حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الحدث

فرنسيس فورد كوبولا يقول إنه حلم بفيلمه الجديد في منامه

لستُ معلّماً وأنا أكثر حرية اليوم وأنظر الى الموت كانتصار

المغرب - من هوفيك حبشيان

كيف نكتب عن فرنسيس فورد كوبولا اليوم بعد نحو أربعة عقود من أمجاد ادخلته معبد السينما؟ كيف نقدّم اسطورة، عندما لا تعترف هذه الأسطورة بكونها أسطورة، ما يجعلها أكثر أسطورية. رجلنا السبعيني الهادئ في تلقي الأسئلة والرد عليها، الذي بلغ مرحلة من الحكمة تمحو جنون العظمة الذي كُشف في العديد والعديد من الحكايات التي تناولته، صار يتبنى منذ بعض الوقت خطاباً قائماً على النقد الموجه الى الداخل واتهام التجربة الهوليوودية الموازية، ذاهباً احياناً الى ممارسة جلد الذات واعتبار "تجربته متواضعة"، وهذا كله انطلاقاً من رغبته في الانتقال الى محاولات أكثر شخصانية، وهي محاولات كانت، على كل حال، ما يحرّك شغفه مذ بدأ في الستينات، لكن طموحاته حرفها النجاح الجماهيري ومتطلبات السوق، كما يقول في مقابلتنا معه. بعد "تيترو"، آخر افلامه، الذي عاد فيه الى التجربة شبه الأوتوبيوغرافية من خلال العائلة والعلاقة بين الفنّ والحياة، صورّ مخرج "القيامة الآن" و"العرّاب"، فيلماً سمّاه Twixt now and sunrise مع فال كيلمر وبروس درن، سيبدأ عرضه في الصالات هذه السنة. بعد الانتهاء من التصوير، مرّ بمراكش ومهرجانها، في بداية الشهر الماضي، حيث رفض أن يضطلع بدور ضيف الشرف، وكانت له مجموعة لقاءات مع صحافيين ونقاد.

·     ابتعدتَ كثيراً عن الجوّ الذي طبع عملك في بداية تجربتك، ولا سيما من خلال فيلمك "العرّاب" الذي اتهم آنذاك بتجميل واقع المافيا. لم تعد مهتماً بهذا كله على ما يبدو...

- "العراب" اقتُبس من رواية تملك نظرة رومنطيقية الى المافيا، وهي شيء، أعترف، قد يكون أكثر خطورة. لكن اذا شاهدتَ فيلماً مثل "غومورا" لماتيو غاروني فستجد انه غير انساني على الاطلاق. في المرحلة التي أنا فيها اليوم، لم يعد يهمّني إنجاز أفلام عن العصابات. الصناعة السينمائية تتوقع مني أشياء، لكني أنا مهتم بأشياء أخرى. لو كنت محتاجاً الى المال، لوجدت ان مصيرك مرتبط بأفلام المافيا.

"العرّاب" كان فيلماً ناجحاً على المستوى الجماهيري، ما جعلني أسلك درباً مختلفاً عن الدرب الذي كنت اريد أن أشقّه. في الحقيقة، قيّدني بعض الشيء. لكني هنا الآن بفضل هذا الفيلم. كنت اريد انجاز افلام كـ"ناس المطر" أو "الحوار". كنت اريد أن أكون مؤلفاً، أن اكون سينمائيّ مؤلف. لكن حلمي هذا ذهب أدراج الرياح مع تورطي في "العرّاب". بالتأكيد، لست نادماً. كانت تجربة مهمة أن أتربّع على عرش هوليوود وأنا لا ازال في التاسعة والعشرين من العمر. حصل معي ما لم أكن اتوقعه البتة.

·         هل تعتبر نفسك اليوم أكثر حرية وميلاً للمغامرة مما كنته في السابق؟

- دائماً كنت المغامر الذي تتكلم عنه. لم اخف يوماً من خوض المجازفات. لديَّ فلسفة مفادها ان المجازفة الوحيدة هي ان تفوّت عليك الحياة التي تعيشها فتموت ومن ثم تندم على عدم فعلك هذا الشيء أو ذاك. من جانبي، أتممت كل ما اردته ولا ازال امشي في هذا الخط. (بعد تفكير) نعم، يمكنك القول انني صرت أكثر حرية اليوم مما كنته في السابق. استغرق جيلنا وقتاً طويلاً كي ندرك ان العمل في ظروف الموازنة الضئيلة يعبّر عن ذواتنا على نحو أفضل. الموازنة الشحيحة، على سبيل التوضيح، تراوح بين المليونين والسبعة ملايين دولار. أستطيع القول إنه يمكنني أن أموّل فيلماً بذلك الحجم من دون أن أطلب المال من طرف آخر. هذا يجعلني أشعر بالسعادة. كم سينمائياً يستطيع أن يمتلك الفرصة التي ملكتها؟ كم سينمائياً يمكن أن ينال شيكاً على بياض لينجز الفيلم الذي يريده كل عام أو عامين؟ لأنه، كما تعلم، هناك الكثير من الهدر في صناعة الفيلم اذا اتبعنا الطريقة التقليدية. وغالباً ما نقع في الحلقة المفرغة عينها: لا يمكنك الحصول على موازنة كبيرة اذا لم يشارك نجم في عملك، ولا يمكنك الحصول على نجم اذا لم تملك المال. المفارقة انه ليس في مقدورك ان تحقق ما تريده في السينما اذا لم تحصل على مشاركة نجم.

فيلمي الأخير "تيترو" من منظار شاب في الثانية والعشرين. الحقيقة اني عندما تخرجت، كنت اريد ان انجز افلاماً شخصية، فكتبت صفحة ونصف الصفحة. كانت حكاية فيها شيء من بصمات تينيسي وليامز. كتبت هذا ثم نسيته. بعد سنوات قررت أن أصوّر فيلماً في الأرجنتين. لماذا كنت اريد تصويره هناك؟ لأن قيمة صرف الدولار في الأرجنتين عالية، ثم هناك ارث ثقافي هائل ومسرح رائع ...الخ. لكني لم أكن اعرف ماذا اصوّر! كان لديَّ كل ما يسعى اليه مخرج، لكني لم اعرف ماذا افعل. ثم، وجدت الصفحتين. كانتا تحملان توقيع سنوات الستين. وكان من المفروض ان أنجزه بعد اتمامي "الحوار". هناك الكثير من العناصر الواقعية في الفيلم، في المقابل هناك ما ينتمي الى الخيال.

·         علامَ تقتصر حياتك حالياً، علماً أنكَ قلت في محاضرتك انك لم تعد في حاجة الى شيء؟

- أكتب كثيراً ثم أختار ما يصلح أن يُنقل الى الشاشة. لي رغبة جامحة في مقاربة شيء أكثر جدية. لا اعتقد ان السينمائي يمكنه أن يتجنب الانتقال الى التأليف. حتى عندما تقتبس اصلاً أدبياً، فلا بد أن تجد نفسك في طيّاته. في "العرّاب" وضعت أشياء في السيناريو لم تكن موجودة في رواية ماريو بوزو. استوحيتها من هنا وهناك، لا سيما من علاقة والدي بأشقائه.

عندما اكتب شيئاً ما، اتجنب النظر اليه، لأنني أؤمن بأن الكاتب الذي في داخلي يكره ما يكتبه الكاتب الذي في الخارج. اترك الكلمات ترتاح، وانظر اليها في الصباح التالي، فأقول لنفسي: ليس ما كتبته بالسوء الذي اعتقدته.

نعم، اشعر بأني أكثر حرية. اتممت للتو فيلمي الأخير. انه عمل خاص جداً. مبدئي اليوم الاّ اعمل الا على نصوص اصلية، وهذا ما كنت اريده منذ بداية مساري. المبدأ الثاني أن الجأ الى التمويل الذاتي. لم أعد ارى لائقاً ان اطلب المال من طرف آخر.

·         لديك المال والالهام، فلماذا قلّ انتاجك في المرحلة الأخيرة؟

- لن تعرف ابداً اين يكون الفصل الأخير من حياتك. كل ما تستطيع فعله هو التحكم بالفصل الثاني. في مرحلة ما، عملت على مشروع انجاز فيلم عن "بينوكيو". كان ذلك قبل ان تخوض الشركة العظيمة "بيكسار" ثم "دريموركس" مشاريع مماثلة. امضيت سنتين وانا اعمل على سيناريو "بينوكيو" وعلى التحضيرات المتعلقة بتصويره في انكلترا. لكن "وارنر" رفعت ضدّنا دعوى قضائية لأنها كانت تقول إنها تملك حقوق "بينوكيو" علماً ان الكتاب صار ملكاً عاماً، لكن، على ما يبدو، كان لديها اسباب تجعلها تعتقد ذلك. طبعاً، ربحتُ الدعوى، وهذا ما جعلهم يستأنفون الحكم. هذه المسألة أخذت الكثير من وقتي، فوصلتُ الى الفصل الثالث من حياتي، وقلت لنفسي: "بينوكيو جيد، لكن لا شك ان هناك كثيرين غيري يستطيعون انجازه، وربما ينجزونه افضل مني".

ثم، رحت اعمل على مشروع حياتي "ميغالوبوليس" الذي استغرق ست سنوات من حياتي. كان فيلماً مكلفاً جداً على كل المستويات، لا سيما المادي منه، علماً انني أؤمن بأنه كان يمكنني ان أصوّره بخمسين مليون دولار بدلاً من المئة مليون دولار لو انتجه اي استوديو. اذاً، كنا بدأنا بالتقاط بعض المشاهد الجانبية، عندما وقعت مأساة 11 أيلول. كان الفيلم عن اليوتوبيا. فجأةً بات من الصعب القول إننا سعداء لأننا نبني عالماً يحلو فيه العيش. فحدوث ذلك الاعتداء، ثم الارهاب الذي ضرب انحاء العالم بلغا حداً لم يعد في مقدوري في ظلهما أن اتكلم عن اليوتوبيا. كنت في حال ضياع، ولم أكن اعرف كيف انهي السيناريو ليتناسب مع تلك المرحلة التي اقحمنا فيها. من كان سيعطيني خمسين مليون دولار لو لم احظ بمشاركة نجم؟

في كل حال، لم أكن يوماً موهوباً في اقناع النجوم الذين كانوا محاطين دائماً بمديري أعمال ...الخ، لذلك كنت أميل الى أن اكتشف ممثلين جدداً، لأنهم لا يكونون "ملكية" احد. لذا، في تلك المرحلة كنت اشعر بالاحباط. كنت اريد عملاً خلاّقاً. في غضون ذلك، صارت صناعة النبيذ تدرّ عليَّ الأرباح وبزنس الفنادق الذي اديره بدأ يشغلني أكثر فأكثر، ثم نظرت الى نفسي وقلت: يا الهي، علّمت ابنتي كيف تنجز فيلماً بمليونين أو ثلاثة، فكيف لا يمكنك ان تفعل ذلك؟

·         تحبّ الأجيال الشابة، وتركتك مهمة بالنسبة اليهم. رأيناك متحمساً عندما كلّمتهم في "درس السينما"...

- أحب الأجيال الشابة. اتعلم منهم كثيراً! تستهويني مجالستهم والتحدث اليهم والاجابة عن اسئلتهم لعل تجربتي تفيدهم في شيء. أنا فخور جداً بولديَّ اللذين يقتفيان ايضاً خطاي. ترعرعا "على الطريق". كانا طفلين عندما كنت اصور "القيامة الآن" في الفيليبين على مدى سنتين. انهما طفلان رائعان. أحب الاطفال وهم يعلمونني الكثير. كانت صوفيا تستشيرني كثيراً في بداياتها، أيام "انتحار العذارى" و"تائه في الترجمة". ثم بدأ يتكوّن عندها اسلوب خاص. صرت اشاهد افلامها في مرحلة متقدمة من عملية بدء الانتاج، خلافاً لما قبل، حيث كنت اتابع عملية البناء منذ المرحلة الاولى.

أنا مثل الطفل. سعيد بالاحترام الذي تكنّه لي عائلتي، لكني لا اعتقد انهم يعاملونني ككائن عظيم. وهذا ما أحب على كل حال. أحب أن اعامَل كطالب أو كصديق أو كزميل. لذا، اتجنب دوماً أن اخوض تجربة الـ"ماستر كلاس". لست معلماً ولا أريد أن أكون. يسعدني أن أكون مجرد زميل.

·         ينقل بيتر بيسكند عنك في كتابه الشهير، "ايزي رايدر وثور هائج" قولك إنه ينبغي للمرء أن ينفق أكثر مما يجني. كيف تفعل ذلك؟

- دعني اقول لك شيئاً: لا صدقية في كتاب بيتر بيسكند. عندما التقيته سألته: لماذا لديك هذا القدر من الكلام المنقول عن فلان وعلان؟ فقال انه جاء بها من مصادر. لذا، يجب أن اقول لك إن هذا الكتاب حافل بالكلام غير الدقيق المنقول عن لسان هذا وذاك، علماً انه لا يظهر العلاقة الجيدة التي تربط كل مخرجي هوليوود الجديدة، ولا يُري كيف ظل هؤلاء اصدقاء الى اليوم. اعتقد ان الكتاب كان هدفه جني الارباح، وهذا ما فعل. هذا الكلام المنقول عن لساني، انكره جملة وتفصيلاً. لكن، عليَّ ان اعترف انني من عائلة كان يسود فيها نوع من الهوس بالمال، وكان هناك دائماً هذا الخوف من الخسارة المادية. لسبب أو لآخر، لم يكن عندي هذا السلوك. لم اتردد يوماً في استثمار مالي الخاص ولم اخف من أن اخسر ما أملكه. لا اعتقد انه يمكنك العيش وانت تخاف دائماً من ان تخسر او تربح. اشعر بسعادة مطلقة في حياتي. اعمل جاهداً وآمل أن استمتع بكل عمل جديد انجزه. لم يعد عندي حاجة لأن اعاني من العمل الشاق مع المنتجين. السينما مصدر ثقافة عظيمة بالنسبة اليَّ!

·         هل أنت راض عما تنجزه؟ وكيف كان تعاطي الجمهور الأميركي مع "تيترو"؟

- اليوم، لم يعد هناك ادنى شكّ في أن المجال لصناعة الفيلم بات مفتوحاً أمام الجميع. لم يعد كما في أيامنا نحن. لكن ما يؤرقنا جميعاً هو حال التوزيع، مثلاً: المجال المتاح للأفلام الصعبة يضيق أكثر فأكثر. الاستوديوات لا تهتم الا بما يأتيها بالأرباح الكثيرة، لذا ترى ان الحكاية ذاتها تتكرر الى ما لا نهاية. لدينا سينما مستقلة رائعة في كل انحاء العالم، يتدبرون انفسهم للعثور على المال، ثم تجدهم يصطدمون بجدار التوزيع.

في ما يخص تيترو"، لم اهتم كثيراً في الجانب المتعلق بالتوزيع. رميته في السوق، ولم آبه اذا شاهده الناس أم لا. كنت اكثر اهتماماً بالتأليف والتصوير. اذا لم يشاهدوه الآن فسيشاهدونه حتماً في زمن مقبل. ننسى أحياناً أن كثيراً من الأفلام التي كانت مهمشة في مراحل سابقة، عادت واعتبرت تحفاً فنية في مراحل لاحقة. لا أشغل عقلي كثيراً بهذا الموضوع، كل ما افعله هو انجاز الفيلم والاستمتاع بإنجازه ومشاركة هذه الغبطة مع الآخرين.

·         عن أي شيء يحكي فيلمك المقبل؟ تقول انك شاهدته في حلم لك!...

- تيمة فيلمي المقبل هي الخسارة، انه فيلم اكزوتيكي بعض الشيء، يذكّرني بأفلامي الاولى مع روجر كورمان. عندما كنت في اسطنبول العام الماضي، زارني حلم، أو بالاحرى كابوس، وعندما استيقظت قلت لنفسي: يا الهي، هذه هدية من السماء. لقد وجدت الفيلم الذي اريد تصويره. غير انني لم أكن شاهدت بعد الختام، ولم اعرف تالياً كيف تنتهي الحوادث. فعدت الى النوم آملاً أن اعرف الختام. ثم كتبت القصة وذهبت الى التصوير.

·         ممَّ تستوحي أكثر: من الحياة أم من السينما؟

- السينما في ذاتها تعبّر عن الحياة ومضامينها. غالباً ما نظلم السينما باعتبارها فناً تجارياً، لكن ننسى ان الادب هو الآخر يمكن ان يكون تجارياً. في الأدب هناك ستيفن كينغ، ومؤلفو البيست سيللر، لكن هذا ليس كل الأدب، هذا جزء من الأدب. السينما جاءت من المسرح، لكنها تحررت من سطوته، وفي اعتقادي انها غير قابلة ان تعود اليه. أحب الاوبرا والمسرح، لكني اخصص حياتي لحبّي الاول وهو السينما. الحداثة اليوم لا تكمن في انك ستجني مالاً أكثر لأنك تنجز أفلاماً بالأبعاد الثلاثة! كانت لدينا تقنية الـ3D منذ عام 1964. هناك عناصر يمكن أن تطور السينما أكثر من اي شيء آخر. هذا فضلاًً عن كوني لا اتحمل مشاهدة فيلم واضعاً نظارات لمدة ساعتين أو أكثر.

·         من تدعم معنوياً من السينمائيين الأميركيين الشباب؟

- هناك الكثير من السينمائيين الشباب الذين أحبّهم:  ديفيد راسل، وس اندرسون، بول توماس اندرسون، جيمس غراي، الكسندر باين، صوفيا كوبولا وسبايك جونز. سميت سبعة، لكن لا بد ان هناك سبعة آخرين مقابل هؤلاء. نحن أحوج ما نكون الى مواهب فتية. انظر الى سادربرغ الذي يجد دوماً طريقة لإنجاز فيلم مثل "اوشن 11" ثم يخرج فيلماً أكثر حميمية كـ"الواشي". هذا واحد من افضل افلام العام. المشكلة اليوم ان الاستوديوات في اميركا مملوكة من محطات التلفزة، لذا لا تهمّهم الأفلام المختلفة، علماً انهم يدّعون الاهتمام. الكل يجنّنهم المال، فيفقدون صوابهم، ولحسن الحظّ ان أمثال الأخوين كووين وسكورسيزي لا يزالون يجدون من يستثمر في افلامهم.

·         ماذا تشعر عندما يختفي أحد الممثلين الذين خلّدتهم كاميراك؟

- لا انظر الى الموت كما ينظر اليه الجميع. اعتبر الموت انتصاراً.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb) 

وصايا كوبولا الخمس في مراكش

في "درس السينما" الذي قدّمه فرنسيس فورد كوبولا في مهرجان مراكش الأخير، كان لافتاً اعتراضه على كلمة "ماستر" (معلم)، ورغبته في أن يتشارك تجربته من موقعه كمخرج لا يزال أمامه الكثير ليتعلمه. تحوّل درس السينما درساً في التواضع ضمن لقاء ممتع جمعه ومئات من المهتمين. حكى ونكّت ونصح التلامذة وتذكّر والده الذي كان يقول له: يجب أن تشعر بالسعادة لأنك تعيش في أعظم بلد في العالم، لكن، لا تنسَ انك ايطالي الاصل. هنا، بعض أهم ما جاء في هذا اللقاء.

1 ــ جازفوا

"لا أزال تلميذاً. لكني استطيع أن اعتبر نفسي تلميذاً متخرجاً. لا أعرف ما هي افضل أفلامي. امام سؤال "أي واحد من أفلامك تفضل" أجد نفسي كمن يُسأل "أي من أولادك تحب أكثر من غيره؟". لكن، كوني اميل الى سينما المؤلف، يمكنني القول إن "الحوار" هو فيلمي المفضل. الاستوديوات في هوليوود تريد دوماً الوصفة الفيلمية ذاتها. اجد نفسي داخل المنظومة النضالية التابعة للسينما. احب المجازفة واعتبر ان السينما من دون مجازفة كمن يتوقع الانجاب من دون أن يمارس الجنس. علماً ان أسوأ تعريف يمكن أن استخدمه عن افلامي هو: السينما الفنية أو السينما التجريبية".

2 ــ لا تكذبوا

"لا تكذب أبداً. اذا كذبت فلن تخدع الا نفسك. وسيتم كشف خدعتك عاجلاً ام آجلاً. هناك شيء متجانس بين الجمال والحقيقة. بالزاك قال انه لا يمانع اذا ما تعرّض للسرقة. بل هذا سيجعله أكثر سعادة. وانا اقول لكم "اسرقوا منهم، اسرقوا!". بالزاك كان يقول: اذا سرقوا مني فهذا سيخلّدني".

3 ــ لا تخافوا من الخوف

"مهنة التمثيل مرتبطة بالنجاح. الممثل آلة. ليس العازف انما الآلة التي يعزف عليها الموسيقي. لم أواجه البتة مشكلة مع اي ممثل عملت واياه. مهما علا شأن الممثل، ومهما انتشر صيته وصعدت نجوميته، فهو كائن يخاف! حتى براندو اعترف لي ذات يوم قائلاً: هل تعتقد انني لا أخاف؟".

4 ــ لا تربحوا

"أنا اليوم أنجز الأفلام، لكن ما يجعلني اربح المال هو تجارة النبيذ. من قال إن الفنّ يجب أن يكون مربحاً؟ ومن قال إن الفنّ يجب أن يكلّف الأموال؟ انظروا الى الاوركسترات المتجولة. في "القيامة الآن"، وضعت من مالي الخاص، ولم ابخل. ذريعتي كانت أنني انجز فيلماً حربياً لا يشبه اي فيلم حربي آخر. كنت اعيش حالاً من التوتر الفظيع. أحياناً، يجب أن نذهب الى الامام ولا نخاف! الا اذا كنا نعاني من مشكلة في القلب على غرار هنري جورج كلوزو".

5 ــ اكتشفوا

"عندما عملت مع مدير التصوير غوردن ويليس في "العرّاب"، كنت لا ازال شاباً في مقتبل تجربتي لأفهم ما يريده ويليس. مع وصولي الى "تيترو"، تبلورت عندي النظرة الى السينما، لذا ترى ان الكاميرا لا تتحرك، وهذا الشيء ادين به الى كلٍّ من ويليس وأوزو. سمعت ذات يوم قصة عن جورج كيوكور الذي كان يريد تصوير قطار يسير على سكة بكاميرا ترافق سير القطار. فأثارت فكرته سخرية الجميع لأنه كما نعلم اذا رافقت الكاميرا قطاراً يمشي، فهذا يعني انك سترى في المحصلة قطاراً لا يتحرك على الشاشة. سرغي أيزنشتاين مثالي الاعلى في السينما. مورنو قال: السينما الناطقة لا بد منها. لكن شاء القدر أن يأتي مبكراً الى هذه الدنيا.

انحاز الى كل هؤلاء المخرجين الذين عاشوا وعملوا في مرحلة ما بعد الحرب، ومنهم طبعاً بيلي وايلدر وايليا كازان. في مئة عام فقط، وهي مرحلة قصيرة نسبياً، بات لدينا كل هذه التحف السينمائية. اعتقد أن الجنس البشري كان ينتظر ولادة السينما. ولو عاش شكسبير في عصرنا، اعتقد انه كان صار سينمائياً وليس كاتباً. لكن السؤال: كم في المئة من هذا الفنّ اكتشفنا؟ لم اعد أريد الكثير. أملك المال والشهرة. ماذا أريد بعد؟ ما اطلبه اليوم هو افلام شخصية. اريد أن اكتشف نفسي أكثر فأكثر. اريد من السينما أن تجعلني اكتشف نفسي. البهجة هي التي تجعلني اصمد أمام الرياح المعاكسة. ما الذي يجعلني أكمل مسيرتي؟ اريد أن اطلع على شؤون هذه الدنيا". 

ردّ
قلم "خارج الكادر"... والمهنة

جاءنا من ثلاثة أعضاء في لجنة التحكيم في مهرجان وهران السينمائي، أحمد بوغابة، ربيع زموري، وكوليت نوفل، الردّ الآتي على الزميل هوفيك حبشيان.

"قرأنا باستغراب كبير ما نشرته صحيفتكم "النهار" الموقرة، التي نكن لها كل الاحترام والتقدير، في زاوية تحمل اسم "خارج الكادر" تحت عنوان "وهران 2010: مهرجان لكمّ افواه الاعداء!".

ان هذا المقال ينطوي على تحامل هدام وغير مبرر على مهرجان يساهم، كغيره من المهرجانات، في تطوير السينما العربية، وفي تشجيع السينمائيين العرب على المزيد من الاتقان والابداع. كما ان المقال يتضمن ادعاءات كاذبة تتعلق بأعضاء لجنة التحكيم في المهرجان، واذا كنا نرحب بالنقد البنّاء والموضوعي لأنه من صميم العمل الثقافي، والمشهد السينمائي، فإننا لا نقبل بالسكوت عما تضمنه المقال من اتهامات لا صحة لها، ومن تشكيك في اشخاص اعضاء لجنة التحكيم، في ما يبدو بوضوح رغبة في تصفية حسابات شخصية، وتعبيراً عن احقاد دفينة لدى الكاتب.

لن نناقش كاتب المقال في حيثيات التنظيم، لكوننا لم نكن من طاقم التنظيم، ولكن سنناقشه من زاوية اننا اعضاء في لجنة التحكيم الرسمية التي اشار اليها الكاتب بما لم يحصل او يقع.

ويبدو لنا من خلال النص ان كاتب المقال هو نفسه "خارج الكادر"، اذ كان غائبا عن المهرجان وما كتبه عن لجنة التحكيم مجرد افتراضات، لا بل افتراءات، وهو كتب عن تظاهرة لم يحضرها اصلا، مما يخالف ادنى اصول المهنية وابسطها، وهو اعترف، بقلمه، بأنه حضر الدورة الاولى من المهرجان فحسب.

ان ما ذكره الكاتب عن لجنة التحكيم لا اساس له من الصحة اطلاقا، وما اورده هو سيناريو تافه فكيف يتيقن من صحة ما كتبه، وكيف يبني اتهامات وافتراءات كالتي اوردها، استنادا الى مصدر لا صدقية له، والى اقوال مخرج لم يفز في المهرجان؟

ان "الحماسة المفتعلة" للدفاع عن الشاب السوري جود السعيد مستغربة، وكذلك افتعال الاثارة حول فيلمه الذي تم اقصاؤه منذ المرحلة الاولى من اختيارات لجنة التحكيم، حيث لم يحظ بأي اشارة من اللجنة اذ تم رفضه جملة وتفصيلا من طرف جميع الاعضاء في اول نقاش حوله، وهذا ما يثبته تقرير اللجنة حول اشغالها ونقاشاتها ولوائح التصويت لجميع المراحل، والذي تتوافر نسخة منه عند مقررها الناقد السينمائي المغربي احمد بوغابة.

ألم يكن بالأحرى على الكاتب، إذا كان يحترم الاصول المهنية، أن يتحقق من "الحادثة" التي نقلها عن المخرج السوري المذكور من خلال الاتصال بعضو لجنة التحكيم السيدة كوليت نوفل، وهي لبنانية وتقطن بيروت، ليسألها عن صحة ما ادعاه مصدره عوض أن يكتفي برأي واحد، وخصوصاً أن الكلام المنسوب الى السيدة نوفل بالاسم في المقال غير صحيح وينطوي على تحامل شخصي عليها. ولا نشك في أن إدارة صحيفة "النهار" العريقة والمعروفة بمهنيتها العالية، لا تقبل بأن يتضمن أي مقال اتهاماً لشخص بالاسم، من دون الاتصال بهذا الشخص للتأكد من صحة الاتهام أو على الاقل لإعطائه فرصة الدفاع عن نفسه. من هنا يتأكد لنا من جديد غياب المهنية وأخلاقياتها عن النص في الشكل والجوهر، اللهم إلا إذا تعمد الكاتب الاساءة عن سابق تصور وتصميم.

من جهة أخرى، استغرب الكاتب التعامل مع السينما بغير ناسها، مشيراً في الدرجة الاولى الى اسم الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة الذي كان رئيساً للجنة التحكيم في مهرجان وهران، والمفارقة الغريبة هنا أن كاتب المقال في "النهار" كان هو نفسه عضواً قبل بضعة أشهر في لجنة التحكيم في مهرجان السينما المتوسطية للافلام القصيرة بمدينة طنجة المغربية، التي كان يترأسها الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي، فلماذا قبل إذاً بأن يكون عضواً في اللجنة اذا كان يرى وجوباً أن تكون مكوّنة من السينمائيين فقط؟".

النهار اللبنانية في

20/01/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)