حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ينهي سلسلته بفيلم من جزأين

هاري بوتر” مؤثرات خاصة وأرباح خيالية

محمد رُضا

حين تفتح شاشات العالم على حلقة جديدة من مغامرات هاري بوتر، يكون عمر السلسلة على الشاشة عشر سنوات عرضت خلالها ستّة أفلام حققت ما مجموعه 5418 بليون دولار . الفيلم الجديد وعنوانه Harry Potter and the Deathly Hallows-  “هاري بوتر والموت المقدّس” ينقسم إلى فصلين . الفصل الأول ينطلق للعروض هذا الأسبوع، والثاني من المتوقّع أن ينطلق في الصيف المقبل الا إذا ارتأت شركة “وورنر” تأخير عروضه عاماً كاملاً .

الفيلم الجديد يكمل ما سبق، فمع نهاية الجزء السادس شاهدنا “بروفوسور دمبليدور” (مايكل غامبون) وهو يخسر موقعه كرئيس مدرسة السحر التي تدور فيها الأحداث بعدما حيكت ضدّه مؤامرة من عدّة أطراف شريرة بقيادة اللورد فولديمورت (راف فاينس)، الذي يسيطر على مخلوقات اسمها “آكلو الموت” . الغاية كانت تقتضي أيضاً قتل هاري بوتر (دانيال ردكليف) وصديقيه المخلصلين هرموين (إيما واتسون) ورون ويزلي (روبرت غرينت) .

في مطلع الفيلم الجديد سنجد هاري وصديقيه هاربين للنجاة بحياتهم من جيش فولديمورت القاتل، وباقي الفيلم سيضعهم في حبكة تقوم على مغامرة قوامها النجاة من الموت، التجمّع ووضع خطط المجابهة، ثم التحضير لما سنراه في الفصل الثاني، وهو المنازلة الأخيرة بين قوى الخير وقوى الشر، للسيطرة على المدرسة ودرء خطر الأشرار أو العكس .

وفي حين أخذ النقد الغربي يتسابق لتغطية الفيلم وإبداء الرأي فيه، فإن ردّات الفعل الأولى تشير إلى إعجاب كاسح (نحو ثمانية من كل عشرة نقاد كالوا المدح للفيلم) يشمل عناصر التمثيل والإخراج والحبكة والمؤثرات الخاصة والشؤون الفنية عموماً . لكن عدداً كبيراً من النقد دار حول كيفية تطوّر التمثيل بالشخصيات الرئيسية الثلاثة بحيث، وكما يقول جوش تايلر في موقع “سينما بْلَند”، أصبحوا “لأول مرّة، شخصيات ناضجة وراشدة وحقيقية” .

أرقام النجاح

حين انطلقت السلسلة عام 2001 بفيلم “هاري بوتر وجوهرة الساحر”، كان عمر دانيال ردكليف 12 سنة، وكان روبرت غينت في الثالثة عشرة من العمر، أما إيما واتسون فكانت لا تزال في الحادية عشرة من العمر . بعد عشر سنوات، صار من الطبيعي أن يتصرّف كل ممثل بعقل وفهم مختلفين . المسألة التي يجب على الناقد الاهتمام بها، هي إذا ما كان تمثيل كل واحد من هؤلاء تقدّم فعلاً أم لا . وبكلمات أخرى، هل النمو الجسدي سار في اتجاه ونمو الموهبة بقي في مكانه، أم أن هناك تطوّرا فعلياً؟

المسألة هي أنه حتى ولو كان هناك تطوّر موهبي مواكب، فإن الشخصيات مكتوبة كنصوص لا يمكن التدخّل فيها كثيراً . لذلك وجدنا، خلال الأجزاء السابقة أن كلاً من دانيال ردكليف وروبرت غرينت لازما الكثير من المستوى الواحد الذي أمّا به هذه السلسلة منذ بدايتها . الأول لا يزال يمثّل من دون ملامح كثيرة ومعبّرة، والثاني لا يزال يبدو كما لو أنه فاق من نومه للتو . وجهه يحمل دائماً الدهشة مما يدور مع اقتراح بأنه ليس أكثر ذكاءً لا من هاري بوتر ولا من فتيان المدرسة الآخرين .

الممثلة الوحيدة التي تطوّر أداؤها على نحو ملحوظ هي إيما واتسون، لكن -ومرّة أخرى- وجدناها في الجزء السادس الذي عرض في العام الماضي، بعنوان “هاري بوتر والأمير نصف الشقيق”، ملتزمة بدور صغير لا يريد منها سوى تكرار ما فعلته سابقاً .

الجزء الجديد كان مفترضاً به أن يكون الأخير، لكن الإنتاج قرر تقسيمه إلى فصلين لهدف رئيسي هو حصد المزيد من الثروة، علماً أن شركة “وورنر” الموزّعة أنجزت ربحاً صافياً من هذه السلسلة قدره بليون دولار (هل الباقي من نصيب شركة الإنتاج ذاتها بعد خصم التكاليف؟) في حين تقاضى ردكليف عن هذين الفصلين الأخيرين أربعين مليون دولار، وتقاضى كل من واتسون وغرينت ثلاثين مليون دولار للواحد . إيرادات المبيعات من الأسطوانات وحدها بليون و300 مليون دولار عن الأجزاء الستّة السابقة (فوق ايراد الصالات السينمائية أعلاه) بينما بيعت الكتب بما يوازي 400 مليون دولار، علماً بأن شركة “وورنر”، حين اشترت حقوق الروايات الأربع الأولى، لم تدفع أكثر من مليوني دولار .  

أخبار المخرجين

= روب مارشال، صاحب الأفلام الموسيقية مثل “شيكاغو” و”تسعة”، باشر تصوير الجزء الرابع من “قراصنة الكاريبي” مع جوني دب في البطولة .

= ستيفن سودربيرغ (“أوشن 11”) ينوي تحقيق سلسلة جديدة بعنوان “الرجل من أنكل” التي كانت حلقات تلفزيونية وسينمائية في السبعينيات، وجورج كلوني مرشّح للبطولة .

= الإيطالي ناني موريتي أنجز تصوير فيلمه الجديد “لدينا البابا” كوميديا ساخرة عن علاقة الإيطاليين بالفاتيكان من بطولة ميشيل بيكولي ومرغريتا باي .

 

24 مليون دولار في يوم واحد

حصد الجزء الأخير من سلسلة أفلام “هاري بوتر” وهو بعنوان “هاري بوتر إن ذي دثلي هالوز: الجزء الأول” نحو 24 مليون دولار من العائدات في اليوم الأول من عرضه الخميس الماضي في 3700 صالة سينما في الولايات المتحدة .

وهذه العائدات تتجاوز ما حققه الفيلم الأخير من هذه السلسلة “هاري بوتر آند ذي هاف بلاد برينس” الذي حصد في 2009 في اليوم الأول من عرضه 2 .22 مليون دولار .

وقد تشكلت أمام صالات السينما، مساء الخميس، الماضي طوابير من الناس وقد تنكر بعضهم بزي هاري بوتر لمشاهدة الفيلم .

الا ان الرقم القياسي للعائدات والبالغ 30 مليون دولار في اليوم الأول للعرض فقد سجله الجزء الثالث من أفلام توالايت .

وبيعت أكثر من 400 مليون نسخة من الكتب السبعة من مغامرات هاري بوتر التي اقتبست منها الأفلام، ب 69 لغة، فيما جمعت الأفلام الستة الأولى 4 .5 مليار دولار . 

السينما الإيطالية تنتعش وتتجدد

مع انطلاقة تظاهر “أسلوب السينما الإيطالية 2010” على شاشة صالة “ذ إيجبشن” في لوس أنجلوس، يجد المتابع للسينما عموماً، وعشّاق السينما الإيطالية خصوصاً، بحراً من الأفلام يمكن الغرف من مائه كل يوم . معظم هذه الأفلام ليس لديها حظ في التوزيع أمريكياً، ولا في معظم أنحاء الأرض، وتعتمد على مثل هذه التظاهرات لكي تعلن عن وجودها .

والحقيقة أن السينما الإيطالية في فورة جديدة منذ سنتين على وجه التحديد، وذلك انعكس على حضورها في مهرجاني فنيسيا وروما في إيطاليا، كما في عروضها على شاشة مهرجانات أخرى شاملة مثل لندن وتورنتو . ومع أن عدد الأفلام المعروضة من إيطالياً، أو من أي بلد واحد على شاشة أي مسابقة سيبقى دائماً محدوداً بفعل ضرورة التنويع، فإن المرء يستطيع أن يجد أفلاماً إيطالية منتشرة في شتّى التظاهرات بأعداد ملحوظة ما يؤكد حالة انتعاش إنتاجية، بصرف النظر عن القيمة الفنية لهذا الإنتاج .

في العام الحالي أنجزت السينما الإيطالية أفلاماً مثيرة للاهتمام بينها ما يعرض حالياً في تلك الصالة الواقعة في قلب لوس أنجلوس التي بُنيت قبل أكثر من ستين عاماً . بين هذه الأفلام “أول شيء جميل” للمخرج باولو فيرزي، وهو الفيلم الذي تم تقديمه باسم السينما الإيطالية لسباق الأوسكار . المخرج فيرزي من أكثر المواهب الجديدة نجاحاً، وذلك في أعقاب فيلمه السابق “اسمي تانينو” الذي حصد إقبالاً نقدياً جيّداً، كما يفعل حالياً “أول شيء جميل” . إنه فيلم عاطفي لكنه ليس الوحيد في هذه النوعية حالياً كما سنرى .

فيلم آخر معروض هو “العاطفة” الذي أخرجه كارلو ماتزاكوراتي (هناك فيلم آخر بهذا العنوان أخرجه الأمريكي من أصل إيطالي جون تورتورو في العام ذاته) الذي يأخذ مشاهديه إلى رحلة كوميدية حول مخرج (سيلفيو أورلاندو) يبحث عن إلهام ليحصد عوض ذلك مهمّة إخراج مسرحية صغيرة في بلدة أصغر .

ويختلف فيلم غابريال موتشينو عن سواه بأنه تكملة لفيلم سابق . الفيلم الجديد عنوانه “قبّلني مرّة أخرى” ويحكي عن أصدقاء يلتقون بعد عشر سنوات فإذا بعواطف كل منهم تجاه الآخر ما زالت قويّة . والموضوع العاطفي الاجتماعي نجده أيضاً في فيلم “عشرون سيجارة” لأورليانو أماداي، وفي “حياتنا” لدانيال لوشيتي، ولو أنه يتدرج هنا من قصّة حب مباشرة إلى حكاية عائلية في الأساس تريد التعليق على المتغيّرات الاجتماعية الحاصلة في إيطاليا اليوم .

ثم مزيد من التدرّج نحو الموضوع العاطفي الصعب في “حب داكن” حول حياة امرأة تعرّضت إلى اعتداء قام به ثلاثة شبّان مراهقين . المخرج أنطونيو كابوانو حاول طرح الموضوع بكل طروحاته الشائكة، لكنه في النهاية جسّد الحالة التي لم تكن بحاجة إلى جهد كبير لتجسيدها على أي حال .

في النطاق التراجيدي ذاته نجد “الساعة المزدوجة” لجوزيبي كابوتوندي . والملاحظ أن الغاية هنا هي عرض أفلام لمخرجين جدد غير معروفين على أي نطاق أو على نطاق محدود . وهذا ينطبق على معظم الأفلام الخمسة عشر المختارة لهذه التظاهرة . ومن بين الاستثناءات القليلة: “أنا وهم ولارا” لكارلو فردوني، و”طفولة ثانية” لبوبي أفاتي، وكلاهما من المخرجين الذين مضى على اشتغالهم في المهنة أكثر من خمس عشرة سنة .

هذا العام هو المناسبة الخمسون لفيلم فديريكو فيلليني الفذ “لا دولتشي فيتا” أي “الحياة الحلوة”، ومشاهدة هذا الفيلم للمرّة السادسة أو نحوها، تكشف الكثير من التاريخ السينمائي لإيطاليا أوّلاً، كما للسينما في مختلف البلدان ثانياً . إنه كما لو أن الإبداع انتهى بنهاية فترة امتدت لثلاثة عقود (من الخمسينيات إلى نهاية السبعينيات) باستثناء أفلام قليلة نلتقطها هنا أو هناك . مع الأسف، ليس من بين أفلام المخرجين الإيطاليين الجدد ما ينبئ عن أن الإبداع الذاتي لا يزال شرطاً للنجاح . 

أوراق ناقد

السينما تموت وتحيا

إذا ما انتشرت التقاليد الجديدة، فإنها عادة ما تستحكم وتغيّر تقاليد سابقة لها . يحكي لنا أباؤنا أنه حين تم اختراع التلفزيون، نظر العديد إلى المسألة نظرة شك وسخرية: من ذا الذي يريد أن يشاهد الصور المتحرّكة على الشاشة الصغيرة التي كانت، من بين أشياء كثيرة، بالأبيض والأسود وذات شكل مستدير . الشاشة من الزجاج السميك ومحاطة بإطار أسود وتشغيل التلفزيون كان يتطلّب نحو دقيقة إلى أن يحمي الجهاز الذي في داخله، تماماً كما كان الراديو من قبله .

لكن الناس سرعان ما استجابت وانتشر الجهاز الجديد على شكله البدائي ذاك، وصار من العز بمكان أن يشتري المرء جهازاً، وأصبح بالإمكان مشاهدة صاحب الجهاز وهو يركّب “الأنتين” على سطح البيت ويبتسم لنفسه زهوا وهو يلحظ نظرات الجيران الذين لم يحصلوا بعد على هذه النعمة .

قيل حينها إن السينما ستموت ولكنها لم تمت، وقيل إنها ستموت مع انتشار الفيديو ولم تمت، ثم قيل إنها ستموت مع تدميج الفيلم على أسطوانات ولم تمت، والآن هناك البث المباشر على الكمبيوتر الذي يهدد ليس صالات السينما فقط، بل محالّ بيع وتأجير الأسطوانات والفيديو .

الناس تحب أن تؤم آخر المستحدثات، البعض إيماناً بالعصر وفوائد التكنولوجيا واعتقاداً بأن المزيد من التكنولوجيا هو مثل عصير الفيتامين بالنسبة إلى المناخين الفني والاجتماعي، والبعض لمجرد أنه يخشى أن يجد نفسه وقد تأخر، علماً بأن أكثر من ثلثي أهل الصين والهند ونحو نصف سكان أمريكا اللاتينية وجيوب واسعة في أوروبا والعالم العربي، يعيشون بلا هذه التنكولوجيا وربما على نحو أفضل هناءً وسعادة . على الأقل، ما زال بعضهم يجد وقتاً لكتاب أو لمعايدة مريض أو لجمع الشمل أو تأليف الكتب أو الرسم أو العزف أو الموسيقا .

الحقيقة أننا نقبل اليوم على كل تقنية جديدة صالحة كانت أم غير صالحة .

 “Do you Tweet؟” يسألني أحد الصحافيين، وحين أقول له: لا، يعتقد أنه يسدي لي نصيحة فيقول: “يجب أن تتعلّم” . الأقرب إلى الواقع أنه يجب ألا أتعلم، ويجب على أكبر عدد منّا أن يحافظوا على نقطة الوسط في الحياة، فلا البعد عن التقنيات وإهمالها محمود، ولا العيش فيها حتى الثمالة محمود أيضاً . المشكلة هي أن العالم ليس مؤلّفاً من أهل الوسط، بل معظمهم من المتطرّفين، إن لم يكن على هذا النحو فعلى نحو آخر، والأغلبية اعتادت أن تتسابق لتقليد الآخر . هل لاحظت مثلاً أنه حتى قبل سنوات ليست ببعيدة لم تكن هناك سيّارات ذات لون فضّي؟ فجأة اللون الفضّي بات يؤلف نحو نصف ما نراه من ألوان السيارات، إن لم يكن ذلك تقليداً فما التقليد؟

السينما كما نعرفها قد تعيش لعقد إضافي على النحو الذي نعرفه، بعد ذلك إما أن ينهار الجديد وتبقى، وإما أن تنهار هي وينهار الجديد معاً بفعل السعي المستمر لتحويل الإنسان فينا إلى محفظة مفتوحة .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

21/11/2010

 

«يزرعون الأرض ألغاماً لئلا نزرع قمحاً»

ميشيل خليفي.. الذاكرة الخصـبة قبل «الزندقة»

زياد عبدالله 

على الذاكرة أن تتحلى بالخصوبة، خصوصاً إن كانت مفتوحة على فجائع لا تنتهي، لا بل إن فعل التذكر نفسه سيكون فعلاً شاقاً، وعلى اصطدام مباشر بما يعطل هذه الذاكرة من كثرة ما قد تواجهه يومياً، طالما أن اليوم سيكون حمالاً دائماً لجديد متجدد، اليوم الفلسطيني، الذي ما إن ينقضي حتى يعد الفلسطيني بيوم آخر مفتوح على شتى الاحتمالات، ومع امتداد المأساة إلى أكثر من 60 سنة، لها أيضاً أن تكون عرضة لشتى أنواع النسيان والتشويه، كنتيجة قسرية وربما طبيعية، خصوصاً مع دخولها في نفق التشويه الداخلي، اقتتال الخوة الأعداء، وتحويل أعدل قضية إنسانية إلى متاجرة وشعارات رنانة وصراعات سلطوية.

هنا الأمر يستدعي ربما «زندقة»، ضياعاً يفضي إلى عدمية فاقعة تكفر بكل ما شكل حلماً وتطلعاً، ولعلنا في ذلك سنكون في تتبع لمسيرة المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، وذلك من «الذاكرة الخصبة» إلى «زنديق»، والتي ستكون مستعادة أكثر منها متمركزة على «زنديق» الفائز بجائزة المهر العربي في الدورة السادسة من مهرجان دبي، وقد كتبنا عنه في هذه الصفحة، بما يضع القارئ مع ميشيل خليفي ما قبل «زنديق»، أي عودته إلى فلسطين ليجد لا شيء فيها يدعوه إلا للزندقة.

خليفي كان الصوت السينمائي الفلسطيني الأول الصارخ من داخل الأرض المحتلة، صوت مغاير لما كان سائداً في تلك المرحلة، مؤسساً لما سيعرف لاحقاً بالسينما الفلسطينية الجديدة، حيث التوثيق سيأتي نقدياً، وللإنسان الفلسطيني أن يمسي من لحم ودم، وكله حلم أن تكون حياته طبيعية يفرح ويحزن، يحب ويشتهي، يغني ويبكي كما أي انسان على سطح هذا الكوكب.

الانعطافة التي شكلتها سينما ميشيل خليفي تأتي مع فيلمه الوثائقي الأول «الذاكرة الخصبة» ،1980 وهو يقول لنا ها هو فيلم يأتيكم من الداخل المغيب، وها هي امرأة اسمها رومية فرح حاطوم ترينا حياتها، وتكشف عن أيامها، إنها نموذج أم فلسطينية سرعان ما يطالعنا خليفي بنموذج مغاير يشكل امتداداً لها إن هي استجابت لقدراتها وتطلعاتها، وذلك بالانتقال إلى الروائية سحر خليفة والتي ما كانت كذلك لو استسلمت لواقعها.

100 دقيقة في «الذاكرة الخصبة» كانت كفيلة بنقل السينما الفلسطينية إلى مساحة جديدة، وعلى تناغم مع متطلبات المرحلة، وعلى اتكاء على الخصوبة، الصفة التي يستدعيها خليفي لأن تكون لصيقة بالذاكرة الفلسطينية، ولتتوالى أفلامه بعد ذلك، فمن «طريق النعيم» 1981 الذي يتناول قضية اغتيال مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية في بلجيكا خضر نعيم، يمضي خليفي إلى «معلول تحتفل بدمارها» ،1985 حيث سيقدم وثائقياً له أن يجد في المكان معبراً نحو التوثيق، وذلك في تقديم أدوات الحنين والاستعادة التي يمارسها أهالي القرى المدمرة في اصرار على استبقاء المكان رغم تدميره، والاستفادة حتى من العيد الوطني لاسرائيل في تحقيق ذلك، الأمر الذي أمسى مطلباً سينمائياً ملحاً ومازال، وليس لأفلام فلسطينية تطالعنا كل عام أن تبتعد عن هذه الضرورة التي وجّه خليفي كاميرته إليها كفعل ريادي سيبقى محيطاً به.

بالوصول إلى فيلم «عرس الجليل» ،1987 أول فيلم روائي طويل له، يكون خليفي قد مضى على استقراره في بلجيكا 12 سنة، وعاد ليقدم فيلماً روائياً فلسطينيا خالصاً، بدءاً من موقع التصوير مرورا بالممثلين، بما في ذلك شخصية الحاكم العسكري الاسرائيلي التي جسدها مكرم خوري، ولتكون الممثلة اليونانية التي أدت دور العروس هي الاستثناء الوحيد، ربما لتقديم لقطات العري الكامل التي حملها الفيلم في حينها، أو كما لو أننا نسمع طيف والدة المخرج «ميم» في «زنديق» تقول له «بعدك عم تصور نسوان عريانات؟».

مع «عرس الجليل» تشكلت نقطة تحول في السينما الفلسطينية، وبداية رواية موازية للوثائقي، وعلى إيقاع روائي يستقدم الأغاني والأهازيج والدبكات والطقوس تحت مظلة العرس، وفتح الباب على مصراعيه أمام اضاءة حيوات راسخة في المكان، ووفق فعل سينمائي يضع جنباً إلى جنب الأصل والطارئ، الفلسطيني والاسرائيلي، مع رصد لزوايا مقاربة تتصارع وتتفق، تتناقض وتتسق، وليحصد الفيلم جوائز كثيرة، مثل التانيت الذهبي في قرطاج ،1988 والجائزة الأولى للنقاد الدوليين في مهرجان كان السينمائي الدولي عام ،1987 وجوائز كثيرة أخرى.

يشكل العرس الذي سيقيمه أبوعادل لابنه عادل بؤرة العمل الدرامية، ونقطة التقاء كل ما قدمه الفيلم، فإقامة العرس تتطلب موافقة الحاكم الاسرائيلي، الذي يوافق شرط حضوره وجنوده، الأمر الذي يدفع أخا «أبوعادل» إلى المعارضة والمقاطعة، وإلى جانبه هناك مجموعة شبان ينوون قتل الحاكم، وعليه يمضي العرس المزدحم بفرح فلسطيني يعلو ويصخب في مواجهة آلة عسكرية اسرائيلية، لا تعرف إلا الرصاص، كما هي الحال في مشهد الفرس الأصيلة التي تمضي إلى حقل ألغام «يزرعون الأرض ألغاماً لئلا نزرع قمحاً»، والتي تستجيب فقط لصوت صاحبها، بينما لا يعرف الاسرائيليون إلا إطلاق الرصاص.

«عرس الجليل» محمّل بالكثير، ومسكون بهمّ توثيقي للحياة الفلسطينية بكل تجلياتها، حيث نسمع أهل القرية يرددون «طلع الزين من الأحلام.. ما أحلى الرؤية بالأحلام»، وعلى هدي الأغاني يحضر الحب، والأنوثة المتقدة ورقتها، العرق والدبكة وطقوس الزواج، وتلك الشموع التي تطفأ بقدمي العروس، لا بل إن المجندة الاسرائيلية ستجد حياة مغايرة لدى نساء القرية سرعان ما تختطف منها وتعود إلى بدلتها الخاكية، الأمر الذي يمتد إلى المأكولات التي يتذوقها الاسرائيليون ويكتشفونها للمرة الأولى، ومن ثم تلك النهاية التي يكتشف فيها عادل أنه عاجز جنسياً، في اجتماع كل شيء ضد حياته، الاحتلال والأب، وإلى جانبهما رفضه خزعبلات العلاج الشعبي، لا بل إن فض البكارة فائق القداسة والأهمية سيتم على يد العروس نفسها. يتداخل زمن عرض «عرس الجليل» مع بدء الانتفاضة الأولى، وليتعقبها خليفي في فيلمه «نشيد الحجر» 1990 على نسقين روائي وتسجيلي، ولتخرج الممثلة سلوى قرمان من أمومتها في «عرس الجليل»، وتمسي تلك المرأة العاشقة التي تلاقي حبيبها الخارج من سجنه، بينما الانتفاضة تمضي إلى جيل جديد يشكل مفصلاً مغايراً عن سابقه. هذا المفصل سيتيح لخليفي الجنوح نحو التجريب في فيلمه الروائي الثاني «حكايا الجواهر الثلاث» ،1994 وفي مسعى لتجديد مقاربته ملامح الحياة الفلسطينية وفق المتغيرات التي طرأت عليها بعد «عرس الجليل»، فهنا الشخصيات أشد تعقيداً والحبكة تسعى الى تقديم مساحة اختبارية لما يمكن أن تكون عليها أو ما صارت إليه، وفي تداخل في الأزمنة ما بين الانتفاضة والتراث النضالي للشعب الفلسطيني، مع بحث يوسف عن الجواهر الناقصة في العقد التي تقوده إلى أميركا اللاتينية. مع «حكايا الجواهر الثلاث» تشكل لدى المتابع لسينما الخليفي أنه قد توقف عن صناعة الأفلام، ولعل الزمن الذي يفصل بين «الزواج المختلط في الأراضي المقدسة» 1995 و«زنديق» 2009 سيكون طويلاً جداً، لكن وبالعودة إلى تتبع خليفي للمتغيرات التي طرأت على النضال الفلسطيني فإنه لن يجد إلا ما يدفعه إلى سخرية سوداء وسوداوية ساخرة، وجلد الذات أمام فداحة ما وصلت إليه أحوال النضال والمناضلين.

الإمارات اليوم في

21/11/2010

 

"بلبل حيران" والقفز من طائرة الكوميديا بدون باراشوت

إيهاب التركي 

يمتلك "أحمد حلمى" كاريزما خاصة منبعها الأصلى انه دائم البحث عن  شكل مختلف لأفلامه، وانه يبلور فى أفلامه نوعية من الكوميديا التى تستلهم لغة العصر وملامح جيل الشباب وطريقة مرحهم، ورغم انه اختار التطور والنمو البطىء منذ بداياته الأولى الا انه أثبت انه كان يبحث عن حالة فنية طازجة وشابة لكنها ناضجة راسخة الأساس، ذكاء حلمى جعله يفضل المسيرة البطيئة الواثقة عن التسرع الاستهلاكى الذى يحرق النجم الكوميدى سريعاً بالاغراق فى التهريج وكوميديا الايفيهات، أعاد بجرأة للشاشة الكوميديا الخفيفة بدلاً من كوميديا التهريج التى لا تحمل أى مضمون وقدم الكوميديا السوداء فى عدد من أفلامه منها "أسف على الازعاج"، وقدم فى "ألف مبروك" فانتازيا كوميدية تحمل عمق انسانى، وقدم النقد الاجتماعى والسياسى فى "عسل اسود"، ووصل الى محطة "بلبل حيران" الى ما يشبه استراحة من الأفكار الجديدة، واستراحة من الكوميديا التى تحمل عمق أو مضمون يلفت النظر.

لأحمد حلمى الكوميديان حضور على الشاشة فى فيلمه "بلبل حيران"، ولكن فى ظل غياب عناصر هامة كالسيناريو القوى المتماسك، أو المخرج الذى يسد ثغرات السيناريو ويحافظ على ايقاع المشاهد .. يطغى على الفيلم حضور "أحمد حلمى" الممثل الكوميدى المحبوب الذى يطلق على الشاشة أكبر قدر من الايفيهات اللفظية التى تؤكد كثافتها أن دراما الفيلم تعانى من أنيميا حادة فى الأفكار، وبعض هذه الايفيهات حملت ايحاءات جنسية لم يتعود عليها المشاهد من حلمى الذى يدخل أفلامه دائماً مسلحاً بعناصر فنية تغنيه تماماً عن الاستعانة بسلاح زغزغة المشاهد بالايفيه المبتذل.   

يقدم الفيلم فكرة جيدة لم تكتمل أو تنضج تماماً، وهى فكرة حيرة شاب فى اختيار فتاة أحلامه.. البطل شاب يتعرض لتجربتين عاطفتين تنتهى بخطبة، الأولى مع "زينة" عازفة الهارمونيكا التى تنتهى علاقته بها بسبب مبالغة الفتاة فى الاستقلال عن خطيبها، وهو استقلال يصل الى حد انها تلغى شخصيته تماماً وتختار له كل شىء وتفرض عليه هذه الاختيارات، أما الفتاة الثانية التى تقوم بدورها "شيرى" فهى تعمل معه مصممة ديكور وهو يميل اليها لمجرد انها نقيض الفتاة الأولى، هى فتاة ضعيفة تعتمد عليه حتى فى فتح علبة الكانز، وهى بلا شخصية واختياراتها صدى لاختياراته هو .. يشبع هذا فى البطل احساسه القيادى باعتماد الفتاة عليه ثم لا يلبث أن يكره شخصيتها المنقادة دائماً، ورغم انه يفسخ خطوبته بها الا انه يعود اليها مرة أخرى بعد الحاحها، وتستغرق علاقة بلبل بخطيبتيه جزء طويل وممطوط من الفيلم، فكل شىء يتحرك فى السيناريو وعلى الشاشة ببط شديد، أداء "زينة" و"شيرى" سطحى وبلا اجتهاد للتعبير ولا يساعد على تصديق الشخصيات المبنية بسطحية هى الأخرى، الوحيدة التى اجتهدت فى دورها كانت "ايمى سمير غانم" طبيبة العلاج الطبيعى، شخصية بلبل نفسها لم تكن واضحة درامياً فالمفترض انه شاب متردد فى اختياراته، ولكن لم ينعكس هذا على رسم شخصيته على الشاشة التى ظهرت واثقة ساخرة دائماً بصورة تناقض تردده الشديد فى علاقته بخطيبتيه.

حركة الكاميرا وايقاع المشاهد لم يخدما كثيراً هذا الجزء من الفيلم الذى هو فى الاصل فلاش باك طويل يحكيه بلبل لطبيبته بينما هو نائم محطم الجسد ملفوف فى الجبس .. دكتورة العلاج الطبيعى "ايمى سمير غانم" المشرفة على علاجه بدت فى الفيلم أقرب الى ممرضة منها طبيبة، فطبيبة العلاج الطبيعى ليس من مهامها تنظيف المريض وغسل اسنانه.. هو يحكى لها كل ما حدث له قبل أن يسقط من طائرة بدون باراشوت، وهى احدى المبالغات التى احتوى عليها الفيلم و تخاصم المنطق، بل انها تحارب المنطق تماماً فلا يعقل أن يسقط شخص من طائرة بدون باراشوت ويظل على قيد الحياة مع مجرد رضوض وكسور فى جسمه فقط، السيناريو يستخدم حبكة أخرى مستهلكة وغير منطقية مثل حبكة سقوط البطل على رأسه وفقدانه الذاكرة لمدة ستة شهور؟ ثم يتعرض البطل لصدمة أخرى على رأسه لتعود اليه الذاكرة، وهناك أشياء أخرى كثيرة تدلل على استخفاف السيناريو التام بالمشاهد وبالدراما، وقد يكون مفهوماً أن يتحول كيد الفتاتين واتفاقهما على الانتقام من البطل بتشكيكه فى سلامة عقله كمبالغة استغلها الفيلم فى الاضحاك، ولكن يجب ان يكون كل ذلك مبنى على منطق ما، فلم يوضح الفيلم كيف أعدت الفتاتان للانتقام بكل هذه الدقة، وكيف يكون الانتقام سخيفاً الى حد ان الفتاتان تدبرا مع الطبيبة على وضع فار فى سرير البطل لانه يخاف من الفئران، أو حرمانه من شرب السجائر، أو ضربه بمضرب الذباب، وكيف توافق طبيبة على تعذيب مريض لا حول له ولا قوة؟ وكيف استمرت الفتيات فى تعذيب البطل وهو فى المستشفى بعد أن كادوا أن يقتلوه بالفعل بدفعه للقفز من الطائرة ؟!

الفيلم اعتمد على كاريزما "أحمد حلمى" لكن مع غياب وتراجع العناصر الفنية تحول الفيلم الى كوميديا باهتة تعتمد على الايفيهات والدراما الغير منطقية، وأغلب الظن أن "أحمد حلمى" سيدرك مبكراً عيوب الفيلم، وبذكائه سيدقق كثيراً وهو يعد لفيلمه القادم، فهذا الفيلم ليس مقياساً لامكانياته ولا يشبه اختياراته الأخيرة، وأية ايرادات يحصل عليها "بلبل حيران" مرجعها فقط ثقة الجمهور المطلقة فيه التى رسخت من أعماله السابقة، وأغلب الظن أيضاً انه فى المرة القادمة التى يقفز فيها محلقاً من طائرة الكوميديا سيتأكد انه يحمل معه باراشوت!

الدستور المصرية في

21/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)