حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نيللي كريم : الزعيم أرهقني

كتب محمد إسماعيل

سعادة الفنانة نيللي كريم لا توصف في تلك الايام فقد حققت حلم حياتها بالوقوف أمام الزعيم في فيلم "زهايمر" بل وكانت أغلبية مشاهدها أمامه تقريبا ومازاد سعادتها هي ردود الأفعال الطيبة التي لاقتها بعد عرض الفيلم ونجاحها في عبور هذا الاختبار الصعب وهو ما عوض الانتقادات التي تعرضت لها بعد فيلم "الرجل الغامض بسلامته" أمام النجم هاني رمزي بالإضافة إلي أنها انتهت من مشاهدها في فيلم 678 والذي يناقش ظاهرة التحرش الجنسي في مصر ....

·         ألم تشعري بالإنزعاج والقلق بعد رفض غادة عادل لدورك في الفيلم ؟

إطلاقا فعندما يعرض عليّ تقديم عمل معين لا أهتم كثيرا بالكلام الذي يدور حوله ولكنني أهتم بالعمل ككل من أول السيناريو مرورا بباقي فريق العمل.

·         ولكن هل أنت مع وجهة النظر بأن قصة الفيلم قاسية بعض الشييء؟  

السينما هي تجسيد لواقع موجود بالفعل وهناك بالفعل نماذج موجودة في مجتمعنا قاسية.

·         ما حقيقة ما تردد عن مشاكل بين فريق العمل عن ترتيب الأسماء علي تتر الفيلم ؟

هذا الكلام غير صحيح بالمرة فعلي الرغم من كم النجوم المشاركين في الفيلم إلا أنني لم أسمع كلاما عن تلك المشاكل نهائيا كما أن ترتيب الأسماء علي التتر أو الأفيش هي مهمة شركة الإنتاج.

·         من المفترض عرض فيلم 678 منذ مدة طويلة ولكنه تأجل علي الرغم من انتهائك من تصويره  فلماذا؟

ليست فترة طويلة ولكنها عدة أشهر حتي يقوم فيها محمد دياب بالانتهاء تماما من كل المراحل والعمل الجيد يجب أن يأخذ وقته تماما والفيلم تجربة جديدة وأول عمل من إخراج محمد دياب الذي عرفه الجمهور كمؤلف فقط.

·         الفيلم يناقش ظاهرة التحرش الجنسي في مصر فهل هذا معناه أن الفيلم جريء ويحتوي علي مشاهد ساخنة ؟

الفيلم يطرح قضية التحرش الجنسي للمرة الاولي علي الشاشة بشكل واضح دون استخدام أي إيحاءات أو ألفاظ خادشة وهو ما يجعل كل أفراد الأسرة أن يشاهدوه، والفيلم لا يحتوي علي مشاهد خادشة للحياء ولا مشهد تحرش واحد ولا حتي تلامس أو مشاهد خارجة عن المألوف تجعلني اخشي من رد فعل الناس، نحن نطرح المشكلة وندعو إلي وضع تشريعات وقوانين للحد من هذه الظاهرة والعمل يرصد هموماً نسائية تعاني منها المرأة.

·         البعض هاجم فيلم »الرجل الغامض بسلامته« وقيل أن دورك هامشي ؟

بالعكس قدمت دور فتاة أرستقراطية لكنها هي الأخري مدمنة للكذب وهو تجربة خفيفة يحبها الجمهور وشخصيتي موجودة وليست كمالة عدد في الفيلم ، الإعلان ظلم الفيلم، حيث تم التركيز علي بعض الافيهات ولم يتم توضيح القضية التي يناقشها الفيلم كمسألة الفساد الاقتصادي والغيرة بين المسئولين والإهمال الطبي ومأساة المضاربين بالبورصة.

آخر ساعة المصرية في

06/12/2010

 

جارة الوادي

بقلم : إيريس نظمي

أثار منع أغاني  فيروز في الحفلات والإذاعة  الكثير  من محبيها.. وذلك بسبب القضية  التي رفعها آل الرحباني عليها بسبب الميراث  حتي تنتهي  القضية، وقامت الدنيا ولم تقعد.. بل إن فنانينا المصريين وقفوا إلي جانبها  من خلال تصريحاتهم في الصحف والمجلات. كيف تمنع فيروز هذا الصوت الملائكي الاستثنائي  الذي تعودنا  في البداية  أن نسمعه من خلال  الراديو وبعد ذلك  من خلال الكاسيت.. وأصبح من النادر  أن تذاع لها أغنية  في الإذاعة  والتليفزيون.. وقيل وقتها إن أم كلثوم هي السبب.. ففيروز لها معجبوها الذين لايقلون عن معجبي أم كلثوم.. فغناؤها فيه الرومانسية  والشجن والحزن.. واشتهرت فيروز منذ بداياتها  بالارتباط  بالرحبانية  ليكونوا ثلاثيا  رائعاً.. فزوجها عاصي يلحن  لها وأخو زوجها منصور يكتب لها الأغاني..

كانت المرة الأولي  التي التقيت بها في أواخر الستينات في لبنان.. وهي المرة التي غنت فيها أم كلثوم في كل البلاد  العربية من أجل  التبرع بحفلاتها للمجهود الحربي، وصحبتنا أم كلثوم ومجموعة  صغيرة جدا من الصحفيين لتغطية  الزيارة في لبنان اختارتها سيدة الغناء العربي بنفسها.

 وأقيم  الحفل علي  مسرح بعلبك هذا المسرح الأثري  العجيب واستقبلها الجمهور الذي جاء من كل  الدول العربية خصيصا  لسماعها بحفاوة بالغة.

في تلك الفترة  التقيت بفيروز  التي لم أرها من قبل إلا من خلال صوتها.. لأجري معها حوارا.. وأحببت فيروز الإنسانة أكثر وأكثر. نظرت إليّ فيروز وابتسمت.. حيث كنت أرتدي  قلادة شبيهة تماما بقلادتها.. إنها  هدية من زوجها.. وتحمل بالفرنسية »أحبك أكثر من امبارح وأقل من بكره«.. وكانت قلادتي  قد قدمها لي زوجي هدية في أحد  أعياد  ميلادي.

وبعد أن أجريت معها حوارا طويلا في الفندق  الذي كنا نقيم  فيه.. وبعد الحديث  دعتني فيروز أنا وصديقي المصور فاروق إبراهيم  علي الغداء في منزلها في مزرعتها.. واعتذرت في البداية لكنها صممت..

كنت قد التقيت  بها من قبل  في القدس يوم الجمعة الحزينة التي تسبق عيد القيامة.. وأثناء الاحتلال  الإسرائيلي  تسير في شوارع القدس القديمة وهي ترتدي السواد.. ترتل  التراتيل الحزينة علي فلسطين.. وسرت مع هذا  الموكب الحزين مسيرة طويلة لقد حركت فيروز مشاعرنا لنبكي  علي القدس المحتلة.. غنت أيضا أغنية  »زهرة المدائن«..

وعندما دُعِيت فيروز بعد 14 سنة من الغياب.. زرتها في الفندق الذي أقامت به علي النيل  مع الرحبانية.. والتقطنا معا بعض الصور من الشرفة التي تطل علي النيل.. استقبلتني  فيروز بحفاوة بالغة وأحببتها كإنسانة.. سألتها.. لماذا تأخرت عن حضورك إلي مصر طوال 14 عاما.. قالت دعتني مصر لأغني علي مسرح  أبوالهول.. ولبيت دعوتها.. وكانت فيروز تقيم  بروڤاتها في قاعة أبو نواس وسط إجراءات أمنية مشددة لم نعهدها لأي فنان.. وفي نهاية البروفة تأخذ هي المفتاح الخاص بالقاعة لتضمن أن أحدا لن يتسلل إلي القاعة لحضور البروڤة.

ومرة أخري حينما دعاها  المنتج الصديق رمسيس نجيب  لتغني في حديقة الأندلس التي امتلأت عن آخرها بل إن البعض منهم كانوا يجلسون علي الأرض.. وجن جنون الحاضرين خاصة اللبنانيين الذين حضروا الحفل حين غنت أغنية »بحبك يالبنان ياوطني« كما غنت مع فرقتها  الاستعراضية رقصات الدبكة وصوت الأرجل تدب  علي المسرح.

وفيروز لاتحب الظهور والتصوير »عَمال علي بطال« وكانت تنتقي  الصحفيين  الذين تثق بهم للحوار.. وكنت واحدة منهم..
ولا أنسي  حين دعتها أم كلثوم في فيلتها بالزمالك
  هي والرحبانية.. وحضرت أنا هذا اللقاء.. كان لقاء أم كلثوم لهم لقاء فاترا غير حميمي ربما كان ذلك هو البروتوكول! وسألتها أم كلثوم بعض الأسئلة التي تنقص  من قدرها كمغنية.. لكن فيروز كانت تجيب  علي كل سؤال بكل احترام لسيدة الغناء.. وحين قرأت  الموضوع لأم كلثوم قبل نشره قالت لي لاداعي  لهذا الحوار!

لا تستطيع فيروز أن تخفي مسحة الحزن التي  تسكنها.. والذي يصر القدر أن يبقي الحزن قريبا منها فقد فقدت ابنتها »ليالي« بنفس المرض  الذي أُصيب بها زوجها عاصي الرحباني.. بجلطة في المخ لكن عاصي نقل بطائرة خاصة إلي باريس  للعلاج وعاد لينسي كل شيء حتي القراءة والكتابة لكن سبحان الله الشيء الوحيد  الذي كان يقرأه هو النوتة الموسيقية.
أما الابنة »ليالي« فقد رحلت فجأة بدون سابق إنذار.. كانت تغني ليلا قبل أن تنام أغاني أمها وكانت سعيدة بذلك
. وفي الصباح تذهب الأم فيروز لتوقظها من النوم لكن الابنة لم تصح إلي الأبد.. والمعروف أن كل الفنانين اللبنانيين هاجروا من لبنان أثناء  الحرب لكن فيروز صممت أن تقيم في لبنان.. وسألتها ألم  تخش الإقامة في لبنان في ذلك الوقت أثناء الحرب؟ قالت لقد ضرب  منزلي بصاروخ لكني صبرت كل هذه السنين ولم أفكر أبدا في الرحيل.

آخر ساعة المصرية في

06/12/2010

 

فادي نور.. ممثل ومخرج بالفطرة ينافس هوليوود بكاميرا الهاتف المحمول

في زمن التمرد على قيود الشهرة وشروط الانتشار

محمد سعيد محفوظ 

يختلط الصخب الوافد من حي المهندسين الراقي ومنطقة أرض اللواء العشوائية في شارع السودان، ذلك الشارع الذي يفصل بمسافة تفوق اتساعه عشرات المرات بين طبقتي الكادحين والأثرياء في القاهرة.. تسير الميكروباصات فيه ببطء، ويعلو نفيرها، وتتعذر الرؤية وسط العوادم والأتربة، وتصطدم الأكتاف في الزحام، وتتبارى الألسنة في السباب، ويتساقط عرق غزير على الوجوه المحتقنة... هذا المشهد تكيّف معه سكان أرض اللواء، بمن فيهم فادي نور.. الذي يستأجر غرفة متواضعة على بعد أمتار قليلة من المزلقان، منذ قرر النزوح من الإسكندرية إلى القاهرة، ليشق طريقه في عالم التمثيل والاستعراض..

لا تفسد هذه الفوضى أناقة فادي، ولا تنال من همته.. يصم أذنيه عن الضجيج بدندنة الأغنيات التي يحفظها.. ويغض طرفه عن القبح بإمعان النظر إلى الضفة الأخرى من الشارع، ليحمله خياله العريض إلى النجومية التي يتطلع إليها، والتي ستنقله بالتأكيد من أرض اللواء إلى حي المهندسين.. إنه مشوار طويل يعرف أنه سيستغرق سنوات، رغم أن عبور الشارع لا يحتاج منه في العادة سوى ثوانٍ معدودة..

يضحك خجلاً وهو يصف لي تلك المشاعر خلال إجازته في الإسكندرية.. يشرب ببطء من فنجان الكابتشينو، ثم يشرد قليلاً، ويقول: أخشى أن أكون واهماً.. ثم يعود إلى مرحه، وقصصه التي لا تنتهي، فأرى فيه طفولتي المندفعة، وصباي القلق، وشبابي الواثق.. كلما أغدق عليّ بحكاية جديدة، قارنتها بأخرى تشبهها وقعت لي عندما كنت مثله في العشرين.. الفارق الوحيد هو أنني كنت أستخدم الورقة والقلم وطابع البريد، أما فادي فقد أحسن استخدام الإنترنت والفيس بوك والهاتف المحمول للفت الأنظار إلى مواهبه، وقد يكون في رأيي أبرع من فعل ذلك في مصر...

أطلب 'واحد شاي أخضر'، وأعتدل في جلستي، بينما يعرض عليّ فادي بفخر وحماس مقاطع الفيديو التي صوّرها وعالجها وأخرجها بنفسه، باستخدام كاميرا هاتفه التي لا تتجاوز جودتها ثلاثة ميجا بيكسل..

أول المقاطع التي يعتز بها تبلغ مدته نحو عشرين دقيقة، وهو فيلم بعنوان (الخاتمان)، رفعه على الفيس بوك قبل عام تقريباً، رغم أنه أنتجه مع أصدقائه عندما كان عمره سبعة عشر عاماً! ويُرجع ذلك إلى أن مونتاج الخدع في أفلام 'الأكشن' والخيال العلمي عادة ما يحتاج لسنوات... خيال علمي؟ أسأله مندهشاً، فيبتسم ويقول بدماثة: 'بالله عليك شوفه وقوللي رأيك'... أهز رأسي مستسلماً.. ثم أبدأ المشاهدة..

المكساج أول ما يبهرني.. المدخل الموسيقي المشوّق يتزامن بحرفية مع تيترات المقدمة.. كيف صنعتَ هذا يا فتى؟ المؤثرات البصرية المبهرة تبدأ مع العنوان العريض للفيلم، متبوعاً بأسماء الأبطال: ماندو (محمد يحيى، ويلقبه أصدقاؤه كذلك باسم محمد شان لمحاكاته الممثل جاكي شان)، فراس (شقيق فادي الذي يكبره بعام)، بلال محمود، ثم فادي.. ويسمي الأربعة أنفسهم على سبيل الفكاهة فريق 'الأعداء الأربعة'، ربما لأنهم يجيدون لعبة الكونغ فو، ويوظفونها درامياً في معظم أفلامهم..

لم يستخدم فادي ورفاقه حاملاً لتثبيت كاميرا الهاتف، ومع ذلك فإن اللقطات تبدو مستقرة، ولا تزيدها الهزات الطفيفة إلا إثارة تتناسب مع أحداث الفيلم، والتي نسجها أعضاء الفريق معاً، وتحكي صراعاً أسطورياً بين أقطاب الخير والشر في الكون للجمع بين خاتمين يوفران لحاملهما قوة طاغية.. الحارس ميجا (فراس) ـ كما سيدّعي في ذروة الأحداث ـ قسّم القوة في العالم إلى جزأين، أودع كل جزء في خاتم.. الزعيم الشرير أكتيف (ماندو) استحوذ على أحدهما، بينما بقي الآخر في انتظار سيده على الأرض..

في المشهد الافتتاحي يشتبك ماندو وفراس في معركة محمومة، يسعى فيها فراس لاسترداد خاتم ماندو قبل أن يسبقه في العثور على الخاتم الآخر.. لا تغيب المؤثرات الصوتية عن أي لكمة أو ركلة أو تلويحة في الهواء خلال المشهد، الذي لا يخلو كذلك من حيل بصرية مدهشة، ككتلة من النار يلقي بها أحدهما على الآخر، وإشعاعات صادرة من جسديهما.. التناغم والتزامن بين الصوت والصورة والمؤثرات على الخلفية الموسيقية يشي بموهبة فادي في المونتاج.. إلى جانب موهبته في التصوير من زوايا مختلفة، الأمر الذي تطلب بالضرورة إعادة تمثيل اللقطة أكثر من مرة، من دون التأثير على عفوية الأداء..

يتبين بعد لحظات أن هذا المشهد لم يكن غير حلم يوقظ بلالا من نومه، ويأتي هذا الانتقال ناعماً ومفهوماً ـ كما لو كان بفعل مخرج محترف ـ ليمهد إلى مشهد جديد تدور أحداثه في مكتبة الإسكندرية، يبدأ بلقطة لبلال وهو يدخل المكتبة، تتعقبه كاميرا الهاتف بتمكن فطري، لتصل إلى ذروة حرفيتها وهي تتحرك أفقياً بثبات، تقطعها الرفوف العملاقة واحداً بعد الآخر من ناحية، فيما يسير بلال بنفس السرعة في الناحية الأخرى.. منتهى السيطرة على الكاميرا، رغم صغر حجمها، وغياب الأدوات اللازمة لتحريكها بنعومة، مثل الحامل ذي العجلات (دوللي)، أو المحمول على القضبان (شاريوه).. لقد أثبتت هذه اللقطة قدرة هؤلاء الهواة على محاكاة المحترفين، من دون تدريب أو إمكانات..

يظهر فادي لأول مرة في الفيلم داخل قاعة القراءة، منهمكاً في البحث عن كتاب ما.. وتتوزع هذه اللحظات من المشهد بين بلال وفادي، في لقطات متوازية ومتوالية.. إلى أن يعثر بلال على صديقه الشارد بين الرفوف وموائد الاطلاع، فيضع يده على كتفه فجأة، ليقدم فادي موهبته في التمثيل للمرة الأولى برد فعل طبيعي ومقنع.. ويشرع الاثنان في حديث عن نظرية علمية، قد لا يساعد الصوت الرديء نسبياً هنا على فهمها..

على شاطئ الإسكندرية نرى ماندو في المشهد التالي واقفاً بشموخ.. يفتح نافذة خيالية تم تصميمها ببراعة في المونتاج، ليراقب من خلالها ما يدور بين بلال وفادي داخل المكتبة.. ينصت لحديثهما، ثم يغلق النافذة بدفعها لأسفل، ويتوارى هو الآخر في ستار دخاني كثيف.. خدعتان قد تبدوان مألوفتين في أفلام السينما العالمية، لكننا نراهما اليوم في مصر بنفس المهارة والإتقان، باستخدام كاميرا هاتف محمول قليلة الجودة، وبرنامج مونتاج مجاني..

لم يتلق فادي تدريباً على ذلك في أي معهد أو جامعة، فأي موهبة تلك التي فُطِر عليها، وجعلته يبلغ هذه الدرجة من التمكن التقني، فضلاً عن موهبته في التمثيل والإخراج؟

يسير بلال وفادي في أحد شوارع الإسكندرية ليلاً، يشقان جموع المارة متبوعين بزميلهما المصور (وهو هنا فراس على الأرجح)، ليتصادف ـ وفقاً للسيناريو ـ مرور ماندو (الزعيم الشرير الغاضب) في الاتجاه المعاكس.. ويصطدم كتفه بكتف بلال، الذي يتذكر أنه رآه من قبل في حلمه، ويبدأ في الشك إن كان حلماً أم حقيقة.. وما هي إلا لحظات حتى يلمح فراس (الزعيم المنافس) وهو يسير في أعقاب ماندو.. ويبدو على بلال القلق، وتبدو على فادي الحيرة، وكلاهما أجاد التعبير عن هذه الانفعالات..

في نهار جديد، يجد بلال نفسه على الشاطئ في نفس المكان الذي شهد أحداث الحلم.. ويعبر المونتاج عن ذلك بومضتين تشملان الأفق المُعاد، وتؤديان الغرض بكفاءة.. تدور الكاميرا حول بلال دورة كاملة تجدد الثقة في إمكانات المصور، كما تلفت الانتباه إلى اندماج بلال في المشهد، حيث لا يسترق النظر إلى الكاميرا على الإطلاق.. مشهد آخر يستحق التصفيق!

لا يلبث بلال أن يصيح: كان هنا (في إشارة إلى الحلم) حتى يظهر ماندو وفراس.. يتميّزان غيظاً، ويشتبكان من جديد في معركة عاتية، يستعرضان فيها تأهلهما الجسماني، واستجابتهما لخطة محكمة ودقيقة للحركة، خاصة في ضوء الخدع والمؤثرات البصرية المتفق عليها سلفاً في السيناريو.. يضطر بلال وفادي إلى القفز بعيداً لتجنب الإصابة، لكن فادي ـ الذي يلمح الخاتم في يد أحدهما ـ يفهم سريعاً سر هذه الحرب.. ينظر إلى خاتم مشابه في يده.. يحتوي بلال بذراعيه، فيختفيان.. بينما يواصل ماندو وفراس قتالهما...

يظهر بلال وفادي في مكان آخر.. بلال حائر ومذعور، وفادي يضطر لمصارحته بالحقيقة.. والحقيقة هي أن الخاتم الذي بحوزته هو الخاتم المفقود منذ مئات السنين، وأنه مُقدّر لبلال أن يمتلكه دون غيره من البشر، وأن عليه الحصول على الخاتم الآخر قبل أن يستخدمه ماندو أو فراس في تدمير الكون.. يستسلم بلال لقدره، ويتولى مهمته... تفوّق الشابان في هذا المشهد، وعوّض بلال مغالاته في أداء مشهد قاعة القراءة بالمكتبة.. أما فادي فيظل واثقاً وهادئاً.. ليسير (شكلاً ومضموناً) على درب الممثل الكندي كيانو ريفيز، بطل ثلاثية (ماتريكس).. ما هي إلا سنوات قليلة وسيحجز هذا الشاب النابغة مكانه بين النجوم!

يخوض بلال معركة مع ماندو، يكتشف فيها قدراته الخارقة في ظل امتلاكه للخاتم.. ثم يصل فراس، الذي يقفز بجرأة من على مبنى بارتفاع لا يقل عن خمسة أمتار.. يتدخل لحماية بلال، ثم يأخذه ويتلاشيان، ليبرزا في مكان آخر من خلال أحد الجدران.. يطالب فراس (أو الحارس ميجا) بلالاً بانتزاع الخاتم الآخر من ماندو (أو الزعيم أكتيف)، وإعادة الخاتمين إليه، كي يعود بهما إلى زمنه، وتظل الأرض بأمان..

يقتنع بلال، وفي المشهد اللاحق ينجح بالفعل في قهر ماندو، ويقتلع الخاتم من إصبعه، ويسلمه مع الخاتم الآخر إلى فراس.. لكن فراس يكشف عن غدره، ويعترف بأنه سيحطم العالم بقوة الخاتمين.. وهنا يعود فادي، ليتصدى لفراس.. ولا يمنعه قوامه النحيل من استعراض لياقته وقدراته الحركية.. التي يقهر بها زعيم الشر الأكبر، ويستعيد الخاتمين، ثم يستودعهما صندوقاً خشبياً، ويختفي..

ينتهي الفيلم بلقطة ناعمة، ينصرف فيها بلال إلى حيث أتى.. بينما تتوجه الكاميرا إلى قرص الشمس في السماء...

ولا ينسى أبطال الفيلم وصنّاعه أن يختموا شريطهم المميز بفيلم آخر قصير يروي كيفية صناعة فيلمهم، والآلام التي تكبدوها خلال تصوير مشاهده العنيفة، والقفشات المضحكة التي كانت تعرقل التصوير في أحيان كثيرة، كما يُبرز الفيلم دور فادي كمخرج موهوب، سواء في تلقين زملائه الكيفية المثلى للأداء، أو في تصميم وتوزيع الحركات، رغم أن عمره في ذلك الوقت لم يكن قد تجاوز السبعة عشر عاماً..

عندما أعود للمنزل مساء، أتوجه مباشرة إلى الفيس بوك.. أفتح صفحة فادي، وأعاود مشاهدة مقاطعه الأخرى.. في بعضها يعيد تصوير أغنيات يحبها، ويؤديها بصوت مطربيها.. وفي أخرى يؤدي استعراضات راقصة بديعة من تصميمه، يقول إنه استلهمها من الأفلام الهندية.. أما المقطع الأبرز في نظري فهو إعلان من ابتكاره وإخراجه، يظهر فيه بلال وفراس وماندو، وهم يتسابقون ويتقاتلون فوق سطوح المنازل من أجل الفوز بزجاجة مياه غازية.. الإعلان الذي تبلغ مدته نحو أربع دقائق لا يشعرك بالملل، ولولا عدم امتثاله لمعايير البث الاحترافية التقليدية، مثل المدة وجودة الصورة، لكان حتماً من أفضل ما تروج به هذه الشركة لسلعتها..

فادي قام أيضاً بتأليف وإخراج فيلم بعنوان (كوكا وعفريت من 2010)، يصفه على الفيس بوك كالتالي: فيلم أكشن كوميدي فانتازيا روائي قصير، تمثيل: فادي نور، أحمد كوكّا، وشريف وحمادة وهيما، تأليف وإخراج فادي نور.. تستطيع أن تلمس البراءة في هذا الوصف، فالفيلم يجمع كل صنوف وأشكال الدراما دفعة واحدة، وهو بطولة الأصدقاء بألقابهم المتداولة فيما بينهم.. إنه عمل على سجيته!

يلعب فادي دور عفريت عصري، يظهر لكوكّا (وهو شريك فادي في فيديوهاته الاستعراضية نظراً للياقته الملحوظة هو الآخر)، وبدلاً من أن يلبي العفريت أمنيات سيده، يشرع في استغلاله، حيث نكتشف أن العفريت ذاته غير قادر على تحقيق أحلامه الشخصية.. لكن النهاية تحمل نصيحة من العفريت، مفادها أن كلاً منا بمقدروه أن يحول آماله إلى حقيقة بالعمل والمثابرة.. هكذا يعبر الفيلم عن فلسفة واعدة، تحرك فادي وأقرانه.. ولا أظن أن مخرجاً محترفاً من جيل غير جيلهم يستطيع التعبير عن هذه الفلسفة بتلك الدقة والعفوية.. مثل هذا الفيلم يأتي منسجماً مع حالة جديدة مفعمة بالأمل تميز العقد الأخير، وتشمل العالم بأسره، بفضل الإنترنت والإعلام الجديد..

عندما وقع اختياري على هذه الظاهرة لأبحثها في رسالة الدكتوراه، كان كل طموحي أن أعيد تحليل نظرياتها، وأن أكتشف مزيداً من خواصها وإمكاناتها.. ظننت أن الأمثلة عليها ستتوفر فقط في دول الغرب، التي لا تضن على أبنائها بوسائل التكنولوجيا وسرعات الإنترنت العالية.. وعندما قابلت فادي، ورأيته نموذجاً عبقرياً يتحدى قيود البث التقليدية، بسلاح التواصل الإلكتروني والإنتاج الرقمي، لم أصدق نفسي.. وزاد شعوري بالفخر لكونه من بلدي مصر.. التي تئن رغم ذلك تحت أثقالها السياسية والاقتصادية.. الأمل غير مقطوع إذن!

ينظر إلىّ فادي ملياً، وأنا أودعه قبل أن يعود إلى أرض اللواء وشارع السودان المزدحم.. يرغم عينيه على التحديق في عيني كأنما يدرب نفسه على مواجهة الجمهور.. يأمل في إرضائي بإسباغ ألقاب لا أحبذها، ينتظر مني كلمة، فأعطيه ثلاثاً... 'أنا منبهر بك'!

إعلامي مصري مقيم في بريطانيا

m.said.mahfouz@googlemail.com

القدس العربي في

06/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)