حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الفنان محمد صبحى:

رفضت منصب وزير الثقافة

حوار عمرو صحصاح

محمد صبحى من الفنانين أصحاب الثقل السياسى والفنى، ولا يتردد فى طرح وجهة نظره فى كل الملفات، بل يعد صاحب أكثر التصريحات سخونة وإثارة للجدل، كما أنه كسب قلوب عدد كبير من المصريين عندما بدأ حملة المليار جنيه، وأصبح من أكثر الفنانين المؤثرين فى الشعب فى الوقت الحالى.. وعن رأيه فى الأعمال الفنية التى قدمت بعد الثورة وآخر تطورات حملته، ورأيه فى التطورات السياسية وما تواجهه مصر من أزمات، أجرينا معه هذا الحوار:

·         من المسئول عن انتشار العشوائيات فى مصر؟

- طبعا المسئول الأول والأخير عن العشوائيات فى مصر النظام السابق بكل وزرائه، عندما أهملوا بعض المناطق وتركوها تتحول إلى عشوائيات بائسة وغير آدمية، ومع الوقت انتشرت وترعرعت ونمت فى مناطق عديدة بجميع أنحاء مصر، والمفارقة أننا لو نظرنا لحديقة الحيوان ستجدها كلها ذات طرق مرصوفة، وأراض مزروعة، أى أن الحيوانات فى مصر منزهة أكثر من بعض الطبقات التى تسكن فى عشوائيات مصر.

·         حدثنا عن خطتك مع حملة المليار جنيه للقضاء على العشوائيات.

- بدأت فى الحملة منذ 3 أشهر ومازلت مستمرا فيها، وسافرت على نفقتى الخاصة إلى بعض الدول الأوروبية، فمثلا ذهبت إلى باريس وقابلت الجاليات المصرية هناك، ولاقت الفكرة ترحيبا شديدا وساعدونى، وبعدها ذهبت إلى لندن ثم ألمانيا، ونحن نهدف من وراء هذه الحملة إلى تحقيق حلم المصريين فى بناء بيئة صحية تتوافر فيها مياه الشرب النظيفة والصرف الصحى، وتحقيق آدمية المواطن المصرى.

·         هل يوجد بعض الفنانين الذين يدعمونك فى هذه الحملة؟

- حنان ترك وقفت بجانب هذه الحملة معى، وهى عضو أساسى فى الإدارة، ومطلوب من كل الفنانين المشاركة ليس فقط بالجهد، ولكن بالتبرع أيضا، فأنا تبرعت فى بداية الحملة بـ100 ألف جنيه.

·         ما تقييمك لأداء حكومة شرف وما تشهده من انتقادات حتى بعد التعديلات الوزارية الجديدة؟

- لا نستطيع أن نحكم على حكومة شرف فى يوم أو شهر أو شهرين، القرارات السريعة والاستعجال فى اتخاذها هى التى أوصلتنا للوضع الحالى، فلابد أن نتريث فى تقييم الوزراء الحاليين، ونترك لهم الفرصة للعمل، ومن ثم نحكم عليهم، ونحاسب المخطئ منهم، والتغيير لن يأتى فى يوم وليلة، بل سنشعر به بعد 5 أو 6 سنوات لأن الثورة مازالت حتى الآن لم تحقق جزءا كبيرا من أهدافها، مثل الاستقرار أو الدولة الديمقراطية فى الفترة الماضية.

·         ما رأيك فى عودة المظاهرات والاعتصامات لميدان التحرير؟

- خطأ فادح، ولابد أن نترك القضاء يعمل والمجلس العسكرى يعمل، والحكومة تزن الأمور فى هدوء، لأنه مع استمرار الاعتصام والمظاهرات نكون كمن يعمل على إسقاط الدولة، فهناك فرق بين أن نسقط نظاما أو نسقط دولة.

·         ما رأيك فى أداء المجلس العسكرى؟

- المجلس العسكرى يبذل كل ما فى وسعه من أجل استقرار البلاد، ومن أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل سلمى وبطريقة آمنة، والجيش وقف بشكل جيد بجانب حملة المليار جنيه وتبرع بمبلغ كبير، ويحاول الإصلاح، ولم يتوقف.

·         هل أنت مع المحاكمة العلانية للرئيس السابق حسنى مبارك ؟

- أهم من علانية المحاكمة عدالتها، فلابد أن تتم محاكمة الجميع بشكل عادل دون الالتفات لأى شىء آخر، وطالما أن الشعب يشعر بإحساس بأنه سيرتاح عندما يرى هذه المحاكمات «يبقى خلاص يشوفوها».

·         ما رأيك فى الأعمال التى تقدم فى رمضان الحالى وهل الثورة غيرت من مسار الفن أم لا؟

- بعد الثورة أصبح الفن أكثر تفاهة وسطحية وغوغائية، ومعظم الأعمال الدرامية التى تقدم خلال شهر رمضان الحالى تافهة ولا تتناسب مع شهر رمضان، ولا مع الثورة.

·         كيف حكمت على هذه الأعمال؟

- من خلال البروموهات الخاصة لبعض المسلسلات، والتى وجدت أنها تدل على سطحيتها وتفاهتها وعدم مناسبتها للشهر الكريم، ولا مناسبتها لمصر بعد الثورة.

·         إذا تم ترشيحك لمنصب وزارى فأى وزارة تختار؟

- لا أصلح لأى منصب سياسى، وأنا فنان وأفتخر بفنى، ولم أسع فى حياتى لشغل منصب ما فى الدولة، وقد عرض علىّ بالفعل أن أتولى وزارة الثقافة قبل عماد أبوغازى ورفضت، لأننى أحب فنى وأجد أن دور الفنان أهم وأصدق من السياسى.

اليوم السابع المصرية في

04/08/2011

 

ثورة يناير ورمضان يقضيان علي أرباح السينما

كتب : عمرو عاشور  

لسنوات طويلة ظل شهر رمضان هو شهر الإجازة السينمائية، والتقاط دور العرض أنفاسها لعمل الصيانة والتجديدات اللازمة تمهيدا لموسم عيد الفطر، إلا أن خسائر الموسم الصيفي هذا العام دفعت الموزعين والمنتجين إلي محاولة استغلال رمضان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أشرف مصيلحي مدير مجمع سينمات اوديون أكد أن دور العرض التابعة له عانت كثيرا خلال موسم الصيف إذ أنه للمرة الأولي يعتبر هذا الموسم ضعيفًا جدا بسبب ثورة 25 يناير وإسقاط النظام، مما جعل معظم السينمات خالية مما جعل الجمهور لا يبالي بأخذ فترات نقاهة تتيح له مشاهدة أفلام الموسم، وأضاف مصيلحي أن الازمات التي عانت منها السينما في موسم الصيف جعلتني أقوم بعمل ثلاث حفلات في اليوم الواحد، بمعدل حفلة قبل الإفطار، وحفلتين بعد الافطار، واختتم أشرف كلامه قائلا : أن هناك أفلامًا تم رفعها من مجمع السينمات بعد أن عانت سقوطا جماهيريا ولم يتقبلها الجمهور لأنه من غير المعقول ان يتم عرض افلام ليس لها قبول جماهيري علي حساب أعمال أخري يقبل عليها الجمهور، أما من ناحية الأفلام الأجنبي فستكون كما هي لأن معظم هذه الافلام تتحكم فيها شركات توزيع الأفلام الأجنبية .

ومن جانبه أكد عبد الجليل حسن المستشار الإعلامي للشركة العربية للإنتاج أن دور العرض التابعة للشركة العربية ستقوم بعمل ثلاث حفلات في اليوم الواحد منها حفلة صباحية وحفلتان في الفترة المسائية، مضيفا أن باقي اليوم سوف يترك لأعمال الصيانة الدورية التي طالما تنتظرها دور العرض في هذا الشهر من كل عام ، حتي تستطيع استقبال أفلام العيد علي شاشاتها في أبهج صورها.

ومن ناحية آخري أوضح عبدالجليل أن الأفلام الأجنبي ستعرض بنفس معدلاتها الطبيعية في رمضان ، لأن هذه الافلام الشركة العربية مسئولة عن توزيعها في مصر ، وتابع : نحن لا نستطيع منع الأفلام الأجنبي نهائياً في رمضان مثل باقي دور العرض لأن الإقبال عليها كبير جداً ، لكننا في نفس الوقت نراعي تقليل عدد حفلات تلك الأفلام في شهر رمضان، حتي تأخذ الأفلام العربية حصتها من المشاهدة.

أما أحمد حسانين مدير مجمع سينمات كوزومس فأكد أن الإقبال علي الافلام العربية في رمضان يكون أكثر دائماً منه علي الأفلام الأجنبية وتابع : نعرض فيلمين أجنبيين بجانب ثلاثة أفلام عربية في هذا الموسم دائماً، ونسبة المشاهدة للأفلام العربية أكثر من نسبة الأفلام الأجنبية بكثير جداً ، ولا توجد حفلات صباحية بل كلها مسائية الساعة 9 والساعة 11 ونقوم في الفترة الصباحية بعمل الصيانة السنوية الدورية للسينما وللقاعات والشاشات والمقاعد مثل كل عام، وهناك خمس قاعات بالمجمع، وكل قاعة متوقف عملها علي الاقبال الجماهيري، وأحياناً لا يتم تشغيل القاعة لعدم وجود حجز للفيلم الذي يعرض فيها ، والاقبال الجماهيري في رمضان يكون قليلاً للغاية وأعتقد أن هذا العام سيقل بكثير في ظل وجود الثورة المصرية التي أثرت علي السينما والفن بشكل عام.

وعن إمكانية عمل حفل صباحي في رمضان يؤكد حسانين : أعتقد أن هذا لم ولن يحدث نهائياً بسبب أن الأغلبية في مصر مسلمين وهم بطبعهم يفضلون قراءة القرآن الكريم والصلاة صباح رمضان، وبالتالي لن تجني السينما في نهار رمضان أية إيرادات تذكر نهائياً.

روز اليوسف اليومية في

04/08/2011

 

وحيد حامد يروى قصة شاب صنعته أزمة الوطن فصنع ثورته:

ثورة توفيق الكبش ..

«الحلقة الأولى»  

(1)

اسم عائلته الكبش

وقد التصق هذا الاسم بأجيال العائلة المتعاقبة دون أى حساسية أو نفور، ولكن الأمر اختلف تماماً عندما وصل الاسم إليه ودون فى خانة الاسم بالكامل فى شهادة الميلاد توفيق عادل عبدالفتاح الكبش، ومنذ لحظات الوعى الأولى ومعرفته الشخصية بأن الكبش هو الخروف غير المخصى فى القطيع، الذى يتميز بحجم وقوة قرنيه إلى جانب فحولته الجنسية طبعاً، وهو كاره وساخط ويتمنى زوال هذا اللقب الذى يراه مهينا له وجالبا للسخرية وإثارة الضحكات منذ أيام اللعب فى الأزقة والحارات الفسيحة حيث صيحات الصبية.. العب يا كبش.. تعالى يا كبش.. روح يا كبش وكأن اسمه الأول الذى هو توفيق قد اندثر تماماً، وأصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما ذهب إلى المدرسة، ودون اسمه فى كشف التلاميذ مصحوبا باللقب، ويجد نفسه مجبراً على كتابة اسمه بخط يده على كراساته، وإذا تعمد إغفال اللقب واكتفى بتوفيق عادل عبدالفتاح يتساءل أى مدرس عن صاحب هذه الكراسة وعندما يعلن عن نفسه يقول له الأستاذ:

اكتب اسمك بالكامل على الكراسة يا ابنى.

ورغم أن الله سبحانه وتعالى أعطاه من نعمته الكثير، فهو وسيم بهى الطلعة سليم الجسم شديد الذكاء والاجتهاد إلى جانب أدبه وصلاح أخلاقه، إلا أن كل هذه النعم لم تخلصه من التأثير السيئ، الذى يسببه لقب العائلة.. ومع مرور الأيام ومراحل الدراسة والعمر يزيد من ابتعاده عن الآخرين دون أن يعزل نفسه تماما، فقد أصبح توفيق الكبش ولا فكاك ولم يعد فى مقدوره منع مخاطبته بهذا الاسم.

وعندما التحق بكلية الحقوق زادت همومه، وتوحشت هواجسه، وكثيرا ما كان يحدث نفسه عن مستقبله بعد التخرج، فلا يمكن أن يعمل فى النيابة فكيف يواجه المتهمين ويحقق معهم وهم يعلمون أن اسمه توفيق الكبش، فإن ذلك سيكون مجالا للسخرية والتندر.. وأيضا لن يعمل بالمحاماة، فهو لا يقدر على فتح مكتب وعلى واجهته لافتة تحمل اسم توفيق الكبش المحامى، ومن الذى سيقصده من الأصل مهما كانت عبقريته، وهذا اللقب يطارده ويلتصق به التصاق الجلد باللحم.

تخرج الجامعة بتفوق يؤهله للتواجد فى أى مكان يرغب فيه، خاصة أنه كان يملك الكفاءة العالية والثقافة المتنوعة، إلا أن رغبته فى الهجرة كانت الأكثر قبولا لديه وإلى بلاد لا تعرف العربية ومع شعوب تهتم بالعمل، ولا تعرف النميمة، ولا تبحث عن كل ما هو شائن ومعيب، ولن يسعى أحد إلى ترجمة اسمه وفهم معناه، فى مثل هذه المجتمعات يمكن للإنسان أن ينطلق ويؤثر ويبدع، وهناك عشرات بل مئات من المصريين فعلوا ذلك بجدارة، هناك بعيدا عن هذا البلد يكون الاعتراف بالجهد والكفاءة والنبوغ، وهى الأشياء التى تسحق هنا وتضع أصحابها فى جداول المضطهدين والمنبوذين.. قرر السفر واستعد له وحظى بدعم الأب والأم معنويا وماديا وعاطفيا فقد كانت سعادة الابن بالنسبة لهما هى حصاد الدنيا كلها.. وشاءت إرادة الله أن يموت الأب فجأة إثر أزمة قلبية مباغتة، ترتب على هذه الوفاة وفاة الأحلام وتدمير الخطط، التى سبق تجهيزها والإعداد الجيد لها.. توفيق الكبش لن يسافر ويترك والدته وحيدة سيظل إلى جوارها وحتى الأجل المحتوم سواء بالنسبة لها أو له فالأعمار بيد الله.

(٢)

تفرغ توفيق الكبش لرعاية والدته والإقامة معها بصفة دائمة فقد كان بارا بها عطوفا عليها ملبيا لكل طلباتها ماعدا مطلباً واحداً كان يتجاهله تماما، وهو أن يبحث عن بنت الحلال، التى يتزوجها حتى تملأ حياته، وتكمل دينه وتأتيه بالخلف الصالح.. كان يحدث نفسه من هذه المجنونة التى ستتزوج بواحد اسمه الكبش، وهو نفسه سيكون كبشا حقيقيا إذا أنجب طفلا يكون لقبه الكبش.. وحتى لو تزوج بفتاة يابانية من اللائى يركعن أمام أزواجهن، فإن أول كلمة عربية سوف تتعلمها وتفهم معناها هى الكبش.. لقد توحشت عقدة الاسم فى داخله وجعلته يتحرك فى حياته وكأنه مقيد بأغلال وفى قدميه أثقال.. أما فى مجال العمل فمثله لا يعرف البطالة، وأن يكون عاطلا مسألة لا تنطبق عليه، لأن كفاءته تزكيه دائما.. وتميزه الواضح منذ أن كان طالبا جعل كل من يعرفه يسعى إليه، فى سنته الثانية بكلية الحقوق ورغم الزحام والتكدس فإنه كان من الطلبة البارزين حتى إن أحد الأساتذة أشار عليه بأن يرشح نفسه فى اتحاد الطلاب ممثلا عن التيار الحر، إلا أنه اعتذر برفق وهدوء رغم أنه أصيب بالذعر من مجرد طرح الفكرة، فمعنى أن يرشح نفسه عليه أن يقوم بعمل دعاية، ويعلق لافتات تحمل اسمه وصورته، وكأنه يخبر كل من لا يعلم.. ورغم أن الأستاذ الدكتور انفرد به فى مكتبه لوقت غير قصير وأشاد به ولمح له بأشياء جميلة ومشرقة، وأنه ولا شك من أصحاب المستقبل الرائع، وأن الشباب الواعد مثله هم أمل مصر ثم فجأة سأله:

إنت ميولك السياسية إيه يا توفيق..؟

فرد عليه فى سرعة وإيجاز:

مفيش.. أنا فى حالى.

وهنا كشف الأستاذ الدكتور عن كل أهدافه ومقاصده فهو يريد توفيق ضمن شباب الحزب الوطنى، وأسهب فى شرح المزايا، وأنه فى حالة الانتماء إلى الحزب يكون قد وضع قدمه على أولى درجات السلم، الذى سيصعده درجة درجة ثم قالها بوضوح وتلقائية:

عاوزين مجموعة شباب حلوين زيك كده يكونوا حوالين.. جيمى إنتم المستقبل.

وظل توفيق صامتا ولم تطرأ على وجهه أى علامات تعطى أى مؤشرات على ترحيب أو رفض.. وجه كأنه خارج من ثلاجة مجمد تماما وهنا استطرد الأستاذ:

اسمع يا توفيق.. أنا سمعت كلام كده إن عندك مشكلة مع اسمك مخلياك بعيد عن زملائك وعن الأنشطة، إنت كده بتضيع نفسك يا ابنى.

وبالطبع نفى «توفيق» ذلك تماما، وأكد أنه يميل بطبعه إلى الانفراد بنفسه والعزلة لاسيما أن الحياة أصبحت أكثر صخبا، وأنه ليس الإنسان الوحيد الذى يفعل هذا الشىء، وإنما هناك خلق كثير طابعهم هكذا.. وهنا قرر الأستاذ الاستمرار فى محاولة الإقناع قائلاً:

الكبش دى.. عادى جداً زيها زى الجمل والحصان والنمر والفهد والقط والديب.. بلاش تعطل مسيرة حياتك علشان حاجة فارغة.

إلا أن توفيق ظل شاردا فى صمت لمدة دقيقة على الأقل ثم همس:

ليه يا دكتور الكبش عمره ما كان ضمن الرموز الانتخابية..؟!

ثم استطرد بكل وضوح وصراحة بأنه لا يميل إلى الحزب الوطنى أو غيره من الأحزاب، وأنه لا يود الانشغال بأى نشاط سياسى، وبالنسبة للسيد جيمى قال إنه لا يستلطفه أصلاً، وكلما رآه تذكر شباب العصابات فى أفلام المافيا الإيطالية.. وكانت النهاية.. وأى نهاية..؟ لم يعد الأستاذ يتعامل مع تلميذه إلا باسم الكبش- عامل إيه يا كبش؟ معقول يا كبش.. إلى جانب زوال البشاشة من على الوجه والجمود فى التعامل.

(٣)

إذا كان تواجد دولة الحزب الوطنى فى الجامعة مؤكداً وظاهراً فى غالب الأحيان.. فهناك تواجد آخر لا يستهان به هو تواجد جماعة الإخوان، وبمجرد معرفة الجماعة بالأمر حتى تأكدت أن توفيق الكبش قد سقط فى حجرها وإن شاء الله يكون من خيرة شبابها، وقررت الجماعة عن طريق مندوبها فى كلية الحقوق إرسال من يدعوه إلى الحق والصواب.. ولم يكن هناك أفضل من الأخ محسن رضوان لهذه المهمة.. قال المندوب:

يا أخ توفيق كلية الحقوق بكاملها تعرف ما جرى بينك وبين الدكتور «سامح الفرماوى» وأنه بات يعايرك باسمك والمولى عز وجل يقول فى محكم كتابه.. «بسم الله الرحمن الرحيم» ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم والفسوق بعد الإيمان- صدق الله العظيم- واعلم يا أخ توفيق أن الكبش يختلف عن سائر الحيوانات فهو حيوان مبارك اختاره رب العزة ليكون فداء لسيدنا إسماعيل عليه السلام.

وسكت رسول الجماعة برهة فى انتظار أن يسمع ردا أو تعليقا، ولكن لم يسمع سوى أنفاس شاب صامت، ولم ير سوى وجه جامد فاستطرد قائلا:

سوف تكسبك الجماعة وسوف تكسب نفسك.. والجماعة تقدم الخير للجميع، فإذا أردت الوظيفة وظفناك، وإذا أردت المسكن أعطيناك، وإذا أردت الزواج زوجناك، والأخوات فى الجماعة ورعات تقيات يعرفن أن طاعة الزوج ركن من أركان الإيمان، وأى أخت سوف تقبل بك حتى لو كان اسمك الجحش وليس الكبش.

وجه توفيق مثل بلاطة السيراميك أملس وجامد لا يفصح عن شىء، وها هى جبهة جديدة سوف تفتح عليه عندما يرفض هذا العرض، ولن يكون دكتور الوطنى فقط، وعليه قرر أن يكون رقيقا فى اعتذاره مسلحا بعذر مقبول ولا يرد قال لسمسار الجماعة إنه كان يتمنى ذلك، ولكنه عاقد العزم على السفر بعد التخرج مباشرة، وأنه ينوى عدم العودة، وبالتالى فإن انضمامه سيكون بلا فائدة إلا أن السمسار قال بهدوء:

وماله سافر بالسلامة ونساعدك كمان وبرضه تبقى معانا.. إنشاء الله ناوى تسافر فوق وللا تحت..

ودهش توفيق وركبته الحيرة وهمس له بأدب:

تقصد إيه بفوق وللا تحت..؟

يعنى الخليج.. سعودية.. كويت.. إمارات.. بحرين.. وللا أوروبا ألمانيا.. سويسرا.. هولندا.. إنجلترا.. أمريكا لو عاوز.. إنت ناسى إننا تنظيم دولى وللا إيه..؟

وكان قد اختنق بهذا النقاش ويعجز أن يخبره بالسبب الحقيقى للهروب من البلد، الذى لم يعد مجرد اسم ولقب لا يطيقه، وإنما اتسعت الأسباب.. وتعددت.. إنه لا يطيق الحزب الوطنى وأيضا جماعة الإخوان وسائر الأحزاب، وأصبح كارها لكل أشكال الدجل السياسى وانطلاقات النفاق التى لا تنتهى، وإهمال ما لا يهمل وهذا التدهور الحاد الذى أصاب كل شىء، وهذا الانكسار الذى سكن النفوس والأبدان، وفقدان الذات الذى صار أمرا مقبولا.. قال لسمسار الجماعة اللحوح:

بصراحة مش هينفع.. أصلى ناوى أهلس شوية وأنا مسافر.. ودى حاجة مش هتعجبكم..!!

وتم فض اللقاء فى صمت دون كلام أو سلام، وهكذا اشترى نفسه، وأراح دماغه بهذا الزعم الكاذب.

(٤)

أما بعد أن انكسرت خطة السفر كأنها بيضة سقطت على سطح صلب.. أصبح لزاما عليه أن يضع خطة جديدة للعيش فى هذا البلد وبهذا الاسم ومع الناس الذين لا يرضى عن أحوالهم التى تتغير إلى الأسوأ دائما، قرر أن يكون مع نفسه وإن دعته الضرورة إلى الاختلاط والتواصل مع الآخرين فيكون هذا فى أضيق الحدود، وقد وجد راحته وانسجامه فى صيد السمك بالسنارة وأصبح أفضل الأوقات بالنسبة إليه هو الوقت الذى يقضيه جالسا على حافة الشاطئ وقد ألقى بسنارته فى ماء النهر وهو ينتظر غمزة السنارة القوية، فهى بالنسبة له تعادل هزة الجماع.. فيما عدا ذلك فإنه يشرد بذهنه متأملا تارة وحالما ومتخيلا بلدا جديدا أهله أناس جدد.. وأيضا يفكر فى القضايا المكلف بالبحث فيها فقد قرر أن يعمل بالمحاماة ولكن من الباطن، وقد رحبت به مكاتب كبار المحامين وأشهرهم فهو الباحث القانونى شديد الدقة، وهو صاحب الخيال والرؤية والكاشف للثغرات وعمل مع الجهابزة الكبار أمثال الدكتور سيد حسانين وفهمى اسكندر ومؤنس مدكور وحبيب دكرورى وشريف محمدين والدكتور كمال أبو الوفا وضياء أبوجبة، والدكتور ناجى مخلوف.

واكتسب مهارات مختلفة ومتعددة، وتعلم الحكمة وعرف الرعونة وأتقن المكر والدهاء وبرع فى أساليب المراوغة وأيضا حسن تقدير الأشياء، وكان يتم الدفع إليه بقضايا كبيرة وهامة وشائكة، وكان يتعامل مع كل قضية تأتيه بمهارة جراح القلب الموهوب المتمرس، ولأن القضايا الكبيرة دائما أتعابها كبيرة فإن الأتعاب الخاصة به كانت تملأ العين وتعطيه الإحساس بالزهو، وقد عمل فى قضايا الفساد والأموال العامة والتجسس وأيضا جرائم القتل، ولكنه لم يشارك قط فى قضايا الدعارة مهما كانت الإغراءات ومكانة المتهمين.. وكان يمكن أن تستمر حياته على هذا النمط إلى نهاية العمر لولا أن الضرورة والتطور الذى شمل حياة الناس بصفة عامة دفعاه إلى استخدام الكمبيوتر ومنذ أن اشترى «اللاب توب» تراجعت أوقات الهواية التى كانت تأكل المساحة الكبرى من وقت فراغه.. اختطفه عالم الإنترنت الفسيح وغير المحدود وأصبح مغرما بل مدمنا للتجول بين مواقع الفيس بوك، فى البداية بدأ مستقبلا شغوفا ونهما فوجد نفسه داخل عالم فسيح يعج بالنبلاء والحقراء.. الفاهمين الواعين والغافلين الذين خدرهم الجهل.. الغاضبين والمتسامحين.. الأشرار والطيبين.. المخلصين والمتاجرين.. أصحاب الرأى الصائب وأصحاب الرأى الأحمق.. وجد المأساة والملهاة..

 كان يضحك أحيانا ويبكى أحيانا وكثيرا ما يتألم.. أصبح النظر إلى هذه الشاشة الصغيرة متعة لا تعادلها متعة ومنافذ يدخل منها إلى عوالم جديدة.. ونوافذ يطل منها على أشياء لم يكن فى مقدوره رؤيتها من قبل.. وفى حذر شديد ودون أن يعلن عن شخصه بدأ يتواصل مع عدد قليل من أصحاب المواقع مبديا إعجابه أو سخطه ثم انتقل إلى مرحلة جديدة أكثر تقدما وهى أن يشارك ويدون رأيه ورؤيته، وكما هو متوقع كان يحظى بالقبول وأيضا الرفض ولكن نسبة القبول كانت أكثر، ونفر ليس بالقليل خصه بالمديح والإعجاب مما جعله يقدم على مغامرة وهى إنشاء موقع خاص به وأطلق عليه «الكبش» اللقب الذى عطل مسيرة حياته بشكل أو بآخر، لم تكن لديه النية للكشف عن نفسه والإعلان عن شخصه ولكنه أطلق الاسم على أنه اسم مستعار..

 وبدأت رحلة التواصل ليجد أنه قد أصبح يعيش فى زحام ويخضع لكل معايير الحياة الاجتماعية التى لا تعرف العزلة، وجد أن الزحام الذى أصبح واحداً منه كله مشغول ومهموم بقضية الوطن وهذه الحياة السياسية التى تعفنت تماما وهذا الفقر الذى توحش بحيث مكن المرض من أجساد الناس وإطلاق وباء الجهل ليدمر عقولهم وينسف مساحات الوعى داخل أفئدتهم.. ويزرع فى داخلهم اليأس والإحباط والإحساس بالدونية، وقد أصابه الخوف من الذين تجاوزوا مرحلة الغضب والسخط وصعدوا بمشاعرهم إلى مرحلة سوداوية تهدف إلى تدمير كل شىء قائم دون التفريق بين الصالح والطالح، الظالم المستبد أو المظلوم المقهور.. حتى إن البعض كان يطلب من الله أن يضربها بزلزال مدمر وأن تشق الأرض وتبتلع فى جوفها كل ما هو على السطح حتى تكون مصر جديدة تماما وشعب جديد غير ملوث وغير مصاب بالتفكك والانقسام، شعب يقدر قيمة العمل ويعترف بفضل الحب وسماحة الأديان وأهمية العلم وعشق المعرفة، لقد كان يسبح مع العقلاء الذين يرون أن مصر ما زالت بخير وإن ضربها الفساد وقهرها الاستبداد ودمرها الإهمال..

 كان يرى أنه فى إمكان النفر الصالح أن يخلصوها من كل الشرور التى ألمت بها.. تلاقت أفكاره ومقترحاته مع الكثرة وحصدت آراوه ترحيبا واسعا كان له أفضل الأثر النفسى والروحى حتى رأت الأم أنه أصبح شخصا مختلفا وأن أحواله قد تبدلت إلى الأحسن.. كلمات الإعجاب التى كانت تصله مثل أيه الحلاوة دى يا كبش..!!!.. ياريت الكباش اللى بيحكمونا يتعلموا منك.. إنت الكبش فى قراع النعاج.. اللى زيك لايمكن يكون كبش...؟؟؟ إلا أنه توقف وتجمد بصره لمدة دقيقة كاملة أمام السؤال الذى ورد إليه ويراه أمامه على الشاشة..

هل أنت توفيق الكبش الذى كان معنا فى كلية الحقوق..؟

ظل على حالة التفكير والتأمل هذه لحظات جديدة، وفجأة وكأن تيارا كهربائيا قد مسه ضغطت أصابعه على الحروف وكتب:

أنا هو.. توفيق عادل عبدالفتاح الكبش..

المصري اليوم في

04/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)