حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لا يستبعد إلغاء الدورة القادمة لمهرجان القاهرة السينمائي

يوسف رزق الله: المهرجانات تدعم السينما الخليجية والأفلام المغربية مبشرة

توقع الناقد السينمائي يوسف شريف رزق الله، المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أن يتم إلغاء الدورة القادمة للمهرجان والتي تحمل رقم 35، نظرا إلى الظروف التي تمر بها مصر حاليا منذ ثورة 25 يناير، مستبعدا أن يؤثر إلغاء المهرجان في مكانة مصر دوليا بسبب تقدير العالم لثورتها.

وأضاف رزق الله أن السينما العالمية تعرفت في الفترة الأخيرة إلى الفنانين العرب من خلال وجود هؤلاء الفنانين في مهرجانات سينمائية عالمية، بالإضافة إلى مشاركتهم في أفلام أجنبية.. جاء ذلك في حوار تناول فيه رزق الله قضايا مختلفة تتعلق بصناعة السينما في العالم العربي، وهذا نص الحوار.

·         في البداية.. ما هو موقف مهرجان القاهرة السينمائي، وهل من الممكن أن يتم إلغاؤه بسبب الظروف التي تمر بها مصر حاليا؟

هناك احتمال كبير لإلغاء الدورة الـ35 لمهرجان القاهرة السينمائي بسبب الظروف الراهنة التي تمر بها مصر، خصوصاً أن موعد إقامة المهرجان قد يتزامن مع انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وأعتقد أن إلغاء المهرجان لهذه الدورة لا يؤثر في وضعنا دوليا للدرجة التي يتخيلها البعض، بل إن كل الدول المشاركة في المهرجان ستراعي الأوضاع التي تمر بها مصر حاليا.

·         شاهدنا أخيرا وجودا للفنانين والنجوم العرب في أفلام أجنبية، كيف ترى هذا الوجود؟

لدينا بعض النجوم الذين شاركوا في أفلام أجنبية عالمية، وكان منهم عمر الشريف، حيث ساعده الحظ في أن تم اختياره في بطولة «لورانس العرب» وأثبت نفسه فيه، ثم انطلق في أفلام عديدة.. وحالياً لدينا عمرو واكد الذي شارك في فيلم «سيريانا» وكان له فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الماضي بعنوان «الأب والغريب»، وأعتقد أن المستقبل أمام واكد؛ لأنه ذكي ولديه طموح وينطق بلغات عديدة منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية؛ لذلك هو أمامه الفرصة جيدة في السينما العالمية.

وهناك أيضاً خالد أبو النجا، وخالد النبوي.. فنحن لدينا ممثلون جيدون لكن لا بد أن يكون لديهم لغات أجنبية جيدة، وأعتقد أنه في الفترة القادمة ستزداد الفرص؛ لأن السينما العالمية أصبحت تهتم بالشخصيات العربية وتحرص على أن يجسدها ممثلون عرب.

·         وما الفرق بين وجود الفيلم العربي في الخارج في الماضي ووجوده خلال الفترة الأخيرة؟

في الماضي، كان وجود الفيلم العربي محدوداً باستثناء العرض في المهرجانات مثل فيلم «الحرام» الذي عرض في مهرجان «كان» السينمائي وأخذ سمعته من المهرجانات، أما حالياً فهناك مخرجون مصريون يقدمون أفلاماً جيدة وأصبحت مطلوبة في المهرجانات مثل فيلم «واحد صفر» الذي عرض في مهرجان «فينسيا» ومهرجانات أخرى.

وكذلك فيلم احكي يا شهرزاد، وخلطة فوزية، فهناك أفلام أثبت مخرجوها أنهم يستطيعون تقديم موضوعات خاصة ببلدهم وتلقى إقبالا عند المشاهد الأجنبي، وأتمنى أن نصل إلى المرحلة التي وصلت إليها بعض الدول الأخرى مثل هولندا، فعندما يعرف المنتجون في أوروبا عن أن هناك فيلما هولنديا جيدا يسعون سريعاً في شراء هذا الفيلم لعرضه في دور العرض لديهم، ولا بد أن نسعى نحن كذلك في هذا، فلا يصح أن نقدم فيلماً جيداً و«ننام» عليه، فلا بد من الاتصال بالموزعين في الخارج ونراسلهم حول أفلامنا.

دعم السينما

·         في رأيك.. هل هناك دور يمكن أن تلعبه الحكومات العربية لتطوير السينما؟

لابد أن تتدخل الدولة في الإنتاج السينمائي وذلك بالمساهمة ودعم الإنتاج السينمائي والسينما مثلما يحدث في كل دول العالم التي تدعم الإنتاج السينمائي، فهذا هو سبيل تقدم السينما، وأنا متأكد أن هناك سيناريوهات كثيرة جيدة ولكن لا أحد ينظر لها بسبب عدم وجود إنتاج.

·         وكيف تنظر إلى مستقبل السينما الخليجية في ظل التطور الذي شهدته في السنوات الأخيرة؟

أرى أن البذرة الأولى في وجود السينما الخليجية هي المهرجانات التي تقام بهذه الدول مثل مهرجان دبي والدوحة وأبوظبي، فهي التي جعلت الجهات الإنتاجية والناس تتشجع وتبدأ في إنتاج أفلام سواء كانت قصيرة أو تسجيلية ثم روائية طويلة، فالمهرجانات هي التي لعبت الدور الأكبر في ظهور السينما في دول الخليج إلى جانب وجود سينمائيين دارسين أيضاً.

ورأيت بعض الأفلام التي فيها بذور جيدة لبعض المخرجين الذين سيكون لهم مستقبل جيد في هذه الصناعة، وأعتقد أنه من خلال احتكاك هؤلاء في المهرجانات التي يقيمونها بالناس وثقافات مختلفة ستتكون لديهم نوعية مختلفة من الثقافة السينمائية في المستقبل.

السينما المغربية

·         وماذا عن الدول التي ترى أن صناعة السينما بها ستحقق نجاحا في المستقبل؟

ظهرت خلال السنوات الخمس الأخيرة مؤشرات مبشرة في بعض الدول العربية مثل المغرب، ونظراً إلى ارتباط المغرب بفرنسا نتيجة العلاقات القديمة بينهما، كانت هناك مشاركات فرنسية في الإنتاج المغربي ومصادر تمويل فرنسية تدعم السينما المغربية، وأيضاً الشيء نفسه بالنسبة لتونس والجزائر، هذا إلى جانب اهتمام هذه الدول بدعم صناعة السينما بها، ففي الجزائر وصل عدد الأفلام التي تم إنتاجها العام الماضي إلى 20 فيلما، فهذا مؤشر جيد، أما سوريا فالإنتاج السينمائي فيها يعتمد على الدولة فقط، وبالنسبة لدول الخليج خاصة أبو ظبي ودبي فالمهرجانات بها جعلت الأمور تسير جيداً بالنسبة للإنتاج السينمائي.

·         وأين تقف السينما المصرية من السينما العالمية؟

السينما المصرية باستثناء أفلام يوسف شاهين ويسري نصر الله تكاد تكون غير معلومة بالنسبة للأوساط الغربية، فهما معروفان بشكل أكثر في فرنسا؛ لأن أفلام يوسف شاهين الأخيرة بدءًا من «وداعاً بونابرت» كانت تنتج بمشاركة بعض الشركات الفرنسية، وبالتالي كانت تعرض في فرنسا نظراً إلى مشاركة منتج فرنسي في الفيلم، فأصبح ليوسف شاهين اسم هناك، وعندما حصل على جائزة في مهرجان «كان» السينمائي في دورته الـ50 عن فيلم «المصير» زاد انتشار اسمه أكثر في فرنسا.

وأيضاً تلميذه المخرج يسري نصر الله سار في درب يوسف شاهين نفسه وأصبح اسمه معروفًا أيضاً، ولكن للأسف نحن في مصر كمخرجين ومنتجين لم نستطع الاستفادة من تلك المحاولات في الإنتاج وهذه المشاركات والسعي إلى مشاركة الدول الغربية في الإنتاج السينمائي.

السينما الأجنبية

·         هل ترى مزايا تتمتع بها السينما المصرية لا تتمتع بها السينما الغربية؟

الحقيقة أننا في مصر نتميز بوجود قوانين تحمي الفيلم المصري، حيث يتم تحديد عدد النسخ للفيلم الأجنبي الذي يعرض في مصر في 10 نسخ فقط وذلك بقرار من وزارة الثقافة، والفيلم المصري يعرض في 60 أو 70 نسخة، وبالتالي يمكن للفيلم المصري أن تصل إيراداته إلى 30 مليون جنيه، في حين أن الفيلم الأمريكي لا يزيد إيراده على 2 أو 3 ملايين جنيه، وأيضاً الضرائب بالنسبة لتذاكر الفيلم المصري تكون 5%، أما الأجنبي فـ20%، كل ذلك يعد حماية للفيلم المصري، وبالتالي من مصلحة السينما أن تعرض أفلاما مصرية أكثر.

·         وما رأيك فيما يعرض في مصر من أفلام أجنبية؟

أرى أن ما يعرض في مصر من أفلام أجنبية ليس الأفضل في الإنتاج لديهم، فالأفلام الجيدة لديهم لا تعرض عندنا خوفاً من عدم إقبال الجمهور عليها، وبالتالي فإن تأثيرها لا يكون قويا على صناعة السينما المصرية إلى جانب أننا كجمهور محرومون من مشاهدة أفلام الدول الأخرى الأجنبية وغيرها؛ لأن الموزعين يترددون في توزيعها، وذلك باستثناء مهرجانات السينما التي تعرض فيها أفلام عديدة لدول مختلفة.

·         وهل ما تنتجه السينما المصرية من أفلام حاليا يتناسب مع تاريخ هذه السينما؟

السينما في مصر بدأت بالسينما الناطقة في العشرينات، وبعد ذلك تم إنشاء استوديو مصر وإرسال بعثات للخارج واستمر الاستوديو في إنتاج أفلام عدة لسنوات إلى أن دخل بعض الناس في الإنتاج بعد الحرب العالمية الثانية، وازداد الإنتاج في الأربعينات ودخل القطاع العام بعد ذلك في الإنتاج وقدمت العديد من الأفلام مثل «الأرض، شيء من الخوف، والمومياء».

ولكن في منتصف الستينات انسحب القطاع العام من الإنتاج السينمائي، وفي الفترة من الأربعينات إلى الثمانينات تميزت بالأفلام الاستعراضية والاجتماعية، ولذلك أرى أن تلك الفترة هي العصر الذهبي للسينما المصرية، ولكن مع بداية الثمانينات والمرحلة التي توقف فيها القطاع العام عن الإنتاج توقفت الأفلام الاستعراضية والاجتماعية لصالح الأفلام الرومانسية التي انتشرت بعد ذلك حتى نهاية الثمانينات، ومع بداية التسعينات ظهرت نوعية أخرى من الأفلام التي كانت تعتمد على تكاليف قليلة وإمكانيات بسيطة وسميت بأفلام «المقاولات» وكانت تصور بكاميرات الديجتال.

لقاءات عالمية

·         أنتقل إلى جانب آخر من حياة الناقد يوسف شريف رزق وهو الإعداد وتقديم البرامج.. حدثنا عن ذلك..

الحقيقة قمت بإعداد وتقديم عدد كبير من البرامج، حيث بدأت بالإعداد فقط ففي عام 1975 أعددت برنامج «نادي السينما» تقديم درية شرف الدين، وفي عام 1980 برنامج «أوسكار» تقديم سناء منصور، وفي العام نفسه قدمت برنامجا إعدادا وتقديما بعنوان «نجوم وأفلام».

وكنت استضيف فيه رواد السينما في مصر والعالم وكانت مدته ساعة ونصف الساعة واستمر لمدة عام ثم توقف واستضفت فيه يوسف شاهين، محمود المليجي، وماري كوين وفي عام 1981 قدمت برنامج سينما وكان استعراضا للأفلام الأجنبية.

وأيضا قدمت برنامج ستار وكان عبارة عن حوار مع نجم أمريكي وذلك بالتعاون مع المركز الثقافي الأمريكي بالقاهرة من خلال كاميرا تقوم بتصويري وأنا أسأل الأسئلة وفي نفس الوقت هناك كاميرا تصور النجم في أمريكا وتنقل إجاباته، وكان يتم تجميع اللقطات وترجمتها إلى العربية، وبعد الحوار يتم عرض فيلم للشخصية التي حاورتها في الحلقة، وقد حاورت حوالي 15 شخصية أمريكية مثل جوليا روبرت. وقدمت أيضاً برنامج «سينما - سينما»، و«الفانوس السحري».

البيان الإماراتية في

08/04/2011

 

سيرة الزعيم سينمائياً

أحمد طمليه 

من أكثر الأفلام إشكالية تلك التي تتناول حقبة تاريخية ما، ذلك أن الآراء الشخصية يكون لها دور في التقييم الجماهيري للفيلم، بمعنى أن الرأي الشخصي للمشاهد بالحقبة الزمنية، أو بالموضوع الذي يتناوله الفيلم، أو بالشخصية التي يتطرق لها الفيلم، تؤثر في تقييمه لمادة الفيلم، وهذا ما نلمسه بشكل واضح في الأفلام الفلسطينية التي تلقى إقبالاً وقبولاً من الجماهير العربية بصرف النظر عن قيمتها الفنية.

وقد التقط صناع السينما هذه الظاهرة وراحوا يوظفون مشاهد أرشيفية تدغدغ مشاعر الجمهور في أفلام لا علاقة لها بالموضوع، كما لاحظنا ذلك في الفيلم المصري "إسماعيلية رايح جاي"، حيث تم اقحام مشاهد للغارات الإسرائيلية على الأراضي المصرية مع العلم أن الفيلم ليس وطنياً ولا يمت للصراع العربي الإسرائيلي بصلة.

ولا يقتصر الأمر على الأفلام، بل ينسحب على أشكال الفنون الأخرى كافة، وهذا ما نلمسه، على سبيل المثال، في الأغاني الوطنية التي درجت سواء على مدار تفاعلات القضية الفلسطينية، أو تلك التي درجت أثناء حرب بيروت 1982 وبعدها، إذ يلاحظ أن التجاوب والتفاعل ما بين الجمهور والعمل الفني تتحكم فيه اعتبارات عاطفية بحتة، لا علاقة لها بالمستوى الفني للعمل المقدم، وبالتالي بمجرد زوال هالة العاطفية ينفرط التفاعل وتحال الكثير من تلك الأشرطة إلى الرف، تماماً كحال الكثير من الفرق الفنية التي تشكلت في ذروة الحماسة الشعبية وراحت الجماهير تردد أغنياتها ثم انتهت الحماسة مثل "فقاعة ماء".

وإذا كان الأمر يتصل بفيلم سينمائي يستعرض مسيرة زعيم ما، فإنه يزداد صعوبة، ذلك أن الرأي الشخصي بمسيرة الزعيم يتحكم في تقييم مادة الفيلم، وهذا ما لمسناه بشكل واضح من خلال فيلمي "ناصر 56" من إخراج محمد فاضل وفيلم "أيام السادات" من إخراج محمد خان، والفيلمان من أداء الممثل أحمد زكي. فالملاحظ أن فيلم "ناصر 56" تفوق على فيلم "أيام السادات"، وإذا أخذنا بالشعبية التي يحظى بها الزعيم عبد الناصر لدى الكثيرين فإن أسباباً فنية أخرى أسهمت في نجاح "ناصر 56"، ويمكن تلخيص المسألة بالقول إن "ناصر "56 نجح حيث أخفق فيلم السادات، بمعنى أن فيلم "ناصر 56" تطرق إلى مرحلة محددة من حياة الزعيم جمال عبد الناصر، هي فترة تأميم قناة السويس، في حين أن فيلم "أيام السادات" يكاد يكون قد استعرض حياة الزعيم الراحل أنور السادات كاملة، أي منذ تسلمه السلطة حتى وفاته في "حادثة المنصة"، وقد أدى هذا الاختلاف في التعامل مع مسيرة الزعيمين إلى تكثيف التفاصيل في "ناصر 56" مقابل تكثيف الأحداث في "أيام السادات"، فكانت النتيجة غلبة التفاصيل على الأحداث.

ففي "ناصر 56" رأينا الراحل جمال عبد الناصر في لحظات انفعالاته الذاتية، وخلواته، وتدخينه السيجارة تلو السيجارة، واستماعه الدائم لأغاني أم كلثوم. لقد أدى هذا التكثيف في التفاصيل إلى إفساح المجال لمشاهد بسيطة لكنها عميقة الدلالات، نأخذ منها على سبيل المثال مشهد عبد الناصر في إحدى الليالي، حيث كان يعدّ خطة تأميم قناة السويس، فجاءه رنين هاتف يحمل صوت سيدة طيبة تسأل عن ابنها، فيؤكد لها الريّس أن رقمه ليس هو الرقم المقصود، فتعاود السيدة الاتصال من جديد، ويرد الريّس معتذراً، إلى أن تسأل السيدة عن هوية المتكلم فيجيبها الريّس: "جمال عبد الناصر"، وهنا لا تملك السيدة سوى أن ترد والقشعريرة قد طغت على نبرات صوتها، بعبارة: "الله ينصرك يا ابني".

وهناك مشهد السيدة الصعيدية (أمينة رزق) وقد أتت بإلحاح للقاء الريّس بعد أن شعرت أنه أخذ لها بثأرها بتأميمه القناة، وتسلّمه ثياب ابنها الشهيد، فكان موقف تبادل العزاء بين الريّس والسيدة الصعيدية من المشاهد المعبرة التي ألهبت مشاعر المشاهدين وكان لها عميق الأثر في نفوسهم.

تركيز فيلم "ناصر 56" على أحداث تأميم قناة السويس، أعفى القائمين على الفيلم من الخوض في الكثير من المراحل والأحداث التي قد تجد من يتفق معها أو يختلف مع بعض تفاصيلها، وهذا ما حدث مع فيلم "أيام السادات"، حين استعرض حياة السادات منذ تسلمه الحكم حتى حادثة اغتياله، فاختلفت الآراء حول هذا الموقف أو ذاك، واضطر القائمون على الفيلم إلى حذف الكثير من المشاهد، بل إن التلفزيون المصري حين قرر عرض الفيلم أظهره مبتوراً من كثرة اللقطات والمشاهد التي قام بحذفها.

ويمكن القول إن الفرق ما بين "ناصر 56" و "أيام السادات"، أن الفيلم الثاني أثار إشكالية فترة حكم السادات، بينما عبّر الفيلم الأول عن مرحلة حميمة من حكم جمال عبد الناصر، وهذا اعتبار أساسي ومهم، ذلك أن الحنين والحب والزهو من العوامل التي يمكن أن تشكل بحد ذاتها أدوات تواصل ما بين الجمهور والفيلم المعروض، وبالتالي فإن الإجماع الشعبي الذي حظي به فيلم "ناصر 56" إنما يتصل بالفترة الحميمة التي يعبّر عنها.

من جانب آخر، ما إن أسدل الستار عن الفصل الرئيسي في ثورة 25 يناير في مصر، والمتمثل في تغيير نظام الحكم، حتى راح الوسط الفني في مصر يتناقل الكثير من الأخبار التي لم يكن معلناً عنها من قبل، والتي لها علاقة ما بين الرئيس المصري السابق والسينما. منها الكشف عن فيلم ممنوع من العرض منذ ما يزيد على 30 عاماً لأنه يظهر الرئيس حسني مبارك في دور كومبارس في فيلم من بطولة كمال الشناوي وشادية. وفي الأخبار أيضاً ما صرح به المخرج المصري أحمد البدري حول بعض المشاهد في فيلمه الجديد "الفيل في المنديل" التي تتعلق بالرئيس السابق حسني مبارك. والسؤال: ماذا عن الكثير من الأفلام المصرية التي حرصت لسبب فني أو لغيره على إظهار صورة الرئيس حسني مبارك معلقة على الحائط، خلفية للمشهد؟ وماذا عن فيلم بسيط اسمه "طباخ الرئيس" عرض قبل سنوات ويتحدث عن قصة طباخ شعبي يعمل لدى رئيس الجمهورية، والمقصود برئيس الجمهورية هو حسني مبارك طبعاً، بحسب الصور الكثيرة التي يزخر بها الفيلم. هل يمكن أن يجد هذا الفيلم من يفكر بإعادة مشاهدته بعد الذي جرى، أقصد بعد الثورة؟

عموماً، إذا كان فيلم "ناصر 56" قد حمله الرئيس وعبقرية المخرج الذي نفذه، وإذا كان السادات قد غرق بأيامه رغم وقوف المخرج والكاتب وطاقم العمل معه، فإن حسني مبارك أفسد الكثير من الأفلام لمجرد تطفله بالظهور فيها، ويا له من ظهور: مجرد صورة معلقة على جدار!

الرأي الأردنية في

08/04/2011

 

نحن منذ الآن غير ما كنّاه قبل موت جوليانو مير خميس

نهايته التراجيدية اختارته بسبب مشروعه الفني والفكري والسياسي: مشروع الحرية

رجا زعاترة  

'هحافيغ غادجا!' (الرفيق رجا) كان يقول بصوته الجهور، كلما احتدّ النقاش. وكان يحتدّ أحيانا. التقيته للمرّة الأولى في تل أبيب في 4 نيسان/ابريل 2002، قبالة السفارة الأمريكية، من جهة البحر. كنت أقطع الشارع الموازي للشاطئ نحو المظاهرة الحاشدة، وإذ برجل طويل مفتول العضلات، يرتدي قميصا أسود عليه رقعة صفراء بشكل نجمة داوود، على كتفيه شابة تلبس نفس القميص وتنتفض إلى أعلى وهي تهتف ضد جرائم الاحتلال في جنين وأخواتها.

مع توالي اللقاءات والمظاهرات، لاحظت أنّ جوليانو، أو 'جول' كما كنا نناديه، احترف تحويل المواجهة مع الشرطة إلى متوالية من المشاهد التي لا يمكن توقع اتجاهها الدرامي. لكن كان واضحا أنّ حضوره سيُحدث شيئا استثنائيا.

فجرَ الاثنين، الرابع من ابريل 2011، هطل مطرٌ شديد في حيفا. مطر وعواصف. كأنّ السماء تريد أن تقول شيئا ما مهما. لم أكن أعلم، خلال مقاومتي لأزيز شباك غرفتي، أنّ أزيزا من الرصاص سيخترق جسد جول عصرا.

هل، ببدايته الجديدة، إن اعتبرنا عودته إلى جنين بداية جديدة، اختار جول نهايته بيده؟ ربما.. لكن المؤكد هو أنّ نهايته اختارته بسبب هذه البداية. 'نظريات المؤامرة' ليس مخطئة دائما. وهنا، ليس من المستبعد أن تكون هناك 'يد موجهة'، بطريقة أو بأخرى، من طرف جهة 'أمنية' إسرائيلية، لاغتيال فنان تقدّمي 'يهودي' في مخيم لاجئين فلسطيني. ولكن هذا الحل الأسهل. لو كان جول بيننا الآن، لضحك ملء شدقيه وتجرّع رشفة أخرى من كأس 'البلاك ليبل' وطفق يتلو مونولوجا لاذعا وممتعا في الوقت ذاته عن 'تخلـّف العرب'.

نعرف اليوم ما كنا نعرفه من ذي قبل ولم نتعامل معه بالجدية الكافية، أنّ جول نفسه كان مهددا بالقتل، وليس من طرف 'الشاباك'. تهديد خرج إلى حيّز التنفيذ. ويبدو أنّ نظرية 'من يريد أن يفعل شيئا لا يهدّد'، بدورها، ليست صحيحة دائما.

كان بإمكان جول أن يظل حبيس دور 'الخروف الأسود' في قطيع الإجماع المهيمن على معظم المشهد الفني الإسرائيلي، مسرحا وسينما. كان بإمكانه أن يواصل تخبطاته الوجودية والهوياتية في شقة لطيفة في تل أبيب، أو أن يبحث عن 'دور عربي' في فيلم هوليوودي طويل. كان بوسعه، أيضا، أن يجلس في حيفا ويصبّ جام ضجره ويأسه وإحباطه على الظروف ويلعن الظلام. ولكنه اختار طريقا آخر. طريق البقاء والمواجهة والبناء. الطريق الذي أوصله إلى 'مسرح الحرية' وإلى نهايته التراجيدية.

البداية لم تكن أقل ثورية؛ في شهادة نشرتها في 'الاتحاد' الحيفاوية قبل ثلاثة أعوام حول انتفاضة أيار 1958، روت الرفيقة نبيهة مرقس (أم نرجس): 'ما أن وصلنا ساحة العين (في الناصرة ر.ز) حتى رأينا أمامنا انتفاضة تقوم بها جماهيرنا والحجارة تملأ الشارع الرئيسي وسيارات الجيب التابعة للشرطة مقلوبة ومحطمة وخوذ الشرطة ملقاة على الأرض. فانضممنا للمتظاهرات فورا، وأول ما شاهدته في مقدمة المظاهرة النسائية كانت الرفيقة المرحومة آرنا خميس، التي كانت حاملا في أشهرها الأخيرة بابنها جوليانو، وهي تتصبب عرقا وتهتف بالشعارات هي وباقي رفيقاتنا من الناصرة وغيرها، الأمر الذي جعل الشرطة تعتدي عليها وعلينا وتدفعنا بقوة وبالهراوات ونحن نقاوم ونواصل التظاهر مع رفاقنا ونجمع الحجارة لنقذفها ثانية على الشرطة'.

لعلّ السنوات التي قضاها في تشيكوسوفاكيا ثم الاتحاد السوفييتي، وكونه أصلا ابنا لأب عربي فلسطيني وأم يهودية إسرائيلية، ثم خدمته في الجيش الإسرائيلي، قد أجّجت لديه سؤال الهوية. العودة إلى جنين لم تكن خيارا سياسيا فقط، بل خيارا وجوديا بالنسبة له كفنان. من دون تنظيرات كثيرة، قدّم جول نموذجا للمسرح الثوري، الذي يجلب المسرح إلى الناس وليس الناس إلى المسرح، ويخلق مسرحا للجمهور وليس جمهورا للمسرح. ولكنه لم يكن بحاجة للمباشرة الفجّة أو لافتعالات سياسية مُمسرحة. فان تنشئ فرقة مسرح من أطفال لاجئين فلسطينيين، أن تخرج 'أليس في بلاد العجائب' في مخيم جنين، هو فعل سياسي خطير، أخشى أن يكون أعداء شعبنا (الخارجيون والداخليون) أكثر إدراكا لخطورته وقيمته من معظم شعبنا. كم أشعر بالحزن الآن لأنني لم ألب دعواته المتكرّرة لزيارة المسرح.

مساء الأربعاء، وجدتُ النص التالي في موقع فلسطيني، تعقيبا على خبر اعتقال مشتبه بالاغتيال في جنين: 'يا أخوة من يوم ما فتح المسرح في جنين بتمشي بشوارع جنين بتحس حالك في تل أبيب. بنات أجنبيات عرايا مع بنات عربيات محجبات (...) وشباب أجانب وشباب فلسطينيين منهم من كان كتائب أقصى اللهم صلي على النبي.. وكلهم فايعين بجنين وعرض بدون أزياء والشباب الصغير 14 و 15 سنة متجمهرين وتاركين مدارسهم وأعمالهم طبعا ناهيك عن الكبار'. مرة أخرى: لا يمكننا الجزم ببراءة الأيدي إياها من الجريمة براءة الذئب من دم يوسف، ولكن من الواضح أنّ بعض 'أخوة' جول لم يحبوه ولم يستسيغوا مشروعه الفكري والسياسي، مشروع الحرية.

المسرحية الأولى (والأخيرة) التي أخرجها في حيفا، 'العذراء والموت' لكاتب تشيلي من معارضي نظام بينوشيه العسكري، كان يمكن بسهولة أن تُحصر في السياق الفاشي الإسرائيلي الراهن. ولكنه شدّد على صرخة البطلة المغتصبة ضد الكبت، حتى في مجتمع ما بعد 'إسقاط النظام'، حاثا النساء على رفض الخنوع والدفاع عن كرامتهن. وكأنّه يقول: ليس فقط أن الحرية الشخصية ملازمة للحرية الوطنية، بل أن الأولى شرط ضروري، يكاد يكون مسبقا، للثانية. فإلى متى سنظل نؤجّل 'الأمور الثانوية' حتى إحقاق 'القضايا الكبرى'، ونحن نرى بأم أعيننا أنّ تلك 'الثانويات' باتت تحاصرنا، بل وتقتلنا، كشعب وكمجتمع وكأفراد؟

هذا السؤال، الذي كانت إجابات جول عليه واضحة ومطلقة، كان ذا صلة قبل 4.4.2011، ولكن موته يجعله سؤالا لم يعد بإمكان أحد تجاهله أو تأجيله أو تمييعه.

صحافي فلسطيني (حيفا)

القدس العربي في

08/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)