حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

زينة:

تجربتى فى «بلبل» نقلة فنية لأن جمهور «حلمى» بلا حدود

حوار   نجلاء أبوالنجا

منذ بداية زينة الفنية فقد وضعت لنفسها قاعدة خاصة لاختيار أعمالها وهى قاعدة «الكيف قبل الكم».. لذلك جاءت معظم تجاربها - خاصة السينمائية - شديدة التميز وتنتمى لفئة الأعمال ذات العيار الثقيل من حيث الموضوعات والأفكار والمخرجين والنجوم.. وهذا العام قدمت ثلاث تجارب سينمائية وهى: فيلم «بنتين من مصر» وفيلم «الكبار» وأخيرا فيلم «بلبل حيران» مع أحمد حلمى.. زينة تحدثت فى حوارها مع «المصرى اليوم» عن اختياراتها السينمائية وتقييمها لتجربتها فى فيلم« بلبل حيران»، ورأيها فى الهجوم الذى تعرض له الفيلم.. وعلاقتها بأحمد حلمى ومنى زكى.. وأخيراً سر انسحابها من مسلسل «ذات» وما تردد عن حدوث أزمة بينها وبين أسرته بسبب هذا الانسحاب.

كيف جاءت تجربتك مع أحمد حلمى فى فيلم «بلبل حيران» وهل طلبت تعديلات على الدور؟

- عرضت علىّ الشركة المنتجة للفيلم السيناريو وبمجرد أن قرأت الفيلم ككل ودورى تحديداً أعجبت جداً بالفكرة خاصة أننا يمكن أن نقول عليها من نوعية السهل الممتنع، فالفيلم كوميدى خفيف لكنه يحمل معانى مهمة جدا.. وتحدثت مع حلمى وتناقشنا فى الدور ولم أطلب أى تعديلات من أى نوع لأن السيناريو محكم وكل الأدوار جيدة جداً.. وشعرت أن شخصية ياسمين فى الفيلم تشبهنى فى أشياء كثيرة خاصة فى الكبرياء وعزة النفس والاعتماد على الذات.. وهى المرة الأولى التى أتعامل فيها مع حلمى فنيا لكن تربطنى به علاقة جيدة.. وتربطنى أيضا بمنى زكى صداقة وهما من أهم الأشخاص الذين وقفوا إلى جوارى فى مواقف كثيرة.. كما أنه من أهم الممثلين فى مصر والعالم العربى وهو الوحيد تقريبا الذى يجمع عليه كل فئات الجمهور.. فلا أحد يختلف على ذكاء حلمى وموهبته واجتهاده فهو شخص يخاف جداً على كل تفاصيل فيلمه بشكل يجعل الجميع يظهرون بأفضل صورة.

وكيف استفدت كممثلة من وقوفك أمام حلمى؟

- لا أنكر أنى كنت أتمنى العمل معه ومع المخرج خالد مرعى، لأنه أيضا مخرج شديد الحرفية والتميز ولهذا رحبت جدا بالفيلم، لأن أى ممثلة ستقف أمام حلمى سيراها ملايين المشاهدين العاشقين لحلمى فى كل مكان، ويمكن أن أقول إن جمهور حلمى بلا حدود، وهذه أهم استفادة لأى ممثل يقف أمامه.. والفيلم مع حلمى يحقق المعادلة الصعبة وهى الجمهور والسينما والفن والإيرادات، وبعد الفيلم شعرت أنى قدمت سينما ومسلسلاً فى نفس الوقت حيث قدمت فيلماً وشاهده جماهير أكثر من جمهور المسلسلات.

ألم يكن لك أى تحفظ على أن اسمك أكبر من المشاركة فى بطولة نسائية بها ثلاث ممثلات؟

- طبعا لم أجد أى مشكلة فى أن تكون إيمى وشيرى بطلتين معى فى بطولة الفيلم، خاصة أنهما موهوبتان جدا ومبشرتان.. كما أنى لست من الممثلات اللاتى يحسبن الأمور بحجم الأدوار والبطولات وإلا كنت قدمت كل أعمالى بطولة مطلقة.. والتجربة تثبت أنى مؤمنة بمبدأ الدور الجيد وليس البطولة، بدليل فيلم «واحد صفر» الذى شاركت فيه مع عدد كبير من الممثلين وكان بطولة جماعية وكذلك فيلم «الجزيرة» و«بنتين من مصر» وفيلم «الكبار» واخيرا «بلبل حيران» لكن طبعا هذه القاعدة لها شروط صارمة جدا لدى.. فلابد أن يكون الدور مهم جدا وفى عمل كبير ومؤثر ومع فريق عمل مهم من الإنتاج للإخراج للممثلين..

وما رأيك فى الهجوم الذى تعرض له الفيلم واتهامه بأنه فيلم خفيف ويعتمد على بعض الإفيهات والألفاظ الخارجة؟

- أتعجب كثيرا من آراء بعض النقاد والهجوم الحاد على كل شىء.. وبالنسبة لهذا الفيلم بالذات، لأنه فيلم جيد بكل المقاييس، وعند عرض الفيلم كنت خارج مصر وقرأت بعض المقالات التى اتهمته بأنه مجرد فيلم كوميدى خفيف.. رغم أن هذا ليس اتهاماً، بالعكس هو شرف لأن الكوميديا من أصعب أنواع الفنون.. وبالتأكيد كنا نعلم ونقصد أن يكون الفيلم (لايت كوميدى) لكنه يحتوى على رسالة مهمة جدا، وهى أن الإنسان الذى لا يبحث عن الحب ويبحث فقط عن المواصفات لا يمكن أن يجد ما يبحث عنه.. والحب أغلى من أى شىء.. وبصراحة الفيلم غيرنى إنسانيا وجعل كثيراً من قراراتى تتخذ أشكالا أخرى.. أما بالنسبة للألفاظ التى يقولون عليها خادشة فلا أجد هناك أى خروج عن المألوف «هى دى ألفاظ أصلا.. ما يروحوا يشوفوا الألفاظ اللى بجد فى أفلام تانية ولاّ مالاقوش فى الورد عيب ؟؟».. وعموما الأهم عندى هو رأى الجمهور، مع احترامى للنقد، طالما أن الفيلم جيد وحقق إيرادات وأعجب الناس وليس مطلوباً منا أن نقدم أفلاما عن نصر أكتوبر حتى يفرح بنا النقاد، ويكفى أن فيلم «بلبل حيران» أحدث طفرة فى الإيرادات وكان يحقق فى اليوم الواحد مليونين ونصف المليون.

هل هذا يعنى أنك لا تهتمين بالنقد؟

- أهتم به جدا وأحترمه وأقدره لكن فى حدود مدى استفادتى منه فأحيانا أقرأ نقدا يفيدنى جداً ويجعلنى ألتفت لنقاط مهمة فى أدائى أو مستواى الفنى وأحيانا أخرى أقرأ نقدا غريبا سواء لى أو لغيرى، فنجد ناقدا يهاجم تسريحة الشعرى والمكياج واشياء غريبة وهذا طبعا لا أهتم به. وعموما أنا لا أنزعج مهما كانت شدة النقد «لأنى اخدت على كده». وللأسف لدى شعور بأن «الفنان لازم يموت عشان النقاد يكتبوا عنه كويس».

تشاركين حنان ترك فى بطولة فيلم «المصلحة» مع أحمد عز وأحمد السقا.. ألا تخشين الوقوف أمام ممثلة فى قوة حنان؟

- لن تصدقونى إذا قلت إن حنان ترك من أهم الأسباب التى شجعتنى على قبول فيلم «المصلحة» فهى ممثلة كبيرة ومهمة بالإضافة إلى أنها إنسانة على أعلى مستوى ولها دور لا أنساه فى بدايتى الفنية فى فيلم «منتهى اللذة» ولهذا السبب أنا شديدة السعادة بهذه التجربة إضافة إلى رغبتى فى العمل مع المخرجة المتميزة ساندرا نشأت والمنتج وائل عبدالله والسقا وعز، فأنا سعيدة جدا بمشاركتى فى هذا الفيلم خاصة أن الدور مهم وجيد وسيكون الفيلم بوجه عام مباراة فنية ممتعة.

هل ارتباطاتك السينمائية سبب اعتذارك عن مسلسل «ذات» للمخرجة كاملة أبوذكرى.. وما حقيقة غضب أسرة المسلسل من انسحابك المفاجئ؟

- ارتباطاتى السينمائية ليس لها أى علاقة بالتليفزيون لأنى أسير وفق خطة زمنية منظمة بحيث لا تتعارض مواعيد أعمالى.. ولم أعتذر عن مسلسل «ذات» بشكل مفاجئ كما يقال، فقد كان هناك اتفاق بينى وبين أسرة المسلسل على أن يتم تنفيذ المسلسل مبكرا بحيث لا يعرض فى شهر رمضان لأن لدى مسلسلاً آخر اتفقت عليه للعرض فى رمضان ولا أحبذ فكرة عرض مسلسلين لى فى شهر واحد.. وكانت أسرة المسلسل موافقة على طلبى.. لكنهم تأخروا فى التنفيذ، ووجدنا أن مسلسل «ذات» بهذا الشكل سيعرض فى رمضان، وهذا مخالف لاتفاقى، ولهذا اعتذرت واحترمت أسرة المسلسل ذلك دون وجود أى مشكلة.

المصري اليوم في

19/12/2010

 

«عام آخر».. سيمفونية الوحدة والصداقة والشجن النبيل

كتب محمود عبد الشكور

منذ سنوات طويلة، لم أخرج من أحد أفلام بهذه الحالة العميقة من الشجن التي خرجت بها بعد مشاهدة الفيلم البريطاني «Anoshea year» أو «عام آخر» الذي كتبه وأخرجه المخرج الكبير «مايك لي» لا.. ليس هذا الحزن وإنما الشجن، أو تلك الحالة التي تجعلك تشعر بالحنين الجارف لذكري أو لصديق ولمكان، وقد تدفعك إلي أن ترفع سماعة التليفون لتأتنس بصوت لم تسمعه منذ فترة طويلة، أو ترغب في أن تجتمع مع زملاء الدفعة الذين باعدت بينهم الأيام، حالة مركبة من الاحتياج العاطفي لدفع شعور غير مرئي بالوحدة ينهش في الروح ويقلقها، إنها بالضبط الحالة التي رسمها الفيلم الكبير الذي عرض في المسابقة الرسمية بمهرجان كان 2010، شخوص لا تظهر تقريبًا بمفردها، ولا تتوقف ابدًا عن الكلام والثرثرة والضحك والأكل والشرب، ولكنها في الحقيقة تشعر بطوفان الوحدة بسبب تقدم السن، أو نتيجة فقدان الأصدقاء بالموت، أو لأنها لم تحقق ما كانت تحلم به، وفي كل الأحوال، ليس أمام هذه الشخوص سوي أن تتلاصق معًا مثل الخرفان التي يطاردها ذئب لا يرحم، ليس أمامها سوي أن تحتمي بالصداقة، وبالأسرة، بل وبالأشياء الصغيرة لتؤنس وحشتها، ومع ذلك يظل الاحساس بالشجن النبيل قائمًا ليضفي طابعه الرمادي علي كل حركات هذه السيمفونية البديعة.

ليست لدينا حكاية تقليدية لها بداية ووسط ونهاية، ولكن لدينا عدة شخوص «رجال ونساء معظمهم تجاوزوا مرحلة الشباب» يجتمعون ويفترقون، يتابعهم المؤلف المخرج راسمًا «بورتريهًا» إنسانيا لكل واحد منهم علي مدار أربعة فصول تمثل عامًا كاملاً: الربيع والصيف والخريف والشتاء، نحن - إذن- أمام فيلم شخصيات بامتياز، ورغم أن الفصول تتغير إلا أن الهم الإنساني والوجودي واحد، إنه ذلك الشعور المؤرق بأن تكون وحدك، أن تستيقظ فجأة فلا تجد أحدًا يكلمك، الزمن يمر ولكن أبطالنا مازالوا في أماكنهم، ومازالوا يناضلون ضد الوحدة، اللوحات المكتوبة فقط هي التي تنبهنا أننا بدأنا فصلاً جديدًا، كل فصل ينتهي باختفاء تدريجي بطيء وكأن ستارًا يهبط علي الشخصيات، أما وسيلة التعبير الأولي فهي البوح والكلام والثرثرة، وبناء الحوار في فيلم «عام آخر» يحتاج إلي دراسة خاصة لأنه قد يبدو- أمام النظرة المتعجلة - أقرب إلي الثرثرة العشوائية، ولكن «مايك لي» المحترف والبارع حقق به أكثر من هدف: التعبير عن آلام شخوصه ومعاناتهم، واعتبار أن الثرثرة- مجردة الثرثرة - هي وسيلة للونس الإنساني أي أنها شيء أقرب إلي صرخات الدجاج في حظيرة واحدة استشعارًا لخطر قريب، ثم أن هذا الجانب الحواري الذي يقترب أحيانًا من اللامعني يؤكد الطابع الساخر للفيلم كله، هؤلاء بشر لا تنقصهم الأموال ولا الحياة المعقولة اقتصاديا، ومع ذلك فهم يفتقدون أشياء ما داخلية تتعلق بالعواطف والمشاعر والأحاسيس، الحوار الطويل في «عام آخر» في صميم معني الدراما والفيلم الذي يقول لنا إن الناس تتحدث وتأكل وتقدم بالانشغال بتفصيلات صغيرة جدًا لمجرد أن تدافع عن نفسها، وكي تقهر مخاوفها من الوحدة والوحشة القاتلة.

لدينا لوحة واسعة تستوعب عددًا كبيرًا من الشخصيات، ولكن لدينا شخصتين مثاليتين تجتمع عندها كل الخيوط، «توم» «جيم برودنبت» وهو مهندس جيولوجي عجوز، وزوجته «جيري» «روث شين» وهي مستشارة طبيبة نفسية، الاثنان يكونان أسرة سعيدة مستقرة مع ابنها الشاب «جيم» الذي يعمل محاميا، أراد لي أن تكون هذه العائلة المثالية بشكل مفرط وسيلته لابراز عدة أمور: إظهار التباين الصارخ بالمقارنة مع شخصيات أصدقائهم القعلة وتحويل الزوجية وأحيانا الابن - إلي ما يقترب - من الطبيب النفسي الذي يستمع إلي هموم بقية الشخصيات ثم أن العائلة النموذجية هي أحد الأدوية التي يقترحها مايك لي لمواجهة الوحدة القاتلة كما أنها تمثل فكرة الصداقة وهي دواء آخر ناجح في أعلي صورها أتفهم تماما كل هذه الأسباب القوية رغم أنني لم ابتلع أبدا هذه الحياة النموذجية المفرطة إنها مثالية بدرجة غير إنسانية إن جاز التعبير لم يكن من الصعب أن تكون في شخصيات أسرة توم وجيري بعض التضاريس والمشكلات فقد كان ذلك أفضل للدراما رغم أن السخرية واضحة جداً في اختيار اسم أشهر قط توم وأشهر فأر جيري لزوجين يعيشان سمنا علي عسل طوال الوقت!

في مقابل هذه العائلة النموذجية توجد مجموعة الشخصيات القلقة من الأقارب والأصدقاء وفي مقدمتهم ماري الرائعة ليزي ما يفيل في دور عمرها هذه الشخصية هي النموذج الأهم والأروع والأجمل في كل ما شاهدت من أفلام تتحدث عن تلك المرأة الوحيدة التي تقدم بها العمر، ماري زميلة عمل منذ عشرين عاما مع جيري ولكنها عكسها علي طول الخط متوترة طوال الوقت لا تجيد الطهي تزوجت في سن مبكرة وطلقت وأحبت رجلاً متزوجا فواجهت فشلا جديدا تنظر إلي كل رجل علي أنه عريس محتمل حتي عندما تعثر علي رجل أكبر منها سنا تكتشف أنه يريد امرأة أصغر سنا نراها تحاول أيضا مع جيم رغم أنها في سن والدته ونراها تأكلها الغيرة علي جيم عندما يعود بصديقة أحبها اسمها كايتي ليست مشكلة ماري جنسية ولا حتي في مجرد أن تتزوج مشكلتها أعمق بكثير إنها امرأة معلقة في الهواء وبلا جذور لديها شعور عميق بالوحشة والوحدة لا يمكن القضاء عليه إلا بأن تحب من جديد ليس أي رجل والسلام وإلا استسلمت لـ«كين» بيتر ويت وهو أحد الأصدقاء البائسين تهرب أحياناً للاهتمام بشيء فتشتري سيارة رديئة ثم تبيعها في النهاية بعد أن فشلت في أن تشعرها بالسعادة علاقتها بأسر توم وجيري هي المخدر الذي تستعين به علي استكمال حياتها.

ومن أصدقاء العائلة أيضا كين الذي يرفض التقاعد من عمله ببساطة لأنه لا يعرف بالضبط ماذا يمكن أن يفعل بعد ذلك شعوره بالوحدة مصدره الإحساس بهروب العمر دون زواج وفقدانه لـ«جوردون» أحد أقرب أصدقائه ووسيلته للعزاء تناول الخمور والانتقال من حانة إلي أخري لم يكن ممكنا أن تقبل به ماري وإلا أصبحنا أمام زواج اثنين من الغرقي ولكن الفيلم يفتح الباب أمام علاقة محتملة بين ماري وروني وهو شقيق توم العجوز الذي توفيت زوجته روني أيضا يعاني من الوحدة بعد وفاة زوجة لم يحسن معاملتها وبسبب خلافات مع ابنه الشاب كارل أدت إلي ما يشبه القطيعة، إذ كانت وفاة الأم سبب اللقاء الذي جدد الشجار!

لا يكتفي مايك لي بهذه الشخصيات ولكن يضع حولها مجموعة من الشخصيات الثانوية التي تكاد تقدم تنويعات علي نغمة الوحدة والإحساس بالوحشة أهمها الشخصية المهمة التي يفتتح بها الفيلم وهي جانيت الممثلة الكبيرة اميلدا ستانتون هي سيدة أيضا تجاوزت الشباب مشكلتها أنها لا تستطيع النوم لديها زوج يشرب وابن مقيم معها وابنة لا تزور الأب والأم إلا عند الحاجة تستقبلها جيري لنكتشف أن السيدة علي اعتاب الاكتئاب أو هي مكتئبة بالفعل أنها حتي لا تتذكر يوما واحدًا سعدت فيه جانيت ستختفي تماماً بعد ذلك ولن نعرف مصيرها، ولكنها ستكمل لوحة الوحشة والاغتراب الذي تعانيه الشخصيات، تماماً مثل العجوز الهندي الذي يدافع «جيم» عنه حتي لا يتم ترحيله من بريطانيا، نظرات العجوز لا تختلف عن نظرات طفل تائه يقاوم المجهول المفارقة الاساسية، أحد مفاتيح الفيلم أن المؤلف يتعامل مع رقم 2 طوال الوقت، وتتكرر معلومات كثيرة في الحوار، تدور حول رقم 2، واللقطات التي تظهر فيها أي شخصية بمفردها معدودة، والعلاقات ثنائية طوال الوقت رغم أن المعاناة سببها الوحدة: «توم» مع «جيري»، و«جيري» مع «جانيت» و«جيري» مع زميلتها الطبيعية «ثاني»، وثاني مع طفلها أثناء الحمل وبعد الإنجاب، و«توم» مع «روني»، و«توم» مع «كين»، والعجوز الهندي مع شابة يبدو أنها ابنته، و«ماري» مع «جيري»، و«ماري» مع «كين» ثم مع «جيم» ثم مع «روني»، و«جيم مع «كايتي» وأحياناً يجتمع في كادر واحد سبعة أو ثمانية أصدقاء ويتناولون الطعام ويتحدثون ويثرثرون وتختلط أصواتهم ومع ذلك لا نفقد أبداً هذا الشعور بأنهم - باستثناء أسرة «توم» و«جيري»، ذات المثالية المفرطة- يعانون من القلق والوحشة، إنها سخرية لاذعة تظلل السيناريو كله، وأظن أن أسرة «توم» و«جيري» تثير السخرية أيضاً لتناقضها الواضح مع أصدقائها وأقاربها التعساء!

ومثل «توم» الذي تخصص في حفر الأرض وصولاً إلي أعماقها، يعمل «مايك لي» بدأب وصبر علي حفر النفوس وصولاً إلي أدق العواطف والمشاعر خاصة في الرسم البديع لشخصية «ماري»، الطعام والثرثرة وحتي اللعب وسائل مستمرة لمواجهة الوحدة، «كين» يأكل ويشرب بشراهة ويذهب للتشجيع وسط الجمهور حتي لا يظل وحيداً، إنه حتي يركب المترو إلي عمله رغم أنه يستطيع المشي حتي يكون وسط الناس، لوحة هائلة نسجت باقتدار وقام بتشخصيها مجموعة من أعظم المشخصاتية تتقدمهم «ليزلي مانفيل» في دور «ماري» الذي لا ينسي، لا يمكن مقارنة هذه الممثلة الشامخة في قدرتها علي الانتقال بين أعقد التعبيرات إلا بالممثلة الأمريكية المخضرمة «ميريل ستريب»، الحقيقة أن الممثلين الأكثر براعة هم الذين لعبوا الشخصيات الأقوي في معاناتها مثل «بيترويت» في دور «كين» والعظيمة «إميلدا ستانتون» في دور «جانيت» الذي استغرق مشهدين فقط، طبعاً لا نستطيع أن نغفل أستاذية «مايك لي» في إدارة ممثليه، كل مشهد يستحق الدراسة في بنائه وفي قطعاته وفي ضبط التعبيرات الدقيقة حتي في اللقطات التي تضم عدة شخصيات، الاقتصاد الكامل في استخدام الموسيقي التصويرية عميقة الشجن من تأليف جاري يرشون، الانطلاق أحيانًا إلي مساحات مفتوحة تخفيفًا من حوارات الأماكن المغلقة، الألوان التي أصبحت رمادية وكابية مثيرة للانقباض في الجزء الأخير من الفيلم، كل شيء تحت سيطرة كاتب بارع ومخرج كبير.

يبدأ الفيلم بوجه امرأة هي «جانيت» تعاني من الوحدة والاكتئاب توجه لها النصيحة لاستشارة جيري وينتهي الفيلم بوجه امرأة هي ماري تعاني من الوحدة رغم صخب الجميع، وكانت «جيري» نفسها قد نصحتها بطبيب نفسي، وبين الوجهين صخب وثرثرة وطعام وموت وبكاء وضحك وطفل يولد وشمس تشرق وجليد يغطي الأرض، ويظل مع ذلك الإنسان وحيداً يحلم بالونس، أو كما تقول «ماري» عند لقائها مع روني «من الرائع أن تتكلم مع إنسان»!

روز اليوسف اليومية في

19/12/2010

 

الباحثون عن «ميكروفون».. تحت الأرض

محمود عبدالشكور

منذ سنوات طويلة لم أصفِّق أثناء أو بعد مشاهدة فيلم مصرى، ولكنى فعلتها مؤخراً، وبحماسة شديدة، لأحد أهم وأفضل الأفلام الطويلة وهو فيلم «ميكروفون» الحاصل على جائزة «التانيت الذهبى» من مهرجان قرطاج. عمل كبير وفريد ومختلف كتبه وأخرجه «أحمد عبد الله» فى تجربته الثانية بعد فيلم «هليوبوليس»، فوضع من خلاله بصمة لا تنسى فى عالم الأفلام الروائية الطويلة، وعبّر به عن جيل كامل يحاول أن يقدم فناً مختلفاً، جيل يريد أن يصل إلى الناس ويتحقق من خلال التواصل معهم، وعن طريق الموسيقى والغناء يقول «ميكروفون» أشياء كثيرة، ويقدم التحية لمدينة الأسكندرية.. عاصمة الفن والجمال.
بدأت فكرة «ميكروفون» عندما ذهب «أحمد عبد الله» إلى مدينة الإسكندرية واكتشف فيها ما يقرب من 30 فرقة شبابية تقدم إبداعاتها فى الشوارع والمنازل والجراجات، عاد مبهوراً ليتحدث مع المنتج «محمد حفظى» الذى تحمس تماماً لصناعة فيلم عن هؤلاء الموهوبين، واشترك الموهوب «خالد أبو النجا» فى الحماسة ليولد فيلم «ميكروفون» الذى يبدو صغيراً بحجم النفقات والتكاليف، ولكنه كبير بمعيار قيمته الفنية والإبداعية. لا ينطلق السرد فى الفيلم بطريقة تقليدية، ولكن من خلال مشاهد متناثرة تحكى عن بطل الفيلم وعن المدينة وشبابها وعن المشكلات التى تواجههم لتحقيق أنفسهم، وطوال الوقت يندمج الروائى مع التسجيلى، وكلمات الحوار مع كلمات الأغانى البديعة التى تقدمها فرق لم يسمع عنها معظم الناس مثل فريق «مسار إجبارى» و«واى كرو» و «ماسكارا» و «صوت فى الزحمة». إنها فرق «تحت الأرض» ولكنها تريد أن يكون لها صوت، هو أيضاً ما يريده جيل كامل من الشباب المتمرد، وهناك خيط درامى رفيع يربط هذا السرد الحرّ هو حكاية «خالد» «خالد أبو النجا» العائد من أمريكا بعد غياب سبع سنوات، وبينما يزيد إحباطه عندما يكتشف أن حبيبته السابقة «هدير» «منّة شلبى» تريد الهجرة إلى بريطانيا للحصول على الدكتوراة، فإنه يستعيد إحساسه بالحياة، ويكتشف نفسه مرة أخرى من خلال هذه الفرقة الغنائية المنطلقة، شباب متفائلون، لا يتوقفون عن الغناء رغم فشلهم فى العثور على فرصة من خلال الدوائر الرسمية، وتندمج مع رحلة «خالد» لاكتشاف هذه الفرق، رحلة متوازية لفتاة اسمها «سلمى» «يسرا اللوزى» وزميلها «مجدى» لتصوير فيلم وثائقى عن هؤلاء الشباب، وتمتلىء الصورة بكل مفردات المدنية وعالمها الصاخب وحيويتها الدافقة، وتبدو فى الصورة شخوص أخرى مثل بائع الشرائط الذى يطارده البوليس، والصبية الموهوبة «آية» التى ترسم على الحوائط، ويندمج الغناء والموسيقى مع اللوحات والأماكن والبشر والبحر والصخور ليقول لنا فى النهاية إن من حق هؤلاء أن يكون لهم «ميكروفون»، وأن على الأسماك أن تعوم بحرية وإلا ماتت فى أماكنها. تُثبت السينما المستقلة بهذا الفيلم الصادق والحميم والساخر أنها قادرة على تقديم روائع حقيقية، ويُثبت خالد أبو النجا كممثل وكمشارك فى الإنتاج أن الفنان المثقف يستطيع أن يفعل الكثير بدعمه للموهوبين وللتجارب غير التقليدية، كما يولد من خلال هذا العمل مخرج كبير اسمه «أحمد عبد الله» الذى سيطر بمهارة واحتراف مع المونتير «هشام صقر» على طوفان هائل من اللقطات ليصنعا منها فى النهاية مدينة للجمال والفن، لدينا أيضا الاكتشاف المذهل لمدير التصوير «طارق حفنى»، وللفرق الغنائية الرائعة، وللموهوبين الذين يظهرون لأول مرة مثل «محمد صالح» و«عاطف يوسف» و«آية» و«ياسين قُبطان»، وتحية خاصة للمحترفين الذين ساندوا التجربة مثل «منة شلبى» و«يسرا اللوزى» و«سلوى محمد على». 

خالد أبو النجا:

«ميكروفون» جعلنى أتعلم التمثيل من جديد

حصد فيلم ميكروفون جائزة أحسن فيلم بالمسابقة العربية بالدورة الـ 34 بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى.. وتسلم الجائزة الفنان خالد أبو النجا والمخرج أحمد عبدالله. وأصر كلاهما على استدعاء منتج الفيلم محمد حفظى إلى المسرح وتحيته، وكذلك تحية كل أبطال العمل الموجودين فى القاعة وبالأخص الفرق الموسيقية التى شاركت بالفيلم.

وقال خالد أبو النجا «سعدت جدا بهذه الجائزة والتى تعد الثانية للفيلم فى ثانى مسابقة رسمية يشارك بها فى المهرجانات التى كان للفيلم حضور بها.. كما أن هذا الفيلم جعلنى أتعلم التمثيل من جديد، لأنه كان تجربة لم أمر بها من قبل حيث تم دمج الروائى بالتسجيلى وتوجب علىّ أن أكون ممثلاً يصل إلى أقصى درجات التلقائية كى يوازى أناسًا لا يمثلون أصلاً، وهو ما بدا واضحاً فى حفظى لدورى المكتوب وانتظارى لكلام الآخر المرتجل، وتلك هى بصمة أحمد عبد الله التى أحبها».

وقد أقيم قبل الختام بيوم بسينما فاميلى بالمعادى العرض الأول لفيلم «ميكروفون» فى مصر، وبعدها أقيمت ندوة فى دار العرض حضرها مخرجه أحمد عبدالله وأبطاله خالد أبو النجا وهانى عادل ويسرا اللوزى وأحمد مجدى، بالإضافة إلى المنتج محمد حفظى ومدير التصوير طارق حفنى، بالإضافة إلى أعضاء الفرق الغنائية التى شاركت فى الفيلم. وامتلأت قاعة الندوة بالكامل بالمشاهدين عقب عرض الفيلم، وأبدى أغلبهم حماسة شديدة نظراً للمستوى المتميز الذى خرج عليه، وظهر ذلك بشدة فى التصفيق الشديد الذى استقبل به صناع العمل .وقال مخرج ومؤلف الفيلم أحمد عبد الله إن الفيلم بالأساس هو محاولة لإيصال صوت تلك الفرق الغنائية إلى الناس، وقد جاءته الفكرة حين كان فى الإسكندرية ورأى الرسومات على الحائط، وقابل بعض الفنانين المسئولين عن التجربة، وتحمس لتلك الأجواء ومن هنا بدأت فكرة الفيلم.

وعن الفارق بين هذا الفيلم وفيلمه الأول هليوبوليس، قال عبد الله إن فيلمه الأول كان ساكناً وهادئاً، فيه الكثير من التأمل وربما الإحباط، ولكن هذا الفيلم يعتقد أنه ملىء بالحركة والحوار والأغانى والموسيقى، رغم أن الفيلمين فى مجملهما هما محاولة انتصار على الواقع ولكن بأشكالٍ مختلفة.
وأعربت يسرا اللوزى عن سعادتها بالاشتراك فى فيلمٍ كهذا، حيث أن المصادفة هى ما أوجدتها، فقد كان انشغالها فى تصوير مسلسلى «الجماعة» و«لحظات حرجة» سبباً فى اعتذراها عن الفيلم فى البداية، ولكن بعد أن أرسل إليها عبد الله السيناريو وقرأته، تحمست بشدة وقررت العمل فيه، ومرّ عليها أوقات كانت تنام فى العربة أثناء التنقل بين القاهرة والإسكندرية لتصوير دورها فى ثلاثة أعمال، ثم أضافت ضاحكة أنها لا تتذكر أيام التصوير ولكن تعتقد أنها أجمل أيام حياتها. وعن المغامرة فى إنتاج فيلم قد لا يكون تجارياً، قال المنتج محمد حفظى إن المغامرة كانت من البداية رهان على كيفية صنع فيلم يبدو غير تجارى ولكنه مع ذلك ممتع جداً ويحبه الناس وبالتالى يصبح تجارياً، وأضاف أنه سعيد باستقبال الجمهور اليوم للفيلم لأنه يؤكد له أن رهانه قد نجح.

وعن تجربة تصوير الفيلم بكاميرا فوتغرافيا «سيفين دى»، قال المصور طارق حفنى إن العمل كان صعباً باعتباره أول فيلم يقوم بتصويره، ولكن فهمه للكاميرا وتعامله الطويل معها قلل من صعوبة الأمر، وبخاصة أنها ساعدت بشدة فى تصوير الفيلم نظراً لصغر حجمها وقدرتها على التصوير فى الشوارع بدون «شوشرة»، وكذلك لحساسية التقاطها للضوء مما أدى إلى أن أكثر من 80% من مشاهد الفيلم تم تصويرها فى إضاءة طبيعية.

مجلة أكتوبر المصرية في

19/12/2010

 

التحرش فى (678) يتحول لمعركة بين الجماهير فى اليوم الأول لعرضه

إياد إبراهيم 

معركة نوعية دارت رحاها فى أول أيام عرض فيلم 678 يوم الأربعاء الماضى.. المكان دور العرض وأطراف المعركة هم نصفا المجتمع الرجال والنساء.

حضرت الفيلم فى أول أيام عرضه، وكان الإقبال متوسطا لا حاشدا ولا ضعيفا.. وما إن بدأ الفيلم حتى استحوذ على انتباه الجميع، وشيئا فشيئا ومع تتابع مشاهد التحرش على الشاشة، التى تعرضت لها بشرى التى تؤدى دور موظفة ــ فقيرة ــ وأيضا مشهد التحرش التى تعرضت له نيللى كريم على يد حشود الجماهير الكروية أمام زوجها حتى شحنت الصالة خاصة النساء منها.

حتى أتى مشهد تنتقم فيه بشرى من المتحرشين بها بعد أن تقرر عدم الاستسلام لهم.. وعندما يلامسها أحد المتحرشين حتى تدور وتطعنه طعنة قاضية على الرجولة بقلم حبر هو سلاحها الوحيد، وهنا تقف إحدى البنات وتصفق وحدها فينظر إليها الجميع فى دهشة ــ خاصة الرجال ــ ولكن تأبى المتفرجة الاستسلام، وتظل تصفق باحثة عمن يشاطرها فإذا بإحدى الفتيات القريبات منها تتخلص من خجلها وتفعل، ولكنهن يعزفن منفردين إلى أن تتعالى أصوات الرجال باستهجان مع بعض الإفيهات فتخجل البنت وتتوقف.

ويستكمل الفيلم مشاهده إلى أن يصل إلى مشهد من أجمل مشاهده، وهو مشهد محاكمة، تهاجم فيه البنات بعضهن ويحولون لصق مسئولية التحرش ببعض، فعن طريق بشرى المحجبة ونيللى كريم التى تلعب دور مدربة على مواجهة التحرش، ولا ترتدى الحجاب يتم تبادل الاتهامات، وتبدأها بشرى حين تقول لنيللى كريم «منكم لله انتو السبب لابسين المحزق والملزق وإحنا اللى بنشيل الطين»، وهنا تعالى تصفيق الرجال فقط، ولكن أحبطتهم نيللى كريم عندما ردت، قائلة محدثة الفتاة الثالثة «سيبك منها ده التخلف اللى ودانا فى داهية» ثم تنظر لبشرى، وتقول: «ما هو زمان كان بيلبسوا مينى جيب وما حدش كان بيتحرش»، ولكن تعالت أصوات الجماهير مرة أخرى حين ردت بشرى «علشان زمان الرجالة كانت لاقية تتجوز مش علشان كتر القلع يعلم العفه» فضج الرجال مرة أخرى، وتعالى صفير بعض الشباب معلنين الاتفاق مع كلام بشرى واستهجانهم لكلام نيللى ولكن تقاطع معهم صوت أحد البنات يقول إيه التخلف ده..

وكانت المرحلة الأخيرة فى تلك المعركة الحقيقية فى مشهد المحكمة، التى يتم فيها تقديم أول متحرش للقضاء، ولكن تواجه الفتاة ضغطا من أهلها والمجتمع لتتنازل عن القضية ويسأل القاضى الفتاة هل ستتنازلين أم لا؟ فتصيح الفتاة هى وخطيبها ويقولان لن نتنازل وهنا تحاول إحدى الفتيات من الجمهور التصفيق ولم تجد إلا أفرادا قليلين يشاركونها فرحتها بالمشهد، ويخرج أحد الشباب من القاعة قائلا: لأصدقائه بصوت سمعته الصالة بأكملها «يالا يا عم» ويبدو عليه الضيق الشديد.. ولكن لم يتسن لى معرفة هل ضيقه بسبب المشهد أم لأن الفيلم لم يحتو على مناظر كما كان يتوقع البعض!

الشروق المصرية في

19/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)