حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نيكولاس كايج في The Sorcerer's Apprentice...

تلميذُ ديزني المخلص

غليندال، كاليفورنيا - أنطوني بريزنيكن

الوجه المخيف الذي يحدّق بنيكولاس كايج مرسوم باللون الأحمر الشيطاني بوجه عابس بغضب، وعيناه فارغتان وبيضاوان على رغم أنهما أصبحتا مائلتين إلى الاصفرار على مرّ الزمن.

يعقّب هذا الممثّل واضعاً يديه على طاولة المؤتمرات الطويلة ومنحنياً فوق ورقة الرسم الصغيرة المربّعة الشكل والتي تعود إلى أكثر من 70 عاماً: {يبدو هذا مخيفاً جدّاً، أمّا ذلك فلم يناسب الفيلم}.

ينظر نجم النسخة السينمائية الجديدة عن فيلم The Sorcerer's Apprentice إلى طاولة مليئة برسومات أصلية لمفاهيم عامة وصور متحرّكة مأخوذة من فيلم الرسوم المتحركة الكلاسيكي هذا الذي يحمل العنوان نفسه، وتُعرض في غرفة مؤتمرات في مكتبة شركة وولت ديزني للبحوث الخاصة بالرسوم المتحرّكة.

فيلم سينمائي

كان The Sorcerer's Apprentice الجزء البسيط الأهم في فيلم الرسوم المتحرّكة الموسيقي الذي أُطلق عام 1940، حيث يقترض ميكي ماوس قبّعة معلّمه السحرية ويتسبّب بفوضى بواسطة المكانس ودلاء الماء. سبعة عقود مرّت ولا يزال صداه يتردد في جيل تلو الآخر. أُعجب كايج به بشدّة إلى حدّ أنه بدأ تنفيذ مشروع يهدف إلى تحويله إلى فيلم سينمائي حيث يؤدّي هو نفسه دور الساحر المعلّم الجاف وجاي باروتشل النحيف والعصبي (الذي أدى بطولة فيلم She's Out of My League) الشخص الذي يحظى برعايته.

انضم إلى الممثل في المكتبة مخرج الفيلم جون تورتيلتوب والمنتج جيري براكهايمر اللذان ساعدا كايج في توسيع الفيلم الوجيز الذي تصل مدّته إلى ثماني دقائق وتحويله إلى مغامرة عائلية.

في النسخة الحديثة، يؤدي كايج دور ساحر عمره قرون من الزمن، وأحد تلامذة مرلين، يعيش في مدينة نيويورك في العصر الحديث ويجنّد طلبة فيزياء يافعين وعباقرة يتمتعون بقوى خارقة لمساعدته في إلحاق الهزيمة بمجموعة من الأعداء الأشرار الذين هربوا من سجنهم المتّخذ شكل دمى ماتريوشكا سحرية.

يقول كايج في إشارة إلى رسم آخر لمفهوم عام حيث ذراعا الساحر مرفوعتان ويداه محنيتان وكأنه يسكت فرقة موسيقية: {أنظر إلى ذلك الرسم هناك يا جيري. هل تذكر حديثنا الأول عبر الهاتف؟ كنت في هنغاريا وكنّا نتحدث عن استخدام أساور}. كان يُفترض بشخصيته أن تطرق الأساور بعضها ببعض لأداء السحر. لكن كايج يقول: {قلت، {لا يجب أن أعمل بيدي}. يبدو وكأنه يقود فرقة موسيقية في ذلك الرسم}.

يُذكَر أن هذه الرسوم، فضلاً عن رسوم أخرى لا تُعد ولا تحصى جُمعت عبر تاريخ استوديو وولت ديزني في الرسوم المتحرّكة، محفوظة في مبنى عادي إنما خاضع لحماية مشددة يقع في إحدى المناطق الصناعية في غليندال في كاليفورنيا ويبعد 15 دقيقة في السيارة عن الاستوديو.

توجد في داخله أجنحة معدّلة الحرارة مليئة برسومات، ونماذج مرجعية (مثل دمية متحرّكة كاملة لبينوكيو استخدمها استوديو وولت ديزني وفنانوه لصناعة ذلك الفيلم)، ونحو 75 رسماً ولوحةً لسلفادور دالي صمّمها هذا الرسّام السريالي كجزء من فيلم رومنسي بعنوان Destino، باشرت به شركة ديزني في العام 1946 من ثم هجرته، لكنها عادت وأنجزته في العام 2003 حين ترشّح لجائزة أوسكار كفيلم رسوم متحركة وجيز.

إرث ديزني

تحفظ هذه المكتبة إرث ديزني من أفلام الرسوم المتحرّكة، الذي يستخدمه بشكل أساسي الفنانون الحاليون في الاستوديو الذين يدرسون أعمال أسلافهم. أمّا الآخرون فلا يُسمح لهم بدخولها إلا عبر دعوة.

لحسن الحظ، فُتحت الأبواب لأن طاقم الفيلم ليس غريباً عن الاستوديو. تطلق شركة ديزني الفيلم السينمائي The Sorcerer's Apprentice بعد أن حقق الثلاثي كايج، تورتيلتوب، وبراكهايمر أرباحاً كبيرة بفضل سلسلة أفلام National Treasure من إنتاج الاستوديو.

على رغم أنهم يعدّون لفيلمهم منذ سنوات، لكن تلك هي المرة الأولى التي يحتك فيها أي من الرجال الثلاثة بفيلم الرسوم المتحركّة الوجيز والمكتمل. يبدو كايج في حالة دهشة ووقار تجاه هذا الفن، فيما يتصرف تورتيلتوب بروح اجتماعية ويثرثر مع العاملين في المكتبة الذين يضعون قفازات بيضاء. أمّا براكهايمر، على رغم رصيده الفني من الأفلام المليئة بالمتفجرات، فيبدو مسترخياً ويتحدث بصوت رقيق، مراقباً من بعيد.

يتضمن الفيلم الجديد بالتالي مشهداً يكرّم فيه فيلم الرسوم المتحرّكة الأصلي، وذلك حين يشعر باروتشل بالكسل، فيستدعي مكانس وقشاطات سحرية لمساعدته في تنظيف مخبأ الساحر، الأمر الذي يسفر كما هو متوقّع عن غمر المكان بالمياه. لكنه يستخدم حيل القبعة السحرية بشكل متفرّق في تلميحات صغيرة عبر القصّة المتّسعة.

في هذا السياق، يقول تورتيلتوب مشيراً إلى رسم يظهر فيه الساحر وهو يستحضر مزيجاً من الألوان على شكل فراشة: {استخدمنا ذلك في فيلمنا}. من ثم يضيف بلا مبالاة: {يضم الفيلم مشعوذاً يُدعى صان لوك يتشكّل من فراشات بهذه الألوان. لا أحد سيعلم بتلك التفاصيل الصغيرة، أو يبالي بها}. لكن مديرة قسم الإبداع في المكتبة، ليلا سميث، تقول له: {جميع محبّي أفلام ديزني سيعلمون}.

الساحر بالتازار

من ضمن التغييرات الأخرى التي طرأت على الفيلم الجديد أن شخصية الساحر التي يؤديها كايج تُدعى بالتازار، وليس ينزيد، كما في النسخة الأصلية (وهي الكلمة المعكوسة لـ{ديزني}، وأوضح من أن تتكرر كدعابة طوال الفيلم). فضلاً عن ذلك، لا قبّعة زرقاء مرقّطة مرسوم عليها نجوم وأقمار، على رغم أنها أصبحت شعار شركة Disney Animation، إذ تستقر قبّعة عملاقة على قمّة مقرّها الذي يبعد بضع كيلومترات في بروبانك في كاليفورنيا.

يعلّق كايج: {تحدّثنا كثيراً عن هذا الأمر وجرّبنا نسخاً مختلفة عن القبّعة. بعضها بدا مناسباً، لكنها كانت عموماً تصلح أكثر لحفلة روك أند رول}. من جهته، يضيف تورتيلتوب: {القبّعة موجودة في الفيلم، لكن عليك الانتظار حتّى انتهاء الفيلم وظهور أسماء طاقم الفيلم لتراها}.

يُصنّف Sorcerer's Apprentice الجديد ضمن الأفلام التي تتطلّب إرشاداً عائلياً، ويُعتبر غير مؤذ نسبياً للمشاهدين وفق معظم معايير أفلام المغامرات المشوّقة، لكن كايج يقول إن جعل الفيلم مناسباً للأطفال كان متعمّداً، {كنت مهتماً بأساطير الملك آرثر، وحين بدأت بتنفيذ مزيد من الأفلام مع جون وأردت صناعة أفلام تجذب العائلات، بدت لي تلك طريقة رائعة لترفيه الجماهير من دون اللجوء إلى العنف غير المبرر}.

لذلك، نرى المهارات السحرية تتحرك أثناء المعركة بدلاً من الرصاص. في هذا السياق، يلفت براكهايمر إلى أنه حث على إضفاء حس كوميدي خفيف: {يريد الجميع أن يضحك لا سيما في أوقات الضيق الاقتصادي التي نعيشها. بهذه الطريقة، نحاول صرف انتباه الجماهير عن ألمهم}.

فضلاً عن ذلك، تتلاءم المعارك السحرية والمؤثّرات البصرية اللافتة التي يعج بها موقع التصوير: تدب الحياة في تنين في أحد عروض شايناتاون؛ يطير الساحر الذي يؤدي دوره كايج في الأرجاء على صقر فولاذي تُبعث فيه الحياة من زوايا مبنى كرايزلر؛ ويتجسّد الشرير ماكسيم هورفاث (من تمثيل ألفريد مولينا) من آلاف الحشرات. يعقّب براكهايمر: {تستطيع ابتكار مشاهد كثيرة في ساحة سحرية خرافية. حين تتوافر أمامك مثل هذه المؤثرات البصرية العظيمة اليوم، يصبح العمل شبه متكامل. يستطيع الخبراء في هذا المجال القيام بأي شي، وما عليك سوى تحرير شيكات لهم}.

بين الماضي والحاضر

يعود تاريخ علاقة كايج وتورتيلتوب إلى ما قبل أفلام National Treasure بكثير. درسا معاً في ثانوية بيفرلي هيلز وقدّما عروضاً في فرق مسرحية. قام تورتيلتوب بدور البطولة في مسرحية Our Town لثورنتون وايلدر، بينما مُنح كايج دور كونستابل القليل الأهمية. (في هذا السياق، يقول تورتيلتوب: {ثمة فارق بين أن يكون المرء ممثلاً سينمائياً بارعاً وممثلاً بارعاً في الثانوية}).

حين كان نجل كايج يشارك في مسرحية Inherit the Wind التي عُرضت على مسرح المدرسة عينه، أحضر معه تورتيلتوب وخطرت له فكرة إنتاج نسخة حديثة عن Sorcerer's Apprentice).

يذكر تورتيلتوب: {كنا نقف على عتبات المسرح عينها حيث تسكّعنا وأدّينا عروضاً مسرحية حين كنا مجرّد فاشلين. كنت تحلم بأن تحقق نجاحاً كبيراً يوماً ما في مجال العروض، فانظر إلى ما أصبحنا عليه اليوم}.

يعلّق كايج من جهته: {كان الأمر غريباً جداً لأننا كنا نعيش ماضينا مجدداً ونتحدث عن المستقبل}.

يقول كايج لسميث، مديرة المكتبة، خلال قيامه بجولة فيها: {أشعر بأن ديزني كان يختار موادّ تتخطى بكثير مجرّد السرد القصصي إنما تستفيد على ما يبدو من روح العصر، مثلما فعل تولكين مع سلسلة قصص 'The Lord of the Rings، أو دورات البحث عن الكأس المقدّسة في أساطير الملك آرثر، أو Sorcerer's Apprentice الذي كما نعلم اقتُبس عن قصيدة فون غوتيه. هل كان وولت ديزني يبحث عن شيء معيّن في تقديمه تلك القصص الكلاسيكية العظيمة التي لا تموت للأسر؟}. فتجيبه سميث بأنه كان على الأرجح يبحث عن الموسيقى.

تأثّر الملحّن الفرنسي بول دوكا مباشرةً بقصيدة فون غوتيه، لكن ديزني كان أكثر تأثراً على الأرجح بلحن دوكا المرح، الذي استُخدم على نحو لا يُنسى كموسيقى فيلم الرسوم المتحرّكة الوجيز. {تقول سميث: {كان الهدف البحث عن موسيقى رائعة}.

لكن قد يكون هناك سبب آخر وراء انجذاب ديزني إلى القصة، تضيف سميث: {نعلم بأن وولت رغب بشدّة في إدراج ميكي ماوس (في Fantasia)، لاعتقاده بأن هذه الشخصية كانت تفقد شعبيتها بعد فيلم {بياض الثلج والأقزام السبعة}}.

لب كل نسخة من The Sorcerer's Apprentice عبارة عن قصّة عن المرحلة الانتقالية من الطفولة إلى سن الرشد، عن ولد عديم الخبرة يكتشف قواه، فيجد نفسه في مواقف صعبة ويتعلّم تقبل بعض المساعدة والإرشاد. الساحر وتلميذه ليسا صديقين. فالساحر الأصلي كان يقسو على ميكي، كما يقسو كايج على باروتشل.

بحسب الباحث في المكتبة، فوكس كارني الذي قدّم بعض الأعمال الفنية الخاصة بالرسوم المتحرّكة، {لا يستطيع المرء معرفة موقفه الحقيقي إلا حتّى اللقطة الأخيرة تقريباً. يضرب الساحر (ميكي) بواسطة المكنسة، ويبتسم. لا يُكشَف عن ذلك إلا في النهاية}.

من جهته، يبتسم كايج ويحني رأسه تعبيراً عن موافقته، لقطة لا نراها كثيراً في الفيلم. يضيف كارني: {من ثم نعلم بأنه ليس رجلاً سيئاً}.

الجريدة الكويتية في

27/07/2010

 

جون موريس... نجم Toy Story 3 ما زال يعشق لعبه

لوس أنجليس - إيفون فياريال 

بدأت قصة جون موريس مع عالم الشهرة قبل ثمانية عشر عاماً. كان موريس آنذاك صبياً صغيراً في السابعة من عمره. وحين أصبح جزءاً من تاريخ هوليوود وفاز بدور آندي، ذلك الصبي الخيالي الشغوف الذي تدور حوله قصة أفلام بيكسار Toy Story، لم يتنبّه الى ذلك لأنه كان منشغلاً باللعب ببعض دمى X-Men.

يتذكر موريس، الذي أصبح اليوم في الخامسة والعشرين: {كانت تجارب الأداء متاحةً أمام جميع الفتيان. أدركت أنني قصدت الاستوديو للحصول على وظيفة. لكن تفكيري كان منشغلاً بلعبي. كنت منهمكاً في اللعب وأعيش في عالمي الخاص. أعتقد أن هذا ما ساعدني في الحصول على الدور. فكنت حقاً آندي}.

حقق فيلم Toy Story 3 نحوi459مليون دولار حول العالم منذ بدء عرضه في 18 يونيو (حزيران) 2010. وبلغت أرباح هذه السلسلة ككل 1.31 مليار دولار. فضلاً عن ذلك، حصل هذا الجزء الأخير من Toy Story على أفضل المراجعات هذه السنة. ولا شك في أن هذا أفرح موريس. يذكر: {يكبر الناس عادة ويتخطّون مرحلة الطفولة. لكن المذهل أن كثيرين منهم ما زالوا يعشقون سحر هذه الأفلام. فقصصها رائعة وشخصياتها أشبه بعائلة. وهي تحتل مكانة مميزة في قلبي}.

أخرج Toy Story 3 لي أنكريتش وشارك فيه توم هانكس وتيم ألين وجوان كوزاك ودون ريكلز ووالاس شوان. تتمحور قصته حول آندي عشية انتقاله إلى الجامعة. فخلال توضيبه حقائبه استعداداً للمستقبل، يُضطر إلى التعاطي مع جزء من الماضي. فهل يخبئ لعبه المحبوبة في العلية أم يرميها في سلة المهملات؟

يوضح موريس: {في تلك اللحظة، تلتقي الطفولة بالشباب. ويصبح التمسّك بالطفولة أصعب تدريجاً. فتُضطر إلى التخلّي عن بعض الأمور. لا شك في أن الجميع مروا بهذه المرحلة}.

اضطر موريس إلى اتخاذ القرار نفسه قبيل مغادرته المنزل إلى جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس عام 2003. يخبر موريس أن دميته My Body كانت رفيقته الدائمة في طفولته. كذلك احتوى صندوقه لعباً كثيرة أخرى كان متعلّقاً بها عاطفياً.

يذكر موريس: {أعطيت بعضها لشقيقتي وخبأت البعض الآخر في العلية لأهديها لأطفالي في المستقبل. أما الباقي، فعرضته على رف. لا تدرك كم من الصعب التخلي عن لعبك إلا عندما تواجه هذا الموقف. فتشعر أنك تريد اللعب بها مرة واحدة بعد}.

تتمتع أفلام ديزني/بيكسار الخيالية هذه، التي تأتي فيها اللعب إلى الحياة، بسحر خاص يأسر الجمهور الفتي. ولم يكن الصبي الذي أعطى صوته لآندي بمنأى عن هذا السحر حين بدأ عرض الفيلم الأول عام 1995.

يخبر موريس: {بعد صدور الفيلم، أتذكر أني كنت أرتب لعبي أو أضعها على السرير بطريقة معينة وأترك باب الغرفة مفتوحاً لأرى إن كانت ستتحرك. أملت أن أمسك بها على حين غرة. فقد جعلتني الأفلام أصدّق ذلك}.

عندما آن الأوان لأداء المشهد الأخير في Toy Story 3، شعر موريس، على حد تعبيره، أنه يودّع طفولته. يقول موريس: {كان مشهداً مؤثراً. تشعر فجأة أنك أصبحت بالغاً وأن عليك توديع الطفولة وكل ما تحتويه من سحر. وقد تأثّر بهذا المشهد على وجه الخصوص لأن هذه الشخصية كانت حياتي. فقد حملت في نظري عمقاً عاطفياً خاصاً، لأننا أنا وآندي كبرنا معاً}.

الجريدة الكويتية في

27/07/2010

 

عباس كياروستمي... الشعر بطعم الكرز

بيروت - الجريدة 

لا يكتفي المخرج الإيراني الذائع الصيت عباس كياروستمي بالسينما وسيلة للتعبير عن مواقفه، بل يمارس الرسم وكتابة الشعر أيضاً، إذ أصدر أكثر من مجموعة شعرية منها مجموعة بعنوان «مع الريح» (مطبوعات جامعة هارفارد، 2002)، وقد تُرجمت إلى لغات عدة من بينها الفرنسية والإيطالية والعربية. عدا ذلك، يدأب على تدوين أشعار رموز الثقافة الإيرانية (مثل سعدي وحافظ الشيرازي) بتقطيعات جديدة أقرب الى الهايكو الياباني.

كياروستمي، أحد أبرز المخرجين في السينما العالمية المعاصرة، استطاع بفضل أفلامه وضع الفيلم الإيراني على خارطة السينما العالمية وإعطاء صورة جميلة عن الثقافة الايرانية، على عكس صواريخ الحرس الثوري وثياب الكاكي واللحى الطويلة والقصيرة. ولئن شاهدنا كثيراً من أفلام كياروستمي في بيروت أو في عروض خاصة، لاحظنا أنه يطبّق ما يقوله بأن السينما التي ستدوم لفترة أطول هي السينما الشعرية، لا السينما التي تروي قصصاً فحسب، فالقصة تقرأ ويفهم مغزاها، أما القصائد فيمكن تأويلها في أكثر من اتجاه، القصيدة في عرفه مسكن لغاتها وصورها ووجودها. وعدا مكنون الروح السينمائية في شعر كياروستمي فهو شبيه بالخسروانيات (الشعر الفارسي قبل الإسلام) من ناحية الشكل، وبشطحات الصوفيين لناحية المضمون، لكنه يحاكي الأرض وحكايتها لا السماء وغيبها، كما يستنتج بعض النقاد. كثيرون يشبّهون شعره بـ «الهايكو» الياباني الذي يرصد الحياة، الرصد الخالص، والصافي، والمتحد مع موضوعه، وهو الشعر الذي يقلل من الكلمات ويكثّف من الصور.

اليوم، وعدا اهتمام نقاد السينما بأفلام المخرج الإيراني، ثمة شعراء ومترجمون كثر «يطاردون» مواقف كياروستمي في ما يخص الشعر وتجلياته، خصوصاً أنه يوظف اللمسة الشعرية في السينما واللمسة السينمائية في الشعر، بأسلوب فيه شيء من الهوية الخاصة المطعّمة بالموروث الثقافي الإيراني (ما قبل الثورة الخمينية) مع طيف الهايكو الياباني، من دون أن ننسى الحداثة الغربية وشبحها.

يقول كياروستمي: «نعيش في عصر الـ SMS، رسائل الهواتف النقالة، وهذا سيغيّر زمننا لأنه سيغيّر نمط أو عادة المحادثة. الجمل أصبحت موجزة، مكثفة، وقصيرة. وأنت توصّل المعنى الذي تريد بشكل سريع جداً. بالهايكو، الذي يتألف من خمس إلى سبع كلمات، أنت تجرّد الشعر من زخارفه. إنه يدخل في صميم الموضوع، والناس سينتبهون».

يعتبر كياروستمي أن «الشعر يشكّل لغة الشعب الإيراني المنطوقة. ربما ليس بالنسبة الى الجيل الشاب، لكن بالتأكيد لكل الأجيال السابقة. ثمة أفراد أميّون كثر قادرون، على رغم ذلك، على إلقاء قصائد شاعر أو آخر». في كتابه «حافظ برواية لعباس كياروستمي»، هو يكتب من أعلى إلى أسفل ليشجّع القراء على التركيز على المعنى أكثر من أنماط القصائد الموسيقية. يقدّم كياروستمي كتابه إلى القارئ الإيراني المعاصر ليقرأ بطريقة مختلفة كلّ الاختلاف عن الطرق المألوفة في قراءة الشعر الكلاسيكي الفارسي، ينتقي أشطر معينة من أشعار حافظ ويقطّعها بشكل يبعد الكلمات عن الإيقاع والموسيقى وعن ذاكرتها التي كانت تملكها ضمن سياقها الأول ليغيّر بذلك طريقة قراءتها، وتأمّلها بشكل مختلف ومن زوايا تمنح رؤيةً أكثر صفاءً وحكمة، وهي طريقة تشبه إلى حدٍّ ما طريقة قراءة أشعار الهايكو اليابانية التي ينحو كياروستمي إليها بشكل كبير في أعماله، إذ يقول: «قصيدة الهايكو هي في اعتقادي أكثر أشعار العالم شاعرية لأنها حرّرت نفسها من كلّ القيود، إنّها لا تمنحك كلّ ما ينبغي أن تمنحه بل تبقيك عطشاناً، عطشاناً إلى المعنى الذي ليس بأيّ معنىً على الإطلاق وهي عوض أن تحضر الشعر إلى عالمك تأخذك إلى عالمها الشعري الذي هو اللامكان».

إضافةً إلى تأثير أشعار الهايكو البالغ على نظرة كياروستمي إلى الحياة والفنّ والسينما، ثمّة تأثيرٌ آخر جليّ هو تأثير الشاعر الكبير عمر الخيّام، ويظهر ذلك في أفلامه وأشعاره. ثمّة أيضاً من يرى أن كياروستمي إنّما يعبّر عن نفسه من خلال أشعار حافظ وعمر الخيام وسعدي، وأن محاولته لعرض قصائد شعراء اكتسبوا طابعاً قدسيّاً وخاصاً في الذاكرة الإيرانية في قالب الهايكو عمل غير مقبول ولا ينتمي إلى الحداثة في شيء. ومهما يكن فكتابة كياروستمي الأشعار الفارسية بتقطيعات جديدة هي محاولة لمحو الهالة الأسطورية الضبابية عن شعراء الفرس وتقديمهم على أنّه كائنات من لحم ودم، لأنه يدرك أن الموسيقى والقافية تحرمان الشعر من المعنى.

الجريدة الكويتية في

27/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)