حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

تجوال غير مقنع بين هتشكوك وفرانكنشتاين

إبراهيم العريس

هذه هي المرة الثانية خلال مساره السينمائي، الذي بات عمره يزيد عن ربع القرن، التي يحقق فيها الإسباني بيدرو ألمودوفار فيلماً جديداً له منطلقاً فيه من نصّ أدبي سبق وجوده وجود الفيلم، ومن موضوع لم يكتبه هو ولا ابتكره. كانت المرة الأولى في فيلم اقتبسه من الكاتبة البوليسية الإنكليزية روث راندل عنوانه «باللحم والعظم» (1997)، اما هذه المرة، فإنه اقتبس فيلمه الجديد من الكاتب الفرنسي الإسباني تييري جونكيه ليعطيه عنواناً لم يكن له في النصّ الأصلي، لكنه يأتي وكأنه خلق من أجله، او بالأحرى من أجل فيلم جدير بالدخول في فيلموغرافيا مبدع سينمائي ينصّ منذ بداياته على ان يكون المؤلف الوحيد لفيلمه. وبهذا نعني منذ البداية هنا، أن ألمودوفار لو لم يجد هذه الإمكانية في نصّ جونكيه لما استحوذ عليه ليحوّله فيلماً من إبداعه. والواقع ان الأمر يبدو هنا وكأن الكاتب نفسه وضع النص أصلاً وفي ذهنه سينما ألمودوفار. بكلمات اخرى – ومن دون أن يعني هذا القول أيَّ حكم قيمة –، يبدو الفيلم الجديد «الجلد الذي أسكنه» فيلماً ألمودوفاريّاً بامتياز. من ناحية اللغة السينمائية طبعاً، وهذا أمر مفروغ منه، ومن ناحية الموضوع الأساس في الفيلم: تحوّل الجسد الى حد الامِّساخ أحياناً – ولسنا في هذا الفيلم الجديد أمام حالة متطرّفة من هذا النوع – وعبور الخط الجسدي الفاصل بين الجنسين، وهو عبور يهيمن على الموضوع هنا.

الجميلة هي الوحش

في إطار هذه الحبكة، لا شك في أن «الجلد الذي أسكنه» يحيل مباشرة إلى تحولات تشكّل موضوع –أو أحد مواضيع– بعض آخر أفلام ألمودوفار، من «كل شيء عن أمي» إلى «التربية الفاسدة» مروراً حتى بالفيلم الجميل «تكلّم معها». بيد ان الاستخدام هنا في الفيلم الجديد يختلف جذرياً طالما أننا نعرف منذ البداية ان الحبكة في الفيلم الجديد بوليسية، وأننا أمام ما يشبه تحويلاً لحكاية «فرانكنشتاين»، إنما بشكل معكوس في ظاهره. معكوس مع أن النتيجة واحدة: فإذا كان الدكتور فرانكنشتاين خُلق وحشاً في رواية ماري شيلي الشهيرة، وحشاً هو كذلك في شكله ومضمونه، فإن الدكتور ليدغار (أنطونيو بانديراس) في فيلم ألمودوفار هذا خلق وحشاً جميلاً على شكل امرأة فائقة الحسن سينتهي بها الأمر لأن تُظهر «وحشيتها» تجاهه هو وحده بوصفه خالقها لا أكثر ولا أقل.

هنا قد يكون علينا ان نبادر للإشارة إلى أن الفعل الذي يقدم عليه دكتور ألمودوفار لا ينطلق من ضرورات علمية، حتى وإن كان علميَّ المجرى والنتيجة، بل ينطلق من دوافع خاصة ذاتية الجذور: فالدكتور ليدغار حين قام بتجربته «العلمية» كان هدفه انتقامياً بالأحرى. أما موضوع التجربة، فهو تغيير جنس كائن بشري من خلال تغيير جلده. وهذا الكائن يمكننا – حتى من دون الدخول في تفاصيل قد تفسد على راغبي مشاهدة الفيلم متعتهم، إذ ستبدأ عروضه بعد أيام – أن نقول إنه ذكرٌ اشتغل عليه الدكتور كي يحوله الى انثى... وأكثر من هذا، إلى أنثى رائعة الحسن (إيلينا آنايا، الجديدة في عوالم ألمودوفار)... رائعة الى درجة ان الرغبة الانتقامية لدى الدكتور ستتحول الى غرام جارف لم يكن هو ليتوقع أن يسيطر عليه. وطبعاً لم يكن ليتوقع بالتالي ان تكون فيه نهايته. وهنا، قد يصح ان نفتح هلالين لنستعير من المشهد الختامي في فيلم «كينغ كونغ»، تلك العبارة التي ينطق بها صاحب مشروع عرض الغوريلا على الجمهور، حين يسمع تعليقاً بأن القرد قتلته الحضارة، فيجيب: لا... بل قتله الجمال. وهذا القول ينطبق هنا على الدكتور ليدغار، الذي قتله في نهاية الأمر «الوحش» الذي خلقه بنفسه. الوحش الجميل الذي طلع من بين يديه في تجربته العلمية التي كان انطلاقه فيها انتقامياً كما أشرنا.

وكي لا يبدو السياق أشبه بالكلمات المتقاطعة، سنحاول فقط إعطاء بعض المفاتيح الحدثية التي قد تشكل مدخلاً للفيلم دون ان تستبق على متعة اكتشافه، فالدكتور ليدغارد طبيب معروف بارع في عمله، كان يعيش عيشاً بورجوازياً أنيقاً هادئاً مع زوجة حسناء مُحِبّة وابنة مراهقة طيبة. ويحدث ذات يوم، وبفعل ظروف غير محددة تماماً، ان يفقد الدكتور ابنته وزوجته. يقوم ليدغارد بتحقيقاته الخاصة وينتهي الى العثور على المسؤول عن دمار عائلته، ويقرر ان ينتقم بشكل يتماشى مع تجارب علمية يقوم بها حول قماشة الجلد البشري.

الشاب الذي اختفى

إثر ذلك، يختفي شاب بسيط في البلدة الصغيرة وتفشل كل الجهود للعثور عليه. وبالتوازي مع ذلك ينكبّ الدكتور على مواصلة عمله وتجاربه، كما على عيش حياته دون تغييرات تذكر. وتقودنا الكاميرا في رحلات داخل دارة الطبيب ومحترَفِه – وبالأحرى هي كانت قد بدأت تقودنا في هذه الرحلة منذ المشاهد الأولى في الفيلم حيث نكتشف وجود تلك الحسناء، بدءاً من تغليفها بجلد اصطناعي قبيح يلفّ جسدها كلّياً حتى تتدرج بنا مشاهدها حتى النهاية غير المتوقعة طبعاً–، إنما بالتوازي مع مشاهد أخرى تعود بنا زمنياً الى فترات سابقة كي نعرف بالتدريج ما الذي حدث، ليؤدي الى هذا الواقع الجديد ثم لنكتشف بالتدريج العلاقة بين ذات الدكتور وحياته الخاصة وما حدث له مع هذه التجارب العلمية المذهلة التي يقوم بها. والحقيقة ان ألمودوفار، على رغم التشويقية الهتشكوكية التي اتسم بها فيلمه اول الأمر، وتجعله يبدو أقرب الى سينما التشويق ممزوجة بالخيال العلمي، سرعان ما يستعيد العلاقة مع سينماه الخاصة، بحيث يبدو الفيلم خلال نصفه الثاني فيلماً موضوعه الحب والجسد والرغبة والتبادل والنوايا المضمرة والظاهر والباطن، وكلّ تلك العناصر التي لطالما هيمنت على سينماه.

في الحقيقة، يبدو ان هذا المزيج الذي شاءه ألمودوفار خلاّقاً وتجديدياً في سينماه، لم يظهر للمشاهدين، جمهوراً عادياً ونقاداً، متمفصلاً بإحكام. ومن هنا، لم يستسغ الفيلم كثرٌ من هؤلاء، وبالتالي خرج صاحبه من المولد في مهرجان «كان» من دون حمّص... ومرّ الفيلم من دون أن يلفت الأنظار حقاً. ومع هذا، من المتوقّع له ان يحقق - خلال عروضه المقبلة - نجاحاً جماهيرياً لا بأس فيه. وربما سيكون ذلك بفضل الكتابات النقدية اللاحقة، التي - بعد ما يمكننا ان نسميه «صدمة المشاهدة الأولى»، والتي تسببت في رفض أوّلي وجزئي للفيلم - أتت تعديلات النظرة الثانية، التي في وسعنا بشيء من التحفظ ان نقول إنها عدّلت في الموقف العام من الفيلم بعض الشيء. ولربما سيكون من الإنصاف هنا ان نقول ان هذا الفيلم سوف يأخذ مكانه بالتدريج في سياق فيلموغرافيا بيدرو ألمودوفار، من دون ان يعني هذا أنه سيأتي وقت يوضع فيه «الجلد الذي أسكنه» في مصاف الأعمال الكبيرة لهذا المخرج الإسباني الكبير، مثل «كل شيء عن أمي» و «العودة» و «نساء على حافة الانهيار العصبي»... وغيرها من أعمالٍ كرَّسته واحداً من أكبر مبدعي الفن السابع في اوروبا، لكنها -ويا للمفارقة المزعجة!!- لم تمكّنه من ان يحوز على أي سعفة ذهبية في أي دورة من «كان» حتى اليوم، مع ان جوائز كبرى أعطيت في المهرجان نفسه وعلى مدى سنوات ماضية لبعض أفضل ممثلاته!

الحياة اللندنية في

22/07/2011

 

كتاب - تنوّع في المتن وجرأة في إصدار الأحكام

الدار البيضاء - نور الدين محقق 

يعتبر الصحافي والناقد السينمائي المغربي عبدالكريم واكريم من الأقلام النقدية المثابرة في متابعة جديد السينما، والكتابة عنها والتعريف بها. وهو إلى هذا يساهم أيضاً من خلال حضوره في المهرجانات السينمائية المغربية في عملية تقديم الأفلام وإدارة النقاشات حولها. وهو أمر أهله كي يكون قريباً من السينما وعاشقاً من عشاقها. من هنا كان من الطبيعي له ان يجمع بعض الكتابات التي أنجزها حول السينما في شكل عام والسينما المغربية على وجه التحديد في كتابه «كتابات في السينما».

في هذا الكتاب، قدم الناقد واكريم قراءات متعددة لمجموعة من الأفلام المغربية. قرأ فيلم «نساء ونساء» لسعد الشرايبي، الذي تناوله انطلاقاً من حضور المسألة النسائية فيه، منطلقاً في البداية من موضعته داخل الفيلموغرافيا المغربية التي اهتمت بهذه المسألة حيث يعلن أنه «منذ البدايات الحقيقية لسينما مغربية أواخر الستينات ظهر همّ رافق أغلب المخرجين المغاربة ولم يتركهم لحد الآن. إنه ذلك الحضور القوي للمرأة وقضاياها داخل أفلامهم». وهو ينطلق بعد ذلك لتقديم قراءة للفيلم تتسم بوجهة نظر نقدية صارمة تشمل المضمون ونوعية المعالجة السينمائية له. هذه القراءة رأت أن مخرج هذا الفيلم قد «اختار الدخول في موضوعه مباشرة وإعطاء المشاهد أدوات تتبع تيماته المركزية من دون معاناة». كما أن المخرج «يلجأ إلى الميلودراما» في معالجة بعض المواقف التي تتعرض لها النساء. وهي طريقة في القراءة لا تنصب على ما أنجز في الفيلم فحسب، بل تقوم على تفكيك بنية الفيلم ومحاولة إصدار أحكام نقدية حولها إيجاباً أو سلباً، كما نرى في قوله على سبيل المثال في نهاية هذه القراءة: «خلاصة القول إن سعد الشرايبي استطاع إيصال «رسالته» لكن من دون طموح فني كبير، سوى في مشاهد معدودة». وهو أمر نراه يمتد حتى في القراءات الأخرى. فمثلاً في قراءة الناقد لفيلم «زمن الرفاق» لمحمد شريف الطريبق، قام في البداية بعملية موضعته ضمن الإطار العام الذي صدر فيه الفيلم، كما توقف منذ البداية حول التيمة الكبرى المهيمنة عليه. وهي تيمة استعادة مسار الحركة الطالبية المغربية في بداية التسعينات من القرن الماضي. وبعد القيام بعملية متابعة بنية الشخصيات في الفيلم والفضاءات التي تواجدت فيها، قام الناقد بإصدار حكمه النقدي على هذا الفيلم بكونه، كما يقول: «فيلم كلام، حاول فيه الطريبق اضفاء قيمة مضافة على الملفوظ، وهو فعل ذلك من دون أن يحرك الكاميرا كثيراً، حتى يظل انتباه المشاهد مركزاً على ما يقال...»، إلا أن الناقد يرى، على رغم هذا الحكم النقدي الصارم على الفيلم بأن مخرجه «قد اجتاز مرحلة الفيلم السينمائي الأول بنجاح».

توقف واكريم أيضاً عند فيلم «للا حبي» لعبد الرحمن التازي، وهو فيلم مأخوذ عن سيناريو لنور الدين الصايل، وقد قام الناقد بعملية قراءته انطلاقاً من كوميديا الموقف، ورأى في النهاية أنه «فيلم يغني الفيلموغرافيا المغربية ويمنحها نفساً جديداً وطموحاً أكبر». هذه الأفلام السينمائية المغربية الثلاثة التي قرئت بهذا الشكل في الكتاب النقدي السينمائي، أتت إضافة إلى كتابات أخرى شملت فيلماً تلفزيونياً مغربياً هو «طلب عمل» لسعد الشرايبي، كما شملت حديثاً حول السيناريو والمشكلات التي يعاني منها، وقراءات في أفلام عربية وعالمية أخرى، هي «العودة إلى حنصالة» لشوس غوتييريث، و «سلاماً يا ابن العم» لمرزاق علواش، و «موت مؤجل» لجون بادهام، و «الرحيل عن لاس فيغاس» لمايك فيجيس، و «ميلكياديس استرادا يدفن ثلاث مرات» لتومي لي جونز، و «تيتانيك» لجيمس كاميرون»، و «نائمون» لباري ليفنسون، و «ترانسبوتين» لداني بويل. ويختم الكتاب بحوار مع مؤلفه حول السينما المغربية، ما شكل في النهاية، كما نرى، متناً سينمائياً متنوعاً أغنى الكتاب بقدر ما جعل الرؤية السينمائية التي تحكمه لا تعلن عن نفسها بسهولة بشكل منهجي واضح، بل توجب على قارئ الكتاب أن يبحث عن الخيوط الخفية التي تحكمه وهي تتجلى في الرغبة في التعريف بمجموعة من الأفلام وتقريبها إلى القارئ مع اصدار أحكام حولها، وهو ما يجعل من الكتاب ككل يشكل أوراق عشق حول السينما في مختلف تجلياتها المغربية والعربية والعالمية وبكل اختلافاتها الفنية والموضوعاتية، قد نختلف معه طبعاً في كثير من الأحكام التي يصدرها حول هذه الأفلام التي قاربها، خصوصاً المغربية منها بالتحديد، وهي مسألة عادية وطبيعية، لكننا نحب فيه، وهو الأمر المهم هنا، هذا العشق السينمائي المتوهج وهذه المثابرة الغنية في متابعة الأفلام وعدم الاكتفاء بذلك بل الكتابة حولها من وجهة نظرالكاتب وأفق اشتغاله. كما أن هذا الكتاب النقدي السينمائي، يشكل من دون أي شك، إضافة جادة إلى الخزانة السينمائية النقدية المغربية التي بدأت تعرف تراكماً ملحوظاً في هذا المجال.

الحياة اللندنية في

22/07/2011

 

طعم الليمون

فجر يعقوب 

أنجز الممثل السوري نضال سيجري، كمخرج هذه المرة، فيلماً تلفزيونياً بعنوان «طعم الليمون» عن فكرة للمخرج حاتم علي، وسيناريو رافي وهبي. الفكرة أساساً تحاكي زيارة النجمة الأميركية أنجيلينا جولي في وقت سابق لسورية للاطلاع على أوضاع اللاجئين العراقيين فيها، وقد غادروا بلادهم لأسباب مختلفة متعلقة بالحرب الأميركية على العراق. لكن سيجري لا يجعل الزيارة «هدفاً» درامياً، بل يجعل منها خلفية للحديث عن لاجئين آخرين، بعضهم من فلسطين، وبعضهم من الجولان السوري المحتل... وبالتأكيد، اللاجئون الأحدث في مسيرات النفي الاختياري والاضطراري عن الأوطان، ويمثلهم هنا خير تمثيل، اللاجئون العراقيون.

إن جرى الحديث هنا عن فكرة الفيلم، فسيكون هذا حديثاً نافلاً، لا يمكن مجاراته نقدياً بمصطلحات تساق من هنا وهناك لتغطيه، وتعطيه حقه، سلباً أو إيجاباً، باعتبار أن سيجري ينتقل، ربما لأسباب خاصة به، إلى خلف الكاميرا ليصور أفلامه كمخرج، بعدما برع كممثل، وترك بصمة واضحة، بخاصة في أعماله الدرامية الأخيرة، قبل أن ينال الداء الفتاك من صوته، ويجعله بلا صوت، وإن ظل نضال مبتسماً وقادراً على الضحكة وإطلاق الدعابات، حتى تلك التي لا تحتاج إلى كلمات.

ويقيناً أن واحداً مثله لن يبخل بتلوين حياة من يحب، فها هو يستحضر في فيلمه «طعم الليمون» كل مقومات القصة التي بدأت مع احتلال فلسطين وتشتيت أهلها، ليحتفظ بعضهم بمفتاح صدئ لبيته، أو ليحتفظ أحدهم بسكاكر الليمون ليتبادلها الأحفاد الجدد، وينقلون عن الأجداد ذكرياتهم عن ليمون يافا، وإن هذه السكاكر الصفر كناية مستحيلة عنها.

هذا متروك بالطبع لقراءة نقدية في الفيلم، ليس هنا مكانها، لكن اللافت في «طعم الليمون»، أنه من إنتاج الهيئة العامة في التلفزيون السوري، وأن القائمين عليه، تعاطوا مع مسألة عرضه عبر صالات سينمائية، كفيلم سينمائي، على رغم إصرار مخرجه على أنه فيلم تلفزيوني، ولم يرفع في كل حواراته سقف المطالبة بضمه إلى الأفلام السينمائية السورية القليلة التي يجري تصويرها بين الفينة والأخرى، بل ظل محافظاً على تسميته هذه من دون أدنى شعور بأن هذا يقلل من حضوره بين المتلقين... وإن عرضه سينمائياً، قد لا يعني أن المخرج يبحث عن تلك الدلالة التي طالما نادى بها مخرجون لم يرتقوا بأفلامهم إلى أن تكون أكثر من مجرد دعابات تلفزيونية، من دون أن يتنازلوا للحظة عن لقب المخرج الســينمائي حتـى فـي ظل الإنتاج الشحيح.

ما يفعله سيجري، يؤكد اليوم، أن بإمكان المخرج السينمائي أن يتنازل طائعاً عن كرسيه، من دون أن يلوح في الأفق ما يفيد بأنه يتنازل عن مكانته. فالكاميرا الآن، وبعد دخولها الاستراتيجي في نفق التقنيات الرقمية، لم يعد بوسعها التفريق بين الكرسيين. وبالطبع تظل اللغة هي الخصم والحكم في آن.

الحياة اللندنية في

22/07/2011

 

متهم «مثالي» أم بريء «مفبرك»؟

باريس - ندى الأزهري  

هي قصة ما زالت في الذاكرة.

في فيلا بالقرب من مدينة نيس في الجنوب الفرنسي، وجدت السيدة جيسلين مارشال مقتولة في قبو بيتها. على باب القبو خُطت من الداخل كلمتان بدم القتيلة هما «عمر قتلني»، وعمر هو الجنائني المغربي الذي كان يعمل عندها. على الفور، وجهت التهمة إليه وحكم عليه بالسجن 18 عاماً. سبع سنوات بعدها، اصدر الرئيس جاك شيراك عفواً رئاسياً عن عمر رداد تلبية لرغبة أبداها الملك المغربي الحسن الثاني. لكن عمر ظل مذنباً بنظر القضاء، وهو لا يزال يطالب بإعادة المحاكمة وتبرئته لرد الاعتبار إليه.

الجريمة التي شغلت فرنسا وقت وقوعها مطلع التسعينات، وطريقة إجراء التحقيقات والحكم بعجالة على المتهم، قسمت المجتمع، لا سيما حين تولى الدفاع عن» الجاني» محام شهير عرف باهتمامه بالقضايا المثيرة للجدل في فرنسا: جاك فيرجيس البارع في تحويل القضايا التي يتولاها إلى قضايا رأي عام وحدث استثنائي. وهنا، مع فيرجيس بات الحكم في جريمة القتل قضية جنائني «مغربي» في مواجهة عدالة «مستعمر» سابق. لم تنته تداعيات هذه الجريمة إلى اليوم، فها قد تقرر فتح الملف قضائياً من جديد وإجراء تحقيقات إضافية، وها هو الممثل والمخرج رشدي زم يطرح القضية في فيلم من إخراجه عنوانه «عمر قتلني». لا ينشغل هذا الفيلم بهموم جمالية، بل بهمَ إنساني طغى على ما عداه: إظهار براءة متهم. براءة لا يبدي السيناريو أدنى شك فيها، يقف في صف المتهم، يعيد تركيب الأحداث بأمانة واضعاً اليد على ثغرات في التحقيق سبق وتناولها كثر في مقالات وكتب، منهم الكاتب والأكاديمي الفرنسي جان ماري روار الذي قام حينها بتحقيق مضاد لتبرئة عمر وأصدر كتاباً عن القضية.

تقول الرواية الرسمية أن عمر أتى لطلب سلفة من ربة عمله، ففوجئت على ما يبدو بظهوره غير المنتظر في القبو حيث كانت، وردّته على أعقابه رافضة تلبية طلبه ما جعله يثور عليها ويوجّه لها طعنات عدة في أنحاء متفرقة من جسمها. الضحية تستغل اللحظات الأخيرة قبل أن تلفظ أنفاسها وتكتب بدمها على الباب «عمر قتلني» مرتكبة خطأ لغوياً في تصريف الفعل. بعد أن أجرت الشرطة تحقيقاً «سريعاً»، وصلت إلى استنتاج «لا ريب» فيه: عمر هو الجاني. دعم هذه الرواية ما عُرف عن عمر، وهو ما أظهره الفيلم كذلك، من ولع بأجهزة لعب القمار ومعاناة من مصاعب مالية وديون متراكمة جعلت زوجته تهدده بتركه إن لم يؤمن تسديد الإيجارات المترتبة عليهما.

يسير الفيلم في خطين متوازيين، من جهة يسرد بدقة ما جرى للشخصية الرئيسية من لحظة توقيفها إلى حين خروجها من السجن، ومن أخرى يتابع بطله الثاني وهو كاتب فرنسي معروف كان يجري تحقيقه الخاص لاقتناعه ببراءة عمر تمهيداً لنشر نتائج ما وصل إليه في كتاب (استوحي الفيلم منه ومن كتاب آخر لعمر نفسه). يركز الفيلم على شخصية المتهم الأمّيَ الذي لم تكن لغته الفرنسية الضعيفة لتسمح له بإدراك ما يقال في المحاكمة، متهم صامت يسعى عبر الإضراب عن الطعام ومحاولة الانتحار إلى لفت النظر إلى براءته، إلى شرفه الذي مس بهذا الاتهام... كما يبرز الشريط بإيقاع سريع ثغرات القضية: خطأ القواعد في الجملة الذي لم يكن من الممكن لامرأة من طبقة مارشال أن تقع فيه، استحالة لمن يلفظ أنفاسه الأخيرة أن يكتب وفي الظلام هذه العبارة التي تدين القاتل، وجود آثار حمض نووي لرجل غير عمر مختلطة بدمها لم تتم مقارنتها في الفحص الجنائي مع آخرين، اختفاء شواهد أخرى مثل صور كانت في آلة تصوير الضحية...

ثغرة أخرى تمثلت في تغيير تاريخ الجريمة الذي حدد في البدء في 24 حزيران 1991 ثم تغير إلى 23 حزيران. وفي 24 كان عمر في مدينة أخرى!

بدا الفيلم مقنعاً بسرده للأحداث. كما جعل المشاهد يتعاطف مع قضية بطله لكنه مر سريعاً على تعلّق عمر بلعب القمار، وعلى الطريقة التي اختارها عمر لمحاولة الانتحار وهي ابتلاع شفرة الحلاقة. كما كان في وسعه مثلاً وهو الفيلم الذي اعتنى بالجانب الوثائقي، تقديم آراء الجهة « الظالمة» كالمدعي العام، والاستفسار عن الأسباب التي دعت إلى سير التحقيق على هذا الوجه. فقد كان على من شدته القضية أن يذهب إلى الصحافة ليقرأ ردوداً من هذه الجهة على كل الثغرات. مثلاً قال القاضي الذي حكم بالقضية في لقاء مع مجلة لو بوان أنهم «فبركوا» بريئاً، ونفى أن يكون موعد الجريمة في 24 (حين كان عمر مسافراً)، لأن السيدة مارشال توقفت عن الرد على المكالمات ظهر 23 وكانت مدعوة للغداء ولم تذهب وهو ليس من عادتها.

فنياً كانت المتعة الوحيدة في الفيلم أداء الممثل التونسي الأصل سامي بو عجيلة الذي جسد دور عمر على نحو مذهل، حيث استطاع بمهارة، إيصال معاناة بريء وقد أصر على أن يفقد من وزنه ليشابه عمر حين اضرب أسبوعاً عن الطعام في السجن. كما أنه أضاف أبعاداً إنسانية للشخصية وازنت بين الصورة المحفوظة في الذاكرة عنها كشخصية صامتة ذات وجه قليل التعبير وبين واقعها المؤلم المثير لشتى الأحاسيس.

الحياة اللندنية في

22/07/2011

أفلام جديدة

(22-07-2011)

} «توميلا»

إخراج: ايفان سين - تمثيل: دانيال كونيرز، كريستوفر ادواردز

> ينتمي هذا الفيلم الى تلك السينما الإنسانية الجديدة التي بدأت بالظهور في استراليا، تلك القارة التي من قبل بروز سينماها وسينمائييها - ومن بينهم نجوم صفّ أول الآن في العديد من المجالات -، كانت تبدو موغلة في البعد. ويدور الفيلم من حول الفتى دانيال الذي وهو في العاشرة من عمره، يحلم بأن يصبح عمّا قريب، رجل عصابات اسوة بكلّ البالغين الذين يعرفهم في محيطه اي في مناطق سكان استراليا الأصليين. ومن هنا يمضي وقته في صحبة العصابة المسيطرة على المكان ويقوم بكلّ ما يطلب منه من أعمال لنيل رضى ليندن زعيم العصابة المحلية. ولكن ذات يوم يعود الى الظهور الزعيم القديم الذي يتسبب من فوره في رمي ليندن وأصحابه الى السجن. وهكذا يجد دانيال نفسه عند مفترق طريق وبات عليه ان يختار...

} «تاتسومي»

إخراج: إريك خو - فيلم صور متحركة

> عرف مخرج هذا الفيلم خلال السنوات الفائتة بكونه واحداً من ابرز اقطاب السينما الآسيوية الجديدة ذات المنحى الواقعي الذي لا يخلو من عنف الحياة اليومية. وهو فاز بعدد من الجوائز في مهرجانات متنوعة. هذه المرة، في فيلمه الجديد هذا، ينحو خو نحواً جديداً، اذ ينبري لتقديم فيلم بالرسوم المتحركة عن واحد من اساطين السينما والرسوم المتحركة الشعبية في اليابان. فالشخصية المحورية في هذا الفيلم الذي عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» هو يوشيرو تاتسومي الذي عرف بأعماله الرائدة في عالم «المانغا» اليابانية، لا سيما من خلال ادخاله مواضيع للبالغين في فن كان يفترض به ان يكون للصغار وحدهم. لكنه اصر على اسلوبه الإباحي ليخوض جملة معارك وصراعات تشكل محور هذا الفيلم اللافت. وبالتالي يكون خو قد حقق بهذا الفيلم ما يسمّى الآن سينما عن السينما.

} «العمل بجهد كبير»

إخراج: خوليانا روياس وماركو دوترا - تمثيل: هيلينا البرغاريا

> ينخرط هذا الفيلم البرازيلي وهو الأول لصاحبيه، ما أهّله خلال الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» الى التباري للحصول على جائزة «الكاميرا الذهبية»، ينخرط في خط سينمائي يحاول ان يعيد احياء ما يشبه الواقعية الجديدة. اي انه فيلم تدور احداثه في مناطق شعبية حقيقية ومن حول عيش اناس حقيقيين يعانون ما يعانون في سبيل لقمة العيش والبقاء... رغم كل شيء. الشخصية المحورية في الفيلم هي الزوجة الشابة هيلينا التي تتمكن، بعد مشاق ومعاناة من افتتاح دكان بقالة كانت تحلم به منذ زمن بعيد. لكن الذي يحدث - ولم تكن تتوقعه - هو ان زوجها يفقد عمله في الوقت نفسه، ما يجعل هيلينا تكتشف انها ودكانها باتا المعيل الوحيد للأسرة الآن وهي التي كانت تعتقد ان ارباح الدكان من شأنها ان توفر لها شيئاً من الراحة وبعض الكماليات. غير ان هذا ليس كل شيء، اذ ما ان تبدأ هيلينا بالتأقلم مع هذا الواقع الجديد راضية على مضض، حتى يخيب املها من جديد حيث ان العمل في الدكان نفسه سرعان ما يتعثر مهدداً برمي المرأة وزوجها في وهدة العوز والديون.

}«البحر الأصفر»

إخراج: نا هونغ / جين - تمثيل: ها جونغ وو، كيم يونك سيوك

> مرة جديدة تأتي السينما الكورية لتمتحن اعصاب المتفرجين وقدرتهم على التحمّل: تحمّل طول زمن عرض الفيلم وبطئه من ناحية، ومن ناحية أخرى تحمّل تشابك الأحداث واختلاط العلاقات بين الأشخاص. يدور الفيلم، اساساً، عند منطقة منعزلة تقع بين حدود روسيا والصين وروسيا. هناك في هذه المنطقة يظهر رجل سرعان ما نكتشف انه غارق في ديونه التي أوصلته الى وهدة اليأس. ولذلك وجد نفسه يقبل بتوقيع عقد يقتضي منه اغتيال شخص ما. لقد آلى على نفسه ان تكون هذه عمليته الأخيرة التي ستمكنه من اعالة اسرته لفترة طويلة. ولكنه لم يكن ليتصور المأزق المريع الذي سيوصله اليه ذلك العقد.

الحياة اللندنية في

22/07/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)