حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

محمد أمين:

مصر دولة دينية منذ الأزل ولا مگان للدولة الفاشية فيها

محمد عدوى

هو واحد من السينمائيين الذين استهجنوا الواقع الأليم لمصر قبل الخامس والعشرين من يناير وقدمه بصورة ساخرة احيانا كما فى «فيلم ثقافى» وصادمة فى أحيان أخرى كما فى «بنتين من مصر» الذى يشارك الآن فى مهرجان تطوان وسط حفاوة كبيرة من الجمهور المغربى، إنه المخرج والمؤلف محمد أمين الذى تحدث معنا من تطوان حول «بنتين من مصر» وشباب من ميدان التحرير وأشياء اخرى فى هذا الحوار ..

● فيلم «بنتين من مصر» الذى يعرض الآن فى مهرجان تطوان كان من الأفلام التى رصدت حالة الغليان فى الشارع المصرى قبل الثورة على المستوى السياسى... كيف تشعر الآن؟

ــ الفيلم رغم أنه يتحدث عن أزمات البنات اللاتى ترغبن فى الزواج إلا أننى أحب أن أرى الأشياء من خلال سياق عام ونظرة كلية وأنا شخصيا مؤمن بأن مشكلتى الشخصية لها علاقة بنظام الحكم فى البلد الذى أعيش بها ومشكلة البنت التى لم تتزوج لها علاقة بشكل أو بآخر بالنظام وأتصور أن هناك سببا ما لعدم إقبال الشباب على الزواج خاصة من الشباب المقتدر الذى يملك إمكانيات مادية تؤهله للزواج هو أن المستقبل غامض فى وطن غامض أيضا فقد وصلنا إلى حالة أصبح فيها الوطن بلا ملامح لا فى الحاضر ولا فى المستقبل.

● فى الفيلم ذكرت آيات من سورة المائدة فى أكثر من موضع وهى الآيات التى تقول «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون»، هل كنت تشير إلى دولة دينية؟

ــ الكلام فى شكل الدولة الدينية أصبح مثل اللبانة فى فم الجميع واعتقد أن الدولة الدينية التى يخشاها الناس هى الدولة الفاشية التى يحكم فيها خليفة أو أمام ولها طقوس معينة ولكن مصر لها ظروف مختلفة وهى فى حقيقة الأمر دولة الدين متوغل بها ويمكن ان تقول انها دولة دينية فنحن لا نبيح القتل ولا نبيح الزنى ونحن الآن ننفذ أكثر من 90% من تعاليم وأحكام الدين وهى أشياء موجودة فى القوانين الوضعية المعمول بها الآن فى مصر وأنا أكثر ما يضايقنى هؤلاء الذين يمكن أن تقول عليهم إنهم حافظون وليسوا فاهمين لفكرة الدولة الدينية ويطلقون التحذيرات وأنا فى رأيى أن الحكم بما أنزل الله هو الحكم بعدل وعدم ظلم ومساواة وليس الحكم الفاشى الذى يستغل الدين وينصب الحاكم إلها يأمر ويطاع دون أن يناقشه أحد وهو النموذج الذى أرفضه بالطبع.

● فى الفيلم قلت إن كل «ثانية بتعدى من غير تغيير بتزيد من تخلفنا» الآن كل ثانية تعدى فيها تغيير ما ــ كيف ترى هذا الوضع الجديد؟

ــ أنا كان نفسى العجلة تكون أسرع وهو شىء فى النفس البشرية التى تريد أن تجنى ثمارا ما بسرعة طالما أن الله سبحانه وتعالى أراد التغيير لكن لو نظرت إلى نفس المشهد منذ شهرين فقط سوف تدرك أن ما نحن فيه الآن حلم كبير فأن يسقط النظام ويتم القبض على عدد من رموز الفساد وينتهى هاجس التوريث لن تغضب وأنا شخصيا عندما أظن أن هناك تباطؤا ما فى عجلة التغيير انظر إلى ما حدث وأتذكر ما كنا فيه قبل 60 يوما من الآن أشعر أننا أنجزنا أشياء كثيرة جدا.

● عندما يكون لديك هواجس ما وأمنيات تضعها فى فيلم لك وفجأة تجد ما تحلم به يتحقق فى ميدان التحرير الذى تواجدت فيه ماهو شعورك وقتها؟

ــ الحمد لله أنا ذهبت إلى ميدان التحرير والحمد لله أيضا أن ما حلمنا به تحقق وبسرعة وربنا لطف، قبل أن تطول المدة ويحدث ما لا تحمد عقباه، والحقيقة أن فرحتى بما حدث ــ وتمنيت أن يحدث ــ كان لا يوصف.

● مؤخرا انقسم المصريون بين «نعم» و«لا» فى استفتاء التعديلات الدستورية وبغض النظر عن النتيجة إلا أن البعض فسر هذا الانقسام إلى أنه تعددية ديمقراطية والبعض الآخر فسره على أنه طائفية دينية كيف تفسره أنت؟

ــ أنا شخصيا لم أذهب إلى الاستفتاء لشعورى بأن هناك رأيا عاما من الدولة، والقائمون عليها الآن فى اتجاه ما وشعرت أن هذا الرأى جارف جدا ولم يكن من الممكن إيقافه وأنا فى الحقيقة لا أرى أى انقسام فى المسألة وفى نفس الوقت لا أستطيع أن أقيِّم من قال لا ومن قال نعم خاصة أن الدولة لم تعط أى انطباع لما سوف يحدث إذا قلنا نعم أو إذا قلنا لا ووسائل الإعلام زادت من غموض المسألة وفى النهاية الدولة بصدد اصدار اعلان دستورى ولا ادرى لماذا لم يفعلوا ذلك مباشرة دون استفتاء على التعديلات وفى رأيى المهم الآن ليس من قال نعم أو من قال لا، المهم هو ماذا سوف يحدث خلال الفترة المقبلة.

● كيف نقاوم من وجهة نظرك إرادة السلطة فى فرض اتجاه محدد؟

ــ بأن نطالب بالشفافية الحقيقية الكاملة فمن الواضح أن هناك اشياء كثيرة لا نعرفها وهناك ألغاز كثيرة ولذلك يجب أن نضغط بطرق قانونية لنتمكن من أن نعرف إلى أين تذهب مصر.

● بعد الثورة وبعد ما تحقق هل تعتقد كما كان يعتقد بطل فيلمك «بنتين من مصر» المثقف المهزوم الذى أدى دوره أحمد وفيق أن العفن مازال موجودا؟

ــ نعم للأسف لأن العفن شجرة يمكن أن تقطتع أوراقها لكن للأسف الخلاص من الجذور يحتاج إلى وقت طويل فأنا فى رأيى أن الطبيب الذى لا يتفانى فى عمله والمدرس الذى يضلل طلابه ليس لهم علاقة قوية بمبارك وإن كان فساد الحكم يؤثر فى الضمير العام للشعب لكن فى نفس الوقت فى رأيى أن المسألة ما زالت فى بدايتها وأمامنا وقت طويل.

● هل نحن قادرون على تخطى هذه المرحلة أم أننا سوف نستسلم مجددا للشوائب المعروفة فى الشخصية المصرية؟

ــ إن شاء الله سوف نتخطاها فنحن شعب قوى والحشد أيضا قوى وهناك شهداء فقدوا ارواحهم من أجل مصر جعلونا أكثر قوة وأنا متأكد من رحمة ربنا بهذا الشعب وسوف يتخطى كل ما يحاك له من مصائب ومكائد من أشخاص سيئى النية بهذا الوطن فى هذه المرحلة.

● تعاملت مع فكرة البلوجر ونشطاء الإنترنت ومن اخترقهم أمن الدولة وبعض من هذه الممارسات وهى أشياء كشفت بشكل كبير فى الأيام الأخيرة؟

ــ هذا صحيح وأنا أتمنى الآن أن أقدم فيلما عن الطابور الخامس فى الدولة التى انكشف لى منهم البعض فى ميدان التحرير نفسه وانكشف لى جزء آخر بعد الثورة وسوف يظل هذا الطابور الخامس موجودا فكل نظام يصنع لنفسه طابورا خامسا يظهر فى وقت الأزمات ليحاول أن يحمى النظام.

● كيف استقبلتكم الجماهير المغربية؟

ــ الناس تستقبلنا بعلامات النصر وبفرحة غير عادية أينما ذهبنا وادارة المهرجان قامت بتمييزنا فى حفل الافتتاح نحن والوفد التونسى ورحبوا بنا بصورة رائعة.

● لو قمت بعمل «بنتين من مصر» الآن هل ستنهى الفيلم وبطلاتك تنظران إلى الطائرة المغادرة من مصر بشغف أيضا أم سوف تجعلهما تتريثان قليلا وتبقيان فى مصر؟

ــ سوف انتظر عاما أو عامين لأحدد فالآن يصعب أن نقول إن الوضع تغير كثيرا.

● أنت من أنصار الدولة الرئاسية أم البرلمانية؟

ــ أنا مع دولة رئاسية يتم تقليص صلاحيات رئيس الدولة فيها لأنى اعتقد أن ذيول وفلول النظام البائد لايزالون موجودين وسوف يكون لهم دور فى البرلمان المقبل وأتمنى أن يلهمنا الله برئيس مبدع ومفكر.

● قدمت سخرية اجتماعية فى فيلمك الأول وسخرية سياسية فى فيلمك الثانى ومباشرة اجتماعية سياسية فى فيلمك الثالث فماذا ستقدم فى فيلمك الرابع؟

ــ أنا أعتقد أن الثورة لو تمت كاملة سوف تجعلنا نتخلص من أفلام القضايا فالفن منذ فترة طويلة يعالج القضايا المهمة مثل الفساد أو الانفتاح أو غيرها بينما الفن فيه مساحة براح أكبر فأنا مثلا أريد أن أقدم فيلما عن علاقة تلميذ بأستاذته أو عن علاقة الإنسان بربه لكن لأننا نعيش فى مشكلات كثيرة أصبح من العيب ألا تقدم قضية مهمة فى فيلمك وأنا أتمنى أن تنصلح الأحوال حتى نقدم سينما فى مساحة رحبة.

● هل تتوقع ثورة سينمائية؟

ــ أعتقد أن من كان يقدم أفلاما تافهة سوف يخجل من أن يقدم هذه الأفلام الآن.

المصري اليوم في

03/04/2011

 

الكذبة التي نعيش

هل السينما اليوم هي فعلاً أفضل منها في أي وقت مضى؟

محمد رُضا 

حين خرج فيلم عبّاس كياروستامي، الذي سيعرضه مهرجان الخليج قريباً بإتاحة الفرصة أمامه وأمام الراغبين من الطلاب، للحديث عن مفهومه للسينما وطريقة عمله في حلقات مغلقة، الأخير "نسخة مصدّقة"، بدا لكثيرين منّا أن الفيلم الأول لكياروستامي يحققه في الغرب، برهان جديد على ألمعية وعبقرية المخرج الإيراني المعروف، الذي  يمحور فيلمه ويبنيه على شخصيّتين تتلاقيان في يوم جميل في بلدة إيطالية  تتبادلان حديثاً مكهرباً، وأحياناً غامضاً، حولهما منتقلين من عدم معرفة كل منهما للآخر، الى افتراض تلك المعرفة ومحاولة سحب خيوط شخصية تؤكد تلك المعرفة.

وأكون مبالغا لو ادّعيت أنني أعرف تماماً المقصود من وراء ذلك الوضع الافتراضي المعبّر عنه بطن من الحوار. لكني لست كاذباً إذا أشرت لأولئك المعجبين بالفيلم (وبكياروستامي عموماً) بأن المخرج رتشارد لينكلاتر قدم، فيما قدّم من أفلام جيّدة، عملين مُصاغان بالطريقة ذاتها.

الأول "قبل الشروق" (1995) (انظر ملاحظات  على كل العناوين الواردة في آخر الصفحة) الذي سرد فيه حكاية التقاء كاتب (نعم كما الحال في فيلم كياروستامي اللاحق) ومعجبة (تماماً) في ظروف مشابهة، لكن في باريس. الثاني "قبل المغيب" (2004) وهو تكملة للأول حول هذين الشخصين بعد مرور كل هذه السنوات بينهما وشعور كل منهما بعمق تلك الصداقة على انقطاعها.

لماذا فيلما لينكلاتر أفضل؟ بسبب كتابتهما من القلب وبسبب كون ممثليهما (الفرنسية جولي دلبي وإيثان هوك) ينجحان في إشراكنا فيما يتحدّثان فيه ويطرحانه طوال الوقت، وهذا ليس مرجعه سوى مخرج يعرف ما عليه الحصول عليه في حكاية تبدأ وتنتهي في ظرف يوم واحد.

لماذا لا يذكر النقاد الأجانب أو العرب شيئاً عن هذين الفيلمين المشابهين السابقين لعمل المخرج "الأعجوبة" كياروستامي؟ لأن معظمهم اليوم إما وُلد حين وُلد الكومبيوتر والسينما لديهم تبدأ من تاريخ بدايتهم الكتابة، أو لأنهم ببساطة لم يشاهدوا هذين الفيلمين.

لكن كياروستامي ليس وحيداً في هذا التقدير الأعلى من المُستحق. كثيرون هم المخرجون الذين يُحاطون بهالات كبيرة هذه الأيام لكن مستوى عطاءهم لا يبلغ الحد الكافي من تبرير هذا الإعجاب المتمادي. والمرء يشعر أنه مندفع لتحديد الأمور لعل هناك من يتساءل مثله عما حدث للسينما؟ هل من الممكن أن يكون فيلم "العم بونمي الذي يستطيع تذكّر حياته السابقة" (الرجاء عدم قراءتها "حيوات" لأن لسان العرب وباقي كتب التراث خالية من هذه اللعبة اللغوية غير الصائبة) لأبيشتابونغ ويراثاكول تحفة كما أفتى به نقاد اليوم؟ وهل "إبن بابل" (او "أبن بابل" كما كُتب أسمه على الشاشة) هو بهذه الدرجة من الروعة كما أبحر النقاد العرب في وصفه؟

حين يقول ناقد (او هذا ادعاءه) أميركي أمام ملايين المتفرّجين أن "نسخة مصدّقة" هو أفضل فيلم شاهده في العام الماضي، او أن دور جولييت بينوش فيه "أفضل أدوارها كلها"، الا يجوز أن يطلب المرء طبيباً ليفحص هذا الإدعاء؟ وحين يكتب بريطاني عن فيلم  "ذهب، يا حبي ذهب": "كايسي أفلك مذهل في شخصية باتريك" و"بينما السيناريو الرائع "يفرقع" بحوار عظيم ويخضع المشاهدين للانجذاب نحو قصّة متشابكة بطرق غير متوقّعة" ... ألا يجعلنا هذا نتساءل عما ترك هؤلاء النقاد لسينمائيين كبار من آيات إعجاب إذا ما كانوا مبهورين بهذا القدر مع المجموعة الجديدة؟

لا أسعى لفرض رأي ما، فالنقد ليس مسألة رأي ورأي مضاد، بل مسألة حقائق. أكاد أقول أن الناقد لا رأي له، بل لديه حقائق يبني عليها مواقف وقدرات تمييز تصاحبه أينما ذهب. لكن لتبيان ما أقصد، سأسرد عناوين عشرة أفلام أنتجت سنة 1961، أي قبل خمسين سنة، لعل الفوارق بين ما احتل مكانته في تاريخ السينما وبين تلك الأفلام التي أبهرت البعض تتحدّث عن نفسها.

Viridiana - Luis Buneul | فيفيراندا  إخراج: لويس بونييل (المكسيك).

West Side Story- Robert Wise | قصّة الجانب الغربي- روبرت وايز (الولايات المتحدة)

The Last Year at Marienbad- Alain Resnais | العام الأخير في مرينباد- ألان رينيه (فرنسا).

Cleo From 5 to  7- Agnes Varda | كليو من الخامسة للسابعة- أغنيس فاردا (فرنسا)

Splendor in the Grass- Elia Kazan | رائع على العشب- إيليا كازان (الولايات المتحدة)

A Taste of Honey- Tony Richardson | مذاق العسل- توني رتشردسون (بريطانيا)

Yujimbo- Akira Kurosawa | (اليابان)

La Notte- Michaelangelo Antonioni| الليلة- مايكلأنجلو أنطونيوني (ايطاليا)

Il Post- Ermanno Olmi | البوسطة- إرمانو أولمي (إيطاليا)

Underground USA- Samual Fuller | تحت الأرض، أميركا (الولايات المتحدة)

وهذا اختيار عشوائي، لأنه في مطلع الستينات كانت هناك أفلام للتشيكي كارل رايز، البريطانيين ألفرد هيتشكوك، مايكل باول، ديفيد لين، جاك كارديف، رونالد نيم، للهنديين مرينال سن ورتويك غاتاك، ساتياجيت راي، للمصريين صلاح أبوسيف، يوسف شاهين، كمال الشيخ، عاطف سالم، للفرنسيين جان-لوك غودار، فرنسوا تروفو، جان كوكتو، جاك بيكر، كلود شابرول، جورج فرانجو، رنيه كليمان، للإيطاليين فديريكو فيلليني، ماريو بافا، لوكيانو فيسكونتي، فرانشسكو روزي، بيير باولو بازوليني، للأميركيين،  ستانلي كوبريك، جون هيوستن، فرد زنمان، جول داسين،  روبرت موليغن، روبرت ألدريتش، آرثر بن، أورسن وَلز. هذا من دون ذكر أندريه تاركوفسكي، ويازوجيرو أوزو وغلماز غونيه وكريس ماركر، جان- بيير ملفيل وإنغمار برغمن وجان ترول وسواهم كثر.

هل المسألة مسألة تواضع مفقود؟ ربما على صعيد المخرجين الذين يرقصون اليوم من دون دَف، لكنه الجهل المطبق من قبل خليط عجيب من ماسكي القلم وهو أمر مؤسف آثر الابتعاد عنه بالغروق أكثر وأكثر في السينما التي مضت وكان فيها العالم بأسره أفضل مما هو العالم اليوم. أعذروني.

ملاحظات

العناوين الأصلية للأفلام الأخرى التي وردت في هذا المقال:

Certified Copy- Abbas Kiarostami (France)

Before Sunrise- Richard Linklater (USA/ France)

Before Sunset- Richard Linklater (USA/France)

Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives-Apichatopong Weerasethakul (Thiland)

إبن بابل - محمد الدرّاجي (العراق/ الإمارات/ بريطانيا ...)

Gone, Baby Gun- Ben Afleck (USA)

الجزيرة الوثائقية في

03/04/2011

 

أفلام وثائقية في تطوان

فجر يعقوب – تطوان

لا تبتعد بعض الأفلام الوثائقية المشاركة في الدورة السابعة عشرة من مهرجان تطوان الدولي لسينما دول البحر المتوسط ( 26 مارس – 2 أبريل 2011 ) عن ذلك الحس التوثيقي العالي الذي يميزها ، كما لا يقترب بعضها من هذا الحس ، لوجود مشكلة في السرد وأدواته المكلفة ، وطريقة القبض على التيمة ، ومعالجتها بوصفها  الوثيقة الحية الناتجة عن حالة مستغرقة في اعادة تركيب الواقع فنيا ومجازيا ، وليس رسما له بأي حال من الأحوال .

أربعة أفلام جاءت من فلسطين ومصر وسوريا ولبنان ضمن خمسة عشر فيلما وثائقيا ، تستحق الوقوف عندها في مطولات ، وإن لم يكن ثمة رابط بينها ، إلا النوع الذي تنتمي له هذا الأفلام ، وغير ذلك ، ما من أبعاد أخرى تحتوي عليها هذه الأفلام لجهة الرؤيا

والتكثيف والسرد والنظر في البطانة الوثائقية التي تقوم عليها هذه " المبرزات " . فيلم "زهرة" للمخرج الفلسطيني محمد بكري، ينتمي إلى نوع قائم بذاته. هو النوع الذي يقترب من إحالة عائلية، وليس محض حالة. هنا يقترب البكري "عاطفيا " من خالته زهرة وأولادها وأحفادها ، واذ يخفق في التقاط صورة فوتوغرافية لهذا المكون العائلي تسند روايته ، فإنه ينجح في المقابل في امساك طرف الخيط الذي يقوده نحو بوح زهرة ، وهو بوح مفارق لما هو خاص. البوح في الرواية العائلية يتعدى حالة زهرة، وثمة ما يبرر للبكري، فهو يقابل هذا البوح بوثائق بصرية معادلة له. لا يعود البوح المتقن إلا صورة متقنة أيضا. كلاب ضارية تنهش خنزيرا بريا يقابلها مطر دافئ وناعم يكشف عن تناقض في الروح البشرية المتشظية بعنف ، وهذا مايخفف من عبء الاحالة التي تنتج عن شيء شخصي له مكونات حساسة، كما هو حال الفيلم اللبناني "شو صار"  لدي غول عيد . الفيلم عموما يقبض على تيمة حارة وملحة، ولكنه يخفق في نوع السرد المطلوب. لا يتعدى السرد الشخصي لمجزرة عائلية إبان فصول مغيبة ومسكوت عنها من فصول الحرب الأهلية اللبنانية راح ضحيتها والد ووالد وشقيقة عيد ودزينة من العائلة نفسها . ربما لم يدر بخلد المخرج إن بوحا شخصيا مؤلما تتضمنه روايته قد لايتعدى الاحالة الشخصية التي يلهث ليتجاوزها، ولكنه يظل يدور من حولها من دون أن تتحول إلى وثيقة أخلاقية تصدم الجميع ، فيكتشف المخرج من بعد جولة مكلفة تبدأ من كورسيكا وتنتهي في بيت الضيعة الذي حدثت به المجزرة، إن المجزرة مسألة ذهنية مخففة، وكأنها لم تحدث إلا في ذهن المخرج نفسه، من دون أن يخبرنا سؤاله الساذج لقاتل أمه ، بأننا نقف بالفعل أمام القاتل الحقيقي ، وليس ذلك القاتل المتخيل الذي رسمه عيد لنفسه ، وأوغل في البحث عنه ، في السرداب الخاص المغلق به . ماينقص ( شو صار ) هو اعادة تركيب خلاق للمنحنى الدرامي الذي بدأ منه عيد . وربما تبدو معه نقطة الانطلاق من كورسيكا عبئا لابد منه .

"في انتظار أبو زيد" للمخرج السوري محمد علي الأتاسي، ثمة ما هو مربك ومخيب للأمل، فنحن نقف أمام محاضرة طويلة نسبيا للمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، لا بل إن المخرج الأتاسي ، يتنازل هنا عن كرسيه طائعا لحساب تسجيل هذه المطولة الفكرية ، وخصومات صاحبها مع الواقع المحيط به منذ تكفيره وحتى لحظة "تطليقه" من زوجته ابتهال يونس ، وكذا ادارته للجدال الناشىء عن فكره التنويري الذي لم نجد أثرا له سوى في واحد من تلامذته نفهم في نهاية الفليم إنه شاب وقضى مبكرا ( 1962 – 2007 ) وإن الفيلم مكرس لذكراه.  والحق أن هذا الفيلم يستحق مطولة نقدية أكبر تكشف ثغراته على الملأ، وربما تكشف نوعه الاشكالي، لأن هذا النوع من التوثيق يغدر بالفيلم الوثائقي لحساب تحريض لاطائل منه ، أو لايكون هنا مكانه في أحسن الأحوال ،  فما وقعنا عليه هو محاولات الأتاسي تنميق أبو زيد لحساب نجومية كان يرفضها أبو زيد نفسه ، وهذا يكشف عن اعجاب شخصي بالمفكر لم يكن ممكنا توظيفه توظيفا صحيحا ، لأنه جاء على مكونات الفيلم الوثائقي ليبتزها ويقطعها في الوسط . في حالة هذا الفيلم يمكن القول إن أبو زيد قد حضر عبر محاضرة مهمة وغنية ومؤطرة بالفكر الذي كان يحاجج به ، ولكن يمكن القول إن المخرج محمد علي الأتاسي قد تغيب عن فيلمه وتركه عرضة للنهش النظري الذي قد لايسهم بتركيب فيلم وثائقي قيض له أن يظل محض محاضرة  يمكن قراءتها في كتاب نموذجي .، واذا كان المخرج كما يقول قد صرف ست سنوات في تصوير فيلمه ، فإنه يمكن القول بثقة ، إن الأتاسي فشل تماما في القبض على مكونات الالهام الذي قد ينشأ عن طول هذه المدة ، وهي المكونات ذاتها التي تحدث عنها فلاهرتي حين نصح بقدح شراراتها جراء المعايشة والسكن والسكون في المكان .
"
جلد حي " للمخرج المصري فوزي صالح ، نوع قائم بذاته ، فهو حين أمسك بتفاصيل مدبغة الجلود البدائية ، التي يعمل بها ( أطفاله التسعة) ، وقدم صورة جميلة عن هذا المكان الآسر، إلا أنه رضي لنفسه طريقة تقليدية في السرد كان يمكن القفز عنها وتجاوزها، بما لهذا الفيلم من قدرات استثنائية على الغوص في أسرار المكان وهي القدرات الملهمة التي ساعدت في اختيار الزوايا والاضاءة والتشكيلات الجمالية اللافتة . ومع ذلك يظل فيلم "جلد حي" ينبئ بولادة مخرج وثائقي على قدر من النباهة والذكاء الملحوظين في كل ثانية منه . وصالح يمكن القول عنه إنه يمتلك احساسا متعاظما بفخامة الصورة التي خلت منها الأفلام السابقة ، وبعضها قد أسعفها القدرة على البوح العاطفي والشعري كما هو حال "زهرة" البكري . الفيلم الآخر الذي يقدم  ووثيقة  شعرية نادرة عن البوح الشخصي حين لايصبح كذلك .  فمانجح به البكري حين ظهر في الفيلم ممسكا بطرف الخيط التوثيقي غدا في حالته غير مفقود البتة ، وهذا ماأخفق به دو غول عيد حين ظهر في فيلمه ليشكل من طرف الخيط منحنى مغلقا يدور في عين المكان ، ولايفصح عن أسرار المكان بما هو محمل من دم وقتل وضحايا وشهود على جرائم تكشف عن مرتكبيها في وضح النهار من دون أن تغرق الفيلم بالوثائق الخلاقة المهمة في مثل هذه الاحالة الشخصية ، حتى تتعدى ماهو شخصي ، وتصبح مفتوحة على كل ماهو مسكوت عنه وجاء في سياق حرب عبثية ، لم يكن ممكنا تصورها . ولو نجح المخرج عيد في تركيب المأساة مجددا ، فإن الفيلم سيقع على غنى يمكن أن يكون ذا قيمة وثائقية ، نعتقد أن المخرج ضيّعها حين أجهش في البكاء على أطلال البيت والمدفن العائلي دفعة واحدة .

الجزيرة الوثائقية في

03/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)