حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رائد السينما الفلسطينية المستقلة ميشيل خليفى:

أصبحنا نرى بعضنا بـ «عين صهيونية».. وفلسطين وطن «تخيلى» نحاول بناءه بالفنون

حوار   إسلام حامد

ميشيل خليفى المولود فى الناصرة عام ١٩٥٠، وهو رائد السينما المستقلة الفلسطينية، وأول مخرج فلسطينى يصور فى الأرض المحتلة من خلال فيلمه الأول «الذاكرة الخصبة» ١٩٨٠، ففتح الباب لأجيال من السينمائيين الفلسطينيين لإخراج أفلام مصورة فى أرض واقعها.

أخرج خليفى تسعة أفلام حتى الآن، منها ثلاثة تسجيلية، أهمها «عرس الجليل» ١٩٨٧، وهو ضيف «بانوراما الفيلم الأوروبى» هذا العام، وعرض له فيلمه الأخير «زنديق» ٢٠٠٩، والذى تأتى قيمته الفنية من التجربة الطويلة لمخرجه، ويطرح أسئلة تتعلق بالوجود والمصير.

«المصرى اليوم» أجرت هذا الحوار الخاص معه والذى تحدث فيه عن السينما العربية ومستقبلها، وغيرها من القضايا المهمة.

هل يجب على السينمائى الفلسطينى أن يتناول القضية الفلسطينية فى كل أفلامه، ولو قدم فيلماً عن موضوع آخر، هل يتهم بعدم الاهتمام بقضية وطنه؟

- كل سينمائى يقدم تجربته من وجهة نظره، وأنا فلسطينى ومتمسك بمشكلاتى وتجاربى كفلسطينى، لذلك أفضل تقديم الإنسان الفلسطينى فى أفلامى، أعيده إلى إنسانيته التى توارت بسبب الاحتلال، وأذكر القضية بطريقتى فى كل أعمالى، لكن هدفى الأول هو «أنسنة» الفلسطينى.

هو إنسان بالفعل.

- هو إنسان تحول إلى تصنيفات سياسية أيديولوجية، وتسبب ذلك فى ضياع ملامحه كفرد له تجربة حياتية ثرية، فقد أصبحنا نتعامل مع بعض ونقيّم بعضنا بعين صهيونية.

كيف؟

- أصبحت الصهيونية المرآة التى نقيّم بعضنا البعض من خلالها، أى نرى بعضنا وفقاً لعلاقة كل منا مع إسرائيل، ونصدر أحكاماً من خلال هذه الرؤية، فى حين أن كل فرد منا يستحق أن نشاهده كفرد له تجربة حياتية خصبة وغنية، فهل تجارب الفلسطينيين كلها متشابهة.. قطعا لا، لكننا نهملها فى سبيل وجهة نظر المجموع.

وما سبب تكوين هذه الرؤية؟

- إننا موجودون فى المرحلة التى صنع فيها هذا الفرق فى النظرة، وقد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية فى شكل إرهاصات، ورسخها تراكم الحروب، وفى السنوات العشر الأخيرة، تحولت إلى انهيارات فرضت أشياء جديدة، فأصبحت مثلا تتعامل مع الولد باسمه فقط وليس كبطل لمجموعة زى زمان.

معنى كلامك أن الشخصية الفلسطينية تغيرت فى التكوين والرؤية والمعاملة.

- كل المجتمعات تغيرت، وهذا طبيعى، والمهم أن نحترم إنسانية الفرد.

هل يؤثر مشروع سينمائى مثل «سينما جنين» التى أعاد تجديدها وافتتاحها مخرج ألمانى فى جنيناً على الشخصية الفلسطينية بشكل إيجابى؟

- قرأت عن المشروع مثلك، ولا أعرف هل سيفيد أم لا، لكن دعنا نقول إن الحركة بركة، فهذا المشروع شغّل عمال ونجارين وسيتيح الفرصة لعمل سينمائيين جدد، ولو أعطيت شربة ماء لشخص عطشان فهذا شىء جيد، والحكم للأيام.

أعلم أنك تعيش فى بلجيكا منذ عام ١٩٧٠ وأنك رافض تماماً ما يواجهه عرب ٤٨ من اتهامات، رغم ابتعادك عن هذه الدائرة، لكن إلى متى سيظلون متهمين؟

- كل المجتمعات تحتاج دائماً إلى كبش فداء، وللأسف عدم المعرفة وعدم الخوض فى التجربة الإنسانية وراء هذه المشكلة، فما معنى أن تعيش ٦٢ عاماً فى ظل احتلال صهيونى، خمسة أجيال كاملة عاشت هذه الحالة، وهذا رابع جيل يتعلم اللغة العبرية، لكننى خارج هذه المحنة لأنى أعيش فى بلجيكا منذ ٤٠ عاماً، وأقدم تجاربى من خلال أفلامى، فهذا الليل الطويل لم يصنعه الفلسطينى بل الاحتلال.

هل يجب أن يخرج السينمائى الفلسطينى من بلده حتى يقدم سينما؟

- السينما فن المدن الكبرى، فهى تحتاج مدناً مثل: القاهرة وباريس وروما، وقليلة التجارب السينمائية فى المدن الصغيرة، وكل مدن فلسطين صغيرة.

لكنها مدن تحمل تاريخاً كبيراً؟

- نعم، لكنها تظل علاقة إلهامية غنية، أى تلهمنى عمل فيلم، وفى رأيى أن كل دولة لها عدة خرائط وليست خريطة واحدة، فالتوجه لقراءة الإنسان والمجتمعات له خرائط عديدة، وليس قراءة الأرض فقط.. الحياة غنية، ويجب التعامل مع غناها بكل الطرق، وأن نرصد تغيرها رغم أنه غير ملحوظ، لكننا لا نهتم بذلك ولا نتعامل بواقعية مع الأشياء، فالصهيونية جابت الطائفية، وهذا لم يكن بيننا، يجب أن نحدد أنفسنا ونرى بعضنا البعض، فقوة إسرائيل تأتى من ضعفنا، وضعفنا يأتى من مجتمعاتنا الرثة، والفكر العربى الذى يرى كل شىء من خلال الصهيونية.

لماذا اختفت العلاقة بين السينمائيين العرب كأفراد؟

- لأننا لا نملك قوة، وكل مخرج يقدر على التعبير عن بلده ومجتمعه أكثر من غيره، لأنه يعيش فيه.

لكنك بعيد عن بلدك منذ ٤٠ عاماً.

- فلسطين وطن تخيلى (قالها بالإنجليزية VIRTUAL) نحاول إعادة بنائه بالسينما من جهة، وبالأدب من جهة أخرى، وبباقى فنون الحياة، لكن فى الواقع، هناك مناطق فى بلدنا لا نستطيع الوصول إليها ولا نعرف ما يحدث فيها.

أنت تدرس السينما فى بروكسل، فلماذا لا تعطى محاضرات فى السينما فى بلدان عربية؟

- ياريت، ده حلم، لكن لم يدعنى أحد، ولا أعرف ما هى الجهة التى يمكن أن تدعونى، وقد ألقيت محاضرات مرة واحدة فقط فى لبنان.

هل توجد سينما عربية جيدة الآن؟

- نعم، هناك تجارب جيدة فى مصر وسوريا والمغرب ولبنان.

ما الذى نحتاجه لتقدم كل الدول العربية سينما جيدة؟

- نحتاج إلى سوق، فقوة أوروبا فى السوق المشتركة بين دولها، كما يجب إلغاء الرقابة، لأن الفيلم السينمائى مجرد فيلم وليس آلة حرب.

والتمويل؟

- ليس مشكلة، فهناك طرق عديدة له، كما أن الدول العربية تستطيع تمويل السينما.

لكن التجربة التى خاضتها الدول الخليجية فى الإنتاج السينمائى لم تنجح؟

- لأن السينما استثمار فليس جيداً بالنسبة لهم، فهم يذهبون للاستثمارات والمليارات.

ما التجارب الجيدة فى السينما المصرية؟

- يوجد تغيير فى السينما المصرية، فقد عادوا للاهتمام بجودة الفيلم، الإضاءة والصوت، ويوجد بحث أكثر عن تقديم الموضوعات المصرية، فى حين كانت تعتمد السينما المصرية على الاقتباس من الأفلام الأجنبية، «لكن فيه جيل طالع بيعمل سينما حقيقية مثل فيلم «حاوى» إخراج إبراهيم البطوط»، وهذه التجارب يجب أن تزيد لأنها إيجابية، والوضع الصحى للسينما المصرية أن تتوافر إمكانيات لتجارب سينمائية خاصة، وتدعم الشباب الذين يقدمون هذه التجارب الجادة حتى يجددوا.

لكن هذه التجارب قليلة ولا يوجد دعم حقيقى لها؟

- هذا وعى جماعى يجب أن يحدث، ويجب أن ندعم هذه التجارب، فأى تجارة مثلا تقوم على الأبحاث والمختبرات، وهذه الأفلام الخاصة هى الأبحاث والتجارب لعمل سينما جيدة، ولا يكفى أنهم ينتجون أفلامهم التجارية التى تتكلف ملايين وتربح ملايين، لكن لازم نترك هؤلاء يجربون.

هل تتابع السينما الإسرائيلية؟

- بعض الأحيان، عندما يتحدثون عن فيلم أشاهده، لكن أفلامهم لا تعجبنى.

تقصد أن أفلامهم ليست جيدة؟

- لا، فيه أفلام كويسة، لكننى لست مهتما بها، وحتى فيلم «لبنان» الذى تحدثوا عنه كثيرا لم أشاهده.

هل هذا رفض للسينما الإسرائيلية أياً كان مستواها؟

- فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، عرف الإسرائيليون أن السينما وسيلة قوية للعلاقات العامة، فحولوها إلى معركة معنا لينتصروا علينا.

وهل انتصروا؟

- انتصروا لأنهم حولوها إلى آلة حرب سينمائية، فقد بنوا مدارس سينمائية، وطلّعوا مخرجين يدعمونهم، وعقدوا معاهدات إنتاج مشترك مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا، فأصبح المخرج الإسرائيلى يمول فيلمه من الدول الثلاث بالتساوى.

لماذا تحصل أفلامهم على جوائز من مهرجانات كبرى؟

- لا أهتم بذلك، والمرات القليلة التى كنت فيها عضوا فى لجنة تحكيم أو رئيس لجنة تحكيم مهرجان عرفتنى أن الجوائز بها تفاوض دائماً، حتى الجوائز التى حصلت عليها عن أفلامى.

المصري اليوم في

08/11/2010

 

«بيوتفل».. أن تمارس الشر والطيبة بالقوة نفسها لتهزم قسوة الحياة

إسلام حامد 

تتشابه المدن الكبرى فى قسوتها، وربما تتطابق فى تفاصيل حياتها رغم خصوصية كل منها «الظاهرية»، فالفقر واحد، وأتباعه يتشابهون فى معاناتهم، فهم الأولى بالمرض والحزن، وهم أرباب ابتكارات التحايل على الظروف لهزيمته، أو على الأقل للتعايش معه دون ظهور علامات أنيابه مطبوعة على أرواحهم، و«أوكسبال» نموذج لهذه الأرباب.

من الصعب تقديم الكآبة والحزن والموت وقسوة الحياة مع الحفاظ على الأمل والمشاعر والروحانية البسيطة، وفى شكل فنى راق وطبيعى، لكن فيلم «بيوتفل» حقق هذه المعادله الصعبة.

«أوكسبال» رجل إسبانى عادى، يعيش حياة يومية قاسية، يتأرجح بين الطيبة والشر، فلا تستطيع أن تدينه، كما تتردد فى التعاطف معه، لأنه يتحايل على قسوة الحياة كل لحظة ليؤمن ويحمى طفليه، ينهر ابنه على المائدة لأنه يضع كمية كبيرة من الطعام فى فمه، ويحرمه من الطعام لأنه أخرجها فى يده، وفى الوقت نفسه، يحضنه بمشاعر أب مخلص ومحب عندما يبول الطفل على نفسه أثناء النوم.

هو إنسان، يحمل مسؤوليات مثل العديد منا، بكل خيره وشره، يحارب الظروف المحيطة به فى مدينته برشلونه، التى تشبه كل عواصم دول البحر المتوسط: يرشى الشرطة لتترك المهاجرين السود غير الشرعيين لبيع بضائع حقيرة، ويأخذ عمولته، ويساعد الصينيين غير الشرعيين أيضا ويحميهم من الشرطة مقابل المال،

رغم أنهم يشغلون مواطنيهم بأجور هزيلة، ويتركونهم ينامون فى مخزن بلا تدفئة، فيشترى سخانات لتدفئتهم، بمال رب العمل، لأنه يحب فتاة منهم ترعى طفليه، لكنه «يسترخص» فى الشراء، فيتسرب الغاز من السخانات ويموتون جميعا مختنقين فى المخزن.

كما يواجه خراب علاقاته الشخصية: زوجة تعانى من مرض نفسى، تعيش ضائعة وتمارس كل أشكال الحياة الرخيصة، فيبتعد بطفليه عنها، وأخ يخونه معها، لكنه المسؤول عن بيع مقبرة والدهما لشركة تريد بناء مركز تجارى، فلا يحاسبه طمعا فى المال الذى يخزنه فى «شرابات»، واكتشافه أنه مريض بالسرطان وأنه سيموت خلال شهرين، فتتحول طيبته إلى ملائكية، ويتحول شره إلى شيطانية، ويمارسهما معا بنفس القوة ليحقق أكبر فائدة ممكنة فى هذه الفترة، فائدة تمنحه الجنة فى الآخرة، والمال فى الدنيا.

كل هذه القسوة المتناهية التى تواجه رجلاً واحداً- كانت كافية لتحول الفيلم إلى ميلودراما ساذجة وكئيبة، لكن المخرج المشارك فى كتابة السيناريو «إليخاندرو جونزاليس إناريتو» جعلها رحلة فنية روحانية مليئة بالمشاعر والتمسك بالحياة ومواجهتها بكل الأساليب الفنية سواء فى السيناريو الذى يشبه صياداً فى لحظة قذفه الشبكة فى البحر، فخيوط الشبكة متداخلة ومتفرعه، لكنها محدودة ومركزها- أو نقطة انطلاقه- يبدأ وينتهى عنده، فكلما تبدأ مع خيط تصل إلى نفس الأفراد والأماكن والعلاقات وتواجه فى نهايتها «أوكسبال»، والحوار الذى يشبه كل شخصية بتفاصيلها.

لأول مرة، يتخلى «إيناريتو» عن سرد حواديت لشخصيات مختلفة، ويتعامل مع شخصية واحدة بتفاصيلها، لكنه يستمر فى اللعب على ثوابته الثلاثة فى أفلامه السابقة «بابل» و«٢١ جرام» و«أميروس بيروس»: الهوية وتعدد الثقافات واستكشاف المسافة بين الحياة والموت، من خلال شخصيات لحم ودم حقيقية فى كل تفاصيلها الحياتيه حتى أصغرها لدرجة أنه بعد مرور عشر دقائق فقط من الفيلم تشعر أنك تشاهد حياة تسجيلية.

بعد اكتشاف «أوكسبال» أنه تسبب فى موت ٣٥ صينيا، دخل فى حالة تشوش وندم غير طبيعية، فوضع «إيناريتو» موسيقى للمشهد تشبه بالضبط «شريط كاسيت بيسف»، كما تمايلت الكاميرا مع الشخصية، وتدريجيا تحولت صورة «أوكسبال» إلى شبح ضاعت ملامحه تقريبا، واهتزت الكاميرا، فتلاشت حدوده مع كل التكوينات من حوله بصريا، ساعدت على ذلك الإضاءة الضعيفة جدا (طوال الفيلم يستعمل المخرج إضاءة طبيعية تقريبا، فهو لا يلجأ إلى الإضاءة الصناعية القوية التى تحول الصورة إلى «نهار» دون داع، كما يضع الإضاءة فى الأماكن التى يريد التركيز عليها فقط).

هكذا تعامل «إيناريتو» مع كل مشهد، فهو ليس من فصيلة المخرجين الذين يرسمون المشاهد بدقة جمالية، بل يرسمها بدقة واقعية لها علاقة بالشخصية والموضوع والحالة النفسية والتتابع، كما يترك مساحة لاستخدام تكوينات بصرية أو أحداث طبيعية ليس له دخل فيها، ويدخلها فى المشهد بنعومة دون أن يشعر المتفرج، وهذا يتضح فى مشهد «أوكسبال» وهو يسير على الكوبرى ويطلب من زوجته فى التليفون أن تأخذ الطفلين ويسافروا إلى منطقة أخرى، كانت الكاميرا على يساره فى بداية المشهد، ثم تحركت بنعومة إلى السماء لنشاهد مجموعات من الطيور تتحرك كأنها تهاجر، فتذهب العين معها، ونفاجأ فى نهاية المشهد باستقرار الكاميرا خلف «أوكسبال» فوق كتفه تماما وفى العمق حركة الطيور.

أما التصوير، فهو يصور فى أماكن معظمها حقيقى، ويستعين بـ«مخرج فنى» أكثر من «مهندس الديكور»، أى يضيف ويعدل فى مواقع تصوير طبيعية، ويبنى ديكورات فى أضيق الحدود، فتزداد واقعية الفيلم وقربه من حياة الناس.

«بيوتفل»، فيلم عرضته «بانوراما الفيلم الأوروبى الثالثة»، ومن المؤسف أنه لن يعرض تجاريا، فهو يجب مشاهدته لأنه يجعل «أهداب العيون رائعة، وكذلك القلب».

المصري اليوم في

08/11/2010

 

"جورج كلوني" قاتل محترف يبحث عن التوبة في "The American"

إيهاب التركي  

ينطلق الفيلم "الامريكى" "The American" من بطولة "جورج كلونى" فى بدايته من أجواء الاثارة والاكشن وهى أجواء تتكرر من حين لآخر لاهثة وساخنة ضمن مشاهد الفيلم الهادىء فى عمومه، هذه المقدمة خادعة الى حد كبير لأن مشاهد الفيلم اللاحقة تظهر أننا أمام دراما من نوع أخر تعزف على اوتار نفسية وانسانية لشخصيات داخلها مشوش ومضطرب، وخلف العنف وصخب الرصاص وحمرة نزف الدم التى تغلف بعض المشاهد بقسوة نرى بورتريه ملون بألوان متنافرة لقاتل محترف يسعى للتطهر والتوبة والتخلص من حياته القلقة اللاهثة. هذا البورتريه يجمع تناقض السلوك الخشن والمشاعر المتجمدة والنعومة الرومانسية التي تتسلل الى حياة البطل القاسية رغبة التوبة كأنها اضاءة خافتة لا تلبث أن تتوهج وتزداد حتى تغطى على كل شىء أخر. هذه التوبة مصادرها رومانسية وناعمة تبدأ حينما يقع فى غرام مومس ايطالية ترى في حبه وعطفه الخاص عليها فرصة للخلاص من دنس حياتها والبدء من جديد.

يبدأ الفيلم بمشهد فى مكان منعزل تغطيه الثلوج فى السويد حيث يقضى جاك "جورج كلونى" عطلته بصحبة صديقته السويدية، وفى لحظات يتحول الهدوء والصمت والبرودة الى مذبحة مروعة يقتل فيها جاك صديقته واثنان أخران حاولا قتله، ويذهب بعدها ليختبأ فى قرية ايطالية صغيرة حيث يعتاد الناس على مناداته بالأمريكى أو "أمريكانو" باللهجة الايطالية. فى هذا المكان البسيط والهادىء تجتاح جاك مشاعر غريبة هى مزيج من القلق والوحدة وانعدام الثقة بالأخرين، يبدو اختيار المخرج موفقاً للغاية فى توظيفه للقرية الايطالية التى يذهب لها البطل للاختباء، وهذا المكان له تضاريس غريبة وشوارعه صغيرة ومتعرجة وملتفة بصورة كثيفة، انه مكان مثالى للاختباء بعيداً عن أعين المتربصين به والساعين لقتله انتقاماً، ولكن فى الوقت نفسه تبدو تلك الشوارع بصعودها وانحدارها وزواياها المفاجئة وأركانها الغامضة وامتدادتها الحلزونية اللانهائية كأنها دوامة تمتصه، وحينما تستخدم تلك الشوارع ساحة لاحدى المطاردات تبدو من زاوية التصوير من أعلى كانها متاهة سيضيع فيها القاتل والمقتول.

أثناء اختباء جاك لاتمام مهمته الأخيرة قبل الاعتزال تتحول علاقته الجسدية بالمومس كلارا الى قصة حب لم يتعمدها أحدهما، فهى تجد فى الأمريكى الهادىء محب الفراشات فتحة صغيرة ترغب فى أن تمر منها من عالم بائعة الهوى الى عالم المرأة المحبة، وهو يرى فيها تلك الفراشة الرقيقة المحبوسة فى شرنقة حياة تعسة تتطلع اليه ليساعدها على الفكاك والهروب منها. تلتقى رغبة القاتل المحترف والمومس فى التوبة وتنشا بينهما قصة الحب التى تمثل بالنسبة لكل منهما طوق النجاة الاخير.
الفيلم لا يحمل طابع فيلم الاكشن الهوليوودى المعروف ويميل الى أجواء الميلودراما الأوربية والاقتصاد فى الحوار وتكثيف لغة الصورة، وحتى بعض التفاصيل فى الحبكة يتم اهمالها بتعمد، وان كان ذلك يترك المتفرج فى فضول بحثاً عن اجابات بعض الأسئلة لكنه يحافظ على جوهر دراما الفيلم وهو رصد الحالة النفسية للبطل بعيداً عن التركيز على الشكل المألوف للاثارة والأكشن.

مخرج الفيلم هو الهولندى "أنتون كوربين" ومدير التصوير هو "مارتن روه" وكلاهما قدم عملاً بديعاً على مستوى الصورة جمالاً وتعبيراً عن حالة الشخصيات وموضوع الفيلم، انتقلت الكاميرا من مساحات الجليد الباردة فى السويد الى دفء تلة بديعة مطلة على نهر صغير فى ايطاليا ثم الى شوارع دوامية حجرية فى قرية ايطالية وكثير غيرها من أماكن التصوير التى لم تكن مجرد خلفيات جمالية سطحية، وانما تعبير عميق عن هذا التناقض والتغير فى سلوك ومشاعر رجل قاسى مهنته القتل ويبحث عن أى ضوء ولو خافت يرشده الى طريق العودة الى انسانيته.

الدستور المصرية في

08/11/2010

 

 

المصرية في

08/11/2010

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)