حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلمه الوثائقي "شيوعيين كنا" في بيروت بعد البندقية ونيويورك وباريس

ماهر أبي سمرا: الفيلم مدخل العودة والكاميرا مسافة من المكان والناس

ريما المسمار

الفيلم السادس في مسيرة المخرج ماهر أبي سمرا، "شيوعيين كنّا"، لا يندرج في إطار تسلسل زمني واضح وأكيد، على الرغم من خروجه في العام 2010 في أعقاب "أعراض عودة" (1995) و"إعمار على الموج" (1996) و"نساء حزب الله" (2000) و"دوار شاتيلا" (2004) و"مجرد رائحة" (2007). فإلى جانب، عبوره تجربة المخرج طولاً وعرضاً، في الزمان والمكان، هو مشروع ارتبط بعودة أبي سمرا إلى لبنان بعد غياب 15 عاماً. أي أنه مشروع تعود فكرته إلى ما قبل سبع سنوات، ويعود موضوعه إلى ما قبل أكثر من عشرين سنة. فيه، يرصد المخرج مسارات ثلاثة من رفاق النضال في الحزب الشيوعي اللبناني. يروون تجاربهم في الحزب، مع انفراطه وبعده. بينهم، يقف أبي سمرا على الحافة، رجل في الفيلم وأخرى خارجه، عين على العدسة وأخرى على الماضي والحاضر خارج بؤرتها. يضيف هذا الموقع إلى الفيلم التباساً ويولّد أسئلة كثيرة، طرحنا بعضها على المخرج في الحوار الذي سيلي.

قدم الفيلم في عرضه الإفتتاحي في أيلول/سبتمبر الماضي في مهرجان البندقية السينمائي، قسم "آفاق". وعرض بعدها في مهرجان أبوظبي السينمائي حيث نال جائزة أفضل وثائقي من العالم العربي أو عنه مناصفة مع "وطن" جورج سلاوزر. كذلك عرض في قرطاج ونيويورك وباريس وغيرها. وقريباً سيعرض في سويسرا وفرنسا مجدداً في إطار "فيزيون دو رييل" و"سينما دو رييل" تباعاً.

انطلقت عروض الفيلم أمس في سينما "متروبوليس" التي تكرس منذ بعض الوقت هامشاً كبيراً للأفلام اللبنانية الوثائقية والأخرى الروائية والقصيرة.

هنا نص الحوار.

·         [ "شيوعيين كنّا" فيلم مراجعة أعتقد أنها انطلقت قبل الفيلم. ما أهمية التوقيت الذي خرج فيه؟ وما هو مصدر الإلحاح على إنجازه الآن وهنا؟

- الأسباب كثيرة وتسمية سبب واحد هو في نهاية المطاف عملية اختيار واعية متصلة بمرحلة ما بعد الفيلم أكثر منها متصلة بما سبقه. الفيلم برمّته، منطلقه وتركيبه، على علاقة بمساري الشخصي. تركت البلد في مطلع التسعينات بحجة دراسة السينما في فرنسا. "فركتها" بمعنى آخر، تاركاً الحزب (الشيوعي) والمجموعة. لم أنجز أي فيلم في فرنسا أو عنها. اشتغلت مساعد مخرج ومصور على عدة أفلام تناولت موضوع المهاجرين. أفلامي صنعتها هنا، وكانت بمثابة المؤشر إلى موقعي في المرحلة التي شهدت ولادة الفيلم. في "إعمار على الموج"، قدّمت فيلماً من موقعي الحزبي، يحمل خطاب الحزب. في "نساء حزب الله" كنت اليساري "الملبّك وين بدّو يقعد". أصدقائي ظلوا هنا أما أنا فلم أكن مضطراً، بسبب سفري وإقامتي في فرنسا لنحو 15 عاماً، إلى اتخاذ مواقف أو القيام بمواجهات معهم أو مع المرحلة السياسية التي جمعتنا. لذلك ظلّت علاقتي بهم حيث تركتهم. حين اتخذت قرار العودة في العام 2004، كان من الطبيعي أن أرجع إلى الناس الذين أعرفهم لأعثر على مساحتي من جديد. فبدأ النقاش مع الأصدقاء. الجانب الآخر كان الحياة اليومية في بيروت التي احتاجت هي الأخرى إلى إعادة صوغ واكتشاف. شيئاً فشيئاً، بدأت علاقتي بالمكان والأصدقاء تتخذ صفة واقعية. فكرة هذا الفيلم كانت بمثابة المدخل إلى عودتي إلى البلد.

·         [ ولكن متى بدأت التصوير فعلياً؟ وإذا كان النقاش في الفيلم قد انطلق قبله في الواقع، فما أهمية تقديمه في فيلم بالنسبة إليك؟

- في تموز 2006، حملت الكاميرا للمرة وبدأت بتسجيل التناقضات التي أعيشها على طريق البحث عن مكان. صارت الكاميرا المسافة مما يحدث. في الفيلم، الكاميرا هي وسيلتي لفتح حوار يطاول أمكنة مقفلاً عليها، وتسجيل التحوّل في الشخصيات والأمكنة وعلاقتي بها. حواري معهم في الواقع لم يقد إلى تلك الأمكنة الشخصية من قبل.

·         [ هل تقصّدت بهذا المعنى أن تبقي على المسافة تلك بينك وبين شخصيات الفيلم؟ وهل يمكن اعتبار هذا "فشلاً" من نوع ما في مواجهة الشخصيات ونقد مواقفها؟

- لم أنجذب إلى كسر المسافة. كنت أبحث عن مكان ولكنني أعرف سلفاً أنني لن أجده، لأنني في المقلب الآخر المناوىء لفكرة حركة أو حزب أو حتى فرد مرتبط بمشروع سلطة. وهذا ليس من قبيل الحكم الأخلاقي وإنما انسجام مع رغبتي في أن أظل مشاكساً معارضاً حتى للمشروع المقتنع بإيجابيته. مهمتي من خلال موقعي وعملي فتح نقاشات والتباسات مع أشخاص تجمعني بهم نقاط مشتركة. ثم إن ابراهيم (الأمين) وبشار (عبد الصمد) وحسين (أيوب) هم المادة لفتح نقاش مع نفسي وتناقضاتي. كسر المسافة كان سيعني انتهاء علاقتي بهم، فيما الواقع أكثر تعقيداً من ذلك.

·         [ أين هو موقعك في الفيلم؟ فأنت داخل المجموعة وخارجها، متورط وغير متورط، قلق ومتوتّر، وتخفي كل ذلك بالكاميرا التي تحميك وتمنحك سلطة.

_ الإلتباس موجود لأنه واقعي. وعملية إنجاز فيلم تراكمية من البحث إلى التصوير إلى المونتاج. ولكن هذا التراكم لا يؤدي إلى أجوبة ولا حتى إلى قلب صفحة. إنه أقرب إلى قراءة صفحة مرتبطة بالماضي والحاضر. إنها المرة الأولى التي أدخل فيها فيلمي بشكل مباشر. حتى بيتي الذي صوّرت فيه كان جزءاً من تلك المرحلة السياسية وذاكرتها. بعد انتهاء الفيلم، انتقلت من البيت كأنني أنتقل إلى ضفة ثانية. ضفة مازالت مبهمة حتى سينمائياً. ليس في ذهني حالياً مشروع سينمائي واضح. ولكن على صعيد الخلاصات، ربما للمرة الأولى اقول، بعد تجربة هذا الفيلم، أنه يحق للإنسان أن يكون شيعياً أو سنياً أو درزياً. فهذه ليست مشكلة بحد ذاتها بقدر ما هو الإطار الذي يوضع الإنسان فيه.

·         [ ألا يصبح هذا الإطار طبيعياً متى قرر الشخص أن يكون كذلك؟ أقصد أن ينتمي إلى كتلة سواء أحزبية أم طائفية سيقود حتماً إلى تأطيره.

- لا أقصد الإنتماء بالمعنى الطائفي وإنما الثقافي. فالدخول إلى الحزب الشيوعي كان بمثابة الإنتساب إلى مدرسة أجنبية، روسية تحديداً، تشترط تخلي المنتسب إليها عن ورفض كل ما له علاقة بثقافته وعائلته اللتين لا يعرفهما جيداً في معظم الأحوال، والتعلّق بثقافة لا يعرفها ايضاً. من هنا يمكن أن نفهم عودة كثير من الحزبيين إلى طوائفهم بعد فشل التجربة الحزبية. إنها العودة إلى المكان الذي لم يعرفوه ولكنه المكان شبه الوحيد الذي يمكن العودة إليه. لا اقول هذا من موقع التبرير للآخرين ولكنه الواقع. واليوم حين يُحكى عن الطائفية والمذهبية، أرى نفسي مشكّكاً في أن الناس طائفيون. اشعر أنهم ذاهبون في اتجاه مصالحهم. "السيستم" القائم يجبرهم على الإنضواء في إطار. لست متشائماً بالبشر إلى هذا الحد.

·         [ ولكن سير شخصياتك تبعث على اليأس والمساءلة. لماذا هذا الإلحاح على الإنقلاب من إيديولوجيا إلى أخرى؟ من إطار إلى آخر؟ لماذا ضرورة الإنتماء؟ هذه الأسئلة لم تناقشها معهم.

- الفيلم ليس في صدد تأكيد أو دحض أية رواية. الرواية اياً كانت، لا يمكن أن تكون صحيحة في المطلق، ولكن قيمتها الثابتة أنها تعكس وجهة نظر صاحبها. وبالتالي سير الشخصيات في الفيلم نابعة من رؤية كل منهم لسيرته. المهم في هذه السير أنها تختزل فكرة العودة إلى الطائفة. فمرحلة السلم الأهلي بين 1990 و2004 كانت بمثابة بناء حرب جديدة وانبعاث أقوى للطوائف. منذ 2004 إلى اليوم، نقف على مشارف حروب أهلية صغيرة، أعادتنا إلى الحدث وإلى التحليل من داخل الحدث، فيما كان يفترض انها تضعنا على مسافة من الماضي والحروب. وفي مرحلة السلم الأهلي أيضاً، يبيّن الفيلم كيف استعادت الطوائف أولادها الفارّين وكيف أعادت بناء نفسها وتجييش قدراتها. الأسئلة التي تتحدّثين عنها كانت ستعيدني إلى الحدث الذي أردت تجنبه. التناقضات التي تمثلها الشخصيات تتناقض مع منطقي وفهمي ولكنّ الشخصيات مقيمة فيها. أي أنها-التناقضات- ليست مثار جدل بالنسبة إليها.

·         [ حتى عندما تحدث الصحافي ابراهيم الأمين عن فكرة الغواية التي قادته إلى حزب الله؟ حتى هنا لم تشعر بغواية مضادة لفتح نقاش معه؟ على الرغم من أن رجلك التي تهتز من دون توقف في طرف الكادر تفضح توترك.

- الإنجذاب والنفور ثنائية تربطني بشخصيات الفيلم جميعها. فلولا هذا الإنجذاب إلى شيء فيها لما صورتها أصلاً. أعتقد أن الحالة التي يمثّلها ابراهيم ويضعها الفيلم تحت المجهر تقول الكثير من دون الحاجة إلى تفجيرها أو التصادم معها. جاذبية السلطة التي يمثّلها ابراهيم لا تغريني، لذلك أنتقل إلى الموكب السياسي في اللقطة التالية كأنني أستعيد مسافتي منه ومن ثم أذهب إلى "عبد" وبعدها إلى "الجن" في شبعا والصبايا اللواتي يواجهن حكايات الجن بالحجاب. تعاملت مع الشخصيات على قدم المساواة ومن المسافة نفسها. ففي مقابل بشار الذي انكسر وانكسر هناك ابراهيم الذي تصاعد وتصاعد. أليس هذا جزءاً من التعرية التي تبقي المشاهد كذلك عل مسافة من السلطة التي يمثّلها؟
ولكن ربما لأن ابراهيم شخصية إشكالية أكثر من غيرها، كان ردّ فعل المشاهدين تجاهها أقوى. التعليقات التي سمعتها توحي بأن تقديمها لم يفش غليل البعض. لم يكن هذا هدفي. الحميمية التي وصل الفيلم إليها وحمل كل شخصية على تقديم سيرتها وصورتها كما تراها، تطرح أسئلة وتفجر تناقضات حول مسارات أبعد من بشار وابراهيم وحسين. في المحصّلة، لا يمكن الفيلم أن يحقق الإكتفاء. ولكن التجربة في حد ذاتها وما قادتني إليه من دهاليز وتناقضات هي مصدر الثراء.

·         [ تتفادى في الفيلم جمع الشخصيات أو تصوير نقاش بينها. هل كنت خائفاً من إمكانية أن يتحول الفيلم محاكمة وإدانات؟

- كل فرد في هذه المجموعة كان بمثابة الرقابة على الآخرين. أي أن صورته عن نفسه مستقاة من كيفية رؤية الآخرين وتقييمهم له. بهذا المعنى، كانت المرحلة التي تلت انفراط عقد المجموعة إبحاراً في المجهول لكل منّا للعثور على مكانه وحياته منفرداً. الفيلم بهذا المعنى يعكس المسارات بعد سلوكها اتجاهات مختلفة. لذلك نرى الشخصيات مجتمعة في بداية الفيلم حول خارطة بيروت المقسّمة خلال الحرب. ولكن بعد ذلك لا يلتقون لأنهم في الواقع لا يلتقون ولأن اللقاء إذا تم سيتحول إما محاكمة للماضي أو إصراراً على الحنين.

·         [ أفترض أن هذا النوع من الأفلام يراكم ساعات طويلة من التصوير والمقابلات. كيف خطّطت لهذا الجانب في البداية؟ وكيف اختلف الأمر على طاولة المونتاج؟

- اتبعت طريقة جديدة في هذا الفيلم، مختلفة عن اسلوب عملي في أفلامي السابقة. باستثناء المقابلات، كتبت المقاطع الأخرى على الورق. كل المتتاليات المتعلقة بي كتبتها كما يكتب السيناريو وصورتها منفصلة. بالنسبة إلى المقابلات، كان خياري تناول ثلاث مراحل: مرحلة الحزب الشيوعي في التسعينات، مرحلة السلم الأهلي والمرحلة الممتدة من 2004 إلى اليوم. مقابلات المرحلة الأولى، أجريتها في السيارة والحديث على المرحلتين الأخريين في القرى التي زارها كل منا.

·         [ لماذا القرى؟ فأنت تقول أن كل شخصية اختارت ضيعتها كمكان يشعرها بالسكينة. ولكن عندما ذهبت إلى قريتك شبعا، لم نشعر بأية سكينة.

- هذا صحيح لأنني بخلاف الآخرين ليست عندي علاقة حقيقية بقريتي. ولكن فكرة الضيعة جاءت من رغبتي في الإشتغال بصرياً على المكان. كما أن فكرة إخراج الشخصيات من بيروت والحياة اليومية كانت هدفاً.

·         [ المقابلة التي تتحدّث فيها عن تجربتك، مختلفة هي الأخرى عن مقابلات الآخرين. لهذا سألتك سابقاً أن موقعك ملتبس، في الداخل والخارج معاً.

- فكرة أن أجري مقابلة مع نفسي كانت حاضرة منذ البداية ولكنني ظللت أهرب منها إلى حين وصول المشروع إلى طاولة المونتاج. عندها شعرت بأن هنالك مشكلة بين موقعي كمخرج من جهة وكشخصية بين الشخصيات من جهة أخرى. طلبت من الاصدقاء الثلاثة أن يجروا المقابلة معي، وتولى كل منهم جزءاً منها. ولكن مع ذلك، اكتفيت بالحديث عن المرحلة الأولى، اي انخراطي في الحزب الشيوعي. بعد تلك المرحلة، وتحديداً منذ بدأت أحمل كاميرا وأصور أفلامي، اعتبرت أن الأخيرة صارت تعبّر عني وعن أفكاري وتناقضاتي، لذلك استعنت بمقاطع منها في الفيلم. كما أن الفيلم الحالي "شيوعيين كنا" يعبّر عن موقفي من الحاضر.

·         [ اختلافك عن الشخصيات الأخرى لم يكن إذاً من موقع إحساسك بأنك "ظمطت" أو بأنك تعيش الحالة الأكثر "صحيّة" بينهم؟

- لا أعرف إذا كنت قد "ظمطت" بالفعل. هذا نقاش طويل خضت جزءاً منه مع هالة العبد الله التي ساعدتني كثيراً. ربما أكون قد أُنقذت لأنني سافرت وبالتالي لم أضطر إلى القيام بتسويات يفرضها الدخول في "السيستم" العام. ولكن من جهة أخرى، الإلتباس مازال حاضراً من خلال المكان الذي أتيت منه الخليط من شبعا التي لا أعرفها والضاحية التي ولدت فيها عندما كانت مختلطة ومن ثم عشت فيها خلال فترة تحوّلها. دخلت الحزب الشيوعي لكي أدخل المدينة. لم أبذل جهداً للخروج من طائفة أو عشيرة لأنني في الاساس لم أكن منتمياً إلى أي منهما. ومع ذلك، مازالت الضاحية جزءاً من ثقافتي، ومازال شعوري تجاه المقاومة التي يمثلها حزب الله اليوم ملتبساً. فأنا على الرغم من قناعتي الكاملة بأن حزب الله عامل سلبي في الحالة الطائفية السائدة في البلد وبأنه جزء من تكريس الأزمة الداخلية، إلا أنني أنجذب إلى الأفراد وأفهم جيداً ما يقومون به.

·         [ هل عرضت الفيلم للشخصيات. كيف كانت ردود فعلها؟

- عرضت الفيلم على المجموعة بعد اكتماله. لم يعبّر أحد منهم عن عدم رضى. الثقة كانت موجودة منذ البداية ولكنهم كانوا خائفين من أن اذهب إلى مواجهة حادة معهم.

·         [ هذا الإرتياح الذي أبدوه ألا تعتقد أنه شهادة ضد الفيلم بمعنى ما؟

- دعيني أقول هذا: المسافة التي أحافظ عليها من البلد هي نفس المسافة التي أحافظ عليها من الأصدقاء داخل الفيلم وخارجه. الكاميرا هي هذه المسافة. وأنا بالنسبة إليهم لست عدواً ولا صديقاً بالمعنى الفعلي للكلمتين. المهم بالنسبة إلي هو رصد هذه السير كما يراها أصحابها. فمن يملك موقفاً من ابراهيم لن يغيّر الفيلم رأيه. ثمة فارق بين أن يخرج أحدهم من العرض ويقول لابراهيم مثلاً "كنت أكرهك وصرت أحبك" وبين أن يقول له "كنت أكرهك ومازلت أكرهك ولكنني استطعت أن أسمعك".

·         [ أخيراً، أود أن أسألك كيف شاهد الناس الفيلم بين لبنان والبندقية وأبوظبي ونيويورك وقرطاج؟

- لعل ما سأقوله يعبّر أكثر عن كيف أود أن يشاهدوه. ولكن النقاش الذي دار بعد الفيلم في باريس مثلاً أكّد لي أن الدخول في تفاصيل السياسة وعلى مستوى محلي يمكن أن يصل إلى مشاهد ذي تجربة مختلفة تماماً. غالباً ما تنطلق الأفلام الوثائقية السياسية من قضايا عامة أو تدخل التفاصيل من خلال الأزمة الفردية البحتة. هنا مسارات شخصيات تمثل زاوية صغيرة في تاريخ بلد ولكنها تروي الحرب ليس بعبثيتها وإنما بواقعيتها على أفراد. بالنسبة إلي، تتقاطع تجارب شخصيات الفيلم مع تجارب آخرين ليسوا بالضرورة يساريين وإنما عاشوا تجربة انفراط الحلم. أتمنى أن يفتح هذا الفيلم النقاش على مستوى الأفراد حول كيفية انخراطهم في مرحلة السلم الأهلي في أسس صارت أسس دولة ولكنها مازالت طائفية.

المستقبل اللبنانية في

04/03/2011

 

لوتشينو فيسكونتي مستعاداً في بيروت:

الأرستقراطي الماركسي والواقعي الميلودرامي

ريما المسمار 

عشرة أفلام من أصل أربعة عشر، هي المنجز السينمائي الروائي الكامل للمخرج الإيطالي لوتشينو فيسكونتي (1906-1976)، تستضيفها "متروبوليس" على مدى الأيام العشرة المقبلة، في استعادة تنطلق مساء اليوم بأحد أشهر أعماله، "الفهد" (The Leopard)، بنسخته السينمائية المرمّمة.

عندما أنجز لوتشينو فيسكونتي "الفهد" في العام 1963، كان في منتصف مسيرته السينمائية، متجاوزاً تماماً الواقعية الجديدة التي انطلقت مع باكورته السينمائية "هوس" (Obsession، 1942) وترسّخت مع "سوف تنتفض الأرض" (The Earth Will Tremble، 1947)، ليعود إليها مرة أخيرة في "روكو وإخوته" (Rocco and his Brothers، 1960)، بعد إبحار قصير في مزيج من الواقعية والرومنسية في "حس" (Sense، 1954). المرحلة الجديدة التي افتتحها "الفهد"، كانت مرحلة الأفلام الشخصية والتاريخية التي حملت إعلاناً واضحاً عن موت النظم الإجتماعية، بما يفسّر سطوة عناوين مثل الإنتحار والقتل والكوليرا عليها. ولكن الخراب الذي صورته تلك الأفلام، لم يكن يوماً طبيعياً أو عضوياً أو مفهوماً. حتى عندما نفهم مسبباته، لا نتوانى عن التحديق غير مصدّقين في الكارثة وتوابعها. من بينها، يبقى "الفهد" الفيلم الأكثر ذاتية بين أفلام السينمائي وربما اشهرها على الإطلاق. تروي الأحداث المقتبسة عن رواية جوسيبي توماسي دي لامبيدوزا التي نشرت في العام 1958بعد وفاة كاتبها وترجمت إلى كل اللغات الأوروبية، مصير الأمير فابريزيو سالينا وعائلته خلال مرحلة توحيد إيطاليا في ستينات القرن التاسع عشر. جمع الفيلم الممثلون بورت لانكاستر وآلان ديلون وكلاوديا كاردينالي وباولو ستوبا. ويبقى المشهد الختامي الذي يربو على نصف ساعة واحداً من أكثر المشهديات السينمائية رسوخاً في الذاكرة. عرض الفيلم في مسابقة مهرجان كان السينمائي في العام 1963 وحاز السعفة الذهب.

شكّل فيسكونتي حالة سينمائية شديدة التناقضات في زمنه، على الصعيدين الشخصي والمهني. كان ارستقراطياً وماركسياً، سيد الواقعية الفجة والميلودراما الباذخة في آن معاً. المخرج المولود في عائلة ارستقراطية شديدة الثراء في ميلانو، بدأ حياته مربياً لخيول السباقات ولم يتجه إلى السينما إلا بعد بلوغه الثلاثين، عندما هرب من إيطاليا الفاشية في العام 1936 إلى باريس. هناك، خطا خطوته الأولى على طريق السينما بفضل شخصين: مصمّمة الأزياء كوكو شانيل التي قدّمته إلى الشخصية الثانية التي ستؤثر في تحول مساره، السينمائي جان رينوار. في باريس، اشتغل فيسكونتي على العديد من أفلام رينوار، من بينها Partie de Campangne (1936) كمساعد مخرج ومصمم أزياء. في هذه المرحلة أيضاً، تأثّر، وخلافاً لتربيته الأرستقراطية، بالفكر الماركسي الذي سيعتنقه إلى نهاية حياته وسيشكّل اسلوبه السينمائي القادم. مع عودته إلى إيطاليا في مطلع الأربعينات، كانت الأجواء قد أصبحت ملائمة لدخول معترك السينما بأفكاره السياسية الجديدة، التي وجد انعكاسها على أرض الواقع في بلده الممزق بعيد الحرب العالمية الثانية. هكذا أنجز فيلمه الأول "هوس" المستوحى من رواية "ساعي البريد يدق دائماً مرتين" لجايمس كاين. حقق الفيلم نجاحاً كبيراً في إيطاليا على الرغم من تعرّضه لرقابة شديدة من نظام موسوليني.

فيلمه التالي، "سوف تنتفض الأرض" (5 آذار، 7 مساءً)، المقتبس أيضاً عن عمل أدبي (رواية جيوفاني فيرغا I Malavoglia) كان تعبيراً مباشراً عن مواقفه السياسية من خلال حكاية الطبقة العاملة في قرية صقلية صغيرة تعتاش من صيد السمك، تحاول كسر احتكار تجار الجملة. عبر الموضوع نفسه إلى فيلمه الطويل السادس "روكو وإخوته" (9 آذار، 7 مساءً)، ولكن هذه المرة من خلال حكاية عائلة تنزح من الجنوب إلى الشمال الصناعي الذي سيشهد على انحلالها.

في "جميلة" (1951، 6 آذار، 8 مساء)، أعمل فيسكونتي حسه النقدي في أجواء الصناعة السينمائية، من خلال حكاية ممثلة مسرحية تقود ابنتها إلى "شينيشيتا" مدينة السينما للمشاركة في مسابقة أجمل فتاة في روما. وفي "حس" (7 آذار، 8 مساءً)، فيلمه الثالث، جلب مواهبه المسرحية التي سارت جنباً إلى جنب مع تجاربه السينمائية، لتقديم فيلم ميلودرامي، مع التزامه التحليل الماركسي لماضي إيطاليا الإشكالي. ومنذ ذلك الحين، ستتحول أفلام فيسكونتي إلى مزيج من المواضيع المعاصرة من جهة والتأمل في الماضي وفي عالم مفقود ترك بصمته على الحاضر، من جهة ثانية.

العائلة هي المحور الأساسي في أفلام فيسكونتي، مصوّراً تفكك العائلات الكبيرة أو انهيار العلاقات الثنائية والقضايا السياسية، والخيانة موضوع يتكرر في الكثير منها. وعلى الرغم من أن أفلامه لا تقدّم نهايات سعيدة في معظم الأحيان، إلا أن أفلامه الأولى حملت شيئاً من الأمل، بينما اتجهت أفلامه الأخيرة إلى سوداوية، تترافق مع مواضيع الحزن والشيخوخة والمرض والموت. خاض فيسكونتي بأفلامه صراعاً دائماً بين التطور والنوستالجيا، متجهاً إلى تفضيل الأخيرة في أعماله الأخيرة ومنتقداً بوضوح قيمة التطور، كما يظهر جلياً في "الفهد"، حيث يحاول الامير "سالينا" من خلال الزواج المدبّر إنقاذ مستقبل عائلته عن طريق الجمع بين الأرستقراطية القديمة وأموال البورجوازية الجديدة.

على الرغم من ممارسته العلنية لمثليته الجنسية، قلة من أفلامه عالجت موضوع المثلية مع الإستثناء الكبير بالطبع الذي يمثله "الموت في البندقية Death in Venice (1971، 10 آذار، 8 مساءً) الذي يقف على قدم المساواة مع "الفهد" من حيث الشهرة والتأثير. في هذا الفيلم المقتبس عن رواية توماس مان، يلعب ديرك بوغارد شخصية الموسيقي غوستاف أتشنباخ، المنغلق على ذاته. ولكن براءة فتى وجماله يوقظان في داخله سر المثلية الدفين. لم تكن معالجة فيسكونتي لتيمة المثلية منطلقة من ليبرالية. الأخيرة، بتطعيمها المناخ العام منذ أواخر الستينات، أتاحت له طرق الموضوع إنما من زاويته الخاصة جداً. الحب بين شخصين من جنس واحد، كما يطرحه فيسكونتي، شغف وفتنة، ترافقهما الوحدة والعزلة.
في آخر أفلامه، "البريء"
The Innocent (1976، 13 آذار، 8 مساءً)، عاد إلى موضوع الأرستقراطية في قالب ميلودرامي. ولكن فيسكونتي توفي جراء ذبحة قلبية في نفس العام قبل استكمال المونتاج.

في كل أفلامه، بصرف النظر عن زمنها وموضوعها، تتلازم المشهدية الضخمة مع التفاصيل الواقعية والرؤية التاريخية والنفسية. وعلى الرغم مما حملته أفلامه من أفكاره وتجاربه، إلا أن لم يصنع أفلاماً لنفسه أبداً، وإنما دائماً صنعها لجمهور. من هنا كانت معظم أفلامه مثالاً نادراً على الفن والجماهيرية، مجتمعين في إطار عام لا تنازلات فيه ورؤية كلية، انسانية وسياسية واجتماعية، أراد مشاركتها الجمهور.

ر.م.

في برنامج الإستعادة ايضاً: "قطعة محادثة" Conversation Piece (1974، 11 آذار، 8 مساءً)؛ "ليالٍ بيضاء" White Nights (1957، 8 آذار، 8 مساءً)؛ الشريط القصير "عمل" Work (1962، 13 آذار، 7 مساءً)؛ "لودفيغ" Ludwig (1972، 12 آذار، 7 مساءً).

المستقبل اللبنانية في

04/03/2011

 

المهرجان اللبناني الأول للسينما والتلفزيون:

 جهُد نقابي .. ودعم رسمي خجول

سالم زهران 

افتتحت أمس أعمال المهرجان اللبناني للسينما والتلفزيون في لبنان، في قاعة قصر الأونيسكو في بيروت، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال سليم وردة ممثلاً بالمخرج غسان ابو شقرا، وحضور نقيب الفنيين السينمائيين المخرج صبحي سيف الدين، وأعضاء مجلس النقابة، وعدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعرب، في ظل غياب النقابيين والفنانين المصريين، بفعل حالة الإرباك التي تعاني تلك النقابات بعد «ثورة 25 يناير».

يتضمن المهرجان أكثر من 19 فيلما، من لبنان والدول العربية، بينها أفلام السينما الطويلة والقصيرة، وأفلام التلفزيون الطويلة والقصيرة. عرض منها أمس سبعة أفلام. فيما تستمر بقية العروض خلال اليومين المقبلين.

وتتألف لجنة التحكيم من: رئيس اتحاد المنتجين السعوديين، رئيس اتحاد المنتجين الخليجيين، الأمين العام لاتحاد الفنانين العرب، ورئيس صندوق التعاضد اللبناني المخرج جورج نصر. بالاضافة الى عدد من النقّاد السينمائيين اللبنانيين والعرب.

كما سيتم توزيع الجوائز لأصحاب الأفلام الفائزة في فندق «الكوميدور»، خلال حفل عشاء في الخامس من الجاري. كما سيتم تكريم عدد من الوجوه السينمائية اللبنانية والعربية من أصحاب التجارب المُميزة.

تخللت الافتتاح كلمة لنقيب الفنيين السينمائيين المخرج صبحي سيف الدين قال فيها: «إن هذا المهرجان هو الأول من نوعه على مستوى لبنان والعالم العربي، الذي تتبنّاه النقابة، على أمل أن نكون قد وضعنا هذه السنة، رغم الظروف الصعبة، الحجر الأساس عربياً وآسيوياً».

وأضاف: «هذه البداية ونأمل أن يشكل مطلع شهر آذار من كل عام موعدا ثابتا للمهرجان السينمائي والتلفزيوني اللبناني، في محاولة لتحريك حركة الإنتاج في لبنان. بالإضافة الى الإنتاج المشترك بين الدول العربية والدول المحيطة».

وأوضح سيف الدين لـ«السفير» أن المهرجان جاء بناء على جهد للنقابة، فيما اقتصر اهتمام الدولة على الدعم الخجول، في وقت تدعم فيه دول أخرى مهرجاناتها المماثلة، وخصوصاً ايران.

يُشار إلى ان المهرجان تأخر عن موعده المقرر في الأول من آذار، لظروف صعبة واجهت المنظمين بفعل الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا. بالإضافة الى حال الإرباك الرسمي اللبناني في ظل حكومة تصريف الأعمال، وعدم تقديم المساعدة المالية المطلوبة للمهرجان من قبل وزارة الثقافة.

ومن أبرز الأفلام التي عرضت أمس بعيد الافتتاح: «رقصة غراب» للمخرج السوري علاء الشعار، «خروج» للسعودي توفيق الزيدي، «فينك اليام» للمغربي ادريس الشيوكي.

أما لبنانياً فمن الافلام المعروضة الوثائقي «الحرب الأمنية» من إنتاج «الجزيرة» للمخرج بلال خريس.

وستعرض اليوم عند الرابعة عصراً في قاعة «الأونيسكو» الأفلام التالية: «المنسيون» للمغربي حسن بن جلون، «القرار» للسوري فيصل بن مرجد، «سموني شرين» للبنانية روان قاسم، «أهلية بمحلية»جورج طربيه، «جنوب افريقيا» يوس دركس، «مخايل نعمة»عمل اوكراني - لبناني مشترك، و«دعاس وجربوعة» لبتول مرعي.

ومن المقرر أن يعرض غداً السبت: «شحنة الدماغ» للسوري احمد حسان، «العدو المقاتل» أحمد فاروخ، «الموت شرقاً» للعراقي بهاء الفاطمي، «غريزة محرمة» للمصري اسلام الحصري.

السفير اللبنانية في

04/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)