حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صفحات من حياة تحية كاريوكا أشهر راقصة عرفتها مصر (3-5)

تزوجت 13 مرة.. ورشدي أباظة أحبهم إلى قلبها

القاهرة ـ خالد بطراوي

لم تكن تحية كاريوكا مجرد فنانة كبيرة فقط، بل رحلة إنسانية طويلة «موشومة» بالفن والسياسة والجوع والترف والدموع والسعادة، وأخيرا بآلام الوحدة. رحلة عمرها الفني تجاوزت نصف القرن، بدأت بالرقص ووصلت إلى النجومية الحقيقية في السينما. إليكم صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر بين الفرح والألم.. الابتسامة والدموع.. بين السعادة والحزن.. الضحك حتى البكاء والعكس، عاشت تحية كاريوكا الفنانة والانسانة، تبحث عن لحظة اطمئنان تزيل عنها مخاوف زمن شعرت فيه بالرهبة وهي لا تزال في العاشرة من عمرها. برحيلها، أطلقت آخر صيحة ضد مخاوفها وغربتها.. ورحلت تعانق صدقها ببساطتها.. رحلت الراقصة التي اعتزلت في قمة مجدها، رحلت الممثلة التي التزمت بالصدق، فغضب منها الكثيرون.. رحلت المرأة التي افتقدت الاخلاص، فاتهمت بكثرة الزواج، رحلت بعد أن انتصر عليها القهر وخلفها قعيدة صدقها، فرافقته حتى النهاية.

تزوّجت تحية كاريوكا 13 مرة، وكانت دائما تقول: إيهما أفضل.. أن أتزوج من أحب على كتاب الله وسنّة رسوله، أم أن أعاشره في الحرام؟!

ولو كانت تحية كاريوكا قد روت ما رأت مع أزواجها الثلاثة عشر، لكانت كتبت فصولا حول خبايا الوسط الفني والسياسي أيضا، وقد تزوّجت كلا من محمد سلطان باشا، وكان مليونيرا واستمر زواجهما عامين فقط، وفي هذه الفترة تركت الفن ومكثت بالمنزل.. لكنها وقتها بدأت تسأل نفسها: إلى متى يظل يغدق عليها الأموال ويصرف على عائلتها المكونة من أمها وبنات أختها الأربع، وكن في مدرسة لغات فرنسية؟ لذلك بدأت تشفق عليه وطلبت منه الطلاق، لأنها أدركت غلطتها في ترك عملها والاعتماد على غيرها في المصروفات.

الزواج الثاني كان من الفنان أحمد سالم، واستمر زواجهما لمدة عام واحد فقط، وكان ذلك في بداية الاربعينات. وقتها كانت صديقة للفنانة أسمهان، ولقد شجعت تحية كاريوكا زوجها أحمد سالم على الزواج من أسمهان حتى يسهل لها دخول مصر، وبعد ذلك الحين لم يلتقيا إلا قليلا حتى تم الطلاق بينهما.

الزواج الثالث كان من الكولونيل الأميركي شبرد ليفي، الذي أشهر إسلامه وسافرت معه إلى أميركا لمدة عام واحد.. والزواج الرابع كان من ضابط الجيش مصطفى كمال صدقي، والخامس من المخرج فطين عبدالوهاب، وكان لا يزال وقتها مساعد مخرج، ولم يستمر زواجهما اكثر من ستة أشهر فقط، لأنه كان دائما يراها فنانة مشهورة لها اسمها وهو ما زال في بداية الطريق، وكان يقول لها أنه لا يستطيع أن يكون زوج الست.

والطريف أنه في اليوم الذي تم فيه طلاقهما كان فطين عبدالوهاب قد حجز تذكرتين لفيلم أجنبي في سينما «مترو». وبعد الطلاق سألها: هل ستذهبين للسينما أم لا!.. فقالت له: أذهب طبعا. وفعلا ذهبا للسينما بعد الطلاق.

الزواج السادس كان من انطوان عيسى أحد أصحاب الملاهي الليلية، والسابع من الطبيب الجراح حسن حسني.

صداقة انتهت بزواج

الزواج الثامن كان من دون جوان الشاشة رشدي أباظة.. لم يكونا على موعد، ولم يعملا في فيلم واحد.. ولم يجمعهما بيت صديق.. ولم يتقابلا في حفلة ما.. وإنما أراد لهما القدر أن يتزوجا من دون مقدمات.. ومن دون أي مغامرات تسبق زواجهما كما هي العادة.

هكذا تزوجت تحية كاريوكا من رشدي أباظة.. كان يزور صديقا له في استديو شبرا، وكانت تعمل في الاستديو نفسه.. وتقابلا، وحدث بينهما ما يسمى بالاستلطاف.. الإعجاب العادي الذي قد يربط بين صديقين لا يهم أن يكون أحدهما رجلا والآخر امرأة.

هكذا بدأت العلاقة بينهما.. صداقة لا تزيد على صداقة رجل لرجل، ثم حدث فجأة ما لم يكن في الحسبان، حسبان رشدي أباظة نفسه، ففي يوم من أيام هذه الصداقة قالت له تحية إنها طلقت زوجها الأخير، وكان ضابطا في الجيش. ولم تمر أيام أخرى حتى كان رشدي أباظة قد أحس بأن ما بينه وبين تحية كاريوكا قد وصل إلى درجة الحب.. حب قوى متين جذوره صداقة متينة لا تشوبها شائبة!

وكانت تحية تعمل في ذلك الوقت في ستديو شبرا في فيلم «ابن الحلال»، وبالتحديد في يوم 4 ديسمبر عام 1950 صباحا، وبينما رشدي أباظة يوصلها إلى الاستديو اتفقا على الزواج. وسافر رشدي أباظة إلى احدى القرى المجاورة بالجيزة، حيث يعيش هناك صديق يدعى الشيخ محمد اعتاد أن يتفاءل به.وفي الساعة الخامسة بعد الظهر وصل رشدي اباظة إلى ستديو شبرا.. وكان في السيارة ثلاثة غيره.. اثنان من الأصدقاء انتزعهما من القهوة والشيخ محمد. واستأذنت تحية كاريوكا من مخرج الفيلم سيف الدين شوكت لبضع دقائق تزور فيها صديقا مريضا.

وفي البيت عقد قرانها على رشدي أباظة وكان صديقاه اللذان انتزعهما من القهوة شاهدي العرس، وكان الشيخ محمد هو المأذون الذي عقد لهما القران!

وهكذا خرجت تحية كاريوكا من الاستديو لبضع دقائق تزور فيها صديقا.. ثم عادت زوجة لرشدي اباظة.. ولم يستغرق كل هذا سوى ساعة واحدة.

وسافرت تحية كاريوكا ومعها رشدي أباظة الى لبنان لقضاء فترة شهر العسل.. ثم عاد وحده بعد أن دبت الخلافات بينهما بسبب الغيرة الشديدة، واستمر زواجهما لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة كانت من أسعد أيام حياتها.

الحب الوحيد

كان رشدي يحبها جدا، بل ظل يحبها حتى وفاته، وهو يعتبر أكبر حب في حياتها بل الحب الوحيد. كان رشدي اباظة يرفض أن يعمل معها في أفلامها خشية أن يظن الناس أنه تزوجها لكي يصل على أكتافها، وبالرغم من طلاقهما إلا أنهما ظلا يحملان لبعضهما كل حب وتقدير، لدرجة أنه عندما تزوّج سامية جمال، كان عندما تنشب بينهما مشاجرة يتصل بها لكي تصلح بينهما، وعندما توفي كتب في وصيته ألا يزور قبره إلا «تحية فقط»!

والزواج التاسع كان من المطرب محرم فؤاد، والعاشر من عبدالمنعم الخادم من الأسرة المالكة، والحادي عشر من د. محمد فياض، والثاني عشر من الصحفي اللبناني ابراهيم شومان، وأخيرا الفنان فايز حلاوة الذي عاشت معه أطول حياة زوجية لأكثر من ربع قرن، ثم انفصلا بالطلاق في 29 ديسمبر عام 1985.

ضحية محتال

ولا أفشي سرا إذا قلت إنه عندما كانت تحية كاريوكا تخطو خطواتها الأولى في طريق الفن، كانت قليلة الخبرة بأساليب الرجال في المخادعة.

ففي أوائل فترة الاربعينات تقدم لها رجل أنيق المظهر وسيم، وأخذ يبثها حبه وهيامه بها، وأبدى استعداده لأن يضع تحت قدميها قلبه ورصيده في البنوك وإيراد عزبته وسيارته واسمه، لأنه يريد أن يتزوجها. ولم تتردد تحية كاريوكا في قبول طلبه، لأن الرجل على الرغم من أنه تخطى الخمسين، كان رشيقا جذابا لبقا في حديثه مرموقا من جميع النساء. وبدأ الاستعداد للزفاف، وعلمت تحية كاريوكا أن هناك زميلة ألقت شباكها حول هذا الرجل لتأخذه منها، وأنها تتصل به يوميا، فبدأت تجمع الأدلة على اتصاله بالأخرى من دون أن تشعره بشيء، فقد كانت تعلم أنه رجل حذر وسريع الخاطر ولبق.. وفي استطاعته أن يواجه الأدلة إذا لم تكن قوية ومتينة.

وأثناء جمع الأدلة والمعلومات علمت ما لم تكن تتوقعه، علمت أن الرجل محتال كبير، وخبير بأساليب المخادعة والمكر، وأنه تزوج سبع مرات، ومن زوجاته أربع على ذمته، وأنه يسطو على ايرادات زوجاته، لأنه يختارهن من صاحبات الوظائف أو صاحبات الأملاك.. وأغرب من هذا أن الزواج هو حرفته التي يعيش منها.

وحمدت تحية كاريوكا الظروف التي وضعت في طريقها هذه الزميلة التي أرادت خطف هذا الزوج، حيث كان ذلك سببا في خلاصها من ورطة كبرى.

صراع النجومية

الذي لا يعرفه الكثيرون أنه في العام 1957 كان الصراع بين تحية كاريوكا وهند رستم غير متكافئ، لأنه كان صراعا بين نجمة كبيرة في القمة وبين نجمة ناشئة في أول الطريق بدأت العمل معها كومبارس في فيلم «حب وجنون» عام 1948.

كانت هند رستم تعتبر نفسها ندا للنجمة الكبيرة تحية كاريوكا.. حقيقة أن تحية كاريوكا هي التي كانت بادئة بالعداء عندما رشحها المخرج صلاح أبو سيف لتمثيل الدور الثاني امامها في فيلم «الفتوة» فرفضت تحية كاريوكا قائلة: «يانا.. يا هي»!

وبذلك طار منها الدور، في الوقت الذي كانت هند رستم تبحث فيه عن أي فرصة فنية ممكنة.

وسئلت هند رستم وقتذاك عن سر العداء بينها وبين النجمة الكبيرة التي تتلمذت عليها في فن الاستعراض، فقالت «إنه يرجع إلى شيء توهمته تحية كاريوكا من دون أن يكون له أساس من الحقيقة، وهو أن البعض ذكر لها أنني ظهرت في إحدى السهرات مع أحد أزواجها السابقين وهو عبدالمنعم الخادم، فاتخذت مني هذا الموقف العدائي».

ولذلك وقفت منها موقف التحدي، واختطفت منها دورين كانت مرشحة لهما من قبل وهما دور البطولة في فيلم «توحة» عن مسلسلها الإذاعي الناجح، وكذلك دور «عنان» في فيلم «الخروج من الجنة» عام 1967.

راقصة السياسيين

اشتهرت تحية كاريوكا بأنها راقصة السياسيين.. فلم يأت ضيف لزيارة مصر إلا طلب رؤيتها ومنهم الزعيم التركي «أتاتورك»، كما رقصت في حفل زفاف الملك السابق فاروق. وكذلك رقصت أمام أم كلثوم في حفل النادي الأهلي الذي أقيم بمناسبة حصوله على درع الدوري العام، وهي المرة الوحيدة التي غنت فيها أم كلثوم وأمامها راقصة، وكان الجمهور يصفق مرتين، مرة لصوت أم كلثوم ومرة لرقص تحية كاريوكا، لدرجة أن أم كلثوم قالت لها: «تحية.. أنت بتغني بوسطك»، أي أنها تبدع في الرقص كما تبدع أم كلثوم في الغناء.

وهكذا كانت تحية كاريوكا مشوارا طويلا من الأحزان والأفراح والآلام والنجاح والفشل، والصعود إلى أعلى القمم، والطموح والتسامح، فرغم أنها لم تتعلم إلا أنها كانت تجيد الانكليزية والفرنسية بطلاقة، ورغم أنها تربت يتيمة وسط بيئة كلها حقد وغدر، إلا أنها ارتفعت فوق كل هذا وجعلت كل الأولاد في عائلتها أولادها، وأكبر مثال رعايتها لابنة أختها الفنانة رجاء الجداوي التي عوضتها عن حرمانها من الإنجاب.
غدا
{جدعة} تدافع عن المظلوم.. و{تضرب} الظالم

القبس الكويتية في

03/08/2011

 

صفحات من حياة تحية كاريوكا أشهر راقصة عرفتها مصر(4 - 5)

{جدعة} تدافع عن المظلوم.. و{تضرب} الظالم

القاهرة - خالد بطراوي 

لم تكن تحية كاريوكا مجرد فنانة كبيرة فقط، بل رحلة إنسانية طويلة «موشومة» بالفن والسياسة والجوع والترف والدموع والسعادة، وأخيرا بآلام الوحدة. رحلة عمرها الفني تجاوزت نصف القرن، بدأت بالرقص ووصلت إلى النجومية الحقيقية في السينما. إليكم صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر بين الفرح والألم.. الابتسامة والدموع.. بين السعادة والحزن.. الضحك حتى البكاء والعكس، عاشت تحية كاريوكا الفنانة والانسانة، تبحث عن لحظة اطمئنان تزيل عنها مخاوف زمن شعرت فيه بالرهبة وهي لا تزال في العاشرة من عمرها. برحيلها، أطلقت آخر صيحة ضد مخاوفها وغربتها.. ورحلت تعانق صدقها ببساطتها.. رحلت الراقصة التي اعتزلت في قمة مجدها، رحلت الممثلة التي التزمت بالصدق، فغضب منها الكثيرون.. رحلت المرأة التي افتقدت الاخلاص، فاتهمت بكثرة الزواج، رحلت بعد أن انتصر عليها القهر وخلفها قعيدة صدقها، فرافقته حتى النهاية.

كانت تحية كاريوكا الإنسانة أسطورة، تشع حبا وحنانا وتغدق على الجميع، كانت تملك قلب عصفور، أو طفل صغير، فمن كثرة ما عانت من الجوع والذل أصبحت نبع حنان للفقير والمكلوم والمظلوم، ومن كثرة ما لاقت من اضطهاد أصبح صدرها الحاني مرفأ حب ومودة للمقهورين وكل من يقع عليهم جور..
وتداخل دورها الإنساني مع دورها الوطني، فقد كانت شديدة الوطنية، وكانت أول من انضم من الفنانين إلى جمعية تحسين الصحة منذ قيامها، وراحت تداوي جراح مصابي الحرب على الجبهة في 1967، وظلت تتخيل كل مصاب كأنه أب أو أخ، إلى أن عثرت فعلا على الأخ وابن الأخ مصابين. ورغم انقطاع الصلة بينها وبين أخيها داوت جراحه وساندته، وهو الذي كان ينظر إليها على أنها وصمة عار، يومها أحس أنها ملاك رحمة، وزال ما بينهما من خلافات.

نصيرة المحتاجين

وفي عملها الإنساني لم تكن تبالي لا لسلامتها ولا لعمرها ولا صحتها ولا وقتها ولا عملها، وعندما سار قطار الرحمة منذ 58 عاما، كانت قائده وسائقه، وكانت هي التي حثت على التبرع لأسبوع التسليح دفاعا عن الوطن، ونالت وساما عن جهدها ذلك.

كانت تبكي لمرض أي فنان، أو حاجته أو حاجة أسرته من بعده، وكانت إذا لمحت في عين أحد حاجة تسابق إلى منحه من دون أن يطلب بمانع من عزة النفس.

وفي عام 1976 جاهدت تحية كاريوكا إلى أن التقت بالرئيس الراحل محمد أنور السادات في عيد الفن، وطلبت منه سرعة صرف معاش استثنائي للفنانة زينات صدقي، التي كانت تمر بظروف قاسية نتيجة مرضها. لم يكن يهمها في عمل الخير، هل تكون هي صاحبة الفكرة أم غيرها، المهم أن تجنّد نفسها على الفور فيما هو خير.

وفاء وشهامة

الوفاء عند تحية كاريوكا كان طابعا جنونيا، وكانت شهامتها تعضد أفعالها. فوفاء لأحد أزواجها السياسيين السابقين دخلت السجن، وأحالت عنبر المسجونات في سجن الاستئناف بباب الخلق إلى دنيا تعج بالحياة، كانت تعمل على تسليتهن ومساعدتهن على النظافة. وكان لها امتياز جلب الطعام من الخارج، فكانت تحضر لهن أفخر الطعام وتشاركهن الأكل. وعندما وضعت واحدة منهن مولودا داخل العنبر، احتفلت هي بـ «السبوع»، وجاءها الأصدقاء من الخارج بالشموع والمكسرات والحلوى، وأقامت للمولود «سبوعا» كبيرا غنت فيه ورقصت، حيث تساهلت ادارة السجن إزاء هذا الملمح الإنساني من الفنانة الرقيقة المجاملة تحية كاريوكا، وان كانت قد تسببت في حجز المخرج حلمي رفلة 24 ساعة في قسم الخليفة، وذلك عندما حاول مخاطبتها وتحيتها من تحت شباك السجن وسؤالها عن مطالب لها، فقبض عليه بتهمة محاولة الاتفاق على تهريبها، وطبعا لم تكن هناك محاولة تهريب، ولذلك أفرج عنه بعد يوم وليلة.

ضرب سوزان

والذي يذكر أنه بعد شهرين أفرج عن تحية كاريوكا التي تفخر أنها سُجنت يوما ما في قضية سياسية وطنية، ومن شهامتها انبرت للدفاع عن المخرج عز الدين ذو الفقار ذات مرة عندما كان يرقص مع زوجته وقتذاك، زميلتها فاتن حمامة في فندق سميراميس، وإذا بفاتن حمامة تصرخ عز.. عز، وتبين أن شخصا قد هجم عليه وطرحه أرضا، وانهال عليه ضربا، فتقدمت هي وصوبت حذائها نحو عيني الرجل ففقأت إحداهما، وفي اليوم التالي زارته في المستشفى وصالحته.

ومرة أخرى، وفي عام 1992 أضربت عن الطعام في نقابة السينمائيين لمدة عشرة أيام لمنع قانون كان يفترض أن يعطي لنقيب السينمائيين تولى منصبه مدى الحياة، ومنعت القانون، ومن شدة وطنيتها كادت تفتك بالنجمة العالمية سوزان هيوارد عندما كانت تحضر مهرجان «كان» الذي كان يُعرض فيه فيلمها «شباب امرأة» وتفوهت سوزان هيوارد بكلمة ضد مصر، وهربت سوزان هيوارد من أمامها مرتجفة قبل أن تجذبها من شعرها وتوسعها ضربا.

كنز للأسرار

فعلا كانت تحية كاريوكا قارة مجهولة كما قال عنها نجيب الريحاني يوما، فقد كانت كنزا للأسرار التي ظلت حبيسة صدرها حتى لا تؤذي بها رموزا كثيرة لا تزال على قيد الحياة، وينظر إليها باحترام. لقد جاهدت ضد الانكليز، وحملت المتفجرات للفدائيين في القناة، وشتمت الملك فاروق، وفقأت عين سمسار سلاح انكليزي، وضربت صلاح نصر بزجاجة على رأسه وجرت وراءه حافية القدمين في طرقات مسرح ميامي، وشاهدت نساء المسؤولين يتشاجرن على المجوهرات الملكية وسجاد الباشوات، كان هذا بعض ما في جعبتها من مذكرات.

امرأة تدفع الثمن

وفي السادس من شهر سبتمبر عام 1999 دخلت المستشفى للعلاج من ضيق في التنفس والآم في المعدة، ومكثت في العناية المركزة لعدة أيام، حيث اكتشفوا إصابتها بنزيف حاد نتيجة وجود ثلاث قرحات في الاثنى عشر، وعلى الفور تقرر وقف أدوية سيولة الدم التي كانت تتعاطاها باستمرار، وتم وضعها على جهاز التنفس الصناعي.

كان المشهد الأخير للفنانة تحية كاريوكا مؤلما وقاسيا، فقد عاشت اياما صعبة تكاثفت عليها الآلام، فإلى جانب معاناتها من ضيق التنفس، وكسل عضلة القلب، فاجأها النزيف من المعدة، وظلت في العناية المركزة لمدة أسبوع كامل.. حتى أراد الله أن يختارها إلى جواره حتى لا تتعرض لمزيد من الآلام، وأسلمت روحها صباح يوم الاثنين 20 سبتمبر عام 1999 بعد رحلة طويلة مع الفن والحياة عن ثمانين عاما.

وكان آخر أعمالها السينمائية فيلم «امرأة تدفع الثمن» مع فريد شوقي ومحمود ياسين، إخراج حسن ابراهيم عام 1993، وإن كانت آخر اعمالها المسرحية «شقلباظ».

مشهد لم تره

الكل بكى بلغة السينما.. كان الجمهور هو نجم المشهد في جنازة الفنانة التي كانت لا تجامل ولا تتجمل. وكان ذلك المشهد الأخير الحزين يؤكد حبّا كبيرا حمله لها الجميع على المستويين الشعبي والرسمي.. والجنازة التي بدأت من أمام مسجد السيدة نفيسة - كما أوصت تحية كاريوكا - لم يحضرها عدد كبير من الفنانين، بيد أن اصرار جماهيرها على حمل النعش كان رسالة واضحة، وكان حضور وزير الثقافة السابق الفنان فاروق حسني - أيضا - رسالة تقدير من الدولة ومن الوزير الذي حرص على أن يتقدم المشيعين.

وتقدمت الجنازة - أيضا - ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوي التي انهارت تماما وظلت تردد: لم تكن فنانة كبيرة فقط.. بل كانت إنسانة صاحبة قلب كبير، أيضا.

صراع على قصتها

لم يتوقف عطاء النجمة الراحلة عند رحيلها عند تلك النجاحات فقط، بل ما زالت قصة حياتها محل جدل كبير بين نجمات الرقص الشرقي للفوز بها والقيام ببطولتها، خاصة أنها تحمل قصة حياة راقصة من القاع إلى القمة وصراعها مع اسماء فنية وسياسية لامعة في هذه الفترة، حيث يظهر فيها الملك فاروق وعشرات النجوم الفنية، أيضا. ومع نجاح قصص حياة المشاهير على الشاشة تجدد الصراع بين الراقصات على قصة حياة تحية كاريوكا التي قالت ذات مرة: لم أفكر في بناء فيللا لأعيش فيها.. لكنني بنيت مدفنا رائعا لأموت فيه.

ويبدو أن هناك مفاوضات جادة لتلعب الراقصة دينا دورها، ولكن هناك اتجاها من عائلة تحية كاريوكا على أن تلعب الدور ممثلة محترفة، خاصة أن مساحة الرقص لن تكون هي الفاصل في اختيار البطلة.

وعلى الجانب الآخر، انتهت المخرجة التسجيلية نبيهة لطفي من فيلمها التسجيلي عن المشوار الفني لكاريوكا، وهو الفيلم الذي بدأت في الاعداد له منذ عام 2008، بيد أنه توقف عدة مرات بسبب مشاكل انتاجية، وأكدت نبيهة لطفي أنها لم تستقر حتى الآن على عنوان الفيلم الذي تدور أحداثه في ساعة وربع الساعة ويتطرق الى جوانب عدة من حياة تحية كاريوكا ترتبط بالرقص والتمثيل وتفاصيل شخصية أخرى متعلقة بزيجاتها الــ 13 وابنتها بالتبني.

أيامها الأخيرة

في أيامها الأخيرة كانت تحية كاريوكا تمضي وقتها في الاستماع للإذاعة، وخاصة إذاعة القرآن الكريم، وقد ألقى عليها القدر بطفلة صغيرة وجدتها على باب الشقة التي كانت تقيم بها في الدقي، والتي منحتها إياها صديقة لها من إحدى الدول العربية، وقامت بتأثيثها لها زميلتها فاتن حمامة، بعد أن طردها زوجها المخرج المسرحي فايز حلاوة من شقتها التي كانت تقيم بها على النيل بالجيزة، وقد ملأت هذه الطفلة حياتها، وأطلقت عليها اسم «عطية الله»، وهو الاسم الذي اختاره لها الداعية الاسلامي الراحل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.

التفاصيل كثيرة لمن يريد أن يقرأ عن تحية كاريوكا.. الفنانة.. والإنسانة..

في منتصف الثمانينات بدأ قلب تحية يخفت ونبضها يسرع منذرا بقدوم ذلك الشيء الذي ظلت تخشاه طوال عمرها وهو «المرض»، وبدأت شكواها من قلبها الذي بدأ يتوجع ويتألم مثلما تتألم روحها من المناخ السائد في الوسط الفني في تلك الفترة.

وفي العام 1987.. بدأت حالتها الصحية تتدهور بعد مرور خمسة أيام من اعتصامها احتجاجا على صدور قانون النقابات الفنية. ومنذ ذلك التاريخ وقلبها يعيش في حالة غضب وتوتر.. وما كان من النجمة التي عاشت اكثر من نصف قرن من الزمان في الأضواء، إلا أن تقترب أكثر من نفسها، تحاكمها في سهرها، وتدعو ربها بالشفاء.. تصلي.. تصوم وترعى أعمال الخير.

يأتي ذلك في الوقت الذي اختارت فيه أن ترتدي الحجاب وأدت بعض الأدوار الفنية وهي ترتديه. وحرصت على أن تؤدي فريضة الحج عشرين مرة، بينما كانت تؤدي العمرة أكثر من مرة في العام الواحد حتى بلغ عدد المرات التي أدت فيها العمرة 45 مرة، ولم يكن المصحف يفارقها. كما كانت تحرص على تأدية الصلوات الخمس في أوقاتها وهي تجلس على كرسيها المتحرك. وكانت أيضا تحرص على صيام الشهور الثلاثة رجب وشعبان ورمضان.

وفي هدوء وتكتم شديدين كانت تحرص على إقامة مآدب الرحمن في شهر رمضان الكريم، وكانت ترسل من ينوب عنها لإقامة ولائم في المناسبات الدينية بمساجد السيدة نفيسة وسيدنا الحسين والسيد البدوي، كما كانت تتردد قبل تفاقم مرضها على مسجد السيدة نفيسة بصورة دائمة.

فنانة ذات رسالة

في المسرح كانت تحية كاريوكا فنانة ذات رسالة، في وقت كان يغلب فيه على المسرح طابع الهزل، ولم يكن حاله أفضل من الحال التي نراه عليها اليوم. وربما يكون لقاؤها مع الفنان فايز حلاوة ـــ زوجها وقتذاك ـــ كمؤلف ساخر ومخرج متمكن، هو الذي ضمن لها التفوق في المسرح السياسي، وهو اللون الأغلب في أعمالها المسرحية، بحيث لم تكن تظهر في غيره سوى صدفة.. وكان الجمهور يقبل على مسرحياتها في أواخر الستينات كإقباله على مسرح الريحاني في الثلاثينات والاربعينات، يضحك وهو يشعر بأنه عبر عن السخط الذي يغلي في اعماقه.

وكانت تقول عن المسرح: الشعب يذهب إلى المسرح ليرى مشاكله، والمشاكل لا تنتهي والشعب موجود دائما.. وكانت تؤمن بأن المسرح للشعب كله، وليس للمحظوظين الذين يقيمون في القاهرة، لهذا كانت تأخذ فرقتها إلى جولات في قرى ونجوع مصر.. حولت المستشفيات والمدارس إلى مسارح، وصلت بالمسرح إلى الناس، ووفرت عليهم الجهد وعوضتهم الحرمان.

هذه هي تحية كاريوكا الراقصة، والفنانة في السينما والمسرح، التي جمعت رصيدا من المجد الفني لو وزع على ثلاث: راقصة، وممثلة في السينما، وممثلة في المسرح، لكان كافيا لهن جميعا. وهي في تاريخ فن الرقص قمة، وفي تاريخ السينما شخصية فريدة، وفي تاريخ المسرح رائدة وناقدة، ونافذة على الحق والحرية.

الضرب أولا

كانت تحية كاريوكا من النوع الذي لا يترك حقه، ولا تدع ثأرها عند أحد، ففي عام 1958 كتب عنها الصحفي جليل البنداري كلاما لا يرضيها إثر مشادة بينها وبين زوجها فايز حلاوة، وأقسمت على أن تضربه، واستغاث بالمخرج فطين عبدالوهاب، وقال إنه سيكتب في يوم السبت التالي كلاما يرضيها، فقالت «أضربه أولا ثم أصالحه».

وفعلا هرب منها جليل البنداري، واختبأ في سيارته، فخرجت إلى شارع الهرم، وجذبته من السيارة وأوسعته ضربا. ويومها ضحك الناس كثيرا لهذا المشهد، وفي يوم وفاة جليل البنداري تعجب الناس من مشهدها وهي تنفطر حزنا على الرجل الذي أصرت يوما على ضربه.. لكنها كانت، هكذا تعرف حقها وتأخذه، ولا يقلل ذلك من مكانة الناس في قلبها.

غدا
فنانون: مثال للطيبة والكرم

القبس الكويتية في

04/08/2011

 

مذكرات ... صفحات من حياة تحية كاريوكا أشهر راقصة عرفتها مصر (5-5)

فنانون عاصروها: مثال للطيبة والكرم والعطاء

القاهرة ـ خالد بطراوي  

لم تكن تحية كاريوكا مجرد فنانة كبيرة فقط، بل رحلة إنسانية طويلة «موشومة» بالفن والسياسة والجوع والترف والدموع والسعادة، وأخيرا بآلام الوحدة. رحلة عمرها الفني تجاوزت نصف القرن، بدأت بالرقص ووصلت إلى النجومية الحقيقية في السينما. إليكم صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر بين الفرح والألم.. الابتسامة والدموع.. بين السعادة والحزن.. الضحك حتى البكاء والعكس، عاشت تحية كاريوكا الفنانة والانسانة، تبحث عن لحظة اطمئنان تزيل عنها مخاوف زمن شعرت فيه بالرهبة وهي لا تزال في العاشرة من عمرها. برحيلها، أطلقت آخر صيحة ضد مخاوفها وغربتها.. ورحلت تعانق صدقها ببساطتها.. رحلت الراقصة التي اعتزلت في قمة مجدها، رحلت الممثلة التي التزمت بالصدق، فغضب منها الكثيرون.. رحلت المرأة التي افتقدت الاخلاص، فاتهمت بكثرة الزواج، رحلت بعد أن انتصر عليها القهر وخلفها قعيدة صدقها، فرافقته حتى النهاية.

في ذكراها الثانية عشرة تحدث أهل الفن عن علاقتهم بالفنانة الراحلة والمواقف التي عاشوها معها. قالوا إنها كانت مثالا راقيا لــ «الجدعنة» والطيبة والكرم، وان اياديها بيضاء على كل الفنانين.

• نبيلة عبيد:

كنا نعتبرها جميعا «أما» لنا. بدأت مشواري الفني إلى جوارها، فقد عملت معها في المسرح لأول مرة من خلال مسرحية «روبابكيا» وقبل التحاقي بالفن، كانت هي مثلي الأعلى وكنت أحبها جدا، وبعد أن عملت معها في المسرح احبتني جدا واحتضنتني وكانت دائما ما تقول لي انني أذكرها بنفسها وانها ترى نفسها بي.

وقفت بجانبي في بدايتي الفنية وأول مرة سافرت فيها للعمل على المسرح كنت معها وشعرت بعطفها الشديد علي وكانت تنصحني دائما، فعلى الرغم من أنني عملت معها في أربعة أفلام هي «لعبة كل يوم»، «وسقطت في بحر العسل»، «انتحار صاحب الشقة»، و«الصبر في الملاحات»، لكنني وجدت أنها فنانة عاشت للفن وأعطت له كل ما تملك من جهد وموهبة، وأذكر لها كل التقدير والحب.

• نجوى فؤاد:

كانت إنسانة طيبة، بالإضافة إلى أنها فنانة عظيمة وتتميز بالكرم. عملت معها في فيلمين هما «المعلمة» من خلال رقصة واحدة وكان من انتاجها، وفيلم «احنا التلامذة»، ثم اعتزلت هي، لأنها اتجهت للمسرح مع زوجها السابق فايز حلاوة، وتعلمت منها كثيرا في الفن والحياة، منها الاهتمام الشديد بالآخرين بمشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، إلى جانب أنها كانت تتمتع بشهامة، ولها مواقف جميلة في الوسط الفني، وخارجه.

• سميحة أيوب:

شخصية لن يجود الزمان بمثلها في فن الرقص الشرقي الراقي، كانت ممثلة عظيمة وراقصة عظيمة أيضا، وهي من زمن الفن الجميل. وعندما توقفت عن الرقص امتعتنا بالتمثيل، ولا أنسى فيلمها بعنوان «آه يا بلد آه».. ولا استطيع إلا أن أقول رحمها الله.

• صلاح السعدني:

بوفاة الملك فريد شوقي عام 1998والفنانة تحية كاريوكا عام 1999.. انتهى عصر بأكمله بدأ من أيام الملكية وانتهى مع نهاية القرن. هؤلاء الفنانون احتلوا عرش الفن العربي طوال النصف الثاني من القرن العشرين.. رحم الله تحية كاريوكا.. أعظم الممثلات اللاتي شهدتهن السينما المصرية.

عاشت حياتها بالطول والعرض، كسبت كثيرا وأنفقت كثيرا، وتوفيت وهي لا تملك «شروى نقير»، ويكفي إنها وقفت الى جانب الراحل عبد الحليم حافظ يوم غنى في المسرح القومي بالشاطبي وفشلت الحفلة، وكانت تعمل في المسرح نفسه وتشابكت مع متعهد الحفلة من أجل عبد الحليم حافظ، وحاولت إعطاءه خمسة جنيهات إلا أنه شكرها ولم يأخذها وأنصرف.

لقد عملت مع تحية كاريوكا آخر مرة في مسلسل «ينابيع النهر» بطولة شكري سرحان ومديحة كامل وسعيد عبد الغني، واخراج عادل صادق. كانت «جدعة» تقف إلى جانب أصدقائها وزملائها وصريحة في كل المواقف.

• سميرة أحمد:

كانت أمي في فيلمين.. الأول «شاطئ الحب» والثاني «أم العروسة».. كنت أشعر خلال العمل فيهما أنها أم حقيقية، تشعر الذين يعملون معها بأنها الحامية لهم بحنانها وحرصها على اسداء النصح وإشاعة جو من المرح.

• عزت العلايلي:

كانت عظيمة، مكافحة، لها تاريخ فني حافل.. ولها أياد بيضاء على كثير من الفنانين.. متسامحة.. وفوق كل ذلك كانت إنسانة تتمتع بميزات كثيرة جدا ومن ابرزها الصدق والوفاء والاخلاص والسعي في الخير ومساعدة الآخرين..

احلى ذكرياتي معها كانت مـن خلال فيلمي «زائر الفجر» و «الصبر في الملاحات».. كانت الزميلة الصديقة والحنونة.. صادقة بشكل غير عادي.

• جلال الشرقاوي:

تشكل فقيدة الفن تحية كاريوكا جزءا كبيرا من تاريخ السينما والمسرح في مصر. ورغم انني لم أحظ بالتعامل معها فنيا، إلا أنني لمستها عن قرب على المستوى الإنساني وأذكر لها ثلاثة مواقف، الأول عندما أنشأت فرقة تحية كاريوكا المسرحية وقدمت مسرحية «البغل في الابريق»، وصادرت وزارة الثقافة في ذلك الوقت هذه المسرحية.. فخرجت تحية كاريوكا على رأس فرقتها إلى شارع سليمان باشا تقود تظاهرة تهتف بسقوط المصادرة ووزير المصادرة والمنع. في هذه الفترة كان مجرد التفكير في الاقدام على مثل هذا العمل يعتبر نوعا من الجنون إذ كان الاعتقال هو رد الفعل الوحيد من السلطة في ذلك الوقت.

الموقف الثاني.. عندما بدأت الأستعداد لإخراج مسرحية «بلدي يا بلدي» وذهبت لمولد السيد البدوي في طنطا لكي أدرس على الطبيعة الطقوس والمناخ العام لهذه المسرحية. وهناك وجدت تحية كاريوكا تقيم «شادرا» على حسابها لقراء القرآن الكريم ويحتشد فيه الزوار من كل المحافظات.. وكانت تحية كاريوكا تقدم لهم بيديها العشاء المكون من الفتة واللحم وكان ذلك عام 1968.

أما الموقف الثالث، عندما ثار الفنانون على القانون 103 الخاص بنقابة المهن التمثيلية وتزعمت تحية كاريوكا هذه الحركة واعتصمت مع مجموعة من زملائها وزميلاتها بنادي نقابة السينمائيين كنت واحدا من هؤلاء المعتصمين. وأشهد أن الراحلة الغالية كانت أول من أضرب عن الطعام احتجاجا على هذا القانون.

رجاء الجداوي:

بعد النجاح والشهرة خسرت كل شيء

الفنانة رجاء الجداوي ابنة شقيقة الفنانة تحية كاريوكا، تقول: عن خالتها:

- كانت أكثر من والدتي، فقد كانت تشملنا بالرعاية والحنان والعطف، وإذا تعرض أحد منا لمشكلة كانت تقوم بحلها على الفور.

وحول ما يتردد من أن هناك مشروع إنتاج مسلسل عن قصة حياة خالتها، قالت:

- في البداية، لابد على أي فنان ينوي تقديم عمل عن شخصية عامة وتاريخية، أن يحصل على موافقة الورثة، والتفاهم معهم قبل أن يبدأ العمل، كما يجب أن يعرض عليهم السيناريو قبل تنفيذه، للتأكد من عدم وجود ما يسيء إلى هذه الشخصية، سواء كانت الفنانة تحية كاريوكا، أو غيرها من الشخصيات العامة. الحقيقة نحن لا نريد تكرار قضايا السندريلا سعاد حسني وليلى مراد وأسمهان.

دور وطني

• هل صحيح ما صرحت به الفنانة فيفي عبده بأنها حصلت على موافقة من الفنانة تحية كاريوكا، قبل وفاتها، على تنفيذ مشروع قصة حياتها؟

- بالفعل، كانت فيفي عبده تنوي تقديم مسلسل عن تحية كاريوكا، وقالت إنها حصلت على موافقة شفهية من خالتي قبيل وفاتها، لأنها كانت قريبة منها إلى حد كبير، لكنها للأسف لم تتفق مع الورثة.

كذلك أنا لم أتفق مع فيفي عبده على أي شيء، فقد عرضت علي الفكرة منذ فترة طويلة، ولم أطلب منها أي مقابل مادي، وكل ما طلبته أن أقرأ السيناريو للتأكد من عدم وجود ما يسيء إلى خالتي. فالأهم عندي هو الحق الأدبي، الذي يكفل للفنانة تحية كاريوكا حقها الإنساني في عدم الإساءة إليها، من خلال أي عمل فني.

تحية كاريوكا فنانة كبيرة تميزت بإنسانية شديدة، بالإضافة إلى دورها السياسي والوطني، الذي يجب أن يركز عليه أي عمل يقدم عنها. فالعمل سواء كان سينمائياً أو تلفزيونياً، يجب ألا يطرح سيرتها الذاتية، باعتبارها راقصة فقط، أو تزوجت 13 مرة، لأنها كانت شريفة، وقد قضت العشرين عاماً الأخيرة من حياتها تتعبد على كرسي متحرك، فيجب أن يكون العمل على مستوى إنسانيتها الكبيرة.

• من هم الورثة الشرعيون للفنانة تحية كاريوكا؟

- أنا، وشقيقتي الحاجة سميرة، وشقيقي محمد.

• كم كانت تقدر ثروة الراحلة تحية كاريوكا؟

- هل تصدق، إنه ليس هناك إرث يستحق الخلاف عليه، لسبب بسيط، فقد كانت تحية كاريوكا امرأة كريمة، عطوفة، فلو كان في جيبها عشرة جنيهات لسارعت على الفور لإعطائها للفقراء والمحتاجين.

مرحلة قاسية

• هل صحيح أن الفنانة تحية كاريوكا كانت تحتفظ بملابس أفلامها، وتعود إليها من وقت إلى آخر؟

- الكل يعرف أن تحية كاريوكا مرت بظروف نفسية سيئة، بعد أن أخرجها زوجها السابق فايز حلاوة من شقتها المطلة على النيل بالجيزة بقميص نوم، وفوقه بالطو، وأضطرت إلى الإقامة في حي الدقى، في شقة وفرتها لها صديقتها الحميمة، وهي من الأسرة الحاكمة في الكويت، وأساساً هذه الشقة كانت مكتباً لزوجها الكويتي. وعندما وجدت صديقتها هذه أن تحية كاريوكا تتنقل من مكان إلى آخر بحقائبها، استغلت فرصة وجودها في دبي لتصوير أحد المسلسلات التلفزيونية، وحولت المكتب إلى شقة بالاشتراك مع فاتن حمامة، التي هي صديقتها أيضاً، وأهدتها هذه الشقة للإقامة بها!

وللأسف الشديد، لقد خسرت خالتي تحية كاريوكا كل شيء، مجوهراتها، أفلامها، ألبومات صورها، ملابسها، ورغم ذلك كانت دائماً تحاول نسيان هذه المرحلة القاسية، ونسيت أيضاً حتى أسماء الذين سببوا لها هذه المتاعب والآلام المبرحة.

• من كانت أقرب الفنانات إلى نفسها؟

- مديحة يسرى، نادية لطفي، فيفي عبده، ميرفت أمين، وشريهان التي كانت تحضر لها جميع أنواع الشوكولاتة، وسمير صبرى، وبالذات الحاجة شادية، التي كانت تحدثها في التلفون يومياً، وإذا وجدتها نائمة تعاود الاتصال بها حتى تسمع صوتها!

• من كان أحب الأزواج السابقين إلى قلبها؟

- بلا تردد، هو الفنان الراحل رشدي أباظة، الذي كانت دائماً تذكره بالخير، وتقول عنه إنه راجل جدع، وكانت تتمنى أن تقضي حياتها كلها معه.

رصيد من الحب

• كيف كانت تقضي وقتها في آخر أيامها؟!

- تقضيه بين المصحف والتأمل في ملكوت الله عز وجل وبين الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم، وللمعلومة أن تحية كاريوكا ظلت مواظبة على قراءة القرآن الكريم لمدة ثلاثين عاماً، كما قامت بأداء العمرة 45 مرة، وقامت بحج بيت الله الحرام عشرين مرة.

• كيف أصبح مصير الفتاة التي عثرت عليها، وأطلقت عليها اسم «عطية الله»؟!

- تعيش حالياً في بيت الفنانة فيفي عبده، التي أصرت على أخذها بناء على وصية خالتي.

القبس الكويتية في

05/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)