حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نقد

انـــدره تـيـشــيـنـه: لا أحــبّ أن أكـــون عـلى ســـكــة!

هوفيك حبشيان/ فرنسا...

بعد مرحلة جمود وعبور صحراء سينمائية شبه قاحلة، أعاد "فتاة القطار"، قبل نحو عام تقريباً، ترتيب اندره تيشينه في موقعه الصحيح، باعتباره واحداً من السينمائيين الفرنسيين الأكثر قدرة في نقل الواقع العصي على التجسيد الى الشاشة، بتفاصيل معبّرة ولغة وحرفة وموهبة كانت ثبتت سابقاً لامحدوديتها. في هذا الفيلم تناول تيشينه موضوعاً شائكاً تصعب معالجته في زمن سياسي قائم على سوء الفهم والخلافات اللامتناهية والكيدية. انطلاقاً من حادث عرضي صار الخبر الأكثر تداولاً في الصحافة الفرنسية في عام 2004، صوّر تيشينه قصة تلك الفتاة (جان، تلعب دورها البلجيكية أميلي دوكين) التي اختلقت اكذوبة وادّعت انها كانت ضحية اعتداء سببه المعاداة للسامية في خلال تنقلها على متن القطار الذي يسافر عليه الفرنسيون من ضواحي باريس واليها. محاولة لفهم شخصية وسلوكها تكللت بنجاح جمالي وخطابي استحق عليها تيشينه سيلاً من المدائح تحت أقلام النقاد، وكان لا بدّ أن نلتقيه في خلال زيارتنا لباريس ضمن حوار مقتضب، على أمل أن يشق الفيلم طريقه الى الصالات اللبنانية.

·         متى اطلعت على هذه الحادثة؟

- قرأت عن هذه الحادثة العرضية عند وقوعها عام 2004، لكن كانت لديّ شكوك في شأنها. وقتذاك كان هناك الكثير من الاعتداءات المعادية للسامية. عالم الاستعراض تلقف هذه الحكاية، وهذا ما وضعني في حال من التحفظ والحذر. ثم نسيت المسألة. بعد فترة، قرأت مسرحية لجان ماري بيسيه كانت تتناول هذه الحادثة لكن من وجهة نظر مختلفة تماماً عن وجهة نظري. المسرحية كانت تري جان وهي تخترع الاعتداء الذي حصل بغية اكتساب الشهرة. أما أنا فكنت اريد ان اري تلك الفتاة التي تعاني عزلة اجتماعية تفتعل قضية الاعتداء، لكن من دون أن تدرك اين سيوصلها هذا الاختراع، وايضاً من دون ان تتخيل ولو للحظة ان وسائل الاعلام ستستغل القضية، وان المسألة برمتها ستتجاوزها وستثير خوفها حدّ انها سترغب في وضع حدّ لها. رغبتي كسينمائي لم تكن في سرد حكاية جريمة أو سرقة انما في تصوير الاكذوبة وعلم النسب المرتبط بها.

·         تحمل هذه القصة علامات العصر وأزماته: الكل يريد أن يصبح مشهوراً بغض النظر عن طريقة اكتساب تلك الشهرة...

- نحن حيال جيل لا يجد نفسه. هذه الشخصية التي تكذب، يحاصرها مجتمع أكبر منها فتشعر بعقدة النقص ازاءه. حتى العمل الذي تريد القيام به هو عمل أقل من قدراتها، فتعوض عن هذا كله بالكذب وتتجاوز هذا الواقع على طريقتها. خلافاً للشخصيتين الأكثر نضجاً منها وهما ميشال بلان وكاترين دونوف (المحامي والأم) لا تجد هذه الفتاة مكانها في المجتمع. حتى علاقتها الغرامية غير مكتملة. هذا البحث عن عقدة النقص يأتي من تفاوت بين الأجيال. أبناء الأجيال السابقة غير مستعدين لتحمل مسؤولياتهم والتصدي للواقع الذي أمامهم. هذه من أعراض عصرنا الحديث. الهوة بين الأجيال الى مزيد من التوسع.

·         لم تكن هذه حالة جيلكم؟

- لا، كانت المعطيات مختلفة. كذلك البيئة. جيلنا كان يمثل النمو وغياب البطالة وارتفاع القدرة الشرائية. جيلنا كان التحرر الجنسي، خلافاً لأيامنا هذه، فحالياً نرى ان هذا التحرر يتراجع. عندي انطباع اننا كنا أوفر حظاً مما هم الشباب اليوم. كلما زادت وسائل الاتصال والتواصل وتعددت، زاد معها التشويه والتضليل والتزوير. تملك جان كل مظاهر الشخصية العادية ولكن في الوقت ذاته هي على قدر من الغموض ولديها طاقة داخلية مخيفة. عندها قدرة على التلفيق ستميزها عاجلاً أم آجلاً. تمتلك صبيانية تقاوم عالم الكبار وتصر على مواصلة الطريق والاستمرار في الحلم. هذا الاصرار على التصدي للواقع والهروب منه في الحين نفسه هو الذي جعلني اعجب بهذه الشخصية.

·         عندما نسمعك تتكلم عن جان على هذا النحو، نخال أنها مليئة بالفضائل...

- لا أعتقد انها صاحبة فضائل، لا بل أرى انها تفعل فعلاً شنيعاً. أن تستغل جريمة ضد الانسانية (المحرقة النازية) لأسباب شخصية، فهذا في نظري مشين. لكن مقابل ذلك، لم اكن اريد ان احكم عليها وأنهال عليها بالإتهامات. كنت اريد اظهار انسانيتها، تلك المتسترة خلف سلوكها الاعمى، ذلك انها شخصية عمياء، وأنا قصدت أن اركز على عمائها. تصرفي حيالها، آمل أن يكون نقدياً، لم أكن أريد أن أدينها حتى لو كان ما قامت به يدعو الى الإدانة.

·         تركت الفيلم مفتوحاً امام قراءات متعددة...

- بالتأكيد، على كل مشاهد أن يراه بعين مختلفة. لم يكن في نيتي انجاز فيلم ــ اطروحة. في عالم الاستهلاك الذي فُرض علينا لم أرغب على الاطلاق في حمل رسالة الى المشاهد. لم أرد ذلك البتة (يقولها بإصرار). ما كان يهمني في هذا الحادث العرضي هو طرد اللبس الاعلامي لينجلي الوجه الحقيقي للقضية. كان هذا الشيء الوحيد الذي يهمّني. طبعاً، هناك بُعد سياسي. فالعائلة اليهودية التي استُغل اسمها في العملية الدعائية، ستدّعي على جان. في البداية تنساق العائلة المؤلفة من أطياف متنوعة، الى الاتهام، ثم يتبدى جلياً ان هناك امكاناً للتعرف الاعمق بين أفراد العائلة وجان. لكن الخطأ الذي حصل كان (وهنا أحمّل كبار الدولة الفرنسية المسؤولية) الادعاء على ملف كان فارغاً في المنظور القضائي. بالتأكيد ستدخل الصحافة على الخط لتجعل المسألة مؤشراً الى ما كان عليه المجتمع الفرنسي في تاريخ حصول تلك الحادثة، وما كانته أيضاً ايديولوجيته. لكن باستثناء ذلك، لم أتعرض للسياسة على نحو مباشر، ولم أتهم وزير الداخلية انذاك دومينيك دوفيلبان أو صاحب العهد في تلك الحقبة جاك شيراك. المأساة برمتها متأتية من عدم التدقيق. وأنا اؤمن بأننا نعيش في عالم يقودنا فيه عدم الدقة الى كوارث حقيقية.

·         ما هي أخطار اقتباس حادث عرضي مماثل؟

- هذه المرة الاولى في حياتي اقتبس فيها حادثاً عرضياً. لكن كان هدفي تحويله حكاية رمزية. كنت اريد فيلماً روائياً بعيداً من النمط التوثيقي. في النهاية، صار لدينا فيلم حركة يتضمن اخراجه ديناميكية فعلية وفعالة. اصبح شائعاً في زمننا الراهن ان نصور الأشياء على نحو تبدو كأنها توثيقية وحقيقية. لم أرد البتة الانحياز الى هذا النوع. لا اصنّف نفسي في عداد المخرجين الذين يتبنون هذه الجماليات. فالفيلم على قدر من الرومنطيقية المقصودة.

·     منذ فيلمين، "الشهود"، والآن هذا الفيلم، بتّ تبدي ميلاً الى الغوص في الواقع، بعد مجموعة أفلام نستطيع وصفها ربما بالرومنطيقية...

- نعم، مع الالتصاق الدائم بآلية المجتمع الفرنسي ونقاط الخلل التي فيه. صحيح ان الفيلمين اللذين ذكرتهما يتحدثان عن الضمير الوطني الذي يستفيق عندما تعود أشباح الماضي الى الظهور، لكن سأبتعد قليلاً عن هذه الهموم في الفيلم المقبل؛ لا اريد دوماً التنقيب في المكان نفسه، واعادة طرح المواضيع نفسها. تباً، لا اريد لسينماي أن تكون اجتماعية بالمعنى السلبي للكلمة! لا أحب أن أكون على سكة. افضلّ أن اصرف النظر عن المواضيع التي تتضمن لبساً اجتماعياً وانصرف الى مغامرات أخرى...

 

حدث

مارلون براندو لم يمت في عيون رضا الباهي

في تونس انهى رضا الباهي هذا الصيف، تصوير مشروعه الجديد، مجسداً فكرة ممتازة كانت تراوده منذ فترة طويلة. بدأ يُحكى عن المشروع في منتصف عام 2003: مارلون براندو، ايقونة السينما الاميركية، اقترن بهذا الانتاج، ممثلاً "الحلم الاميركي" في حلوه ومره. بعد مفاوضات دامت اشهراً، كان مخرج "صندوق عجب" قد نجح في اقناع العرّاب على الخروج من عزلته وصمته، في فيلم كانت شركة "ميراماكس"، التي تبحث حالياً عمّن يشتريها، ستدعمه بموازنة بلغت آنذاك ستة ملايين. عمل الباهي مع براندو على تعديل سيناريو "براندو وبراندو" في بيته في لوس انجليس حيث كان من المفترض أن يتم تصوير بعض المشاهد. عن المضمون، سمعناه يقول انه يتمحور على الحلم الأميركي الذي يراود بعض الشباب العرب وخصوصاً بعد احداث الحادي عشر من اعتداءات أيلول الارهابية.

بيد أن رحيل براندو في صيف 2004، جعل حلم الباهي يذهب أدراج الرياح. بعد غياب العملاق، حاول الباهي، مراراً وتكراراً احياء المشروع، حتى انه غيّر عنوانه، فصار "عندما تسقط النجوم"، وقال انه سيبدأ التصوير في ايار 2006 مع الممثلين مورغان فريمان وكريستوفر والكن، لكن هذا الشيء لم يحصل. بعد نصف عقد من الزمن، ها هو ينبعث مجدداً، آخذاً شكلاً آخر، وهذا التغيير فرضه في طبيعة الحال غياب براندو الجسدي، لكن لا شك ان روحه ستخيم على العمل وفي أقل وحدة تصويرية.

في النسخة السابقة التي اتيح لنا الاطلاع عليها قبل سنوات عدة، كانت القصة تبدأ من تونس، تحديداً في محطة قطار قرب منجم مهجور على تخوم الصحراء. تعاني طبيعة القرية جفافاً ويخيم عليها الهدوء الذي يخترقه بين حين وآخر طنين ذبابة تطير لتغطّ على وجه أنيس، مدير محطة الوقود الذي يعاني ضجرا لقلة الحركة. فجأة تخترق الأجواء الساكنة مروحية كبيرة، فيركض سكان القرية ويتجمعون حول المسجد الصغير ليشاهدوا مذهولين نزول جماعة من الأميركيين، في مقدمهم رجل ثرثار وعصبي لا يتوقف عن اعطاء الأوامر. انه جو غوردن. كان غوردن يتنقل في جميع الاتجاهات بعصبية. يتأمل الطبيعة ويراقب سكان القرية، معلنا أنه وجد المكان المناسب الذي كان يبحث عنه لتصوير الفيلم. لكن، فجأة يتوقف عند رؤية أنيس فيشير اليه محدثا أحد مرافقيه: "أنظر اليه، ألا يذكّرك بأحد؟". يلتفت المساعد الى أنيس ويجيبه بـ"لا" قاطعة، مضيفا: "يبدو كعربي خائف لرؤيته كائناً فضائياً". جو: "انه يشبه مارلون براندو".

اليوم، بعد انقضاء سبع سنوات على هذا النصّ، لا نعرف مدى تغيّر السيناريو ليتناسب مع الواقع الجديد. الباهي مغيّب عن الشاشات، منذ فيلمه "صندوق عجب"، عام 2002. لكنه حذق، على رغم بطئه في العمل، ويعرف كيف يأتي بالحلول السحرية ولو لم تكن دائماً مقنعة. وكان نشاطه اقتصر خلال هذه السنوات على انجاز بعض حلقات من برنامج "العدسة العربية" لحساب محطة "الجزيرة".

منذ بداياته، لم يكن الرأي العام لامبالياً حيال سينماه. فقد اثار "العتبات الممنوعة" ضجة كبيرة وتعرّض لانتقادات سلبية، وقيل فيه انه دافع عن السياحة في تونس من خلال دفاعه عن السائحة الشقراء التي تعرضت للاغتصاب في القيروان، مسقطه. ردّ الباهي على هذا الكلام، بالقول ان ثمة خطأ فاضحاً في النظرة الى هذا الفيلم، لأنه لم يقصد رد الاعتبار الى السياحة، بل على العكس، برهن انها الاغتصاب في عينه.

في منتصف السبعينات، انتج واخرج فيلم "شمس الضباع" (انتاج تونسي - هولندي) الذي عُرض في قسم "اسبوعي المخرجين" في مهرجان كان، وهو من نوع الكوميديا الدراماتيكية. قال سمير نصري عنه في "النهار": "هذا الفيلم ساهم في اطلاق شهرته في الوسط السينمائي، على عكس "العتبات الممنوعة"، فجاء ضد بناء مؤسسات سياحية ورفضها بقوة. صُوّر الفيلم في المغرب لأن تصويره مُنع في تونس، بعدما اصبح اسمه على اللائحة السوداء بسبب عدم صدقية "العتبات الممنوعة"، بحسب القيّمين على المنع، لأن الباهي كان اعلن يوم تصويره لهذا الفيلم انه سيتناول الآثار الاسلامية، بينما كانت الحقيقة غير ذلك. حتى في المغرب، لم يسلم التصوير من بعض المعوقات بغية توقيفه".

مع بداية حرب الخليج، ذهب الى الكويت للعمل في مؤسسة البرامج المشتركة نحو 3 سنوات. من 1980 الى 1982 اهتم الباهي بإنتاج الافلام الوثائقية وإخراجها. ثم انتج فيلم "الملائكة" وأخرجه، كوميديا دراماتيكية من بطولة كمال الشناوي ومديحة كامل. اختير الفيلم عام 1985 من ادارة قسم "اسبوعي المخرجين". استعان الباهي في هذا الفيلم بنجوم مصريين وصوّره باللهجة المصرية.

رابع افلامه الروائية الطويلة، "الذاكرة الموشومة"، حظي بكاستينغ عالمي، اذ لعب بطولته كل من الانكليزية جولي كريستي، والاميركي الايطالي الاصل بن غازارا والفرنسيين باتريك بروييل وجان كارميه، واختير الفيلم لعرضه في مهرجان البندقية. يتمحور الفيلم على الثنائي بول وبيتي اللذين يعيشان في "الجزائر الفرنسية". مرة أخرى، اتهم الفيلم بأنه يعكس حنيناً الى زمن الاستعمار الفرنسي لتونس، وتجلى ذلك في تقديمه الايجابي للشخصية الفرنسية، وايضاً في تقديمه النشيد الوطني التونسي على نحو ساخر، جرح الحسّ الشعبي التونسي، الأمر الذي يعتبره الباهي بعيداً عن واقع فيلمه واساءة موجهة من النقاد اليه.

عام 1994 انتج فيلم "السنونوة لا تموت في القدس" وأخرجه، من بطولة بن غازارا وجاك بيران وريم تركي، وقد مُنع في البلدان العربية. تناول فيه الباهي قصة المراسل الفرنسي ريشار الذي يذهب الى القدس لاجراء تحقيق عن حياة البلاد وسكانها، عشية معاهدة السلام الاسرائيلية - العربية. اعتبر الفلسطينيون ان هذا الفيلم يمثل اساءة الى الانتفاضة والى النضال الوطني الفلسطيني. وذهب البعض في اتهامه الى أن صورة الصهاينة، جنوداً ومدنيين، كانت ايجابية، مقارنة بصورة الفلسطينيين الذين قدمهم، دائماً بحسب المنتقدين، إما قتلة وإما مغفلين.

صندوق عجب"، شريطه الأخير الى تاريخ اليوم، حمل عناصر من سيرته الذاتية. كان الفيلم من تمثيل ماريان بازلر وعبد اللطيف كشاش. رؤوف مخرج في الاربعين من العمر، تطلب منه محطة تلفزيونية اوروبية ان يصوّر فيلماً عن علاقته بالسينما حين كان طفلاً. وهذا ما يجعل المخرج (رؤوف/ الباهي) يغوص في سنوات اليفاع التي عاشها في مدينته القيروان، مع اشارات شبه مباشرة الى افلام مثل "8 ونصف" لفيلليني و"سينما باراديزو" لتورناتوري.

يصعب ترتيب افلام الباهي في خريطة سينمائية عربية محددة، فهو لم يركب موجة كانت سائدة في مرحلة ما. انتمى الى جيل من السينمائيين التونسيين (ناصر القطاري والنوري بوزيد)، طرح قضايا سياسية شائكة في اعماله، وهو يعتبر ان خياره التزام هذا النوع من السينما كان مصحوباً بالاحباطات الكبيرة.

 ( hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

صوفيا كوبولا، عن الأب والإبنة وحبّ السينما

لا تزال هوليوود محطة مهمة ينطلق منها الكثيرون الى سينما منتشرة بكثرة على شاشات العالم. للمخرجات موقع بارز في تلك المحطة، وان كانت طريقة الوصول الى السينما الهوليوودية بالنسبة اليهنّ، أصعب من وصول الاوروبيات الى سينماهن. صوفيا كوبولا من القليلات اللواتي استطعن أن يفرضن عالمهن في وسط مهني لا تزال الذهنية الذكورية هي المسيطرة عليه. لا شك ان تحدرها من سلالة عريقة، لها مكانتها في عالم السينما والإخراج، ساهم في أن تشرع لها أبواب هوليوود واسعة، فبرهنت شيئاً فشيئاً من خلال تجربتها القصيرة، ان جدارتها في ذاتها، وليس في ارتباطها بعائلة كوبولا، خصوصاً انها فضلت ان تكوّن لنفسها اتجاهاً مستقلاً عن اتجاه والدها.

بعد ثلاثة أفلام صنعت خصوصية تمثلت في الجمالية المتقنة والرقة في التسلل الى عقل المشاهد، تستعد كوبولا لعرض فيلمها الرابع في مهرجان البندقية الذي تبدأ دورته الـ67 في الأول من أيلول المقبل. اربع سنوات مضت على مشاركتها في كانّ مع "ماري انطوانيت"، الذي كان أقل ابتكاراً من فيلميها السابقين، وها انها تدخل أعرق المهرجانات السينمائية في العالم، مع فيلم اطلقت عليها عنوانا غريبا، "في مكان ما"، وهو من تمثيل ستيفن دورف وايل فانينغ. لا نعرف الكثير عن هذا الفيلم الى الآن سوى انه يقتفي خطى ممثل مغمور لا يكترث به أحد، الى أن تزوره ذات يوم ابنته الصغيرة، وهذه الزيارة يبدو انها ستغير مجرى الأمور. لننتظر ونر أي حديث ستأتي به كوبولا عن الوسط السينمائي الذي تنتمي اليه، خصوصاً ان الحوادث هنا تجري في هوليوود، أو على هامشها. أما العلاقة التي بين الاب وابنته، فهي على الارجح من وحي علاقة صوفيا بوالدها فرنسيس.

 

خارج الكادر

حاملو الكاميرا

جميع القصص تبدأ وتنتهي، إلا القصص التي يضعها هواة التصوير على مرأى من كاميراتهم. يجسدون حياتهم العائلية والعاطفية، من صداقة وحب ومناسبات، على مادة لاصقة. مجهولون يدخلون معبد الصورة من باب التجريب والتأريخ. إنها أفلام يحملها الجميع في جوارير خزانته. أفلام مما قبل الثورة الرقمية، من زمن كانت الصورة المتحركة ذات قيمة. المحظوظون من الذين يملكون كاميرا 8 ملم، صنعوا دوغما لارس فون ترير من دون أن يدركوا ذلك. أكثر من جيل كامل من السينمائيين شاهدوا الحرب، وواجهوا ظلم الطبقة السياسية التي همشتهم لأنها لم تر في دورهم نفعاً، أو لأنها لم ترد شاهداً على أفعالها. وأكثر من جيل حلم بالسينما اللبنانية التي ذابت في النيران المشتعلة، وصوّر هواة التصوير أجزاء من لبنان لم يبق منها سوى بطاقات بريدية يرسلها السياح إلى أقاربهم. حتى الرعونة في هذه الأفلام تحمل لك ذكرى، عبقاً، ابتسامة. بسيطة في عصر التعقيدات الكبيرة، عفوية في زمن بات الفن نتيجة حسابات ماتيماتيكية دقيقة، بطيئة في وقت اراده الأميركيون سريعاً، كأن صاحبه يملك قرناً كاملاً لتصوير تفصيل صغير يراه أساسياً، وقد يكون هذا التفصيل فراشة على شعر صديقته.

من حيث بدائيتها المقترحة، لا شك أن لهذه الأعمال صلة ما بعصر السينما الصامتة. فالكلام هنا لا ينفع. ليس ثمة سيرورة درامية أو حوارات تضعنا في أجواء ما يجري. اللوحات الحوارية المتبعة في عصر شابلن ومورنو لا تجدي نفعاً، ما دامت الفكرة تقتصر على اخفاء الكلام، كلام العائلات الفضاحة. أفلام قد يأخذ صاحبها متعة في تصويرها، لكن من الصعب أن يشارك هذه المتعة مع الآخرين. في نظرته ثمة ما هو ذاتي وشخصي وصادق. الأهم أن نظرته تقتحم خصوصية الآخر، ولا أحد يلومه. كون الآخر جزءاً منه، وسبب وجود فيلمه. بعض اللقطات في هذه الافلام تأخذك إلى درجة الضجر المميت. لهذا أيضاً تفسيرات شتى، منها أن "الوقت" نسبة لمن يشاهد الفيلم و"الوقت" نسبة لمن يصوره، في تفاوت كلي. فالذي يستمتع في تخليد لحظات من حياة أقاربه وأصدقائه وأحبائه لا يكترث إلا بنفسه. هو ابن اللحظة التي يتنشق من هوائها. يعيش جهلاً صارخاً إزاء ما سيفعله بمادته التصويرية. ينتمي إلى مدينة يستبيحها من دون أن يعلم. هواة "الأفلام المنزلية"، منهم زوج خالتي الذي صوّر طفولتي كاملة، عاماً بعد عام، عيداً بعد عيد، معركة بعد معركة، هم المخترعون الأساسيون لما سمّي لاحقاً "تلفزيون الواقع"، لكن في واقع غير مشبع بهذا القدر من الإساءة والنفور. أبطال ومؤرخو مرحلة لم تكن الكاميرا فيها قد انتقلت إلى أيدي اللصوص المتسترين تحت أقنعة أقطاب الإعلام المعاصرة، ليزيدوا الحياة قرفاً وبشاعة. هواة "الأفلام المنزلية" هم من زمن يصعب عليه التأقلم مع ذهنية الحاضر. لقد اختفوا مع "الجماليات" التي فرضتا ظهور الكاميرات الرقمية المصغرة، فبات الاستثناء قاعدة، ومثل كل قاعدة غدا التزامها محفوفاً بالقيود، فانتهى بها الأمر إلى حدود الملل والابتذال.

هـ. ح.  

غياب

ممثلان رحلا في يومين متواليين. الأميركية باتريشا نيل (1926) لم تكن مشهورة لكنها كانت من أكثر الممثلات صدقاً في مهنتها التي امتدت ستين سنة (1949-2009) أنجزت خلالها ما يزيد على خمسين دوراً في السينما ونحو عشرة أفلام تلفزيونية. عام 1964 نالت الأوسكار عن دورها في "هاد" لمارتن ريت.

بدأت حياتها الفنية على المسرح وانتقلت الى السينما حين وقّعت معها استديوهات "وارنر" عقداً للظهور في دور رئيسي أمام رونالد ريغان في دراما عنوانها "جون يحبّ ماري"،

حظيت عنه بتقدير واسع، لكن فيلمها اللاحق "رأس النبع" لكينغ ڤيدور تعثّر وكاد يطيحها وهي لا تزال في مقتبل تجربتها. لكنها ثابرت وتخطّت أفلاماً أخرى غير مهمّة الى أن طلبها إيليا كازان لبطولة "وجه في الزحام"، وجاء هذا الفيلم وسط عملها الذي لم تتوقّف عنه على خشبة المسرح، ما جعلها دائماً مطروحة كممثلة جيّدة في أعمال درامية كبيرة. عملت ايضاً تحت إدارة بلايك إدواردز في "فطور عند تيفاني" (1961) وأوتو برمنغر ووقفت أمام جون واين، وعملياً لم تنقطع عن الظهور منذ اطلالتها الاولى الى العام الماضي حين لعبت دوراً صغيراً في الفيلم المستقل "فلاينغ باي".

 

ماتت نيل بالسرطان، وكذلك الممثل الفرنسي برونو كريمر (1929) واحد من تلك الوجوه التي تقول طنّاً من دون أن تتكلم كثيراً.

أحب التمثيل من صغره وانضم الى فرقة باريس المسرحية متناولاً، بالفرنسية، نصوصاً لأوسكار وايلد ووليم شكسبير. من 1952 الى رحيله، شارك بصفة ممثل في أكثر من ثمانين فيلماً بقليل. لعب دوراً في "باريس تحترق؟" (1966) لرينه كليمان (سيناريو لفرنسيس فورد كوبولا وغور فيدال)، ثم شاهدناه في رؤية لوكينو فيسكونتي لرواية ألبر كامو "الغريب" (شخصية الراهب) ثم أيضاً في فيلم المخرج الفرنسي غير المقدّر حق تقدير إيف بواسيه في الشريط التشويقي "الإغتيال"، عام 1972. النوع التشويقي والبوليسي شكّل غالبية في أعماله على مدار ستينات القرن الماضي وسبعيناته، كما حال العديد من الوجوه الفرنسية، وذلك امتد حتى الأعوام القليلة الماضية حين لعب دور المفتّش ميغريه في سلسلة تلفزيونية ساهمت في انتشاره، علماً انه كان عاد الى الواجهة في نهاية الثمانينات مع دور استاذ فانيسا بارادي في "زواج أبيض" للمخرج الاشكالي جان كلود بريسو. آخر فيلم مثّله هو"فوق الضباب".

محمد رضا

في أول فيلمين لي

في أول فيلمين لي، كنت اتعاطى مع الممثلين كما لو كانوا ثيراناً في محل للبورسلين، فيما كنت اخال نفسي صاحب هذا المحل: كنت اشعر نفسي هشاً كالزجاج. كان اكتشافاً عظيماً بالنسبة اليَّ حين أدركت انه يمكن اعتبار الممثلين شركاء لك وليسوا أخصاماً أو أناساً ينبغي التحكم بهم والكذب عليهم، وهذا ما يفعله بعض السينمائيين. سمعت أن أحد المخرجين يردّ على الهاتف وهو يصوّر. مخرج كهذا لا يمكن أن تحترمه لأنه لا يراقب ما يفعله الممثل.

(ديفيد كروننبرغ الى مجلة "بروميير").

 

Cut

في تشرين الأول تُفتتح في الفجيرة سينما "درايف إن" تتيح للمشاهدين متابعة فيلم من داخل سياراتهم، وهي تستهدف العائلات التي تتفادى الذهاب عادة الى الصالات المظلمة خوفاً من الاختلاط بين الجنسين.

في اطار مهرجان الفيلم اللبناني الذي ينطلق الخميس المقبل، يُعرض شريط المخرج الكردي بهمان قبادي "لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية" يرافقه نقاش عن حرية التعبير.

•  "فيديو في الجيب" فكرة جديدة ابتكرتها سلسلة صالات "يوتوبيا" الفرنسية المستقلة تقتصر على اهداء فيلم مسجل على مفتاح "يو أس بي" الى كل مشاهد يدخل صالاتها!

فيلمان عربيان سيعرضان في الدورة المقبلة من مهرجان البندقية (قسم آفاق): "شيوعيين كنا" لماهر ابي سمرا و"ظلال" لماريان خوري ومصطفى الحسناوي.

على رغم محاولات سلسلة "غراند" إطاحة منافسه، تبقى سلسلة "أمبير" متربعة على عرش السينما في لبنان مع سيطرتها على 57 في المئة من حصة السوق مقابل 30 في المئة لـ"غراند".

النهار اللبنانية في

12/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)