حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يرى أن الفترة المقبلة ستشهد ثورة تصحيح للدراما

حسين فهمي: عمري الافتراضي على الشاشة لم ينتهِ لكن لكل زمان نجومه

القاهرة ـــ دار الإعلام العربية

على الرغم من ابتعاد معظم أبناء جيله عن الساحة؛ لعدم وجود فرصة للظهور تناسب تاريخهم في مجال التمثيل، إلا أن حسين فهمي، ممثل مصري من أصل شركسي، لايزال موجودا بقوة على الساحة سواء في الدراما أو السينما، بسبب ذكائه الفني الذي قاده للظهور كضيف شرف في فيلم «لمح البصر» أو الدور الثاني في مسلسل «الصفعة»، الذي يعرض في رمضان المقبل، على الرغم من تجسيده دور البطولة المطلقة في عمل آخر يتم الاتفاق عليه حالياً.

وفي حواره مع «الحواس الخمس» أكد فهمي أن هذا أمر طبيعي، موضحا أنه من أكثر الفنانين إيمانا بأن لكل زمان جيله وأنه لابد من منح جيل الشباب فرصته لينال حظه من النجومية، وذلك بمساعدة الكبار أيضا.. تفاصيل أكثر عبر الحوار التالي.

·         سألناه في البداية عن سبب قبوله أداء الدور الثاني على الرغم من نجوميته التي ترشحه للدور الأول؟

في الحقيقة مشاركتي في مسلسل «الصفعة» ليست دورا ثانياً، كما نشرت بعض المواقع الإلكترونية؛ لأن المسلسلات الوطنية التي تحكي بطولات رجالنا في عالم الجاسوسية لا تتناسب مع فكرة البطل الأوحد، فالعمل يضم عدداً كبيراً من النجوم كل منهم بطل في دوره والدليل على ذلك مسلسل «رأفت الهجان» فكل أبطاله كانوا نجوماً، حتى الذين ظهروا كضيوف شرف؛ لأن البطولة الجماعية هي عنوان هذه النوعية من الأعمال بلا شك.

·         وهل المسلسل قصة حقيقية أم من خيال المؤلف؟

قصة حقيقية من واقع ملفات الجاسوسية المصرية، تدور قصته بعد نكسة 1967 حول شاب يهودي ولد في مصر وسافر إلى إسرائيل وتم تجنيده من قبل الموساد للتجسس على مصر والإضرار بأمنها، لكن يتمكن جهاز المخابرات المصري من كشف أمره وإجهاض العملية.

تجنيد حسين فهمي

·         وما دورك في المسلسل؟

أجسد دور مدرس لغة فرنسية ولد بحي الظاهر الشعبي تسيطر عليه فكرة السفر لإسرائيل، وهناك يتم تجنيده لصالحها ويقوم بتغيير اسمه إلى «باروخ زكي مزراحي» ويظهر كشخص متعدد العلاقات النسائية إلى أن يقع في حب فتاة أجنبية هي شيرين رضا، ويظل محط أنظار ضابط المخابرات المصري إسماعيل نادر الذي يجسد شخصيته شريف منير.

·         ولماذا تم اختيار قصة باروخ بالذات من بين قضايا الجاسوسية؟

هذه القصة بالذات ثرية بالأحداث، كما أنها تتناول صراعاً ومواجهات بين الجاسوس والضابط، حيث يتضح خلال تلك المواجهات حكمة المخابرات المصرية ودهاء الموساد قبل أن تنجح المخابرات المصرية في التقاط الجاسوس بعد معركة صعبة تشهد الدم والموت والهروب والذكاء والسفر بين عدة دول عربية وأفريقية وأوروبية.

رحلة مع الموساد

·         من واقع خبرتك الفنية.. هل تعتقد أن المسلسل يقدم جديداً في عالم دراما الجاسوسية؟

أحداث المسلسل تكشف للمرة الأولى تفاصيل مهمة لرحلة التجنيد بالموساد وكيفية عمل غسيل مخ لعقلية المجند وتحويله من خانة المواطن إلى خانة الجاسوس عبر إعادة تأهيله بتصدير الوهم الصهيوني الذي تجسده الفكرة المزعومة أرض الميعاد.

·         وهل تتوقع أن يتعرض المسلسل لمشاكل متعددة كما حدث مع «عابد كرمان» العام الماضي الذي لم يجد فرصة للعرض؟

الأمر مختلف تماماً فالمسلسل أشادت به الجهات الرقابية وكل ورقة في السيناريو تحمل توقيع اللجنة، وللعلم العمل يحظى بترحيب وإشادة وروح رائعة أتمنى أن تنعكس على شكل العمل خلال فترة العرض.

·         ألا تعتقد أن عرضه متزامنا مع «عابد كرمان» قد يضر بنسبة المشاهدة؟

«الصفعة» يختلف تماماً عن «عابد كرمان»، ويدور في إطار مختلف عنه، حيث يحمل قدرا كبيراً من الإثارة والتشويق والمراوغة، ولن يتأثر مطلقاً بعرض 5 أعمال مخابراتية في وقت واحد.

·         هل تعتقد أن تقديم شريف منير من قبل لشخصية الجاسوس وتقديمه لشخصية الضابط في «الصفعة» قد يؤثر على نسبة مشاهدة العمل؟

بالعكس شريف منير أجاد في تقديم دور الجاسوس واستحق عليه لقب نجم وكان من الممكن أن يؤدي بالمسلسل إلى أزمة حقيقية لو أعاد تقديم شخصية الجاسوس، وأعتقد أن منير من النجوم الذين يستطيعون الإمساك بخيوط الشخصية بجدارة وهذا بالطبع في صالح العمل الفني.

·         نشرت بعض الصحف أخبارا عن مسلسل جديد لك مع المنتج محمد فوزي.. حدثنا عنه؟

هذا المسلسل لايزال في مرحلة الكتابة وسوف يكون مفاجأة للجمهور، ومن المقرر أن تقوم الفنانة دلال عبد العزيز بمشاركتي البطولة، ولم نستقر حتى هذه اللحظة على باقي فريق العمل، حيث يقوم المخرج حسنين عمارة حالياً باختيار أماكن التصوير.

·         ألا ترى أن تصوير مسلسلين في وقت واحد قد يؤدي إلى تكرار مشاكلك مع الجهات الإنتاجية كما حدث العام الماضي؟

لم أخل بنظام العقد كما أشاع المسؤولون بمدينة الإنتاج الإعلامي العام الماضي خلال تصوير حلقات مسلسل «بابا نور»، حيث لم أتأخر دقيقة واحدة عن موعد تصوير أي مشهد في المسلسل الذي كان يتم تصويره متزامناً مع مسلسل «المكتوب على الجبين»، لكن ما حدث كان محاولة للإخلال بالعقد حتى لا أحصل على باقي أجري.

·         لكن مدينة الإنتاج الإعلامي اشترطت عليك عدم المشاركة في أي مسلسل آخر حتى لا يضر بالناحية التسويقية لـ«بابا نور»؟

هذه الاتهامات باطلة؛ لأن مسلسل «المكتوب على الجبين» لم يعرض في رمضان وتعاقدي مع مدينة الإنتاج الإعلامي لا يمنعني من المشاركة في أي عمل آخر ما دام لا يتعارض مع الناحية التسويقية، وكان شرطهم الوحيد عدم التأخر عن التصوير وأتحداهم إثبات أنني عطلت التصوير دقيقة واحدة.

·         ألا ترى أن تلك المشاركة أثرت بالفعل في توزيعه؟

هذا الكلام غير صحيح؛ لأن المدينة هي المسؤولة عن التقصير في تسويق المسلسل وتوزيعه، وأعتقد أن «بابا نور» أخذ حقه في العرض أكثر من عشرات الأعمال الفنية، حيث تم عرضه على 6 محطات فضائية ولايزال يعرض حتى هذه اللحظة وحقق مكاسب تفوق إنتاجه بـ10 مرات على الأقل، ومع ذلك ترفض المدينة منحي الدفعة الأخيرة من الأجر المتفق عليه، لكنني لن أتنازل عن حقي حتى لو اضطررت للجوء للقضاء.

القيمة الفنية هي معيار النجاح

·         بعيداً عن مشكلتك مع مدينة الإنتاج الإعلامي، ما رأيك في رفض اتحاد الإذاعة والتليفزيون شراء مسلسل نجوم الأجور الفلكية؟

أعتقد أنه قرار سليم وصائب وسيعيد الأمور لنصابها الصحيح؛ لأن الأجور قد انفلتت بالفعل خلال الفترة الأخيرة، فالأمور لا يمكن أن تستمر بهذا الوضع أبداً؛ لأنها تمثل خطراً على صناعة الدراما، وأعتقد أن الفترة المقبلة ستكون بمثابة ثورة تصحيح للدراما.

·         وبما تفسر الأجور الفلكية التي يتقاضاها النجوم حالياً؟

أعتقد أن جميع الأجور التي تم الإعلان عنها لو صحت ستكون مخالفة للمنطق؛ لأن العملية الإنتاجية محسوبة بدقة ومعروف الربح الذي يحققه أي مسلسل من عائد التسويق بعد دفع الأجور ونفقات التصوير؛ لأنها لو تعارضت مع المنطق ستلحق بالجهات الإنتاجية أذى كبيرا وتؤدي في النهاية إلى تدميرها.

·         هل أنت مع أم ضد فكرة النجومية على قدر الأجر؟

القيمة الفنية هي معيار النجاح، فكثيراً ما يتقاضى نجم أجراً كبيراً ومبالغا فيه ويظهر في العمل دون المستوى بأداء ركيك ولا يرقى إلى ممثل دور ثالث أو حتى كومبارس، ويحاول افتعال المواقف لتصحيح وضعه، لكن الجماهير والنقاد تكشفه بسرعة؛ لذلك أنا ضد هذه المقولة.

·         هل معنى ذلك أنك لا تشترط مبالغ خيالية؟

أتحدى من يثبت أنني اشترطت أجراً مبالغاً فيه منذ أن وطأت قدماي الوسط الفني سواء في السينما أو الدراما، وأعتقد أن مسألة الأجور عرض وطلب، فإذا كان هناك طلب على نجم أو نجمة ارتفع أجره، وأنا اطلع دائماً على أجور النجوم في مصر والوطن العربي والدول الأجنبية وأجد أن أجري معقول للغاية مقارنة بتلك الأجور، لاسيما وأن عمري الافتراضي لم ينتهِ بعد.

البيان الإماراتية في

04/03/2011

 

فيلم «سوكر بنش» التمثيل شيء هامشي

هوليوود... حينما تذهب بعيداً في الخيال

عبدالستار ناجي 

احياناً كثيرة، تسأل نفسك حينما ينتهي الفيلم، لماذا كل هذا، ويأتي الجواب، انها الصناعة!

وحينما تؤمن شركة كبرى، مثل «وارنر براذر» كل الامكانات من اجل عمل سينمائي من نوعية افلام المغامرات، فإن المغامرة تكون هي الهدف، والتقنيات هي الاساس، وعندها يتحول التمثيل الى هامش... ولربما شيء غير اساسي امام مساحة الدهشة التي تقدمها التقنيات، وايضا الخيال الذي ينطلق بعيدا، في فضاء صعب المنال، يدهشنا بتقنياته، وحرفياته، واستعراضه الذي لا يمكن ان يبلغه انتاج، لا يمتلك اسناداً بمستوى الاسناد العالي الذي تقدمه ستديوهات وارنر براذر.

فيلم «سوكر بنش» او «مصاصة الكلمات» او «متحدية الكلمات» او غيرها من الصناديق التي تكتشف حينما تشاهد الفيلم، اننا امام حبيبة تتحول الى بطلة خارقة، لان الفيلم يريد لها ذلك.. عبر رحلة هي في حقيقة الامر، رحلة لتقول هوليوود، ومعها المخرج زاك سيندلر، انه مخرج يمتلك ادواته وحرفته، ومن يتذكر فيلمة «300» يعلم جيدا، التقنيات التي يستخدمها، لتطوير كل شي، من اجل ايصال الفكرة عندها تنسى كل شيء، حتى اسماء النجوم، ويظل ما هو حاضر.. هو التقنيات المدهشة.

بعيدا عن تلك المقدمة تعالوا نذهب الى ذلك الفيلم، الذي حدد له العرض في الاسواق العالمية نهاية مارس.. فماذا يقول.

حبيبة جميلة «بيبي دول» - «ايميلي براوننغ» تفقد والدتها وتتعرض لشيء من القسوة من قبل زوج والدتها، الذي يجبرها على العودة الى العالم الذي جاءت منه، حيث يتم الدفع بها الى احد السجون هناك، وتبدأ معاناتها في ذلك السجن القاسي، ولكن ارادة التحدي التي تمتلكها وتتطابق مع ارادة مجموعة من الفتيات، يحاولن الهروب.

وتكون مهمتها من اجل الحصول على جدتها، استرداد خمسة عناصر اساسية وهي «خريطة - نار - سكين - مفتاح - وشيء غامض مجهول»

رحلة الى عوالم الدهشة والمخلوقات الغربية والحروب الطاحنة.

خيال خصب، ينطلق من ذاكرة تلك الصبية، من اجل بلوغ الحرية، وهي كلها تجاوزت محطة، وحصلت على احد العناصر، تزايدت مفردات التحدي، والمواجهة والعنف. رحلة تحبس انفاسها، وانفاس المشاهدين بالذات من «الشباب»، حيث يتوجه هذا الفيلم لتلك الشريحة، التي تجد فيه الخيال الجامح.. واللهاث وراء الدهشة المحفوفة بالمخاطر.. والمتاهات الموجعة. رحلة.. ننسى خلالها ملامح وجوه الفتيات «بيبي دول» وصديقاتها «ويجسد الشخصيات بالاضافة الى ايميلي بروننغ كل من ايبي كورنيس وجينا مالون وفينسيا هيدجنز...».

مشهديات تجعلنا نتساءل، اين الخيال واين حدوده، واين الواقع والحقيقة وحدودهما؟.

تحدٍ حقيقي للارادة.. وللذات، من اجل الحرية، ومن قبلها البقاء.

رحلة الفرح.. والارادة، وايضا النضال من اجل الحرية... وفي المقابل كم من المغامرات المتخيلة مع اشرار من عوالم لا عرف الفضاءات التي نتمنى لها، سوى الخيال الفارق في التخيل.

حرب ضد كل شيء، تتصدى له تلك الفتاة مع صديقاتها عبر رحلة مشبعة بالغموض.. والموت.. والدماء.. والتضحيات.. لان للحرية ثمناً.

وحينما يتم استدعاء الخيال، نشاهد كل شيء، الشخصيات المشوهة.. والثعابين.. والساموراي. وتظل تلك المجموعة من الفتيات، يعتمدن على دعم رجل حكيم يجسد الشخصية «سكوت جلين»، والذي يحاول ان يدلهم على طريق الحرية... ونستطيع ان نقول، ان سكوت جلين الوحيد الذي كنا نشعر بتمثيله وسيطرته على الشخصية، بينما الاخريات كن يمثلن بأجسادهن المثيرة.. وبملابسهن.. وازيائهن.. ولربما رموشهن المستعارة... وعدساتهن... وكل ما يسمح بتطوير لغة الاثارة.

النهاية هي الحرية، وعندها لا نتساءل كم سقط من الضحايا.. وكم سارت تلك الرحلة وكم من العوالم مرت عليها ودمرتها.. وتجاوزتها، من اجل ان تبلغ الحرية الحلم.

وتعود ايضا الى المخرج زاك سينلدر، الذي يستحضر جميع الامكانات والتقنيات، ومن يتأمل رصيده السينما، يجد «300» و«سقوط وموت» وهو دائما يعتمد على التقنيات، حيث التمثيل الحي هامش.. وحيث النجوم الذين يمتلكون ادواتهم وحرفتهم قلة، امام مجموعة من الصبايا الجميلات.. فقط.. تتقدمهم الصبية الاسترالية الجميلة ايميلي براوننغ.

وحتى لا نطيل... فيلم يصلح للشباب والاحداث والمراهقين.. لانه يذهب بهم الى عوالم الخيال المجنح.. والذي لا تحده حدود.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

04/03/2011

 

ثقافات / سينما

عودة الى كلاسيك السينما (7): قتلة السيدة

حميد مشهداني من برشلونة:  

أولا، أود ان يكون تقديمي لهذه المقالة مناسبا، فالأفلام الرائعة ترافقنا دائما مع ذكريات تتراكم في الذهن، ونعود إليها كل مرة نشاهد فيها الشريط من جديد، في نهاية السبعينات كنت أسكن حي “كنج كروس” في “لندن” لبضعة اسابيع مع صديقة أميركية موسيقية في غرفة بائسة، ولكنها الآن في ذاكرتي من أجمل غرف حياتي، كانت في بيت يقع بجانب نفق السكك الحديدية التي تنتهي في محطة قطارات “كنج كروس” العتيدة، وكما في الفيلم كان الدخان والضجيج صفة يومية لهذا المكان، وبعد الضيق من هذا الصخب القطاري انتقلنا الى مكان أكثر صخبا، الى “بركستون” وهناك وجدتني في وسط الاحتقان العنصري الذي عاشته “لندن” تلك السنوات، وهذا ما أثار في ذكريات ايامي في “بغداد” حيث لم يخلو يوم واحد من حياتي اثناء الدراسة الاعدادية والاكاديمية من هذه “الهوسة” السياسية، وانتهينا محتلين بيوتا فارغة قمنا بتحصين أبوابها ونوافذها امام أعين الشرطة التي كانت تراقبنا عن كثب، ووجدت نفسي وسط مظاهرات، وصخب عنصري، وكنت مثل “أطرش في الزفة” حسب المثل البغدادي، ولكنني سرعان ما استفدت من هذه التجربة الجديدة خصوصا فيما يتعلق بحرية التعبير، وكانت ذكرى جميلة رغم بؤسها المادي وفقرها فكنا نقتات على مساعدة أحزاب اليسار المتطرف من خوارج البرلمان، والتجمعات الفوضوية التي ارتبطت معها منذ أيام اقامتي في برشلونة.

بعد عودتي الى مدينتي في أسبانيا رجعت الى مهنتي في التدريس التي كنت أود نسيانها، وبعد سنوات دعتني صديقتي الطيبة الروائية “هيفاء زنكنة” الى “لندن” لأرد لها زيارتها لي في “برشلونة قبل ذالك بقليل في عام 1984، في منزلها الواقع في “هامبستيد” شمال لندن انذاك، وبعد حفلة جميلة حضرها العديد من الاصدقاء، استيقظت فجر اليوم التالي لارى من نافذة الغرفة ان الدار كانت قائمة فوق نفق للقطارات، وكلها تقود الى محطة “كنج كروس” والفرق هو ان بيت “هيفاء” كان محصنا بنوافذ خاصة ضد الضجيج .

ولكنني بصدد الحديث عن أحد اهم أفلام صناعة السينما البريطانية “قتلة السيدة” 1955 الذي انتجته ستوديوهات “ايلنغ” التأريخية والتي اغلقت ابوابها مباشرة بعد انتاجه لفترة طويلة، ولكن التصوير الخارجي في معظمه كان في الحي الذي سكنته فبل سنوات في حي كنج كروس في “شارع ارجايل” هذا الحي الذي لم اتوقف المرور به كل مرة ازور فيها “لندن و أتذكر ذالك البيت السوريالي الغريب ذي الواجهة من الطراز الفكتوري مع حديقة خلفية تطل مباشرة على نفق القطارات، وهذا كان من اهم عناصر سيناريو الفيلم، حيث تخيل “البروفيسور ماركوس” رئيس العصابة ان نجمة الحظ السعيد سقطت في يده حين تعرفه على السيدة ”ويلبرفورس” الارملة العجوز صاحبة منزل لامثيل له فهو واسع ذو حديقة خلفية تطل على النفق، ويقع قريبا من المحطة المشهورة والتي ستكون مسرحا لمغامرات العصابة والسيدة بدورها تنطبق تماما مع خطط البروفيسور الشريرة .

الممثل “أليك غينيس” 1914-2000 يقوم بأجمل أدواره باعتقادي، مقارنا اداءه الرائع في العديد من الافلام المهمة مثل “لورنس العرب”و “الجسر على نهر كواي” و حتى “الدكتور زيفاكو” و كلها أخرجها الاسطوري “ديفيد لين” 1908-1991 والتي حصدت العديد من جوائز الاوسكار، فنحن امام “كوميديا سوداء” بريطانية بسيطة، ولكنها غنية في التعقيد والتركيب في سيناريو تبناه “وليام روس” 1914-1987 عن عمل مسرحي ثانوي معتمدا السلوك والحديث اللندني اليومي البالغ التهذيب واضعا مركز هذا في شخصية سيدة عجوز ثمانينية العمر و أرملة بحار منذ ثلاثة عقود، الطيبة “ويلبرفورس” اللحوحة والملحة في كل شيء، فهي على الدوام تشكو من هذا ومن ذاك، ورجال مركز الشرطة القريب كانوا متعبين من زياراتها اليومية للحديث معهم في كل ما هب ودب، مما جعل هؤلاء الاستماع كل ما تقول على مضض، ثم عطائها الحق في كل ما تقوله، و بعد دفع مهذب بريطاني يودعها الشرطي في الباب متمنيا لها يوما سعيدا، ولكن في الكثير من الاحيان “طيبة” هذه السيدة ليس في مكانها ولا في وقتها المناسب، فيبدأ الفيلم حينما تحاول مداعبة طفل رضيع في عربته لينتهي هذا الاخير مرعوبا صارخا كأنه رأى وحشا .

البرفيسور ماركوس “اليك غينيس” بعد ان يعرف حاجتها تأجير غرفة في منزلها يتبعها يصمت يثير الذعر أولا ولكن بعد دخوله المنزل مقدما نفسه كعازف الة وترية هاوي ومع رفاقه الاربعة سيكون سعيدا بتأجير الغرف العليا للدار، وتفرح السيدة بسبب طيبتها، وهذلها الثمانيني ليبدا المأزق المحير للسيدة وللعصابة في نفس الوقت، فخطة “ماركوس” ذي الاسنان المركبة والقبيحة، وعيونه الجاحظة كسمك قبيح تختصر في السطو على عربة احد البنوك المصفحة في نفس الحي ثم استغلال جهل وطيبة العجوز لانجاحها، في اليوم التالي تأتي بقية العصابة بحجة انهم هواة الات موسيقية وترية فيكتمل “الخماسي” الوتري ليصطدم “بببغاوات” السيدة المسكينة من الطيور، وعددهم خمسة ايضا واهمهم كان اسمه “الجنرال غوردون” حسب تسمية السيدة له، وهذا كان طيرا رديئا سيجلب الشؤم للعصابة لاحقا.

المخرج “اليكساندر ماكيندرك” 1912-1993 الاسكتلندي الاصل - اميركي المولد يقدم فيلما ذكيا خاليا من المعضلات الاخلاقية، و العاطفية إذا استثنينا الخداع و“الطمع” الذي ينتهي بأن تتقاتل العصابة بين افرادها في الوقت الذي فيه كانت تخطط لقتل السيدة “ويلبرفورس” والتخلص منها بعد اكتشاف هذه الاخيرة خدعة هؤلاء “الموسيقيين” وتورطها في عملية سرقة دون علمها، وهي من أكثر أفراد المجتمع احتراما للقانون، والدليل على ذالك هو زياراتها اليومية لمركز الشرطة، ويصيبها الهلع وتصر على ان يعاد المبلغ المسروق، هنا تبدأ حركة الفيلم المسرحية، فيتعاقب اللصوص واحدا بعد الاخر في محاولات قتلها، ولكن الحظ المتعثر لهؤلاء لم يشأ ذالك بجانب سوء الصدف، او ربما لحسن حظها هي، ليبدأو التامر بعضهم على بعض، وهنا نلاحظ الاصل المسرحي للفيلم، والتبني له بسيناريو “وليام روس” 1914-1987 الذي حصل لاحقا على الاوسكار على سيناريو فيلم “أحزر من سيحضر العشاء؟” فهو يضع الشخصيات في حركات لاهثة وسريعة تتابعها الكاميرا بذكاء، حيث تدور معظم مشاهد الفيلم في ذالك المنزل السوريالي، الذي اتمناه قائما لحد الان، فالاحداث، وتشابك المؤامرة بين، ومع أفراد العصابة تجري داخل المنزل وخارجه، وعلى سطحه، وفي الحديقة الخلفية المطلة مباشرة على نفق القطارات الذي سيصير مقبرتهم فيما بعد، في لقطات سريعة فيها الكثير من الترقب والعنف، والتي نراها بشكل لا عنفي، وحتى يكاد ان يكون العنف مضحكا، فبعد تقاتلهم فيما بينهم نجدهم ينتهون في عربات قطارات الشحن المكشوفة التي كانت تمر بانتظام بريطاني مضبوط كل وقت .

كلهم يموتون، الواحد بعد الاخر، وجثثهم ملقية من شرفة الحديقة كلما يمر قطار بشكل طريف حيث يخفي المخرج بذكاء لحظات الموت هذه بستائر من دخان القطارات، والموت الاكثر طرافة، والاخير هو ما حدث “للبروفيسور ماركوس” حيث بعد ان ينتهي من القاء جثة أخر أعضاء عصابته منتصرا، وسعيدا مغرور، تهبط أشارة القطار الثقيلة لتصيبه في رأسه كي يسقط هو الاخر قبل ان ينتهي القطار من دخول النفق فينتهي “خماسي الموت”. بالمناسبة، هذا هو عنوان الفيلم في العديد من البلدان الاوربية، فالعصابة بقيادة “اليك غينيس” تقدم نفسها للسيدة “ويلبرفورس” باعتبارها “خماسي وتري” من هواة الموسيقى، التي لاعلاقة لهم بها على الاطلاق مما اضطرهم ان يضعوا اسطوانة لايهامها على أنهم في حالة تمرين دائم، و هذا كثيرا ما كان يثير شجون الارملة المسكينة، فتسارع بتقديم الشاي بشكل ملح كان يثير أعصاب بعضهم، موسيقى الفيلم تتلخص في اربع أو خمسة جمل موسيقية لاغير للموسيقار الايطالي “بوكيريني” 1743-1805 من سيمفونيته “مينويتو” التي نفذتها “فرقة لندن السيمفونية” خاصة للفيلم بقيادة “دوك ماثيسون” وهذه الموسيقى التصويرية رغم قلة جملها تعتبر واحدة من عناصر الفيلم الرئيسية، وكانت معزوفة على يد خماسي وتري .

كما ذكرت سابقا، الفيلم لا يطرح ولا يعالج اي قيم، انه الفكاهة البريطانية في اسمى أشكالها، فيلم مجرد يكاد ان يكون سورياليا لولا سرعة الطرافة والفكاهة الذكية والانيقة.

نرى “بيتر سيليرز” 1925-1980 شابا حيويا مؤديا دورا سيستمر به في العديد من الافلام اللاحقة، وكذالك الممثلة الثمانينية العمر انذاك، ”كاتي جونسون” 1878-1957 تقوم بدور سيدة لندنية عجوز وأرملة تتعايش مع 5 من الببغاوات وحيدة في منزل كبير، ولا تترك مناسبة الا وتتحدث فيها عن زوجها قبطان سفينة تجارية كان قد غرق بشجاعة قبل 30 عاما، ولكن طيبتها المفرطة كثيرا ما كانت تثير غيض العصابة خصوصا في الحاحها تكريم وتقديم الشاي لهذا “الخماسي المرعب” الذي كان منهمكا في التخطيط لعملية السطو اولا، ثم محاولة التخلص منها لاحقا، فهي التي تستلم المبلغ المسروق من محطة القطار تحت تعليمات ومراقبة البروفيسور “ماركوس” عن كثب، وتثير اعصاب اللصوص حينما تعود من جديد الى المحطة مع حقيبة المبلغ المسروق، لانها نسيت مظلتها أثناء حالة انذار بوليسي، ثم تنتهي متشاجرة مع بائع متجول لانها تصورته يعامل حصانا بالسوء وهذا لم يكن بريئا لانه لم يكف عن التهام فواكه البائع ويختلط الحابل بالنابل الى ان تنتهي القضية في مركز الشرطة، وبعدها يقوم رجال البوليس انفسهم بحمل الغنيمة الى منزلها بينما كان أفراد العصابة على وشك الانهيار العصبي، ولكن البروفيسور ماركوس كان أكثرهم هدوءا، كما ذكرت سابقا، انا شاهدت معظم افلام “اليك غينيس” الرائعة ولكنه باعتقادي يؤدي في هذا أجمل ادواره مع الممثل “سيسيل باركر”1897 -1971، أضخم أعضاء العصابة جسما، وأكثرهم في البلاهة والبساطة .

رغم عنوانه المرعب، لا نرى اي مشهد من مشاهد العنف، فموت “الخماسي” كان مضحكا من خلال فكاهة ذكية كما أعتاد المسرح البريطاني تقديمه، وفيما بعد صناعة السينما، والسؤال الاخير هو، من احتفظ المبلغ المسروق؟، الجواب هو كما يلي، السيدة “ويلبرفورس” تذهب الى مركز الشرطة لسرد كل الحكاية لضابط المركز الذي كان قد اعتاد على زياراتها السابقة عشرات المرات والاستماع لقصصها الغريبة والفنطازية نصحها بان تحتفظ بالمبلغ لنفسها، وتتمتع به لسعادتها، لانه في داخله كان يتصور ان هذه هي الطريقة الوحيدة لوضع حد لزيارة هذه السيدة “المخرفة” و يرافقها الى باب المركز متمنيا لها يوما سعيدا بأدب جم، فتسير الشارع وفي طريقها تمنح رسام شارع شحاذ ورقة نقدية ووجها ملئ بالفرح وخلفها الرسام يصيح إنها قد غلطت، لان ما أعطته كان كثيرا، ولكنها تتجاهله بخيلاء سعيد.

إيلاف في

04/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)