حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

24 فيلماً في السباق على "الأسد الذهبي" ثلاثة أرباعها للولايات المتحدة وايطاليا وفرنسا

"البندقية 67" يشرّع أبوابه على الغموض بقيادة تارانتينو مخرّب الأذواق

البندقية ـــ من هوفيك حبشيان     

مَن يتصفح الموقع الالكتروني لمهرجان البندقية السينمائي، بهدف معاينة برنامج مذهل أقلّه ظاهرياً، فلا بدّ أن يصاب بهلع ودوخة نتيجة الكمّ من الأفلام المشاركة والمعروضة: 200 عنوان تصطف واحداً الى جانب الآخر مع ملخصات. لكن الغموض لفّ، ولا يزال يلفّ، كل واحد من هذه العناوين، وإن حاول أكثر النقّاد اطلاعاً فكّ بعض ألغاز الأعمال التي تدعو الى الحماسة عبر الاتيان ببعض المعلومات الاضافية. على الورق كل شيء يبدو برّاقاً وواعداً ومزهواً. المشكلة عندما تتحول هذه الكلمات صوراً...  تتضمن المسابقة الرسمية لهذه السنة 24 فيلماً، منها واحد هو الفيلم المفاجأة الذي سيُعرَض في منتصف المهرجان كما جرت العادة. انها دزينتان من الأعمال ستكون الشغل الشاغل لمتابعي التظاهرة السينمائية الأعرق في الأيام العشرة المقبلة. اختارها ماركو موللر بعناية كبيرة وبعد جهد جهيد لاقتناص أفضل ما اتيح له الحصول عليه بين كانّ الماضي وبرلين المقبل. الأرجح ان جمع هذه الأفلام في زمان ومكان واحدَين، لم يكن بالمهمة السهلة في ظلّ ما تعانيه الثقافة اليوم من إهمال، لأن الأولويات تحت وصاية الأزمنة الصعبة، تتجه الى المسائل التي تعطي نتيجة فورية. الفنون أولى الضحايا في سباق الحفاظ على ماء الوجه...

ثلاثة بلدان تتقاسم حصة الأسد في هذه الدورة، وثلاثة ارباع أعمال المسابقة من انتاجها: الولايات المتحدة، فرنسا وايطاليا. البلد الأول يتمثل بخمسة أفلام ويشارك في انتاج السادس. أما البلد الثاني فله في ذمة المهرجان ثلاثة انتاجات خالصة واثنان مشتركان. كذلك الأمر بالنسبة الى البلد المضيف. بحسب ما صرح به المنظمون، 2395 فيلماً أرسلت الى الادارة، وهو عدد "مخيف" مقارنةً بما استقرت عليه خيارات اللجنة. كلمة خيار مناسبة تماماً لعملية الغربلة التي تشهدها كواليس الـ"موسترا" في الأشهر الطويلة التي تسبق موعد انعقاد كل دورة. الحديث عن خيار هنا، له مسوغات، لأن المسابقة لا تتألف الا من أسماء يمكن مدير المهرجان الفني ماركو موللر الدفاع عن كل منها على حدة.

يختار بأنفه و...!

مَن يعرف موللر، يعلم جيداً أن الرجل لا ينحاز البتة الى السهولة، ولا يرضخ، وانه لا بد من أن يكون هناك دائماً سبب ما وراء اختياره هذا الفيلم وابعاده ذاك الآخر. ما عدا المصالح الكثيرة التي يمكن أن تدخل على الخط. والمصالح والصداقات كثيرة في المهرجانات، لكن ثمة حدود لها، اذ لا يمكن إمرار ما لا يمرّ تحت اي ذريعة.

الطريف قول موللر في احد لقاءاتي السابقة معه انه يختار الأفلام بأنفه ومؤخرته كذلك: "أتوقف عن مشاهدة الفيلم الذي لا يسحرني بعد نصف ساعة على بدايته، أو الفيلم الذي لا يترك لي مجال الاعتقاد ان الدقائق التالية ستحمل ما هو مثير، وتالياً ما يستحق الانتظار. اعتقد اننا نستطيع اختيار الأعمال السينمائية بالأنف ولكن أيضاً بالمؤخرة. بمعنى انه اذا لم نمكث في مكاننا ملتصقين بالكرسي، فهذا يعني ان ثمة شيئاً ما ليس على ما يرام".

نحو ثلث المخرجين المشاركين في المسابقة، مكرسون في المهرجانات ولدى النقاد ويتمتعون بصيت يسبق الأعمال التي يأتون بها الى هنا، وإن كان بعضهم حقق هذه النتيجة من خلال شريط أو شريطين. معظم الأفلام حظيت بموازنات ضئيلة وهي تعبّر عن روحية العصر، مع أن هناك على الأقل عشرة من هذه الأفلام تروي قصصاً من عصور أخرى، بدءاً من 1817 وصولاً الى 1973. اما جغرافياً، فهناك مناطق لا حضور لها على خريطة المسابقة، منها أوروبا الشرقية التي كادت أن تكون أحد مراكز الثقل في تظاهرات زميلة (دخل فيلم سكوليموفسكي المسابقة في اللحظة الأخيرة). اسكندينافيا غائبة. بريطانيا كذلك. أفريقيا خارج المسألة تماماً، وهذا ليس بجديد. أميركا اللاتينية لا تشارك الا بفيلم، وهو انتاج مشترك بين تشيلي والمكسيك وفرنسا. لعل أكثر ما يفاجئ، هو انحسار إحدى أكثر الظواهر التي "ضربت" البندقية منذ تسلم موللر دفة الادارة الفنية (2004)، ظاهرة السينما الآسيوية، السينما التي تعز على قلب موللر، اذ ليس هناك الا ثلاثة أفلام من الشرق الاقصى، واحد من الصين واثنان من اليابان.

طغيان أميركي

في غياب تيرينس ماليك الذي كان من المتوقع أن يكون المحطة الأبرز، تحتل السينما الأميركية مركزاً مرموقاً. بعدما كانت تشكل ثلث الأفلام المتسابقة في الدورة الماضية، ها هي تشكل هنا ربع المسابقة بالتمام والكمال. هل هي ضرورات الترويج تجعل موللر يغازل الأميركيين الى هذا الحدّ أم الاقتناع بأن ثمة سينما أخرى غير مكشوفة الوجه حتى في نظام الاستوديوات؟ لا نزال نتذكر "التصحر" الذي حصل في دورة 2008 عندما غابت عن البرمجة الأفلام الأميركية بسبب تداعيات اضراب كتّاب السيناريو. هذا كله كان يوضحه موللر على الشكل الآتي: "الـ"موسترا" تتطلّع اليوم الى ماضيها لعلها تنفتح على مستقبل السينما في حلّتها الابهى والأجمل. أعتقد اننا في زمن سيؤدي الى تغيير كبير في المهرجان. منح الكلام لأميركا الأخرى يأتي في هذا السياق".

يلاحظ الزميل عرفان رشيد الذي يغطي مهرجان البندقية منذ سنوات طويلة أنه "باستثناء اثنين، فإن جميع المخرجين هم دون السابعة والأربعين من العمر"، وهو طرح سؤالاً على موللر انطلاقاً من هذا المعطى في مقابلة نُشرت في "الحياة"، فكان ردّه: "انها اشارة واضحة الى ان الـ"موسترا" تعود اليوم لتصبح ما كانت عليه في الخمسينات من القرن الماضي وستيناته. اي انها تُصبح الفضاء الذي يعاد فيه كتابة وصياغة ما يحدث داخل عالم السينما، ليس اليوم فحسب، بل أيضاً ما سيحدث في الغد والمستقبل". الواضح من هذا الكلام وغيره من الملاحظات، أن المهرجان بات اليوم بين زمنين وجيلين ومفهومين للسينما وان هذه الدورة تأخذنا الى الغموض واللامكان.

المسابقة الرسمية

كانت الانطلاقة مساء أمس مع "البجعة السوداء" لدارن أرونوفسكي الذي يعود الى الـ"موسترا" بعد عامين على نيله "الأسد الذهبي" عن فيلمه "المصارع". تدور حوادث هذا الثريللر النفسي في عالم الباليه النيويوركي، وهو من بطولة ناتالي بورتمان وفنسان كاسيل وآخرين. لأرونوفسكي نظرة خاصة الى العالم والسينما، وهذا أيضاً شأن صوفيا كوبولا التي ستقترح علينا من خلال "في مكان ما" فيلماً عابراً للتصنيفات السهلة. مرة أخرى بعد "تائه في الترجمة"، تتعامل ابنة عملاق السينما الأميركية مع عالم هوليوود المعقد من خلال نصّ عن نجم سينمائي تصبح حياته محور تساؤلات عندما يلتقي ابنته البالغة الحادية عشرة من العمر.

أميركي آخر، هو فنسنت غالو، لا يقل جنوناً عن مواطنيه كوبولا وأرونوفسكي، سيعرض فيلمه "وعود مكتوبة بالماء". غالو، الممثل المشاغب صاحب شخصية عدائية قذرة. فهو يعتبر، مثلاً، ان هيتشكوك مخرج فاشل! هل يتكرر ما حصل مع غالو عندما عرض فيلمه الأول "أرنب بنيّ" في مهرجان كانّ قبل سبع سنوات وسط اجماع على ضرورة استبعاده، وخصوصاً ان الفيلم هذه المرة من بطولة ابن الممثل سيلفستر ستالون؟ الى الآن، لا معلومات عن هذا الفيلم، اذ تمنّع غالو عن ارسال الملخص الخاص به الى المهرجان. يلتحق بهذا الفريق الغريب، مخرج رابع، هو الذي ألّف وأخرج عام 2001 فيلم "دوني داركو" الأشهر من أن يعرَّف: ريتشارد كيلي. جديده "ميكز كاتوف"، غوص آخر في عالم سوداوي (تدور الحوادث عام 1845) يحفل بشخصيات مهمشة عرف كيلي كيف يشبعها بأخلاقياته الكلبية. هؤلاء الأربعة وحدهم باعتبارهم قساة ومجانين سينما، يمكن الاعتماد عليهم لحرق البندقية!

من الأميركيين، يبقى مونتي هيلمان الذي تُعتبر عودته الى كنف السينما بعد نصف قرن من ممارسة الاخراج أحد أهم الأحداث. حتى قبل معاينته، كثر يتكلمون عن تحفة جديدة أنجزها مخرج "اطلاق نار" (1967) المعروف بأفلامه التي تنتمي الى السلسلة باء، مستعيناً بقصة قتل وغرام وتعقيدات حكائية تتشارك بطولتها الممثلتان دومينيك سواين وشانين سوسامون. في عمر الـ78 ألا يزال لدى هيلمان، كما كان عند زميله ومجايله سيدني لوميت، قبل ثلاث سنوات، القدرة على دفع أنواع غابرة الى مناطق سينمائية جديدة؟ 

بعد الفشل الذريع الذي تعرضت له أفلامه الأخيرة، نهض فرنسوا أوزون من كل انتكاساته عائداً الى الحياة كطير فينيق. عشقه للممثلين يجعله يستعين بألمعهم في فرنسا. نجد: جيرار دوبارديو، كاترين دونوف، فابريس لوكيني، كارين فيار. هذا هو الكاستينغ الذي يتباهى به جديده "بوتيش" الذي تجري حوادثه عام 1977 في شمال فرنسا، عن رجل متسلط وزوجته الخاضعة، والعلاقة التي ستتأزم بينهما بعد أن تتسلم الزوجة ادارة اعمال مصنع المظلات الذي يملكه. عندما نتذكر مدى اللؤم الذي يتعامل به أوزون مع شخصياته، فلا نتوقع الا عملاً يجرجر الجميع في الوحل.

هناك فرنسي آخر من أصل تونسي يشارك في هذه الدورة بعدما سطع نجمه في 2007 مع "البذرة والبغل" الذي تحوّل "ظاهرة" المهرجان. هذا المخرج هو عبد اللطيف كشاش وفيلمه الجديد اسمه "فينوس سوداء". انه الرابع له، والأول في سلسلة الأفلام الثلاثة التي تعهد انتاجها ماران كارميتس. فتاة ذات مؤخرة ضخمة محور هذا الشريط الذي تدور حوادثه في القرن الثامن عشر. بسبب هذه "العاهة" الجسدية، تتحول الفتاة "فرجة" في الساحات العامة، قبل أن تُدفع الى ممارسة البغاء لينتهي أمرها في يد العلماء الذين ينكبّون على حالتها. يردد أن الفيلم أشبه باستعارة للمظالم التي ارتكبها الغرب في تعاطيه مع مناطق أقل منه نمواً.

أخيراً، في الشقّ الفرنسي من المسابقة، هناك "قلة من السعداء" (هكذا يقال عن الأعمال الثقافوية التي لا ترضي الا قلة قليلة من المشاهدين)، لأنطوني كوردييه الذي ينقل عالماً لا يجهل اياً من أسراره: عالم العلاقات الغرامية الشبابية، وهو مستلّ من واقع جيله وطوباوياته الحالية. وما مشاركة ايلودي بوشيز ورشدي زمّ ومارينا فويز في الفيلم الا تأكيد لتلك النبرة "الثورجية" التي يتبلور الفيلم في اطارها. في مقابلة له، يتكلم كوردييه عن مصادر إلهام عديدة منها أفلام برتران بلييه وفيلم "عاصفة ثلج" لأنغ لي و"لم نعد نسكن هنا" لجون كوران.

من ايطاليا، اربعة أفلام لسينمائيين غير معروفين كثيراً خارج ايطاليا. والحقّ ان البندقية لم تكن المكان المناسب في السنوات الماضية لإطلاق السينما الايطالية الجديدة. أهم اعمال تلك السينما (العظيمة سابقاً) طُرحت من على منصة كانّ وليس البندقية. فقط في السنوات الثلاث الاخيرة، كان هناك في المهرجان الفرنسي، ثلاث تحف سينمائية: "ايل ديفو" لباولو سورنتينو؛ "غومورا" لماتيو غاروني؛ "انتصار" لماركو بيلوكيو. في الدورة الحالية، اختارت الادارة مخرجين شباباً، أسكانيو تشيليستيني وسافييرو كوستانزو، لم يتجاوز عمراهما الاربعين بعد، وهما في مقتبل تجربتهما. يقف مقابل هذين، اثنين من جيل الخمسينات، ماريو مارتوني وكارلو مازاكوراتي، خلفهما فيلموغرافيا طويلة... والأيام المقبلة وحدها ستقول لنا ما اذا كانت الدورة دورة انفراج ايطاليا أم لا في البندقية.

أما "وندر بوي" السينما الألمانية، الذي خذلنا بفيلمه الأخير "العالمي"، فهو في البندقية لتقديم "ثلاثة"، مقتبساً واحدة من تلك القصص عن المثلثات الغرامية: ثنائي في الاربعينات يغرم، كل واحد من جانبه ومن دون علم الآخر، بشخص اسمه آدم. تقع المشكلة عندما تصبح المرأة حاملاً، اذا يتعذر معرفة هوية الوالد... دائماً من القارة القديمة، وتحديداً من بولونيا، يسجل الـ"فيتيران" يرزي سكوليموفسكي حدثاً مهماً بدخوله المسابقة، ومفتعلاً منذ الآن الردود، لكونه كان غائباً عن الشاشات منذ 1991، قبل أن يعود الى عشيقته الاولى مع "أربع ليال مع أنا"، صيف 2008 في كانّ. لكن سكوليموفسكي يغامر هنا على أرض وعرة: أفغانستان والجيش الأميركي والصراع الذي يعيشه جندي تم القبض عليه من أجل البقاء. أربعة بلدان شاركت في انتاج هذا الفيلم، بولونيا والنروج والمجر وايرلندا. أما التمثيل فهو لفنسنت غالو وايمانويل سينييه.

الوافدون من الشرق الاقصى ثلاثة. اثنان منهما من أمراء فيلم الحركة المؤسلب: الياباني تاكاشي ميك والصيني تسو هارك (يلفظ اسمه بطريقة أخرى، لكننا سنكتفي بترجمة حرفية). الحرّيف هارك يقدّم "التحري دي وسرّ الشبح نار"، استكمالاً لمسيرة طويلة في مجال سينما الفنون القتالية جمعت عشرات الأفلام. اما ميك الذي يقدّم خارج المسابقة فيلم "زيبرامان" بجزءيه، فأنجز "13 قاتلاً". يتردد أن هذا الفيلم عبارة عن "ملحمة رجال ساموراي تتحول حمّام دم". أما ثالثهما فهو الفيتنامي - الفرنسي تران أنغ هونغ الذي يمثل اليابان بفيلمه "خشب نروجي" المقتبس من رواية صدرت عام 1987 وبيعت منها 4 ملايين نسخة فتحوّل كاتبها هاروكي موراكامي نجماً كبيراً. الفيلم يتعقب خطى الرواية وأساليبها في نقل مسألة الوعي بالجنس في السياق السياسي الياباني لعام 1969.

خارج المسابقة

الاخوان أفليك يحتلان مكانين مرموقين في هذا القسم (36 فيلماً) المخصص عموماً للأفلام التي لا ترى الادارة فيها مشاريع جوائز. بن يحضر بـ"المدينة" أما أخوه كايسي، فعنون فيلمه "لا أزال هنا". نوع من بورتريه وثائقي عن يواكين فينيكس الذي قرر عام 2008 اعتزال التمثيل والاتجاه الى موسيقى الهيب هوب. عائد آخر الى البندقية: ماركو بيلوكيو بـ"سوريللي ماي". ستة فصول تحكي حكاية واحدة وقعت بين 1999 و2008. بعد "انتصار"، المدهش على أكثر من صعيد، هل يتمكن بيلوكيو من الامساك بالوهج نفسه؟ ولماذا لم يُدرج جديده في المسابقة؟ أيا يكن، فقسم "خارج المسابقة" يتضمن قليلاً من كل شيء، وشبيه في هذا بالسلطة الروسية. هناك أيضاً القديم العائد الى الشاشة، كاستعادة الفيلم الملعون لدنيس هوبر "الفيلم الأخير" (1971)، بعد مرور بضعة أشهر على رحيله. الاستعادة هي ايضاً ما يحظى به فيتوريو غاسمان استذكاراً لمرور عشر سنين على غيابه، وفي هذه المناسبة سيُعرض وثائقي عنه "فيتوريو يروي غاسمان" لجيانكارلو سكارشيلي، فيما يفاجئنا كلٌّ من مارتن سكورسيزي وكانت جونز بـ"رسالة الى ايليا"، وهو تجوال سينيفيلي يعبق بالتاريخ في خلايا ايليا كازان وسينماه التي طبعت ذكريات سكورسيزي ووجدانه الى الأبد. الى ميكيلي بلاتشيدو وجون تورتورو اللذين يفرغان في الـ"موسترا" الحالية ما في جعبتهما، نجد صبي السينما الشقي: روبرتو رودريغيز وفيلمه الجديد "ماتشيتي" الذي سيفتتح عروض منتصف الليل. الأهم ان الفيلم خارج المسابقة، وهذا يعني قطع الطريق أمام رئيس لجنة التحكيم كوانتن تارانتينو من اي احتمال أن ينمو عنده حسّ الزمالة والصحبة، فيكرر ضرب الجنون الذي حضّره لنا ذات دورة من دورات كانّ حين صوتّ لفيلم مايكل مور "فهرنهايت 9/11"!

"آفاق" (أوريزونتي)

59 فيلماً، بين قصير وطويل وروائي ووثائقي، حصيلة ما جمعته ادارة المهرجان في قسم "آفاق" الذي يُعنى بالإتجاهات الجديدة للسينما العالمية. عناوين كثيرة في هذا القسم بحيث يحار المرء من أين يبدأ رحلة المشاهدة والمعاينة. معظم هذه الأعمال رهنٌ للاكتشاف وقد يتضمن قسم "آفاق" أعمالاً أقوى، درامياً وجمالياً وفكرياً، مما تتضمنه الأقسام الأخرى. أفلام عادية لا تثير الحماسة تجاور آخر ابداعات بول موريسي وعميد السينمائيين في العالم (ظاهرة الخلق في القرن الحادي والعشرين) مانويل دو اوليفيرا الذي يأتي بفيلم طوله 16 دقيقة، بعدما تجاوز عتبة المئة قبل سنتين. من هذه البرمجة المتشعبة، نكتفي بالاشارة الى فيلمين عربيين، هما "ظلال " لماريان خوري ومصطفى الحسناوي و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا (انظر الى الاطار). باستثناء ربما بعض العروض الجانبية، هذا كل ما سيؤتى به من العالم العربي. لماذا 22 دولة و300 مليون شخص لا يستطيعون ان ينجزوا أكثر من فيلمين يلقيان الترحيب في مهرجان البندقية؟

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

شيوعيو لبنان الى جزيرة السينما

"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا، اختاره مهرجان البندقية لعرضه في قسم "آفاق"، وهو انتاج لبناني فرنسي اماراتي، سبق أن عُرضت منه أجزاء في الدورة الماضية من مهرجان ابو ظبي. الفيلم تأمل في الارث الذي تركته الحرب الاهلية، من خلال اربعة رجال يحكون قصصهم وخيباتهم في ظل الأزمات المتلاطمة في حاضر البلاد. في حين لا تغيب الأسئلة الشائكة التي تتعلق بمستقبل وطن هشّ.

في بدء مساره المهني، عمل أبي سمرا مصوراً في عدد من الصحف اللبنانية، وأحياناً لحساب وكالات اجنبية. عام 1990، قرر الرحيل الى فرنسا حيث زاول مهنة التصوير وتعاون مع مؤسسة انتاج تعمل للمهاجرين، فساعدهم في مجال التصوير الفوتوغرافي والفيديو. ما ادخله الى السينما هو اهتمامه بالتقنيات التطبيقية لا النظريات. زاد نشاطه بعدما تعاون مع تلك المؤسسة التي تهتم بالمهاجرين، فكان يساعدهم في اطلاق مشاريعهم وينجز مشاريعه في الحين نفسه. أول فيلم انجزه كان موضوعه اللبنانيين المهاجرين الى فرنسا، انطلاقاً من نظريته أن اللبناني يرفض ان يصنّف مهاجراً، لأن صورة المهاجر في فرنسا بالنسبة الى أبي سمرا جد سلبية.

في مقابلة أجريتها معه عند عرض فيلمه "دوار شاتيلا"، قال: "عملياً، اللبنانيون منفيون، وهذا ربما كان صحيحاً في بداية انتقالهم للعيش في فرنسا، لكن لاحقاً اصبحوا مهاجرين يحملون هموم الانسان الذي يعيش في بلد ليس بلده. كنا نرى اللبنانيين وهم على الخطاب نفسه الذي كانوا عليه قبل الحرب. اذاً، من خلال الفيلم الذي صوّرته، أردت معرفة ما يعني أن يكون المرء مهاجراً لبنانياً في فرنسا. حاولت ابراز صورة المهاجر من خلال رفض اللبناني لتلك الصورة. لم يُعرَض الفيلم يوماً، لكنه كان تجربة اساسية لدخولي مجال الاخراج، وخصوصاً انني صورته في ظروف لم تخل من الصعوبات المادية، وهذا ما دفعني الى ان احمل على عاتقي مسؤوليات عدة، منها التصوير والمونتاج. فمع هذا الفيلم، اكتسبت خبرة ما في مجال التركيبة السينمائية".

حينها، سألته أيضاً اذا كان يعتبر الوثائقي طريقاً الى الروائي، أم انه أختاره وسيلة تعبير بذاته. فكان ردّه انه ليس من الضرورة ان توصل احدى هذه التجارب الى الأخرى، لأن كلاً منهما تجربة بذاتها. فما ادخله الى الوثائقي رغبته في الدخول على نحو أعمق في اشكاليات قائمة في حياته. يحب السينما الروائية، لكنها ليست هدفه. انها مهنة لا تعنيه على أي حال، ولا يملك ادنى شعور بأنه ينبغي له الانتقال الى الروائي للوصول الى اماكن أكثر عمقاً. "شخصياً، أجد ان الوثائقي قادر على ان يحثني على البحث والاكتشاف، لأن هناك مساحات شاسعة من التأمل والاستكشاف، وهنا أتكلم سينمائياً وليس توثيقياً".

هـ. ح.  

 

"ميرال" نصاً لجبريل وفيلماً لشنايبل

الــمــشــــــروع الـلــغــــم!

بعد "بذلة الغطس والفراشة" (2007)، يقدم المخرج والتشكيلي الأميركي جوليان شنايبل على تعديل زواية النظر الى العالم، مع إبقاء الألم والمعاناة ركيزة أساسية يستند اليها فيلمه الجديد "ميرال" الذي يبدأ عرضه العالمي المنتظر جداً اليوم في الليدو. قبل أن يجد طريقه الى الشاشة، كان نصّ شنايبل على شكل رواية للصحافية الفلسطينية رولا جبريل التي تعمل وتقيم في ايطاليا، وهي ابنة رجل مقدسي عمل حارساً للحرم القدسي الشريف وامرأة حيفاوية.

في كتابها تصف جبريل نضال احدى رائدات العمل الاجتماعي الفلسطيني هند الحسيني. هذه المرأة أسست داراً للأيتام ومدرسة كانت جبريل إحدى تلميذاتها في السبعينات. يستغرب بعضهم كيف يمكن لكتاب يعكس وجهة النظر الفلسطينية للصراع العربي الاسرائيلي أن يصل الى حضن هوليوود المتهمة بالانحياز في قضية مصيرية وحساسة. سؤال له ما يبرره في انتظار أن نكتشف هذا المساء بأي حال سيخرج شنايبل من مشروع لا يمكن التعاطي معه مطلقاً من باب حبّ الانسانية والنيات الحسنة من دون الوقوع في فخّ التسييس والتلاعب. انه ببساطة حقل من الألغام يمشي عليه شنايبل بشجاعته المعروفة.  

أربعة بلدان شاركت في انتاج هذا الفيلم: الولايات المتحدة، فرنسا، ايطاليا واسرائيل. حظي الفيلم بتوزيع أدوار مهم: هيام عباس، ويلم دافو، فانيسا ريدغرايف (اليسارية المتحمسة لفلسطين) ياسمين المصري ("سكّر بنات" لنادين لبكي و"المرّ والرمّان" لنجوى النجار)، وفريدا بينتو التي اشتهرت بعد تمثيلها في فيلم "المليونير المتشرد" لداني بويل. ويقال ان بينتو اختيرت لهذا الدور لتشابهها مع جبريل.

تبدأ الحكاية في القدس عام 1948: مبادرة هند الحسيني في تجميع اليتامى والاعتناء بهم تتحول داراً للأيتام باسم "دار الطفل". مع دخول ميرال، الطفلة ثم الصبية في السابعة عشرة، الى الخط الدرامي، سيأخذ الفيلم بعداً تراجيدياً، اذ يضعها المخرج أمام خيارين لا ثالث لهما: إما النضال من أجل مستقبل شعبها وإما الامتثال لرسالة أمها الروحية هند الحسيني في ان العلم هو الطريق الى الخلاص والسلام.

 

لائحة أفلام المسابقة

•  "البجعة السوداء" لدارن أرونوفسكي (افتتاحاً).

•  "خروف أسود" لأسكانيو تشيليستيني.

•  "في مكان ما" لصوفيا كوبولا.

• "قلة من السعداء" لأنطوني كوردييه.

•  "عزلة الرقم الأول" لسافيريو كوستانزو.

• "أرواح صامتة" لألكسي فيدورشينكو.

• "وعود مكتوبة بالماء" لفنسنت غالو.

• "طريق الى لامكان" لمونتي هيلمان.

• "أغنية البوق الحزينة" لأليكس دي لا ايغليزيا.

• "فينوس سوداء" لعبد اللطيف كشاش.

• "فحص الجثة بعد الوفاة" لبابلو لارين.

• "نسخة بارني" لريتشارد جـ. لويس.

• "نوا كريديفامو" لماريو مارتوني.

• "الشغف" لكارلو مازاكوراتي.

• "13 قاتلاً" لتاكاشي ميك.

• "بوتيش" لفرنسوا أوزون.

• "ميكس كاتوف" لكيلي ريتشارد.

• "ميرال" لجوليان شنايبل.

• "قتل أساسي" ليرزي سكوليموفسكي.

• "خشب نروجي" لتران أنغ هونغ.

• "أتنبرغ" لأتينا راشيل تسانغاري.

• "التحري دي وسرّ الشبح نار" لهارك تسو.

•  "ثلاثة" لطوم تيكفر.

النهار اللبنانية في

02/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)