حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يعرض ضمن «المهر الآسيوي الإفريقي» في «دبي السينمائي»

«العم بونمي».. النوم بعيـون مفتوحة

زياد عبدالله

هناك ثور هائج راكض في البرية، تقول لنفسك: أنا في حلم بالتأكيد! الحلم هنا يجري في فيلم، لكن من بمقدوره غير السينما أن تجعلنا نصدق أن ما نراه هو حلمنا؟ من غيرها قادر على أن يجعلنا على هلع وترقب لا نرى في الظلمة التي تحيط بنا إلا الشاشة التي سرعان ما تضعنا أمام حيوات لها أن تصير حيواتنا الخاصة وإن كانت قادمة من تايلاند.

الحلم يجري في فيلم «العم بونمي الذي يستطيع استحضار حيواته السابقة»، ولست متأكداً من أنه حلم بعد، فسرعان ما سيحضر عنوان الفيلم نفسه أي أننا أمام حيوات العم بونمي المستعادة، ويبقى السؤال أيضاً أي من هذه الحيوات يحدث الآن ما دام الخط الفاصل ما بين الحاضر والماضي لا وجود له في الفيلم، كما أن الأسطوري والواقعي ممتزجان إلى الحد الذي يدفع إلى الابتعاد عن الفصل بينهما، كما هو الحال مع التاريخي والشخصي.

وعلى شيء من العدوى لن أفصل بين الشخصي والنقدي مع مقاربة فيلم «العم بونمي» للمخرج التايلاندي أبيشاتبونغ ويراسيتاكول الحائز على سعفة كان الذهبية في الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» والذي سيعرض في الدورة السابعة من مهرجان دبي السينمائي ضمن مسابقة «المهر الآسيوي الإفريقي»، بما يتيح فرصة جميلة للتعرف إلى مساحة تجريبية جديدة يقترحها الفيلم، لنا أن نضيء عليها في ما يلي.

أعود إلى الحلم، الكلمة المفتاح في فيلم جو «لقب أبيشاتبونغ ويراسيتاكول» وعلى شيء يجعل من كل استعادة فعلاً حلمياً، وليكون المدهش هو الاستثمار في الطبيعة والمؤثرات السمعية والبصرية التي لن تكون إلا التصاقاً بها، سنكون بصدد 20 أسلوباً سردياً في الفيلم، هكذا يقول جو نفسه في لقاء نشر في العدد الأخير من مجلة Sight & Sound, لا أعرف مدى دقة الرقم لكن الفيلم في النهاية مجموعة أفلام في فيلم.

الرهان بصري بالمطلق، الإيقاع بطيء، اللقطات متوسطة الطول، ثمة عناية فائقة بالتقاط نبض الطبيعة والأدغال، جو يقول إن بونمي الحقيقي كان يرى كائنات الماضي على هيئة حيوانات كما سنرى في اللقطة الافتتاحية من الفيلم، إذن ليس حلماً بل واحدة من طرق بونمي باستعادة الماضي، يقرأ جو بعد وفاة بونمي الحقيقي كتابه الذي كان عنوانه عنوان الفيلم ، وليظهر في الفيلم مصاباً بفشل كلوي أصيب به والد جو في بلاد مسكونة بالأشباح حسب تعبيره.

يعايش بونمي الحاضر والماضي معاً جنباً إلى جنب، البشر الذين ماتوا ورحلوا مع من لايزالون على قيد الحياة، ابنه المتوفى وقد تحول إلى كائن أسطوري أشبه بالغوريلا بعيون حمراء تلمع في الليل، زوجته المتوفاة مع أخته التي مازالت على قيد الحياة، مع شحن تلك الاستحضارات برموز ودلالات مفتوحة على التأويل، سنكون مشغولين عنها بكيفية بنائها، عوالمها، هذا المونولوج المدهش الذي يردده العم بونمي حين يمضي برفقة البشر الأموات والأحياء إلى مغارة ويقول «أنا نائم لكن عيناي مفتوحتان» ولتحضر فصائل مسلحة، وتظهر الكائنات الخرافية التي تلبست ابنه مجدداً، تحيط به من كل جانب وعيونها حمراء في الليل، هذه الكائنات ستظهر وهي تتوسط الجنود في صورهم الفوتوغرافية، سيقول بونمي الذي يعاني فشلا كلويا، «لقد أصبت بهذا المرض عقاباً على العدد الكبير من الشيوعيين الذين قتلتهم، أو البعوض الذي أقتل منه العشرات يومياً»، عبارة تقول ما تقول بخصوص صراعات شهدتها تايلاند، وحين يموت بونمي، وتحضر شخصية ذلك الكاهن البوذي، تبقى الأسئلة معلقة كأن نتساءل: وهل هذا الكاهن هو بونمي في شبابه وقد ورثت أخته هذه القدرة الخارقة على استحضار الماضي؟ أم أنه رمز آخر لكاهن يعشق ارتداء الجينز ويستخدم الهاتف النقال ويشاهد التلفاز بعيداً عن الرداء البرتقالي وحياة التقشف التي تحاصره، دون أن يفوت يراستاكول استحضار الأسطورة أيضاً ونحن نرى تلك الأميرة وهي تغوي خادمها ومن ثم تسلم نفسها للبحيرة لتمارس الحب مع الأسماك. في ما تقدم شيء مما حمله الفيلم الذي سبق أن كتبته لدى مشاهدتي إياه في «كان»، والذي أخذني إلى عوالمه من اللقطة الأولى، ولعل قرار المخرج تيم بورتون (رئيس لجنة التحكيم في دورة «كان» الثالثة والستين) بمنحه السعفة كان بمثابة مكافأة للتجريب، للمغاير، مهما بدا مستعصياً وغامضا وملتبساً لدى البعض، دون أن يكون كذلك إن كان الانحياز للصورة ومجازاتها وجمالياتها، وليحضر هنا الدور الذي على مهرجان بحجم «كان» أن يلعبه، ألا وهو الانحياز للجديد، تبني ما له أن يكون أصيلاً وفريداً، بعيداً عن تبني ما هو متفق عليه ومعد سلفاً، ثم إن مهر أي فيلم بختم «كان» سيجعله متداولاً، ولا شيء أجدى من استخدام قوة الماركة أو «البراند» للترويج للإبداعي المختلف، وعلى شيء من تشجيع التجريب. جو يأتي السينما من باب التشكيل، إنه شخص انطوائي كما يقول عن نفسه في اللقاء سابق الذكر، «لن أعرف ما الذي علي أن أفعله بين مجموعة من الأشخاص، لكن إن وضعت كاميرا أمامي فإنها ستتحول إلى أداة للتأمل، ستكون مفكرتي ووسيلتي للتواصل مع الآخرين»، يأتي جو السينما من «الفيديو آرت» يصنع أفلاماً ويضعها على موقعه الإلكتروني ، وقبل «العم بونمي» قدم خمسة أفلام منها «متلازمات وقرن من الزمن» و«أنت بسعادة»، يتحدث عن علاقته بالسينما وكيف راح يشاهد كل ما يقع عليه من أفلام، ولدى انتقاله مع والديه إلى بانكوك، شاهد فيلم «ثمانية ونصف» فيلليني «لأن مثل هذه الأفلام لم تكن متوافرة، فقد شاهدت فيلم فيلليني مئات المرات حتى إنني أحفظ كل لقطة من لقطاته». شاهدت فيلم «العم بونمي» وأنا لا أعرف أي شيء عن الفيلم أو مخرجه، ولعل أجمل ما يحدث هو أن تقع على لقية بهذا الحجم دون أي إعداد مسبق، وبالقدر نفسه لست على معرفة بتاريخ تايلاند الذي تعرفت إليه بالمجازات لا بالأحداث والوقائع من خلال الفيلم، بما كان أيضاً على قدر كبير من الإلهام عند التفكير بما يقابل المجازات التايلاندية من مجازات عربية، لكن من يناصر مثل هذه السينما في عالمنا العربي؟ سؤال يتمنى الإجابة عنه بفيلم تشاهده دون أن ترى مصدر كل لقطة أو مشهد، وعلى شيء من النسخ.

الإمارات اليوم في

30/11/2010

 

 

الوثائقية تدعم مهرجان موريتانيا السينمائي...

ما تلفظه البلاد يتلقفه الوثائقي

حسن المرزوقي..نواقشوط 

انطلق هذا الأسبوع في العاصمة الموريتانية نواقشوط "الأسبوع الوطني للفيلم" في دورته الخامسة وهي التظاهرة السينمائية الأبرز في هذا البلد. وتسهر على هذه التظاهرة دار السينمائيين الموريتانيين  وهي مؤسسة مستقلة تأسست سنة 2002 من قبل بعض السينمائيين الموريتانيين وعلى رأسهم المخرج عبد الرحمان ولد السالم مدير الدار.

تضم هذه الدورة 58 فيلما منها 33 فيلما موريتانيا. ويمثل الفيلم الوثائقي نصيب الأسد حيث يشارك 32 فيلما وثائقيا ذلك أن المسابقة الرسمية هي مسابقة الوثائقي. وتتكفل الجزيرة الوثائقية هذه السنة بتقديم الجائزة الأولى للفيلم الوثائقي. أما المسابقة الثانية فهي تحت عنوان "هل تتكلم لغة الصورة؟" وهي مخصصة للمخرجين الموريتانيين الهواة.

إن الانطباع الأولي لهذا المهرجان المبتدئ هو أنه مهرجان يحاكي وضع الثقافة بشكل خاص ووضع موريتانيا بشكل عام. فهو مهرجان يحاول أن يجد لنفسه هوية ويخط طريقه في ظروف صعبة بل وقاسية تجعل كل مجهود يبدو لنا كمراقبين من الخارج بسيطا إلا أنه يمثل مشروع وحلم بالنسبة للنخبة السينمائية في موريتانيا. لذلك يخطئ من يقارن المهرجان بغيره من المهرجانات المعروفة في المنطقة. ولعل صعوبة هذا الوضع حالت دون تحول المهرجان من مهرجان محلي إلى مهرجان دولي وكان مقررا لهذه الدورة أن تكون فاتحة هذا التحول.

فأمام ضعف التمويل وتخلي سلطة الإشراف عن الدعم وعدم وجود سياسة ثقافية إستراتيجية واضحة. ونظرا لهشاشة الوضع السياسي واختلاط الأولويات بين الدولة والمجتمع، أمام هذا الوضع فإننا نقنع بما يحققه المهرجان دورة بعد دورة. دون أن يعفي المسئولين عليه من النقد لتلافي بعض النقائص التي لا ترتبط فقط بضعف الإمكانيات وإنما لها علاقة بالعقلية المنظمة أيضا.

وانعكاس الوضع الموريتاني على السينما البادي على التنظيم والإمكانيات رصدناه أيضا في مستويات فنية وجمالية مختلفة. ولعل أولى تلك المستويات هي إقبال الشباب على الفيلم الوثائقي واجتهادهم الملموس بل وحتى جودة مشاريعهم مقارنة بالمشاريع الروائية التي قدموها. وهذا "الهروب" نحو الوثائقي يبرره أولا ضعف الإمكانيات وشح التمويل فيأتي الوثائقي ليترك عجلة السينما تسير ببطء على الأقل من حيث الكم كي لا تتوقف وبأقل الأثمان. كما يبرره أيضا الوعي العام هنا لدى أغلب الشباب الهاوي للسينما بأن الوثائقي عليه أن يصور بؤس المجتمع ومشاكله أي هو نقل للواقع وليس بناء فني للواقع. هذا الوعي لمسناه من محاوراتنا مع هؤلاء الشباب الذي يقفز إلى التنظير والتلويح بالرسالة التي يريد إيصالها قافزا وكأن الكاميرا بالنسبة إليه هي المنقذ لمن يحبهم من أبناء شعبه.   

يبدو كذلك حضور الوضع الموريتاني في المهرجان في مستوى مواضيع الأفلام حيث غلبت على أفلام الشباب الموريتاني إشكالية الهوية والأصالة وفي نفس الوقت التوق إلى التحديث والسعي إلى النهوض. وهي الإشكاليات المفصلية في الخطاب السياسي وخطاب النخبة الموريتانية. ففيلم "حكاية صورة" لأحمد ولد السالم تناول قصة تأسيس نواقشوط في أواخر الخمسينات من خلال صورة أول حجر وضعه الفرنسيون في هذه البادية واستعرض الحيثيات التي أدت إلى اختيار هذه المنطقة دون غيرها من الخيارات. وكذا الأمر مع فيلم "ذاكرة الشرق" لمصطفى البان الذي يسلط على القاع الثقافي لمنطقة الشرق الموريتاني حيث البادية في معناها الحضاري الذي يميز الثقافة الموريتانية عامة. وكذلك فيلم "ظل الولي" الذي تناول موضوع الطريقة "الموريدية في السينغال"بحكم أن التراث الطرقي محدد أصيل لهوية المنطقة.

أفلام أخرى نقلت صورة مباشرة عن المشاكل الاجتماعية في موريتانيا مثل التمييز في الزواج على أساس الانتماء والطبقة أو الوضع الاجتماعي لوضعية المرأة كفيلم "مشاعر أخرى لـ" للا منت كابر" الذي يتناول قصة فتاة موريتانية من عائلة محافظة ووقعت في غرام شاب حامل لثقافة متحررة وتخلى عنها وتركها ضحية العائلة والمجتمع. أو فيلم "كباب" الذي يعرض معاناة الشباب من البطالة ومحاولة التكيف مع مجتمع يبحث عن طريقه نحو التحول.

وتبدو تبعية السينمائي للسياسي جلية في شعار المهرجان الذي يتزامن مع الذكرى الخمسين للاستقلال فكان شعار الدورة "خمسون سنة من الاستقلال .. خمسون سنة من الأمل" مما وجّه الأفلام توجيها نحو إشكالية الهوية والأسئلة الثقافية الحارقة التي تتداولها كل من السلطة والنخبة الموريتانية ويتم استثمارها سياسيا. فنلاحظ شكلا من أشكال الاتصال بين الأفلام ومناسبة الاستقلال. من خلال الأفلام التي تؤرخ للبلاد أو لمنطقة من البلاد.

أما المظهر الأخير من مظاهر العلاقة بين المهرجان وقضايا المجتمع الموريتاني فلحظناه في مستوى الجمهور حيث لاحظنا أن التصفيق يتعالى كلما مرت على الشاشة صور الرموز الوطنية كمختار ولد داداه مؤسس موريتانيا وأب الدولة الوطنية أو إذا ركزت الصورة على مظاهر البؤس الاجتماعي ومعاناة الكادحين حيث يتفاعل الجمهور بشكل لافت وحماسي كما في فيلم "القولاب" الذي يتناول حكاية طفل موريتاني يدرس ويشتغل في مصب للنفايات ويحلم بأن يكون وزيرا أو رئيسا للبلاد.فتتعالى الأصوات ويشتد التصفيق.  وكذا الشأن مع مشاهد البداوة وعالمها حيث يستقبلها الجمهور الغفير بنوع من حرارة الانتماء والخوف على ضياعها. فإذا نحن أمام جمهور جاء للمهرجان ينتظر منه رسالة تمسه وتعبر عنه ولما وجدها وبشكل مباشر وصريح في الأفلام الوثائقية طلب الاستزادة أو على الأقل لم يهجر ساحة العرض.

ولعل من العلامات التي تدعو للإعجاب في مهرجان موريتانيا أن الإقبال الشبابي على السينما وممارسة الكاميرا في موريتانيا يفوق كمّا وكيفا عدة دول أخرى تفوق موريتانيا في الإمكانيات والدعم. فمنذ ليلة الافتتاح لم ينقص الجمهور بل يزيد ليلة بعد ليلة ويحضر المئات بشكل غفير من مختلف الأعمار ومن الجنسين. وكانت فكرة العرض في الهواء الطلق من الأفكار التي فرضتها إمكانيات المهرجان المتواضعة ولكنها كانت مفيدة من الناحية التنظيمية والجمالية حولت المهرجان إلى عرس سينمائي وفني غذته بعض العروض الموسيقية والفنية من الفن الموريتاني المحلي. وكذلك أثرته ورشات العمل التي تقام بشكل يومي ومطول حول كتابة السيناريو والتصوير والإخراج ... ولاحظنا صرامة المنظمين في الحرص على إنجاح ورشات العمل معولين على مردوديتها بعد المهرجان.

في الأثناء ستقيم الجزيرة الوثائقية ندوة موسعة ومفتوحة مع المخرجين الموريتانيين بحضور بعض ضيوف المهرجان مثل السيد رضا بن حليمة من جامعة السينمائيين الهواة بتونس ومحمد بوحاري مخرج مغربي مقيم في بلجيكا وأوا تراولي متخصصة في توزيع الأفلام الوثائقية في الدول الأفريقية وثلة من ممثلي الصحافة المحلية والعربية والدولية. وستتناول الندوة تجربة الجزيرة الوثائقية في إنتاج الوثائقي كما سنستمع إلى مشاكل الشباب ومحاولة التفكير في الحلول وتبادل الآراء والأفكار والخبرات.

ومن الأنشطة التي غذت تفاصيل المهرجان والتي تستحق التثمين هي تظاهرة "سينما الشوارع" التي تكفل بها فريق مهرجان طريفة للسينما الإفريقية الذي يقام سنويا في الجنوب الاسباني ليحتفل بالسينما الأفريقية. حيث اشتغل الفريق بلا كلل لنقل السينما إلى الأحياء الفقيرة والمظلمة والمنعدمة الإمكانيات في العاصمة وما جاورها وقد صحبناهم ذات ليلة في أحد عروضهم في الأحياء ولمسنا عن كثب اجتهاد هذا الفريق في إسعاد الأطفال والفئات المحرومة وكان الإقبال مهما ومبهجا بالنسبة لسكان تلك المناطق البائسة  والتي لم تختر بؤسها.     

إن السينما في موريتانيا كما الشعر وبقية الأشكال الإبداعية مسكونة بالهم السياسي ومؤسسة على مباشرية الخطاب. فلا مجال للرمز والأولوية للحقيقة أو لفهم جمعي ما للحقيقة، لذلك كان حضور الوثائقي كثيفا لأن صانعيه حشروه في زاوية من زويا التفكير الجمعي وأوكلوا له مهمة حمل حقيقة ينوء بها كاهل الفيلم الوثائقي.

الجزيرة الوثائقية في

29/11/2010

 

ندوة الوثائقية في مهرجان موريتانيا السينمائي

محاولة في مساءلة المسلمات الفنية

حسن المرزوقي نواقشوط 

سعيا منها لإنجاح مهرجان موريتانيا السينمائي الخامس أو ما يسمى رسميا "بأسبوع الفيلم الوطني" حاولت الجزيرة الوثائقية أن تساهم في إنجاح هذه الدورة بمنح الجائزة الأولى للفيلم الوثائقي وبالمشاركة في فعاليات المهرجان بندة مفتوحة حول السينما في الدول محدودة الموارد وتبادل التجارب مع المخرجين الموريتانيين بعرض تجربة الجزيرة الوثائقية باعتبارها القناة العربية الوحيدة المتخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية.

بمجرد الإعلان عن الندوة لم يتوقف هاتفي الخاص عن الرنين من المخرجين والمثقفين الموريتانيين يسألون عن الموعد والمكان. مبدين الإعجاب بالوثائقية خاصة وبالجزيرة عامة منتظرين من الندوة ما يشفي الغليل ومتعطشين إلى الإفادة.

حضر الندوة بعض المثقفين الموريتانيين من شعراء وسينمائيين ومسرحيين إضافة إلى الزملاء الإعلاميين في الصحافة المحلية والدولية وكذلك ضيوف المهرجان وأعضاء لجنة التحكيم وأعضاء دار السينمائيين الموريتانيين. والذي كان لافتا فعلا إقبال الشباب من الطلبة والهواة الذين كانوا متحمسين للنقاش والحوار. لاسيما وأن الندوة تجاوزت قضايا الوثائقي إلى الفن وصناعة الثقافة في موريتانيا إلى القضايا التي تشغل بال المهتمين بمجال الفن في بلد المليون شاعر.

الوثائقي فن ...

نظرا لما لاحظناه في أغلب الأفلام الموريتانية المشاركة من تصور مشوش للوثائقي (وقد تعرضنا لهذا الموضوع في التقرير السابق الذي نشرناه في الموقع) فقد آثرنا قبل الحديث عن تجربة الجزيرة الوثائقية في الإنتاج، أن نطلق حوارا حول مفهوم الوثائقي وخصوصيته وعلاقته بفن السينما. وقد حاولت أن أناقش مع الشباب وجوه الفن في الفيلم الوثائقي.

وكان مدار الكلام في هذا المجال حول المقارنات بين المبدع في مجال الفن عموما ومخرج الفيلم الوثائقي للوقوف على وجوه الشبه والبرهنة للطلاب وهواة الفيلم الوثائقي على أن ما يقوم به صانع الفيلم الوثائقي هو نفس العمل الذي يقوم به الشاعر أو رجل المسرح أو أي مبدع آخر. ومن الضروري التفريق بين الوثائقي وبين أشكال أخرى من التوثيق الصحفي بواسطة التقرير والخبر...

وقد عقّب المخرج المسرحي الموريتاني التقي عبد الحي  ليشرح فكرة البعد الجمالي وعلاقة الخيال بالواقع في العمل الإبداعي ويحث الشباب على نزع الفكرة الشائعة بأن الوثائقي يصور الواقع تصويرا مباشرا وأن المطلوب هو تقديم رؤية جمالية لذلك الواقع.

أخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا من الندوة لأنه كان فرصة لنقد جوانب من المهرجان والتصورات التي تغلب على المشاركين فيه وهو ما اصطلحنا عليه بالسلبيات المرتبطة بعقلية التوثيق.

اختيارات المواضيع..

موضوع البعد الجمالي في الفيلم الوثائقي جعل النقاش يتركز حول اختيار المواضيع منطلقين من النماذج التي تم عرضها في المهرجان. فكانت مناسبة لنقد بعض الأفلام التي بدت متشابهة في الموضوع والمقاربة. وركزنا على الفقر كتيمة غالبة في الوثائقي الموريتاني ليبدأ الشباب تبريراتهم بأن الفقر ظاهرة موضوعية في مجتمعهم ولا يمكن القفز فوقها ومن الطبيعي أن يكون موضوعا غالبا على إنتاجاتهم.

وكانت الفكرة التي تهدف إليها الندوة هي تكسير النمطية في موضوع الفيلم الوثائقي وخاصة فيما يتعلق بتيمة الفقر. فناقشنا سبب استسهالها وتطرقنا إلى النظرة الاستشراقية إلى أفريقيا على أنها قارة الفقر والحرب والغرائب. فحاولنا الدفاع عن فكرة مفادها أنه لا عيب ولا ضير في اتخاذ الفقر موضوعا للوثائقي ولكن الإشكالية في المقاربة السينمائية لهذه الظاهرة. وضرورة التفريق بين الفقر في المجتمع والفقر كما تراه عدسة المخرج أي كيف يمكن أن يكون الفقر موضوعا للجمال. وهنا تكمن قوة الفن. نحن لا ننتج الفقر لنرسخه وإنما نصوره لنتجاوزه. وفكرة التجاوز هي التي تؤسسها فكرة الجمال وترسخها.

الأفكار المسبقة...

في هذا الإطار أيضا كان الحديث منصبا عن ضرورة ابتعاد الفيلم الوثائقي عن الأفكار المسبقة وتحويل عملية إنتاج الوثائقي من عقلية التوثيق المباشر إلى مبدأ الاكتشاف. أي أن المبدع يذهب ليكتشف الجديد في موضوعه وليس ليبرهن على ما هو راسخ في ذهنه حول الموضوع. وهنا كان من الضروري التنبيه من خطورة الانزياحات الإيديولوجية ومسايرة الأحكام المسبقة.

 الوثائقي ليس دائما مسايرا للمشترك بين الناس أو لما نظن أنها حقيقة متفق عليها. لأن له رؤية فنية لا تخلو من الذاتية والتفكير خارج دائرة ما تمليه المجموعة وهنا يكون الوثائقي مؤسسا على فلسفة الفن ودوره.

وبمناقشة فكرتي اختيار الموضوع والابتعاد عن تنميط  الفيلم الوثائقي انفتح النقاش على الآفاق الحضارية والتحديثية لهذا الفن والمساهمة في تخطي العقليات  السائدة والتي آن أوان تغييرها. وهذا ما بدا جليا كطموح مختبئ وراء الأفلام الموريتانية المعروضة ولكن بخطاب مباشر وصريح.

تجربة الجزيرة الوثائقية...

هذا المحور كان أكثر المحاور تفاعلا من قبل الحضور خلال الندوة وحتي في اللقاءات الجانبية التي عقبتها. حيث حاولنا تقديم فكرة ضافية عن تجربة الجزيرة الوثائقية وأهدافها والصعوبات والوسائل التي تنتهجها لتخطي العقبات لإنتاج أفلام وثائقية هادفة ومفيدة.

كما تطرقنا إلى مشاريع القناة وكيفية اختيار المشاريع الجيدة لإنتاجها والمقاييس الفنية والجمالية المعتمدة. وكانت بعض التساؤلات تصب في حدود حرية الإبداع لدى الجزيرة الوثائقية. فأوضحنا المحاذير التي لا نقبلها كقناة لها سياسة تحريرها وتوجهاتها الفنية وتصوراتها الحضارية كالمحاذير الأخلاقية وتجنب الدعايات  السياسية وإثارة الفتن الطائفية إلى غير ذلك من مبدئيات العمل الإعلامي.

وقد تدخل الزميل في قناة الجزيرة الإخبارية داده ولد عبد الله ليوضح الفرق بين إنتاج موجه إل جمهور عبر مؤسسة إعلامية وإنتاج فيلم مستقل لمبدع له الحرية المطلقة في تصوير ما يريد ما دام محتفظا به لنفسه ويعبر عن مواقفه. وبالتالي فهناك مشترك فني وإبداعي بين مطلق حرية الإبداع وضوابط العمل الإعلامي المتفق عليها.

انتهت النوة بحلقات نقاش بين الشباب وبين الضيوف لاستكمال تبال الأفكار والآراء وذلك في نهاية الأمر ما كانت تهدف له النوة إنه طرح السؤال للتفكير بشكل مختلف عن السائد

الجزيرة الوثائقية في

29/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)