حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«خلقنا وعلقنا» للمخرجة علا طبري:

ملفّ مغلق .. جرح مفتوح!

بشار إبراهيم

«كباقي الأطفال الفلسطينيين في المدارس الإسرائيلية، رفعتُ العلم الإسرائيلي، وغنيتُ ورقصتُ تهليلاً لإسرائيل في «عيد» استقلالها.. أما في اليوم التالي، يوم الاستقلال الرسمي للدولة، فكان من المفروض أن يخرج الناس «للتنزه والاحتفال».. لكن أبي كان يمرض على الدوام، ولم نخرج من عتبة البيت أبداً، في ذلك اليوم».

هذه المقدمة الاعترافية لم تروِ غليل المخرجة علا طبري، وهي تضعنا على بوابة فيلمها الوثائقي الطويل هذا، فأضافت سطراً آخر، يتولى تعريف الفيلم، وربما اختزاله، بأنه: «حياة الفلسطيني في الدولة العبرية، الذي يحمل بطاقة الهوية الإسرائيلية، ويحمل الحلم والتاريخ والانتماء الفلسطيني«.

وسنكتشف أن الفيلم سيكون مبضع جرّاح جريء يغوص عميقاً في الجرح المفتوح، ليرصد جانباً محدداً من حياة العرب الفلسطينيين الذين بقوا على أرض فلسطين المحتلة، عام 1948، والذين اختلفت المسّميات بصددهم، بدلالات متعددة، فثمة من أسماهم «فلسطينيو 48«، وهناك من أسماهم «عرب الداخل«، ومن أسماهم «عرب إسرائيل«.. تتعدد المسميات لتكف عن أن تكون مجرد تسميات، ولتتحول إلى دلالات سياسية، ووطنية!

الفيلم بعنوان: «خلقنا وعلقنا«، وهو فيلم تسجيلي طويل، مدته 90 دقيقة، أنجزته المخرجة علا طبري عام 2002 بدعم من «المشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع« المُموَّل من مؤسسة عبد المحسن قطان، والاتحاد الأوروبي/ «برنامج الشراكة من أجل السلام«.

والمخرجة علا طبري، شابة فلسطينية من الناصرة، درست المسرح والفن التشكيلي، ثم عملت في العديد من المشاريع السينمائية، في الانتاج والإخراج والتمثيل. أنجزت ثلاثة أفلام: «خلقنا وعلقنا« عام 2002، و«منفى« عام 2005، و«جنغا 48« عام 2009، وسيبدو أن فيلمها الأول، الذي نتوقف عنده الآن، هو المرتكز السينمائي، كما الثقافي والفكري، وربما الوطني القومي.

مع مطلع الفيلم، يأتي سؤال الهوية صادماً، في مقهى على رصيف أوروبي، ثمة شاب يسألها عن بلدها: إسبانية؟.. إيطالية؟.. يونانية؟.. وآن تجيبه فلسطينية!.. لن يجد ذاك الشاب سوى «غزة«، معادلاً لفلسطينها، التي تعلنها علا طبري لنفسها، قبل أن تعلنها لذاك الشاب!

لا أدري مدى واقعية المشهد أصلاً.. ولكن من الواضح، كما يبدو، أن المخرجة أرادت، متقصدة، مدخلاً روائياً لفيلمها الوثائقي، ربما يمكن له أن يبرر لها أخذنا معها في رحلة العودة، الافتراضية والحقيقية، في آن معاً، إلى بلادها، وإخضاع ذاكرتها، ومن حولها من أب وأم وأقارب وأصدقاء ومعارف، وحتى معلمي المدرسة، لاستجوابات لن تنتهي، فاتحة ذاك الملف الذي بات مغلقاً، وإن كان على جرح مفتوح.

لن تبدو المخرجة محايدة إطلاقاً، بل هي لا تستطيع ذلك!.. إذ أن القضية التي تتناولها في فيلمها هذا تتعلق بهويتها، بذاكرتها، بوجودها، بماضيها وحاضرها وبمستقبلها.. فرداً، وأسرة، وشعباً، ومكاناً.. وبالتالي، لن يكون عابراً ذاك المشهد الذكي: في تلك المدينة، حيث ثمة شارع يحمل اسم «فلسطين«. وثمة طفل يطل من نافذة، ويصوب مسدسه تجاهها!.. تعبر المخرجة الشوارع الخالية، إلا منها، مرصودة بهذا الفراغ، والوحدة، والوحشة، وتلك التصويبة في شارع اسمه فلسطين!

وما إن تعود المخرجة إلى بيتها، حتى ننتبه تماماً إلى أن بيتها مؤثت بما له علاقة بفلسطين: خريطة فلسطين، المختلفة الأحجام، والألوان، وربما اللغات.. تغطي الجدران.. وتتوزع في المكان!.. بل إنه مؤثث، مثلها، بكل ما يثير الذاكرة، ويستعيدها، ويبعثها حاضرة، كأنما الأيام لم تمض، والأحداث لم تذهب، وكأن الزمن ما انطوى!

تتمرآى لها صور فوتوغرافية من المدرسة، ومن الشارع، والبيت.. من الطفولة التي نهضت في أغرب وضع يمكن لطفل أن يعيش في ظله: طفل فلسطيني، ينشد تحت علم إسرائيلي!.. وجهاء قوم، بملامح فلسطينية، يمشون في مسيرة احتفال بقيام دولة إسرائيل، على أنقاض فلسطينهم، في «عيد الاستقلال! «

لن تحتاج المخرجة علا طبري، إلى الكثير من الوقت لتقشّر تلك الغلالة الكامدة عن الجرح الكامن طيّ ذاكرتها. خمس دقائق، فقط، ونكون قد عبرنا معها من غرب المتوسط إلى شرقه، حيث الناصرة: الأهل والوطن الذي عاشت، ونمت، وترعرعت فيه.. وحيث انبنت الذاكرة، منطوية على أسئلة حارّة، مؤرقة، مقلقة.. ستبحث لها عن أجوبة.

من البيت الباريسي، الطارئ، إلى الناصرة، حيث البيت الراسخ، تمخر الرحلة، سواء عبر الفضاء الإلكتروني، حيث تنهض إسرائيل، كما السدّ في وجه القادم، من الأزرق.. أو عبر قفزة مونتاجية سريعة، لنطل على تلك المدينة، التي صارت اليوم عاصمة الفلسطينيين الباقين على أرض فلسطيني المحتلة عام 1948.

وبالقفز، أيضاً، فوق بعض الاستطرادات (كالحديث عن الغناء العراقي، مثلاً)، سنجد أن المخرجة ستذهب بنا مباشرة إلى الموضوع الأساس: كيف أمكن للفلسطينيين الباقيين على أرضهم، أن يغنوا وينشدوا ويحتفلوا «بعيد استقلال إسرائيل«؟.. كيف أمكن لهم رفع العلم الإسرائيلي فوق البيوت والمدارس وواجهات المحلات، بل على سياراتهم؟.. كيف كان لهم أن يهتفوا مرنمين: (بعيد استقلال بلادي/ غرّد الطير الشادي/ عمت الفرحة البلدان/ حتى السهل والوادي)؟.. وكيف لهم أن يغنوا: (في عيد استقلالنا/ الدنيا بتزهالنا/ يصفى الجو/ يشعشع ضو/ ونعتز بأعمالنا)؟

إنها تنوي البحث، والاستقصاء، والمساءلة، وربما المحاكمة.. دون أن ترغب بالإدانة.. بل في مسعى منها لمحاولة الفهم، حتى وإن كان هذا الأمر سيفتح ملفاً مغلقاً، وينكأ جراحاً لم تبرأ بعد. هكذا ستستعين المخرجة بمونتاج صوتي، لمجموعة من أقوال فلسطينيين، تضعنا على بوابة حقائق طالما أغفلها الإعلام، وتجاوزها المتحدثون، وسكتوا عنها: معلمة صف تعترف: «النشيد الوطني الإسرائيلي، أنا تعلمته، وعلمتكو إياه، وإنتو غنيتوه«.. أحدهم يعترف أن والده كان يحذره من القول، أي قول، لأن «الحيطان بتسمع«.. آخر يتهكم من مسمى «عرب إسرائيل«. ويرى أن هذا التعبير يعني أن هؤلاء العرب كأنما هم من ماركة «صنع في إسرائيل«.. ويؤكد ساخراً أنه لا يوجد ما يُسمى «عرب صناعة إسرائيل«!.. أخرى تقول: «لاقو الفلافل هون.. قالو هادي الفلافل إلنا.. حطو عليه علم.. صار إلهن.. عملوا فينا زي ما عملوا بالفلافل«.

من يجرؤ، على القول إن فلسطينيين، في أزمان ما، احتفلوا وغنوا وأنشدوا لعيد «استقلال« إسرائيل؟.. مئات الأفلام الفلسطينية، التي رأينا، حاذرت الاقتراب من الوقائع، واهتمت بالتركيز على نضالات الفلسطينيين الباقيين في فلسطين المحتلة عام 1948، وتضحياتهم، بدءاً من الصمود والبقاء على أرض الوطن، وصولاً إلى «يوم الأرض« 1976، وليس انتهاء بالشهداء الذين سقطوا طيلة ستين عاماً، وذورة ذلك مع انطلاقة انتفاضة الأقصى 2000، وثلاثة عشر شهيداً، بأوامر مباشرة من باراك، نفسه.

تنتمي المخرجة علا طبري إلى هذا السياق وإلى ذاك التاريخ، وإلى هؤلاء الشهداء، وتؤرقها حقيقة أنها عاشت فصولاً دامية من حياة الفلسطينيين، الذين كان من قدرهم أن يبقوا بين يدي دولة إسرائيل، فمكثوا شوطاً من الزمن بين مطرقة سياسات الحكومة الإسرائيلية، بدءاً من الحكم العسكري، إلى الحكم المدني، والحكومات المتتالية، من جهة أولى.. وسندان المواقف العربية والفلسطينية، وتحولاتها من التخوين الكامل لمن بقي على أرض فلسطين من الفلسطينيين، وإدارة الظهر لهم، وصولاً إلى الاعتراف الشجاع بأن هؤلاء الفلسطينيين، حقاً، سيكونون هم المرتكز الحقيقي لأي نهوض فلسطيني مستقبلي مأمول، وباتوا هم محط الأنظار، وموقع الرجاء، ومرتكز الاعتماد.. من جهة أخرى!..

تدرك المخرجة هذا، وتراه.. ولكنها لا تبدو على قدر كاف من مسامحة الذات، والصفح عنها، دون مساءلة ومحاكمة.. ليس للإدانة، أو التبرئة.. بل للفهم. وهذا أقصى وأعلى وأهم ما يمكن لفيلم وثائقي أن يقوم به.. أن يبني غابة من الأسئلة، بجرأة وشجاعة ونبل تليق بالفارس. فلا أهمية ولا جدوى للفيلم الوثائقي بدون فروسية!.. فروسية السؤال، والتقصي، والبحث، والمحاكمة، والمقارنة.. والتعرية.. التعرية تماماً.

ستكحل المخرجة عينيها.. وعما قليل ستنغرس فيهما رؤية الأعلام الإسرائيلية تنتشر وتتوزع في كل مكان.. ستذهب إلى حضور درس في صف ابتدائي: بتاريخ 25/4/2001، والحديث يدور عن المعاني التي يثيرها سماع عبارة «استقلال دولة إسرائيل».. طفلة فلسطينية ستقول: «الشعب الاسرائيلي هجر الشعب الفلسطيني من بيوته أراضيه.. قسم منهم راح ع المخيمات.. وقسم ع لبنان.. وقسم هون«..

ربما في هذا ما يرضي الذات.. أن يكون الجيل الفلسطيني الناشيء اليوم، وفي زمن ثورة الاتصالات، وزمن ديمقراطية الأخبار، والأنباء، والمعلومات، والمعرفة.. ولكن المخرجة علا طبري لن ترضى بهذا.. سوف تخضع والدتها للاعتراف. والأم ستعترف.. ستنتبه إلى أنهم كتبوا أنها من مواليد إسرائيل.. وإذ هي من مواليد عام 1940، فإن إسرائيل ذاتها لم تكن، حينذاك. ومع ذلك قالوا إنها من مواليد إسرائيل.

تنتبه الأم في فيض اعترافها إلى أنه في زمن مضى كان ثمة طمس للهوية.. ولكن اليوم «صار عنا جرأة نحكي، ونعبّر».. بل وتشير إلى مفارقة إنك يمكن أن تتحدث بحرّية في وسط يهودي، أكثر مما في وسط عربي!.. ستعترف الأم أنها كانت تقوم بالحديث للطلبة والتلاميذ، عن فضائل ومكاسب «الاستقلال».. ولكنها كانت تمرر بعض ما تريد.. تحوطاً، وحذراً..

كأنما كان على الفلسطينيين أن يعيشوا حياتين معاً: حياة أولى؛ في العمل والشارع، حيث عليهم أن يكونوا إسرائيليين، أو أن يتماهوا مع الإسرائيليين، فيتكلمون مثلهم، ويحتفلون بأعيادهم، وينشجون أناشيدهم، ويتعلمون لغتهم!.. وحياة ثانية؛ في البيت، حيث يعودون فلسطينيين، كما هم في الجوهر والمضمون والحقيقة، وكما هم في واقع الخفض السياسي والاجتماعي والقانوني الذي كانت تمارسه إسرائيل ضدهم ببساطة، وبوضوح، ودون تردد!

ندر في التاريخ أن كان ثمة تجربة تشابه تجربة الفلسطينيين الباقين على أرضهم!.. لقد أضحوا بغتة «مواطنين« في «دولة« قامت على أنقاض دولتهم، وطنهم، هويتهم، قوميتهم. وإذا كانت بعض أقوال من كتب، قد ذهبت إلى أن الفلسطينيين الباقين على أرضهم هم «أكثر الأقليات القومية استكانة«، في القرن العشرين، فإن المخرجة علا طبري، تفتح في فيلمها هذا الملف، وتساءل وتناقش وتستفسر: كيف جرى كل هذا؟.. ولماذا؟.. وإلى أي حد وصل الأمر؟

سيكتب والدها شعراً، يقول فيه: (وشّح الأرض سواد/ عيد أعياد البلاد/ إنزوِ إن كنت حراً/ وأعلن اليوم حداد).. وسندرك أن الفلسطينيين، إنما كانوا يستغلون فرصة «عيد الاستقلال« للخروج من بيوتهم، وزيارة قراهم المدمرة، الممنوع الدخول إليها. يومها كان الحكم العسكري الإسرائيلي يمنع على الفلسطينيين الخروج، والتحرك، دون تصاريح.. وكان الجيش والحكم العسكري يغضان النظر عن ذلك، في يوم «الاستقلال«، فاعتاد الفلسطينيون استغلال ذلك للخروج إلى قراهم المدمرة، وزيارتها، وإعادة إحيائها باستعادة ذاكرتها ورسم توزع بيوتها وأحيائها.. رأينا ذلك في عشرات الأفلام الوثائقية، الفلسطينية وغير الفلسطينية.

فيلم «خلقنا وعلقنا« للمخرجة علا طبري، مداخلة سينمائية وثائقية طويلة، فيه الكثير من الجرأة والشجاعة على مستوى المضمون.. وفيه قدر كبير من البراعة الفنية والتقنية، على مستوى التصوير والبناء والمونتاج والسياق. إنه فيلم على قدر كبير من الأهمية، خاصة وأنه ينظر إلى الصورة الفلسطينية بأكثر تعقيداتها. كأنما الفلسطينيون كلهم، اليوم، وكل يوم، سيهتفون مع المخرجة علا طبري، بعيون متوثبة، وبصوت مجروح: «خلقنا وعلقنا«!

المستقبل اللبنانية في

01/08/2010

 

«الجنس في المدينة» عن عادات وتقاليد جديدة

دلال البزري

بعد عامين على النجاح الباهر للجزء الأول من فيلم «الجنس والمدينة»، يُعرض الآن في إحدى صالات العاصمة الجزء الثاني منه، حيث يشهد إقبالا عليه لا يقلّ عن الإقبال على الفيلم الأول. قبل ذلك انشغل مشاهدو التلفزيون الأميركي بحوالى تسعين حلقة لمسلسل «الجنس والمدينة» أيضاً. والاثنان، أي السينما والتلفزيون، استوحيا موضوعهما من كتاب يحمل العنوان نفسه، صدر عام 2002 بقلم الكاتبة الأميركية كانداس بوشنل، وبيع بملايين النِسخ وتُرجم إلى عشرات اللغات، ليست العربية من بينها. الفيلم بقسميه والمسلسل بحلقاته المتمادية لم يكررا موضوع الكتاب بحذافيره، ولكنهما غرفا منه كل التلاوين، كل الاحتمالات الممكنة، مع الإبقاء على الشخصيات الأربع الرئيسية الأصلية محور الكتاب.

شخصيات الكتاب هي إذن محورُهُ، وقصصها الجديدة أصبحت الآن قديمة، بعد ثماني سنوات فقط: أربع نساء في قمة مجدهن المهني وزخمهن الجنسي، يعشن في مدينة نيويورك الصاخبة والمثيرة؛ واحدة صحافية والأخرى تاجرة مقتنيات فنية والثالثة محامية، والأخيرة مسؤولة علاقات عامة في إحدى المؤسسات الكبرى. النساء الأربع لامعات وفاتنات ومستقلات، وشابات. حصلن على كل شيء في الحياة، إلا على الرجل شريك حياتهن. وكما في كتاب «مذكرات بريدْجست جونز»، الصادر عام 1996، فإن محور العقدة الدرامية، أو بالأحرى العقد الدرامية الأربعة تدور حول بحثهن البائس عن الرجل المناسب، رجل حياتهن. المغامرات المضحكة المبكية تخوضها كل واحدة منهن سعيا الى هذا الرجل، وجميعها تحيلك الى قصص تعرفها وسمعت عنها بالقرب منك. وهذا هو ربما أساس نجاح الكتاب ورواجه وقدرة السينما والتلفزيون على توليد حالات متفرّعة عنه: فهو يحكي عن ظاهرة باتت عالمية، ظاهرة افتقاد النساء الشابات، اللامعات خصوصا، إلى الرجل الشريك، الرجل الذي يستاهل أمر الارتباط به، بالزواج إن أمكن وإلا فبعلاقة عاطفية جنسية «جدية».

في المقْلب العربي لهذه الظاهرة، هناك كتاب المصرية غادة عبد العال، صاحبة مدوّنة الكترونية خاصة، صدر بعنوان «عايزة أتجوز»، وقد لاقى، هو أيضا، رواجا، بل اعتُمد بدوره كمسلسل تلفزيوني سوف يُعرض في شهر رمضان المقبل. وغادة عبد العال لا تتكلم بدورها عن شيء آخر، وبنفس القالب الكوميدي الساخر، مع التحفظ الخاص ببنات الشرق. بطلتها، وقد تكون هي شخصيا، امرأة شابة وناجحة مهنيا، تصل الى الثلاثين ولا تتزوج. وهي أيضا تبحث، على الطريقة المصرية، عن رجل، عن «عريس». كل فصول الكتاب-المدوّنة هي قصة عريس بعينه، لم يكن مناسبا، لسبب أو لآخر؛ فلكل عريس عيب مضحك.

لا حاجة للتأكيد بأننا بإزاء ظاهرة بعينها، الكتب والأفلام والمسلسلات التلفزيونية ليست سوى الصياغة الفنية لها، ظاهرة تناقص فرص نساء شابات ناجحات وجذّابات، لإيجاد شريكهن المطابق لأذواقهن وتطلعاتهن او احلامهن... ظاهرة تسرّب الرجال نحو فضاءات مجهولة، ترجمته السؤال الذائع بين اولئك الشابات: «أين الرجال...؟!»، لا يقتصر على اللبنانيات فحسب، اللواتي يعتقدن بأن الهجرة أو الحرب مسؤولان عن اختفائهم عن الأنظار. انها ظاهرة عالمية، ضربت الغرب قبل ان تطالنا، وبقوة مفاجئة. فالذي عهدناه نحن بنات الاجيال السابقة لم يكن هكذا: الشباب كانوا مقبلين على الشابات، خصوصا المتعلمات منهن؛ ولطالما تكلم المصلحون الاجتماعيون عن الشريكة المتعلمة التي تستطيع ان تفهم رجلها وتربّي الأجيال الطالعة الخ. كانت البنات تتعلم لتحسين شروطها.

ما الفرق بين جيلنا المحظوظ بالرجال، على الأقل باقبالهم على النساء، وبين جيل الشابات أولئك الباحثات، ومن دون جدوى غالباً، عن رجل؟ الفرق ربما قائم في طبيعة العصر. في عصر الجيل السابق كانت النساء قضية نضالية ثقافية. كانت القلّة الناجحة من بينهن، الطليعية «المحظوظة»، تخرج من أسر التقاليد، وتشقّ طريقا واعدة وجديدة نحو مستقبل مختلف عن ذاك الذي كان لسابقاتها. كان سعيهن نحو الجنس الآخر مليئا بالثقة والامل والاحلام، تماما مثل الحداثة التي آمن بها اولئك النساء. كانت الثقة بالحداثة اذن كبيرة وكذلك بالنموذج الجديد من النساء والرجال.

ما الذي حدث كي تنقلب الامور بهذه السرعة وتصبح هذه النوعية من النساء تحديدا هي الأقل حظاً في ايجاد الرجل المناسب؟

فُقدت الثقة بالحداثة مع بزوغ ما بعد الحداثة، عصر الخلط بين التقاليد الأكثر قِدما والإنجازات التكنولوجية الأكثر تقدما. دخلت النساء بأعداد مخيفة الى الحيّز العام وفرضن وجودهن الذي لم يكن دائما خفيفا، بالنسبة لرجال اعتادوا منذ آلاف السنين احتكار هذا الحيّز. وانفجرت المثلية الجنسية ربما نتيجة هذا الخوف الرجالي المستجد من النساء الحاضرات بقوة. وأُقيمت العوازل بين الجنسين، ليس بسبب الدين فحسب، بل بسبب العدوانية والعنف الجديدَين ازاء النساء، ومن بعده عنف النساء تجاه الرجال. وأكثر من دفع الثمن هن أولئك المسماة سابقاً «المحظوظات» من النساء الشابات. وصار عليهن إبداء التواضع لو أردنَ الوصول إلى مبتغاهن من الرجال. معظمهن في منطقتنا يتحجّبن لنيل العريس، فيما الشابات الأخريات يلعبن أدوارا حريمية سابقة كنهج ناجح لنيل رجل، عريسا كان أم عشيقا. وسوء الحظ الإضافي، اننا في عصر الصورة، عصر الهندام والهيئة الخارجية، وأسبقيتهما على أي مضمون؛ الصورة المتواضعة أو الفاجرة... فجازت التقية في هذه الحال، ودخل المزيد من المكر في عملية الصيد. إنها مرحلة ما بعد حداثية بامتياز: شابات لامعات ناجحات لم يعد لهن وجود في المكان الخاص لكثرة ما خرجن إلى الحيز العام، يلعبن دور لوليتا بغية الفوز بالعريس أو العاشق أو الخطيب.

«أين الرجال...؟!»، تسأل الواحدة منهن. فيما الرجال يطرحون السؤال المعكوس: «أين النساء...؟!». صحيح انهن امام ناظريهم... لا ينتظرن غير اشارة؛ ولكن لسنَ هن المرغوبات من النساء. الرجال يبحثون عن امرأة اخرى، لا يعرفون هم أنفسهم ملامحها بالضبط: يريدونها تقليدية غير تقليدية، تماما مثل ما بعد الحداثة؛ تجمع في متنها عالمين، عالم أمينة الخاضعة تماما لمشيئة أحمد عبد الجواد (في ثلاثية نجيب محفوظ)، وعالم الحرّة القوية القادرة على الصدق وتجاوز الصعاب. أمينة التي تُقمع من دون عنف ظاهري، بفضل قمع عضوي، لا تراه ولا تسمعه، وصاحبتنا القوية المعرّضة لعنف جديد لم تألفه نساء التقاليد الراسخة. التقليد اهتز والحداثة تطعمت بما بعدها، وافترق الجنسان كلٌ في عالمه ومسابحه ومقاهيه وصالاته وأدبه وحميمياته الخ. (يبدأ الجزء الثاني من فيلم «الجنس والمدينة» بمشهد عن عرس لمثليّين من الرجال؛ طقوس العرس، بل العرس بحد ذاته، يُفهمك بأن عالم المثليين الرجالي واشاراته صارت من النوافل؛ تلحقه المثلية النسائية بشيء من الخجل، عندما تكتشف احدى بطلات الفيلم بأن مربية أولادها المثيرة، ذات نهدين متحررَين من الحمّالات، والتي خافت منها على زوجها، هي أيضا مثلية، وتتفاهم جيدا مع الطبّاخة، المثلية بدورها؛ فترتاح بطلتنا).

هل الرجال والنساء «الحاصلون» على مبتغاهم أكثر سعادة وهناء من هؤلاء الباحثين اليائسين؟ الجواب في نسبة الطلاق المتنامي عالميا، وفي بلادنا العربية خصوصا. بعدد الزيجات المتتالية والفاشلة؛ والأهم من ذلك بالباقين على قيد الزواج، وبقدرة ظروفهم الضعيفة على ردعهم عن تغيير تعاستهم الزوجية وركاكة عواطفها والرتابة القاتلة لأيامها.

هل كان زمن القمع العضوي الأخرس أكثر رحمة على العلاقة بين الجنسين، على السلام والاستقرار والتناغم القائم بينهما؟ ربما؛ هذه أمور لا تتقرّر بفكرة، بل بتيار جارف يأخذ معه الأفراد إلى أماكن مجهولة وليست دائما مرغوبة ولا هي مطابقة للتوقعات. اننا الآن في ما يشبه الفترة الانتقالية. العلاقة بين الجنسين مهتزة، فهى لم تستقر بعد على نمط، وقد لا تستقر الآن، في زمن حياتنا، قد تكون حركات تحرر المرأة أخرجت الشيطان من القمقم، ولن تعيده بسهولة، حتى لو أرادت، وغيرت رأيها في موضوع تحرّرها.

وفي المراحل الانتقالية التي قد تمتدّ لعقود أو قرون، سوف يكون المناخ بين الجنسين غير مشجع على المضي قدما بما تمليه أحيانا النشأة أو التربية أو الظروف أو الوضع الجغرافي والطبقي. فترة من سوء التفاهم والشك وانعدام الثقة والمعايير؛ وبالتالي فترة عنف جسدي أو معنوي، معلن أو مبطن. فترة انعدام الوزن، قد يكون الجواب عليها بالسعي إلى إنسانية جديدة.

المستقبل اللبنانية في

01/08/2010

 

ثقافات / سينما

عادل سرحان يحتفل مع 150 مدعوا بالفوز

"أديم" نال الجائزة الذهبية من مهرجان "بيغار" السلوفاكي...

محمد حجازي

بيروت من محمد حجازي 

احتفل المخرج عادل سرحان بفوز فيلمه القصير الأول: "أديم"، بالجائزة الذهبية لمهرجان بيغار السلوفاكي كأفضل فيلم، في مسابقة كانت حامية بين 21 فيلما أوروبيا وعالميا، لكن أصوات لجنة التحكيم ذهبت في كليتها الى الشريط اللبناني، الذي يختصر أجواء التضحية في سبيل العيش الكريم، والحرية الناجزة.

حشد اعلامي وفني قارب المئة وخمسين ملأ مطعم زمان بيروت في الوسط التجاري وقد استقامت شاشة عرض استعرضت على مدى نصف ساعة عددا من انجازات المخرج سرحان في مجال الفيديو كليب، والجوائز التي حازها طوال عشر سنوات من الاءشتغال في الميدان الفني:

لكنني طوال عمري ومنذ وعيت على الدنيا لا تفكير عندي سوى في السينما.

وعندما استوضحناه عن معلومة تقول انه بصدد التحضير لأول فيلم روائي طويل عنوانه: آدم، بادرنا:

أنا أرفع العشرة، نعم أشتغل على هذا المشروع والأرجح أن التصوير في أواخر العام الجاري.

كلمة شكر سرحان الحضور على تلبيتهم الدعوة لمشاركته سعادته بالفوز مرحبا بوجود السفير السلوفاكي على رأس وفد من السفارة، معتبرا ما حصل يشكل حافزا له كي يثابر على حب السينما وتقديم أفضل ما عنده في هذا السياق. و اذ قدر عميقا تعاونه مع الفنانة كارمن لبس أشار الى أن ما تحقق كان بمثابة: برافو قيلت لفريق الفيلم.

ورد القائم بأعمال السفارة مباركا ل عادل الفوز معلنا أنه في الأصل متخصص في مجال الفنون الدرامية وهو من هنا يعرف كيف يقرأ الفيلم ويقدره.

كارمن.. بطلة الفيلم كارمن لبس صارحت الحاضرين بأنها لم تكن تتوقع أن يصل الفيلم الى هنا، شكرا لعادل سرحان ولكل من شاهد الفيلم وأحبه، مشيرة الى أنها تعتز بالدور وقد أدته بكل جوارحها.

ايلاف هنأت كارمن بالفوز، وبالدور الرائع الذي لعبته مع ما فيه من تناقض، فهي تؤدي شخصية العروس بالثوب الأبيض التي يسقط عريسها شهيدا في لحظة زفها اليه، وقلنا لها من أم الشهيد في فيلم: بطل من الجنوب الى عروسه في: أديم. فردت:

طبعا نحن كممثلين لا نملك كامل الخيارات، لكن بعض الأدوار تدل المخرجين على ممثلين بعينهم فيلجأون اليهم حين يجدون أدوارا تحتاجهم.

وسألناها عما اذا كان صحيحا ارتباطها بفيلم مع فريق ايراني، وجاء ردها:

نعم ونحن حاليا بصدد الاءنتقال الى منطقة دير الزهراني حيث سنصورفي احدى قرى المنطقة، ومبدئيا نحتاج الى خمسة أسابيع تصوير، وحين أردنا الاءطمئنان على حضورها في القاهرة، بعد تصوير: بابا نور مع حسين فهمي، قالت:

منذ فترة برمجت عملي على أساس التواجد حيث يكون هناك عمل، لذا أنا في بيروت، باءنتظار أن يطرأ جديد في القاهرة في دمشق أو ربما في بيروت. وسألناها اذا كانت متفائلة، فأجابت: جدا جدا..

فريق الفيلم الشريط مدته 12 دقيقة، وعنوانه التجاري: أديم عرس الشرف، انتاج مشهد 77 ( لارا أيوب ) أخرجه عن نص له عادل سرحان، وشارك فيه أمام الكاميرا:كارمن لبس، شيرين سولارا، ريم البنا، ريتا لبكي، رنا كتانة، عبد الرحمن التنير، هاشم المصري. واستضاف الفيلم كلا من: جوزيف أبو دامس،جان حايك،سعيد بركات، ومارون شرفان.

إيلاف في

01/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)