حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أفلام كريم وأحمد عز لا تناسب المزاج العام بعد أحداث 25 يناير

بقلم : ماجدة خيرالله

سوف يتردد كثيرا هذا السؤال ، علي اذهان صناع السينما في مصر والمنطقة العربية، فخروج الشعب عن بكرة ابيه، في يوم 25يناير، سوف يغير وجه التاريخ مهما كانت نتائجه، وسوف يكون لزاما علي السينما أن تواكب وتجابه هذا التغيير، فهناك متغير جديد، أحدث صحوة هائلة في نفوس الشباب بحيث لن يكون مقبولا منهم متابعة قصة حب عادية بين والد وبنت، مشكلتهما الوحيدة عدم وجود شقة، أو اختلاف بينهما حول موضوعات فارغة، ولنا أن نتصور حال الافلام المصرية التي شاء حظها العاثر أن يبدأ عرضها قبل أندلاع أحداث 25 يناير، فقد هجرت الجماهير دار السينما، قبل حتي ان تغلق ابوابها، ولم يحقق فيلم فاصل ونعود لكريم عبد العزيز في اسبوع عرضه الاول، إلا ايرادات ضعيفة جدا، وكان يعول علي اجازة نصف العام الدراسي، لتزداد فرصته مع زيادة اقبال قطاع كبير من الشباب علي متابعة فيلمه، ولكن هذا بالطبع لم يحدث، أما فيلم أحمد عز 365 يوم سعادة، فهو أسوء حظا من فيلم فاصل ونعود، لأنه لم يمكث في دار العرض اكثر من اربعة ايام، قبل حدوث ماحدث، وحتي بعد عودة الحياة الي ماكانت عليه، فان مزاج الشباب قد تغير تماما، بعد أن عاشوا أكثر من اسبوعين يتابعون أحداثا دامية ومتلاحقة لاشك أنها غيرت كثيرا، في تغيير درجة وعيهم الانساني والسياسي والاجتماعي! المزاج العام اما الازمة الكبري فهي لاشك قادمة، سواء علي مستوي السينما أو التليفزيون، فما تعده شركات الانتاج السينمائي لتطرحه في موسم الصيف، لن يلقي قبولا من الناس لانه سوف يصبح فنا لايعبر عن الواقع باي حال، وفي اعقاب حرب اكتوبر، التي توقفت معها حركة السينما المصرية، حرصت كل الافلام التي توقف تصويرها بسبب الحرب، ان تغير أحداثها ولو بطريقة ملفقة، لتناسب مزاج الجمهور في فترة مابعد الحرب، وكان فيلم بدور الذي اخرجه نادر جلال ولعب بطولته محمود يس، ونجلاء فتحي أحد هذ الاحداث، وكذلك الوفاء العظيم، وإذا تابعت أحداث الافلام التي عرضت مباشرة بعد حرب 1956 فسوف تجد اقحاما لسيرة العدوان الثلاثي حتي لو كان الفيلم من بطولة شكوكو وحورية حسن! وإذا كانت السينما سوف تواجه ازمة طاحنة إذا لم تتمهل في طرح الافلام الحديثة او تغيير مضمونها ، فان المسلسلات التليفزيونية سوف تقع في ورطة أكثر تعقيدا، لان تغيير أحداث تدور في ساعتين، يفرق كثيرا عن تغيير أحداث مسلسل تدور وقائعه في عشرين ساعة أو أكثر قليلا! ولكن احدا لن يسأل نفسه هل مزاج الناس بعد أربعة أو خمس أشهر من الآن سوف يتناسب مع أحداث تدور في بيوت الدعارة في الثلاثينات "سماره"، أو حول رحلة صعود راقصة شرقية"تحية كاريوكا" أو حتي الشحرورة! اما الاكثر حظا من هؤلاء الذين بدأوا تصوير مسلسلاتهم، فهم الذين لايزالون في مرحلة وضع الافكار، أو كتابة الحلقات الاولي من المسلسلات الدرامية، لانهم ربما يدركون ان عليهم تغيير بعض مايقدمونه بحيث يناسب المزاج العام في المرحلة الانتقالية القادمة، وقد كنت أتابع لقطات مصورة من مسلسل محمد هنيدي الذي يحمل عنوان مبروك ابوالعلمين ، وشعرت أنه عمل قادم من القرن الفائت، ويستخدم أساليب في الاضحاك عفا عليها الزمن، وتجاوزها بمراحل حتي علي الارض الواقع، فوجود نوعيات متباينة من الشباب تحت ظروف قهرية وفي مكان واحد لاكثر من اسبوعين نتج عنه حالة من الالفة، خلقت نوعا جديدا من الحوار بينهم مما ادي الي تفجر طاقات الابداع لديهم، بشكل يختلف قطعا عما كانوا يتقبلونه من قبل! أطروحات سياسية وأعتقد أن عادل امام سوف يكون أكثر الجميع حظا، فمسلسل ناجي عطا الله، الذي لم يبدأ تصويره بعد يمكن أن تكون أحداثه بما فيها من اطروحات سياسية ومساحات واضحة لمشاركة الشباب ، الاكثر قابلية للتعاطي في الفترة القادمة، وكذلك مسلسل أهل الاسكندرية الثاني بين بلال فضل والمخرج محمد علي وبعض من فريق مسلسل العام الماضي أهل كايرو، باختصار اننا نمر بمرحلة انتقالية ومفصلية، سوف تغير كثيرا"ربما بالتدريج"من درجة وعي ومزاج افراد المجتمع المصري، وهذا التغيير سوف ينتج عنه أو لابد وأن ينتج عنه، نوعية مختلفة من فنون الغناء والسينما والدراما التليفزيونية ولكنه بالتأكيد سوف يكون أكثر قيمة، لاننا كنا في أمس الحاجة الي حدث كبير، ينتشل الشعب المصري أجمعة من حالة الترهل والبلادة التي استسلمنا لها جميعا طوال الثلاثين عاما الماضيه! الشبكة الاجتماعية ربما يتساءل أحدهم الناس حاتتفرج علي ايه في الايام المقبلة أي بعد أن تعود الحياة الي طبيعتها، ويتم فتح دور العرض لاستقبال الجمهور مرة اخري، هل يذهب الجمهور الي كريم عبد العزيز، أم أحمد عز ؟ واعتقد أنه لا هذا ولاذاك يمكن أن يكون أيهم عامل جذب للشباب، وفي رأيي ان الاقبال يمكن ان يزيد علي الفيلم الامريكي الشبكة الاجتماعية -الفيس بوك، المرشح لاكثر من ستة جوائز اوسكار!فهذا الموقع الاجتماعي الذي اسسه مارك زوكيلبرج، هو المحرك لما اسميناه في مصر ثورة شباب الفيس بوك، وحرمان الشباب من التواصل بعد قطع الانترنت لمدة تزيد علي خمسة ايام، لابد وأنه كاد يوصلهم لحالة من الجنون، فقد اعتادوا أن يفكروا ويتواصلوا مع غيرهم عن طريق هذا الموقع الذي يضم مايزيد علي خمسمائة مليون مشترك، إنه السلاح العصري لهذا الجيل ووسيلتهم للتعبير والتنفيس عن انفسهم، ولهذا فان اعتقادي انهم سوف يكونون أكثر اهتماما بمعرفة كيف نشأت الفكرة في رأس صاحبها وما التحديات التقنية والاجتماعية لخروج مشروعه للنور!هذا المشروع الذي جعل منه أصغر ملياردير في العالم! أما الفيلم الآخر الذي ارشحه للشباب فهو الجزء الثالث من فيلم الرسوم المتحركة "قصة لعبة" فهو من الافلام شديدة الاهمية التي تم انتاجها العام الماضي، وزادت ترشيحاته الي اربعة منها مزاحمته تسعة افلام اخري في جائزة افضل فيلم وجائزة افضل فيلم رسوم متحركة وافضل سيناريو، وقصة لعبة 3 خرج من كونه فيلما لتسلية الصغار الي حالة فنية وفكرية رائعة، فقد ظهر الجزء الاول من الفيلم في عام 1995 ، وحقق نجاحا منقطع النظير بوصفه اول فيلم رسوم مجسم ، وكانت شخصيات شديدة الابتكار واحداثه تحمل القدر الكبير من الابداع، وتدور حكايته حول الطفل آندي ومجموعة لعبة، الطفل يتعلق بها خاصة اللعبة وودي الخشبية الذي يحمل ملامح رعاة البقر، لايدري آندي ان تلك اللعب تعي عالما خاصا فهي تتمتع بمشاعر فياضة، تتصادق فيما بينها، تتفاعل مع العالم الخارجي اي انها اكثر من كونها مجرد قطع خشبية، انها تعيش الحياة وتتابع صديقها آندي وتحرص علي امتاعه وأن تحقق له اكبر قدر من المتعة والسعادة، وتتعرض للمخاطر وتسعي للحفاظ علي حياتها ايضا من هجمات الاطفال الذين لايحسنون التعامل مع لعبهم او يهشمونها، وبعد عامين من النجاح الكاسح لفيلم قصة لعبة الذي ادي البطولة الصوتية فيه النجم توم هانكس "وودي"، يتم عرض الجزء الثاني منه، ليحقق نفس النجاح، وعندما فكرت الشركة في عمل الجزء الثالث الذي عرض العام الفائت، خشي البعض من فشل التجربة، فالاطفال الذين تابعوا الجزء الاول وتعلقوا بشخصياته اصبحوا الآن علي اعتاب العشرين، ولكن الذي حدث كان أمرا خارج التوقعات، لان الفيلم حقق نجاحا مذهلا يفوق كل التصورات والتوقعات، وفي احداث هذا الجزء يصل "آندي" الي مرحلة التعليم الجامعي ويستعد لمغادرة منزله، للالتحاق بالجامعة التي تقع في مدينة اخري، وتطلب والدة آندي منة ان ينظف حجرته ويضع الكراكيب التي استغني عنها في كيس كبير للتمكن من التخلص منها، ولكن آندي كان يحمل حالة من الحب والتعلق لالعابه التي لازمته مايزيد علي عشر سنوات، وهو لايريد ان يتخلي عنها، ولكنه في نفس الوقت يفكر ان يهديها لحضانة اطفال ليستفيد منها الاطفال الجدد، ولكن هؤلاء الاطفال يسيئون معاملة اللعب لدرجة تعرضها للهلاك وعندما تفكر لعب آندي من الهرب من الحضانة والعودة لمنزل صديقها، تفاجأ بلعبة علي شكل دب قرمزي يلعب دور الزعيم والطاغية، يأمرها ان تعود الي اماكنها ويمارس عليها القهر والعدوان، وتصبح مهمة اللعبة وودي ، الذي يحمل صفات وملامح رعاة البقر، ان يخلص اصدقاؤه اللعب من ايدي الدب الطاغية، حتي يلحق الجميع بوداع آندي قبل ان يغادر منزله متجها للمدينة التي تقع فيها الجامعة!احداث ومغامرات ومشاعر وعلاقات تخطف القلب ، تتحول فيه اللعب الي كائنات تحب وتكره وتشعر وتتألم وينتابها الحنين والشجن! ان قصة لعبة 3 اكثر من كونه فيلما للاطفال، إنه من الاعمال الرائعة التي غيرت مفهوم افلام الحركة، وهو مناسب جدا للمزاج العام في مصر في هذه الايام، ولذلك انصحك بمشاهدته!

جريدة القاهرة في

08/02/2011

 

«القرصنة» و«تدني الإنتاج» أهم ظواهر 2010 السينمائية

بقلم : ياقوت الديب 

< تداخل المواسم السينمائية أدي إلي تحقيق خسائر فادحة لمعظم أفلام العام الماضي < رغم تجريم القانون للقرصنة إلا أن كل جهة تعمل في واد وتعيش في جزيرة منعزلة مما يهدد الصناعة بالدمار المتأمل لحال السينما المصرية خلال عام 2010 م المنصرم لا تعوزه الفطنة في اكتشاف العديد من الظواهر السينمائية التي يمكن رصدها والوقوف أمامها لتحليلها ودراستها للاستفادة من الايجابية منها، وتلافي الوقوع في فخ الظواهر السلبية التي جاءت نتائج عكسية تعوق مسيرة هذه السينما المفتري عليها، حتي تخيل البعض المتشائم أنها في أفول وانحدار لما أصابها من تدني علي المستويين: الفكري والفني لدرجة الحيرة والخجل من المشاركة في مهرجانات السينما الدولية وكذلك العربية التي كنا بالأمس القريب نتربع علي علي قمتها. ولنبدأ برصد أهم الظواهر السلبية لنختم حوارنا بالإيجابية الباعثة علي الأمل ... ولعل أبرز تلك الظواهر السلبية هي " تدني الانتاج السينمائي " لأقل المعدلات التي وصل اليها، وفي جميع الأحوال ليس من القبول بأي حال من الأحوال وصول الانتاج السينمائي المصري الي هذا المستوي الهزيل الذي يعصف بتاريخ سينمائي عريق تعدي في عمره المائة عام ... ولنعرف أن السينما الهندية تنتج في خمس ولايات فقط من 28 ولاية هندية، حوالي 1500 فيلم في السنة، بالطبع لن نحلم بمثل هذا الرقم إلا أننا يجب أن نقف أمام رقم إنتاجنا الهزيل عددا والذي لم يصل الي 30 فيلما في 2010 م. ... الي أين نحن ذاهبون بالسينما؟ القرصنة الظاهرة السلبية الثانية التي شهدتها السينما المصرية هذا العام تتمثل في " ظاهرة القرصنة " التي تهدد صناعة السينما عندنا بالدمار والتوقف التام، وللأسف كل جهة من الجهات المنوط بها حماية السينما من هذه الممارسة غير للأخلاقية من قراصنة الأفلام، كل منها يعمل في جزيرة معزولة وكل منها أيضا يتصور أنه عمل ما يفرضه عليه واجبه أوموقعه، علي الرغم من القرصنة وأدواتها مجرمة في القانون المصري طبقا لقرار الحاكم العسكري العام رقم 3 لسنة 1998 م والذي يقضي بالسجن لمدة عام علي كل من يمتلك أدوات القرصنة أو استخدامها أوبيعها أو الاعلان عنها. ومن المؤكد أن هذه الظاهرة السيئة سوف تستمر أن لم تتحد كل الجهات المسئولة في عمل خطة قابلة للتنفيذ، بعيدا عن العنتريات والقاء اللوم علي بعضها البعض. موسم مهتز الظاهرة السلبية الثالثة تتمثل في " الموسم السينمائي المهتز " والذي ينفذ بطريقة عشوائية غير منظمة تعتمد علي الاجتهادات الفردية من قبل شركات الانتاج والتوزيع ... الأمر الذي أدي الي خسارة البعض من منتجي السينما. وقد يكون السبب الجوهري هواختلاط وتداخل مواسم العرض مع مناسبات أخري ربما كانت سببا في انحراف جماهير السينما المتوقعة وتحولها الي وسائل ترفيهية أخري رخيصة مثل كرة القدم، أوبسبب ضيق ذات اليد عند الجمهور المنتظر وكابوس الدروس الخصوصية وارتفاع الأسعار الجنوني في كل شيء حتي في أسعار تذاكر السينما ذاتها. ولانستطيع أن نتجاهل مشكلة احتكار دور العرض التي اقتصرت علي عرض أفلام لشركات انتاج بعينها، وغيرها من الأسباب التي تحتاج وقفة متأنية بعيدا عن حب السيطرة والاحتكار. الظاهرة السلبية الرابعة فهي المتمثلة في "هجرة نجوم السينما الكبار الي الدراما التليفزيونية". نحن لسنا ضد عمل النجوم الكبار في الدراما التليفزبونية ولا ضد التليفزيون نفسه في اغرائهم بالعمل فيه، وهذا حقهم ... لكننا بالتأكيد لسنا مع الهجرة لمجرد الحصول علي الملايين في أعمال تتسم بسطحية المعالجة ناهيك عن المسلسلات المستمدة من أعمال سينمائية يمكن اعتبارها من كلاسيكيات السينما المصرية، وان دل هذا فانما يدل بالتأكيد علي الافلاس الفكري والاستسهال القمييء وسرقة وقت المشاهدين بالتطويل والمط والشطحات التي لارابط لها ولا ضابط. الهدف منها سخيف وغير مقبول وهوالزج بأكبر قدر من الاعلانات التجارية التي فسدت متعة الرؤية في التليفزيون علي العموم. وبالتالي فقدت السينما رونقها وعبقها بتمرد كبار النجوم عليها، مما أثر بالسلب علي مسيرتها وازدهارها. اذا كانت السينما المصرية شهدت خلال العام المنصرم العديد من الظواهر السلبية التي ذكرنا بعضا منها، الا أن الأمر لم يعد بهذه القتامة السينمائية والتردي الفكري، فقد شهد هذا العام العديد أيضا من الظواهر الايجابية التي تعيد الأمل في غد أفضل لهذه السينما العريقة. من الظواهر الايجابية تأتي تجارب شباب المخرجين فيما يسمي بـ " السينما المستقلة " علي رأس هذه الظواهر فقد استطاع نفر منهم اقتحام عالم السينما بجرأة وبحرفية الديجيتال التي تحسب لهم، تلك الأفلام التي صمدت أمام أفلام الميزانيات الضخمة التي تصل الي عشرات الملايين وهي في الغالب أفلام تجارية لم ترتق للسينما الجادة أوالنظيفة. أفلام هؤلاء الشباب الواعد تمثل مايمكن تسميته بـ " سينما المستقبل "، ولعل تجارب: أحمد عبد الله في " هليوبوليس " و" ميكروفون " وإبراهيم البطوط في " عين شمس " و" حاوي " وتامر عزت في " الطريق الدائري " وأحمد رشوان في " بصرة " ومحمد عبد الحافظ في " الباب " وأخيرا محمد دياب في " 678 " ... لعل هذه التجارب الناضجة بما حققته من جوائز في مهرجانات: دمشق وقرطاج والقاهرة وتربيكا وأخيرا في دبي، كلها تعيد الينا الأمل المفقود في عودة السينما المصرية الي سابق أمجادها وجمالها. السينماتيك الظاهرة الايجابية الثانية تتمثل في الخطوة الايجابية التي طال انتظارها لسنوات طوال وهي انشاء " السينماتيك المصري " علي غرار السينماتيك الفرنسي، والذي تحدد مكانه في قصر الأمير عمر طوسون. لا شك في أنها خطوة ايجابية تتوائم مع ماتملكه مصر من تراث سينمائي ضخم حصيلة خبرات سينمائية متراكمة منذ أن عرفت مصر السينما مع نهايات القرن التاسع عشر. وهذا الصرح السينمائي الضخم المزمع تشييده في القاهرة تظل الحاجة الي وجوده علي أرض الواقع حماية للسينما المصرية وتراثها العريق الذي انفرت عقده بين أجنبي مستغل ولصوص وقراصنة الفن المصري. وعلي الجانب الآخر يمثل هذا السينماتيك المصري بوابة الانطلاق للأبحاث والدراسات السينمائية التي نحن في أمس الحاجة اليها اذ لا سينما بدون تاريخ ولا تاريخ بدون السينما. ... وهومشروع لاشك في أنه يمثل الأمل لدي كل السينمائيين في مصر ويمثل الكيان الحقيقي لأي دولة تحترم تاريخها السينمائي وبشكل خاص اذا كانت في حجم وقامة مصر سينمائيا. والي جانب هذه الظواهر الايجابية التي شهدتها السينما المصرية الروائية الطويلة، يمكن أن نضيف تلك الظاهرة الايجابية التي شهدتها أيضا " السينما الروائية القصيرة والوثائقية "، فقد ظهر علي الساحة السينمائية العديد من الأسماء الواعدة من المخرجين الشبان التي جاءت أعمالهم بمثابة الأمل في أن تستعيد السينما المصرية خلال الأعوام القليلة القادمة رونقها وعافيتها وازدهارها. ولعل أبرز مافي هذه الظاهرة هو أن القائمين علي انتاجها هي جهات وجمعيات وكيانات مستقلة بعيدة عن تلك الجهات الرسمية التابعة للدولة ... ومن أهم هؤلاء المخرجين الشبان نذكر: مني عراقي في " طبق الديابة "، محمد فتح الله في " ملك هانم "، أحمد مجدي في " كيكة بالكريمة "، محمد حماد في " أحمر باهت "، نادر هلال في " مواطن صالح من المعادي "، دينا عبد السلام في " دة مش بايب "، أحمد السمرة في " أسود ملون "، اسلام كمال في " نسخة شعبية " ... وغيرهم من مخرجي المستقبل في السينما المصرية. هذه في ظني أهم الظواهر الايجابية والسلبية التي شهدتها السينما المصرية خلال هذا العام 2010، نرجو أن نستفيد من الايجابيات ونتجنب السلبيات في الأعوام القادمة، اذا كنا جادين في انقاذ السينما من كبوتها، وأزمتها التي تبدو لدي البعض مستعصية الحل وكارثية الوضع.

جريدة القاهرة في

08/02/2011

 

الوتر.. الحائر بين ثبات غادة عادل واهتزاز مصطفي شعبان

بقلم : د. وليد سيف 

> تظل المشكلة الرئيسية في الفيلم انه لم يخلص لفكرة معينة بقدر اهتمامه بأن يفاجئك ويدهشك ويحقق حالة من الإبهار البصري > من الأمور المثيرة واللافتة للنظر ان نعرف من مقدمة الفيلم أن جريمة خنق المجني عليه تمت باستعماله وتر آلة موسيقية فتتوجه الشكوك نحو عازفتين > رغم الثغرات الدرامية إلا أن الفيلم يكشف في صورته عن مخزون كبير لدي المخرج من المفردات المعبرة وتتمثل في الانتقالات البارعة > مشاركة أكثر من فنان في عناصر الفيلم الرئيسية علي غير المعتاد لم تسبب ارتباكاً في الأساليب في بقية العناصر فيلم ( الوتر ) هو أحد الأعمال التي تضعك أمام حيرة شديدة إذا حاولت أن تجد له تصنيفا محددا. فهو ليس فيلماً بوليسياً بالدرجة الأولي لأن الأجواء النفسية تحيطه من كل جانب.. وهو ليس دراما نفسية لأن الأزمة النفسية بدوافعها ونتائجها تتضح من البداية. وهو ليس فيلماً ذا طابع فلسفي رغم حواره المشبع بالدلالات لأنه لا يقدم لك رؤية مثيرة للتأمل، وهو أيضا لا يتبني أي قضية اجتماعية، وإن كانت جرائمه الثلاث ترتكب بدوافع أخلاقية وكأن القاتل دائما هو الضحية والقتيل هو المجرم، في هذه النوعية من الأفلام التي تستحيل علي التصنيف فإما انك أمام عمل فاشل وضعيف ومشتت، وإما أنك بصدد تحفة فنية عبقرية تتجاوز تقليدية الأسلوب وتخرج عن الأطر المألوفة فتري إلي أي النوعين ينتمي هذا ( الوتر )؟. والحقيقة أن الفيلم لا يخلوا من مشاهد جيدة ومتميزة والمخرج مجدي الهو اري يحقق للصورة حالة من التدفق ويجتهد كثيرا في الاعتماد علي أسلوب سينمائي خالص حيث تتغلب لغة السينما علي السرد فتأتي مشاهد الفلاش باك المصاحبة للكلام مكملة لها، ومعبرة عنها وليست مجرد ترجمة حرفية أوتكرار ممل والفيلم كله تسوده حالة من الاجتهاد الواضح في توظيف مختلف العناصر السينمائية ولكن هل تناغمت هذه العناصر لتقديم دراما متسقة ورؤية محددة واضحة المعالم ؟. تدور الأحداث حول جريمة قتل يحقق فيها الضابط محمد سليم الذي يلعب دوره مصطفي شعبان في بداية ظهو ر الضابط نسمع صوت قائده من خارج الكادر يقول له "الموقف صعب عليك..بس وجودك حيفرق معانا..المكان مليان بصمات ".. وهكذا فالغموض بالنسبة لنا لا يغلف فقط جريمة القتل التي يسعي الضابط لكشف سرها، بل يغلف أيضا الحياة الشخصية لهذا الضابط نفسه. ولكن السيناريو ينشغل بعرض جهو د هذا الضابط وتنقلاته بين القاهرة والإسكندرية بطريقة تفصيلية، فيبدو وكأنه فيلم من إنتاج وزارة الداخلية للإشادة بجهو د ضابط شرطة بأسلوب مباشر وتقريري ولكنك سرعان ما تكتشف خيبة هذا الضابط وتوهانه وعجزه المتواصل والمتصل عن الوصول إلي أي خيط يوصله للجناة. الوتر القاتل ومن الأمور المثيرة واللافتة للنظر أن نعرف من مقدمة الفيلم أن جريمة خنق المجني عليه تمت باستعمال وتر آلة موسيقية.. وبالتالي تتجه الشكوك بمنتهي السهو لة نحوشقيقتين عازفتين في الأوبرا كان أحمد السعدني في دور القتيل علي علاقة بهما.. فيبدأ الضابط في تتبع الفتاتين، مايسة التي تلعب دورها غادة عادل، ومنة بأداء أروة جودة.. وبدلا من أن ينجح الضابط في حل لغز الجريمة يقع ضحية لمؤامرة الشقيقتين، فتدفعانه لارتكاب جريمة قتل لزوج أمهما الذي كان يعتدي علي الأولي جنسيا منذ طفولتها. ربما نجد مبررا لسلوكيات الضابط المهتزة إثر تعرضه لخيانة زوجته دفعته إلي قتلها ؟ ولكن ما لم يتمكن الفيلم من تبريره هو استخدام الوتر في القتل. وكأن القتلة يشيرون نحوأنفسهم بأصابعهم وكأن الوتر أداة سهلة وسريعة ومريحة جدا للقتل، خاصة والجريمة تم تنفيذها مع سبق الإصرار والترصد وبتخطيط منظم ودقيق. وعلي الرغم من هذه الثغرات الدرامية إلا ان الفيلم يكشف في صورته عن مخزون كبير لدي المخرج من المفردات المعبرة، وتتمثل بشكل خاص في انتقالات بارعة.. مثل الربط بين المشاهد بالانتقال الزمني بتفاصيل مؤثرة من لسعة السيجارة علي لوحة الكي بورد في الماضي قبل جريمة القتل، ثم العودة لأثر الحريق في الحاضر أثناء تحريات الضابط. أوفي تكوينات بصرية مؤثرة مثل صورة السعدني منعكسة علي زجاج النافذة المطلة علي البحر وكأنه آتيا من عمقه في طريقه لمائدة البطلة الجالسة في انتظاره. ويتميز التصوير لمازن المتجول وعمر فاروق بتوظيف الإضاءة والانتقال بحرفية عالية من تميع الصورة إلي تماسكها ومن إغراقها في الظلال إلي غمرها بالنور ومن عدم وضوحها إلي تركيزها الكامل.. كما يجتهدان في تحقيق تيمة ضوئية لكل شخصية تعبر عن روحها وطبيعتها وتلازمها في معظم مواقفها. ولكن (الوتر) مثل معظم الأفلام التي يشترك في إدارة تصويرها أكثر من فنان يعاني من تباين في مستوي وأسلوب الإضاءة بين مشاهد تهتم بواقعية مصدر الضوء، وأخري لا يشغلها هذا الامر تماما، بقدر حرصها علي تعبيرية الصورة وهو ما كان بارزا في معظم لقطات زوج الأم في إطار مبالغ فيه من الظلال. الإبداع المشترك ومشاركة أكثر من فنان في عناصر الفيلم الرئيسية، علي غير المعتاد، كانت هي المسألة السائدة في هذا الفيلم، ولكنها لم تسبب ارتباكا في الأساليب في بقية العناصر. فالديكور لعماد الخضري ومحمد داود تميز بالبلاغة الدرامية سواء في شقة البطلتين بأجوائها الكئيبة المقبضة، أوشاليه القتيل الأقرب للوكر التقليدي المناسب للسهرات الحمراء. وكذلك تميزت حجرة البطل في مستشفي الأمراض النفسية رغم محدودية محتوياتها بما وفرته بمساحتها الواسعة من فرض حالة تأملية تتناسب مع نهاية الفيلم. كما لعب الثنائي الموسيقي دوره بامتياز في فيلم كان من الممكن أن تغلفه روح من الدراما الموسيقية. فقد وضعها باقتدار «محمد مدحت» و«أمير هداية» حيث سعت بقوة نحوالتعبير عن الاهتزاز النفسي للشخصيات وهو الشيء المشترك الوحيد بين الأبطال الثلاثة. وقد لعبت الموسيقي دورها بتضافر شديد في إطار بناء الشريط الصوتي المحكم والمميز والمعبر بقوة. ويأتي الحوار لمحمد ناير ليسمو في بعض مناطقه حين يصبح أقرب للمبارزة أوالتراشق بالكلمات..كما ينقلنا أحيانا بعباراته الموحية إلي ذكريات مؤثرة.. مثل تعليق البطلة والضابط يشعل لها سيجارتها " أصل حنا اتعرفنا كدا بالظبط " لنعود إلي لقطة مشابهة في بداية تعارفها بالقتيل. ولكن الحوار يعود في مشاهد أخري ليهبط إلي أدني المستويات خاصة مع أسئلة الضابط الساذجة التي يوجهها للمشتبه فيهم، وكأنه مذيع في برنامج علي إحدي قنوات التليفزيون المصري يملأ فراغ الوقت بأي ثرثرة ثم ينهي حواره بالسؤال الساذج المتكرر بصورة مفاجئة وصبيانية " إنت قتلتها ليه؟". وتأتي دوافع الضابط في تحويل المتهمين للنيابة ضعيفة جدا مثل أسئلته واستجواباته وغير مبنية علي أي أدلة أوحتي قرائن قوية. كما يجنح الحوار أحيانا تجاه التفلسف في عبارات جوفاء علي لسان شخصيات تافهة من نوعية : "عندي إحساس إن الحياة بتتكرر.. أول حياة ليا كانت تحت الارض. " أوفي جملة: " عندك نفس الاحساس..إن فيه حاجة حتحصل ومش حتقدر توقفها ؟ ". ولأن الشخصيات تفتقد للعمق مهما تعددت مشاهدها، فإن الأداء التمثيلي يأتي كنوع من الاجتهاد. وهذه سمة غادة عادل بأداء متمكن في التعبير عن الشخصية بجانبيها الوديع والشرس. كما تكشف عن قدرة علي تحقيق الإغراء الصريح دون اللجوء إلي التعرية. وهي مسألة لاتتعلق في رأيي بأمور أخلاقية ودينية لكنها أمور تعبيرية بحتة لأن الفن إيحاء بالدرجة الأولي. غواية الصورة أما مصطفي شعبان فيحافظ علي جانب واحد يتعلق بالحالة الشعورية المهتزة للشخصية. ولكن المغالاة في هذا الجانب تؤثر سلبا علي أدائه كضابط، فيبدو أقرب لطالب بكلية الشرطة يتعرف علي بنات لأول مرة في حياته. وهي مسألة كانت تحتاج توجيها من المخرج لأن القلق والارتباك لا يعني الضعف والانكسار. ويأتي علي حسنين في دور صاحب الملهي الليلي بأكليشيهاته المكررة في نظراته الخبيثة وكلماته التي تحمل معنيين " قصدك الكمنجه ولا التشيللو؟ ". ويتمادي رسم شخصيته في مبالغة ولامنطقية سلوكياتها حين يقول للضابط " اللي اتقتل دا كان واحد وسخ ومات.. مش مهم مين اللي قتله. " وهي جملة يستحيل أن تأتي علي لسان شخص يدرك جيدا أن الشبهات تحوم حوله في ارتكاب جريمة القتل. لا أعتقد أن مشكلات هذا الفيلم تنبع أساسا من السيناريو الذي يحمل توقيع محمد ناير. لأن الحرص علي جماليات الصورة وتحقيق حالة بصرية للفيلم طغت في اعتقادي علي الاهتمام بدراميته. ولأن الصورة الموحية كانت تشكل نوعا من الغواية للمخرج، فيستسلم لها في رغبة عارمة لتحقيق أسلوبية سينمائية مما أوقعه أحيانا في مشكلات المباشرة أوالتناقض في التعبير. وهو ما نلمسه مثلا في الربط المثير للسخرية بين لقطات الحصان الجامح وصورة زوج الأم البدين. كما اتسمت مشاهد اعتداء الرجل علي الطفلة بضعف التنفيذ وافتقاد المصداقية. وكأننا أمام لقطات من برنامج لتوعية الأطفال ضد التحرش الجنسي. ولكن تظل مشكلة الفيلم الرئيسية في أنه لم يخلص لفكرة معينة بقدر إهتمامه بان يفاجئك ويدهشك ويحقق حالة من الإبهار البصري. مع ان مسألة الإبهار والمفاجأة وإثارة الدهشة يجب أن تتحقق من خلال فكرة محورية يدور حولها العمل أو رؤية محددة يسعي الفيلم لتحقيقها لان المفترض أن الإبهار ليس هدفا في حد ذاته. علي أي حال أعتقد أن الفيلم كان فرصة جيدة للمخرج ليكشف عن مخزون رائع من الجمل السينمائية، ولكن عليه مستقبلا أن يوظف هذا المخزون في خدمة بناء درامي قوي، وليس العكس.

جريدة القاهرة في

08/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)