حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

كلود شابرول الذي أحب هيتشكوك والجريمة

أفلام من ماضيه تعكس عالمه وتشهد باختلافه عن ركب سواه

هوليوود: محمد رُضا

يختطف الموت رموز السينما من جيلي الستينات والسبعينات، الذين كان آخرهم المخرج الفرنسي كلود شابرول، الذي رحل عن ثمانين سنة بعد حياة نشطة في الأفلام دامت نحو خمسين سنة.

ولد سنة 1930 ودرس الصيدلة، ثم العلوم السياسية، لكنه حين أخذ يعمل في قسم الترويج والإعلان في فرع شركة «فوكس» في باريس، اكتشف أن حبه هو السينما. كان ذلك في منتصف الخمسينات، وخلال السنوات القليلة التالية كتب وجان - لوك غودار وفرنسوا تروفو وجاك ريفيت وإريك رومير، النقد السينمائي في مجلة «كاييه دو سينما»، وكان ثاني المتحولين من هذه المجموعة إلى الإخراج بعد جاك ريفيت.

التعبير المستخدم في معظم ما كتب عن كلود شابرول قديما وإثر وفاته هو أنه أب سينما الموجة الفرنسية الجديدة، وبالفعل، بينما كان فرانسوا تروفو لا يزال يخطط للانتقال من صنع الأفلام القصيرة التي بدأها سنة 1955 إلى تلك الطويلة التي بدأها بفيلم «400 نفخة» سنة 1959، في حين كان جان - لوك غودار يسارع الخطى لتقديم فيلمه الروائي الأول («نفس لاهث» - 1960) وهو الذي كان قد سبق الثلاثة بأفلامه القصيرة، إذ أنجز أولها سنة 1950، وكان شابرول - ومن دون سوابق قصيرة – قد أنجز فيلمه الأول «سيرج الجميل» سنة 1958 - لكني أتساءل إذا ما كان وصف «أب سينما الموجة الجديدة» وصفا موفقا (وهو وصف منتشر بلا تدقيق من روجر إيبرت إلى حسن أبو ولعة). وذلك لعدة أسباب أعتقد أنها وجيهة.

أولا لأن شابرول لم يكن أول من أخرج أفلاما روائية من مجموعة نقاد الـ«كاييه دو سينما»، إذ سبقه إلى ذلك جاك ريفيت سنة 1949 بفيلم عنوانه Aux Quarte Coins.

ثانيا، لأن ذلك الوصف يداخله اعتبار أن شابرول كان بمثابة أب روحي، كما لو عمل خارج كادر نقاد الـ«كاييه دو سينما» الذي ضم كذلك إريك رومير وبضعة نقاد لم يتحولوا إلى الإخراج، بينما كان مشاركا بين أترابه في المدرسة وليس قائدا لها.

ثالثا، أن شابرول تقدم زمنيا على غودار وتروفو بفارق بسيط (فيلم غودار كان مقررا له أن ينتج قبل عامين من تاريخه، لكن التمويل استعصى عليه) وهذا لا يكفي للأبوة من أي نوع.

الأفضل هو أن يقال إنه أحد الرواد وفي ذلك، أعتقد، تقديرا لحركة ترفض أن يكون القائم بها يحمل رقما أولا أو ثانيا. لقد كانت موجة اختلطت مقدمتها اختلاطا وثيقا، لأن أحدا لم يعمل بمفرده تماما. شابرول كان المستشار التقني لفيلم غودار الأول «نفس لاهث» الذي كتبه تروفو. وسيبقى العمل الوحيد الذي حمل أسماء المخرجين الثلاثة معا ليعكس تلك المشاركة من دون قيادة. كل منهم سيطرق بابه منفصلا وبابه ذاك يعني أسلوبا مغايرا ومنفردا عن سواه، فمن المثير للملاحظة كيف أن الموجة الجديدة تتألف من أساليب تعبير وطرق تأليف سينمائي مختلفة مما يجعل المسألة أوسع بكثير من مجرد الاعتقاد أن خطا واحدا يجمع الجميع في ركب مشترك.

أهم الاختلافات بينه وبين سواه، تكمن في أن شابرول انتقد البرجوازية المتوسطة والكبيرة، لكنه لم يتطرق إلى السياسة، كما فعل تروفو، وخاصة غودار. وفي حين أن الثلاثة أحبوا هيتشكوك حبا جما فإن شابرول الوحيد الذي سار على خطواته مستلهما من أسلوب المخرج ومن محتويات صوره ومشاهده الكثير مما انتشر على شاشة أفلامه.

شابرول لم يكن دائما موجة أو جديدا. في النصف الأول من الستينات، هناك عدد من الأفلام التي حققها تبعا لرغبة المنتج، وليس إمعانا في سينما المخرج. ركب موجات تجارية لكي يستمر، لكنه عاد في أواخر النصف الثاني لكي يقدم أفضل أعماله البوليسية - وحسب هواه - التي شملت «الفتيات» و«الجزار» و«خيانة امرأة» من بين أخرى.

كذلك، وفي حين حافظ ريفيت، رومير، غودار وتروفو على مذاهبهم وشروطهم الفنية من دون تغيير، فقد وجد شابرول نفسه أكثر حبا لأن يواصل ويعمل من أن يتوقف بانتظار عودة الظروف الإنتاجية المناسبة لاستكمال منواله من الإخراج. بمعنى أنه في الثمانينات خرج عن نطاق ما سار عليه في إطار الموجة الجديدة ووسع من مفرداته التعبيرية بحيث ضمنت له المواصلة والمكانة الجماهيرية. كانت أفلام شابرول في تلك الفترة وإلى سنواته الأخيرة لا تزال جيدة، وذات بصمة، لكنها ليست بالضرورة ذات صياغة تلتقي كاملة مع أفلامه السابقة.

* «الجزار».. حكاية دم على ثوب أبيض

* أحد الأفلام الأولى التي شاهدتها لكلود شابرول ورد سنة 1970 حين أنجز، من بطولة جان يان وستيفاني، كان فيلما اعتقدته مروعا، آنذاك، تحت عنوان «الجزار». هناك الكثير من الدم يلطخ الرداء الأبيض الخاص بالجزار بوبول (يان) مما يمنح الشخصية بضعة أبعاد ممتزجة. الفيلم عن جزار القرية المرتبط بعلاقة مع المدرسة هيلينا (أودران التي تزوجت من شابرول قبل ست سنوات قبل هذا الفيلم) وعن تلك الجثث التي بدأت تظهر في أطراف القرية الهادئة في الأساس. هل يكون مرتكب الجرائم هو الجزار نفسه؟ تتساءل وأنت تشاهد الفيلم، وتتساءل هيلينا نفسها قبل الجواب اليقين. الدماء التي على ملابس الجزار دماء الماشية التي يذبحها، لكن أين دماء الآدميين؟

الجواب يأتي بعد قليل من اكتشاف الجثة الأولى. أداة القتل هي السكين والقرية ترتعد، وهيلينا تشك، ثم يأتيها الدليل (ولاعة تركها القاتل سهوا). إنه الجزار الذي أحبته، والآن عليها أن تعرف كيف تتصرف وإلا فهي مهددة بأن تكون الذبيحة المقبلة، أو هكذا يتركنا المخرج نعتقد.

لن يدخل شابرول في حقل فرويد، لكنه يستضيفه لمن يرغب في المزيد من العلاقة. داخل الفيلم ليس سوى لعبة قط وفأر يديرهما المخرج الذي حرص، آنذاك، على اقتفاء لعب ألفريد هيتشكوك. خذ مثلا ذلك المشهد الذي يزور فيه الجزار غرفة المعلمة، فيجلس فوق كرسي منخفض، لتبدو هي ذات السلطة الأقوى في العلاقة. قبله مشهد عبارة عن نحو أربع دقائق متواصلة تدخن فيها أودران سيجارة أثناء مشيهما. السيجارة عادة الرجل، لكن المرأة هي التي تدخن. المعلمة أعلى درجات من الجزار في هذه العلاقة، كما في مراتب الحياة ذاتها.

تمثيل رائع خاصة أن شابرول المحنك لا يكترث للدوران حول شخصية القاتل. مثل هيتشكوك يكشف لنا كل شيء ويضع القاتل في مواجهتنا، لا يفصلنا عنه سوى ذلك الأمان المصطنع عبر فضاء الصالة. هذا الكشف يطرح أسئلة أكثر صعوبة وإلحاحا من لغز من القاتل؟ يصبح التشويق نابعا من ماذا سيحدث بعد قليل مع هذه الشخصية أو تلك؟ كيف ستتصرف هيلينا حيال الخطر؟ كيف سيتصرف هو حيال انكشاف هويته؟

الإخراج، في كل الأحوال، ليس متى تظهر هذه الحقيقة ومتى تواري تلك وأين موضع الكشف عن السر الخفي؟ هذه قرارات تتبع معرفة المخرج بمادته، وكيف يستطيع صوغها لتؤدي أفضل نتيجة؟ لكنه في التفاصيل التي إذا ما وجدت صحيحة تؤسس لحكاية وتلهم الأحاسيس التي تحتويها شخصياتها، كما تلك التي ستحط في صدر المشاهد أو عقله. مثلا، ذلك المشهد الذي تراقب فيه هيلينا عمل الجزار وهو يقطع بسكينه ويجذ في حفل عرس بمهارة لا تتقنها ولا تعرف من يستطيع أن يتقنها سواه. بعد قليل أول من يمد يده إلى المائدة ليأكل كان هيلينا. الرابط تلقائي مع الملاحظة الأولى ونفسي أيضا. إنها امرأة تثار لمهارة في صلبها عنيفة (كما تثار فاي داناواي في «بوني وكلايد» لآرثر بن لمشهد المسدس ولفكرة سرقة المصارف).

والوليمة أساسية في صرح الحياة التي يصورها. جاءت مرتين في فيلمه اللاحق «خيانة زوجة» (1968)، مرة في مطلع الفيلم لتصور كيف كل شيء على خير ما يرام، ومرة في النصف الثاني لتعكس الأزمة بين الزوجين.

* هيتشكوك.. المعلم الأول

* طبعا هيتشكوك يقفز كل قليل من عمق الصورة ودلالاتها ليس في «الجزار» فقط، بل في أفلام شابرول الأولى جميعا. أقول الأولى، وأعني بها حتى تلك التي تواصلت، حتى مطلع الثمانينات (كل السينما تغيرت بعد ذلك). لجانب الكشف عن القاتل وتحويل دفة التشويق تبعا لذلك، هناك عوامل تأنيب الضمير والشعور بالدونية وعنصر الغيرة. لكن إذا ما كان هناك اختلاف بيّن واحد بين سينما هيتشكوك وسينما شابرول، فهو في البيئة البرجوازية الفرنسية التي يضع فيها الثاني أعماله عموما. في المقابل هيتشكوك من الذين اكترثوا قليلا للوضع الطبقي ولو أن شخصياته جميعا متوسطة الانتماء.

بذلك شابرول أيضا مثل هيتشكوك، حيث إن هذا عمل لصالح نظام الاستوديو الأميركي، ولو أنه نجح في الحفاظ على مفرداته الذاتية وأسلوبه الخاص في السرد والمعالجة.

أنطوني بيركنز الذي ظهر تحت إدارة ألفريد هيتشكوك في «سايكو» سنة 1960 هو بطل فيلم شابرول الأميركي الإنتاج «جرائم الشامبانيا» بعد ست سنوات. مثل هيتشكوك، في ذلك الفيلم عمد شابرول إلى ألوان وديكورات بارزة التصاميم. لا يمكن أن تمر عابرة، وحيث إن حركة الكاميرا قوية وغير ملحوظة بذاتها في الوقت نفسه. لكن «جرائم الشامبانيا» وأنا لا أذكر من تفاصيله إلا القليل بالفعل، فليس من أعمال شابرول الجيدة في الجمع أو المطلق. قصة شريكة في مصنع للشامبانيا (إيفون فورنو) تزحلق شريكها خارج ملكية المصنع (موريس رونيه) فينقلب عليها وعلى زوجها (أنطوني بيركنز).

«خيانة امرأة» أفضل بكثير من فيلمه اللاحق «خيانة زوجة» أو La Femme Infidele الذي أخرجه سنة 1968 مع حفنة من أفضل من ظهر على الشاشة الفرنسية، آنذاك، أو ربما في تاريخها، ستيفاني أودران، ميشيل بوكيه، موريس رونيه، لويس شيفاليه وميشيل دوكاسوي ودائما مع مونتيره المفضل جاك غيلارد (أو «غايار»، كما تنطلق فرنسيا).

* رجل يبحث عن ثمن

* للثنائي (أودران، بوكيه) عودة حميدة سنة 1971، حينما جمعهما شابرول لبطولة فيلم آخر هو «مباشرة قبل حلول الليل» Just Before the Nightfall، وفي «مباشرة قبل حلول الليل» يؤدي شخصية برجوازية أخرى، وأنا لا أستخدم الكلمة بمعيار الستينات اليساري، بل بمعيار الترجمة المقصودة في الفيلم. قبل العناوين نراه يجلس جانبا يتابع امرأة شقراء تناديه، لأن يأتي إلى السرير (كما في بداية الفيلم السابق). تتلوى بين العطش ومحاولة إشباعها بالخيال، ثم تطلب منه أن يخنقها. القصد ليس أن يقتلها، بل أن يحدث في جسدها رعشة تبحث عنها تبعا لميولها الجنسية الخشنة (سادومازوشية) حين يقدم لكي ينفذ ما تطلبه زوجته يعتم شابرول الصورة. حين يفتحها بعد العناوين نكتشف أنها ماتت. سنلحظ أن الدافع هو الازدراء. مثل شخصيته في الفيلم السابق، هذا الرجل ليس قاتلا، لكنه يرتكب جريمة قتل قبل أن يعود إلى بيته وعائلته. القتيلة هي زوجة أعز أصدقائه. وزوجته لا تشك، والبوليس لا يشك. هذا يبدو مناسبا تماما لأي قاتل، لكن بوكيه، كما ذكرت، ليس قاتلا، وهذه الثقة به لا تناسبه. إنه يبحث عن اقتصاص ليريح عذابه الداخلي. يعترف لزوجته، ثم لصديقه، لكنهما يغفران له، وصديقه يقول له إنه ليس لديه بوارد للانتقام منه مما يزيد الرجل اكتئابا، فهو يريد أن يدفع ثمنا ما لجريمته، وحين لا يطالبه أحد بثمن يبدأ بالشعور بأنه أقل قيمة من سواه.

وهذا ليس كل ما يحدث، بوكيه الآن يريد أن يعترف للبوليس، وهذا ما سيضر بالزوجة وسمعتها وبالزوج وسمعته. ينشأ تحالف، يكون هدفه منع الفضيحة ويؤدي إلى تطورات مخيفة. شابرول في رصده للتفاعلات يطرح مسألة الأخلاق في بيئة اجتماعية، هدفها الحفاظ على المظهر، ولتذهب العدالة إلى الجحيم.

ما طرحه شابرول حول الحياة في كنف الطبقة البرجوازية، كما كان التعبير الستيناتي المستخدم، لم يكن مفبركا. كان شابرول يعايشه. لقد عاش في كنف عائلة ميسورة (شاركت في المقاومة الفرنسية) وتزوج من الدوقة أغنيس غوت التي ورثت ما مكنه من تمويل فيلمه الأول «سيرج الجميل». ومع ذلك كان يحب السخرية من نفسه وعالمه ومحيطه.

وقد أحاط نفسه منذ البداية بالمجموعة التي وجدها صالحة للتعبير عن ذلك المحيط من دون محاولة تأسيسه سينمائيا بانتخاب فنانين أو فنيين جدد في كل مرة. أدار زوجته الثانية ستيفاني أودران في عدد من الأفلام وانتخب ميشيل بوكيه وميشيل سيرو وجان يان للعمل في بطولة عدد من أفلامه الأولى، ولاحقا شاهدناه يرتبط مهنيا بالممثلة إيزابيل أوبيرت ليحقق معها «فيوليت نوزييه» و«الحفل» (مع ساندرين بونير أيضا) و«قصة امرأة» في السبعينات وحتى التسعينات من بين أفلام أخرى.

كما عمد إلى العمل مع مدير تصوير واحد لمعظم ما حققه ما بين 1960 و1991 وهو جان رابييه وقام جاك غيلارد بتوليف أفلام شابرول من عام 1958 حتى 1975، وألف الموسيقار بيير جنسن موسيقى أفلام شابرول لثمانية عشر عاما (1960 - 1982).

كل ذلك ساعده على إنجاز مستوى عال من النتيجة الفنية والتقنية صاحبه حتى آخر أعماله «بيلامي»، الذي عاد فيه إلى حبه لسينما هيتشكوك. حب تلك السينما، كان غلافا جاذبا كطريقة حياة وإبداع. وربما من الأمانة القول إن حبه الثاني - إذا ما صح الفصل - هو الجريمة.

الشرق الأوسط في

17/09/2010

 

عيد.. بأي أفلام عدت يا عيد؟!

«أولاد البلد».. ذروة الإسفاف الفني

طارق الشناوي 

في الماضي كانت أفلام العيد تشهد ذروة الصراع السينمائي. أعني بالماضي قبل 13 عاما؛ حيث كانت تتسابق أفلام يلعب بطولتها نجوم شباك أمثال عادل إمام، ونادية الجندي، ومحمود عبد العزيز، وأحمد زكي، ونبيلة عبيد. الآن صار موسم العيد هو بمثابة بواقي أفلام الصيف، كل فيلم غير قادر على المنافسة مع الأفلام التي لعب بطولتها نجوم الشباك في الصيف كان مصيرها هو العرض في العيد، وكأنها بلغة كرة القدم «دوري المظاليم»!! عرضت هذا العيد أربعة أفلام وهي «أولاد البلد»، «سمير وشهير وبهير»، «عائلة ميكي»، و«الرجل الغامض بسلامته». استطاع أن يحصد الإيرادات الأعلى في العيد فيلم «أولاد البلد» بتلك التوليفة «السبكية»، نسبة إلى محمد السبكي منتج الفيلم الذي دأب على أن يصنع هذه النوعيات من الأفلام، حيث يضع كل الحكايات والمفردات والشخصيات الممكنة وغير الممكنة في مثل هذه الأحوال، مثل الراقصة والبلطجي والمطربة والمطرب والفتوة والعاجز جنسيا. كل ما يمكن أن يعثر عليه حتى يصل به الأمر قبل نهاية الأحداث إلى أن يتوجه في النهاية إلى الله ليصلي في الجامع ويطلب المغفرة، بينما الراقصة تتوقف عن الرقص عارية وتواصل الرقص بجلباب شرعي.. هل هناك هدف ما أو حتى هل هناك قصة سينمائية من الممكن متابعتها؟ الواقع أنه لا يوجد سوى إفيهات أغلب الظن أنه قد شارك في صنعها عدد من النجوم الذين لعبوا بطولة الفيلم مثل محمد لطفي، سليمان عيد، رامي غيط، أحمد راتب، سعد الصغير. كل على حسب مقدرته، بأن يضيف شيئا مما يمكن أن يضحك الناس!! تبدأ الأحداث لحظة خروج محمد لطفي من السجن، ونعرف فيما بعد أن مثله الأعلى هو فريد شوقي، ولهذا يضع صورته في منزله ويجري معه حوارا من طرف واحد عن الفتونة، وهو في نفس الوقت على علاقة حب ومشروع زواج مع الراقصة دينا، بينما لا يعرف أنها تعمل راقصة.. شقيق دينا علاء مرسي يتزوج النساء اللاتي يعملن لحسابه.. سعد الصغير عامل حرفي، وبينما الوجه الجديد رامي غيط عازف عود، أو يعتقد أنه عازف ومطرب، فإن صوته يخاصم كل الأعراف الفنية ويعلم شقيقته إنجي وجدان وجيرانه أصول الغناء.

تتخلل الأحداث كل المواقف التي من الممكن أن يلهث وراءها الجمهور، مثل كرة القدم، لم ينس الفيلم أن يضع جملة حوار تتناول ما حدث في مباراة «أم درمان» التي أدت إلى تصدع العلاقات السياسية بين مصر والجزائر، ويذكر أن من بين المشجعين الذين آزروا الفريق المصري سعد الصغير وفردوس عبد المجيد، بدلا من عبد الحميد. أيضا لا ينسى سليمان عيد الذي يؤدي دور حانوتي أن يشيع جنازة كبير مشجعي الزمالك، وتصبح الفرصة مهيأة لإقامة جنازة تجمع بين جمهور الفريقين بالزي الكروي الشهير لكل منهما، والنعش يغطيه زي الزمالك، وتنتهي إلى إطلاق كل الإفيهات على فريق الزمالك التي تؤكد خسارته الفادحة أمام الأهلي، وأنه قد صار نكتة بين الفرق. وبالطبع فإن أغلب الجماهير من مشجعي الأهلي، فهو فريق الأغلبية في مصر، ولهذا ينحاز إليه القسط الأكبر من جمهور السينما أيضا.

ومع ذلك لم ينس لزوم تحلية البضاعة، أقصد «شعوطة» البضاعة، أي جعلها أكثر سخونة، أن يضع خطا سياسيا يؤديه أحمد راتب الذي يريد أن يصبح عضوا في مجلس الشعب، ويلجأ إلى أبناء حارته ليؤازروه في الانتخابات، وتنجح الخطة بالفعل ويصل بفضل أبناء دائرته تحت قبة البرلمان، ونكتشف أنه يتاجر في الممنوعات ويريد الحصانة من مجلس الشعب للتغطية على نشاطه الإجرامي، وينتهي الفيلم بثورة غضب يعلنها أولاد البلد.. يذهب للجامع ونراه أكثر من مرة يطلب المغفرة من الله، بعد أن قتلت إحدى زوجاته التي تعمل لحسابه، وذلك بعد أن اعتدى عليها أحد الزبائن بالضرب بالسكين. بينما «دينا» تكتفي بالرقص بالجلباب، ومحمد لطفي يستعد للزواج منها، وتنجح خطة سليمان عيد في استعادة رجولته بعد أن غير مهنة الحانوتي التي كانت تحول دون إكماله العلاقة كلما تذكر صراخ أهل المتوفى. وهكذا يتحول إلى التشجيع الكروي ويرتدي قميص أحد اللاعبين المشهورين.

لا شيء في هذا الفيلم من الممكن أن تراه، سوى أنه يلهث وراء الإفيهات التي من الممكن أن تثير الضحك وباستخدام أي وسيلة ممكنة.. لم يقدم المخرج إسماعيل فاروق أي لمحة لها علاقة باختراع السينما التي عرفها العالم قبل نحو 115 عاما!! دائما الأعياد مرتبطة بتلك التوليفة التي يقدمها المنتج محمد السبكي لجمهوره، ولا يمكن سوى أن تنسب الفيلم في هذه الحالة إلى منتجه، مثل فيلم «علي الطرب بالتلاتة» الذي شارك فيه أيضا سعد الصغير ودينا، فالأمر لا يمكن أن يتجاوز سوى نفس الحالة من مطرب وراقصة وعدد من أولاد البلد. الغريب أن التلفزيون كان يذيع طوال شهر رمضان واحدا من المسلسلات التي تتناول أيضا أولاد البلد باسم «الحارة»، وهو من أفضل المسلسلات التي عرضت في السنوات الأخيرة، ولكننا بالفعل كنا نشاهد الحارة بكل شخوصها المتعارف عليها، أما هذه المرة فإن المخرج إسماعيل فاروق يستدعي من الذاكرة كل ما يعتقد أنها الحارة، وفي مثل هذه الأحوال لن تعثر على شيء ولن يتبقى شيء في الذاكرة، ويظل السؤال: لماذا يقبل الجمهور على هذه النوعية من الأفلام؟! أحرص دائما على أن أذهب إلى دور العرض الشعبية التي تستقبل الأفلام في العيد، وتفتح أمامها الباب ووجدت بالفعل زحاما أدى إلى تدخل رجال الشرطة حتى لا تحدث تجاوزات قد تؤدي إلى التحرش الجنسي، مثلما حدث قبل عامين في وسط مدينة القاهرة.. كانت دار العرض لديها خمس شاشات مختلفة الاتساع ولديها ثلاثة أفلام من بين الأربعة المعروضة في العيد، الاثنان الآخران هما «الراجل الغامض بسلامته» إخراج محسن أحمد، وبطولة هاني رمزي، والثاني «عائلة ميكي» إخراج أكرم فريد وبطولة لبلبة.. دار العرض لا تعرف سوى تطبيق شعار «اللي تكسب به العب به» وهكذا كان الجمهور، وأغلبه من الشباب، قد توجه إلى «أولاد البلد» فقرر صاحب الدار أن يفتح له أربع شاشات من بين خمس، وشاشة واحدة لـ«الرجل الغامض»، بينما ألغى عرض «عائلة ميكي».

جمهور العيد له مواصفات غير تقليدية، لأنه جمهور موسمي وليس جمهورا دائما يذهب إلى دور العرض، هو يدخل إلى دار السينما طوال العام ضاربا كل القواعد المتعارف عليها، فهو قبل أن يبدأ عرض الشريط يصفق ويغني، وبمجرد أن يشاهد أيا من المشاركين في الفيلم يصفق، وبعد أن يستمع إلى أي كلمة تجري على لسان أحد الأبطال يضحك، سواء كان ما يسمعه يستحق الضحك أم الرثاء. أراد المنتج أن يضع في فيلمه كل شيء. وهكذا رأينا في هذه الحارة كل المتناقضات ولكننا لم نر أي شيء له علاقة بالسينما!!

t.elshinnawi@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط في

17/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)