حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

التلفزيون السوري في احتفالية عيده الذهبي يعد مشاهديه بالاستمرار وروّاده بالذكرى!

محمد منصور

لا أدري من هو العبقري الذي وضع شعار احتفالية التلفزيون السوري بذكرى مرور نصف قرن على تأسيسه: (خمسون عاماً... ونستمر) فالتلفزيون السوري ليس مجلة ثقافية تقاوم نوائب الدهر وتراجع سوق القراءة كي تستمر، وهو ليس قناة تلفزيونية خاصة تعيش على عوائد الإعلان أو اشتراكات فك التشفير، وتخشى يوماً ما ألا تقدرعلى مواصلة المشوار... إنه تلفزيون دولة وجد ليبقى، وقد سبق للتلفزيون السوري أن استمر في ظل انفصام عرى الوحدة بين مصر وسورية وما تلا ذلك من انقلابات وحركات تغيير... ومن الطبيعي جداً أن يستمر اليوم في ظل نظام قوي ومستقر، لأن التلفزيونات باتت من مقومات حضور الدول وسيادتها... وعليه فاستمراره ليس معجزة ندعيها، ولا حالة استثنائية نكيد بها الأعادي، بل هو أمر اعتيادي ليس لأحد بطولة في صنعه... وإن كانت البطولة تكمن في التأسيس له في ذلك الزمن الصعب، ثم في تطويره في غير مرحلة من مراحل تاريخه، أرادت الإدارة الحالية للتلفزيون السوري الاحتفال به وإبرازه، فإذا بها تغرق في فوضى تضيع معها معايير التكريم، وألق استعادة ذلك التاريخ، والكثير من البهجة الاحتفالية التي كنا نأمل أن نعيش معها، حاملين كمشاهدين أو كمتابعين ذكريات شتى عن واحدة من أهم الوسائل الإعلامية التي شكلت ذاكرة السوريين في النصف قرن الأخيرة، وضبطت إيقاعات أيامهم!

تظارف وفوضى وارتجال!

الاحتفال الأول بعيد التلفزيون الخمسين، أقيم على حفلين الأول في سهرة الثالث والعشرين من تموز (يوليو)... وتم فيه تكريم خمسين إعلامياً وفناناً من العاملين في التلفزيون في مراحل مختلفة... وقد كان قوام الحفل، مسابقة عرضت فيها مواد تلفزيونية قديمة، وطرحت حولها أسئلة مختلفة... الفريقان المتسابقان، تم اختيارهما من حضور الحفل... ووضعت لجنة تضم الفنان دريد لحام والمخرج خلدون المالح والفنانة سلمى المصري. فكرة المسابقة قديمة، وقدمت في التلفزيون مراراً، لكن ما يعيبها ليس كونها غير مبتكرة، فقد تفي بالغرض في تسليط الضوء على نتف من تراث التلفزيون الثر... لكن ما يؤخذ عليها حالة الهرج والمرج والاستظراف التي سادت، ناهيك من أنها كشفت عن مستوى ثقافة بعض الإعلاميين العاملين في التلفزيون... فالمذيع محمد ذو الغنى عندما قدمت أغنية (سورية يا حبيبتي) اندفع بكل ثقة للقول للجنة: (هي ما بدها ثلاثة احتمالات... معروفة للأخوين فليفل) ثقة كانت محرجة حقاً في معرفة نسب أغنية ذائعة الصيت كتبها ولحنها الفنان اللبناني محمد سلمان وليس ملحني النشيد السوري!! الصور التي كانت تعرض في المسابقة كانت تتأخر أحياناً، فيسأل المذيع أمجد طعمة (أحد مقدمي الحفل) عن فحوى الصورة، في الوقت الذي تتصدر الشاشة صورة شعار الاحتفال بعيد التلفزيون الخمسين، فيجيب بعض الفنانين ساخرين: (معروفة... هي صورة التلفزيون)!!

نترك المسابقة وما حفلت به... فتطالعنا حالة التكريم بهرج ومرج ليس مطلوباً أن يكون ذا وقع كوميدي بالتأكيد... وخصوصاً حين يخطئ السيد أمجد طعمة في نسب المسلسل الشهير (انتقام الزباء) إلى مخرجه غسان جبري، ويقول إنه لعلاء الدين كوكش، فيأتي المخرج كوكش، كي يستعير المايكروفون مصححاً بنزاهة وترفع... وتأتي مذيعة أخرى فتذكر مسلسل (حكاية حارة القصر) أثناء تقديم كاتبه عادل أبو شنب... باعتباره (حكاية حارة) أي حارة يا ترى؟! لا أحد ينتبه هذه المرة، رغم أن هذا الجهل يرتكب بحق أشهر مسلسلات التلفزيون، والسبب أن هناك ازدحاماً حدث على المنصة أثناء ذكر أسماء المكرمين... وكأن المطلوب الانتهاء سريعاً من هذه القائمة الطويلة المرهقة، من دون انتظار المكرمين (ومنهم من بلغ من العمر عتياً) كي يصلوا إلى المنصة أو يستلموا درع التكريم، أو يحيوا الناس... والنتيجة: أسماء لم يعرف الجمهور أصحابها، وخصوصاً أن معظمهم من الفنيين والعاملين وراء الكاميرا... الذين لا يعرف المشاهد أشكالهم!

وكان لافتاً في ظل هذه الفوضى والعجلة، أن مقدمي الحفل الثلاثة، نسوا اسم المخرج هيثم حقي، الذي كان حاضراً، وكان اسمه مدرجاً في قائمة المكرمين، ولم تفلح محاولة المذيع اصطحاب مدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون المهندس معن حيدر، كي يكرما هيثم حقي وهو جالس على طاولته، في أن تمحو حالة الحرج التي حاول الجميع مداراتها بابتسامة... وبجرعة من المديح الزائد كنوع من تطييب الخاطر!

اختيار بلا معيار!

والحق أنه لا يمكن لأي مشاهد تابع هذا الحفل، أن يعرف ما هي معايير اختيار أسماء المكرمين.. وأية عدالة تجعل الزميل نضال زغبور مكرماً، والزميلة ماريا ديب منسية؟! وإذا أردنا أن نكرم رفيق السبيعي وياسين بقوش وجيانا عيد من الفنانين... فلم لا نكرم سائر الممثلين الذين عملوا في دراما التلفزيون... لماذا ننسى - مثلاً- السيدة ثناء دبسي التي عملت في أول مسلسل تلفزيوني أنتجه التلفزيون السوري (ساعي البريد) ولماذا ننسى بسام لطفي الذي عمل في أول عمل درامي يوقعه الرائد سليم قطايا وهو تمثيلية (الغريب)؟! ولماذا يتم فتح باب تكريم الممثلين (وهم كثر) إذا لم يكن بالمستطاع تكريم الجميع؟! من سيمحو المرارة من نفس زملاء عملوا مع هؤلاء في نفس الأعمال أو في نفس الفترة... وعاشوا ليروا اختلال المعايير وفوضى الاستثناءات؟!

وهل يمكن أن ننسى ونحن نكرم إعلاميي التلفزيون أسماء: عواطف إسماعيل الحفار، وفاطمة خزندار، وباسمة زنبقة... والقائمة تطول، والذاكرة حافلة بأسماء من الظلم تجاهلها، ومن المؤسف استثناؤها، لأن هذه الأسماء والوجوه هي من شكلت ذاكرتنا، وهي من صاغت علاقتنا بالتلفزيون، ولماذا يتم تجاهل الأستاذ فؤاد بلاط وفي عهده أنشئت القناة الثانية... والأديب عبد النبي حجازي وفي عهده أنشئت القناة الفضائية... والدكتور فايز الصايغ وفي عهده افتتح العديد من المراكز التلفزيونية الجديدة؟! وإذا كان حفل التلفزيون الأول هو الحفل الشعبي الموجه لملايين السوريين الذي يفترض أن يتابعوا هذا الحدث السعيد في بيوتهم... فهل كان التلفزيون عاجزاً وهو يحتفل بعيد ميلاده الخمسين، أن يستقطب لهذه المناسبة المهمة مطرباً سورياً كبيراً من وزن صباح فخري أو ميادة حناوي أو أصالة نصري بما يعطي للحفل وهجاً غنائياً يليق بالتلفزيون المحتفى به الذي وصفه الزميل معن صالح في الأغنية التي ألفها ولحنها بأنه (أغلى من الوالد والولد)؟!

الصعود على المسرح للوزراء فقط!

تساؤلات عديدة بدا الحفل الثاني الذي وضع فكرته وأخرجه الفنان أيمن زيدان غير قادر على محوها... صحيح أن هذا الحفل كان أفضل فنياً من سابقه وأكثر انضباطاً بتقديم الزميلة عزة الشرع له، وأن معيار تكريم الأسماء العشرة فيه كان واضحاً ومنطقياً إلى حد بعيد... لكن طريقة التكريم بدت غريبة فعلاً... فلأول مرة لا يدعى المكرمون إلى الصعود إلى المسرح ويبقون في أسفل الصالة فيما توضع صورهم على المسرح... فهل من المعقول أن تأخذ الصورة مكانة أعلى من صاحبها الموجود في الصالة؟! وهل من اللائق أن يدعى وزيرا السياحة والثقافة (مع احترامنا الأكيد لهما) للصعود إلى المسرح أثناء تكريمهما باعتبارهما عملا في التلفزيون في فترة سابقة، في حين يحرم من هذا الحق المكرمون الكبار ومنهم أيضاً من شغل مناصب سياسية مهمة كالدكتور صباح قباني؟! ومنهم فنانون يحملون وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى كالفنان دريد لحام؟! وألم يكن من اللائق أن توجه تحية على الأقل لوزراء الإعلام السابقين الذين وجدوا في الصالة أمثال الدكتور محمد سلمان، والأستاذ عدنان عمران؟! وإذا كان مخرج الحفل قد وفق في التقاط شهادات حارة لبعض المواطنين الذين عاصروا بدايات التلفزيون، واستطاع معالجتها بصرياً بشكل أنيق، كما وفق في تقديم حل فني لكلمة الدكتور صباح قباني التي أعلنت ولادة التلفزيون السوري... فإن معالجة الجوانب الأخرى لم تأت بجديد، فقد جاء متأثراً بعروض ماهر الصليبي في افتتاح مهرجان السينما... وقدم لنا نفس الرقصة الغريبة التي باتت تصلح لكل زمان ومكان في رأي فنانينا... لشبان يرتدون البذلات الأنيقة والقبعات الغربية ويراقصون فتياتهم على وقع موسيقى إيقاعية لا علاقة لها بالحدث والمناسبة؟! لقد أراد القائمون على الحفل الثاني أن يقدموا في ختام الحفل، فيلماً قصيراً عن تاريخ التلفزيون، فبدا التعليق حافلا بالجمل الإنشائية، فقيراً بالمعلومات، قريباً في لغته من موضوعات التعبير المدرسية... وكان طريفاً أن المونتاج نقل التعبير المجازي إلى صور واقعية، فبدا الأمر مضحكاً للغاية... فهل القول مجازاً بأن التلفزيون ألقى مرساته، يستدعى أن نقدم صورة سفينة تلقي مرساتها؟! لقد جاء احتفال التلفزيون السوري بعيده الخمسين مخيباً للآمال بكل المقاييس... فقد قدم منظموه ومنفذوه حالة نموذجية عما يمكن أن يفضي إليه الارتجال وقلة المعرفة وفوضى المعايير، وغياب الرأي الاستشاري، الذي هو أهم من اجتهاد من دخلوا التلفزيون بالأمس القريب... ولم يعرفوا مفاصل تاريخه المضيء والمشرق وسير بُناته!

' ناقد فني من سورية

mansoursham@hotmail.com

القدس العربي في

29/07/2010

 

التلفزيون السوري في عيده الخمسين:

مضمون ملتزم.. وإمكانات محدودة قاصرة عن المنافسة

ماهر منصور/ دمشق

في مثل هذا اليوم الواقع فيه 23 تموز، انطلق التلفزيون العربي السوري قبل خمسين عاماً. في الثامنة مساءً بالتحديد اطل على المشاهد. وثمة تبدلات جوهرية ما بين الانطلاقة واليوم.

وفيما يلاحق المشاهد السوري اليوم أحدث أنظمة المشاهدة الرقمية، وأنظمة الستلايت، ويقتني التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة، والشاشات الثلاثية الأبعاد، الا أنه ما زال يحنّ لأعمال الرواد الأوائل في التلفزيون، ويسأل أحياناً عن دراما الأبيض والأسود، وزمن «غوار الطوشة»، و«حسني البورظان».. يفتقد لمسلسلات مثل «حارة القصر» و«أسعد الوراق»، و«دليلة والزيبق».. وهي أعمال يسعى بعض المنتجين لإعادة إحيائها.

يترحم المشاهد السوري على المعلق الرياضي الراحل «عدنان بوظو»، الذي كان ينهمر دمعه، وهو يهلل لفوز منتخب رجال سوريا بذهبية كرة القدم لألعاب البحر الأبيض المتوسط. ويتذكر الزميل موفق الخاني وبرنامجه «من الألف إلى الياء» المحال الى التقاعد مؤخراً. ويتذكر الرواد «صباح قباني» (المدير الأول للتلفزيون) و«خلدون المالح» و«عادل خياطة» و«سامي جانو» و«مهران يوسف» و«هيام طباع» وآخرين.

نتذكر هؤلاء ونستعيد حديثهم حول ظروف العمل الصعبة آنذاك: «لم تكن الحافلة تصل إلى مبنى التلفزيون على جبل قاسيون، فكنا نكمل الطريق سيراً على الأقدام. ولم يكن هناك «مونتاج» وكان أي خطأ يقع فيه الممثل، يحتم عليه وعلى بقية زملائه إعادة تصوير المشهد».

في تلك الأيام كان الحب يلف المولود التلفزيوني الجديد. وهو ما حافظ على رونق ما أنتج في ذاك الزمن. وما يجمع اليوم الجمهور السوري أحياناً حول الشاشة هو عمل يعاد عرضه، من مواليد العام سبعين مثل «صح النوم» و«مقالب غوار». كما نركن البرامج الجديدة جانباً لنبحث في الأرشيف عن صوت عدنان بوظو يصرخ «كوووول لسوريا»، وصوت الزميل مروان صواف عبر برنامجيه «مجلة التلفزيون» و«إذا غنى القمر».

مستويان اثنان يمكن الحكم من خلالهما على التلفزيون العربي السوري، في ذكرى انطلاقته الخمسين: المضمون البرامجي والشكل الفني. في المضمون يسجل للمحطة جديتها ورصانتها والتزامها الاجتماعي والقومي في ما تقدمه على شاشتها. بالإضافة الى تجنبها لغة الابتذال الإعلامي والإثارة المجانية. كما يسجل لها «إخلاصها» للغة العربية الفصحى وللقضايا العربية بشكل عام.

إلا أن الحرص الدائم على الالتزام والرصانة لم يفسح في المجال لإنتاج برامج جماهيرية. ولم يستطع أن يكرس نجومية العاملين فيه. لذا نفتقد اليوم إلى برامج المنوعات الترفيهية في المحطة، التي تغيب عنها أيضاً البرامج الحوارية الناجحة، التي تحفل بها في المقابل فضائيات عدة، عمرها لا يتجاوز نصف عمر التلفزيون السوري.

وفي حين كان التلفزيون السوري قبل التسعينيات الجهة الانتاجية الأساسية للدراما السورية، الا أن دوره الإنتاجي تراجع بعد ذلك، على مستوى الكم والنوعية.

وعلى صعيد الشكل البرامجي، يبدو أنه لم يراع طفرة التطور التكنولوجي الذي يعيشها عالم الميديا اليوم، فظلت إمكانياته اللوجستية والبشرية محدودة جداً قياساً لمحطات أخرى..من دون أن نفقد الثقة بمن يجهد فيه اليوم للخروج بشكل برامجي واعد.

وليس خافياً أن أهم الوجوه الإعلامية والفنية في التلفزيونات العربية اليوم هم من متخرجي التلفزيون السوري، الذي يمتلك القدرة على أن يكون أكاديمية للتعلم. ولكن لا يمكن لهذه الأكاديمية في ظل التنافس التلفزيوني المحموم أن تبقى خاضعة لإمكانيات التجريب ومنح فرص لمتدربين، بل لا بد لها أن تنتقل إلى مرحلة الإنتاج التنافسي والاحترافي، وهو الأمر الذي لن يتحقق ما لم يتم الاعتماد على فريق عمل نوعي، والتخلص من «جيش» الموظفين المحسوبين على التلفزيون، والذين إن كانوا لا يشكلون عبئاً مادياً على المؤسسة، فإنهم بمثابة عبء على برامجها.

في عيده الخمسين، حري بنا العودة إلى الظروف التي اطلقت التلفزيون السوري. لعل في تلك العودة دافع لانطلاقة جديدة، تجعل منتجه أكثر جدارة بالثقة. فهو مؤسسة هامة، بيد أن الوقود الحقيقي الذي يحتاجه سوق العرض التلفزيوني اليوم يتطلب منها تغييراً بنيوياً في الأفكار البرامجية وأشكال التعبير عنها، بدءاً من الإعداد مروراً بمقدم متمكن ومثقف، وصولاً الى الشكل الإخراجي المعبر.

السفير اللبنانية في

23/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)