ظلّ فريد شوقي على مدار 40 سنة يدخن السجائر، وكان متوسط ما يدخنه يومياً 80 سيجارة، حتى اتخذ في ذلك اليوم قراراً بالامتناع عن التدخين نهائياً، فقد سافر وزوجته سهير ترك للاستجمام وإجراء فحوصات طبية في ألمانيا، ودخلا أحد المحلات في مدينة فرانكفورت لشراء هدايا لبناته، وصودف أن تعطّلت السلالم المتحرّكة فيه، فصعد فريد الدرج على قدميه، ولم يكد يتسلّق خمس درجات حتى وجد نفسه يلهث من شدّة التعب والإعياء، وكاد نفسَه ينقطع.

توقّف فريد لالتقاط أنفاسه وهو ممسك بسيجارة في يده، نظر إلى صدره يعلو ويهبط ورمق السيجارة في يده، بحث عن كرسي يجلس عليه فلم يجد، أسند ظهره إلى الحائط، وراح يحدث نفسه:

* يا نهار إسود… معقول اللي بيحصل ده… مش قادر أطلع عشرين درجة سلم… ونفَسي انقطع، وحش الشاشة نفسه ينقطع من كام درجة سلم؟ والله عنده حق صلاح منتصر في كل الكلام اللي بيكتبه عن التدخين وبلاويه… وشرف أمي ما أنا حاطط سيجارة في بقّي تاني من النهارده.

أخرج فريد علبة السجائر، دهسها بحذائه وألقى بها في أقرب سلة مهملات، كان من الصعب عليه الامتناع عن التدخين بعد عادة مارسها بانتظام ما يزيد على 40 عاماً، ولكنه شعر بأنه سيواجه متاعب صحية، فكان القرار الصعب الذي نجح فيه بامتياز.

كلام في السياسة

عاد فريد من رحلة ألمانيا عام 1985، وحرص على المشاركة في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» في دورته ذلك العام، ليدعم صديقه الكاتب سعد الدين وهبة، رئيس المهرجان، وبينما كانت وفود من دول عربية تلبي دعوة وهبه على العشاء في منزله وقف فريد وسط المدعوين وراح يلعن أحد الرؤساء العرب، الذي يشترك بلده مع مصر في حدودها الغربية، بعدما منع وفد بلده من المشاركة في المهرجان، لخلاف سياسي مع مصر:

* ده راجل مجنون ومحتاج يدخل مستشفى أمراض عقلية علشان يتعالج.

- موقف غريب فعلاً من الراجل ده… ده معيّش شعبه في ظلام كإنه لسه في العصور الوسطى… وعامل فيها زعيم.

* ده زعيم أونطه… ديكتاتور بمعنى الكلمة، والشعوب لازم تلغي الديكتاتورية من قاموسها وتبعت الناس دول اللي عاملين زعما لمزبلة التاريخ من غير كلام.

- إنت قلبتها سياسة يعني يا فريد.

* المسألة مش سياسة ولا اقتصاد، إحنا خلاص كلها 15 سنة وندخل القرن الواحد والعشرين، ولسه كتير من شعوبنا العربية عايشة في قمع وظلم ومفيش حرية ولا تعبير عن الرأي.

= الله ده كلام كبير وبجد بقى… إنت انضميت للحزب ولا إيه يا أستاذ فريد؟

* يا حبيبي أنا مش بتاع أحزاب ولا حتى بتاع سياسة… أنا فنان مصري.

الملك هو الملك

في حقبة الثمانينيات تراجعت السينما إلى حدّ ما وانتشر بقوة ما يعرف بـ «أفلام المقاولات»، أي تكرار القضايا المطروحة واللعب على «التيمات» نفسها… وشهد شباك التذاكر على تراجع مستوى السينما عما كانت عليه في السبعينيات، غير أن فريد شوقي استمر بطلاً، فقدم أفلاماً كان نجمها الأول على رغم بلوغه العقد السابع من عمره، واختار بطلاته من الوجوه الجديدة، فقدم في النصف الثاني من الثمانينات (1990-1985) ما لا يقل عن 40 فيلماً من بينها: «إعدام ميت» إخراج علي عبد الخالق، مع ليلى علوي وبوسي. «الكف» إخراج محمد حسيب مع آثار الحكيم. «أنا» إخراج أحمد السبعاوي مع مديحة كامل وليلى علوي. «أولاد الأصول» إخراج فايق إسماعيل مع لبلبة. «عفواً أيها القانون» إخراج إيناس الدغيدي مع نجلاء فتحي. «سعد اليتيم» إخراج أشرف فهمي مع نجلاء فتحي. «ملف في الآداب» إخراج عاطف الطيب مع مديحة كامل.

بعد ذلك قدم فيلم «الجريح» شاركه في البطولة كل من محمد صبحي وليلى علوي، وأخرجه مدحت السباعي الذي تزوّج ابنة فريد المنتجة ناهد فريد شوقي بعد طلاقها الثاني من المحامي عاصم قنديل.

في مطلع عام 1986، عرض عليه صديقه سعد الدين وهبة بطولة فيلم «آه يا بلد آه» من تأليفه، إخراج حسين كمال، مع: حسين فهمي، ليلى علوي، تحية كاريوكا. للمرة الأولى يتخلى فريد عن «الباروكة» التي لازمته أكثر من 30 عاماً، وأدى الدور بجرأة حسده عليها الفنانون وأشاد بها جمهوره، إذ حمّله خبرة سنوات عمره، لدرجة أن النقاد أضافوا إليه لقباً جديداً بعد هو «زوربا المصري»، لأنه نافس بأدائه شخصية «زوربا اليوناني» التي جسّدها النجم العالمي أنطوني كوين.

في ظل تردي السينما حرص فريد على اختيار الأفضل بين الأعمال التي تعرض عليه، لا سيما أنه لا يطيق الجلوس بلا عمل، فقدم: «الدباح» إخراج نيازي مصطفى، مع آثار الحكيم. «روض الفرج» إخراج عبد الفتاح مدبولي، مع ناهد يسري وتحية كاريوكا. «عشماوي» إخراج علاء محجوب، مع هالة فؤاد. «أصدقاء الشيطان» إخراج أحمد ياسين، مع نور الشريف ومديحة كامل. «المتمرّد» إخراج بركات، مع ليلى علوي. «التحدي» إخراج إيناس الدغيدي، مع نبيلة عبيد… بعد ذلك ظهر كضيف شرف في فيلم «قلب الليل» مع المخرج عاطف الطيب، ليؤكد المقولة التي كان ينادي بها:

* مش مهم حجم الدور… المهم هتعمله إزاي… وهيسيب أثر عند المتفرج ولا لأ؟!

عودة الماضي

في مطلع عام 1991، عرض عليه سمير خفاجي، صاحب فرقة الفنانين المتحدين، تقديم مسرحية «شارع محمد علي» على أن تشاركه البطولة الفنانة شريهان التي برعت إلى حدّ كبير في منافسة نيللي على «فوازير رمضان» وقدّمت الاستعراض بخفّة دم.

وافق فريد، على رغم أنها كانت المرة الأولى التي يلتقي فيها شريهان في التمثيل، إلا أنها لم تكن المرة الأولى التي يقترب فيها منها، فقد كانت قريبة منه إلى حد كبير، بل تعتبره الراعي لمسيرتها وتأخذ برأيه وتعمل به في كل ما يعرض عليها من أعمال، وفي ليلة العرض الأخيرة، وقف فريد شوقي على خشبة المسرح وهو يحتضن شريهان ويهنئها على انتهاء المسرحية:

* مبروك يا شيري… إنت عارفه إني بحبك زي بنتي رانيا بالظبط، لكن عايزك تدرسي خياراتك اللي جاية برواقة أكثر… اللي عملتيه لحد دلوقت هايل جداً… لكن إوعي تتنازلي دلوقتي… لأن ممكن ييجي عليك وقت تتنازلي فيه غصب عنك.

في عام 1992 جمعت ناهد فريد شوقي كمنتجة وزوجها المخرج مدحت السباعي والديها فريد شوقي وهدى سلطان مجدداً، لكن على الشاشة، كضيفي شرف في فيلم «امرأة آيلة للسقوط»، بعد انفصال دام أكثر من 20 عاماً، فاستغلت ناهد ومدحت ذلك بذكاء في دعاية الفيلم الذي حقق نجاحاً مدوياً.

لم يكن فريد يرفض طلباً لإحدى بناته، حتى لو كان ذلك سيسبب له ألما نفسياً، وكان يسعده لقب «أبو البنات»، ولم يهتم بأي أمر آخر، فربما تمنى في صباه أن يرزق بولد، غير أنه لم يعد يفكّر في هذا الأمر عندما شاهد بناته، في حياتهن العملية، أفضل من الرجال، وهذا ما جعله يوافق على الطلب الذي فاجأته به رانيا، التي أصبحت شابة يافعة ولها طموحات وتطلعات فنية:

* إنت وعدتني… ووعد فريد دين عليه… وبعدين أنا بقالي دلوقت أكتر من سنة بتدرب… وبشهادة الكل… وإنت أولهم إني بقيت ممثلة هايلة.

= أنا مش متأخر… بس مينفعش الأميرة بنت الملك تظهر في دور كده عادي… لازم أقدمك للسينما كبيرة… علشان تفضلي طول عمرك كبيرة… وبعدين مش عاوز الصحافة والنقاد يقاطعوني… يقولوا آدي بنت فريد شوقي ممثلة مش أد كده…

* أنا ممثلة مش أد كده؟… طب إيه رأيك أنا هغيرك… ومش هتلعب البطولة قدامي!

= أرجوك يا رانيا… دي فرصة عمري اللي بستناها… لو حرمتيني منها مستقبلي هيضيع.

* سيبني أفكر.

رانيا ممثلة

اختار فريد شوقي سيناريو كتبه شريف المنباوي، يظهر قدرات رانيا تمثيلاً ورقصاً وغناء، طيبة وشراً، حركة وعنفاً ومطاردات، رومنسية وحباً، توليفة يضمن بها تقديم ابنته إلى الوسط السينمائي، ما جعل رانيا تنجح بسهولة وسرعة ويتقبّلها الجمهور.

مع أنه تخطى السبعين من عمره، إلا أن فريد قرّر أن يخوض تحدياً جديداً مع نفسه، فوافق على العودة، في هذه السن المتقدمة، إلى خشبة المسرح وقدّم مسرحية «100 مسا» (1993) فكانت أهم متنفس له على الصعيد الشخصي، إذ حتمت عليه الذهاب يومياً إلى المسرح وتهيئة نفسه للدور والتواصل مع الفن بجدية، على رغم تراجع حالته الصحية إلا أنه كان سعيداً بهذا العمل، ليس لأن مضمونه كان فارقاً، إنما لأنه شعر من خلاله بأنه ما زال قادراً على العطاء:

* المسرحية دي خلتني فعلاً أحس بإن الفن لسه بيجري في عروقي مهما كبرت في السن.

العمل في المسرح مؤشر مهم للوسط الفني على حالة الفنان الصحية، لصعوبة الوقوف والمداومة اليومية، ما يزيد طلب صناع السينما أو الدراما التلفزيونية عليه، هكذا انهالت العروض على فريد شوقي، فقدم في تلك الفترة ما يزيد على عشرين فيلماً، من بينها: «الخادم»، «الشيطانة»، «شاويش نص الليل»، «دموع صاحبة الجلالة»، «اللعبة القذرة»، «لا يا عنف»، «امرأة تدفع الثمن»، «ليه يا هرم»، «الطيّب والشرس والجميلة»، «الرجل الشرس»، «الغاضبون»…

لم يكن فريد يهدأ أو يبقى يوماً واحداً من دون عمل. كان يخرج من ستوديو ليدخل آخر، فتمرّد قلبه عليه وفاجأه بأزمة مع أنه لم يعد يدخن، ونصحه الأطباء بضرورة الراحة، لكنه لم يستجب، وقدم مع ياسين، نجل صديقه القديم الراحل إسماعيل ياسين، فيلم حركة ورعب بعنوان «الرجل الشرس» (1996)، وبذل فيه جهداً كبيراً وما كاد ينتهي من التصوير حتى فاجأته أزمة قلبية جديدة، دخل على إثرها المستشفى، وخرج بعدما نصحه الأطباء بعدم إجهاد قلبه وملازمة الفراش كلما أمكن ذلك، غير أن الملك لم يعتد الجلوس في البيت وعدم الحركة، ولم يستجب لأوامر الأطباء، وفي مطلع 1998، فاجأته الأزمة مجدداً، وكتبت الصحف المصرية والعربية:

حياة وحش الشاشة في خطر… والأطباء يطلبون منه اعتزال التمثيل.

أجبر الأطباء فريد شوقي على الابتعاد نهائياً عن الأضواء، فألغى تعاقدات كان اتفق عليها لتنفيذها، فقد مضى به العمر، صار يحمل جسماً منهكاً من التعب وبديناً، ويئن قلبه بين ضلوعه، وتشكو عيناه من ضعف البصر، تكاد السنوات تقضي على معالم تناسقه، أرهقه العمل وتراكم الطلبات الفنية عليه…

شريط الذكريات

مرّ شريط الذكريات سريعاً بتفاصيله، بينما فريد شوقي يرقد على فراش المرض، بعدما سمع وشاهد الخبر الذي بثته الفضائيات ووكالات الأنباء العربية والعالمية نقلاً عن التلفزيون المصري:

رحيل الملك فريد شوقي.

بقدر ما أغضبه هذا الخبر وأدخل الحزن والرعب في نفوس زوجته وبناته، بقدر ما أسعده، لأنه شاهد وسمع ردود الفعل حول خبر رحيله، ونظر إلى زوجته سهير ترك وهو يضحك ضحكته الشهيرة، وإن لم تعد كما كانت، وقال:

* برضه الملك… ملك حتى في موته.

- بعيد الشر عنك… متقلش كده… إنت كويس وإن شاء الله هتبقى زي الأول وأحسن.

* احنا مش هنضحك على بعض… أنا كويس والحمد لله آه… لكن زي الأول دي واسعة… مش شوية… لا كتير…

صمت لحظة ثم نظر إليها، وجدها تبكي… فحاول أن يزيل حزنها وضحك قائلاً:

* لازم يكون فريد شوقي هو الفنان الوحيد في العالم اللي يتعمل بروفة لموته قبل ما يموت… علشان يعرف إزاي هتستقبل الناس خبر موته، وهيحصل إيه؟ ومين هيزعل ومين يحزن… تصدقي بيقولوا إن فيه واحدة أغمى عليها لما سمعت الخبر… علشان تعرفي بس إن الدهن في العتاقي… وإن لسه فيه ستات معجبات ممكن تموت نفسها علشان فريد شوقي.

= فريد أرجوك… بلاش سيرة الموت.

* كلنا هنموت… بس صدقيني اللي بيخلد الفنان مش ابنه ولا بنته… اللي بيخلده عمله، والكم الكبير من الأفلام اللي تعبت عليها وصورتها طول السنين دي… مش عارف ليه في المناسبات اللي زي كده لازم يقولوا اتجوز مين وحب مين وطلق مين. ده كلام ميهمش الناس… اللي يهمهم الفنان قدم لهم إيه وخدمهم ولا لأ… الفنان الحقيقي لازم يكون جاد في القضايا اللي بيقدمها لبلده… ولازم يكون دمه خفيف… ووزنه كمان، علشان الناس تفضل تحبه… مش يبقى شايل قنطار شحم على جسمه… علشان كده إن شاء الله أول ما أقوم لازم أنزل وزني.

بعد خروجه من المستشفى الذي أمضى فيه أياماً إثر تعرّضه لأزمة صحية، طلب فريد شوقي أن يلتقي بناته في «فيلا العجوزة» وحدهنّ من دون الأحفاد أو الأزواج، وقفن حوله وهو يرقد في السرير وعن يمينه زوجته سهير ترك:

- زمان كنت بشتغل ليل ونهار علشان أعمل اسمي مش أعمل فلوس، ولما عملت اسم برضه كنت بشتغل ليل ونهار، لكن برضه مكنتش عاوز أعمل فلوس… كنت عاوز أعملكم إنتو… أربيكم وأعلمكم وأجوزكم وأشوفكم سعدا.

وقف فريد بمساعدة سهير واتجه إلى شرفة حجرته… ونظر إلى المسجد في جوار منزله:

- أنا فاكر إني عمري ما أغضبت أبويا أو أمي عليهم رحمة الله… والحمد لله كنت بحاول على قد ما أقدر مغضبش ربنا… عمري ما ظلمت حد أو كلت حق حد… ممكن أكون عملت أخطاء بس عارف إن ربنا رؤوف رحيم.

عارفين… لما كنا بنتقابل أنا وزمايلي الفنانين كنت بسمعهم يقولوا «فلان» اشترى «عزبة»، «علان» عنده عمارة عشرين دور، وغيره وغيره… ومع إنى كسبت أكتر بكتير من «فلان وعلان» لكن الحمد لله على الستر، انتم ثروتي… ربيتكم كويس وسترتكم… وشغلتكم… وعاوزكم تربوا ولادكم زي ما ربيتكم… أسهل حاجة إنكم تعملوا فلوس… لكن صعب جدا تعملوا «بني أدمين»، مش هكدب عليكم وأقول إني مفكرتش في نفسي واسمي، لكن معاهم كنت بفكر اعمل إيه للفن… للبلد… وإزاي الفن اللي بقدمه يخدم بلدي وأهلي وناسي… علشان كده مفيش واحدة فيكم عمرها ماهتنكسف قدام نفسها أو جوزها وولادها… وقدام المجتمع كله من عمل قدمه أبوها… في حياتي أو بعد ما أموت… بالعكس هتفتخروا بأبوكم قدام الدنيا كلها… وباللي عمله وقدمه فريد شوقي.

مات الملك… عاش الملك

لم يمر 40 يوماً على إعلان خبر وفاته عن طريق الخطأ في التلفزيون، إلا ورحل الملك. رحل وحش الشاشة، الرجل الرائع في حياته الخاصة والفنية، بعدما أصبح أسطورة حقيقية، صنع لنفسه اسماً ساطعاً بأحرف من نور في تاريخ الفن العربي، رحل بعدما أرهقه المرض وأصيب بثلاث نوبات قلبية حادة، رحل آخر العمالقة عندما لم يعد قلبه يتحمل هذه السنوات كلّها وهذا المشوار الفني الطويل، رحل النجم الذي يحمل ألقاباً وأوسمة لو تجمعت في شخص واحد لملأته غروراً

لم يكن فريد شوقي فناناً كبيراً فحسب… بل كان أسطورة، اتسعت وتعمقت منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى رحيله، راهن على الفن كسلاح وحيد لمناهضة آثام البشرية من شرور وجريمة وقبح وتطرّف، فكان فنانا مسكوناً بالفن وللفن.

رحل فريد شوقي بعدما ترك تاريخاً مشرّفاً للفن المصري، لم يكن مجرد ممثل لمع اسمه ونجمه، لم يكن مجرد فنان متعدد المراحل والألوان الدرامية، بل حارب في أعماله في سبيل المواطن المصري، اجتهد لإلغاء السابقة الأولى للسجين، بل وساهمت أعماله في إصدار قانون يقضي بخروج السجين من وراء القضبان لمدة 48 ساعة ليزور أهله، كذلك أظهر الوجه القبيح ودور المخدرات في مجتمعاتنا العربية، وحارب الرشوة «الراشي والمرتشي» ودان استغلال التجار المتلاعبين بقوت الشعب، وخاطر وعرّض حياته وزملاءه الفنانين للخطر مراراً ليقدموا فيلماً يدين العدوان الثلاثي الغاشم على الوطن، بالإضافة إلى قضايا كثيرة ومشاكل تهمّ المواطن المصري والعربي، فصنع من اسمه هرماً فنيا وقيمة كبيرة.

لم يكن مجرد «زعيم أونطه» نصّب نفسه من دون أن ينصّبه الناس أو يتحدث في ما لا يفهم فيه، بل قدّم ما يخدم جمهوره وأهله ووطنه، وحافظ على مكانته أكثر من نصف قرن من الزمان، فتوّجه الجمهور ملكاً على عرش الفن المصري، لأنه عرف قيمته، فاستحقّ تكريم الوطن والنقاد والجمهور.

الجريدة الكويتية في

14/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)