حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان

"مهرجان بيروت السينمائي" بعد 14 عاماً، ما له وعليه غداة افتتاح الدورة العاشرة

مــتــى تــغـــيـــب الـــســــكـــــرة...؟

هوفيك حبشيان

بعد عشرة أيام على ختام الدورة السادسة من "أيام بيروت السينمائية"، حدث آخر يشقّ طريقه الى سينما "متروبوليس": مهرجان بيروت السينمائي الدولي لمديرته كوليت نوفل. مساحة اختلاف شاسعة بين الحدثين. سواء روحاً أو نهجاً أو رؤية. لا يكفي أن يجتمعا تحت اسم مدينة بيروت كي تتقارب المفاهيم ويكون هناك فهم أوحد للسينما من جانب الطرفين. شتان بين التجربتين! الأول ولد من حاجة.

الثاني فرضتها ظروف. "أيام" متصالح مع المدينة التي تحتضنه، تشبهه من دون أن تخنق شخصيته. أما "مهرجان بيروت السينمائي"، الذي يصحّ فيه أن نسمّيه "مهرجان كوليت"، فتشعر بأنه يسقط عليك بالباراشوت، وهو فاقد للهيبة والطباع. كُتب الكثير في المهرجان الذي صار عمره 14 عاماً، وهذا العمر ينبغي له أن يدفع الادارة الى اجراء جردة حساب حول ما أنجزته وما لم تنجزه طوال نحو عقد ونصف من الزمن. واذا كان نقد الآخرين لا يلقى ترحيباً، ويواجَه بالكيدية واللائحة السوداء، فربما حان الوقت لنقد ذاتي أو محاسبة ذاتية تعيد موضعة الأشياء في مكانها الصحيح.

انتقادات قاسية وجّهت الى المهرجان، وتلقّى كذلك "مسايرات" تراعي الظروف وتأتي بأسباب تخفيفية. لكن شيئاً لم يتغير في المسار الانشقاقي لهذا النشاط الذي انقلب على نفسه مراراً، غيّر جلده واسمه، تبدّل زمنياً ومكانياً، انتقل من "فتح" شرق أوسطي في مطلع سنوات الألفين الى ملاذ بيروتي غداة صدور القرار 1559 والغاء دورة 2004! غازل المهرجان هذا وذاك، من نبلاء الأمة وسيدات المجتمع مروراً بتجار الساعات السويسرية، للتمويل والدعم. لكنه ظلّ دائماً رهينة مزاجية مديرته واسلوبها التقريبي في العمل، نزواتها واحتكارها للأدوار. لذلك لم يتحول المهرجان يوماً واحداً مؤسسة فعلية عن حقّ وحقيقة.  

ليس من الجائز ربما المقارنة بين حدثين ("أيام" و"بيروت الدولي")، فهما لا يلتقيان الا عند عنوان عريض هو الفنّ السابع. لكن تقارب موعدهما يفرض المقارنة. هذا التقارب يتيح ايضاً النظر عن كثب في عمق التجربتين، أفقياً وعمودياً. بعد اربعة عشر عاماً من الحضور المتقطع الايقاع في المساحة المهرجانية، لم يحقق "بيروت الدولي" الا مجموعة هرطقات غير مسبوقة، سواء داخل الآلية التنظيمية أو في اطار سياسته التي تنتهج تجميع عناوين ساقطة سينمائياً أو مغمورة. فيلم من هنا وآخر من هناك، على طريقة القول المصري "لبن وسمك وتمر هندي"، أي مما توافر وتيسر من أفلام منتقاة بعشوائية، بلا نقاش أو اصطفاء، حيث يتعايش الفيلم ذو القيمة وعديمها. على مدار هذه السنوات، كل شيء كان قابلاً للتغيير لتبرير إدراج فيلم معين في قسم معين، بما في ذلك اعتبار تركيا (حتى قبل وقوع حادثة "اسطول الحرية")، بلداً عربياً في مؤتمر صحافي دخل التاريخ في لحظة انعقاده.

•••

تفلُّت المهرجان من العقلانية، ونزعته الى ما هو فضفاض، جعلاه أسير اخفاقات محتمة وخيبات مترابطة. دائماً على الحدود بين الشيء ونقيضه، استطاع المهرجان، في الدورة السابقة، أن يأتي بأحد الآباء الروحيين للسينما الأميركية المستقلة، فرنسيس فورد كوبولا. لكن وجوده في ربوع لبنان لم يُستغَل كما يجب، وليس المهرجان، في أي حال من الأحوال، المسؤول المباشر عن هذا التقصير. بقيت هذه الزيارة الاستثنائية، لأيام سبعة، شعار المهرجان الأوحد، كغطاء مثالي يخفي اهتراءه من الداخل، حاله حال مؤسسات الدولة. لكن متى تغيب السكرة لتأتي الفكرة؟ هذه هي مصيبة مهرجان، يبدو انه لا يعي أن الشرعية والتكريس لن يأتيا من بهرجة ليلة من منتصف تشرين الأول، ولا من سهرة باذخة تجري على شواطئ كانّ، ولا حتى عبر اللجوء الدائم الى مصادر أثبتت التجربة عدم جدواها. ليست المشكلة في ضعف الامكانات فقط، بل في الرؤية التي لدى القائمين، الى السينما والفنّ وكيفية تنظيم التظاهرات السينمائية، التي باتت اليوم في العالم، نوعاً من حرفة، كما تؤكده لنا مهرجانات دول الخليج - كي نبقى في اطار المنطقة - التي دخلت اللعبة بزمن قياسي، وايقنت انه ينبغي اعطاء الخبز للخباز ولو أكل نصفه. انه نوع من بزنس، للأسف، لا يزال الأصدقاء في بيروت يفتقرون اليه، على رغم تفوقهم على الآخرين في اللحاق بكل ما هو مستجد ومثير.

على رغم الخبرة التي كان من المفترض ان يكتسبها المهرجان طوال فترة عمله، ظلّت المنهجية غائبة، حافلة بالأخطاء المتراكمة والمتمادية، وصارت البرمجة تلملَم كنوع من خبيصة، وبات المهرجان يجد دائماً صعوبة في أن يستوقف الجمهور أو يشغل المهتمين بالشأن السينمائي، باستثناء حفلي الافتتاح والختام اللذين يعجان بمشاركة البورجوازية اللبنانية الصغيرة والكبيرة، من سيدات مجتمع الى مديري مصارف، وهو جمهور مختلف تماماً عن السينيفيليين الذين يملأون صالات "متروبوليس" خلال "الأيام" أو "مهرجان السينما الأوروبية". الحجة، في حال تراجع الحضور او عدم وصول نسخ الأفلام أو اعتذار السينمائيين عن الحضور، تملك مديرة المهرجان مفاتيحها وأسرارها الجاهزة. وهي سبق لها أن صرحت: "أحوال البلاد لا تسمح بمهرجان أفضل من هذا". حجة تُستعاد دائماً بأشكال وتركيبات مختلفة في بلد حاضن لكل أنواع الحجج، وآخرها، بحسب نوفل دائما، أن احداث برج أبي حيدر كادت تطيح المهرجان الواقف دائماً على كفّ عفريت. من بين الذين حضروا المؤتمر الصحافي الذي غيّبتْ عنه، عن سابق تصور وتصميم، صفحة السينما في "النهار"، لم ينوجد أحد يذكّرها بأن مهرجاناً مهماً قد نُظّم وعُقد بعد تلك الحوادث المشؤومة، وحضره كل الضيوف، وبأن طوابير المشاهدين وصلت الى خارج المجمع الشهير.

•••

مع ذلك، لا يمكن أن يكون لأحد موقف ثابت من مهرجان قد يحلق ذات يوم شرط انتشاله من عقلية ما، سلوك ما، تملق ما. نقول هذا لأن ما تقترحه مديرته في الدورة العاشرة التي انطلقت أمس في قصر الأونيسكو، لا بأس به، ولا يصعب الدفاع عن بعض من جوانبه. مرة أخرى، الأفلام المختارة يصعب ايجاد منطق يوحدها، أو خط توجيهي يعكس ذوق لجنة الاختيار(إن كانت هذه اللجنة موجودة أصلاً). بيد ان هذا الهمّ في ايجاد سيرورة لهذه الأفلام يتبدد عند الادراك أن كل الخيارات في البانوراما العالمية يعود تاريخ انتاجها الى العامين المنصرمين، باستثناء فيلم واحد انتج عام 2008. ماذا عسانا نقول: انها مبادرة لافتة. هذه البانوراما تتضمن 17 فيلماً، ثلاثة منها عُرضت في الدورتين الأخيرتين من مهرجان كانّ: "أمّ" لبونغ جون هو؛ "حكايات الغرام الخيالية" لكزافييه دولان؛ "أكتوبر" لدانيال ودييغو فيغا. واربعة تأتي الينا من الدورتين الأخيرتين لـ"موسترا" البندقية: "نساء بلا رجال" لشيرين نشات؛ "الحياة في زمن الحرب" لتود سولوندز الذي سبق ان حضر المهرجان في دورة عام 2003؛ "سيرك كولومبيا" لدانيس تانوفيتش، وأخيراً فيلم الافتتاح، "في مكان ما" لصوفيا كوبولا الذي توجّ بجائزة الأسد الذهبي. هناك أيضاً الفيلم الأرجنتيني، "السرّ في عيونهم"، الذي نال هذه السنة "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، ومشروع  فريد، "سينمات الفنانين"، يتميز بكونه سبعة أفلام قصيرة لسبعة سينمائيين. هناك أيضاً العمل الأخير للمخرج الكردي هينر سليم، "بعد السقوط"، وأشياء اخرى...

لم نشاهد أياً من الأفلام الوثائقية التي يقترحها المهرجان، وعددها عشرة، في جولاتنا السابقة، وهي تبقى رهن الاكتشاف. في المقابل هناك مسابقة الأفلام الشرق أوسطية التي تتضمن تسعة أفلام، فيها أعمال متفاوتة القيمة، يتجاور مثلاً عمل صارم مثل "ضربة البداية" للعراقي الكردي شوكت أمين كوركي، مع التجربة الفيلمية الركيكة لرجاء العماري في "الدواحة". بينهما نجد "دار الحي" الشريط الاماراتي ذا الانتاج الكبير، و"لي بارون"، الانتاج المشترك بين المغرب وبلجيكا، الذي تألق في كانّ العام الماضي. في هذا القسم ادرجت نوفل ايضاً ثلاثة أفلام لبنانية: "يا نوسك" لايلي خليفه وألكسندر مونييه الذي التقطت مشاهده قبل نحو خمس سنوات، وهو يبصر النور أخيراً بعد مخاض عسير، و"شو عم بصير؟" لجوسلين صعب، الذي يتزامن عرضه في المهرجان مع عرضه في الصالات المحلية. اما الفيلم اللبناني الثالث، "شو صار؟" لديغول عيد، الذي بات متشرداً بوهيمياً من كثرة انتقاله من مهرجان الى آخر، ولم يجد الى الآن سقفاً يؤويه، والأرجح انه لن يجده، ما دامت الرقابة اللبنانية وضعت نصب عينيها محو ما تعرضت له عائلة المخرج باسم الاستقرار. لكن مديرة المهرجان، في بيانها الصحافي، تحدّت الرقابة ووجدت حلاً "أوريجينالاً" يتيح امرار الفيلم في المهرجان، من خلال عرضه على لجنة التحكيم وليس الجمهور. هل هذا ممكن؟ ممكن، بقدر امكان اختراع قسم جديد (موجود في مهرجان برلين) عن أفلام تتناول، جدياً أو مرور الكرام، فنّ المطبخ، والاعلان ان هذا القسم اخترع لـ"تنبيه الناس الى ما يأكلونه". هل المهرجان بات يلعب دور اختصاصي التغذية؟ أيا يكن، ثمة فيلم جميل في هذا القسم للمخرج التركي الألماني فاتح أكين "مطبخ الروح" الذي عرض في "موسترا" البندقية العام الماضي. اذا أحصينا القسمين اللذين يتضمنان الأفلام القصيرة (في المسابقة وخارجها)، لوجدنا أنفسنا أمام 61 فيلماً من 26 بلداً. في الرقمين المذكورين، كم هي الوعود وكم هي الخيبات، ستحرص الأيام المقبلة على فصلها، بعضها عن البعض الآخر. أما الجوائز، فستتولى أمرها لجنة مؤلفة من ثلاثة أشخاص فقط، هم الناقد والمؤرخ السينمائي الكندي روبير دودولان، وملهمة أتوم ايغويان، الممثلة التي ولدت في لبنان ارسينيه خانجيان قبل أن تهاجر الى كندا في سنوات الحرب. هذان أسمان على قدر من الخبرة والاطلاع، ينضم اليهما عضو ثالث هو كالكي كوشلان، ممثلة لم يعرض لها الى الآن في الصالات الا فيلم واحد، والباقي على الطريق...

يُعرض في المهرجان...

• "يا نوسك" لإيلي خليفة:

حبكة روائية في منتهى البساطة لباكورة خليفة الروائية الطويلة، الناطقة باللغتين الانكليزية والعربية: مغامرات شاب سويسري يقرر الاستقرار في لبنان وفتح محل للبيتزا. بحسب المخرج، افلام اوروبية كثيرة تطرقت الى المشكلات التي يتعرض لها لبنانيون في فرنسا أو اتراك في المانيا، لذا اراد ان يعكس الآية، ليظهر ما قد يعانيه اوروبي اثناء اقامته في بيروت. اختار ان يكون هذا الاوروبي سويسرياً لانه يجسد نقيض الشخصية اللبنانية.

• "الحياة في زمن الحرب" لتود سولوندز:

العائلة لا تزال تلهم المخرج الغريب الأطوار، والشعار المرفوع في أعلى الملصق الاعلاني هذه المرة: "انها قصة عن الغفران وحدوده". العائلة من ثوابت عمل سولوندز، وهي الجامع المشترك لقصص وحكايات يستمدها المخرج الاميركي من واقعه المعيش. أسّس لسينما جديدة سعت الى تعرية الواقع الاميركي وولّدت ردود فعل عنيفة، مستخدماً الطرافة الفكرية السوداء والخواطر والجنس والالفاظ النابية والاسلوب النافر في محاكمة المجتمع، على نسق الاسلوب الذي اتبعه مخرجو العالم السفلي للسينما الاميركية، من جون وايترز الى بول موريسي.

• "سيرك كولومبيا" لدانيس تانوفيتش:

هذه الحرب التي لا تزال تلهم تانوفيتش، هي سبب وجود سينماه وعلّتها ايضاً. لا يبحث الفيلم في أسباب النزاع المعقد انما يكتفي بوضع كاميراه أمام يوميات سكان بلدة، هي في الأخير صورة مصغرة عن البوسنة والهرسك. تبدأ الحوادث عام 1991 مع سقوط الشيوعيين: ديفكو بونتيتش (ميكي مانوغلوفيتش) يعود الى مسقطه، بعدما أمضى 20 عاماً في المنفى الألماني، لتتعاقب على اثر تلك العودة سلسلة من المواقف التراجيكوميدية، محورها دائماً هاجس الحرب المقبلة من بعيد. بصدق كبير، يصوّر تانوفيتش بزوغ تلك الحرب التي عرف كوستوريتسا كيف يجعلها ملهاة. مخرجنا هنا يقف على مسافة معينة من الأشياء، وهذا ما يجعله يبدو حنينياً وناقداً وفناناً في آن واحد.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb) 

نقد

تسأل "شو عم بصير؟" لتردّ "منيح بعدني موجودة"

هـلـــوســة جــوســلــيــن صــعــب الـشــغــوفــة!

الدوامة لا تزال تتربص بالمخرجة اللبنانية جوسلين صعب. تخرج من دوامة بلد لتدخل دوامة سينما. تعيش مشتتة الذاكرة والجسد بين باريس وبيروت، عالقة بين زمنين، بين العقل والقلب، بين السلم الهشّ والحرب المؤجلة. تراها مهمومة وهي واقفة عند مدخل الصالة التي فُتحت في "بلانيت ــ ابراج" لاستقبال عشرة صحافيين لم يأت منهم الا نصفهم. ارتباكها عفوي. صراحتها مستفزة. واقعها الذي يلفّه التهميش ويحاصره من الجوانب كافة، يجعل شاباً في الثلاثينات، لا يطمئن الى مستقبله، بعد نصف ساعة من حديث مرتجل ومتقطع معها.

لكن، على رغم هذا الشعور الذي يجتاح هذه السيدة ذات العينين الناطقتين، فالأمل لا يفارقها. تخرج من جعبتها العبارة الكلاسيكية التي رددتها ألسنة المنبوذين في عالم الفنّ: ما من نبي في بلاده! بيد أن السعادة تكاد لا تغيب عن واقعها اليومي، لأنها صارت تتعامل مع الحياة وشؤونها بالسرّ نفسه الذي دفعها الى حمل الكاميرا تحت القذائف، في ثمانينات الحرب الأهلية، فيما الآخرون كانوا يحملون البنادق. بحكمة المرأة التي عبرت اربعة عقود من مأزق السينما والحياة في بلد الصراعات المفتوحة، تتساءل مستغربة: "منيح بعدني موجودة!". جملة لم تكلف كاتبها في هذا المقال شيئاً، لكن ما أفظعها عندما تقولها لك سيدة، وجهاً لوجه.

اعترف انني رحت الى الفيلم بفكرة مسبقة تكوّنت عندي بعد حضوري مؤتمراً صحافياً مبهماً لم تتمكن صعب من توضيح نياتها السينمائية خلاله. اعتقدت أن العمل "كوماند" (طلب) كأعمال أخرى سابقة تنتمي الى هذا النوع، تُنجز تحت إشراف وزارة الثقافة التي تمنح فتافيت وتعتقد ان المخرجين سيعودون اليها بنسخ لبنانية لـ"أفاتار". لو لم التقِ بالمخرجة العزيزة في عرض "كارلوس"، ولولا الصدق الذي وقع من عينيها عندما طلبت مني أن أحضر الفيلم، كنوع من استنجاد أو دعم، لكنت سأؤجل المشاهدة الى ما بعد عرضه في مهرجان بيروت السينمائي الدولي، نظراً الى زحمة النشاطات، داخل لبنان وخارجه، التي تشغلنا منذ أكثر من شهر، وضيق المكان المخصص لهذا كله.

تجربة جوسلين صعب لافتة، وهي ابنة الزمن الذي عاشته وصوّرته بشغف، لكن لا نستطيع أن ننكر أن بعض السينمائيين، بعد ثلاثة أو اربعة عقود من العمل، لا يتوانون عن السقوط في فخّ السينما اللاهثة، التي تبقى على قيد الحياة "من قلة الموت". سينما عجوز ومقحمة الى الواقع، بدلاً من أن تكون جزءاً منه. لكن صعب تؤكد في فيلمها هنا أنها لا تزال تنبض بروح الشباب والعصر، وتستشهد بأكيرا كوروساوا ومانويل دو اوليفيرا، اللذين منحاها درساً في عدم الاستسلام لمنطق العمر.

لا شيء يشبه "شو عم بصير؟" الا جوسلين نفسها. ناضلت من أجل انجازه، وهي الآن ستتعب من أجل ان يجد طريقه الى الجمهور. هذا هدف "مقدس" تبدو المخرجة مستعدة لفعل الكثير من أجله. غداً سيكون فيلمها في الصالات، وفي اليوم ذاته هناك عرض له في اطار مهرجان بيروت السينمائي. لم أستطع تمالك نفسي من مصارحتها انه ليس بالتكريم العظيم أن يُعرَض فيلمها في مثل هذا الظرف الذي لا يزيده الا تهميشاً فوق تهميش (سيُعرض خارج المكان الرسمي للمهرجان). لا تأبه جوسلين لما أقوله، أو على الأقل، لا تعتبر أن ملاحظتي تتناقض مع رغبتها في مخاطبة الجمهور اللبناني. فهي، كما ستشرح لاحقاً، لم تكن معززة مكرمة في بلدها الأمّ، ولم تشارك يوماً في ايٍّ من المهرجانات التي تُعقد فيه دورياً. لهذا السبب لا تعلق اهمية على ما يحيط بالمهرجان من سوء تنظيم. فالقدر أصلاً جرحها يوم "شتمها" أحد المسؤولين في سلسلة صالات تابعة لأمبرطورية كبيرة، وعبّر عن عدم اكتراثه بالفيلم لأنه "لا يعني الا المحششين والثملين".

بعد "دنيا" (2005) الذي صوّرته في مصر، تعود صعب الى جذورها. بقدر ما تبدو متأصلة، بالقدر ذاته تبدو سينماها متنقلة ومعنية بالعالم، منبثقة منه. التناقض يختزل طبيعتها وطبعها. فهي تحبّ السينما الكبيرة، وايضاً أفلاماً مصرية "كيتش"، تزدحم بالرقاصات، اللواتي "أردن ان يتحولن راقصات". كل الفرق اذاً كامن في تحريك حرف الألف من مكان الى آخر. تبحث عن اقل بقعة خضراء لتصورها في "شو عم بصير؟"، لكنها غداً تحلم بمشروع آخر: التصوير في الصحراء. "دنيا" جعل ثمانين مليون مصري يقفون ضدها. هكذا تختصر التعامل الذي جرى مع تجربتها الفيلمية التي اتجهت فيها الى نوع من "كيتش" مرتبط بشخصية الفيلم المصري. جوسلين صعب ترفض هذه الصفة لفيلمها. تنظر بغرابة عندما تقول لها إن ملصق "شو عم بصير؟" الذي تظهر عليه خلود ياسين ارضاً الى جانب قلب مرمي كقطعة لحم، هو بدوره "كيتشاً"، أو بالاحرى Gore... هناك سبب واحد على الأقل يجعلك تفرح بـ"شو عم بصير؟"، أن الفيلم يخون "عقيدة" وزارة الثقافة ونظرتها الاختزالية الفولكلورية الى المدينة وأشيائها. صحيح أن ثمة ميلاً في الفيلم الى تصوير الجانب البرّاق واللماع لبيروت، أو بالاحرى لـ"سوليدير"، لكن على رغم هذا كله، يبقى نتاجاً تحت مستوى التوقعات لتلك الوزارة العاجزة. لا استطيع أن أمنع نفسي من ان أتخيل في أي حال وجد بيروقراطيو الوزارة أنفسهم وهم يشاهدون هذا الفيلم "الزنديق". صعب تقول انها لا تحتاج الى اذن من أحد لتدلي بدلوها. لذا، فعلت ما فعله جان لوك غودار في مشروعه نقل "كينغ لير" لشكسبير الى السينما. آنذاك كان "إله السينما" وقّع عقداً على ورقة محارم مع منتج كبير في احد مطاعم كانّ تعهد بموجبه أفلمة نصّ شكسبير. لكن غودار قدّم كل شيء الا شكسبير، وأطلق عنان هلوساته السينمائية الفذة التي لا تمت الى الأصل الأدبي بصلة، فكانت النتيجة الاقفال على نسخة الفيلم لسنوات طويلة في جوارير شركة الانتاج قبل اخراجه من تلك الجوارير واعتباره تحفة خالصة.  جوسلين صعب التي انجزت جسماً سينمائياً غريباً يترجحّ بين ألان رينه وغودار، تقول ان فيلمها هذا هلوسة، اذ لم يكن من الممكن أن تنجز شيئاً آخر في ظروف تنعدم فيها الموازنة اللائقة، راويةً أنها كانت وأوليفييه أساياس (مخرج "كارلوس") يتشاركان الرصيف نفسه في كورنيش المنارة، مع فارق أن في حوزة المخرج الفرنسي خمسين مليون دولار لتغطية التكاليف، أما هي فتملك أقل من واحد في المئة من ذلك المبلغ.

"الحياة في لبنان صرنا نجدها في الموت"، تقول جوسلين صعب بنوع من غصة، وهي تأمل أن يجد هذا الفيلم مكانه في النقاش. لكن يجب الاقرار بأن اللغة التجريبية التي تأتينا بها لا تسهّل العملية على المشاهد، وخصوصاً ان واقع التوزيع في لبنان بات غير حاضن لتجارب كهذه وغير صبور معها. استناداً الى بنية حكائية تستلهم الميثولوجيات والقصص الشعبية، نجد أنفسنا في صحبة كاتب (نصري الصايغ) قادر على سرقة قلب امرأة. نوع من انشودة ترفض منطق الحبكة الكلاسيكية لصالح لحظات وجدانية تتطاير فيها قصائد الشعر ومقتطفات موسيقية بديعة وتسكعات لا تضمن بداية ونهاية. عدم رغبة صعب في الاتيان بشيء كلاسيكي عن بيروت، يعزز مضمون الفيلم الذي تجوز قراءته في اكثر من اتجاه، ويدعو المُشاهد الى تعبئة الفراغات. "أفلامي تتضمن ثقوباً، على المُشاهد أن يملأها"، هذه الجملة لعباس كيارستمي كان يمكن أن تخرج أيضاً من فم جوسلين صعب.

هذا الفيلم من المفترض أن يعيد بناء علاقتها مع بيروت، المدينة التي تعود اليها كلما استاءت منها. هذه المرة كانت علاقتها بها غرامية، عضوية، متناغمة مع سلوكها الجديد. باختصار، علاقة مختلفة تماماً عن المرات السابقة. ولم تكن تريد أن تحبها وحدها، انما أن تتشارك هذا الحبّ مع غيرها، انطلاقاً من اقتناعها بأن الحرية تليق بهذه البقعة الجغرافية. علماً ان الواقع لم يعاملها بالمثل، اذ لم ننس كم كان وقع التحرش الرقابي قاسياً عليها في مناسبة معرض لها في وسط بيروت.

ظاهرياً، لا شيء مشتركاً بين نصري الصايغ وريا حيدر وجلال خوري وخلود ياسين وجمانة حداد، التي مثلت وشاركت في كتابة النصّ، الا تلك اللحظة، لحظة مرورهم قبالة كاميرا مخرجة تعشق ما تصوّره، ولا مشكلة عندها في اعلان ذلك. أياً يكن، فآلة الديجيتال باناسونيك وجدت فيهم حالة واحدة أو حالات متعددة لواقع واحد ينبغي معاينته من خلال مجهر الفنّ؛ شخصيات استعارية في مدينة لها الكثير من الفضل على سينما صعب. هنا ينبغي الثناء على الجماليات، وفي مقدمها الصورة المتقنة الصنع لمدير التصوير الذي يعرف التعامل مع بيروت، كونه سبق له أن عمل على أفلام غسان سلهب. أمام صورته، يسهل أن يشرد المرء، فيتيه تركيزه وسط تفاصيل ملهمة للبصيرة.

(•) يُعرض بدءاً من يوم غد في سلسلة صالات "بلانيت ــ أبراج".

هـ. ح

النهار اللبنانية في

07/10/2010

 

 

أيمن بهجت قمر:

أنا "شاعر" بالصدفة.. الكتابة للسينما والمسرح "حلمي القديم"

"أبوالليف" مطرب موهوب.. و"خرونج" سبب شهرته

كتب- وليد شاهين

ينتظر المؤلف والشاعر أيمن بهجت قمر عرض فيلمة الجديد "ابن القنصل" الذي يخوض به تجربة التأليف السينمائي في عيد الأضحي المبارك وإخراج عمرو عرفة بطولة أحمد السقا وخالد صالح وغادة عادل وخالد سرحان وسوسن بدر ومصطفي هريدي.. ويدور في إطار الكوميدية الاجتماعية. أيمن بهجت يكتب حالياً عدد من الأشعار لثلاثة ألبومات غنائية سيتم طرحها في الصيف القادم للمطرب عمرو دياب ومحمد محيي وهشام عباس. أكد أيمن بهجت قمر ان والده كان له الأثر الكبير في حبه ونبوغه في الشعر والكتابة فهو من سليل عائلة فنية حيث تربي في بيت كان يتردد عليه أقطاب العمل الفني في مصر منذ أن كان صغيراً.

أضاف قائلا: تربيت في بيت فني يجمع عدد كبير من أهل الفن علي إختلاف أطيافهم وتخصصاتهم الذين كنت أحرص علي مجالستهم والاستماع إليهم بداية من نجوم فن التمثيل مثل عادل إمام وحسين فهمي وغيرهم مروراً بالمخرجين من أمثال الراحلين عاطف الطيب ونيازي مصطفي وصولاً إلي الشعراء منهم عبدالرحيم منصور وسيد حجاب وعبدالوهاب محمد وإنتهاء بعظماء التلحين مثل بليغ حمدي وعمار الشريعي.

أشار أيمن بهجت إلي أنه كان يكتب الأغنية لعدد من المطربين مثل فارس وعامر منيب وهشام عباس وذلك قبل "19" عاماً مضي منذ أن كان في الصف الثاني الثانوي.

قال أيمن بهجت قمر علي شباب الشعراء ان يهتموا بقراءة أفضل ماكتب لكبار المؤلفين والشعراء والأدباء ومن ثم السير علي خطاهم والاقتداء بهم ثم ضرورة بذل الجهد وعمل علاقات طيبة مع الآخرين لان هذه العلاقات تيسر عليهم الوصول إلي تحقيق طموحاتهم.

أضاف أيمن بهجت قمر لقد: بدأت في كتابة الأغنية حتي لا أقارن بوالدي وأعتبرت هذا لصالحي واستمررت في كتابة الأغنية علي الرغم من شغفي الشديد منذ البداية للكتابة السينمائية والمسرحية التي كانت من أبرز أحلامي.

قال: أصبحت شاعراً بالصدفة حيث لاحظ المحيطون بي أنني أمتلك موهبة النظم والارتجال الشعري حينما كتبت بعض الأشعار في رثاء والدي متأثراً بفراقه ونصحني البعض بمواصلة الكتابة الشعرية.

أكد أيمن بهجت أنه يفضل كتابة أغاني التترات للأعمال الدرامية بحجة ان كبار الشعراء مثل عبدالرحمن الأبنودي وحسين السيد نبغوا في هذا الإطار وفضلوا الكتابة له.

أوضح ان كتابة التترات تعمل علي توسيع القاعدة الجماهيرية للشاعر وتستلهم موهبته وتنعش أفكاره وتنوعها حسب نوعية وأحداث العمل الدرامي.

عن الهجوم الذي واجهه أثناء صدور ألبومه الذي تغني به "أبوالليف" رد أيمن بهجت قائلاً: لم أمس الأخلاق العامة أو الدين في هذا الألبوم الذي يتضمن عشر أغاني في كل واحدة منها معني ومضمون يقدم بشكل ساخر ولطيف وبكلمات مباشرة حتي لا تكون ثقيلة الظل علي المستمع ومن ثم تثير البسمة وهذا ما يحتاج إليه الجمهور المصري.

أشار إلي أن فناني الشعب سيد درويش وبديع خيري وحسين السيد وعبدالوهاب وسيد حجاب وبيرم التونسي وصلاح جاهين قدموا جميعاً أعمالاً مشابهة تغني بها شكوكو وغيره من أبناء جيله والجيل الذي يليه.

قال أيمن بهجت قمر لقد تعرضت كلمات أبوالليف إلي هجوم ولم تتعرض كلمات أغنية تتر النهاية التي كتبتها في مسلسل "يتربي في عزو" لنفس الهجوم ولم تلفت نظر أحد النقاد والتي قال فيها لفظ "أنتخوا" التي غناها هشام عباس.

أضاف: هناك الكثير من الأغاني التي تحتوي في طياتها علي الكلمات والألفاظ الجريئة والايحاءات الجنسية الساخنة وتتغني بها مطربات ومطربون ولا يلتفت إليهم أحد بالنقد أو التسويف للدرجة التي سمحت لإحدي المطربات بأن تتغني في مسلسل سيت كوم في رمضان الماضي وهي تقول: "أنا بحب المليطة" وهذه الكلمة من أشد الكلمات إباحية بالإضافة إلي كلمات وأغاني أخري مثل "جزمة حبك بتلؤ"

ومن ناحية أخري دافع أيمن بهجت عن كلمة "خرونج" التي ذكرها في ألبوم "أبوالليف" والتي كانت سبباً لقسوة الهجوم عليه وقال إنها تعني لغوياً "الأرنب المسالم" مشيراً إلي ان أبوالليف مطرب موهوب.

أكد أيمن ان الساحة الغنائية تعاني أزمة علي مستوي التلحين الجيد موضحاً ان لدينا شعراء كثيرين علي مستوي جيد لكن عدد الملحنين المميزين قد لا يتجاوز خمسة ملحنين فقط.

حذر أيمن بهجت قمر العاملين في مجال صناعة الأغنية العربية من عدم التجديد والتطوير والابتكار وتعرض المستمع للملل وقال: من الأفضل تقديم الشئ المختلف للناس خاصة علي مستوي الكلمة والتلحين مثلما حدث مع ألبوم وائل جسار الأخير "في حضرة المحبوب" الذي التف حوله الناس والذي كتبه نبيل خلف ويجب التجديد أيضاً في شكل وتقديم الأغاني الوطنية وغيرها.

المساء المصرية في

07/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)