حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

إستعادة

لوكينو فيسكونتي مستعاداً في "متروبوليس"

"الفهد" بعد ترميمه: بداية النهاية يصوّرها المايسترو بنوستالجيا وروعة

هوفيك حبشيان

عندما يترك الأمير فابريتسيو الحفل الباذخ ويخرج للتنزه في أزقة المدينة، فإن ما يشارف النهاية ليس الفيلم فقط إنما مرحلة بأكملها من حياة الاريستوقراطية. الأمير الذي يضطلع بدوره برت لانكاستر، هو أول من يعيش الانهيار التدريجي لكل ما من حوله، عيناه يملأهما الاسى وخطواته تبدو ثقيلة وغير واثقة، كأنما يحمل في داخلة وزر تسليم التاريخ الى من يأتي من بعده. اللحظة تلك، التي يقترحها لوكينو فيسكونتي بقسوة وبلا حنين فارغ، تبلغ عبقرية قلّما وصلت اليها السينما. انها بداية النهاية. بعد ذلك لا يبقى أمام فيسكونتي الا ان يختم فيلمه متخلياً عن الفصل الأخير من رواية دو لامبيدوزا التي ألهمته ولم ينتظر الا خمس سنوات بعد صدورها لينقلها الى الشاشة في عمل صار مفخرة السينما الايطالية في ستينات القرن الفائت. عمل نكتشف اليوم أنه كالنبيذ، يزداد جودة مع مرّ الأيام.

من يعرف فيسكونتي جيداً، ومن سبق أن كان شاهداً لواحدة من أجمل لحظات التراث السينمائي العالمي، سيعرف ان ما نتكلم عنه هنا هو "الفهد" (1963)، الذي اقدمت المؤسسة العالمية للسينما التابعة لمارتن سكورسيزي على ترميمه وتقديمه في نسخة جديدة تبرق بالألوان والحيوات، عُرضت ضمن اطار احتفالي في الدورة الماضية من مهرجان كانّ، وكانت لنا متعة مشاهدتها عندما مرّت ثانية في مهرجان كارلوفي فاري. ثلاث ساعات وبضع دقائق من سينما تختزن موسيقى ومسرحاً وفناً تشكيلياً وصورة فوتوغرافية ورقصاً وأزياء ومناظر طبيعية وديكورات خلابة، مثلما تتضمن رؤية انسانية وسياسية ونفسية لمرحلة أسياسية من تاريخ أوروبا. هذا هو الفيلم الذي سيفتتح مساء غد في "متروبوليس" استعادة مهداة الى المايسترو (1906) قبل أيام قليلة من ذكرى رحيله الـ35. غداً، نكتشف ما هي حال النسخة بعد الجولات في بلدان عدة، على مدار الأشهر الماضية، علماً ان ترميم الفيلم تطلب اثنتي عشرة ألف ساعة من العمل. سكورسيزي يعتبر الفيلم إحدى أهم التجارب البصرية التي عرفتها السينما وأكثرها روعة. كيف لنا أن نقول عكس ذلك؟ انه فيسكونتي أيها الأصدقاء. انها السينما الايطالية بعظمتها وسحرها. انها الستينات التي كانت نقطة ضوء في عتمة التاريخ.

"الفهد"، سابع أفلام فيسكونتي الذي ينحدر من عائلة نبلاء، دخل السينما بعدما عمل مساعداً لجان رونوار. ملحمة اجتماعية يتداخل فيها العام بالخاص، الخفي يتشابك بالمعلَن، التفصيل الصغير يصارع اللقيات الدرامية الشاسعة، وهذا كله على خلفية الحوادث التي رافقت الثورة الايطالية عام 1860 ونتج منها توحيد ايطاليا عقب مجيء أنصار غاريبالدي الى صقلية لقلب النظام القديم. من عليائه الذي سيتنازل عنه قريباً، يراقب الأمير سالينا هذه التحولات. نصّ دولامبيدوزا يروي كيفية تعاطي الأمير مع التحالف الجديد الذي سيكون بين أريستوقراطية مفلسة وبورجوازية صاعدة. طبعاً، لن يكتفي بمراقبة المستجدات بعين رومنطيقية حنينية، بل سيساهم، غصباً عن اقتناعاته، في تكريس الوحدة بين الطرفين من خلال سعيه الى تزويج ابن أخيه (ألان دولون) الذي ينتمي الى عائلة أريستوقراطية عريقة من ابنة عمدة ثري (كلوديا كاردينالي)، مدركاً ان أيامه باتت معدودة، والأشرف له الانسحاب ببطء. من هذا التحول، تولد جمهورية ايطاليا الجديدة. من هنا، يولد "الفهد".

يحمل فيسكونتي نظرة نقدية الى حقبة تاريخية ذات أهمية في تكوين وعيه السياسي والفني. يلتقط فيسكونتي الزمن الذي يمرّ وانحلال طبقة اجتماعية بأكملها، مستعيناً بمدير التصوير جيوسيبي روتونو الذي استطاع جعل الفيلم جوهرة بصرية. في نظرته الكثير من الرومنطيقية تتجلى في مشهد الحفل الراقص في الفصل الأخير من الفيلم، الذي يستغرق نحواً من 40 دقيقة. فيه يبلغ ذروة فنه. نال الفيلم "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ، أيار 1963، واستطاع الفوز بتقدير النقاد والجمهور على السواء. يأتي المايسترو بإخراج في منتهى التماسك. يده صارمة وتعامله مع مختلف العناصر تعامل متقن لا يقبل كلمة "لو". هوسه بالكمال معروف، لكن هذا الهوس يثمر هنا فيلماً ذا نضج عال جداً في كيفية تزويج الحزن بالروعة، روعة الموسيقى وروعة الممثلين وروعة الاخراج، مقابل الاسى الذي يلف الشخصيات التي تحزن على هرب التاريخ من بين الأصابع. هناك طبعاً الجديد مقابل القديم، البهي مقابل القبيح، الصعود مقابل الهبوط، الشباب مقابل الشيخوخة، على هذه الجبهة يناضل "الفهد" ومعه كثير من افلام فيسكونتي.

في سنواته الأخيرة، أصيب فيسكونتي بمرض جعله يعمل من على كرسيه المتحرك، ذلك ان قدراته العقلية والابداعية ظلت هي هي حتى بعد اصابته بالمرض. اذا ألقينا نظرة على الصور الفوتوغرافية التي التقطت له حين كان يصوّر فيلمه الأخير "البريء"، فلا بد أن ننبش في ذاكرتنا لنقع على مشهد ختامي آخر، لكن هذه المرة من فيلم "موت في البندقية"، حين تودع الشيخوخة المتمثلة بشخصية درك بوغارت العنصر الشاب الذي يغويه ويريده. مجمل العمل الذي انجزه فيسكونتي على مدار حياته، من 1943 الى 1976، يقترب الى مفهوم الشيء مقابل الشيء، حدّ انه يمكن القول إن سينماه كانت صورة مخلصة لهذا المفهوم: كل بناء يحتاج الى تدمير!

(•) "لوكينو فيسكونتي: الأرض ستهتز"، من 4 الى 13 الجاري، يومياً الساعة الثامنة مساء في "متروبوليس" (أمبير ــ صوفيل). للاطلاع على جدول العروض والأفلام المختارة، أرجو زيارة الموقع الأتي:www.metropoliscinema.net

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb) 

غياب

آني جيراردو (1931 ــ 2011)

مئة فيلم وموت بالألزهايمر!

في اللحظة التي تنكبّ فيها بيروت على لوكينو فيسكونتي، يصلنا خبر وفاة الممثلة التي لاحظها جان كوكتو على المسرح قبل أن يطلقها المايسترو الايطالي في "روكو وأخواته" عام 1960: آني جيراردو التي فارقت الحياة عن 80 عاماً بعد اصابتها بمرض الألزهايمر منذ عام 2004. مَن شاهد هذه الفرنسية في أكثر من فيلم لا بد أولاً أن يتذكر صوتها السميك المميز الذي كان يمنحها نوعاً من الرجولة المقترنة بالرقة. كانت جيراردو السيدة التي يحترمها الجميع، ويحبها، ولو ان طبيعتها وتكوينها جعلاها تبقى في الهامش والعتمة لفترات طويلة من حياتها المهنية، ولا بدّ ان نتذكر دموعها عندما تسلمت جائزة "سيزار" عام 1996 عن دورها في "البؤساء" لكلود لولوش، متمتمة بضع كلمات كانت تخرج بالكاد من فمها: "هذه الجائزة تعبرّ عن حبّكم لي. وحبّكم لي يعني أنني لم أمت بعد!".

في الشخصيات التي جسّدتها منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، كانت دائماً هي: هي يعني آني جيراردو، المرأة التي تلجأ في تمثيلها الى نمط تلقائي وعفوي والى تقنية بسيطة تعتمد على الغريزة. المشكلة معها انها لم تعمل مع سينمائيي الصف الأول في السينما الفرنسية، لم تكن ناطقة بإسم جيل أو مرحلة، ولم تحمل راية، لم تلتق ببونويل كما التقت دونوف به، لكن، في المقابل، أغوت الايطاليين الذين وجدوا فيها ما لم يجدوه عند ممثلات بلادهم. فكرروا اسناد أدوار اليها، في طليعتهم ماركو فيريري وماريو مونيتشيللي والأخوان تافياني وفيسكونتي. لعبت في أكثر من مئة فيلم، أحياناً في أدوار صغيرة لا تصمد في الذاكرة، عدد منها سقط في النسيان، اذ لم يكن هدفها الا تسلية الجماهير وغزو شبّاك التذاكر، خصوصاً في حقبة السبعينات حين سيطرت الخفة على السينما الفرنسية. حتى عام 1971، ظلّ دور ناديا في الدراما العظيمة التي انجزها فيسكونتي أفضل ما قدمته للسينما: انها الفتاة المعذبة، ضحية صراع الأخوين وضحية مجتمع بأكمله. جيراردو وجدت نفسها في هذه الشخصية وتماهت معها. تقاسمت الملصق مع رجلين كان لهما مكان مهم في حياتها: الأول ألان دولون وظلّ صديقاً كبيراً لها، والثاني ريناتو سالفاتوري وعاشت معه قصة حبّ.

عام 1971 شكّل منعطفاً في مسارها اثر اضطلاعها بدور مستوحى من شخصية المعلمة غبرييل روسييه في فيلم "الحب القاتل" لأندره كايات: قصة مدرّسة تقع في حبّ احد تلاميذها، فتتهم بالتحرش بقاصر ويزجّ بها في السجن، حيث تقدم على الانتحار. الفيلم يثير بلبلة ونقاشاً واسعاً في المجتمع الفرنسي ويجذب خمسة ملايين مشاهد محوّلاً جيراردو نجمة. لكن هذا لن يمنعها من انتقاء الأدوار بنوع من عشوائية وعجل. فهنة جيراردو، كما ينقل عنها مقرّبوها، خوفها من الشعور بالملل. لذا لا تتوقف عن العمل وتشارك أحياناً في أكثر من 4 مشاريع في عام واحد. الصناعة السينمائية تنساها أحياناً ثم تتذكرها، فتعود مشرقة مستعيدة عافيتها، كما في واحدة من آخر اطلالاتها البديعة في "عازفة البيانو" لميكاييل هانيكه الى جانب ايزابيل أوبير.

هـ. ح.

النهار اللبنانية في

03/03/2011

 

مهرجان

عــــــودة الــى مـــراكــــــــــش!

الدار البيضاء - من سعيد المزواري 

قبل أن تنطلق الدورة الأولى من مهرجان مراكش الدولي للفيلم في أيلول 2001، اي بعد أيام معدودة على أحداث الحادي عشر من أيلول، بدأت رسائل اعتذار الضيوف عن عدم المجيء تهطل من كل حدب وصوب على المهرجان. كان الجو مشحونا ومحبطا إلى أبعد حدّ. وحين بدأ الشك يتسلل إلى نفوس المنظمين، جاءت رغبة الملك محمد السادس وتصميمه الكبير على المضي في تنظيم المهرجان ليطمئنا الجميع، فانعقدت الدورة الأولى وشهد كل من حضرها أنها تميزت بعبق خاص هو مزيج من شعور المهابة المرتبط بخصوصية الظرف من جهة، وموقف الالتزام المترتب عليه من جهة ثانية. حينذاك عكست مراكش للعالم وجها مغايرا تماما للعالم الإسلامي، قاطعة الطريق على من كانوا يحاولون ربط صورته بالعصور الحجرية.

هذه المقدمة عن ظروف انطلاق المهرجان وفاء لفكرة مفادها أن ظروف الولادة تنبئ بأمور كثيرة عن شخصية المولود، صحته وآفاقه المستقبلية. هي ظروف استثنائية تلك التي رأى فيها مهرجان مراكش النور، فلا عجب إذاً في أن يفصح مع توالي دوراته عن شخصية قوية وسحر خاص يميزه عن بقية المواعيد السينمائية وقدرة كبيرة على تجاوز الأزمات ليخرج بمكتسبات لافتة بعد عشر سنين على الانطلاقة. غير أن الولادة الصعبة تقترن أيضا بالتشوهات الخلقية ونقاط الضعف، ذلك ان بعض الخلفيات المتعلقة بالجهة المنظمة وجنسيات أفرادها، لا تزال تسيء الى صورة المهرجان على رغم إيماننا العميق بعقم النقاش الدائر حولها، فيما تبقى المسابقة الرسمية وبعض المشكلات المرتبطة بالتنظيم تحديات مستقبلية ينبغي للمهرجان الحسم فيها ليستحق مكاناً له بين الكبار. في ما يأتي قراءة في واقع المهرجان، آفاقه وتحدياته.

التنظيم، أداء مقنع وخلفيات مبهمة

لم يعد سرا أن مهرجان مراكش انبثق من فكرة للفرنسي دانيال توسكان دو بلانتييه الذي تقلّد أيضا إدارته حتى وفاته عام 2003، لتتولى عنه ذلك زوجته ميليتا توسكان دو بلانتييه في ظل الهيكلة الجديدة لجمعية المهرجان كمؤسسة يترأسها فعليا الأمير مولاي رشيد ويتولى كل من نور الدين الصايل وفيصل العرايشي رئاستها بالنيابة. طبعاً، نحن لا نعير أدنى اهتمام لاعتبارات وطنية ضيقة تحكم في غالب الأحيان النقاش الذي يحتدم كل سنة حول جنسية مهرجان مراكش ومدى تمثيلية المغاربة ونفوذهم داخل لجنة التنظيم وحتى تلك الأصوات المشككة (بغباء بالغ أحيانا) في مغربية الفيلم الذي يمثل المغرب في المسابقة الرسمية، وذلك إيماناً منا بكونية السينما أولا واقتناعاً بأن الكثير مما يقال في هذا المجال لا يعدو كونه لغطاً عقيماً ونقاشاً غير ذي جدوى، لا يتوافر لدى من يخوضون فيه أدنى كمّ من المعلومات ليبنوا عليها مواقفهم.

من ناحية أخرى، فعلى الرغم من أن حوارا أجرته يومية "ليكونوميست" الناطقة بالفرنسية مع الأمين العام لمؤسسة المهرجان جليل لعكيلي وضع النقاط على حروف عدة من جمل هذا النقاش حين صرح مثلا بأن 70 في المئة من فريق عمل المهرجان مغاربة وبأن من تبقى هم فرق تعمل جنبا إلى جنب مع فرنسيين في أفق نقل المهارات، وخصوصا أن المهرجان دولي، لذا فإن حضور أجانب في فريق عمله شأن منطقي في آخر المطاف. على الرغم من ذلك، فإن جوانب مبهمة أخرى عديدة لا تزال تنتظر التواصل في شأنها حتى تتضح الصورة أكثر في عيون المتتبعين وتقطع باليقين خيط الشك الذي يغذي كثيرا من الشائعات والأفكار المسبقة وحتى التخمينات المترفة، التي قد تكون الحقيقة (ولو صادمة أحيانا) أقل ضرراً منها على صورة المهرجان لدى المتتبعين من المختصين والجمهور على السواء.      

لجان التحكيم، رهان على الكونية

شارلوت رامبلينغ، جان مورو، فولكر شلوندورف، آلان باركر، جان جاك آنو، رومان بولانسكي، باري لافينسون، عباس كيارستمي، وأخيرا جون مالكوفيتش، هؤلاء ترأسوا تباعا لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الرسمية في مراكش، مما يؤشر الى رهان المنظمين على اقتدار هؤلاء، اعتبارا لما تكتسيه رئاسة المهرجان من أهمية نظرا الى دورها المباشر في صياغة التتويجات، وخصوصاً دورها غير المباشر في تكوين صورة لدى متتبعي المهرجان وخياراته الفنية. أما أعضاء لجنة التحكيم فقد عكسوا كل مرة خلفيات فنية مختلفة: إخراج، تمثيل، إنتاج (مع غياب مؤسف لتمثيلية النقد ينبغي تداركه)، وانتماءات جغرافية متعددة هي خير تجسيد لكونية السينما.

المسابقة الرسمية، كعب أخيل المهرجان حتى إشعار آخر

تبرز المسابقة الرسمية للأفلام كاستثناء بين ثوابت المهرجان، بتفاوت مستواها وباختلاف فلسفة الانتقاء من دورة إلى أخرى. الرهان على الأسماء الجديدة (نسبيا) والواعدة قد أثبت نجاحه في مناسبات عديدة نذكر منها:

- تتويج فيلم "سايدوايز" لألكسندر باين بـ"النجمة الذهبية" عام 2004، لينطلق في رحلة عالمية ناجحة ويحصد جوائز كثيرة أرفعها "أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس عام 2005.

- حصول فيلم "تيرادور" للفيليبيني بريانت ميندوزا على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 2007، في ظل تكريس هذا المخرج كأحد أهم الأسماء العالمية وحصده جوائز رفيعة في مهرجان كانّ خلال السنوات الثلاث الأخيرة

- تتويج الممثلة ميليسا ليو بجائزة أفضل أداء نسائي في دورة 2008 عن فيلم "نهر متجمد"، لتحوز جوائز تمثيل عديدة أخرى بعد ذلك وترشح لأوسكار أحسن ممثلة عام 2009، وصولاً الى نيلها "أوسكار" أفضل ممثلة في دور ثان هذه السنة.

على الرغم من هذا، لم يحسم الرهان على جودة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش، نظرا الى انحسار الصدى الذي تخلفه أغلب الأفلام المتوجة على العموم من جهة، وتكرار الانتقادات لمستوى الأفلام المنتقاة كل دورة من جهة ثانية، حتى أضحت المسابقة الرسمية تشكل كعب أخيل حقيقياً للمهرجان في نظر المتتبعين، مما يستدعي بذل جهود أكبر على مستوى المعاينة والانتقاء من طرف اللجنة الفنية (يرأسها برونو بارد) واستحداث جوائز إضافية تلافيا لصيغة التتويج بالمناصفة التي تكررت مرارا في الأعوام الأخيرة وإضفاء صدقية أكبر على المسابقة.

الاحتفاء بالنجوم، قصة نجاح

من يتتبع دورات المهرجان يلاحظ أن حضور نجوم الصف الأول هو ثابت نجح المنظمون في الحفاظ عليه ليشكل نقطة قوة بارزة تحسب للمهرجان. مخرجون وممثلون كبار حضروا إلى مراكش ليتم تكريمهم وعرض أفضل أفلامهم في فضاءات مراكش المتعددة، لا يتسع الحيز هنا لنحصيهم جميعا، لكن نكفي أن نذكر منهم: مارتن سكورسيزي، فرنسيس فورد كوبولا، ديفيد لينتش، أوليفر ستون، ألان دولون، حميدو بنمسعود، شون كونري، يوسف شاهين، دانيال داي لويس، سعيد طغماوي، ميشال يو، أمير كوستوريتسا، بن كينغسلي، جيم جارموش وليوناردو دي كابريو.

تكريم سينمات العالم، سينيفيلية بلا حدود 

في تقليد سينفيلي جميل، حرص مهرجان مراكش منذ الدورة الخامسة على تخصيص برنامج تكريمي سنوي لمدارس شكل بعضها تأثيرا بارزا في تاريخ السينما، فيما حضرت أخرى بقوة في مختلف التظاهرات السينمائية العالمية، وهي تباعا: إسبانيا، إيطاليا، مصر، بريطانيا، كوريا الجنوبية و فرنسا. هكذا تم كل مرة الاحتفاء بهذه المدارس من خلال  أمسيات على شرف وفد رسمي يمثل أبرز رموزها واتجاهاتها الحديثة على السواء، كما كانت تتم برمجة بانوراما عروض للعشرات من الدرر الثمينة التي تزخر بها فيلموغرافيا هذه البلدان، فاستطاع الجمهور تتبعها على الشاشة الكبرى لتلتقي متعة التتبع بقدسية المشاهدة التي لا تمنحها سوى أفلام من هذه الفئة.

دروس السينما، قلب المهرجان النابض

أحيانا تكون بعض أنشطة المهرجانات الثانوية في نظر المتتبعين (أو حتى المنظمين) هي أشد لحظات البرنامج تأثيرا في نفوس من حضروها وأكثرها رسوخا في أذهانهم!  لا محالة أن دروس السينما التي أضحت تقليدا راسخا في برنامج مهرجان مراكش تنتمي الى هذه الفئة من الأنشطة، حيث عاش جمهور المهرجان لحظات لا تنسى رفقة مخرجين كبار توالوا على خشبة "قاعة السفراء" في قصر المؤتمرات ليتكلموا عن السينما وأشياء أخرى، كل بطريقته الخاصة.

نتذكر جيم جارموش متحدثا بكل تلقائية عن تجربته الخاصة في كتابة السيناريو، عباس كيارستمي يشرح بشاعريته المعهودة مقاربة الزمن في أفلامه، أمير كوستوريتسا يفصح عن فلسفته المميزة في إدارة الممثلين، فرنسيس فورد كوبولا متحمسا لاقتسام تجربته في صناعة التحف الخالدة مع طلبة السينما، وغيرها من اللحظات الساحرة التي حملتها دروس السينما لتصبح عن جدارة التجسيد الحقيقي لروح الفن السابع.

حضور الجمهور، عملة بوجهين

لا يكاد عرض ما من عروض المهرجان يخلو من الحضور الجماهيري. حتى العروض الصباحية وتلك المنظمة في فضاءات العرض الثانوية (سينما الكوليزيه، مجمع ميغاراما وساحة جامع الفنا) تجذب فئات واسعة من الجمهور كل مرة. ستقولون إنها ظاهرة إيجابية تدل على انفتاح مهرجان مراكش على الجمهور الذي من دونه لا تكتمل معادلة الفرجة السينمائية! أجيب: أجل! لكن هناك وجه آخر للعملة، أثناء بعض العروض التي توافق توقيتا مناسبا لحضور فئات متحمسة من الجمهور (حصص بعد الظهر والمساء يومي الجمعة والسبت مثلا)، الذي لا يتردد في الحديث المتواصل والتفاعل بطريقة مبالغ فيها مع أحداث الفيلم فينشأ صخب عارم داخل القاعة مما يشوش على المتتبعين الذين ألفوا ظلمة الصالات وسكونها المطبق.

يبقى الحل الوحيد لتلافي هذا المشكل تخصيص عروض حصرية للصحافيين والرسميين في صالات مخصصة لهذا الغرض. وهذا ما يحيلنا على ضرورة أخرى ملحة هي إنشاء سوق أفلام على هامش المهرجان فتتاح للمتتبعين معاينة آخر الإنتاجات المحلية والعالمية تجنبا لمحدودية أفلام المسابقة الرسمية والاحتفاءات وانفتاحا على تمثيلية رسمية أكبر ستنعكس إيجاباً لا محالة على إشعاع المهرجان.

خلاصة القول إن الدورة العاشرة شكلت مناسبة للاحتفال بعشر سنين من عمر مهرجان مراكش والكثير من المكاسب والانجازات التي استطاع أن يراكمها. لكن ينبغي أيضا استغلال هذه الذكرى للوقوف على بعض نقاط الضعف التنظيمية والتفكير في الرهانات التي لا تزال تنتظر الحسم في ما سيأتي من دورات حتى تثبّت قاطرة المهرجان بشكل نهائي على سكة المواعيد السينمائية الأكبر عالمياً

النهار اللبنانية في

03/03/2011

 

 

عالم السينما.. أول جريدة سينمائية عراقية!

عبد الجبار العتابي من بغداد

في مبادرة غير مسبوقة وطريفة، اصدر الناقد السينمائي مهدي عباس جريدة تعنى بالسينما اسماها (عالم السينما)، وهي كما جاء في الصفحة الاولى (اول جريدة متخصصة بالفن السابع تصدر في العراق) على الرغم من اشارة رئيس التحرير من انها اول صحيفة عربية، اذ لم يسبق ان صدرت (جريدة) تعنى بالفن السينمائي فقط، وصدورها في الوقت الحالي هو الذي يمثل وجه الغرابة اذ ان عجلة السينما في العراق شبه متوقفة ولا توجد دور عرض سينمائية صحيحة بعد ان أغلقت غالبيتها فيما ظل الباقي يقدم (ثلاثة افلام في ان واحد) مختصرة وقديمة، والجريدة تتألف من 8 صفحات من الحجم الكبير،وقد استهل مهدي العدد الاول بأفتتاحية بعنوان (عالم سينما.. جريدة وليست مجلة) قال فيها: سألني احد الاصدقاء: ما دمت تفكر بإصدار مطبوع سينمائي، لماذا لا تصدر مجلة سينمائية وليس جريدة؟، الحق هو انني اردت ان اصدر شيئا جديدا في الساحة العراقية، ولا ابالغ حين اقول انه اول إصدار من نوعه في العراق، فحسب معلوماتي لم تصدر جريدة سينمائية متكاملة في العراق بل صدرت مجلات ونشرات، وهذه هي اول جريدة سينمائية عراقية.

واشار مهدي الى ان: عربيا اصدر الناقد السينمائي المصري الكبير سمير فريد في السبعينيات جريدة فنية هي (السينما والفنون) وحتى هذه الجريدة لم تكن سينمائية بحتة حيث كانت فيها كتابات فنية متنوعة لمجالات غير السينما.

واكد: رغم التطور الهائل الذي شهده عالم التلفزيون ورغم زيادة قنوات السينما في الفضائيات ورغم انتشار اجهزة الـ (دي في دي) الا ان دور السينما في العالم لا تزال تجذب المشاهد في كل مكان واصبح بناء المجمعات السينمائية المتطورة ظاهرة عالمية، قد يكون هذا الكلام لا ينطبق على العراق حاليا بسب الظروف غير الطبيعية التي يعيشها واكيد انه سيتجاوزها مستقبلا الا ان الجمهور العراقي يبقى متعطشا للسينما وللمشاهدة السينمائية.

وقال مهدي عباس لـ (ايلاف): اهتمامي بالسينما هو الذي يجعلني اتمنى ان تسود الثقافة السينمائية وان يتعرف الشباب على الكثير من الافلام والافكار التي تطرح فيها بالاضافة الى المتعة المتحققة،لان السينما عالم متخيل جميل، وانا سعيد بهذا الاصدار الذي اتمنى ان يكون مؤثرا كما اسعى ان انال تشجيعا للتواصل لانني اعتقد ان التواصل ليس سهلا.

وتضمن العدد الاول العديد من الاخبار السينمائية واخبار النجوم والتقارير المختلفة العراقية والعربية والعالمية فضلا عن اللقاءات والاراء والمتابعات، كما تميز العدد بصفحة ارشيف السينما حيث تناول موضوع (عنترة بن شداد في السينما) معززا بالعديد من الملصقات، كما تضمن العدد صفحة كاملة للحديث عن (سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة) تحت عنوان (اساطير السينما)، بالاضافة الى ما كتبه رئيس قسم السنما في معهد الفنون الجميلة بعنوان (لنبدأ سينما رقمية عراقية).

إيلاف في

03/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)