حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"الشبكة الاجتماعية" يحقّق الإجماع النادر

و"العم بونمي" يطمئننا إلى حال سينما المؤلّف

ريما المسمار

في ختام كل عام، لا بدّ من تلبية النداء الذي يأتي على شكل سؤال: أي أفلام صنعت مجد العام السينمائي؟ وإذ يبدو السؤال في ظاهره سهلاً أو مقدوراً عليه، لا يلبث الغوص على إجابة- أو إجابات- عنه أن يتشعّب ويتحوّل رحلة مضنية للإجابة عن سؤال آخر أكثر عمقاً وصعوبة: ماذا نريد من السينما؟ وهل ما نريده يعتمد على "نوعية" الزمن الذي نحيا فيه؟ أم على نوعية السينما التي نعاصر اليوم؟ هل تسيّر الحاجة إلى شيء مفقود خياراتنا فتدفعنا في اتجاه اصطفاء الأفلام الأقل حضوراً؟ أم هل نحتفي بالسينما كأمر واقع يفرض حضوره اياً كانت نوعيته؟ تلك الاسئلة وغيرها تغدو أكثر صعوبة بالنسبة إلى هذه الرقعة من العالم حيث سبل التواصل مع الفن السينمائي خاضعة لشروط السوق وشروط السوق محكومة بحجم هذا السوق. هل نكتفي بما نشاهد في الصالات التجارية لتقويم نتاج العام السينمائي ونطعّمه ببعض "فلتات" سينمائية يوفره مهرجان هنا أو هناك؟ أم ننساق إلى الجدل الذي أثاره الناقد السينمائي الكندي مارك بيرانسن (بعيد فوز الفيلم التايلندي "العم بونمي الذي يستطيع تذكّر حيواته السابقة" في مهرجان كان السينمائي في أيار/مايو 2010) على صفحات مجلته "سينما سكوب" حيث كرّس معسكرين سينمائيين لا سبيل إلى الوصل بينهما ("نحن" هواة السينما الذكية وغير التجارية والمجدّدة و"هم" محبو السينما المكرّسة والجماهيرية)؟ قسمة بيرانسن ليست بعيدة من الواقع بل هي الاساس لكل ما يمكن قراءته في خواتيم العام على صفحات المجلات السينمائية والمواقع الإلكترونية وهي المكوّن السرّي الذي يميّز بين "النقد السينمائي" و"الصحافة السينمائية". كما أنّها الهوّة التي تفصل بين السينما الأميركية واسعة التأثير والحضور الجماهيري والأخرى الأوروبية وسواها الأقل حضوراً لدى الجمهور السينمائي إلا في ما ندر. وحده فيلم دايفيد فينشر"الشبكة" الإجتماعية" (The Social Network) عن مؤسس "فايسبوك" استطاع تجاوز الضفّتين إلى موقع الإجماع النادر في السينما، ليس فقط بفضل سيناريو آرون سوركن الذكي وإنما أيضاً لتعاطيه موضوعاً يشكّل هاجساً لدى الجميع: تأثير التشبيك العنكبوتي على حيويتنا وهويتنا الإنسانية. بخلافه، استقر فيلما كريستوفر نولن "بداية" (Inception) وجايمس كاميرون "افاتار" (Avatar) في قائمة الأفلام الهوليوودية. بينما حضر الفيلم الوثائقي في اختيارات المعسكرين من دون أن يتمكن فيلم وثائقي واحد من اقتناص إجماع يوحّدهما او يحقق اختراقاً للإثنين معاً كما هي حال فيلم فينشر.

في ما يلي جولة على أفلام العام 2010 الأكثر حضوراً في اختيارات النقّاد والصحافيين السينمائيين، نوردها بحسب التصنيف المكرّس: السينما غير الهوليوودية التي لا تحتاج إلى شهادة شباك التذاكر للتدليل على أهميتها والأخرى التي يصنع الجمهور مجدها.

 

سينما العالم.. أبرز محطات 2010 

اللحظة السينمائية الفاصلة للعام 2010 كانت بلا شك فوز أبيتشاتبونغ ويراسيتاكول بالسعفة الذهب من مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "العم بونمي الذي يستطيع تذكّر حيواته السابقة" (Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives). شرّع ذلك الفوز غير التقليدي لفيلم ينتمي إلى التجريب وسينما المؤلف ومن مهرجان هو المنصة السينمائية الأعلى شأناً في العالم اليوم، شرّع الأبواب أمام احتضان سينما مختلفة وحدا بالكثيرين إلى الإطمئنان إلى حال سينما المؤلّف في العالم. من جهة ثانية، جاء الإجماع غير المسبوق على شريط دايفيد فينشر "الشبكة الإجتماعية" (The Social Network) في خواتيم العام 2010 مثالاً على سينما باتت شبه منقرضة: سينما مؤلّف ذات تأثير جماهيري كبير. هاتان اللحظتان موّهتا الحدود للوهلة الأولى بين سينما غير تجارية عموماً مازالت ترى إلى الفن السينمائي عالماً خاصاً مواتياً للبوح الذاتي كما لمناقشة عناوين كبرى من زوايا غير مطروقة وأخرى أميركية هوليوودية، تحرّك الجماهير وترفّه عنهم وتمنحهم مادة للإستهلاك السهل. عدا ذلك، لا نعثر في قوائم النقّاد السينمائيين التي تحاول اختزال العام السينمائي بخمسة أو عشرة أفلام على أفلام جماهيرية، أي أميركية بالدرجة الأولى. حتى الأفلام الأميركية الأكثر استقلالية تكاد لا تشكّل حضوراً يُذكر بين نظيراتها من سينما أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وشرق آسيا. الإستثناءات بهذا المعنى قليلة تنحصر بحفنة قليلة مثل: "عظم الشتاء" (Winters Bone) لديبرا غرانيك، "الطريق" (The Road) لجون هيلكوت، "قطع الوديع" (Meeks Cutoff) لكيلي ريتشارد، المخرج فريديريك وايزمن بفيلميه "الرقص: باليه باريس الأوبرالية" (La Danse: The Paris Opera Ballet) و"نادي الملاكمة" (Boxing Gym)، "غرينبرغ" (Greenberg) لنواه بومباخ، "البجعة السوداء" (The Black Swan) لدارن أرونوفسكي...

"الشبكة الإجتماعية": مثل "المواطن كاين" والجزءان الأولان من "العرّاب"، يدين هذا الفيلم بجزء كبير من عبقريته إلى قدرته على تصوير الفساد المحتّم في عالم الأعمال والمال الكبير. خلا أن فيلم فينشر-سوركن يختلف عنهما بحس كوميدي معاصر، بينما يتواصل مع أعمال مخرجه السابقة لاسيما "زودياك" من خلال عودته إلى شخصية المنبوذ الإجتماعي الغامض الذي يعيد تشكيل العالم وفقاً لرغباته وتصوّراته، تاركاً من حوله تائهين في محاولات فهم اللغز ولملمة الفوضى.

"العم بونمي الذي يستطيع تذكّر حيواته السابقة": حقّق خرقاً حقيقياً في مهرجان كان السينمائي بلغته السينمائية المبتكرة وسرده المتقشّف الذي يمنح المشاهد ثقة كبرى لملء الثغرات الكثيرة. إنه تأمل فلسفي في معنى الموت من خلال "العم بونمي" الذي يعيش أيامه الأخيرة مستعيداً ماضيه برفقة شبح زوجته المتوفاة وابنه العائد في هيئة غير مؤنسنة.

"سنة أخرى" (Another Year): فيلم مايك لي عن زوجين في خريف العمر تأمل في السعادة أو الأحرى في غيابها، يقلب مفاهيم التعاطف والشفقة والإعجاب. إليه، شهد العام 2010 حضور أفلام بريطانية شجاعة مثل "شجرة" (Arbor) لكليو بارنارد الهاربة من سينما الواقعية الإجتماعية- على الرغم من موضوع الفيلم الواقعي والإجتماعي بامتياز- إلى مزيج من التوثيق والدراما لاستعادة سيرة الكاتبة المسرحية أندريا دنبار التي رحلت عن 29 عاماً بسبب إدمانها الكحول.

"كارلوس": شريط أوليفييه أساياس هو المشروع السينمائي الأكثر طموحاً وضخامة خلال العام 2010. فمن فيلم تلفزيوني يربو على الخمس ساعات ونصف الساعة- عرض في مهرجان كان وسط جدل حامي الوطيس حول اجتياح التفزيون للسينما والحدود بينهما- إلى نسخة سينمائية من ثلاث ساعات، برهن أن موضوع الإرهاب مازال جذاباً بالنسبة إلى المخرجين ووعاءً لفيلم تشويقي غير مهتم بسيكولوجيا الإرهابي. ولكن "كارلوس" لم يكن المشروع التلفزيوني الأوحد الذي تبنى السينما خلال العام المنصرم إذ يتجاور مع شريط المخرج البرتغالي الأصل راوول رويز "أسرار لشبونة" (Mysteries of Lisbon المقتبس عن رواية تدور أحداثها في القرن التاسع عشر) والحبل على الجرّار مع مشروع الأميركي تود هينز المقبل "ميلدرد بيرس".

"عظم الشتاء": أحد الأفلام الأميركية المستقلة التي استطاعت حفر طريقها إلى النور. يدور فيلم ديبرا غرانيك القاسي حول رحلة مراهقة لاكتشاف مصير أبيها المختفي في الوقت الذي يتوجب عليها فيه الاهتمام بأخويها وأمها العاجزة.

"أنا الحب"( I am Love): يعيد شريط لوكا غوادانينو أمجاد السينما الإيطالية من خلال حكاية تدور أحداثها بين أفراد الأرستقراطية المترهّلة مع تيلدا سوينتن في الدور الرئيسي ودور المنتجة المشاركة ايضاً التي رافقت المشروع مع مخرجه على مدى 11 عاماً.

"سيرة نيكولاي تشاوشسكو الذاتية" (The Autobiography of Nicolae Ceausescu): واحد من ثلاثة أفلام رومانية برزت خلال العام، يعيد شريط أندريه يوجيكا بناء الأرشيف الرسمي للديكتاتور الروماني مستعيناً بمحاكمته ومونولوغه للتعليق عليها. بمحاذاته، برز شريط كريستي بيو "أورورا" الذي يدور حول رجل يرتكب فعل القتل مراراً وتكراراً مدفوعاً بالكبت الذي يعانيه بسبب زوجته وأهلها. الفيلم الروماني الثالث الذي يستكمل صعود هذه السينما الشابة هو "إذا أردت أن أصفر سأصفر" لفلورن سربان.
"حنين إلى الضوء" (
Nostalgia for the Light): شريط وثائقي بتوقيع التشيلي باتريسيو غوزمن أذهل العالم بمقاربته لموضوع المفقودين خلال حكم الديكتاتور بينوشيه. في صحراء أتاكاما التي تشكّل سماؤها الملاذ الأنقى لعلماء الفلك، ثمة ماضٍ مدفون في رمالها يشكّل الحاضر.

"شعر" (Poetry): شريط درامي للمخرج لي تشانغ دونغ يدور حول امرأة ستينية تظهر اهتماماً مفاجئاً بكتابة الشعر بينما تصارع مرض "الزهايمر" ومشكلات حفيدها. حاز الفيلم جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان 2010.

"فيلم اشتراكية" (Film Socialisme): تاثير جان-لو غودار المستمر لا خلاص منه. مرة جديدة يترك هذا السينمائي المتفرّد أثراً سينمائياً يحتاج إلى دهر لفك رموزه، بينما يمارس تلاعبه بالصوت والصورة تاثيره الفوري على مشاهده.

"نسخة مصدّقة" (Certified Copy): النتيجة الحتمية التي كان يتوجب على السينمائي الإيراني عباس كياروستامي الوصول إليها مع الإنغلاق الممنهج لأفق التعبير في بلده الأم. ولكن تجربة كياروستامي أبعد من مجرد حاجة إلى الخروج إذ تناوش مفاهيم العلاقات والزواج والحب والواقع والفرضية كلها من خلال سؤال شَرطي بسيط: "ماذا لو؟"

"رجال وآلهة" (Of Gods and Men): سرد كلاسيكي باهر من المخرج الفرنسي كزافييه بوفوا، يعيد بناء مذبحة الرهبان في الجزائر على أيدي إسلاميين متطرّفين، متجاوزاً كليشيهات التشويق إلى دراسة عميقة حول الخوف والإيمان والتسامح القاتل.

"أرواح صامتة" (Silent Souls): شريط روسي لألكسي فيدورتشينكو من الأعمال النادرة التي تستحضر روح تاركوفسكي من دون جهد أو تقليد، ويطعّمها بفكاهة تتجاور بغرابة مع موضوعات الحب والهوية والوقتية المحزنة.

  

إضاءات 

[ الفيلم العربي الوحيد الذي ورد على قائمة أحد النقّاد الأجانب لأفضل خمسة أفلام عرضت خلال العام 2010 هو "الزمن الباقي" للسينمائي الفلسطيني إيليا سليمان من إنتاج العام 2009.

[ تصدّرت أخبار المخرج الإيراني جعفر باناهي الصحف العربية والأجنبية منذ اعتقاله في مطلع شهر آذار الفائت وقبلها عندما منعته السطات الإيرانية من السفر للمشاركة في مهرجان برلين. وقبل ايام صدر حكم يقضي بسجنه ست سنوات ومنعه من إنجاز الأفلام لمدة عشرين عاماً! بات معروفاً أن السينمائي الذي ينتمي الى جيل ما بعد الثورة في السينما الايرانية المستقلة كان في صدد التحضير لمشروع سينمائي حول المظاهرات التي عمت ايران في فترة الإنتخابات الرئاسية وما رافقها من عنف وتنكيل تجاه الشعب.

[ شهد العام 2010 إحياء النقاش حول "الموجة الفرنسية الجديدة" (Nouvelle Vague) من خلال ثلاثة أحداث تتراوح بين الحزن والخزي. فقد شهد العام 2010 في مستهلّه رحيل أحد أبرز رموزها السينمائي إريك رومير في كانون الثاني وعلى مشارف نهايته رمزها الكبير الثاني كلود شابرول في أيلول. وبينهما أثار أيقونتها الحيّة غودار سجالاً واسعاً برفضه السفر لتسلّم الأوسكار التكريمي وبنقده اللاذع للأكاديمية التي لم تلتفت يوماً لأفلامه.

[ التراث السينمائي كان في بقعة الضوء على خلفية ترميم عدد كبير من الأفلام الكلاسيكية واكتشاف أخرى. في الخانة الأولى، كان الخبر الأبرز ترميم النسخة الكاملة من فيلم فرتيز لانغ الكبير "متروبوليس" (1927)، فضلاً عن النسخة الأولى من "اليس في بلاد العجائب" (1903) و"صندوق باندورا" (1929) لجي دبليو بابست و"الفهد" The Leopard (1963) لفيسكونتي و"المومياء" للمصري شادي عبد السلام و"طقوس الربيع" (1963) لمانويل دي أوليفيرا. على صعيد الإكتشافات، شهد العام 2010 العثور على فيلم دوروثي آرزنر "بنات عاملات" (Working Girls، 1931) و Upstream (1927) لجون فورد وغيرها.

[ أنجز السينمائي البرتغالي مانويل دي أوليفيرا فيلماً جديداً مع بلوغه عامه الأول بعد المئة في عنوان "قضية أنجيليكا الغريبة" وعرض في قسم "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي. كما شهد العام 2010 وبالتزامن مع بلوغه مئة وعامين إعادة إطلاق فيلمه الروائي الأول "أنيكي بوبو" Aniki B?b? في صالات السينما في مدينتي لشبونة وبورتو بعد 68 عاماً على عرضه الأول هناك وتحضيره لمشروع سينمائي جديد مع المنتج لويس أوربانو في عنوان "قدّاس منتصف الليل".

[ عرض السينمائي الفرنسي آلان رينيه (88 عاماً) صاحب "هيروشيما حبي" فيلمه السابع والأربعين "عشب بري" Wild Grass، بينما حظيت مواطنته أنييس فاردا (82 عاماً) بموسم استعادي قي معهد الفيلم البريطاني.

[أشاد النقّاد في استفتاء مجلة "سايت أند ساوند" البريطانية المتخصّصة بالسينما بالفيلم السويدي "الفتاة ذات الوشم التنيني" لنيلز آردن أوبليف المقتبس عن الجزء الأول من ثلاثية الكاتب الراحل ستيغ لارسن الذي يشتغل دايفيد فنشر على نسخته الأميركية.

وجد فيلم المخرج الفرنسي جاك أوديار "نبي" Un Prophete طريقه إلى قائمة أفضل أفلام 2010 عند بعض النقاد على الرغم من أن إنتاجه يعود إلى العام 2009 وذلك لأن معظم عروضه التجارية جرت في مطلع العام 2010.

فيلم التحريك الوحيد الذي كرّمه بعض النقاد من بين أفلام 2010 هو "المخادع" The Illusionist لسيلفان شوميه المأخوذ عن سيناريو لجاك تاتي كتبه في العام 1956 كرسالة لابنته هيلغا ماري-جين التي تبرأ من مسؤوليته تجاهها ولكنه لم يصوره ابداً. حصل شوميه على السيناريو من ابنة تاتي "صوفي" قبل وفاة الاخيرة عام 2001 ليصنع فيلماً عن شخصية ساحر منحوتة على شكل تاتي.

 

السينما الهوليوودية: منتهى الخيال..المحدود 

مارس "الشبكة الإجتماعية" تأثيراً مختلفاً على حصاد السينما الأميركية التجارية للعام 2010 عن ذاك الذي فرضه على السينما في العالم. في الأخيرة، شقّ طريقه وسط عمالقة سينما المؤلف والسينما الفنية والتجريبية و"البطيئة" وإلى ما هنالك من تسميات وتصنيفات، فكان الأوحد من بين الأفلام الجماهيرية الذي يصل تلك المكانة المتقدّمة. أما على صعيد هوليوود، فقد تسبّب الفيلم بعزوف مقرري جوائز الصناعة السينمائية (إلى الآن وبانتظار ورود المزيد من الترشيحات) عن أفلام سال الحبر في مديحها خلال العام مثل شريط كريستوفر نولن Inception. لم يتأذَ شريط جايمس كاميرون "أفاتار" بالقدر نفسه لأن إنتاجه الفعلي يعود إلى العام 2009 وبالتالي فقد نال قسطه من الجوائز والتكريمات في حينه. ولكن يمكن القول أن شريطي نولن وكاميرون تكاملا لجهة إعلائهما الفكرة والمؤثرات على ما عداهما، فغيّب الأول (Inception) فكرة المكان في السينما بينما ألغى الثاني قواماً سينمائياً آخر هو الممثل. خلف الفيلمين، على ابتكارهما، لاسيما Inception، خيال ينطلق متفلّتاً ولامع الذكاء قبل أن ينغلق داخل صيرورته المحدودة التي تشهر إفلاسها بعد وقت قصير. بمعنى آخر، ذلك الخيال اللامتناهي الذي يستطيع أن يبدع فكرة او يدعي تصوير الذهن البشري، يعجز في نهاية المطاف عن استكشاف الأبعاد الشاسعة لموضوعه. ولكن على الرغم من ذلك، حضر Inception في استفتاءات بعض النقاد. أما فيلم كاثرين بيغالو "خزانة الألم" The Hurt Locker الذي ابتلع "أفاتار" خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار في آذار الفائت، فكان هو الآخر ذا تأثير كبير. بل يمكن القول ان تفوق شريط بيغالو الحربي والحميم في مطلع العام وخروج "الشبكة الإجتماعية" في خواتيمه أرسا أسساً مختلفة لاختيارات النقّاد حتى من بين الأفلام الجماهيرية. كأن الفيلمين- "الشبكة الإجتماعية" أكثر من "خزانة الألم"- مهّدا الطريق لاختيارات تشبههما على الأقل لجهة كسر النمطية والمقاربات التي تقوم على شيء من الجرأة والتجديد. هكذا انتهى العام 2010 بخلاف ما ابصر النور عليه، منحازاً إلى أفلام أقل بهرجة، نستعرض هنا أبرزها:
"الأولاد بخير" (
The Kids are Alright): فيلم كوميدي لليزا تشولودنكو مع جوليان مور وأنيت بينيغ في دوري سحاقيتين متزوجتين تربيان ولدين.

"عزيمة حقيقية" (True Grit): استعادة الأخوين كوين لفيلم هنري هاثواي الويسترن من إنتاج 1969 الذي يحمل العنوان عينه مازال في عروض الدوائر الضيقة إذا خرج قبل يومين فقط في الصالات التجارية. تدور الأحداث حول فتاة مراهقة تقرر الإنتقام من قتلة والدها بمساعدة "روستر كوغبيرن". مع جيف بريدجز في الدور الرئيسي يسانده كل من مات دايمن وجوش برولن، وعلى الرغم من غيابه عن ترشيحات "الكرة الذهب"، يتوقع أن ينال الفيل حقه من ترشيحات الأوسكار القادمة.

127 ساعة (127 Hours): فيلم داني بويل الأول منذ "المليونير المتشرّد" مختلف الإيقاع والموضوع والمقاربة عن سابقه إذ يتناول قصة حقيقية عن متسلق الجبال آرون رالستون الذي علق خلال إحدى رحلاته في منطقة وعرة لأكثر من خمسة ايام. جايمس فرانكو يلعب دوره.

"جزيرة شاتر" (Shutter Island): استعاد سكورسيزي في هذا الفيلم الكثير من تاثيره السابق في مجال التشويق والعمق النفسي للشخصيات والسرد المحبوك وكذلك الغموض. ليوناردو ديكابريو قدم واحداً من أفضل أدواره خلال السنوات الأخيرة من خلال شخصية المحقّق (أو من يظن نفسه كذلك) في قضية هرب مريضة من مصح عقلي. اشتغال سكورسيزي على الشريط الصوتي للفيلم كان من بين العناصر التي نالت المديح الأكبر في العمل.

"في الهواء" (Up in the Air): فيلم جايسن رايتمن الأول منذ "جونو" مزيج من الرومنسية والكوميديا ودراسة الشخصيات، التي تتكامل لتقديم فيلم متماسك مع جورج كلوني وفيرا فارميغا في الدورين الرئيسيين.

"قصة لعبة 3" (Toy Story 3): ختام الثلاثية أبكى كثيرين ممن اعتبروا الفيلم قصيدة وداع في الطفولة وسينما الشخصيات الإنسانية التي ابتلعتها ثورة الديجيتال. مع "قصة لعبة 3"، برز فيلم تحريك آخر خلال العام هو "كيف تروّض تنينك؟" How to Train your Dragon.

"المقاتل" (The Fighter): استطاع فيلم دايفيد أو راسل اللحاق بلائحة أفضل أفلام 2010 في اللحظة الأخيرة مع خروجه في الصالات الأميركية قبل ايام ونيله عدداً من ترشيحات الكرة الذهب بما لم يكن متوقعاً. العلاقة بين شقيقين على خلفية الملاكمة تبرهن أن هذه الرياضة لم تفقد بريقها في السينما.

"جحر الأرنب" (Rabbit Hole): نيكول كيدمن تعود في دراما حول الفقدان مع آرون إكهارت في دور زوجها في مواجهة موت ابنهما. الإخراج لجون كاميرون ميتشل.

"خطاب الملك" (The Kings Speech): على الرغم من أن فيلم توم هوبر ليس أميركياً ولا هوليوودياً إلا أنه استقبل استقبال الأفلام الضخمة لاسيما بعد أن حصد ترشيحات جوائز "الكرة الذهب". غالب الظن أنه كولن فيرث الذي يقدم هنا شخصية الملك جورج السادس الذي يعاني من التأتأة ومعالجه جيفري راش حيث يقدّم الممثلان أداءين رائعين في دراما تاريخية كلاسيكية.

"البجعة السوداء" (Black swan): فيلم دارن أرونوفسكي انطلق بمسيرة النجاح منذ افتتح الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية السينمائي. على الرغم من تفاوت الآراء النقدية في الفيلم، حاز الشريط الإجماع في ما يتعلّق بحرفة مخرجه وأداء ممثليه ناتالي بورتمن وفينسنت كاسل وميلا كونس الذين يلتقون داخل فرقة باليه في أجواء من الإستغلال والجشع.

 

 نجمات 2010: ممثلات فوق الأربعين  

نيكول كيدمن (43 عاماً) في Rabbit Hole تلعب دور أم فقدت ابنها كما تلعب دور المنتجة خارج أحداث الفيلم.

ميريل ستريب (61 عاماً) المتألقة دوماً حافظت على حضورها خلال العام 2010 من خلال الكوميديا الرومنسية "إنها معقّدة" Its Complicated قبالة أليك بالدوين وذلك للسنة الخامسة على التوالي منذ "الشيطان يرتدي برادا" في العام 2006.

ساندرا بولوك (45 عاماً) في "الجهة المظلمة" The Blind Side الذي حازت عنه أوسكار أفضل ممثلة مطلع العام 2010.

ديان لاين (45 عاماً) في "سكريتيرييت" تقدم دور امرأة في عالم سباق الخيول الرجالي بامتياز.

نايومي واتس (42 عاماً) في "لعبة عادلة" Fair Game بدور العميلة الفيدرالية فاليري بلايم.

هيلين ميرين (65 عاماً) في Red تلعب دوراً مختلفاً تماماً عن أدوارها السابقة وتلهو بالأسلحة الثقيلة.

تيلدا سوينتن (50 عاماً) في "أنا الحب" I am Love تلعب دور أرستقراطية إيطالية من اصل روسي تتورط في علاقة غرام وغواية وتهدد موقع عائلتها.

أنيت بينينغ (52 عاماً) وجوليان مور (50 عاماً) في دوري سحاقيتين في الكوميديا المستقلة "الاولاد بخير" The Kids are All Right.

جوليا روبرتس )43 عاماً) في Eat, Pray, Love تخوض رحلة التعافي من الطلاق واكتشاف الذات ومتع الحياة وروحانيتها.

هالي بيري (44 عاماً) في "فرانكي وأليس" الذي أنتجته أيضاً ويدور حول امرأة سوداء تعاني من تعدد الشخصيات ومن بينها شخصية إمرأة بيضاء عنصرية.

 

كتيبتان هما الأكثر شهرة في الكتابة الجماعية للأعمال السينمائية 

تكاد الكتابة الجماعية للسيناريو والحوار ان تتحول ظاهرة في الوسط الفني في مصر بعد أن أثبتت حضوراً قوياً في عدد من الأفلام السينمائية. يتزعم هذا التوجه فريقان، على الأرجح، يطلق على كل منهما الكتيبة الثلاثية. أولاهما وتتكون من: أحمد فهمي، وشيكو وهشام ماجد. وقد وضع هؤلاء الثلاثة قصصاً تحولت أفلاماً ناجحة بشهادة الجمهور والنقاد، هي: "سمير وشهير وبهير"، "كده رضا" للممثل الكوميدي أحمد حلمي، و"اتش دبور" للفنان أحمد مكي، و"بوشكاش" للفنان محمد سعد، و"فاصل ونواصل" لكريم عبد العزيز. وتضاف الى سجلهم في الكتابة أعمال أخرى، من بينها: "رجال لا تعرف المستحيل"، و"ورقة شفرة" وسواها. وينكب هذا الثلاثي، في الوقت الراهن على كتابة فيلم جديد بعنوان: "الرجل العناب".

وكان الناطق باسم هذا الفريق، أحمد فهمي، قد برر هذا النوع من التأليف السينمائي، في أحاديث صحافية بالقول انه لا يجد عيباً في هذه المسألة، باعتبار ان الزملاء الثلاثة تجمعهم أفكار مشتركة وتطلعات متقاربة. وهم يعبرون عن هذا التوجه في النظرة الى الحياة من خلال الكتابة السينمائية. وأضاف أنهم يتعاملون مع السيناريو بأسلوب ورشة العمل التي تفترض انصهاراً بين الثلاثة، ويعتمدون في ذلك على التعبير عن طموحات الشباب ومشاكلهم، ومن ثم إضحاك المشاهدين.

الفريق الآخر وقوامه: وليد سيف وسامح سر الختم ومحمد نبوي. وتذيل توقيعاتهم سيناريوات عدد من الأفلام السينمائية التي حازت نجاحاً ملحوظاً. من بين أعمالهم: "ضابط وأربع قطط" لهاني رمزي و"شيكامارا"، لمي عز الدين، و"شبه منحرف" لرامز جلال.

يرى وليد سيف في دفاعه عن الكتابة الجماعية، في أحاديث ومقابلات صحافية، ان الكتابة الإفرادية ذات أفق محدود سرعان ما تتحول تكراراً لأفكار سبق وان استخدمها صاحبها في عمل ما. أما الكتابة الجماعية فتثري النص السينمائي بأفكار مختلفة نابعة من تجارب مختلفة ومخيلات متعددة. والأهم ان يُصار الى الدمج بين هذه الأفكار المتباينة في سياق موحد من قراءة الشخصية في أبعادها السينمائية. وقد تصبح هذه المشاركة ضارة بالعمل الفني في حال الفشل في التفاهم بين أعضاء الفريق في مجال التوصل الى سياق موحد حتى لا يبدو السيناريو مشتتاً أو غير متجانس على الاطلاق. ويتوقع ان تزدهر هذه الورش الجماعية للكتابة الفنية في المستقبل المنظور نظراً الى الحاجة الماسة اليها لإنقاذ النصوص الفنية من رتابتها.

المستقبل اللبنانية في

24/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)