حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الفيلم يؤكد قيمة كوبريك الفنية

أزمة الكاتب تتجدد في أحداث "بلا حدود"

محمد رضا

على الرغم من مرور ثلاثين سنة على خروج “اللمعان” لستانلي كوبريك الى العروض السينمائية لا يزال واحداً من الأعمال التي لا يمكن إغفالها من تلك التي تدور حول أزمة الكتّاب مع ذواتهم حين ينقطع الإلهام وتتعذّر الكلمات ثم تسقط من على الورق الأبيض كليّاً . ومع خروج فيلم جديد حول هذا الموضوع هو “بلا حدود” للمخرج الجديد نسبياً نيل برغر تتأكد قيمة كوبريك الفنيّة اللاحقة، بينما تتجدد فيه تلك الظاهرة المتمثّلة في أفلام تناقش، على نحو أو آخر، موضوع أزمة الكاتب مع نفسه وعالمه .

في “اللمعان” تقترب الكاميرا مثل لص خفي من جاك نيكلسون من الخلف وهو يمعن في طبع ما يجب أن يكون روايته . من حقّنا، في تلك اللحظة، أن نعتقد أنه منكب على العمل . قبل ذلك، كنا شاهدنا بوادر أزمته النفسية التي بدأ يعيشها حالما انتقل وزوجته (شيلي دوفال) وابنهما الصغير (داني لويد الذي لم يمثّل فيلما سينمائياً آخر) الى فندق شتوي يعمل مشرفاً وحارساً له في فترة إغلاقه . في لقطة تالية تتقدّم الكاميرا وراء الزوجة الخائفة، وقد فقد الزوج عقله تماماً، الى حيث كان يجلس من قبل . تصل إلى الطابعة وترفع أوراقها لتكتشف أن الورقة الأولى تحمل عبارة واحدة تتكرر في كل سطر وعلى طول الصفحة: “عمل طول الوقت ومن دون لعب يجعل جاك فتى ضجوراً” All work and no play makes Jack a dull boy .

إنه مثال، لكن اكتشافه على هذا النحو تفعيلة مرعبة في لحظة حاسمة، خصوصاً عندما تفحص الزوجة الأوراق كلها لتجد العبارة ذاتها على كل صفحة .

أزمة الكاتب مع نفسه موجودة في الفيلم الجديد “بلا حدود”، لكن على نحو لا علاقة له بانقطاع الإلهام، بل في توريته وإيجاد السبيل للتغلّب عليه بالحيلة . بطل الفيلم (برادلي كوبر) كاتب جالس وراء الكمبيوتر ليكتب الصفحة الأولى من رواية تعاقد عليها، لكن الإلهام غير موجود، والبال مشتت وطريقته الوحيدة للتغلّب على هذا الوضع هو تناول حبّة من شأنها فتح كل مناخات الرأس وتشغيل كافّة خلاياه بفاعلية كاملة . إذ يفعل، يدهش نفسه (والمقرّبين منه) بأنه أنجز الرواية كاملة وصالحة للنشر في أربعة أيام . وفي وقت مماثل تعلّم أيضاً نحو ثلاثين لغة وأجاد شغل البورصة، وبعد أسبوع أو نحوه انتقل من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش . كل ما فعله هو تناول حبّة واحدة من عقار غامض كل يوم .

على نحو ملحوظ، سنجد أن بطل الفيلم لم يكن بالفعل ساعياً ليكون كاتباً، فهو حال تحقيقه المجد المادي ترك ذاك المعنوي مكتفياً برواية واحدة . هذا على عكس ما يحدث مع شخصية روي في فيلم وودي ألن “ستلتقين بغريب طويل داكن” (2010) كما يؤديها جوش برولين . فهو يعاني من انسداد القريحة، لكنه صادق في رغبته الاستمرار في الكتابة والتأليف .

في النهاية يرتكب جريمة لجوئه إلى السطو على عمل مكتوب لصديق له دخل في غيبوبة على أساس أن أحداً سوف لن يعرف .

في “المزيّف” (2002) تابعنا قصّة مستوحاة من الواقع حول الكاتب اليهودي كليفورد إرفنغ الذي كان اتفق مع دار نشر كبيرة على كتاب وقبض مبلغاً كبيراً كمقدّمة أتعاب، ثم لم يستطع تسليم المادّة . مثل بطلي “بلا حدود” و”ستلتقين بغريب داكن طويل”، الطريقة الوحيدة أمامه كانت تلفيق مستندات ووثائق وأحاديث منسوبة إلى شخصية المنتج والمخترع الأمريكي هوارد هيوز وتقديمها إلى دار النشر التي ابتلعت الطعم وصدّقت دعواه بأنه استطاع الفوز بمقابلة نادرة مع هيوز والحصول منه على توقيع بخط يده يعترف بصحة تلك المستندات .

ما نكتشفه في فيلم رومان بولانسكي “الكاتب الشبح” (2010) يعاكس كل ذلك تماماً . فمشكلة بطل الفيلم (إيوان مكروغر) ليس أن شرايين الإبداع جفّت، بل إنه إذ رضى أن يكتب مذكّرات رئيس الوزراء (بيرس بروسنان) التي ستحمل اسم ذلك الرئيس متحوّلاً الى كاتب شبح غير مذكور، رضي كذلك أن يكون كبش محرقة لتغطية مؤامرة سياسية تتطلّب التستر عليها .

في حين أن مارشيللو ماستروياني في فيلم فديريكو فيلليني “ثمانية ونصف” (1963) هو النموذج للفنان الكبير الذي يجد نفسه مشتتاً وغير قادر على الإبداع وذلك أيام قليلة قبل البدء بتصوير فيلمه الجديد . أما في “السر في عيونهم” للأرجنتيني جوان جوزيه كامبانيلا (2009) فإن كتابة الذكريات مدخل لفتح الأوجاع واستكمال رواية واقعية في الحياة بقيت عالقة من دون حل حتى فتح نوافذها مع اتخاذ البطل قرار الكتابة . 

"حرائق" في ذكريات معذّبة

في هذا الشهر، يشهد البيروتيون والنيويوركيون فيلماً كندياً له أهمية خاصّة عنوانه “حرائق” أخرجه الكندي الشاب دنيس فيلينوف عن مادة مسرحية كتبها وجدي معوّض، وهو لبناني هاجر الى كندا وسبق له أن أخرج فيلماً صغيراً عن مسرحية أخرى كتبها بعنوان “خط الموج” فالفيلم معروض تجارياً في صالة لبنانية متخصصة بالأعمال ذات الصنف الفني وبالتظاهرات الفنية اسمها متروبوليس، ومعروض في حفلات محدودة ضمن مهرجان “أفلام جديدة/ مخرجون جدد” كما مرّ قلنا في الأسبوع الماضي . الفيلم ذاته كان عرض في مهرجانات فينيسيا وتورنتو وأبوظبي وجذب إليه وجهات نظر مختلفة .

إنه عن أم تموت في مطلع الفيلم وتترك لولديها التوأمين، الفتاة جين (مليسا بولان) وشقيقها سيمون (ماكسيم غوديت) وصية مفادها أن يذهبا إلى بلد شرق أوسطي لإيصال رسالتين: واحدة إلى أبيهما الذي لم يلتقيا به وأخرى إلى شقيقهما الذين لم يعرفا بوجوده من قبل مطلقاً . جين تقرر أن تذهب إلى ذلك البلد، بينما يرفض سيمون العودة إلى بلد، لا يعرفه ولا يكن له أي رغبة في المعرفة حتى ولو كان الإرث المنتظر مرتبطاً بتنفيذ هذه الوصية .

ما تكتشفه جين مع وصولها إلى ذلك البلد هو أكثر مما تستطيع مواجهته وحدها . تستنجد بشقيقها طالبة منه أن يأتي، فلقد أدركت أن الرحلة التي قطعتها الى ذلك البلد غير المُسمّى، هي أكثر من مجرد رحلة بالطائرة من قارّة إلى أخرى، وعبر الثقافات . الرحلة الأشد إيلاماً هي تلك التي تتم داخل البلد حين تتعرّف إلى مراحل مأسوية من حياة أمّها المسيحية التي أحبّت فلسطينياً مسلماً وأنجبت منه . تبعاً لتعنّت أهلها فُرض عليها أن تفترق عن الطفل صغيراً، أما الأب فقد تمّت تصفيته بأيدي شقيقيها .

وحيدة وقد اشتعلت نيران حرب أهلية ضارية تبدأ البحث عن إبنها الذي ستتعرّف عليه إذا ما رأت العلامة المميّزة في يده .

ما تكتشفه جين ثم ما يكتشفه معها شقيقها سيمون لا يتوقّف عند تاريخ أمهما في لهيب الحرب الأهلية وحرائقها، بل يُصدمان كلّما تقدّم بحثهما أكثر وأكثر . في النهاية التي تأتي بعد أكثر من ساعتين بقليل، يجدان نفسيهما وقد تعرّضا لتجربة قاسية وغير متخيلة . أما المشاهد فيجد نفسه وقد أحيط بأسلاك شائكة من الصدمات المحسوبة . ما يبدأ على أساس أنه رحلة في الماضي، ينقلب الى كابوس حاضر .

على الرغم من أن الفيلم لا يذكر لبنان، إلا أنه هو المعني بوضوح هو وحربه وأناسه وقسوة هؤلاء خلال الحرب . يميل الى تجريم أولئك الذين وقفوا الى اليمين في تلك الحرب ولو أنه لا يجعل من هذا الوقوف قضية . أفضل ما فيه هو الدخول والخروج اليسيرين من الماضي إلى الحاضر . من الأم (تؤديها لبنى زبّال) وهي تعيش حاضرها (في التاريخ) وولديها وهما يعيشان التاريخ في حاضرهما .

الإخراج يحمل معرفة بالكيفية التي يستطيع فيها الفيلم فتح صفحات الماضي من دون أن يطوي الحاضر في “فلاشباك” واحد طويل، كما العادة . انتقالاته محسوبة ماهرة ولو أن خطر الانزلاق في المشهد السابق والبقاء فيه رغم قدوم مشهد جديد يبقى واقعاً . كذلك يعرف كيف يحوّل الفيلم الى قنبلة موقوتة ستنفجر حتماً، لكن لا علم لنا بالمكان والزمان الذي ستنفجر فيه . للأحداث دقّات تسبب التوتّر وحجم من الطروحات المتتابعة التي كلما اعتقد المشاهد أن الفيلم لا يمكن أن يضيف إليها، وجده لا يزال ماضياً في فتح صفحات شخصياته .

الأكثر صدماً هو ما يكتشفه المشاهد والشقيقان في النهاية حول ذلك الأب/ الأخ الغائب . كلاهما بدا في البداية شخصاً مختلفاً، وفي النهاية أصبحا واحداً . 

أوراق ناقد

المنح الحكومية

في العام الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية الجديدة (آنذاك) نيّتها تخفيف حجم المنح والمساعدات التي درجت الحكومات البريطانية المتعاقبة تقديمها للمجالس الوطنية وشطب المجلس الوطني للفيلم، الذي كان الجهة التي يتوجّه إليها السينمائيون المستقلّون رغبة في إيجاد التمويل المناسب .

حسبتها الحكومة فوجدت أنها توفّر نسبة كبيرة من تلك المعونات إذا ما شطبت وألغت وضمّت وخففت . تنادى السينمائيون طبعاً من معارضين ومنددين وغاضبين، لكن الحكومة لم تتراجع ونفّذت ما قامت به ضمن خطّتها للحد من الصرف والإسراف والميزانية الحكومية إجمالاً، لكن الأرقام المنشورة حديثاً تكشف وجهاً آخر لابد من تسليط الضوء عليه .

ما فعلته الحكومة هو تقليص الميزانية العامّة المخصصة لكافة المنح الثقافية الكامنة تحت “مجلس الفنون الإنجليزي”، الذي يوزّع تلك المنح والمساعدات، بنسبة تقل قليلاً عن ال30 بالمئة . هذا تحديداً خفض لها من 452 مليون جنيه استرليني إلى 350 مليون جنيه إسترلينيني في العام الواحد .

لا يزال المبلغ كبيراً بقياسات عديدة . صحيح أنه من الخطأ إلغاء المجلس الوطني للفيلم، أولاً لأنه دعامة أساسية لصناعة الفيلم وثانياً لأنه لم يكن عملية خاسرة، بل حققت معظم الأفلام، التي انتجها نجاحات تجارية جيّدة، لكن المبلغ المصروف على أوجه الفنون المختلفة لا يزال واحداً من أعلى المنح المقدّمة من قبل الحكومات في أي مكان من العالم .

هذا العام تقدّمت 1333 مؤسسة وشركة بطلب الحصول على الدعم الحكومي، وتم تلبية 695 منها بما فيها 110 مؤسسات تتقدّم لتلك المنح لأول مرّة . هل نستطيع أن نقول إن هناك رعاية مماثلة متوفّرة في أماكن أخرى؟

ليست مماثلة تماماً، ولا بالحجم ذاته أو بالتنظيم الثابت نفسه، لكن شيئاً من هذا موجود في الإمارات، كما في فرنسا وكندا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا من بين دول أوروبية أخرى، كما في كندا، وبنسبة أقل في الولايات المتحدة عبر مساعدات موجّهة إلى بضع مؤسسات خاصّة علماً بأن محطة إذاعية خاصّة تعتمد كليّاً على المعونات الحكومية أفاقت قبل شهر لتجد أن نيّة الكونغرس (الجمهوري) سحب كل المعونات المالية عنها بعد اتهامها بأنها “يسارية” الاتجاه .

بعيداً عن السياسة، بقدر الإمكان، سنجد أن الحكومات ذات الاتجاهات اليمينية المطلقة في الغرب (كما الحال في إيطاليا مثلاً) قلّما تعمد الى دعم السينما والفنون والثقافات وتطلب من هذه الميادين التحوّل كلّياً الى “صناعات” لكي تموّل نفسها بنفسها . ودائماً ما يجد السينمائي المستقل نفسه غير قادر على تحويل مشروعه غير التجاري إلى فعل تجاري إلا إذا ما تنازل . وإذا ما فعل خسر .

م.ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

03/04/2011

 

اللعبة العادلة.. فيلم يحكي عن صورة أخرى للغزو

أحمد فاضل 

الجرأة وحدها هي التي حدت بالمخرج الأمريكي دوج ليمان ان يقدم عملا يحكي في 108 دقيقة عن صورة أخرى ومغايرة للغزو الأمريكي على العراق .

وقد كان بإمكان المشاهد العربي أن يشهد عرضه لولا هذه الأحداث التي عصفت بتونس ومصر وباتت قاب قوسين أو أدنى من باقي دول المنطقة ، ولو كانت لدينا هنا في بغداد أو المحافظات شاشات عرض لتمكنا ان نحكم على مثل هذه الأفلام بصورة حيادية ، ولا أعرف سببا واحدا يمنع وزارة الثقافة ان تشرع بنفض الغبار عن صالات السينما المهجورة متعاونة مع اصحابها لبعث الروح فيها واستيراد الأفلام التي كبلتنا بها القنوات الفضائية بما تعرضه من قديمها وحديثها الذي عرض قبل اكثر من سنة على شاشات السينما مضيعا مناسبته التي تحتاج الى نقد هادف بناء يحتاجه الجميع . يستمد الفيلم أهميته من تناوله لقضية اسلحة الدمار الشامل للنظام العراقي السابق والغزو الأمريكي الذي يستهوي جمهور المشاهدين في كل مكان للعثور على اجابة حقيقية بعد كل هذا السيل من الكتب ومذكرات اصحاب القرار وأفلام تسجيلية وأخرى تمثيلية وتحليلات اخبارية ، ومع ان قصته حقيقية مقتبسة من مذكرات الجاسوسة الأمريكية فاليري بلايم والصادرة عام 2007 بعنوان " لعبة عادلة : حياتي كجاسوسة وخيانة البيت الأبيض لي " ، لكنه لم يتطرق لكل الصفحات المتعلقة بالغزو ، بل راح يسرد تفاصيل فضيحة سياسية هزت الرأي العام الأمريكي عام 2005 حينما رفع ريتشارد أرميتاج وزير الخارجية وقتها غطاء السرية عن بلايم من خلال مقال في صحيفة واشنطن بوست في رد انتقامي من زوجها السفير السابق جوزيف ويلسون الذي نشر مقالا في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان " ما لم أجده في أفريقيا " ، متهما إدارة الرئيس الأمريكي السابق دبليو بوش بالتلاعب بالمعلومات الإستخبارية عن البرنامج النووي لنظام صدام ، هذه الأحداث التي حبست أنفاس العالم استثمرها المخرج ليمان البارع في حس التشويق الذي يطبع عادة أفلامه التي يحققها بنجاح منذ سنوات ، فجعل من فاليري بلايم محور أساسي لوقائع فيلمه " اللعبة العادلة " والذي يتتبع بدقة تطوراتها لتشكل في النهاية لغزا من لعبة تجسس سرعان ما تنقلب الى لعبة سياسية يقودها زوجها ويلسون باستخدام الإعلام كوسيلة لانتقاد الحكومة مع ان بلايم كانت غير راضية عن هذا مما سبب المزيد من التوتر بينهما .

ومع ان الفيلم ينساق الى مجموعة الأفلام التي تناولت غزو العراق إلا انه يضع لائمته على الإدارة الأمريكية السابقة منتقدا وبشدة الرئيس بوش ومعاونيه على ادارتهم الغزو ، ومن الطريف ان ننقل هنا ما قالته صحيفة لوس انجليس تايمز ان السينما اكثر اقناعا من السياسيين حينما جعلت الأمور تسير بوضوح مع كل من فاليري بلايم كجاسوسة تعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية وتتسلل الى العراق لكشف اسلحة صدام في لحظات حاسمة سبقت الحرب ، وقد أدت دورها ببراعة الممثلة ناعومي واتس ، وزوجها السفير السابق الذي أرسل الى النيجر للتأكد من تقارير عن شراء صدام لكميات كبيرة من اليورانيوم والتي قال عنها ويلسون ان هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة وتم تجاهل هذه النتائج التي توصل اليها ، وقد تقمص دوره الممثل الموهوب والحاصل على جائزة الأوسكار شون بين .

يذكر ان الصحافة المصرية كانت قد شنت هجوما عنيفا على الممثل خالد النبوي بسبب وقوفه أمام احدى الممثلات الإسرائيليات في الفيلم والذي يظهر بدور عالم نووي عراقي يدعى حامد تستميله المخابرات المركزية الأمريكية لنقل معلومات عن برنامج صدام النووي ، خارقا المبادئ الأساسية للتطبيع مع اسرائيل بحسب وصفها مع انه سبق وان شارك في فيلم سابق هو " مملكة الجنة " للمخرج الأمريكي ريدلي سكوت ، وقد دافع النبوي عن دوره مشيرا الى ان الذين انتقدوه لم يشاهدوا الفيلم بل حكموا عليه من صورة فوتغرافية جمعته بالممثلة الإسرائيلية .

الفيلم تميز بموسيقى وضعها الفنان جون باول وكتب السيناريو له الأخوة جيري وجانيت زوكر وكلف انتاجه 22 مليون دولار ، انه دراما استثنائية وغير تقليدية بالمرة عن فترة هامة من التاريخ وتراجيديا شخصية تتسم بالعمق تخلقها غطرسة وقحة للسلطة والنفوذ بحسب تعبير الناقد الأمريكي جون ويرت ، أما روجر إيبرت الناقد المعروف فقد كتب في صحيفة تايمز يقول ان العامل القوي والمؤثر في فيلم اللعبة العادلة هو قدر الواقعية الموجودة فيه ، فهو يركز على الأحداث التي وقعت دون اضافات ذاتية ، ولا يهاجم أو ينحاز لفئة ، بل يقدم صورة حيادية تماما مثل الكتاب المقتبس منه .

ونبقى على أمل ان يتاح لجمهورنا مشاهدة هذه الأعمال على شاشات السينما العراقية التي وعدنا المسؤولون في وزارة الثقافة من خلال تصريحاتهم ان تفتتح هذا العام ، لأنها تتناول وبواقعية ما جرى من أحداث تمس حياتنا وتأريخنا .

أدب وفن في

03/04/2011

 

عن رحيل السينمائي سايد كعدو: فيلم فقَدَ مُخرجَه

محسن يمين 

هوذا آخر من الظلال الحبيبة المتماهية والمكان يتوارى عن ساحتي التل (زغرتا) والميدان (اهدن). ظلُ سايد كعدو. ليس كتواريه المعتاد حين كان يبتعد بحكم عمله وشواغله عن مسقطه، إمّا داخل لبنان، او خارجه، وسرعان ما يعيده الحنين الغلاّب اليه. كلا. انما ذاك التواري الذي الى غير رجعة.

ومثل هذه الظلال الملوّنة كأقواس القزح التي يستغرق تشكّلها، في فضاء وجودنا الرمادي، وقتاً مديداً ويستلزم قوى خلاقة متحفزة، وطاقات ابداعية مصقولة، عملاً دؤوباً، اندفاعاً وتفانياً، مثل هذه الظلال اذا غابت فإنها تترك من حولها فراغاً لن يكون من السهل تعبئته قبل انقضاء مدة قد تطول.

فهل سننتظر دوماً ان تمسي أطيافاً كي نعترف بأهميتها، ونُعلي شأنها، ونتحسّر على خسارتها، ونتبارى في اكتشافتنا المتأخرة لمزاياها؟

والى متى سنظلّ نتكّل على الموت كي يوقظنا من غفلتنا عنها، فنتنبه الى مثل هذه النوعية قبل أن يفوت الاوان، ونحوطها بما تستحق من عناية ودعم وتقدير.

أظن أنك اليوم، يا سايد، تتساءل معي، من حيث أنت، عما اذا كان هذا المكان الذي يُعطينا هويتَنا، وطباعَنا، ولهجتَنا، وعاداتِنا، ووعيَنا، ولاوعيَنا، ينتهي الى اكتساب بعض ملامحنا، اذا كنا قد جاهدنا الجهاد الحسن، على غرار ما فعلت أنتَ؟

الاّ تتشربنا عيناه، كتشربنا نحن لمحبّته، فنصير جزءاً من صورته المرتسمة في عيون الناس؟

الا تحفظنا ذاكرته العامة المثقلة بالاحداث والوقائع والهموم من التلاشي والاضمحلال، فور انطفاء جذوة الحياة في صدورنا؟

الاجوبة تعصى عليّ يا سايد.

فماذا عنك؟!

هل بتّ، بعد رحيلك في 14 كانون الثاني 2011، أعلم بأحوالنا مما كنت عليه؟!

آخر مرة رأيت سايد كانت في أواخر تشرين الثاني الماضي، أو في مطلع كانون الأول. كنتُ انتظر، على رصيف كنيسة مار يوحنا التي شيّع فيها، من يقلّني الى كفرحاتا. فصودف مرورُه بسيارته، من هناك، وقربَه الاستاذ يوسف زيدان.

تكرّم عليّ بذلك. بوصولنا الى كنيسة مار ماما، وقبل أن اهمّ بالنزول، توجهت اليه بالقول بنبرة الشعر بخلوها التام من المزاح «نفرح منك يا سايد»، فقابل جديّتي بضحكة ساخرة. عندها اتبعت امنيتي بتعليل أنه حتى بعد الستين التي لم يكن سايد قد نوّف عليها سوى بقليل ثمة من يظلّ يُمني النفس بزيجة يستر بها آخرته بحيث لا تفترسه الوحدة وهو في أرذل العمر، فقابل تعليلي هذا بالصمت. فحسبت بعد ترجلي من السيارة ان ما قلته ربما يكون وقعَ من نفسه مَوقعَ الرضا. او في الأقلّ، حرَّك مشاعر الأسف، والندم، داخله. لكن لم يخطر لي قط وانا أدير ظهري لسيارته ان هذه ستكون المرة الأخيرة التي أراه فيها، وان الموت سيعقد جفنيه، بعد فترة وجيزة. وبعبارة اخرى، أنه بدل الزيجة المتمناة ستكون الوفاة، وفاته.

لم يتأخر سايد في اكتشاف ان السينما هي ما يُضفي المعنى على حياته، فلم يشغله عنها شاغل. حتى حين كان يضغط زر ماكينته الفوتوغرافية مغطيّاً ما تعاقب من احداث كان يفكر بأن حصيلتها ستغذي أفلامه الوثائقية.

وقد دفعه شغفه بالشاشة الفضيّة الكبيرة الى صنع فيلمّيْه الأولَيْن قبل التحاقه بمعهد السينما العالي في موسكو، عام 1974، وأغمض اغماضته الأخيرة وهو يعدّ العدّة لغير عمل سينمائي.

الحديث عن سايد مخرجاً سينمائياً لامعاً، واستاذاً جامعياً مخاوياً لطلابه، يطول. لذلك ساكتفي بالقول أن ما أنجزه هو امتداد لمخيلته، من جهة، ولما لاح له من فرص، من جهة أخرى. كما أنه خريطة طريق الى شخصيته المميّزة، والى فكره التعايشي المقاوم، على المستوى اللبناني، العروبي، على المستوى القومي. كي لا أكرر وأنا استرسل في الحديث عنه ما سبقني الى قوله كل الين تعاقبوا على التعبير عن أسفهم لغيابه، سواء في الصحف والمجلات، أو من على منبر قصر الأونيسكو، خلال اللقاء الذي أقيم احياء لذكره في 11 آذار 2011.

وسأتوقف اليوم عند الفيلم الذي كان يتهيأ لانجازه عن زغرتا اهدن. وكانت فكرة فيلم كهذا قد بدأت تتشكّل في ذهنه، منذ مطلع الثمانيات معتبراً ان سيرته السينمائية ستظلّ ناقصة ما لم تقترن بمثل هذا العمل المطلوب عن مسقطه كهدية للأجيال التالية.

بقلب محبّ عاشق لتراب زغرتا واهدن كان سايد يتوق الى تحقيق هذا الفيلم، فيأتي، في حال تمكنه من انجازه، بمثابة نشيد لهما، وغناء وجداني طالع من الأعماق. كما يعكس وجهَيْهما المتكاملين، المتداخلين.

فهو لتعلقه الشديد بزغرتا اهدن كان يرى فيهما «وطناً داخل الوطن» بحسب تعبيره.

وقد مرّت الفكرة التي راودته في مراحل قبل أن تنتهي في تشرين الأول الماضي (2010) الى اتفاق مبدئي، كان يمكن أن يضعها على طريق التحقق الفعلي، لو لم يختطفه الموت، وهو في عنفوان عطائه.

وما قد يكون مجهولاً، الا من القلة، ان سايد سبق ووضع بالفعل خطوطاً عريضة لمشروع فيلم وصفه بأنه وثائقي سياحي، اطلق عليه عنوان «التوأمان: زغرتا اهدن». ووزّع هذه الخطوط المطبوعة على الدكتيلو، في ذلك الحين، والتي جاءت في صفحات اربع يضيق المجال هنا بتفاصيلها، على خمسة ممّن كان يأمل منهم المشاركة في اعداد المواد والمعلومات والأبحاث والتعليق، وفقاً لما ذكره بالحرف، وهم الآتية اسماؤهم: انطوان القوّال، جورج يمّين (الذي سبقه الى الرحيل)، منير مخلوف، جبور الدويهي ومحسن يمّين. الى مشاركين آخرين، كل واحد في مجال اختصاصه، تبعاً لما تقتضيه طبيعة التأريخ والتوثيق والعرض. آملاً، فيما لو قدر له اتمام ذلك، توفية بعض ما علينا، في مجالنا، تجاه بلدنا الحبيب وأهلنا.

الخلاصة، ان سايد كان يدرك بان فيلمه التسجيلي المقترح سيكون وثيقة ممتازة ومشوّقة للأجيال، بتغطيته تجليات الطبيعة ومظاهر الحياة والنشاط، وبتناوله الانسان في وجوده وابداعه، في ماضيه وحاضره، والمجتمع في ثقافته وتراثه، كما في فولكلوره، وعاداته وتقاليده.

ولأن فيلماً كهذا يهمّ الجميع لم يُضع الوقت سدى فأقحم «بيت الفن» الذي أنشأه والصديق جوزيف الحاج، والذي كان لي شخصياً، يدٌ في ولادته، في ورشة عمل ستمتد طويلاً. مستعيناً لهذا الغرض بجوزيف لتسجيل وقائع محاضرت وندوات «مدرسة الريف» في ايطو التي نُظمت تحت عنوان «أضواء على أقلام رحلت في زغرتا الزاوية»، وتناولت ادباء، مؤرخين ورجال صحافة كنتُ شاركتُ في رسم مسارها بالتعاون مع النقيب انطوان السبعلاني، الشيخ ناصيف الشمر، وخليل الخوري، مدير المدرسة.

وراحت افلام الفيديو الملتقطة تتراكم في محفوظات «بيت الفن» ناقلة النبض الثقافي الحاصل الى فيلمه المأمول، أو الى اي فيلم وثائقي آخر يمكن أن يليه في القائمة، مضيفة الى شريطه الفيلموغرافي فيلماً تسجيلياً عن الأديب يوسف السقلاوي (من كفرزينا) الذي لقي مصرعه خلال أحداث ثورة ال 58.

وامتدّ الاهتمام، فيما بعد، بناء على اقتراحاتي، الى الشاعر اسعد السبعلي الذي وافقني على تصويره قبل تقدّمه في السن، وتراجع حالته الصحيّة، أكثر مما كانت فعلت. كما امتدّ الى بيوت آل طربيه المسترعية للانتباه بطرازها المعماري اللبناني، في عين سبعل. وكدتُ واياه ان نلقى حتفنا ونحن نجول داخل بيت اسحق طربيه الذي يشاع عنه بأنه «مسكون»، حين خُدعنا بسطح طابق سفلي لم يخطر في بالنا ان يكون ترابياً، فراح يتراقص تحت أقدامنا، تراقص رفاص سرير حديدي، ولم نصدّق كيف نتجاوز القطوع، بأقصى ما امكننا من سرعة، وتُكتب لنا النجاة.

العمل التوثيقي الممكن التوظيف في الفيلم المرتقب استحوذ علينا، واستهلك منا وقتاً وطاقات وامكانات. لكن شيئاً فشيئاً بدأ سايد يفقد الأمل في امكان تنفيذ فيلمه مدركاً، في قرارته، أن قلّما يجتمع المبدع ورجل الأعمال في شخص واحد. لذلك فهو لم يبذل مثل هذا الجهد التسجيلي عند انشائه «اللقاء الفني» في زغرتا، متعاوناً والفنان جميل غالب، لشعوره بأن صفحة الفيلم قد انطوت.

وقد مرّت اعوام طوال انجز سايد في غضونها، عدداً من أفلامه، وتعاون وصديق عمره المخرج حسام خيّاط على ادارة عدد من الاندية السينمائية في طرابلس (سينما شهرزاد) والميناء (كليوباترا) وزغرتا (اليزيه) ورحبة عكار، قبل ان يطلب مني رئيس بلدية زغرتا اهدن الأسبق المهندس جورج يمّين الانضمام اليه وهو يعيد تحريك موضوع الفيلم مع سايد الذي بقي، مرة اخرى، حبراً على ورق، لأن الكلفة الانتاجية المقدرة من قبل سايد كانت تتعدى قدرة البلدية الفعالة فعادت الفكرة الى الثلاجة.

ثم خطر لرئيس البلدية السابق العميد جوزيف المعراوي أن يحقق فيلماً سياحياً عن اهدن وزغرتا، طالباً مني اعداد نص لهذا الغرض مستبعداً فكرة التعاون مع سايد ربما للسبب المُشار اليه آنفاً. وقد قمت باعداد النص بالفعل لكن الجهود التي بذلت في هذا السبيل ذهبت ادراج الرياح.

الى ان تجدد البحث، في هذا الشأن، في تشرين الأول الماضي، على ما ذكرت، مع سايد بالذات. وقد خلصت المداولات الى اتفاق مبدئي بين المرحوم سايد، من ناحية، ورئيس البلدية الحالي المهندس توفيق معوّض الذي تعهّد بتامين الكلفة اللازمة لانتاج الفيلم، بوسائله الخاصة، اي من خارج صندوق البلدية.

لكن حين توافرت الامكانات، ولاحت الفرصة الفعلية، أفل نجم سايد. فكان الموت، هذه المرة، هو الحائل دون التنفيذ.

وقد التقيت قبل أيام المخرج حسام خيّاط، في طرابلس، بقصد مساءلته عن سايد. واطلعته على حيثيات هذا الفيلم الذي فقد مخرجه. فأبدى للحال استعداداً لاخراجه، دون مقابل مادي، كرمى لعينيي صديقه المأسوف عليه.

أختم بالتذكير ان فدريكو فيلليني كان يردّ على من يسأله عن اولاده بالقول: «أفلامي هم اولادي».

وأحسب ان هذه حالك، انتَ أيضاً، يا سايد: «أفلامُك هم أولادُك».

[نص كلمة ألقيت خلال حفل تكريمي نظمته بلدية زغرتا اهدن بالاشتراك مع اللقاء الثقافي زغرتا في المسرح البلدي - قاعة بيار فرشخ، جرى بعدها عرض 50 دقيقة من أفلامه (أرشيف عبود معوّض، مونتاج ضوميط الدويهي).

الصورة المرفقة أخذت للمخرج الراحل سايد كعدو في دير قزحيا. (الصورة لجوزيف فنيانوس).

المستقبل اللبنانية في

03/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)