حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر (1-5)

تحية كاريوكا.. القارة المجهولة

القاهرة ـ خالد بطراوي

لم تكن تحية كاريوكا مجرد فنانة كبيرة فقط، بل رحلة إنسانية طويلة «موشومة» بالفن والسياسة والجوع والترف والدموع والسعادة، وأخيرا بآلام الوحدة. رحلة عمرها الفني تجاوزت نصف القرن، بدأت بالرقص ووصلت إلى النجومية الحقيقية في السينما. إليكم صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر.

بين الفرح والألم.. الابتسامة والدموع.. بين السعادة والحزن.. الضحك حتى البكاء والعكس، عاشت تحية كاريوكا الفنانة والانسانة، تبحث عن لحظة اطمئنان تزيل عنها مخاوف زمن شعرت فيه بالرهبة وهي لا تزال في العاشرة من عمرها. برحيلها، أطلقت آخر صيحة ضد مخاوفها وغربتها.. ورحلت تعانق صدقها ببساطتها.. رحلت الراقصة التي اعتزلت في قمة مجدها، رحلت الممثلة التي التزمت بالصدق، فغضب منها الكثيرون.. رحلت المرأة التي افتقدت الاخلاص، فاتهمت بكثرة الزواج، رحلت بعد أن انتصر عليها القهر وخلفها قعيدة صدقها، فرافقته حتى النهاية.

كان يمكن أن تبقى تحية كاريوكا مجرد راقصة مشهورة، وكان يمكن أيضا أن تدخل عالم السينما وتخرج منه عندما تعتزل الرقص، لولا موهبة فنية أصيلة موغلة في التلقائية مكنتها من الاستمرار والانطلاق والتأثير ليس في السينما فقط، إنما في المسرح أيضا - أصعب الفنون -حيث وظفته في أداء دور اجتماعي وسياسي في مرحلة من أخطر مراحل تاريخ مصر المعاصر.

تحية كاريوكا، من دون مبالغة، هي شجرة الفن المصرية المتعددة الفروع، أما الجذع فهو لسيدة مصرية ابنة بلد وأحيانا «معلمة» بالصوت والصورة، كان ظهورها في السينما ضرورة، فقبلها كانت السينما المصرية تفتقر لهذا النوع من الممثلات اللاتي يجسدن بصدق الصورة الشعبية للمرأة في حياتنا.

أدوار لا تنسى

ان ذاكرة السينما لا يمكن أن تنسى شخصيات مثل شفاعات في «شباب امرأة»، وشجرة الدر في «واإسلاماه»، وبسيمة عمران في «الطريق»، وأم العروسة، وعشرات الشخصيات الأخرى التي جسدتها شجرة الفن خلال تاريخها الطويل الذي امتزج بدور سياسي مبكر عكس وعيا بقضايا الوطن.

كما لا ينسى دورها في فيلم «سمارة» الذي جسدت فيه وبصدق شديد مع سبق الإصرار والترصد دور بنت البلد الدلوعة الشقية التي تسير ليلا وتلف جسدها بملاءة لف، تظهر تضاريس جسدها المتفجر بالأنوثة، ولم يفتها أن تزين ساقيها بخلخال من الذهب الخالص.

هذه المرأة بكل ما تمثله من غواية تمشي على قدمين، تستمع إلى صرخة يطلقها عسكري الدرك، الذي كان من معالم ليل القاهرة في أزمنة أكثر هدوءا وأمنا وجمالا من ليالينا الحالية، قائلا بصوت جهوري «مين هناك»؟ فتلتفت إليه وتعلن بصوت محرض ومتحد لكل منطق «سمارة»!

مشوار الألم والسعادة

كانت تحية كاريوكا شجرة وارفة الظلال والدفء، قطعت مشوارا طويلا مع الفن، ذاقت فيه ما ذاقت من الآلام، وعرفت فيه ما عرفت من الوان السعادة.. لكن الحقيقة أنها كانت، كما وصفها نجيب الريحاني، قارة مجهولة، حياتها كتاب من الأسرار والمواقف والدروس، وسلوكها في الحياة عبقري وجذاب. شخصية تكاد تكون اسطورية تجمع بين الجرأة والقوة، وبين الضعف والاستكانة في الوقت نفسه.. صفحات وصفحات من التناقضات، وصفحات مضيئة من المواقف الإنسانية والوطنية ستظل تشهد لها وترفع اسمها عاليا.

كانت تحية كاريوكا، أو بدوية محمد علي أبو العلا الغيداني، مثل «شجرة الدر» في ذكائها وقوة شخصيتها، ومثل المعلمة «شفاعات» في جبروت انوثتها، ومثل «لعبة» في شقاوتها و«سمارة» في دلالها ورقتها، ومثل أي امرأة مغلوبة على أمرها أجهدها الزمن ونال من قواها.. لكنها في كل الحالات فنانة عظيمة وإنسانة تفيض بالحب والحنان، تغدق منهما على كل من حولها حتى لمن اساءوا إليها أو ظلموها.

كانت تحية كاريوكا ككتاب من المتناقضات، الحب والمعارك، الجوع والتخمة، الحرية والسجن، الصحة والمرض، الزواج والطلاق، الملاية اللف وفساتين السهرة، الاتيكيت وعدمه، الذكاء والسذاجة، الفول المدمس والمارون جلاسيه، السفح والقمة.. إنها سطور البطاقة الحياتية، ودفتر أحوال يصلح لمجموعة من الفنانات لا فنانة واحدة، وقد كانت تحية كاريوكا بالفعل هكذا.

هروب من العذاب

تحية كاريوكا الراقصة، هي تلك الفتاة التي هربت من بلدتها الإسماعيلية في 15 أغسطس عام 1935، يومها خرجت هاربة من أهلها، ليس معها شيء حتى ثمن تذكرة القطار الذي تبرع الناس بجمعه لها.. لكنها هي نفسها الراقصة التي استطاعت أن تنصف الرقص الشرقي من الابتذال ومصيدة «الارتيستات» التقليديات في أثناء الحرب العالمية الثانية، وجعلت منه فنا لا يقل عن غيره من الفنون.

ومن الرقص اكتسبت «بدوية» اسمها الفني، أو أعطاه لها الجمهور. فعندما فرت من العذاب الذي تجرعته مع أمها على يد أخوة وأخوات من ست زوجات لأبيها قبل أمها، لجأت إلى المطربتين سعاد ومحاسن اللتين سبق ان تعرفت عليهما عندما كانتا تعملان في الإسماعيلية. وكانت المفاجأة أن سعاد ومحاسن غير موجودتين، وعلى باب ملهى في حديقة الازبكية تعرفت على محمد الدبس عازف البيانو واستمع لقصتها، ورق قلبه لمأساتها، وأخذها من يدها وسافر بها إلى مدينة الاسكندرية، حيث توجد المطربتان سعاد ومحاسن.

بداية الشهرة

عاشت تحية كاريوكا مع سعاد ومحاسن، وكانت تذهب معهما يوميا حيث يعملان، وكثيرا ما تمنت أن ترقص. وذات يوم تغيبت الراقصة لولا سالم، وصعدت تحية كاريوكا لترقص انقاذا للموقف. وانتهت الرقصة والتهبت أكف الجميع بالتصفيق، وطالبوها بالرقص ثانية، وتكرر الاعجاب والتصفيق نفسهما!

وعلمت بديعة مصابني بهذا الخبر، فأرسلت تستدعيها للرقص بفرقتها براتب أربعة جنيهات في الشهر. وبعد أسابيع قليلة تبنتها، وعهدت بها إلى مدرب الرقص إيزاك ديكسون، ودفعت بها في أحد الأيام لتملأ الفراغ وتسلي الجمهور مع اسماعيل ياسين إلى أن يحين موعد الراقصة حورية محمد. ومع أنها كانت مرتبكة إلا أنها جذبت الناس إليها مما ضايق حورية محمد، وجعلها تمزق بدلة الرقص التي كانت بديعة مصابني أعطتها اياها.

ومرت الأيام، وإذا بها، وهي ذات الثقافة المحدودة جدا، إذ لم يكن لها حظ في التعليم سوى فك الخط، تتمرد على قواعد الرقص السائدة وما تفعله الراقصات، وفكرت في أن ترتفع بالرقص إلى مرتبة راقية. كانت تعتبر الرقص مرتبة ومكانة، ومرة ضايقها أحد المعجبين في كازينو بديعة مصابني فصفعته صفعة مدوية على وجهه، فأصيب من حوله بالذهول، وقالوا لها: «الا تعرفين من هذا؟ إنه أمير من الأسرة المالكة»، فردت عليهم بتحد: «وأنا راقصة من الأسرة الراقصة».. هكذا تساوت الرؤوس وفقا لنظريتها!

وانتقلت أخبار هذه الواقعة من كازينو بديعة مصابني إلى أنحاء مصر، فاحترم الناس هذه الراقصة.

أصل رقصة الكاريوكا

رقصة الكاريوكا سبب شهرتها واسمها الفني، فكانت هي التي أخذتها من الفيلم الأميركي «داون تويو» وتؤدي فيه رقصة «كاريو كاس»، نسبة إلى نهر يمر في مدينة ريد، فأخذت موسيقيا كي يكتب لها نوتة على هذه الرقصة. واستنزفها الرجل إذ شاهد الفيلم عشر مرات، وأكل وشرب طوال عشرة أيام على نفقتها، ويومها كانت راقصة كادحة مغمورة في فرقة بديعة مصابني، وإن توقفت عندها أعين العمد والاثرياء، وأصبح الناس يعرفونها بالراقصة التي قدمت رقصة الكاريوكا، فاتخذت منها اسما لها.. تحية كاريوكا.

وظلت تحية كاريوكا ترقص إلى أن أصبحت الراقصة الأولى في مصر، وكانت ترقص بمزاجها، وتؤدي كما لو كانت ترقص لنفسها، لذلك لم تكن تلبي طلبات أصدقائها في الحفلات الخاصة.

وصلت بالرقص إلى أوج شهرتها، وعندما قررت اعتزاله لم تنحسر عنها الأضواء، بل اقتحمت ميادين أخرى نجحت فيها بالدرجة نفسها.

أم فاتن حمامة

عاصرت تحية كاريوكا منذ بدايتها في فيلم «بنت الهوى» عام 1953، كانت الدمعة الحزينة في هذه الكوميديا. كانت البطولة جماعية، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، بالرغم من أنه أثر بالسلب على جيل بأكمله، ولمع فيه الممثلون الذين أصبحوا لاحقا نجوما للكوميديا.. ماري منيب ويوسف وهبي والسيد بدير.

لكن الدور الوحيد الذي لم يكن كوميديا، بل اقرب إلى التراجيديا، هو دور الراقصة اللعوب المتطلعة إلى الثراء الذي أدته تحية كاريوكا. يومها كانت خائفة من الوقوف أمام يوسف وهبي، لأنه كان يثير الرهبة بمظهره القاسي. ولكن بعد أيام قليلة أطمأنت تماما، وراحت تؤدي دور والدة فاتن حمامة التي كانت تعيش في أوروبا، ثم تعود إلى مصر، ويحبها ابن يوسف وهبي (كمال حسين) ثم يكتشف يوم حفل الخطوبة أن أمها راقصة.

وعلى الخط نفسه، وبقدر نجاحها على شاشة السينما كانت تحية مرتبطة بعقود كثيرة للعمل في الملاهي الليلية خارج مصر، فلم تكن عندها فكرة التفرغ للسينما نهائيا، لأن السفر كان يستهويها اكثر منذ صغرها، ولو لم تسافر مرتين أو ثلاثة في السنة، فإنها تتعب جدا، حتى أن أمها أطلقت عليها لقب «ابن بطوطة»، وكانت دائما تقول: «ابن بطوطة سافر، ابن بطوطة وصل»، وكانت كثيرا ما إن تعود وتفتح حقائبها حتى تستعد لسفر جديد.

غدا نجيب الريحاني.. موعد مع الحظ والنجومية

القبس الكويتية في

01/08/2011

 

صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر(2-5)

نجيب الريحاني.. موعد مع الحظ والنجومية

القاهرة - خالد بطراوي 

لم تكن تحية كاريوكا مجرد فنانة كبيرة فقط، بل رحلة إنسانية طويلة «موشومة» بالفن والسياسة والجوع والترف والدموع والسعادة، وأخيرا بآلام الوحدة. رحلة عمرها الفني تجاوزت نصف القرن، بدأت بالرقص ووصلت إلى النجومية الحقيقية في السينما. إليكم صفحات من حياة أشهر راقصة عرفتها مصر بين الفرح والألم.. الابتسامة والدموع.. بين السعادة والحزن.. الضحك حتى البكاء والعكس، عاشت تحية كاريوكا الفنانة والانسانة، تبحث عن لحظة اطمئنان تزيل عنها مخاوف زمن شعرت فيه بالرهبة وهي لا تزال في العاشرة من عمرها. برحيلها، أطلقت آخر صيحة ضد مخاوفها وغربتها.. ورحلت تعانق صدقها ببساطتها.. رحلت الراقصة التي اعتزلت في قمة مجدها، رحلت الممثلة التي التزمت بالصدق، فغضب منها الكثيرون.. رحلت المرأة التي افتقدت الاخلاص، فاتهمت بكثرة الزواج، رحلت بعد أن انتصر عليها القهر وخلفها قعيدة صدقها، فرافقته حتى النهاية.

كانت الحياة المعلم الأكبر لتحية كاريوكا، التي بدأت حياتها الفنية في الرابعة عشرة من عمرها، بعد أن تركت مدينة الاسماعيلية التي شهدت ميلادها هربا من اشقائها الذين فرضوا عليها حصارا لم يخل من التعذيب بعد وفاة والدها.. وفي القاهرة احتضنتها بديعة مصابني لتعمل في الكازينو الخاص بها. وعندما لفتت الانظار كراقصة أخذها المخرج توجو مزراحي إلى عالم السينما، لتقدم معه أول أفلامها «الدكتور فرحات» مع فؤاد الجزايرلي وأمينة محمد عام 1935.

ولإيمانه بموهبتها، وقف الفنان الكبير سليمان نجيب بجوارها وأقنعها بضرورة تعلم اللغات الاجنبية. وبالفعل تعلمت الانكليزية والفرنسية وفن البالية أيضا، وبدأت خطواتها الواسعة نحو السينما، حيث قدمت مجموعة من الأفلام التي أكدت وجودها على الساحة الفنية مثل: «وراء الستار»، «خلف الحبايب»، «الستات في خطر»، «اخيرا تزوجت»، «طاقية الاخفاء»، «حنان»، «ليلة الجمعة»، «ليلة الحظ»، و«الصبر طيب» عام 1945.

وفي هذه الاثناء، منتصف الاربعينات، شعرت تحية كاريوكا بغيرة شديدة من تغلب شهرتها كراقصة أكثر منها ممثلة، فاتجهت إلى الانتاج مع زملائها حسين صدقي وأنور وجدي والمخرج حسين فوزي في شركة أسموها «أفلام الشباب» أنتجت فيلمين هما «أحب الغلط» عام 1942 و«أحب البلدي» عام 1945، ثم اختارها المخرج حسين فوزي لبطولة فيلم «نادوجا» امام المطرب اللبناني محمد البكار وفؤاد شفيق واسماعيل ياسين عام 1944.

لعبة الست

وبعد عام واحد بالضبط كانت تحية كاريوكا على موعد مع الحظ والنجومية والشهرة الطاغية، وبلغت شهرتها مداها عندما اشتركت في تمثيل فيلم «لعبة الست» أمام العملاق نجيب الريحاني وسليمان نجيب عام 1946.

والحقيقة أن تحية كاريوكا كانت سمراء فاتنة تنحني أمام جمالها هامات الرجال، وتجتمع فيها خصال كل نساء الأرض.. الرقة والجمال والنعومة والشراسة أيضا، وكان لها في مجتمعات بيروت الارستقراطية شهرة مدوية، بحيث لم تكن تجيء مرة إلى بيروت، إلا وتجد نفسها غارقة في الحفاوة السخية البالغة حتى أذنيها.

أعرف تحية كاريوكا منذ سنوات بعيدة، وتحديدا في بداية الستينات عندما جاءت إلى بيروت لإحياء موسم راقص في ملهى «عجرم» في حي السهر البيروتي الشهير باسم «الزيتونة»، وكان يحيط بها عشرات من المعجبين، وفي مقدمتهم المليونير الظريف نجيب حنكش، وكل واحد من هؤلاء كان، لفرط رقة تحية كاريوكا معه وحسن مجاملتها له، يتصور أنه غزا قلبها، وبات هو الحبيب الأقرب.

بداية مشوار السينما

كانت تلك المرة الأولى التي التقي فيها الفنانة تحية كاريوكا، أشهر راقصات مصر في ذلك الزمان، وروت لي قصة وصولها إلـى الشاشة السينمائية لأول مرة فقالت:

ـــ «لعبة الست» كان أول وآخر فيلم امثله مع العملاق نجيب الريحاني، وهو أيضا أول فيلم أتجه فيه إلى التمثيل بعد أن ظللت لفترة طويلة أظهر كراقصة. والفضل الأول في اللقاء مع نجيب الريحاني يعود إلى سليمان بك نجيب، الذي اتصل بي ذات يوم وقال لي: يا تحية، أنت حتمثلي معانا في فيلم جديد.

سألته: ومين معانا؟

فأجاب: نجيب الريحاني.

قلت له: يا سليمان بك أنا راقصة، ولا أقدر على التمثيل أمام العمالقة.

فرد سليمان نجيب: المهم.. أقرئي السيناريو أولا.

وبالفعل قرأت السيناريو، وأعجبت به، ولكني كنت في رهبة من أن أمثل مع نجيب الريحاني.. لهذا حاولت الهروب بأي شكل، بحجة أن لدي عقودا عدة للعمل في الخارج، وكان سليمان نجيب في كل مرة يحاول إغرائي برفع أجري في تمثيل الفيلم إلى أن وصل المبلغ إلى ألفين وخمسمائة جنيه، وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس تلك الأيام فلم أجد بدا من أن أقول للأستاذ سليمان بك نجيب الذي كان بمنزلة الأب، وهو الذي كان يتولى تثقيفي واختيار الكتب التي اطالعها، ثم يعيد امتحاني فيها مرة أخرى.
قلت له بصراحة: الحقيقة إنني خائفة من التمثيل أمام نجيب الريحاني.

ولكن سليمان نجيب ظل ورائي حتى أقنعني بتمثيل الفيلم ومثلته بالفعل.

خوف وبكاء

كان أول مشهد مثلته مع نجيب الريحاني امام الكاميرا السينمائية مشهد اللبيسة واللبن الزبادي، ويومها دارت الكاميرا، وبدأ نجيب الريحاني يمثل، وأنا ولا كأني هنا، كنت صامتة وخائفة، وعندها صاح المخرج ولي الدين سامح بكلمة «ستوب»، وقال لي: مالك يا مدام تحية، ما بتتكلميش ليه؟

وراح يؤنبني، فأجهشت بالبكاء. وهنا تدخل نجيب الريحاني وقال للمخرج: «معلهش يا أستاذ، أنا ومدام تحية كاريوكا لسه ما خدناش على بعض، وأرجوك بلاش تصوير النهاردة وخلي النهاردة جلسة تعارف».

وبالفعل، وبعد أن زالت الكلفة بيني وبين الفنان العظيم نجيب الريحاني شعرت بالقدرة على التمثيل أمامه، ولم يعد بيني وبينه أي حواجز من رهبة أو خوف.

ودارت الكاميرا في اليوم التالي.. ولاقى الفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا عند عرضه في فبراير عام 1946، ولا أحد ينسى هذا الفيلم الذي أصبح واحدا من كلاسيكيات السينما المصرية.

فيلم الأوائل

كان «لعبة الست» هو واحد من أفلام الأوائل.. أول فيلم أمثله أمام نجيب الريحاني.. وأول فيلم أخرجه ولي الدين سامح، وهو في الأصل مهندس ديكور، وان كان له إلمام كبير في مختلف مجالات السينما، نظرا لعمله فترة طويلة في ستوديو مصر. كان المفروض ان يخرج الفيلم فؤاد الجزايرلي، وكان شريكا مع نجيب الريحاني وآخرين في الشركة المنتجة، إلا أنه انسحب من الشركة إثر خلاف مع بطل أفلامها نجيب الريحاني، فأسندوا الإخراج إلى ولي الدين سامح، الذي أخرج أيضا بعد ذلك فيلم نجيب الريحاني «أحمر شفايف» عام 1946.

ثم هو أيضا كان أول فيلم يمثله المطرب عزيز عثمان، الذي اشتهر جدا في هذا الفيلم، وذاعت أغنيته التي سخر فيها من نجيب الريحاني في حفل زفافي إليه، وجاء في كلماتها:

هي كانت فين عينيكي يا يمامة..

لما دورت بايديكي ع الندامة..

وأنهاها قائلا :

بطلوا ده واسمعوا ده..

الغراب يا وقعة سودا..

جوزوه أحلى يمامة..

اللي لو خبى في ودانه..

جوز ارانب.. لم يبانوا..

{شفاعات} أوصلتها إلى جائزة أحسن ممثلة في مهرجان برلين

كان الاتقان والإخلاص هما سر نجاحها وتألقها في غالبية ما قدمته من أعمال سينمائية، وبلغت قمة مجدها السينمائي عام 1956 في دور المعلمة «شفاعات»، رمز الأنوثة الطاغية، في فيلم «شباب امرأة» رائعة المخرج صلاح أبو سيف، مع شكري سرحان وشادية وعبدالوارث عسر، ونالت عنه جائزة أحسن ممثلة في مهرجان برلين السينمائي.

كان فيلم «شباب امرأة» من انتاج الثلاثي صلاح أبوسيف (المخرج)، رمسيس نجيب (المنتج) والحاج وحيد فريد (مدير التصوير). وجاء الثلاثة ذات ليلة إلى بيت تحية كاريوكا في الزمالك، وقالوا لها: نحن انشأنا شركة انتاج أفلام سينمائية.

فقالت لهم: ألف مبروك!

وقالوا: نحن سننتج فيلما.

فقالت: عظيم.. ربنا يوفقكم!

وهنا قالوا لها: نريدك للعمل معنا في هذا الفيلم!

فأجابت: أنا جاهزة!

عمل مع العملاقة

ووافقت تحية كاريوكا على أن تتقاضى أجرا ضئيلا عن تمثيل دورها في هذا الفيلم، وهو مبلغ لا يكاد يكفي ثمنا للملابس التي ستمثل بها دورها. واستغرق التحضير لهذا الفيلم سنة كاملة، خصوصا أن الذين يقومون بالتحضير هم مجموعة من العمالقة الكبار مثل الكاتب الكبير امين يوسف غراب، والسينارست السيد بدير، والمخرج صلاح أبو سيف.

في البداية كانت فاتن حمامة هي المرشحة للقيام بدور «سلوى» ابنة سراج منير في الفيلم، وكان دورها صغيرا، ثم عندما رؤي أن تمثل النجمة شادية الدور، طلبوا إلى تحية كاريوكا أن تسألها وتصارحها بأن دورها صغير جدا، وحدث ذلك فعلا، وكان رد شادية هو الموافقة فورا.

يذكر أن الصفعة التي تلقاها حسبو (عبدالوارث عسر) من المعلمة شفاعات في فيلم «شباب امرأة» تلقاها 16 مرة، وفي كل مرة كان المخرج صلاح أبو سيف يقول: أنا عايز صفعة طبيعية، لدرجة أن عبدالوارث عسر قال لها: «يا بنتي أضربي وخلصيني»، وكانت المرة السادسة عشرة.

يأتي ذلك في الوقت نفسه الذي كان فيه الفنان شكري سرحان، يكاد يفقد دور عمره في هذا الفيلم، لأنه رفض أن يقص شعره كما طلب منه المخرج صلاح أبو سيف، ثم اقتنع أخيرا، وأدى دور الشاب الريفي «إمام بلتاجي حسنين» بنجاح يفوق الوصف، ويعتبر من أروع أدواره السينمائية.

تحية، أو «توحة»، وهو اسم الدلع الذي كانت تفضله، لم يكن يهمها ما إذا كان الدور صغيرا أم كبيرا، إنما كان يهمها أن يخرج الجمهور من الفيلم حاملا صورتها بين أهدابه، ومن ينسى لها أدوارها في «واإسلاماه»، «إحنا التلامذة»، «شاطئ الاسرار»، «حميدو»، «الطريق»، «المعلمة»، «شاطئ الحب»، «السراب»، «أهل الهوى»، «سر الغائب»، «الصبر في الملاحات»، «خللي بالك من زوزو» وغيرها.

أم صغيرة

اللافت أن تحية كاريوكا بدأت القيام بأدوار الأم، وكانت لم تزل صغيرة السن، ومع ذلك قامت بدور أم فاتن حمامة في فيلم «بنت الهوى»، ثم قدمت دور أم صلاح ذو الفقار في فيلم «حب حتى العبادة»، كما كان لها دور أم زهرة العلا، ودور أم نيللي، وكذلك دور أم سميرة أحمد في فيلم «شاطئ الحب» لدرجة أن الكثيرين عارضوها، وهم يقولون لها: انك «تكبرين» عمرك من خلال تأدية دور الأم.

ومع ذلك مضت في مشوارها الفني، وقدمت أكثر من دور أم مع ليلى طاهر وزيزي البدراوي وعواطف يوسف.

غدا : تزوجت 13 مرة .. ورشدي أباظة أحبهم إلى قلبها

القبس الكويتية في

02/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)