حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"بداية Inception" آخر فيض أفلام السرديات المتحوّلة وأكثرها إبهاراً

تركيبة بصرية مذهلة لتجسيد مفهوم الزمن تعيّن الماضي ركيزة والحاضر مؤرقاً

ريما المسمار

لا ينتمي شريط كريستوفر نولن الجديد "بداية" Inception الى منجزه السينمائي السابق (Following، Memento، Insomnia، Batman Begins، The Prestige وThe Dark Knight) فقط وانما ايضاً الى موجة أفلام متصاعدة. فقد شهدت الخمس عشرة سنة الأخيرة صعود موجة من الأفلام ذات السرديات المركّبة، اخترقت التيار السينمائي السائد، اي السينما الجماهيرية أو التجارية. في هوليوود، كمثال أشمل للصناعة السينمائية، أنجز كوينتن تارانتينو فيلمه الشهير "رواية رديئة" Pulp Fiction (1994) وقدّم نولن "تذكار" Memento (2000) وأعطى مايكل غوندري "الإشعاع الأبدي للعقل الطاهر" The Eternal Sunshine of the Spotless Mind. وساهم أليخاندرو غونزاليس إيناريتو في تعزيز الموجة بفيلميه "21 غراماً" 21 grams (2003) و"بابل" Babel (2006). وغير بعيد من تلك الأعمال، صنع سبايك جونز "إقتباس" Adaptation (2002) ليصب في قلب الموجة تماماً، وكذلك فعل دايفيد فينشر من خلال "نادي القتال" Fight Club (1999). وانضم إليهما من المانيا توم تيكوير بفيلمه "اركضي لولا، اركضي" Run Lola Run (1998) والاسباني أليخاندرو أمينابار بشريطه "افتح عينيك" Open Your Eyes (1997). ولا نستثني من تلك الأفلام التجربة الثورية في هذا المجال، في جزئه الأول، "مايتريكس" The Matrix (1999) للأخوين واتشوفسكي و"الطابق الثالث عشر" The Thirteenth Floor (1999) لجوزيف روسناك . منحت تلك الأفلام، وغيرها، مادة للمحللين والنقّاد واسئلة، من بينها ما يتعلّق بالتصنيف: هل تمثّل هذه الأفلام شكلاً سينمائياً جديداً ام انها تنويعات على أنواع موجودة؟ هل هي "أفلام فنية" تسللت الى "الماينستريم" أم هي شيء آخر؟

الثابت في تلك التساؤلات ان افلام السرديات المركّبة تستقي من الأنواع السينمائية الجاهزة (قصة الحب، الإنتقام، الحركة، العصابات، الخيالي العلمي وغيرها) وتبني عليها تنويعات هي في صميم السرد الهوليوودي الكلاسيكي، في الوقت الذي تقوم فيه بكسر أنماطه (التسلسل وشروط النوع)، بما هو إثبات، بشكل ما، لتأثير النظام الهوليوودي و"عبقريته". والثابت أيضاً فيها انها استدراك متأخر للسينما الجماهيرية لمفهوم الخيال غير المحدود الذي اختبره الأدب والرواية منذ وقت مبكر ووظّفته السينما غير التجارية في الحدود المتعارف عليها بالتجريب. بمعنى آخر، تدين هذه الأفلام بابتكارها وتجديدها لأدب الرواية وللتجارب السينمائية السابقة، فيما يبقى إنجازها الحقيقي إدخال جماليات السرد المركّب الى الثقافة الرائجة وجعلها مقبولة على مستوى المتلقي العادي. فالأخير، إزاء هذه الأفلام، مطالب بما هو أكثر بكثير من مجرد الفرجة والمتعة اللتين تقدّمهما السينما الجماهيرية السائدة. في ضوء هذا، تكتسب أفلام السرديات المركّبة بعداً جديداً من خلال إمعان النظر في مصادرها. ففيلم مثل The Thirteenth Floor مستوحى من رواية للأميركي دانييل أف. غالوي في عنوان يعصى غلى الترجمة العربية المباشرة Simulacron 3، صدرت في العام 1964 وكانت من أوائل الأعمال التي قدمت مفهوم "العالم الإفتراضي". كذلك، تشير المعلومات المتعلّقة بالفيلم الى استلهامه فيلماً تلفزيونياً من جزءين، "عالم على الاسلاك" World on Wires، للألماني راينر فيرنر فاسبيندر. ويعترف نولن ان فيلمه Inception، يتشارك أفكاراً جوهرية مع عوالم الكاتب الأرجنتيني جورجي لويس بورخيس لاسيما قصته القصيرة "الخراب الدائري" The Circular Ruins الصادرة عام 1940. أما The Matrix، فتتنوّع التّأثيرات التي نهل منها بين العقيدة المسيحية وفلسفة أفلاطون ورينيه ديكارت الى دراسات (Simulacra and Simulation لجان بودريار) وروايات (Flatland لأدوين أبوت صدرت عام 1884) ومسرحيات ("الحياة حلم" للإسباني بيدرو كالديرون دو لا باركا). وذلك ليس من باب القول ان تلك الأفلام تكتسب أهمية أكيدة او قيمة بسبب من عودتها الى مصادر أدبية وسينمائية، وإنما هي فقط محاولة لمعاينة جذورها والتأكيد مجدداً على ان قيمتها الاساسية تبقى في تشريعها ممارسات أدبية وفلسفية وسينمائية حاضرة على الثقافة الشعبية.

في دراسة صدرت حديثاً للكاتب الاسكتلندي الاصل كاميرون آلان في عنوان "السرديات المتحوّلة في السينما المعاصرة"Cinema Modular Narratives in Contemporary، يقدم شرحاً ملخّصاً للعلاقة بين أدب القرن العشرين الحداثي وسلالته السينمائية، مركّزاً بشكل خاص على كيفية تعاطي السرد التجريبي والمركّب مع المفهوم النظري للزمن. وذلك ليس سوى انطلاق من العنصر المشترك الذي يجمع أفلام السرديات المركّبة الحديثة، ونقصد به الزمن. يقترح آلان ثلاث مراحل/أنواع للسرد الزمني في النتاج الأدبي والسينمائي المعاصر: الذاتي، الإنشقاقي والمتحوّل. الزمن الذاتي، في عرف الكاتب، هو الذي نعثر عليه في كتابات الحداثيين الأوائل من أمثال مارسيل بروست وجايمس جويس وفيرجينيا وولف حيث يتسلم الزمن الذاتي، المضاد للسرد الخطي الشائع، دفة الأحداث. ويقابل هؤلاء الأدباء في السينما أمثال روبرت واين في "حجرة الدكتور كاليغاري" The Cabinet of Dr. Caligari (1919) وأورسن ويلز في "المواطن كاين" Citizen Kane (1941). ويعثر آلان على السرد الإنشقاقي عند الكتاب الحداثيين اللاحقين أو بعد الحداثيين من طراز سامويل بيكيت وآلان روب-غرييه وتوماس بينشن وويليام أس. بوروز الذين تقاوم كتاباتهم القراءة المباشرة بسبب من تفتيت الزمن والسرد لدرجة استحالة وجود "قصة". ولعلّ الأمثلة السينمائية من هذا النوع نادرة أو أقل وجوداً ويبقى أقربها "السنة الأخيرة في مارينباد" The Last Year at Marienbad لآلان رينيه والكثير من الأفلام التجريبية البعيدة من تناول الجمهور العريض وكذلك الأفلام الفنية من مثل تجربة دايفيد لينش في "مولهولاند درايف" Mulholland Drive.

يشكّل "السرد المتحوّل" دعامة الأفلام المعاصرة التي برزت منذ منتصف التسعينات، ومن بينها Inception. بعيداً من التحديدات او التوصيفات العلمية، يمكن القول ان ما يميّز هذه السرديات السينمائية تعاطيها مع مفهوم الزمن انطلاقاً من هواجس الحاضر. وهي، اي الأفلام وسردياتها، تأتي ثمرة-أو ردة فعل- لعصر التقنية الرقمية أو "الديجيتال". فكما ان الاخير قدّم احتمالات جديدة لتجسيد الزمن ومفهومه، خلق كذلك قلقاً من نوع آخر، لا يشبه الا زمنه. ففي حين يسعى "السرد الإنشقاقي" الى الإنفلات من مفاهيم الزمن، يشتغل المتحوّل على تحليل مفاهيمه ويرضخ للرؤى التي يقترحها عصر الديجيتال وهي في جوهرها متفقة على ان لا حدود لفكرة الزمن أو لأبعاده. هكذا تطورت أفلام السرديات المركبة او المتحولة من تقديم عالم افتراضي موازٍ للواقع الى ابتداع عوالم افتراضية متداخلة، ترتكز على مكوّنات النفس البشرية: الأحلام والذكريات والذاكرة، بما هي مخازن غير مكتشفة. وغني عن القول ان تلك المحاولات تصب في نهاية المطاف في محاولات "تدجين" القلق الناجم عن مفاهيم العصر الجديد. وكل محاولة تدجين تفتح الطريق أمام ولادة "نظام" جديد بديل من النظام السابق وانما مكبّل ومحدّد مثل سابقه.

السينما، بوجهيها التجاري والجماهيري، تسهّل عملية التدجين تلك بل ربما تطالب بها. نستثني من ذلك الافلام الفنية والتجريبية غير الخاضعة لمنظومة سابقة أكانت السوق او الجمهور او الترفيه او الربح. فمهما تفوّقت أفلام هوليوود في نسج تجارب تجديدية، تبقى هناك عقبة الصناعة وشروطها. على ان تلبية شروط الاخيرة لا تضمن في أي حال من الأحوال الربح الذي يُقاس بأعداد الجماهير. ولكنهما، اي شروط الصناعة والجماهيرية، تنفيان عن العمل السينمائي الصفة الفنية والتجديدية الخالصة، لينضوي تحت لواء التنويع المتراوح بين الطفيف والأكثر تجديداً على أنواع جاهزة. بهذا المعنى، يمكن تصنيف تجربة كريستوفر نولن السينمائية الثانية، Memento، في إطار فني ليس فقط لانطلاقها من أسس العمل المستقل وانما ايضاً لإخلاصها لتلك الإستقلالية حتى اللحظة الأخيرة. صحيح ان نولن استلهم فيها "الفيلم نوار" وسينما الجريمة والإنتقام، ولكنّه لم يقدّم تنازلات "جماهيرية" على الطريق وأنهى فيلمه بشكل يشكّك بدوافع بطله التي بُني الفيلم عليها أقلّها بعدم منحه الخلاص والتطهّر. بالنسبة الى فيلمه الجديد، Inception، يسلك نولن طريقاً أخرى هي، بمعنى ما، "المسموح بها" انما انطلاقاً من موقعه. بكلام آخر- يعزّزه قول المخرج ان فكرة الفيلم خطرت له قبل أكثر من عشر سنوات ولكنّه شعر انه لن يتمكّن من أفلمتها الا بعد اكتساب شيء من الخبرة- تريّث نولن قبل تقديم Inception. وكان جواز مروره الى حلقة السينمائيين ذوي النفوذ امتحاناً من ثلاثة أجزاء: Insomnia وBatman Begins وThe Dark Knight. وورنر بروذرز التي أنتجت تلك الأفلام كانت على دراية كاملة بموهبة نولن وقدراته ولكنها لم تكن كافية لتسليمه دفة مشروع تفوق موازنته 160 مليون دولار. بعد نجاحه الجماهيري والتجاري كما أثبتت أفلامه السابقة، مُنح Inception الضوء الأخضر. والتزاوج بين مكانة المخرج وشروط الاستديو محكوم بشرط آخر نهائي وملزم: يمكن نولن "اللعب" بقدر ما يشاء في مساحة التجديد والفن ويمكنه لي التوقّعات والسرد بشرط ان ينهي فيلمه بـ"حل" ما قبل إقفال الستارة.

هذه هي حدود اللعبة ولاشك في أن ذكاء كريستوفر نولن وقدراته خارقة لتمكّنه من الإستفادة الكاملة من الهامش المتاح له. ولكنها تبقى حدوداً مهما اتسعت، والمشكلة في الحدود، إذا ارتضاها الفنان، انها تضيق كلما كبرت قامة الفنان وتحاصر عمله في خانة العمل المشروط من دون ان تنفي عنه صفة "التفوّق" انما دائماً في إطار محيطه وشروطه.

بداية

لا يرمي النقاش السابق الى نزع هالة Inception المستحَقَّة وانما هو محاولة لتحديد إطار النقاش ولقول كلمة في ما يتعلق بأفلام السرديات المركبة او المتحولة التي اخترقت هوليوود. بهذا المعنى، يقف فيلم نولن على أرضية الأعمال التي ستستستثير التقليد والمحاكاة. وهو انطلاقاً من هنا عمل تجديدي اصيل، يتماثل الى حد ما مع "مايتريكس" ولكنه يتفوّق عليه بعمق انساني ونفسي، يستقي من الأدب والسينما أكثر مما يفعل من العقائد والديانات وصراع الخير والشر الأزلي. كما يحتفظ Inception بمقاربة أكثر مواربة للسياسي الراهن من The Matrix وبمعالجة أكثر حساسية وصقلاً لهواجس العصر وقلقه.

في واحد من مشاهد الفيلم، يطلب بطله "دوم كوب" (ليوناردو ديكابريو)- وللقارىء والمشاهد ان يتأمل في تركيبة الإسم المستوحاة من عناوين المواقع الإلكترونية على نغمة دوت كوم .com مثلاً- من المهندسة المعمارية "أدرياني" (ألن بايج) تصميم متاهة، يستغرقه حلها دقيقة. بعد بضع محاولات فاشلة، ترسم متاهة دائرية تصيب الهدف. على شاكلة المتاهة الدائرية، يصمّم نولن عوالم فيلمه الجديد Inception. انه عالم دائري، بلا زوايا، يلتف حول نفسه وتضيع الإتجاهات فيه. تختلط الحقيقة بالاحلام والذكريات ولا سبيل الى التفريق بينها سوى من خلال "طوطم" يصنّعه الإنسان في واقعه ويقظته على شكل جسم صغير قادر على الدوران. إذا توقف عن الدوران، فهم الانسان انه في حلم. ترتكز نواة الفيلم على معطيات علمية وأخرى وهمية. من الأولى قدرة الإنسان على معرفة انه يحلم خلال الحلم بما يمنحه، بواسطة التدريب، التحكّم بالحلم. اما المعطى الوهمي فيتعلّق بوجود آلة، تمكّن المتصلين بها من تشارك حلم واحد هو حلم أحدهم. حتى فكرة تجسيد الحلم تنطلق من حقيقة علمية هي إمكانيى تسجيل نشاط الدماغ أثناء النوم بواسطة الرنين المغناطيسي وهو ما لا يستبعد العملاء امكانية تطويره مستقبلاً بما يمكّن من تقديم شرح أو تجسيد بصري للحلم. ينطلق الفيلم من تلك الأفكار ليقدم قصته: شركات عالمية كبرى توظّف أشخاصاً ذوي مهارات عالية لسرقة معلومات من اشخاص من خلال اختراق أحلامهم. هكذا يشرع "دوم" في بداية الفيلم في اختراق حلم "سايتو" لاستخراج معلومات ولكن مهمته تفشل بسبب اعتراض ذكرى زوجته المتوفاة "مال" (ماريون كوتيار) الحلم وتضليله. بعد فشل المهمة، يفترق "دوم" ورفيقه "آرثر" (جوزيف غوردن ليفيت) هرباً من انتقام الشركة. ولكن "سايتو" (كن وتنابي) سيقدم له عرضاً لا يستطيع رفضه: مهمة يستطيع إذا أتمّها بنجاح أن يعود الى ولديه والى أميركا حيث تنتظره تهمة القتل. أما المهمّة فهي النقيض التام لعمل "دوم": زرع فكرة في راس أحدهم بدلاً من استخراجها. وإذ يعتقد "آرثر" ان تلك مهمة مستحيلة لأن أحداً لا يستطيع تزييف "الإلهام" الاساسي الذي يولد الأفكار، يوافق "دوم" على العملية مؤكداً انها ممكنة وانما تحتاج الى الذهاب أعمق في عالم الأحلام. هكذا ينبري الى جمع فريقه في أجواء قريبة من أفلام عمليات السرقة الكبرى ("المهمة الإيطالية" The Italian Job أو "رجال أوشن الأحد عشر" Oceans Eleven)، يعاونه شريكه القديم "آرثر". تستلزم المهمة توظيف مزوّر محترف يعثر عليه "دوم" في شخصية "إيمز" (توم هاردي) الذي يستطيع انتحال شخصيات آخرين في أحلامهم وكيميائي، "يوسف"، لاختراع المهدىء الذي يمكنهم من النوم فترات طويلة ليتمكنوا من التنقل من حلم الى آخر والمهندسة المعمارية "أدرياني" لتصميم عوالم الحلم حيث ستتقابل الشخصيات لتتمكن من زرع الفكرة في رأس أحدهم. والأخير هو "روبرت" ابن أحد أقطاب عالم الأعمال والنفط الذي يستعد لوراثة أبيه المريض. أما الفكرة التي يريد "سايتو" من "دوم" أن يزرعها في رأس "روبرت" فهي تفكيك امبراطورية والده قبل أن تبتلع كل من حولها ومن بينهم "سايتو". بينما تعمل "أدرياني" على التصميم الإفتراضي لعوالم الاحلام، يشتغل "دوم" والآخرون على الجوانب النفسية والعاطفية. كيف السبيل الى زرع فكرة في عقل "روبرت" وحمله على تنفيذها؟ يدرك "دوم" من خلال تجربته ان الفكرة جسم طفيلي يمكنه الذهاب في واحد من الإتجاهين: النمو والتجذّر في العقل او الذهاب بالأخير الى الجنون التام. هكذا يدرس الفريق علاقة "روبرت" المهتزّة بوالده ويقرّرون صدور الفكرة عن عرابه ومدير أعماله "بيتر" لما للأخير من حظوة لديه. وبالطبع سيمثل "إيمز" دوره في الحلم. يتطلّب تنفيذ المهمّة ولوج المرحلة الثالثة من الحلم وذلك يتطلّب أربع مراحل: الانتقال من الواقع الى الحلم الأول ومن الحلم الاول الى الثاني ومن الاخير الى الثالث ومن الحلم الثالث الى الرابع. وفي حين تتكفّل الآلة بتنويم الشخصيات وإدخالها حالة الحلم في كل مرحلة، تحتاج عودتهم الى الواقع إلى إشارة تنبيهية مثل السقوط مثلاً وهي حالة حقيقية حيث نحلم مراراً بالسقوط فنستفيق من الحلم.

الزمن والتجسيد البصري

اللافت في Inception اشتغاله الدؤوب على عنصرين: الترجمة البصرية للأحلام وفكرة الزمن. غني عن القول ان هذا النوع من الأفلام يتطلّب ابتكار عالم متكامل من المفاهين والتعريفات والطقوس. يُتاح للمشاهد فهم تفاصيله عندما يقوم "دوم" بشرح المهمّة لـ"أدرياني" التي لم تكن قبلها تعي ذلك العالم ولكنّها تمتلك سعة الخيال والذكاء المتوقّد لفهم صيرورة عالم الأحلام الإفتراضي. فحين تدخل الشخصيات حالة الحلم، تبقى أجسادها في الحيّز الجغرافي المحدد اكان غرفة او سيارة. وتبقى عرضة لما يدور حولها في الواقع. فحين يلج الفريق المستوى الثاني للحلم وهم نيام في الشاحنة، تتعرّض أجسادهم للإرتطام والإهتزاز بفعل القيادة. في عالم الحلم، يجسّد نولن كل ذلك بتفاصيل بصرية تصل الى الذروة مع مشهد سقوط الشاحنة في المياه. ولكن قبلها لا بد من الإشارة الى اختلاف وحدة الزمن بين الواقع في الحلم. فالحدث الذي يستغرق في الواقع خمس دقائق، يدوم في الحلم الأول ساعة ويطول الزمن او يتباطأ كلّما توغل الإنسان في حلم داخل الحلم. هكذا، في الثواني الفاصلة بين سقوط الشاحنة عن الجسر وارتطامها بالمياه، تدور أحداث تستغرق دقائق وربما ساعات في الحلم بحسب عمقه. وهنا عبقرية نولن في ابتكار فكرة من هذا النوع تتيح له ابقاء الصلة بين عوالم الحلم المختلفة كما تسمح له بتوظيف الزمن السينمائي للحدث (وقوع الشاحنة وارتطامها بالمياه) بمقياس آخر في الحلم. مع سقوط الشاحنة حيث تستريح أجساد الحالمين، تنعدم الجاذبية فيقدّمها نولن من خلال مرادف بصري شديد الذكاء والإتقان بل ويضيف اليه بعداً آخر هو التشويق. فسقوط الشاحنة هو في الاصل مخطّط له لأنه بمثابة المنبّه لإيقاظ الحالمين. ولكن في الحلم الثاني، إذ تنعدم الجاذبية، لا سبيل الى جعل الأجساد ترتطم بما يهدد ببقائها في حالة الحلم. والأخيرة إذا طالت، تدخل صاحبها في فجوة "الليمبو" اي الفراغ بين الحلم والواقع. هكذا يعمد "آرثر"، غير المنوّم في المرحلة الثانية من الحلم، الى ابتداع طريقة لاستعادة الجاذبية لتأمين سقوط الأجساد وايقاظها. ومن خلال هذا التفصيل نفهم قاعدة جديدة من قواعد اللعبة: لا بد من ترك إحدى الشخصيات يقظة في كل مرحلة من مراحل الأحلام لتقوم بضبط ايقاع استيقاظ الآخرين.

بمحاذاة التصميم المبدع لعوالم الأحلام ومفرداتها وتفاصيلها التي تتخذ من شكل المتاحة موتيفاً يتكرر، يعمد المخرج الى نسج مسار "دوم" بمزيج انساني عاطفي ليضمن بقاء الفيلم على تماس مع الواقع والدراما الإنسانية. كان "دوم" معمارياً في ما مضى ومصمم عوالم الأحلام ولكنّه توقّف عن ذلك واختار ان يكون لاعباً كالآخرين-انما اساسي- في الأحلام لأن العقل الباطن الذي لا يستطيع الإنسان السيطرة عليه مسكون بذكرى زوجته. يتبع الفيلم تجسيداً هندسياً بصرياً مباشراً وواقعياً لعقل "دوم": طبقات متراصة فوق بعضها البعض يتنقّل بينها بواسطة مصعد. انه بناء الذاكرة وليس الحلم وهو لذلك واقعي، في أسفله تُطمس أقسى الذكريات وكلما ارتقى صعوداً بذاكرته، صارت الذكريات أقرب زمنياً وأقل خضوعاً للطمس وللذنب. في سلسلة مشاهد مبهرة، ترافق "أدرياني" "دوم" في حلمه بواسطة الآلة المذكورة. في الطبقة السفلية (يُشار اليها بالحرف B وهو بأبجدية المصاعد يعني الطابق تحت الأرض) غرفة فندق مبعثرة الاثاث. وفي طبقة أعلى، مدينة افتراضية مشيدة على الماء اشبه بجبل جليد بعضه مغمور بالماء وبعضه ظاهر على السطح. وفي طابق آخر شقته الزوجية وفي الاعلى حديقة منزل حمويه حيث يلعب يلهو ولداه، يديران ظهريهما للكاميرا أبداً. كل من تلك الطبقات تمثّل حادثة، أكثرها إيلاماً غرفة الفندق التي شهدت على انتحار زوجته أمام عينيه. لا وجود لحلم خاص بـ"دوم" لأنه لم يعد قادراً على الحلم، بالمعنيين المجازي والمباشر. وهو إذ يتصل بالآلة فلكي يتمكن من الإتصال بذاكرة زوجته التي استحالت، بمعنى ما، حلماً لأن حضورها ليس الا انعكاساً لحقيقتها.

يقترح الفيلم اختلاط الحقيقة والأوهام والذكريات. ويشكّك بفكرة الحقيقة برمّتها. ولكنّه في نهاية المطاف لا يتوانى بعد الرحلة الأفعوانية التي أخذ ابطاله ومشاهديه فيها عن تبني خاتمة هادئة وأخلاقية. إذ ينجح "دوم" بأداء مهمته بزرع الفكرة في عقل "روبرت"، يقودنا الفيلم الى إسقاط جدلية الممارسة من خلال جعل "المؤامرة" سبيل "روبرت" الى الخلاص من عقدة والده. ويتمكّن "دوم" من العودة إلى ولديه ورؤية وجهيهما للمرة الأولى فيما "طوطمه" يدور في حركة دائرية متواصلة على الطاولة أمام عدسة الكاميرا دليلاً على عودته الى الحقيقة او الواقع. صحيح ان الشاشة تنقلب الى الاسود قبل أن نتمكن من التأكد من أن الطوطم لن يتوقف عن الدوران، ولكن إيقاع اللقطة وطولها يبثّان الراحة والطمأنينة. وإذا ما خالطها شيء من الشك فإنه محسوب على التلاعب اللطيف-قياساً على ما سبق- بعقل المشاهد. انها الخاتمة-الشرط لتمرير الفيلم و"البياض" الذي يجلي ما سبقه من سواد.

يعرض Inception في صالات غراند سينما وأمبير. سنتوقف الاسبوع المقبل عند التفاصيل التقنية وما شاكلها المتعلقة بالفيلم.

المستقبل اللبنانية في

30/07/2010

مهرجانات

مهرجان البندقية السينمائي الـ67

أعلن أمس مهرجان البندقية السينمائي برنامج الدورة السابعة والستين التي ستنعقد بين 1 و11 ايلول المقبل. وجاءت في مقدمة البلدان المشاركة الولايات المتحدة الأميركية بستة أفلام في المسابقة من اصل 22 فيلماً من بينها Nowhere لصوفيا كوبولا وMiral لجوليان شنابل. تشارك الصين بفيلم Detective Dee and the Mystery of Phantom Flame لهارك تسيو؛ المانيا بفيلم توم تيكوير Drei؛ تشيلي بفيلم بابلو لاراين Post Mortem؛ اليبان من خلال 13 Assassins لتاكاشي ميك؛ ايطاليا بأربعة أفلام من بينها La Solitudine dei Nimeri Primi لسافيريو كوستانزو مع ايزابيللا روسيلليني في الدور الرئيسي؛ من فرنسا Potiche لفرونسوا أوزون مع النجمين كاترين دونوف وجيرار ديبارديو. وأبقت إدارة المهرجان بعض المفاجآت للإعلان عنها لاحقاً. في الإفتتاح، يعود المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي ليفتتح الدورة المقبلة بفيلمه "بجعة سوداء" Black Swan وذلك بعد عامين على نيله جائزة الأسد الذهب عام 2008 عن شريطه السابق "الملاكم" The Wrestler مع ميكي رورك. فيلمه الجديد من نوع الثريللر النفسي تدور أحداثه في عوالم "باليه مدينة نيويورك" مع ناتالي بورتمن في دور "نينا" راقصة الباليه التي تجد نفسها محاصرة في شبكة من التنافس والمؤامرة لاسيما بوصول منافسة لها (ميلا كونس). يشارك في بطولة الفيلم فينسنت كاسل وباربرا عيرشي ووينونا رايدر. وفي حين يفتتح فيلم أرونوفسكي المهرجان وأفلام المسابقة، يعرض في افتتاح الأفلام خارج المسابقة "أسطورة القبضة: عودة تشن زن" Legend of the Fist: The Return of Chen Zhen لأندرو لاو. ويتزامن الفيلم مع الذكرى السبعين لولادة بروس لي الذي جسّد دور "تشن زن" في فيلمه الشهير "قبضة الغضب" Fist of Fury (1972)، وأحياه جيت لي عام 1994 بفيلم "قبضة اسطورية" Fist of Legend. على أن المؤمل من استعادة لاو أن يرتقي بخلطته بين فنون الكونغ-فو وعناصر الجاسوسية والأبطال الخارقين الى مستوى الإحتفاء ببروس لي، لاسيما ان أندرو لاو يقف اليوم من بين اشهر مخرجي هونغ كونغ بسسلسلة أفلام يبقى اشهرها Infernal affairs الذي أعاد مارتن سكوسيزي تقديمه في نسخة أميركية من خلال "المرحّل" The Departed.

للختام، اختارت إدارة المهرجان فيلم جولي تايمور The Tempest الذي سيُعرض خارج المسابقة. السيناريو مقتبس عن مسرحية شكسبير مع تعديل تفصيلي، يستبدل الساحر "بروسبيرو" بالساحرة "بروسبيرا" وتؤدي دورها الممثلة القديرة هيلين ميرين. وكان المهرجان قد أعلن في وقت سابق عن ترؤس المخرج الأميركي كوينتن تارانتينة لجنة تحكيم المسابقة الرسمية الاساسية، ينضم اليه في عضويتها كل من: الكاتب والمخرج المكسيكي غوييرمو أرياغا، المخرج والكاتب الفرنسي أرنو ديبليشان، المؤلف الموسيقي الأميركي داني ألفمن، الكاتب والمخرج الإيطالي لوكا غوادانينو، المخرج والكاتب الإيطالي غابرييل سلفاتوريس والممثلة الليتوانية إنغبورغا دابكونايت.

المستقبل اللبنانية في

30/07/2010

مهرجان الفيلم اللبناني التاسع

أقفل مهرجان الفيلم اللبناني الذي تنظمه "..نما في بيروت" باب الترشيح لدورته التاسعة المقبلة التي ستُقام بين 19 و23 آب المقبل وبدأت بالإعلان تباعاً عن أفلامها المختارة. وفي حين تتوقع وصول عدد الأفلام الى نحو خمسين فيلماً، كشفت حتى لحظة كتابة هذه السطور عن ثمانية عشر عملاً أكدت مشاركتها. استهلّت اللائحة بباكورة المخرج اللبناني المقيم في فرنسا باتريك شيحا في عنوان Domaine وهو فيلم روائي طويل من بطولة بياتريس دال ويدور حول علاقة بين امرأة متوسطة العمر تعبت من الحياة وشاب في مقتبلها. من بين الأعمال الوثائقية التي ستعرض في الدورة المقبلة: "كما قال الشاعر" للمخرج الفلسطيني نصري حجاج حول المدن والأماكن التي ارتبط الشاعر درويش بها، "هش" لرين متري يصور مرحلة سنتين 2006-2008 في محيط المخرجة، Beirut Skinhead Movement لخالد رمضان وجوان نوتشو يبحث في الشارع عن اسباب الصلع المبكر للرجال في لبنان ولكنه يصل الى اكتشاف ما هو أبعد من ذلك البحث الأولي، "حكي حب1" "حكي حب2" لسيرين فتوح من نوع البوتريه حول رياضيين سابقين، Au Pays qui te Resemble لمايا عبد الملك كناية عن رحلة بحث المخرجة عن جذورها. أما الأفلام الروائية والقصيرة فسيعرض منها: "المثانة" لرامي قديح حول علاقة بين صديقين تتكشف جوانب أخرى منها خلال رحلة يقومان بها، "كل العصافير بتصوفر" لروي خليل عن زوجين مسنين تتغير حياتهما عندما يشتري جارهما كناراً، Les Herbes Folles لروي عريضة تدور أحداثه في أجواء الحرب بين قناصين، Ruines لعريضة أيضاً حول شخصية متخيلة لمقاتل ميلشياوي ابان الحرب، Quiet Quiet لمارك أبيض عن تصوير فيلم تجريبي، Les Arabes aiment les Chats لأكرم الزعتري كناية عن انطباعات عن مدينة طنجة حول السينما والشعر والمدينة والصداقات. من بين الأفلام التي ستعرض ايضاً: التجريبي A day from Home لسمر كنفاني وTerre de Pommes de Terres لزياد عنتر وشريط التحريك القصير Deyrouth لكلوي مازلو.

المستقبل اللبنانية في

30/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)