حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عنف مركب ومجهول"في عالم أفضل"

فجر يعقوب

يتخذ الفيلم الدنمركي “ في عالم أفضل”، المتوّج بأوسكار أفضل فيلم أجنبي لهذا العام، ذريعة  جنوب السودان  ليشرّح أسباب العنف والعنف المضاد، الذي تعيشه بعض المجتمعات الحديثة، وهو يقدم من خلال دراما عائلية اجتماعية قراءة مبسطة في تصاعد العنف في المجتمع الدنمركي بالارتكاز إلى وسائل الاتصال الحديثة التي تمثلها هنا خير تمثيل الشبكة العنكبوتية، بمالها من تأثيرات على الجيل الجديد الذي لم يعد يعرف وسيلة للمعرفة سواها .

نحن نقف أمام طبيب سويدي مقيم في الدنمرك ولايعرف وطنا له سوى هذا البلد، ويعيش العنف الاجتماعي والسياسي عبر تقديمه لحالتين : الحالة الأولى حين نشاهده في الجنوب السوداني يعيش في مخيمات للاّجئين ويقوم بتقديم الرعاية الطبية ضمن الامكانات المتاحة التي يؤمنها هذا المعسكر الطبي . ولا يبخل بها حين يمكنه ذلك، أو حتى حين يبتدع " معجزات " طبية في علاجه لبعض الحالات، بما يمليه عليه واجبه الانساني . في مقابل هذا العنف اليومي الذي يمثّله هنا " الزول الضخم " المقيم في ذاكرة كثر  من أهل هذا المخيم باعتباره وحشا آدميا، لا يتوانى عن قتل نسائهم الحوامل عبر المراهنة بالمال على هويات الأجنّة وشق بطونهن للتأكد من ذلك، سوف نجد عنفا من نوع آخر متصاعد في البلد الذي يقيم فيه اقامة نهائية، ونقصد هنا الدنمرك، فابنه “ إلياس” يعاني من ضغوطات نفسية شديدة في المدرسة التي يدرس فيها جراء تعرض  “سوفوس” له هو وعصابته،  بشكل يومي ونعته بأقبح النعوت  كونه سويديا، عادة ما تنتهي هذه التحرّشات بضربه على يد أفراد هذه العصابة المدرسية، حتى أن ادارة المدرسة هنا تنحاز إلى “سوفوس تقريبا وتحاول إلقاء اللوم على “ إلياس”من خلال الحديث عن عزلة يعيشها الفتى المهاجر، والتركيز على مشاكل عائلية يعيشها والداه جرّاء انفصالهما عن بعضهما البعض، وهو ما ترفضه والدة إلياس، الطبيبة المقيمة في إحدى المستشفيات الدنمركية رفضا قاطعا، مؤكدة أن الادارة تتستر هنا على سوفوس " المختل الصغير، صاحب العصابة الاجرامية ". سوف تتغير موازين القوى في المدرسة مع رجوع الفتى الدنمركي “ كريستيانمن لندن بعد وفاة أمه جرّاء مرض السرطان، وسيصبح تلميذا في نفس غرفة الصف التي يدرس فيها “ إلياس “، لا بل وسيقاسمه المقعد ذاته، باعتبار أنهما مولودان في اليوم ذاته، وسط سخرية شديدة من تلامذة الصف، لأن “كريستيان” سيقاسم " الجرذ السويدي"المكانة ذاتها، ما يعني إهانة غير متوقعة للعنصر الدنمركي  . كريستيان صاحب نزعة عدوانية مشرّشة فيه، فهو لا يكف عن تقريع أبيه بسبب وفاة أمه، ويعتبره مسؤولا عن ذلك، وبأنه كان يرغب فعلا بموتها، وهذا يدفع به ليصبح أكثر عزلة عن محيطه، وإن كان سيمد بيد العون إلى “ إلياس”حين يقوم بمهاجمة سوفوس وادمائه في حمامات المدرسة العمومية، الأمر الذي يكف يده نهائيا عن الفتى السويدي، وهو ما سيزيد من توطيد الصداقة بينهما .

سوف تركّز المخرجة الدنمركية سوزان بيير في بناءات متوازية للأحداث على رسم خطوط هذا العنف، ومحاولة توضيح محاوره الأساسية، في بلدها الدنمرك، وستبدو أنها مأخوذة تماما، أو مسحورة بأداء “ كريستيان “، وهذا بدا واضحا تماما، فالفتى يمتلك طاقات تمثيلية واضحة وجلية، وهو بوسعه أن يعكس كل ماتريدها منه، بل إن ظهوره منذ اللقطات الأولى التي تلي معسكرات دارفور الطبية حرفت الفيلم عن مساره، فهو يشكل عالما قائما بذاته من طريق تلوين عالمه الداخلي بانفعالات حادة وطبيعية، وهذا يحسب بالطبع للمخرجة بيير، ولكن هذه البناءات المتوازية في كشف أسباب هذا العنف تخون المخرجة الدنمركية قليلا، اذ لايبدو أنها مهمومة مثلا بتشريح وقائع هذا العنف ومسبباته في الأزمة السودانية، بل إنها تتخذ من مسرح الأحداث في الجنوب شكلا من أشكال الخلفيات النمطية في رواية أحداث تعج بالعنف والغنف المضاد من خلال التهويل بهذه الأحداث، من دون مطالعة الأسباب الكامنة في كل مايدور على خلفية هذه الكليشيهات، فهنا بشر يتقاتلون دون معرفة الدوافع التي أفضت بالجميع إلى هذه النهاية المأسوية، حتى أن " الزول الضخم " يقصد المعسكر لمعالجة ساقه المهددة بالقطع، جرّاء أصابتها وتعفنها، ويقوم أنطوان بتقديم العلاج له بوصفه الطبيب لا الصديق، فهو يرفض عرضا بالصداقة قدمه له هذا الوحش الآدمي، ثم يطرده في لحظة شجاعة محلقة من المعسكر الطبي حين يتعافى تقريبا ويطلب من أحد أتباعه الاعتداء جنسيا على فتاة ميتة كان الطبيب السويدي يحاول أن يقدم لها الاسعافات اللازمة . مايقوم بهأنطوان”، هنا لا يختلف كثيرا عما يقدمه في الدنمرك ،حين يخفق باستعادة قلب زوجته الطبيبة “ماريان “، ولكنه ينجح بتقديم درس عن التسامح مع الآخرين حين تهب رياح التعصب للهويات الصغيرة، مع هذا الهبوب الكوني على الهويات الكبيرة .

حين يقرر الانسان اقتسام مابقي من اثنيات وأعراق على حساب النوع الانساني الذي بات يشكل تراجعا في قدرته على حسم مصيره والتأكد من درجات ثباته وتلونه . ينجح انطون بذلك تماما حين يقوم عامل دنمركي أخرق بصفعه ومطالبته بمغادرة الدنمرك إلى وطنه الأم،ولا يرد له الصفعة وهذا مالايفهمه ابناأنطوان “، ولا”كريستيان”  ما يدفع بهذا الأخير للتخطيط للثأر منه، فيقرر تفجير سيارته عن طريق تصنيع قنبلة من مخلفات بارود وجده في قبو بيت “إلياس” . ينجحكريستيان” في تفجير السيارة، ولكنه يكاد يودي بحياة “إلياس”، لأنه تدّخل في اللحظات الأخيرة لينقذ أما وابنتها صدف مرورهن من هناك لحظة التفجير .  تدور تحقيقات الشرطة حول شيء أساسي وواحد، فهم مصممون على معرفة الجهات التي زودتكريستيان”بمعلومات عن تصنيع القنبلة، وهي الجهات المتحصنة بالشبكة العنكبوتية، فينفي “كريستيان”وجود مجموعات بعينها، ويؤكد أن هذه المعلومات متوفرة على هذه الشبكات بشكل ميسر وسهل .

تنجح المخرجة الدنمركية سوزان بيير، في تشريح أهم النقاط المتصاعدة في بناء العنف النفسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الدنمركي . تقدم قراءة واضحة المعالم في أهم المكونات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدفع هذا المجتمع المسالم والمنفتح والمحدد الهوية نحو الانزلاق في عالم من العنف لايسوده سوى الرعب من الآخر، ومن هويته المتشكلة والمتجذرة وإن في مجتمع للغير، ولكنها تخفق تماما، حين ترسل ب”انطون” إلى الجنوب السوداني في معرفة هويات الأشباح الذين يتقاتلون هناك . لاتقول شيئا عن مكوّنات هذا الصراع، وتختصره بوجود وحش آدمي وعصابات قتل، من دون معرفة الخلفيات التي جاءت منها  هذه الأشباح التي تذروها الرياح في اللحظات الأخيرة، حين تقرر نفي حالاتها في رمال المعسكر الصحراوي المجهول .

في عالم أفضل”فيلم بمنعرجات إنسانية شديدة الخفق والبوح، ولكنه غير مكتمل لجهة تحديد ملامح وهوية عنف لايقل وحشية وتكسيرا للانسان المعذب، حتى وإن اكتسى بشرة غير بشرته، وجلدا غير جلده، وإن حظي بأوسكار أفضل فيلم أجنبي لهذا العام، فإن هذا لايخفف من الاشارة إلى الجهل الذي لحق بمعرفة الأسباب التي دفعت بكل هؤلاء للتقاتل واقتسام الضعف الانساني على مرأى من بصر الشاهد و القاتل والقتيل .

الجزيرة الوثائقية في

21/04/2011

 

"التجلي الأخير لغيلان الدمشقي".. يعود إلى القاعات

لمى طيارة  

"التجلي الأخير لغيلان الدمشقي" ، هو اسم الفيلم الأحدث للمخرج هيثم حقي، ورغم انه ليس حديث الإنتاج 2008 ، إلا انه مازال يعتبر الأحدث ، لأن هيثم حقي من حينها متوقف عن الإخراج السينمائي ، بينمامازال ناشطا في كتابة السيناريو، وكلنا يذكر له فيلم "الليل الطويل" الذي كتب السيناريو له، بينما قام بإخراجه حاتم علي .  

تدور أحداث فيلم غيلان الدمشقي، الذي يلعب بطولته فارس الحلو ، وكنده علوش وغيرهم، حول سامي، الشاب في مقتبل العمر رغم انه يبدو هرما ظاهريا، يعمل موظفا في مديرية الصحة رغم عدم انسجامه معها، يهوى تربية الطيور والاهتمام بالنباتات، وليست لديه ميول أخرى سوى ممارسة الأكل بشراهة . يعيش غيلان الدمشقي  المفكر الإسلامي في ذهن وعقل هذا الشاب الطامح لنيل درجة الماجستير، ورغم أنه فقد والدته، القريبة الوحيدة  المتبقية له ، إلا أنه لم يشعر بالحزن الكافي تجاهها أو هكذا بدا لنا، فهو يعيش بعيدا عن ارض الواقع وفي ملكوته الخاص الذي رسمه لنفسه وارتضاه كمكان يهرب إليه من عالمه الذي لا يتوافق معه، فقد احتل غرفة والدته اثر وفاتها مباشرة، واستمتع بالرقاد على سريرها المريح الذي طالما تمناه ولكنه اكتشف على الفور انه ليس مكانه المريح الذي طالما حلم به  فمن هنا سيراقب ويكتشف أن جارته في السكن تعمل كعاهرة بشكل إجباري لإرضاء زوجها المقامر ، مع ذلك لم يستطع أن  ينبث ببنت شفه عما رآه. ورغم أنه على  الجانب الآخر من هذا العالم ( الحي الذي يسكنه) ، جيران محترمون يحيطونه عطفا وحبا، إلا انه لم يتمكن من الاستحواذ على قلب ابنتهم التي يطمع أهلها بعريس ثري لها، بينما هي متعلقة بشاب آخر يشاركها ميولها السياسية والثقافية، واكتفت بجعل سامي أخا كبيرا لها ، فما كان منه إلا أن ساعدها على الهرب، رغم معرفته بأن تلك الفعلة ستحمل له وابلا من المشاكل وسوء الفهم والعناء النفسي . سامي الخائف والمتردد وصاحب الشخصية الانطوائية ، وجد في  غيلان الدمشقي ، حلما يستنجد فيه كلما ضاقت الحال به .

وغيلان الدمشقي كما تذكر كتب التاريخ الإسلامي هو  منظر للفكر السياسي العربي في فترة التأسيس الإيديولوجي في الدولة العربية الإسلامية ، ه أول المبادرين إلى "ثورية فكرية" في زمانه حيث كان يرفض احتكار السلطة من طرف فئة واحدة، مشترطا إجماع الناس واختيارهم الحر لتولي الحاكم، وكان يدعو لمفهوم العدل الإلهي ، الذي لم يحظ بترحيب من  الحكام الأمويين حيث كان يقول الوليد بن عبد الملك " لا ينبغي لخليفة أن يَناشَد أو يكذّب ولا أن  يسميه أحد باسمه..."(1)

دفع غيلان الدمشقي حياته ثمنا لمعتقداته وآرائه وأفكاره، وكذلك كان مصير بطل الفيلم، الأول قتل حين تحالفت السلطة السياسية مع السلطة الدينية  لتصفيته، بينما الأخر قتله خوفه من ذلك الانفصال ما بين واقعه الذي يحياه وبين عالمه الذي يحلم به والذي يرتقي لمصاف فكر وفلسفة غيلان الدمشقي.

إن اختيار هيثم حقي لإعادة إحياء تلك الشخصية الرمزية في التراث العربي الإسلامي ليس بالأمر الاعتباطي وخصوصا كون ذلك الرجل لم يأخذ نصيبه من البحث في عتاريخنا المعاصر، وقد يعود  السبب للإشكالية التي تدور حول مبادئه التي يرفضها تيار برمته، بينما يتبناها تيار آخر ،ولكن كلا التيارين مؤثر وفاعل في حياتنا المعاصرة ، تيار القدرية وتيار الجبرية، الأول يؤكد على قدرة الإنسان على الإرادة والاختيار،  بينما الآخر  ينفي وجود أي دور للإنسان في أقواله وأفعاله ، ثم إن اختيار هيثم حقي لتلك الطريقة غير النمطية لتقديم الفيلم، وعرض الشخصية  بشكل غير تقليدي وغير مباشر، يعتبر أمرا موفقا ويحسب له، خصوصا في لحظات الربط السلس والمنسجم ما بين الماضي " غيلان الدمشقي" والحاضر "سامي" الذي يمثل المثقف المنهزم عاطفيا وسياسيا   .

لم يُقّدر لهذا الفيلم أن يرى النور سوى مرات معدودة، منها حين عرض في سينما الكندي بدمشق عام 2008 ، ومرة أخرى منذ أيام قليلة، حين عرض في إحدى صالات السينما بحلب، ولكن يبدو أن هذا الفيلم سيرى النور أخيرا، كما أخبرنا المخرج هيثم حقي الذي أكد أن الفيلم حصل على الموافقة الرسمية للعرض بدمشق.

(1) الشهرستاني, الملل والنحل ج1ص148

(2) اليعقوبي, تاريخ اليعقوبي ج2 ص290

الجزيرة الوثائقية في

21/04/2011

 

هل تعود سعاد حسنى من جديد؟

كتبت- علا الشافعى 

◄◄ دوامات السينما المصرية من نكسة 67 إلى ثورة يناير.. فاتن حمامة رمز البراءة وسعاد حسنى نجمة الشقاوة ..ونادية لطفى ولبنى عبدالعزيز ترفعان شعار «أنا حرة» بعد 23 يوليو وهند رستم معادل مارلين مونرو وأحمد زكى يغير مفاهيم النجومية.. وسمير غانم نجم المقاولات

◄◄ نادية الجندى رائدة سينما «سلم لى على البتنجان» ونبيلة عبيد النجمة الأنثى ..وعادل إمام زعيم سينما المخدرات

كل وقت وله نجوم، مقولة كثيرا ما تترد فى وصف حال الفن وعلاقته الجدلية بالسياسة، ومهما حاول البعض التقليل من أهمية الفن ودوره الحقيقى فى المجتمع وحصر دور الفن فى المتعة والترفية، فإن هذا يعد تقليلًا من أهمية الدور الذى يلعبه الفن ونجومه، فالفن انعكاس دائم لكل ما يحدث فى الحياة السياسية والاجتماعية وتأريخ لشكل الحياة وتطورها وهذا ما يؤكده تاريخ السينما فى العالم وليس فى مصر وحدها، كما يحمل بعض الأفلام مؤشرات لما قد يحدث فى المستقبل كنوع من قراءته أو استشرافه، وهو ما ينعكس أيضا وبشكل كبير على ملامح وشكل النجوم من زمن إلى آخر.

فالسينما التى كانت فى بداية اختراعها بسيطة وتهدف إلى الترويح كانت مهمتها تسجيل لقطات حية من الواقع وإعادة عرضها على الجمهور والذى شعر بانبهار وخوف شديدين عند رؤية هذه المشاهد، ومع التطور وظهور الصوت، كان التركيز أكثر على الحدوتة البسيطة والتى تجذب أذن وعين الجمهور بعيدًا، وسرعان ما بدأ الجمهور المصرى ينتبه إلى هذا الفن الوليد، الذى كان يجذب سيدات الطبقة الراقية فى ذلك الوقت اللاتى حاولن تقديم أفلام مصرية سعيًا وراء الشهرة وحبًا فى الفن الجديد الذى بدأ ينتشر، حسبما يؤكد الناقد السينمائى ضياء حسنى فى إحدى دراساته.

والملفت للنظر فى تلك الفترة التاريخية أن بداية الانطلاقة لهذا الفن كانت على يد نجمات مثل بهيجة حافظ وفاطمة رشدى وعزيزة أمير وأمينة محمد واللائى قدمن تجارب ميلودرامية تتعلق بقصص الحب بين طبقات الأغنياء والفقراء وجاءت ملامح النجمات والنجوم فى هذه الفترة انعكاسًا لشكل وملامح سيدات الطبقة الراقية فى المجتمع، ومع ظهور السينما الناطقة بدأت السينما تعرف نظام النجم ليس النجم الخاص الذى خلقه هذا الفن الجديد، لكن نجم الغناء الذى دخل السينما، ومن هنا استغلت السينما شهرة نجوم الغناء، وهو ما وعى إليه محمد عبدالوهاب بذكائه أيضا للوصول إلى أوسع قاعدة من الشعب فقرر وقتها خوض تجربة التمثيل، فى أفلام مثل «يحيا الحب» و«الوردة البيضا»، وصار عبدالوهاب نجم شباك بمقاييس ذلك العصر، وتألقت معه فاطمة رشدى وليلى مراد، والتى أصبحت »أفديت« السينما المصرية خصوصا بعد ارتباطها بأنور وجدى وتقديمهما معا سلسلة أفلام غنائية واستعراضية منها فيلم «ليلى بنت الفقراء» عام 1945 و «قلبى دليلى» عام 1947، و«عنبر» عام 1948 و«غزل البنات» عام 1949 و«حبيب الروح»، وظلت السينما المصرية تسير على خطى هوليوود فى هذا الوقت، ولم يخرج ما تنتجه السينما المصرية فى منتصف الأربعينيات وأوائل الخمسينيات عن الأفلام الغنائية والاستعراضية ولم تختلف ملامح النجمات والنجوم وقتها عن ملامح نجوم هوليوود مثل كلارك جيبل والذى لم تختلف تسريحة شعره وشكل شاربه فى بعض أفلامه، ونفس الحال بالنسبة للنجمات المصريات فى تلك الفترة واللائى كن يحرصن على تقليد نجمات السينما الأمريكية ومنهن صباح ونور الهدى وفاتن حمامة وماجدة الصباحى ومديحة يسرى وستجد أنهن كن لا يختلفن كثيرا عن جين كرفورد ولوريتا يانج وجريتا جاربو ومارى بيكفورد.

ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذى لعبته الصحافة الفنية سواء الصفحات المتخصصة أو المجلات الفنية فى بلورة مفهوم النجومية أكثر خصوصا مع تحقيق الأفلام إيرادات كبيرة وتأسيس العديد من الاستوديوهات التى بدأت تنتهج نفس نهج العمل فى هوليوود، وظلت السينما المصرية تلعب على تيمات بعينها وهى قصص الحب غير المتكافئة طبقيا سواء كانت العلاقة لابنة الباشا التى تقع فى غرام شخص فقير أو العكس ومحاولات الأهل بث الفرقة بينهما، وهى القصة التى كانت أقرب إلى حدوتة سندريلا أو ست الحسن، ولم تعرف السينما الشارع أو القصص الواقعية اللهم إلا فى محاولات قليلة للمخرج أحمد كامل مرسى وهى المحاولات التى لاقت هجوما حادا وقتها خاصة أنه كان هناك تيار من المخرجين يرى أن السينما يجب أن تحتفى بالجماليات فقط بمعنى أنها لا تخرج عن الصالونات مثل المخرج أحمد بدرخان، وهو ما انعكس أيضا على ملامح البطل والبطلة فأنت تراهن طوال الأحداث فى كامل أناقتهن وماكياجهن ويتحركن فى أماكن راقية وهو ما يعكس بشكل كبير سيطرة الفكر الطبقى على صناع السينما فى ذلك الوقت.

وكانت براءة فاتن حمامة وشخصيتها المستكينة والمطيعة هى رمز الجمال والعلامة المميزة لنجمات السينما فى ذلك الوقت والتى قدمت أول بطولة لها مع يوسف شاهين فى فيلم »بابا أمين«1950 أمام دلع ماجدة وتنهيدتها المميزة عندما تنطق اسم «ممدوح» وأيضا خفة شادية وشقاوتها والتى قدمت أول فيلم لها بعنوان» أزهار وأشواك« عام 1947والذى كانت تقوم ببطولته النجمة مديحة يسرى وهى الفترة التى شهدت أيضا انطلاق كمال الشناوى ويحيى شاهين وأحمد رمزى وشكرى سرحان وعمر الشريف.

ثورة يوليو وتغير الحال

ثورة يوليو 1952 هى بداية التحول الحقيقى فى السينما المصرية وشكل وملامح النجوم والنجمات فإذا كانت النجمة الكبيرة فاتن حمامة قد استمرت فى تقديم أفلامها الرومانسية، وشادية فى أفلامها الخفيفة فإن الزعيم جمال عبدالناصر والذى كان يعشق السينما والفن بشكل عام ويقدرهما أقصى تقدير، اهتم بالفنون ونوعية الأفلام وخصوصا مع تأسيس المؤسسة العامة للسينما والتى أنتجت العديد من الأفلام المصرية المهمة والتى صارت أيقونات حقيقية فى تاريخ السينما المصرية والعربية، وأدرك النجوم أن عليهم أيضا أن يغيروا فى اختياراتهم والموضوعات التى تعالجها أفلامهم خصوصا مع صعود الطبقة المتوسطة وإنشاء السينمات فى المحافظات والأرياف واعتماد السينما- إلى حد كبير- على الأدب لذلك كان من الطبيعى أن نرى فاتن حمامة تقدم فيلما مثل الحرام وظهرت أفلام تتناول موضوع الفقر وإعلاء قيمة العمل، والإشادة بالمجتمع الاشتراكى ولم يعد مقياسا النجم ووسامته هما المعيار الأساسى فى هذه النوعية من الأفلام بقدر الاهتمام بالموضوع مثل فيلم «اللص والكلاب» لنجميه شادية وشكرى سرحان.

كما ظهرت أفلام أدانت النماذج الانتهازية والأمراض الاجتماعية كالرشوة والفساد وجرائم السرقة مثل «ميرامار»، وأفلام تناولت قضايا مشاركة الشعب السياسية، وأدانت السلبية، كما عالجت موضوعات الديمقراطية والارتباط بالأرض والمقاومة وانتهاء الملكية مثل فيلم «جفت الأمطار» و«رد قلبى»، وأُنتجت أفلام أيضا مثل «الأرض» «ويوميات نائب فى الأرياف» وجاء ذلك لأن المنتج وهو الدولة، لم تكن لديه نفس مقاييس الربح والخسارة التى كانت عند المنتج الخاص الذى كان يفكر فى مشترى التذاكر، ولا يفكر فى سكان الريف الذين تدور عنهم الموضوعات التى تناولتها الأفلام السابق ذكرها، فقد كانت الطبقة المتوسطة المدنية فى الأغلب الأعم هى الوقود الدافع لأرباح شباك التذاكر، لذلك كان من الطبيعى أن يشبه البطل فى ملامحه أبناء تلك الطبقة وتتماس السينما مع الموضوعات التى تناقشها، وهذا جنبا إلى جنب مع الأفلام التجارية والتى واصلت نجاحها أيضا فى دور العرض لمخرجين مثل حسام الدين مصطفي، ونيازى مصطفى، وتألقت نجمات مثل سعاد حسنى ونادية لطفى وهند رستم، ولمع أيضا رشدى أباظة وعمر الشريف وأحمد رمزى.

وتميزت فترة الستينيات بأنها كانت من أكثر الفترات تنوعا وزخما فى السينما المصرية وأيضا تنوعت نماذج النجمات الجميلات من سعاد حسنى بشقاوتها وتعدد مواهبها إلى نادية لطفى الشقراء والتى تحاكى نجمات هوليوود وليلى فوزى «جميلة الجميلات» فى ذلك الوقت كما أطلق عليها، والنجمة هند رستم والتى كانت رمزا للأنوثة الطاغية وكانت معادلا للنجمة مارلين مونرو فى السينما المصرية. وشهدت فترة الستينيات أيضا إنتاج فيلم «الناصر صلاح الدين» والذى ضم مجموعة كبيرة من نجوم السينما المصرية.

وأمام كل هذا التنوع شهدت السينما المصرية منظومة إنتاجية متناغمة بين القطاعين الخاص والعام وأيضا مع التطور الاجتماعى وظهور دعوات المساواة بين الرجل والمرأة ظهرت نجمات مختلفات فرضن شخصياتهن على طبيعة الموضوعات واختياراتهن فقدمت نادية لطفى نموذج المرأة المتحررة والتى تتعامل بندية مع الرجال فى أفلام مثل «أنا حرة» و«النظارة السوداء».

نجوم النكسة

بعد نكسة 67 تقلص إنتاج الدولة وانحسر الإنتاج الخاص لتقلص السوق مع زيادة الإنفاق على المجهود الحربى. ولم تشهد تلك الفترة نجاحات كبيرة إلا مع فيلمين هما «أبى فوق الشجرة» «وخلّى بالك من زوزو»، الأول بسبب وجود نجم الجماهير الأول ومطربها المفضل عبدالحليم حافظ، والثانى بسبب ظروف المجتمع الذى تحول فى تلك الفترة إلى مجتمع تحتل فيه النساء مكانة مميزة بعد تجنيد معظم الشباب واحتلال النساء مكانة مهمة فى عجلة تسيير المجتمع. إذ تطابق التغير فى المجتمع مع شخصية زوزو الفتاة الجامعية والراقصة بعد الظهر التى تصر على الوصول لقلب حبيبها وكان ذلك مخالفا لشخصية المرأة الضحية التى اعتادت السينما تقديمها.

أفلام النكسة كانت موجهة بالأساس لمحو مرارة الهزيمة وتقديم موضوعات تافهة تميل إلى الفكاهة مثل أفلام فؤاد المهندس وشويكار واللذين شكلا ثنائيا ناجحا وقدما أفلاما مثل «شنبو فى المصيدة»،«والعتبة قزاز»، «وأخطر رجل فى العالم» وعلى الجانب الآخر شهدت سينما النكسة حضورا لأفلام يمكن أن نطلق عليها أيضا «أفلام المراجعة» وهى أفلام صنعت من أجل مراجعة الذات. فى عام النكسة نفسه عرض فيلم «الزوجة الثانية» الذى أشار البعض إلى أن عمدته ليس إلا عبدالناصر نفسه،. وبعده تم تقديم «شىء من الخوف» ومجموعة من الأفلام التى يمكن إدراجها تحت المسمى نفسه «ميرامار» و«الاختيار» و«ثرثرة فوق النيل» و«العصفور»، والملفت للنظر أن أغلب هذه الأفلام بشكل أو بآخر يضع سلطة الأب فى بؤرة الاهتمام كمحاولة لكسر حاجز الخوف منه أولا، وكشف مدى شرعيته أو انعدامها ثانيا، ولذلك كان عنوان هذه المرحلة الكوميديا ومراجعة الذات، وأيضا ظهرت أفلام المايوهات والأفلام التى قدمها النجوم المصريون الذين تركوا مصر وأقاموا فى لبنان وبات نجوم هذه المرحلة ناهد شريف وسهير رمزى وحسين فهمى ومحمد عوض وحسن يوسف وناهد يسرى وأصبح شعار المرحلة أفلام المايوهات.

الانفتاح.. وسينما « سلملى على البتنجان»

مع فترة الانفتاح الاقتصادى وفى ظل عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات شهدت السينما انتعاشا نسبيا، بسبب إقدام الموزعين اللبنانيين على الفيلم المصرى بقوة أكبر بعد فتح أسواق الخليج أمام الفيلم المصرى. وسيطر الموزع اللبنانى سيطرة كاملة على سينما تلك الفترة، وهى الفترة التى عرفت بفترة الموزع الخارجى الداخل، وبدأت الطبقة المتوسطة فى الانحسار، وظهرت شريحة جديدة من جمهور الحرفين و«الصنيعية»، وأصبح نجوم تلك المرحلة عادل إمام ونادية الجندى وتغيرت مقاييس النجومية 180 درجة فلم يعد هناك مكان للنجم الوسيم مفتول العضلات أو النجمة شديدة الرقة والجاذبية، وهو ما يعكس الفكر المسيطر على الشباب المصرى فى تلك المرحلة وصعود طبقات اجتماعية وامتلاكها لرأس المال، وظهرت نوعيات من الأفلام مثل شعبان تحت الصفر ورجب فوق صفيح ساخن،والباطنية وشهد الملكة وغيرها، كما ظهر ما يعرف بأفلام المقاولات ومنها أفلام سمير غانم.

ولكن مع منتصف الثمانينيات وأوائل التسعينيات ظهر ما يعرف بالموجة الثانية من الواقعية الجديدة للسينما المصرية، وضمت المرحلة مخرجين كبارا كانوا جددا فى تلك الفترة، أمثال عاطف الطيب ومحمد خان وخيرى بشارة وداود عبدالسيد وغيرهم، وظهر معهم نجوم جدد وبات النجوم أقرب للناس فى الشارع يشبهونهم فى الملامح والموضوعات حتى النجوم الذين تألقوا فى السبعينيات مثل نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمى وميرفت أمين اختلفت أشكالهم تماما فى أفلام هؤلاء المخرجين مثل الصعاليك «والطوق والأسورة» وأفلام عاطف الطيب والذى كان مهموما بمناقشة أفلام الطبقة المتوسطة، كما انتشر فى تلك الفترة ما يعرف بأفلام المخدرات التى تركز على تجارة المخدرات ومعركة الشرطة مع التجار ومافيا المخدرات.

وهى نفس الفترة التى شهدت ميلاد النجم أحمد زكى والذى أحدث انقلابا فى معايير وشكل النجم منذ أن قدم أدواره المتنوعة فى شفيقة ومتولى والبرىء وصولا إلى بطولته، وزادت سيطرة النجم الرجل فى هذه المرحلة وانحسرت البطولات النسائية فى أفلام نادية الجندى والنجمة نبيلة عبيد والتى قدمت العديد من الأفلام المهمة فى السينما المصرية ومنها «كشف المستور» و«شادر السمك»، و«التخشيبة» و«اغتيال مدرسة»، و«الراقصة والسياسى» وصار نموذج الأفديت فى هذه المرحلة المرأة الأنثى.

لكن مع نهاية التسعينيات قل الإنتاج السينمائى بشكل ملحوظ واقتصر على أفلام عادل إمام وأحمد زكى وليلى علوى وإلهام شاهين ويسرا، مع بداية ظهور أفلام الكوميديا لنجوم جدد فى مقدمتهم محمد هنيدى بفيلميه «إسماعيلية رايح جاى» و«صعيدى فى الجامعة الأمريكية» ،لتبدأ مع الألفية الثانية موجة الأفلام الكوميدية لهنيدى وعلاء ولى الدين وأحمد آدم وهانى رمزى وأحمد حلمى وانقلاب تام لمقاييس النجومية حيث أصبح الضحك أهم من الرسالة ولم يعد أحد يهتم بوسامة الفنان، وأصبحت منى زكى وحنان ترك نجمتى تلك المرحلة، وااللتان لا تتمتعان بجمال باهر وملامحهما أقرب إلى الفتيات العاديات فهما ليستا ببراءة فاتن أو دلع وأنوثة هند رستم أو طول سهير رمزى، وسيطرت على تلك المرحلة الأفلام الكوميدية دون فكر ومنها أفلام محمد سعد «اللمبى» و«اللى بالى بالك» و«عوكل» وغيرها»، وهو ما تواكب أيضا مع بزوغ نجم أحمد السقا وأحمد عز وهانى سلامة وكريم عبدالعزيز الذين حاولوا تقديم أعمال مختلفة ما بين الأكشن والتراجيدى والكوميدى والتشويق، ويصبح هؤلاء النجوم فرسان أحلام الفتيات المراهقات، ولكن بعد ثورة 25 يناير ومن قراءة مستقبلية للخريطة السينمائية تشير الدلائل إلى أن الموضوعات المطروحة كسيناريوهات تؤكد أن النجم لن يصبح البطل بل الموضوع والمعالجة هما الأساس ليظهر نجوم جدد فى الفترة المقبلة مع توقف عدة مشاريع سينمائية لنجوم كبار.

اليوم السابع المصرية في

21/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)