حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حزب توريث "جمال" يسطو على الثورة!!

طارق الشناوي

هل تفرق معك إذا سرق "مبارك" وعائلته ملياراً واحدا أم 70؟ التقديرات المبدئية لثروة "مبارك" في الأيام الماضية كانت تصل إلى رقم 70 مليار كما أشارت جريدة "الجارديان" البريطانية.. صارت الآن الثروة لا تتجاوز 3 مليار كما ذكرت "نيويورك تايمز" الأمريكية.. يجب ملاحظة أننا نتحدث عن مليار الذي يساوى الواحد منها ألف مليون ويجب أيضا ألا ننسى أننا نتحدث بالدولار الذي يقترب الآن سعره من 6 جنيهات مصرية أي أنك لو حسبت ثروة "مبارك" وعائلته طبقاً لأدنى التقديرات لوصلت إلى 18 مليار جنيهاً مصرياً تخيلوا أن الرجل الذي بدأ رئاسته قائلاً أن الكفن ملوش جيوب يحتفظ بهذا الرقم في أحد البنوك وأن زوجته التي حصلت عنوة على لقب الفاضلة ذهبت في عز الأزمة إلى لندن من أجل ضبط الأوراق المالية وتستيف ما يمكن تستيفه في محاولة لا أتصورها قابلة للنجاح لإخفاء معالم الجريمة التي شاركت فيها الأسرة.. وكل المقربين كان ينالهم من حلة الفساد كبشة كل حسب مقدرته على الاقتراب من رؤوس الفساد المتمثل في تلك العائلة التي استباحت رزق المصريين!!

لا يعنيني الآن أين يقيم "حسني مبارك" في شرم الشيخ أم في لندن التي أتصور أنها ستصبح محطته الأخيرة مثل أغلب الذين نهبوا مصر في عهد "مبارك" وكانوا يهربون إليها لأنها غير ملزمة دولياً بتسليم المجرمين والمطلوبين للعدالة.. سوف يلحق بالتأكيد بمبارك الرؤوس الفاسدة الكبيرة مثل "صفوت الشريف"، "زكريا عزمي"، "أنس الفقي"، "جرانة"، "المغربي"، "رشيد" وغيرهم.. كل من يجد مخرجاً قانونياً سوف يشد الرحال إلى لندن طلباً للحماية.. المؤكد أن "مبارك" لا يزال يتكئ على أن الجيش المصري هو الذي يحكم البلاد وأن القادة حريصين على كبريائه أقصد ما تبقى منه بعد أن ظل يتذلل ويتمسكن لشعبه طمعاً في العفو والمغفرة ليبقى على مقعد الرئيس بضعة أشهر قادمة حتى نهاية ولايته ورغم ذلك فأنا لا أتصور أن الجيش من الممكن أن يتخذ موقفاً ضد العدالة فهو خلال الستة أشهر القادمة التي يتولى فيها شئون البلاد مؤقتا ينبغي أن يضع سياج العدالة فوق رؤوس الجميع!!

أتفهم بالتأكيد أن يوجه الجيش في بيانه الشكر إلى دور "مبارك" حرباً وسلماً إلا أنه بعد ذلك عليه أن يلتزم بالعدالة وألا يستثني أحداً من المثول أمام جهات التحقيق خاصة أن كل من سقط وأمسكت به يد القانون سوف يفضح تورط العائلة الحاكمة في منحه التسهيلات!!

"مبارك" كان هو الأكثر حرصاً على التوريث وأختلف تماماً مع من يؤكدون أن "سوزان" هي الأحرص.. بالتأكيد هي صاحبة مصلحة في أن تظل داخل البؤرة وتنتقل من مقعد زوجة الرئيس الفاضلة إلى موقع أم الرئيس الفاضلة.. هي لم تتصور ولو لحظة واحدة أن السلطة حتى لو غاب الرئيس عن المشهد من الممكن أن تخبو بعيداً عن العائلة ورغم ذلك فإن "مبارك" الأب كان يعلم بالطبع أن ملفات الفساد سوف تفتح جميعها في حالة غيابه وعدم صعود ابنه لسدة الحكم وأنه الآن أقصد قبل 25 يناير يسيطر على الحكم والكل خاضع له وأغلب من تراهم الآن وهم مستأسدون في الهجوم على عصر الفساد وزعيمه "مبارك" هؤلاء كان قد تم الاتفاق معهم على الانتظار حتى تأتى اللحظة كانوا هم الخلايا النائمة متواجدون في عدد كبير من القنوات الخاصة والصحف الخاصة ينتظرون ساعة الصفر لإعلان تأييدهم لمبارك الابن.. كانوا يرفعون شعار "أين أنت يا نظيف" كان هذا الشعار هو الذي يصلون به إلى قلوب الناس!!

شروط اللعبة كانت تقتضي أن يحققوا في مرمى الناس قدراً من المصداقية عن طريق تبني مشاكلهم ومهاجمة الحكومة.. الخط الأحمر الممنوع هو الهجوم على العائلة ولكن هجومهم الدائم على الحكومة و"نظيف" يؤهلهم بعد ذلك للتغلب على الرفض المحتمل بين قطاع لا بأس به بعد ترشيح "جمال مبارك" خلفاً لوالده.. كانت الخطة هي أن الصحف ومحطات التليفزيون الرسمية والمسيطر عليها بلا مصداقية بينما الإعلام الخاص والصحف الخاصة تحظى بقدر من الثقة عند الناس وعلى هذا سوف تستخدم هذه الأسلحة في تلك اللحظة الحرجة عندما ينطلقون في تقديم سيناريو التوريث!!

لو تتبعت تلك القنوات بدقة في أيام الثورة الـ18 التي اندلعت شرارتها يوم 25 يناير سوف تكتشف أنهم كانوا يبايعون في البداية دائماً الرأي الرسمي وكان سقف مطالبهم لا يتجاوز أبداً ما يريده الرئيس.. كان الرئيس يتنازل قطعة قطعة عن صلاحياته على طريقة راقصي "الاستربتيز" وهم مع كل قطعة تنازل يطالبون المتظاهرين بالعودة لمنازلهم وعدم المطالبة بالمزيد.. كانوا هم خط الدفاع الأخير عن النظام ولكن بعد أن تأكدوا من سقوطه صاروا هم الأكثر شراسة في الهجوم على "مبارك" والعائلة!!

لدي يقين أن هذا التنظيم من الخلايا النائمة لم يكن يعمل عشوائياً وأن هناك أوراق مسجلة ومصالح معلومة للكثيرين سوف تظهر في توقيت قريب جداً ونعرف جميعاً من هم أعضاء تنظيم "أين أنت يا نظيف".. المؤكد أنهم في سبيل تبرؤهم من العهد الفاسد سوف يصبحون أكثر شراسة في مهاجمته وفى هذه الحالة من الممكن أن نرى تلك الأوراق التي تثبت تورطهم في الفساد!!

ولا أستبعد أن مليارات "مبارك" التي حار في تقييمها أعتى خبراء الاقتصاد هذه المليارات كان لأغلب أعضاء حزب "أين أنت يا نظيف" نصيب معتبر منها.. أنا اعتبر أن هؤلاء هم الأكثر خطورة الآن لأنهم باعوا ضمائرهم فى عهد مبارك من أجل خداع الناس وتمرير التوريث ويريدون الآن أن يخدعوا الناس باعتبارهم أبطال الثورة!!

الدستور المصرية في

16/01/2011

 

مبارك لايرى لايسمع ولكنه يتكلم

طارق الشناوي

وكأن شيئا لم يكن.. منذ يوم 25 يناير وحسنى مبارك لا يعرف ما الذى يجرى حقيقة فى ربوع مصر انه بالتأكيد لا يتوقف عن سماع ومشاهدة روجينا وأشرف زكى وزينة وغادة عبدالرازق وحسن شحاته وحسام حسن وهم يطالبوه بالبقاء وأن ينسى كل ما أعلنه المصريون من ضرورة رحيله عن السلطة بل ومحاكمته عن الفساد الذى تم تحت رعايته. مبارك كلما مر به قناة تليفزيونية تقدم مايجرى حقيقة فى الشارع يسارع زكريا عزمى باعادة شريط غادة وروجينا وشحاته فيشاهده وينام بعدها مطمئنا بعد ان يؤكد له عزمى ان هؤلاء مجرد قلة منحرفة... انه يذكرنى بفيلم وداعا لينين عندما اصيبت امرأة بغيبوبة ثم استيقظت منها بعد ازيلت الحواجز بين المانيا الشرقية والغربية وخاف اهلها من ان تصاب بنكسة اذا عرفت الحقيقة ولهذا كانوا يقدمون لها نشرات اخبار مسجلة عن المانيا الشرقية باعتبارها لا تزال دولة قائمة وليست جزء من دولة.

القريبون من مبارك لا يسمحون له سوى بأن يشاهد شريط المبايعة المباركية. انه يبدو لا يعيش الحياة، لايزال حتى اسلوب مبارك فى الحديث عن مؤامرة اجنبية وفضائيات تثير الفتن وهو ماكرره نائب الرئيس المفوض عمر سليمان، يبدو وكأنه لم يتغير حتى فى اسلوب اداء مبارك للخطاب. لو عدت للسنوات الاخيرة تكتشف أن الرئيس لم يغير لا فى مفراداته ولا اسلوبه ولا حتى صبغة شعر رأسه كل ما مر به الوطن من غضب مباشر ضد مبارك لم يترك أثرا بل انه اعتبر بنص كلماته ان الاغلبية راضية وقلة فقط هى الغاضبة والمحتجة أى انه لا يزال يستند الى جماهيرية تؤيده.

مبارك فى كل لحظة يفقد جزءا من شرعيته وتزداد المطالب التى تصل الى حدود ليس الرحيل ولكن الى محاكمة مبارك بينما هو لا يملك فى الدفاع سوى نفس الاوراق للحديث عن تاريخه فى الخدمة العامة الذى يربو عن60 عاما وقرر ايضا ان يثير الجماهير فى نهاية خطابه بانه سوف يدفن على ارضها ونسى انه يكرر نفس ــ الايفيه ــ ولكن الفارق ان الناس هذه المرة لم تتجاوب ولم تنزل دموعها من مقائيها.

لا ازال ارى ان مبارك يمسك الكبريت فى يده بإصراره على ان يظل داخل الكادر وكأنه يهدد الوطن بالحريق لانه يرفض ان يغادر المشهد والقوات المسلحة هى فقط القادرة على نزع الكبريت قبل ان يضيع الوطن.

الدستور المصرية في

11/01/2011

 

عود ثقاب في يد "مبارك"

طارق الشناوي

لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك قدر من الثقة يشعره المواطن المصري تجاه كل من نائب الرئيس اللواء "عمر سليمان" ورئيس الوزراء الفريق "أحمد شفيق" على اعتبار أنهما يمثلان مرحلة من الممكن أن تلعب دوراً في إطار التغيير القادم.. ولكن هناك نقطة محورية تضعهما في مأزق يسحب تدريجياً رصيدهما من الثقة حيث أنهما يضعان خطاً أحمر أمام تنحي الرئيس الفوري عن الحكم حتى مع ضمان الخروج الآمن للرئيس!!

من المؤكد أن الرئيس متمسك بموقعه على الكرسي.. الحجة المعلنة هي أنه يريد الاستقرار للبلد وأنه كعادته لا يزال يعتقد أن الاستقرار يساوى "مبارك" وبالطبع فإن الجميع يعلم أن الفوضى والخراب قد حل بسبب "مبارك" وأن استمراره في موقعة يشبه من يمسك في يده عود ثقاب وأمامه برميل بنزين فهو يهدد الجميع ولسان حاله يقول لو حاولتم إزاحتي سوف ألقي العود ليحترق الجميع!!

الوحيدان القادران على نزع عود الثقاب من يد الرئيس قبل أن يحرق الوطن هما "سليمان" و"شفيق" لو اتفقا على أن بقائه يهدد كما هو حادث الآن الاستقرار.. يكفى أن يعلنا للشعب أن استمرارهما في مؤازرة "مبارك" لم يعد ممكناً وأن الحل الوحيد أمامه هو الرحيل الفوري لأن بقائه في حقيقة الأمر سوف يجعل حتى من يرفعون شعار الخروج الآمن للرئيس يستبدلونه بالبقاء للرئيس حتى تتم محاكمته علنيا هو والعائلة على ما فعلوه فالكل يعلم أن "عز" و "صفوت" و "العادلي" و "المغربي" و "عزمي" و "الفقي" كانوا جميعاً أدوات في يد "جمال" والرئيس وحرم الرئيس وأن الفساد الذي عاشته مصر جاء بناء على توجيهات الرئيس وعائلته ولكن الرئيس كعادته لديه فروقاً في التوقيت لا يصدر أي قرار إلا بعد فوات الأوان وعندما يقرر الرحيل سوف يأتي هذا القرار متأخراً بعد أن تصبح الإرادة الشعبية لا ترضى بأقل من محاكمة الرئيس باعتباره موظف عام أساء استخدام صلاحيات موقعه الوظيفي فأشاع مناخ الفساد!!  

لقد كنا نعاني كمصريين من أن الجميع بداية من رئيس الوزراء حتى أصغر مسئول في مصلحة حكومية يبدأ دائما كلماته بأن ما يقدمه للناس هو بناء على طلب الرئيس وبالتأكيد فإن إصرار "مبارك" على البقاء هو بناء على طلب الرئيس وتوجيهاته فلماذا لا يقول "سليمان" و "شفيق" لا للرئيس وتوجيهاته وينزعان من أصابعه عود الثقاب الذي يهدد به أرض الوطن بالخراب والدمار؟!

الدستور المصرية في

08/01/2011

  

"الفقي" يرحل ويأتى "فقي"

طارق الشناوي

هل لايزال يقتنع الناس بأن المسؤل عن الحرب الاهلية التى نشبت بين المصريين هو اعلام انس الفقى ام انه كان الاداة التى حركها الحزب الحاكم واصحاب المليارات التى سرقوها من قوت الشعب فقرروا أن يفبركوا مظاهرات تخرج مطالبة بمبارك رئيسا ابديا حتى لا تنكشف الاعيبهم التى من خلالها استحوذوا على اموال الشعب واذلوه من أجل ان يضمنوا انسحاقه امام رغبته فى الحصول على قوت يومه من الممكن ان يخرج تحت ضغط ارهاب الحاجة ليبايع مبارك.

لم يفعل  "الفقي" اكثرمن أنه لعب بنفس الاسلوب القديم الذى يريده الرئيس ولو كان صفوت الشريف الذى ازيح عن الاعلام قبل 6 سنوات فى نفس موقعه لاستخدم بالضبط نفس الاسلحة، انها آلة الفساد والافساد التى طالت حدود الوطن وساهم فيها النظام بخلقه للمناخ الذى يتيح له البقاء لأن اصحاب المصلحة بالتأكيد يعلمون انه فى غياب الرئيس عن المشهد فإن كل الاوراق سوف تكشف.. صمام الامان لاستمرار الفساد هو استمرارالرئيس والرئيس لم يفقد بعد صلاحياته لايزال بيده اوراق تمنحه قوة للسيطرة يستطيع ترتيب بعض الاوراق لتجعل خروجه آمنا. ليس هو فقط ولكن  كل من ارتبط بالنظام يريد خروجا آمنا ليستعدوا لدخول اكثرآمنا بعد ان يجهضوا ثورة الشعب.

الرئيس هو الذى يعين الوزراء.. رئيس الوزراء مجرد واجهة لارادة الرئيس ويعتمد الرئيس على انه هو الذى يختار مباشرة الوزراء فى الوزارات السيادية ومنها الاعلام والداخلية والخارجية والدفاع.

وزيرالاعلام مثل وزيرالداخلية ينفذان قرارالرئيس وكما اطاحت الدولة بحبيب العادلى من اجل تفريغ شحنة الغضب بعيدا عن الرئيس باعتباره لم يطلب قمع شعبه واغتياله جسديا فان انس هو هذه المرة الذى عليه الدور لانه اهان مواطنيه عندما اعتبرهم من العملاء وشرشحهم فى الاعلام الرسمى.. سوف يطيح الرئيس قريبا بأنس الفقى لامتصاص الغضب بعيدا عنه وسوف يأتى بعد ذلك بـ"فقي" آخر ينفذ تعليمات الرئيس ايضا فى اهانة شعبه.

لاتفرحوا كثيرا باقالة الفقى وجمال وصفوت والعادلى وعزمى.. انها كلها مسكنات تطيل من عمر مبارك على الكرسى!

لايزال السلاح.. هو يمشى احنا نمشى!

الدستور المصرية في

07/01/2011

 

فيلم يتعاطف مع يهود دمشق ويلوّن صورتهم بالحنين:

(دمشق مع حبي): سينما الإيمان بالتعايش وقصيدة في عشق البشر والمكان

محمد منصور  

تبقى دمشق مدينة ملهمة في الآداب والفنون عموماً.. وتترسخ صورة المدينة في السينما يوماً بعد آخر، كعنوان لقضايا وموضوعات تعبر عن تركيبتها الفريدة، وعن خصوصية موقعها الاجتماعي في النسيج السوري والشرقي عموماً، وعن بنيتها التقليدية المفتوحة على تراث وحكايا ونسيج علاقات.
في هذا الإطار يأتي فيلم (دمشق مع حبي) للمخرج السوري الشاب محمد عبد العزيز، ليحاول ملامسة هذه الصورة بكل غناها وكثافتها، نافذاً إلى موضوع إشكالي يثير الكثير من المواقف المسبقة: علاقة يهود دمشق بالمدينة من جهة، وعلاقتهم بالأديان والطوائف والقوميات من جهة أخرى.

حفنة من تراب الشام

عالج محمد عبد العزيز (وهو كاتب النص السينمائي أيضاً) موضوعه بكثير من الدفء والانحياز.. أجل فلقد انحاز منذ البداية إلى يهود دمشق، باعتبارهم بشراً خارج الأيديولوجيا الدينية والصراع السياسي والاستيطاني، الذي صنع نكبة فلسطين. وانطلق من رحلة (ألبير) اليهودي العجوز المقعد إلى إيطاليا للالتحاق بباقي أسرته، وهو ما يعيدنا إلى أجواء تسعينيات القرن العشرين، حين سمح لليهود بالسفر الى خارج سورية، فقرر الكثير منهم السفر والهجرة، وخلت حارة اليهود في دمشق من أصحابها تقريباً، قبل أن يكتشف بعضهم أن علاقته بالمدينة التي سكن في قلب حواريها العتيقة بمجاورة أحياء المسيحيين والمسلمين الشيعة، وفي قلب المحيط السني الواسع، ومارس نشاطه التجاري فيها بنجاح وبلا عوائق، لم تكن مجرد مكان للعيش، بل جزء من تكوين ثقافي واجتماعي غدا جزءاً منه، وسكنه في حله وترحاله.

في المطار يحمل (ألبير) اليهودي معه حفنة من تراب الشام، وقبل إقلاع الطائرة، يبوح لابنته (هالة) بالسر الذي هدم حياتها: نبيل حنا بشارة.. الشاب الدمشقي المسيحي الذي أحبته لم يمت كما ادعى، بل ما زال حياً يرزق. تلغي (هالة) رحلتها في الدقائق الأخيرة، ويسافر (ألبير) للالتحاق ببقايا أسرته في إيطاليا، حاملا معه حفنة من تراب الشام، وهناك في الطريق إلى بيت الأسرة، تشتعل الذكريات والحنين، ويعترف بأن المكان هو الذاكرة... وأنه قال ما قاله لابنته كي يدفعها للبقاء... فالخروج من مكان كدمشق هو فقدان للذاكرة. يبدو حديث الحنين والصباحات الدمشقية ورائحة الليمون والنارنج والكباد لا معنى له بالنسبة للفتاة التي تأخذ ألبير من المطار إلى المدينة الإيطالية القديمة.. لكنه بالنسبة لعجوز مرهق سيلفظ أنفاسه بعد قليل، هو حالة هذيان ومونولوج وداع أخير لعصر كامل، لن تنتهي فصوله إلا حين يعود ألبير في تابوت مغلق، ليدفن في تراب الشام.

البحث عن الحب الضائع

ليس هذا هو المحور الأساسي للفيلم، فالعمل يتحول بعد هذا الاستهلال الذي يرسم بيئة الشخصيات ويكشف انتماءاتها وقضيتها مع المكان والذاكرة والرحيل، إلى قصة بحث عن حب ضائع.. تخترق فيها هالة حدود الجغرافيا الدمشقية من حارة اليهود إلى الحي المسيحي إلى الفضاء الإسلامي الواسع للمدينة، لتخرج إلى الفضاء الاجتماعي الأوسع لسورية... باحثة عن حبيب انقطعت أخباره منذ التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، وذهب مع الجيش السوري إلى لبنان. لكن (هالة) في رحلة البحث عن حبيب يسكنها بالجنون لا تنطلق في رحلة التشرد في عمق الجغرافيا السورية فقط، بل في عمق التركيبة الاجتماعية والإثنية والدينية البالغة الثراء، التي تبقى دمشق النموذج الأمثل لتعايشها العفوي المسكون بتاريخ حي وملهم للسلام الاجتماعي.

وينساب الفيلم بعد ذلك عبر تفاصيل عذبة ومرهفة، لا تخلو من صنعة فنية في الكتابة، لكنها صنعة مقبولة على أية حال، لأنه في أي رحلة بحث في حيز واسع من الجغرافيا، يمكن أن نرى مثل هذه القصص والحكايا التي تولد من الصدفة أو من المجهول، التي لا تحتاج لتبرير كاف، لأنها مصادفات يخلقها الطريق، فلا يمكن إثبات استحالتها، ولا يمكن تأكيد حتميتها.. لكنها تبقى جزءاً من المشهد البانورامي الغريب والطريف لحياة البشر ولأقدارهم. من هذا المنطلق مثلاً يمكن التعامل مع قصة الحب الرعناء والجميلة بين الشابين المراهقين، التي تصادف (هالة) مع رفيق دربها في رحلة البحث المضنية، التي تقطع فيها دروباً، وتزور فيها أديرة، وتلتقي في منعطفاتها ببشر، أهم ما فيهم أنهم مختلفون وحقيقيون، مهما كانت حقيقتهم مثيرة للرفض أو القبول.

تلتقي هالة بالحبيب الضائع في نهاية الفيلم... لكن المرء لا يدري حقاً إن كانت هذه هي نهاية سعيدة لفيلم يتحدث عن الحب، أم نهاية حزينة لزمن ضاع وسرق من أعمار الحبيبين، ولرجل غدا ـ بإصابة حرب ربما- مقعداً، يمشي على كرسي بعجلات، حضور الكرسي ذي العجلات يجعل الفيلم ينحرف عن مساره الرومانسي نحو جرعة ميلودراما... شخصياً لم أستسغها، لكن المخرج في النهاية حاول التعامل معها بحذر وانضباط، فبدل الصدمة والبكاء، حلت النشوة والابتسامة.. وكأن (هالة) لم تر الكرسي في المشهد على الإطلاق، بل رأت وجه الحبيب وابتسامته فقط، واستعادت في حركة كفه المميزة التي اعتاد أن يحييها بها بطريقته الخاصة... صورة الزمن الضائع والمستعاد في آن معاً.

بنية السيناريو وإحساس النص

يكتب محمد عبد العزيز نصاً سينمائياً جيداً، وازن فيه بين الإمساك بالخط العام، والاهتمام بالتفاصيل اللماحة التي تغني مساره، وتضفي عليه نكهة مشبعة بلون الحياة.. البناء الفني المتشابك للسيناريو، نقطة انطلاق الأحداث من لحظة السفر ثم العودة إلى الماضي، في موازاة خطوط حاضرة أخرى، إشباع موضوع الحب بالتقاطع مع حب دمشق كمدينة ومكان وذاكرة، كل هذا تجسد في خطوط السيناريو وشكله ومضمونه وفق بناء فني محكم، فيه لمحات تجريبية موظفة في سياق سردي يتوخى تقديم عمل جماهيري، لا عمل يرهق المشاهد، ناهيك عن الحوار البسيط والمعبّر، الذي يقترب من لغة الشارع بلا وسائط وبخفة ظل تحسب للكاتب.

النجاح الفني للسيناريو، لا يمنع من أن بعض الخطوط كان يمكن تعميقها أكثر، ولعل أكثرها أهمية العلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين ويهود دمشق، فمن المعروف أن الدولة منحت بعض أملاك اليهود الغائبين في الخمسينيات إلى عائلات فلسطينية سكنت حي اليهود، وعاشوا علاقة حسن جوار، خرج فيه الدين من صبغته العنصرية التي صنعت الفكر الصهيوني الاستيطاني في فلسطين، وتحول هنا إلى تفصيل إنساني للعلاقة مع الله، لا يفسد العلاقة بين الناس المتجاورين.

طبعاً الفيلم قدم إشارة جيدة لهذا الموضوع، لكنه لم يوضحها بالنسبة لمن لا يعرف طبيعة هذه العلاقة، من غير الدمشقيين أو المعنيين بالموضوع.

على الصعيد الفني نستطيع القول ان محمد عبد العزيز قدم لغة فنية مشغولة بمهارة وعناية.. فهذا الشاب الذي بحث عن نفسه طويلاً، مرة صحافيا وأخرى كاتبا ساخرا، وثالثة مخرج منوعات لا يحمل إذن عمل من نقابة الفنانين، استطاع أخيراً أن يجد نفسه، أن يهتدي إلى قدراته، مثل كثير من الشباب السوري الذي تضيع موهبته في زحمة المؤسسات الفنية والإعلامية البيروقراطية التي لا تحترم موهبة، ولا تحزن على خسارة، ولا تشعر بوجود جيل شاب في الحياة يستحق أن تتاح له الفرص وتفتح له الأبواب. وبالنسبة لعمل أول فإن محمد عبد العزيز يبدو متجاوزاً للكثير من السينمائيين المكرسين الذين بدأوا بدايات أقل نجاحاً وأشد ارتباكاً، وهو متجاوز بالتأكيد لمخرجين تلفزيونيين نجوم كانت محاولاتهم في السينما بائسة ومخيبة للآمال.

دلالات اللغة البصرية

إن محمد عبد العزيز المخرج شخص يخلص للنص الذي يكتبه، ولذلك تأتي لغته الإخراجية مسكونة بالإحساس بمشاعر النص وشخصياته، وهذا ليس عيباً بالتأكيد، وخصوصاً حين نقدم عملا يتوخى الجماهيرية، لكن هذا الاهتداء ببوصلة النص، لا يحرم صورة الفيلم بالمقابل من جماليات بصرية، ومن حلول إخراجية تنبئ عن مخرج له رؤية في بناء اللقطة، وتحريك ممثليه، وفي ما يريده من الكادر السينمائي... ناهيك عن إحساسه العالي بإيقاع اللقطة السينمائية، وفق زمن مونتاجي يجعل من السينما ذات إيقاع مختلف عن التلفزيون.

رغم هذه المزايا كلها، لا نعدم تأثير المرجعية التلفزيونية على لغة الفيلم البصرية.. فالفيلم الذي تبدو دمشق شخصية درامية من شخصياته، ومحورا من محاوره، وفضاء للحب والحنين والبقاء والرحيل، تحتاج حضوراً بصرياً وجمالياً أكبر، وكنا نحتاج للقطات بانورامية أوسع تكرس الإحساس بفضاء التعايش الذي تمثله دمشق، من هذه الاقتراب من وجوه الممثلين، في حوارات لا تمتلك تعبيرات وانفعالات درامية استثنائية.. ومن الغريب أن أفق الكاميرا والصورة يتسع وينطلق حين تخرج الشخصيات من دمشق إلى فضاء الوطن الأرحب... وأعتقد أننا لو تأملنا جيداً في بنية هذا الخيار الفني الذي سلكه المخرج لوجدنا أن فيه خطأ دلاليا يناقض المقولة التي أراد الفيلم أن يكرسها في المضمون.

إن كل هذه الملاحظات لا تلغي النجاح الفني الذي استطاع محمد عبد العزيز أن يبلغه ككاتب ومخرج، يقدم فيلماً سينمائياً من إنتاج القطاع الخاص في سورية، غير المؤمن كثيراً بإنتاج سينمائي من هذا النوع، لكن محمداً استطاع أن يحمي فيلمه من التنازلات، واستطاع مع جهة إنتاج احترمت مشروعه مشكورة، أن يقدم إنتاجاً مشرفاً يحسب للقطاع الخاص السوري بكل تأكيد، ولشركة (الشرق) التي أنتجته، وللممثلين الذين شاركوا فيه، فحضروا في أماكنهم، وقدموا سوية جيدة من الأداء، بدت مرح جبر بلوعة الألم التي سكنت عينيها عنواناً من عناوين تلك السوية، إلى جانب الحضور الخاص لخالد تاجا، والأداء المتحرر من النمطية والتصنع لدى جهاد سعد وسامر عمران... من دون أن ننسى ذلك الألق المتدفق في أداء فارس الحلو، الذي يشرق ويضج به المشهد، فيصنع إيقاعاً خاصاً لأدائه، ناهيك عن الحضور التعبيري للبناني بيير داغر من دون أن أنسى مساهمات الشباب، ميلاد يوسف، وميسون أسعد، وريهام عزيز وسواهم.

تعاطف مثير للتساؤل

سألتني زميلة صحافية بعد انتهاء العرض الإعلامي لـ (دمشق مع حبي) إن كنت أوافق على الصورة الإيجابية التي قدمها الفيلم عن يهود دمشق، وإن كان هذا هو الوقت المناسب لطرح صورتهم بهذه الطريقة، ونحن نرى ما يجري في فلسطين، ليس على أيدي جيش الاحتلال فقط، بل على أيدي المستوطنين أيضاً؟

وقد وجدت في السؤال موضوعاً يستحق التوقف... فالفيلم لا يقدم صورة إيجابية منمقة عن يهود دمشق، وهو لا يقصدها لذاتها، إن بدا الأمر كذلك من وجهة نظر بعضهم؛ لكنه يتعامل معهم كبشر من المعيب أن نصورهم كنمط قبيح ومسبق الصنع، لأنهم فقط ينتمون لديانة استغلتها بعض الحركات العنصرية الاستيطانية لتجعل منها عنواناً لسرقة حلم وطن/ من أعز أوطان الشرق العربي ألا وهو فلسطين.

إننا إذا كنا نرفض الصورة النمطية المسيئة التي تقدم عن العربي في السينما العالمية أو الصهيونية، فالأحرى بنا أن نرفض تقديم هذا النمط من الرؤية تجاه الآخرين.. لأننا أصحاب حق، وليس أضر بأصحاب الحق من سلوك سبل أصحاب الباطل ذاتها. وفي المحصلة فالفيلم يقدم صورة إيجابية عن دمشق بالدرجة الأولى... دمشق حاضنة كل هذه الأديان والثقافات والطوائف، والتي عاشت قروناً من التعايش الحضاري السلمي، والتي بقيت على الدوام مستعدة لتقديم دروس عن هذا التعايش الاجتماعي، الذي تسبق فيه ثقافة البشر ديماغوجيا الشعارات.

أجل يهود دمشق هم جزء من لوحة دمشق الفسيفسائية البديعة، وهم بشر ارتبطوا بالمدينة وعشقوها، وعاشوا في قلبها داخل أسوار المدينة القديمة ولم يكونوا منفصلين عنها. من سافر ورحل عن المدينة اتبع خياراً شخصيا، ومن آثر البقاء فيها كان يمارس حريته في البقاء أيضاً... وفي النهاية هم أناس يتأثرون بالمكان ونمط الحياة، ويحنون إليه حين يشعرون على بعد مسافات الأميال أنه مازال يسكن فيهم. ولهذا يبقى فيلم (دمشق مع حبي) عملاً ذكياً ومرهفاً، يتعامل مع شخوصه بحنان ورهافة بالغين، وبمعزل عن انتماءاتهم الدينية... ويمجد حب البشر للمكان، وحب الدمشقيين بمختلف طوائفهم للشام التي تتحول في الفيلم إلى أيقونة من السحر والدفء، بمقدار ما يمجد الحب وعذاباته اللذيذة، ويكتب أنشودة مسكونة بالألم والجنون عن هذا الحب الذي يبدو في المحصلة قدراً غريباً من أقدار البشر، إنما في أنقى وأطهر حالاتهم الإنسانية.

mansousham@hotmail.com

القدس العربي في

17/01/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)