حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

قال إن دعمه للبرادعي كان وراء موقف نظام مبارك من الفيلم

المخرج أحمد ماهر لـ «الشرق الأوسط»: سأقاتل كي يخرج «المسافر» من الرقابة دون حذف

نسرين الزيات

قبل أيام من عرض فيلمه الأول «المسافر»، بدا أن هناك أزمة بين المخرج أحمد ماهر، وبين جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بسبب رغبة الرقابة في حذف مشهدين من الفيلم، وهو ما رفضه ماهر، مؤكدا في حواره مع «الشرق الأوسط» إصراره على أن يرى عمله النور بدون حذف.

ويعد «المسافر» التجربة الروائية الطويلة الأولى لماهر الذي قدم عددا من الأفلام الروائية القصيرة المتميزة، كما يعد أول فيلم تقوم بإنتاجه وزارة الثقافة في مصر بعد توقف لثلاثين عاما عن الإنتاج السينمائي. ومثل «المسافر» مصر في المسابقة الرسمية في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2009، ليكون الفيلم العربي الوحيد بالمسابقة.

ماهر الذي عاد من إيطاليا ليشارك في الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني) قال لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة إنه لا يفكر في الوقت الراهن في كتابة عمل عن الثورة.. «حتى الآن لم أتخلص من تعصبي وانتمائي للثورة وانحيازي التام لها، وما زلت غير قادر على تقبل الآراء الأخرى.. وبالتالي عندما أصنع فيلما الآن سوف تكون وجهة نظري أحادية».. وإلى نص الحوار:

·         ما حقيقة إصرار الرقابة في مصر على حذف مشهدين من فيلمك «المسافر»؟

- هذا صحيح، وقد فوجئت بعد أن تحدد موعد عرض الفيلم تجاريا في 13 يوليو (الجاري) أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية اعترض على مشهدين مهمين في الفيلم وطالب بحذفهما، المشهد الأول يجمع خالد النبوي وسيرين عبد النور، والثاني هو مشهد تقوم فيه الممثلة اللبنانية نانا في نهاية العمل بإرضاع طفل.. عموما أنا لن أحذف أي مشهد، خاصة أنها مشاهد درامية لا يمكن حذفها إطلاقا، وأنا لم أضعهما بهدف الجذب التجاري.. وكنت قد تحدثت مع الدكتور سيد خطاب رئيس الرقابة وأخبرني أنه سوف يكوّن لجنة لتقييم الفيلم وإجازته وسوف يقوم بمشاهدته.

·         وفى حالة رفض الرقابة السماح بإجازة الفيلم رقابيا، ماذا ستفعل؟

- سوف أحارب من أجل الفيلم ومن أجل عدم المساس به.

·         وما حكاية غضبك من الشركة المسؤولة عن توزيع الفيلم، بعد إعلانها عرضه بخمس نسخ فقط؟

- هذا كلام غير صحيح.. كل ما حدث هو أن وزارة الثقافة، باعتبارها الجهة المنتجة للفيلم، رأت أن عدد النسخ غير مناسب، خاصة أن عرضه التجاري في مصر سوف يتزامن مع عرضه في باريس، وبالتالي ليس من المفروض أن يعامل الفيلم مثل أي فيلم أجنبي يعرض بخمسة نسخ فقط.. والآن تجري محاولات من جانب وزارة الثقافة لبحث إمكانية زيادة عدد النسخ.

·         كيف استقبلت خبر عرض الفيلم بعد تأجيل أكثر من عام؟

- أعتقد أن الوقت أصبح مناسبا الآن.. لكن الأهم من ذلك ويتعلق بسبب تأجيل عرض الفيلم حتى الآن، فقد علمت أن السبب وراء تأجيل عرضه في السينما كان دعمي لمحمد البرادعي، وتأييدي له، بالإضافة إلى أنني كنت قد استقبلت البرادعي في المطار منذ عام تقريبا، أي قبل الثورة، وبعد ذلك قرأت على صفحة البرادعي على موقع «فيس بوك»، أن هناك ضغوطا ربما يكون قد مارسها بعض أفراد في الحزب الوطني وأمن الدولة على وزارة الثقافة لمنع أو تأجيل عرض الفيلم.. وأعتقد أن الوزير السابق فاروق حسني لم يكن موافقا على هذا القرار.

·         وما تفسيرك لذلك؟

- أعتقد أن ذلك كان بسبب موقفي من النظام السابق، هذا ما سمعته من خلال اتصالي بالسفارة المصرية في إيطاليا، في الوقت الذي كنت فيه هناك، أخبروني أنه حدثت عدة اجتماعات وترتب عليها أنهم اخذوا قرارا بتعطيله.. هذا ما حدث وقد كان هناك تجاهل إلى حد كبير منهم، والدليل أن الدولة لم ترشح الفيلم للمشاركة في أي مهرجان.. والمهرجانات التي شاركت فيها أعقبت عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2009.

·         رغم أن فيلم «المسافر» لم يعرض حتى الآن، فإن هناك حملات هجوم شديدة شنت عليه.. ما تعليقك على ذلك؟

- في تقديري هي حملات منظمة.. فليس معقولا أن تنتج الدولة فيلما بميزانية ضخمة، والصحافيون يهاجمونه قبل أن يشاهدوه.. لذلك كان أمر مثيرا للدهشة والتساؤلات أيضا.

·         ما هو تصورك لدور الرقابة في هذه المرحلة من عمر البلاد بعد سقوط النظام السابق؟

- حدثت قفزة ضخمة في المجتمع المصري بلا شك. والمفترض أن تسقط الرقابة بحكم سقوط النظام.. لكن ما زلنا أمام كتلة رجعية لم تصنع الثورة ولم تشارك فيها، ومن المتوقع أن يدينونا لو قمنا بإلغاء الرقابة الآن.

·         هل يعني ذلك أننا غير مؤهلين لإلغاء الرقابة في تلك الفترة؟

- لا.. نحن مؤهلون لإلغاء الرقابة، لكن هذا لن يأتي إلا في مرحلة متقدمة، ونحتاج إلى حزمة من القوانين صارمة تسيطر على كل المنقلبين على الثورة والمحركين للفتن الطائفية والدينية لكي نمهد لمناخ ليبرالي.

·         لكنّ هناك عددا من السينمائيين والمثقفين ضد إلغاء الرقابة تماما.. ويفضلون تطوير الجهاز الرقابي فقط.. ما رأيك؟

- أنا مع إلغائها، لكن بعد إعداد قوانين تردع من يعتدي على الحرية.. إذا نجحنا في عمل ذلك ففي ذلك الوقت نملك القدرة على إلغاء الرقابة.

·         ظلت المحاذير الرقابية ترتكز على ثلاثة أبعاد؛ سياسية ودينية ومجتمعية.. أي من هذه الأبعاد الأكثر تضررا إذا ما ظلت الرقابة على حالها؟

- أعتقد أن الرقابة على البعد الاجتماعي أخطر بكثير.. فالرقابة السياسية سوف ينحسر دورها في المستقبل.. أما الرقابة الدينية فلن ينحسر دورها في الوقت الراهن وتحتاج أولا أن يتطور المجتمع، وفي تقديري لا يوجد سينمائي ولا روائي إلا ولديه رقابته ومسؤوليته الخاصة – رقابة ذاتية على الأفكار مثل عدم اقترابه من الدين والجنس ثم السياسة.. هو دائما يكون مسؤولا عما يقدمه.

·         وماذا عن مشروع فيلم «المسيح».. هل لا يزال قائما؟

- كنت قد أجلته بسبب بعض المشاكل الرقابية، وانشغلت بكتابة سيناريو فيلم «بأي أرض تموت».. وأعتقد أن الوقت أصبح مناسبا لعمل فيلم المسيح الآن، وذلك بعدما تخلصنا من الفزع من الاقتراب من موضوعات حساسة مثل الدين.. وخلال الفترة المقبلة سوف أجلس مع المنتج محمد جوهر لوضع التفاصيل النهائية له.. وأعتقد أن فيلما مثل المسيح، من المهم أن يظهر الآن وأعتقد أنه أفضل كثيرا من أفلام تحمل الكثير من الهتافات والدعاية.

·         ومتى ستبدأ تصوير فيلم «في أي أرض تموت»؟

- انتهيت من كتابته بالفعل، وخلال الفترة المقبلة سوف أعقد جلسات عمل مع الممثلين.. وتدور أحداثه في إيطاليا، ويتناول فكرة الموت في الثقافتين الشرقية والغربية من خلال عالم عنيف ومخيف، ويقوم ببطولته عمرو واكد، وأبحث الآن عن ممثل آخر أوروبي. وسوف نقوم بتصوير العمل في إيطاليا وجزء منه في فرنسا بميزانية تقترب من 4 أو 5 ملايين يورو.

·         كيف ترى شكل السينما في مصر بعد ثورة 25 يناير، هل مناخ الإنتاج السينمائي سوف يتغير أيضا؟

- بالتأكيد سوف يحدث تغيير، ليس في السينما فقط، بل من الناحية الثقافية والاجتماعية والسياسية.. كما أن ما حرك الثورة في مصر هو ثقافة المجتمع، وفى تقديري أن الجمهور أصبح مختلفا بعد الثورة، ومن المنتظر خلال الفترة المقبلة أن تتطور السينما في مصر حسب حالة تطور المناخ السياسي والاجتماعي. ولدينا فرصة لعمل تغيير حقيقي على كافة المستويات.

·         البعض يتحدث عن عزم بعض المنتجين دعم الأفلام منخفضة التكلفة.. كيف يمكن أن يؤثر هذا القرار على السينما في مصر؟

- أعتقد أن المرحلة القادمة ستكون للسينما البديلة والسينما المستقلة والمختلفة والمتحررة أيضا، وهى السينما قليلة التكلفة.. كما أن سقوط النجوم أمام هذا الحدث السياسي، الثورة، سوف يخلق حالة من التغيير في مصر، خاصة أن المؤسسة الصناعية التي كانت مسيطرة قبل الثورة تجمدت مثل النظام وقد كانت تفرض علينا ممثلين بإمكانيات ضعيفة، تنتجهم وتستثمر نجوميتهم بطريقة تافهة، وبالتالي تسهم في صنع حالة ثقافية متردية.

·         الكثير من المخرجين وصناع الأفلام كانوا مشاركين في الثورة.. وقيل حينها إن أغلبية من نزلوا إلى ميدان التحرير ذهبوا بحثا عن فكرة لفيلم هل تعتقد أن هذا صحيح؟

- عندما قررت النزول والمشاركة في الثورة منذ يوم 25 يناير، نسيت من أنا وماذا أعمل، فالثورة جعلت من قيمة الأعمال بالنسبة لي قليلة للغاية.. وشعرت لأول مرة أن الواقع أصبح أكثر ثراء وأكثر اكتمالا من الخيال، وأن ذلك الوقت غير مناسب لعمل أفلام، بقدر ما هو مناسب للمشاركة فيما يحدث في مصر، وأن ما يتم صنعه أمامي كل يوم بالموت والدم من الصعب أن أعبر عنه بعمل فيلم. وبالنسبة لي لم تكن لديّ رغبة في تصوير أي شيء أثناء الثورة، وقد كنت ضمن المصريين الذين ضربوا الأمن بالحجارة. كما أنني لم أنزل الميدان بدوافع شخصية، بل نزلت بدافع عام وذاتي في الوقت نفسه.. واكتشفت لماذا كنت أصاب دوما بحالة إحباط، ولماذا كنت عندما أسافر لا أريد العودة إلى مصر مرة أخرى، كنت في حالة انعزال عن المجتمع، وأثناء الثورة كنت أعيد اكتشاف نفسي مرة أخرى.

·         أثناء الثورة، خرجت أفلام كثيرة من ميدان التحرير ومناطق عدة في مصر منها فيلم «18 يوم» الذي مثل مصر في الدورة الماضية من مهرجان السينمائي الدولي، ما تعليقك؟

- هذا أمر طبيعي، فمن حق كل إنسان أن يقوم بتوثيق ما يحدث.

·         وما رأيك في إطلاق اسم «أفلام الثورة» على هذه النوعية من الأعمال؟

- أعتقد أن الثورة لم تنته، والوقت هو الذي سيحسم ذلك.. وسوف نشاهد أفلاما كثيرة جدا عنها.. وثورة 23 يوليو (تموز) خصها السينمائيون بأفلام كثيرة وأقحمت مشاهد في أفلام من أجل الثورة.. لكنني لا أستبعد تقديم فيلم عن الثورة إنما ليس الآن.

·         لماذا؟

- لأنني ببساطة لا أعتقد أن الثورة قد انتهت.. فالثورة مستمرة، والصورة غير واضحة. وأنا حتى الآن لم أتخلص من تعصبي وانتمائي للثورة ودفاعي عنها وانحيازي التام لها، وغير قادر على تقبل الآراء الأخرى. وبالتالي عندما أصنع فيلما الآن عن الثورة، سوف تكون وجهة نظري أحادية جدا.

·         البعض يقول إن إنتاج أفلام في الوقت الراهن عن الثورة يعد محاولة استثمار للثورة؟

- الحكم في النهاية يجب أن ينصب على المنتج النهائي أو الفيلم.

الشرق الأوسط في

15/07/2011

 

«المسافر».. هل كان جريمة وزارة الثقافة المصرية؟

عمر الشريف كان أشرس المهاجمين للفيلم

القاهرة: طارق الشناوي 

أخيرا، عرض قبل يومين فيلم «المسافر»، أول إنتاج سينمائي لوزارة الثقافة المصرية بعد أن ظل قرابة عامين حبيس العلب.. فالدولة قبل الثورة كانت مترددة في عرضه وكأنها ارتكبت ذنبا تخشى لو سمحت له بالتداول أن يتحول إلى فضيحة «بجلاجل».

الحقيقة هي أن هذا المشروع السينمائي، وهو مجرد سيناريو على الورق، فرض نفسه منذ البداية كنقطة انطلاق محل خلاف رئيسية. كان السؤال: لماذا تتحمس الدولة وترصد أكثر من 20 مليون جنيه، كانت تساوى وقتها 4 ملايين دولار، لفيلم دون أن تمنح فرصة متساوية للجميع؟ هذا هو السؤال الذي سيظل لصيقا بـ«المسافر»، فلا يمكن أن تعود الدولة - أي دولة - للإنتاج بعد أكثر من 35 عاما مع مشروع بعينه دون أن تحقق العدالة لكل السينمائيين من خلال مسابقة يجد فيها الجميع أنهم متساوون أمام الحكومة.. كما أن ما حدث أثناء تصوير «المسافر» قد ساهم في زيادة الشكوك بعد أن طالت أسابيع التصوير لتصبح شهورا، واحتل المقدمة الحديث عن إهدار المال العام بالإضافة إلى الميزانية التي تجاوزت السقف المفروض. كان هذا هو أحد العناوين الرئيسية للفيلم قبل أن يجد طريقه للشاشة.

المحطة الهامة التي سبقت عرض الفيلم كانت هي ترشيحه للاشتراك في المسابقة الرسمية لمهرجان «فينسيا» عام 2009، ليصبح الفيلم الرابع خلال 67 دورة، هي عمر المهرجان، التي تشارك فيها السينما المصرية بعد أفلام «وداد» 1936 فيرتز كرامب، «حدوته مصرية» 1982 يوسف شاهين، «هي فوضى» 2007 يوسف شاهين وخالد يوسف. نعم، حدث هام في تاريخ السينما المصرية، ولكن كان ينبغي أن نرنو إلى ما هو أبعد من مجرد المشاركة إلى التطلع للحصول على جائزة. ما حدث أثناء عرض الفيلم في فينسيا وبعد العرض مباشرة، وكان كاتب هذه السطور أحد حضور تلك الدورة في المهرجان، هو أننا شاهدنا غضبا عارما اعترى عمر الشريف، الاسم الأكبر، إنه ليس فقط عنوانا للفيلم، ولكن أحد العناوين الكبرى لمهرجان «فينسيا»، وهكذا أعلن «عمر الشريف» تنصله من الفيلم والمخرج والبطل المشارك، خالد النبوي.

وانفلتت الكلمات الغاضبة من عمر الشريف ولم يستطع أحد إيقاف شلالات الثورة المسجلة تلفزيونيا.. كانت صدمة عمر الشريف الدافع إليها حالة الفيلم بوجه عام وأيضا بسبب وجوده الهامشي أو الذي رآه هو هامشيا.. كما أنه لم يرضَ عن أداء خالد النبوي، بطل الفيلم الرئيسي.. وانتقلت مساحات الغضب إلى فريق العمل بالفيلم، عدد من الفنيين المشاركين في الفيلم صرخوا أكثر مما صرحوا بالغضب.. الفيلم قبل عرضه أخذ طعنة من داخله، والمفروض أن كل المشاركين في العمل الفني حتى لو كانت لديهم ملاحظات تظل بينهم وبين المخرج في الغرف المغلقة على الأقل حتى يرى الفيلم النور بعد عرضه جماهيريا، ورغم ذلك اتسع الخرق على الراتق، صارت محاولة إيجاد مخرج لما حدث ضربا من المستحيل.. وعاد الفيلم من «فينسيا» إلى القاهرة وهو مكلل بالهزيمة، وانتقل إلى الكثير من المهرجانات دون تحقيق أي قدر من النجاح.

الفكرة التي اتكأ عليها أحمد ماهر، كاتب ومخرج الفيلم، أراها شديدة الذكاء والخصوصية، فهي حميمية داخل صانع الفيلم وكأنها قد مرت بمرحلة الحضانة التي طالت ربما أكثر مما ينبغي، فلقد ظل يحلم بالمشروع قرابة عشر سنوات.. ما الذي يحدث بعد انتهاء الرحلة مع الحياة؟ عمر الشريف يروي لنا بعد انتهاء رصيده من السنوات أن ما تبقى له ثلاثة أيام فقط، خريف 48 وخريف 73 وخريف 2001.. وكأنه يستعيد قول الشاعر أحمد شوقي «قد يهون العمر إلا ساعة.. وتهون الأرض إلا موضعا».. أي أن كل ما مر بنا من أيام بحلوها ومرها وكل الأماكن التي رأتها أعيننا بجمالها وقبحها، لا يتبقى منها إلا هذا القليل الذي نحيا عليه لأنه يعيش فينا.. الجديد الذي أضافه أحمد ماهر هو أن تبقى الذكرى بداخلنا بعد انتهاء الحياة.. ولكن هل ما يتبقى فعلا هو الواقع كما حدث أم أننا دائما ما نضيف إلى هذا الواقع خيالا، معتقدين أن هذه هي الحقيقة بعينها؟ علميا لا يمكن أن نستعيد الحدث القديم بمعزل عن سنين العمر التي عشناها والتي تضيف وربما أيضا تحذف الكثير، وهكذا قدم أحمد ماهر الأيام الثلاثة في حياة بطل الفيلم «حسن» بعد أن منحها خيالا لا يعرف حدودا ولا قيودا.. اليوم الأول في السفينة التي ينتقل إليها بالقطار.. إنه الشاب «حسن»، موظف في البوسطة، أدى دوره خالد النبوي، ونستمع إلى صوت عمر الشريف وهو يروي حكاية البطل الذي لديه خطاب من «فؤاد»، أدى دوره عمرو واكد، حبيب «نورا» سيرين عبد النور، إلا أنه يريدها لنفسه ويخون واجبات وظيفته ويشعر بأنها قدره المحتوم ولا بد من العثور عليها.. اختار المخرج موقع السفينة التي قدمها مهندس الديكور أنسي أبو سيف بكل تفاصيل الأربعينات مع أجواء للرقص بالشمعدان وموسيقى أغنية «يا حسن يا خولي الجنينة ادلع يا حسن»، وهي موسيقى فولكلورية أعاد الموسيقار الراحل محمود الشريف تقديمها بكل ما تحمله من شجن نبيل.

القبطان، يوسف داود، يحاول أن يعثر على الفتاة التي يبحث عنها «حسن». هو يريد أن يغير القدر، يرتبط بها بدلا من حبيبها الحقيقي «فؤاد»، يتبقى من تلك العلاقة محاولة خالد النبوي في الاستحواذ على سيرين عنوة.. أوحى الفيلم بذلك في لقطات ثم تراجع في لقطات لأننا لا نرى عيون البطلة والبطل، فقط يد خالد النبوي وهي تحاول نزع الفستان، ويد سيرين ومقاومتها الحادة ثم استسلامها.. ويرتدي خالد زي العريس وبدلته ثم يلقي بنفسه في البحر، وينقذه عمرو واكد، تتزوج نورا من عمرو في نفس اليوم من خريف 1948.. ويعترض خالد النبوي ويكتفي بأن يستعيد فقط من العريس البدلة.

أنت لا تتعامل مع واقع بالطبع، ولكن المخرج يحاول أن يخرج بعيدا عن هذا القيد لنتعايش مع هذه الحالة من الرؤية، وهو الجزء الذي قدمه المخرج بإيقاع نابض وأيضا لا يخلو من خفة ظل.. مثل هذا المشهد الذي نرى فيه مجموعة من الشباب يستمعون إلى أصوات العاهرات مقابل دفع أموال وهن في علاقة مع جنود الاحتلال البريطاني، على أساس أن شم رائحة الكباب أفضل ما دام أنه منه المستحيل أكله.. هكذا انتقل إلى اليوم الثاني واختار له 73، تحديدا يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول).. وهو ما يدعم الاختيار الأول في 48 بأننا نتابع الإطار الخارجي الذي عاشته مصر والأمة العربية من 48 عام النكبة إلى انتصار 73، مع الأغنيات التي ارتبطت بتلك المرحلة مثل «على الربابة باغني» و«خلّي السلاح صاحي».. أي أنه قد مر 25 عاما على تلك الواقعة، ماتت الأم «نورا» سيرين عبد النور وأنجبت ابنة تشبهها تماما «نادية»، أدت دورها أيضا سيرين عبد النور.. هل هي ابنته؟ هكذا نعتقد كمشاهدين، خصوصا وأن الصورة التي كانت تحتفظ بها الأم التي التقطت فوق ظهر السفينة كنا نرى فيها ملامح خالد النبوي، وتؤكد له سيرين عبد النور أن شقيقها التوأم نسخة منه.

في هذا الجزء يبدأ التحول في فن أداء الممثل خالد النبوي، حيث نشاهد خالد النبوي بعد أن قرر تقليد عمر الشريف في الأداء الصوتي والحركي، بل في نظارته في فيلم «إشاعة حب»، ويبدأ تقييد الفيلم في هذا الإطار الضيق، وهي بالطبع ليست مسؤولية الممثل منفردا ولكنها إرادة النجم هي التي فرضت على المخرج الإيقاع أو ربما كانت هي أيضا رؤيته، لا أدري بالضبط ما الذي حدث، ولكن كان هذا الجزء أضعف ما في الفيلم لأنه سرق منه الإحساس الذي كان ينبغي أن نعيشه، أحال الفيلم إلى مجرد تماثل بيولوجي بين الشخصيتين، والغريب أن هذا اليوم امتد ليستحوذ على 50% من أحداث الفيلم.. «علي» يغرق في البئر.. «علي» هو شقيق «نادية» التوأم المعروف أنه بيولوجيا ابن عمر الشريف، هكذا يوحي الخط الدرامي للفيلم.. تتزوج سيرين عبد النور «نادية» في لحظة «جابر» المتخلف عقليا الذي أدى دور صديق شقيقها، وهو الممثل محمد شومان.. نرى في الفيلم بداية العلاقة بين البطل «حسن» وابنته تبدأ بنقطة ساخنة، المخرج كالعادة يتجنب نظرات العينين ونرى الكاميرا من الخلف توحي بأن هذا يعد بمثابة شروع في علاقة.. الرؤية المباشرة هي أننا بصدد زنا المحارم، أب مع ابنته، لا أدري لماذا تركها هكذا بلا إجابة قاطعة، فلا هي أكدت العلاقة ولا تركتها بلا يقين قاطع.. الرجل لم يكن يعنيه تماما الحقيقة، فهو يستعيد حياته بعد انتهائها، وأخطاؤه يدخل فيها اللاشعور والأمنيات التي تمناها ولم يستطع أن يحققها، فهو من خلال الرؤية المباشرة للفيلم لا يمكن اعتبار أن تلك العلاقة تدخل في هذا الإطار، كما أن لهذه العلاقة ضرورة درامية، حيث إنها تنجب أيضا طفلا بعد ذلك، ليختلط الأمر علينا هل هو ابن «حسن» أم حفيده.. وينتقل إلى المرحلة الثالثة، الحقيقة مع «حسن» عمر الشريف بعد أن تجاوز السبعين، واختار خريف 2001. ضرب البرجين حدث عالمي أثر على الإنسان العربي في العالم كله.. اللقاء مع حفيده «علي»، ابن «نادية»، ونكتشف أنه مثله في شبابه غير قادر على الاقتحام، يخشى العراك مع الحياة على المستوى المادي والعاطفي، ثم تلك الأنف التي تذكره بأنف عمرو واكد المميزة، وهو ما ينفي أنه حفيده. نرى الأنفين يتطابقا، ومن هنا كانت أهمية المشهد الذي يجمعه مع «نورا»، ولكنه للمرة الثانية يقيم علاقة وينجب طفلا يكتشف مع الزمن أنه أبوه رغم أن اسمه أيضا «علي»، وبالمفهوم المصري فإن «حسن» هو «أبو علي».. كان نسيج الفيلم وسياقه الفكري يسمحان بكل ذلك لأنك لا تتعامل مع الواقع، إلا أن هناك بالتأكيد قصورا ما في الرؤية لدى المخرج، أو لأن هناك كما تردد عيون أخرى تدخلت وحاكمت الفيلم أخلاقيا، وكان لها القرار النهائي لتحديد المحذوفات نظرا لانتماء الفيلم في نهاية الأمر إلى وزارة الثقافة.. في الأتوبيس النهري في اللقاء الأخير لعمر الشريف قبل أن يمضي في النهر منهيا حياته الافتراضية عندما نرى امرأة مع طفليها وفي أحشائها جنين لا تدرك بالطبع من هو أبوه تحديدا، وكأنه يعيدنا إلى مرحلة الشك. إنها نظرة وجودية يبحث فيها الإنسان عن علاقته بالحياة والخالق وحدود الصراع وهل الإنسان نفسه أم أنه مقيد بإرادات أخرى.. لا يراهن الفيلم بالطبع على الجمهور، فهو لا يقدم حكاية متتابعة لها بداية ووسط ونهاية، وليس الأمر هنا خاضعا لنوع سينما أفضل من آخر، فلا يوجد في هذه المعادلة فعل تفضيل، فقط اختيار لتلك الرؤية.

المخرج أحمد ماهر لا تستطيع أن تنفي عنه تمتعه برغبة في فرض إيقاعه، إلا أنه يبدو في الجزء الثاني الذي استغرق وحده نصف زمن الفيلم وكأنه مقدم فقط لإرضاء البطل خالد النبوي، وهو ممثل ينتمي أداؤه إلى منهج قديم في التعبير، ناهيك بافتقاره إلى الجاذبية التي ينبغي أن يمتلكها النجم السينمائي لكي يتحمل تبعات أن ينقل إلى الجمهور الحالة السينمائية المغايرة.. لقد أفسدت المساحة الزائدة للجزء الثاني من الفيلم الإيقاع العام، وأدت إلى قدر من التشويش في التلقي، ولكن يظل أننا في نهاية الأمر أمام حالة إبداعية.. شاشة بها ثراء بصري وصوتي، ومخرج يقدم جوا عاما للفيلم يساعده على تحقيقه، ماركو أو نوارتو مدير التصوير، ومهندس الديكور أنس أبو سيف، وموسيقى فتحي سلامة.. لدينا فيلم سينمائي ولكن حجم التوقع كان أكبر بكثير من الواقع نظرا لحالة الانتظار المسبق للفيلم.. فرض قانون الواقع على الخيال الذي يقدمه الفيلم يظلم الفيلم لأنه يبدو في قانونه خارج السياق الفني المعتاد، إلا أن هذا لا يكفي لكي تضع الفيلم في مكانة خاصة.. الفيلم به أداء جيد من عمر الشريف ومحمد شومان وسيرين عبد النور وعمرو واكد، ولكن يغيب عنه الكثير من الألق الذي كان يعلن عن نفسه في لحظات ويخبو في أخرى.. ويظل أن سيطرة الممثل خالد النبوي على الفيلم أثرت بالسلب وخصمت الكثير، وهي مسؤولية المخرج، فكان خالد أشبه بعازف منفرد «سوليست» في فرقة موسيقية يقدم لحنا خاصا به ولا يعنيه ما الذي تشير إليه عصا المايسترو، بينما المايسترو المخرج أحمد ماهر الذي لم يكن يعنيه من كل هذه المشكلات إلا إنجاز فيلمه بأقل القليل من الخسائر، فاكتشفنا أثناء عرض الفيلم أن القليل جاء كثيرا.. أكثر من قدرتنا على الاحتمال.

الشرق الأوسط في

15/07/2011

 

 

نشطاء دشنوا حملةً لمقاطعة أعمال "جمال دبوز"

زيارة بطل "خارجون عن القانون" لإسرائيل تثير غضب الجزائريين

زبير فاضل - mbc.net 

أثارت زيارة بطل فيلم "خارجون عن القانون" الممثل الفرنسي من أصول مغربية "جمال دبوز" لإسرائيل غضب الجزائريين، خاصة وأنه لم يسبق له وأن كشف عن دعمه لإسرائيل.

وشن نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي حملة لمقاطعة كل أعمال الممثل المغربي.

ونشر ناشطون جزائريون -الخميس 14 يوليو/تموز 2011م- صورة تظهر الممثل المغربي الفرنسي "جمال دبوز" وهو يزور إسرائيل ويلتقط صورة مع يهودي، وهو يُطلق ابتسامة عريضة ويحمل في يده قبعة بيضاء.

وأثارت الصورة الحديثة موجة من الغضب الجزائري، خصوصًا وأن الممثل هو بطل فيلم المخرج الجزائري رشيد بو شارب "خارجون عن القانون" الذي يروي أحداث الثورة الجزائرية، ونضال أفراد عائلة ضد الاستعمار الفرنسي.

وعلق الناشطون على الصورة التي سربت ونشرت على صفحة "وان تو تري فيفا لالجيري" التي تضم أكثر من 200 ألف مشترك، بلهجة الغاضبين المنتقدين لسلوك الممثل "جمال دبوز".

وعلق أحدهم قائلا: "من العيب أن يقوم ممثل مغربي بمثل هذا الأمر"، وأضاف آخر: "هذا أمر لا يشرف العرب"، وتساءلت أخرى: "هذا ما ينقصك يا جمال دبوز.. التطبيع مع إسرائيل".

وتضمنت الصورة عنوانًا هو "الصورة لا تحتاج الحديث عنها.. كل شيء واضح وضوح الشمس، لكنها ربما صفعة لمن.."، وعلق عليها أكثر من أربعمئة شخص، وأعجب بكشف أسرار الممثل المغربي "جمال دبوز" ما يزيد عن 200 شخص على صفحة "الفيس بوك" نفسها.

من جهة أخرى، أنشأ ناشطون على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي صفحات، لمقاطعة كل الأعمال التي يقدمها الممثل الكوميدي جمال دبوز، منها "قاطعوا دبوز"، وهذا بسبب إساءته للعرب من خلال زيارته لإسرائيل.

ودافع آخرون على الممثل جمال دبوز قائلين إن الصورة مفبركة، وتستهدف الإساءة لممثل استطاع أن يصنع نجاحًا وشعبيةً لا مثيل لها، نافست شعبية اللاعب الجزائري "زين الدين زيدان" في فرنسا.

وقال الممثل المغربي -البالغ من العمر 36 سنة- في تصريح لـmbc.net: "إن الصورة حقيقية وليست مفبركة، وزيارتي لإسرائيل كانت بدعوة رسمية، وأنا أتحمل تبعات ما يحدث لي".

وأضاف المتحدث في تصريحه المقتضب "الفنان لا حدود له، ومن حقي أن أتعرف على كل البلدان، لتكون لي نظرة واضحة عن الأحداث من أجل كتابة أعمالي".

وولد جمال دبوز في بلدة تراب في منطقة إيفلين في الضواحي الجنوبية لباريس، ووالده مغربي من مدينة وجدة المغربية، وقد تزوج من المذيعة الفرنسية "مليسيا توريو"، وأنجبا طفلا اسمه "ليون".

وأسس جمال دبوز في فرنسا نادي "كوميدي كلاب" الذي يطلق من خلاله مواهب الفكاهيين المغاربة والجزائريين والتونسيين والفرنسيين، وتمكينهم من الظهور جماهيريًا للمشاهدين".

كما مَثَلَ في عدة أعمال فرنسية وأعمال كثيرة لمخرجين جزائريين، منها: "خارجون عن القانون" و"أنديجان" للمخرج "رشيد بو شارب" نفسه، وأثار الفيلمان ضجةً سياسيةً في فرنسا زادت من شهرته.

الـ mbc.net في

15/07/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)