حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مع السينما

الطرب والمطربون في مسيرة السينما المصرية‏ (4)‏

منير مراد ظــرف وخفة واستعراضات

سيد عبدالمجيد

نعم هو نجل زكي مراد‏,‏ وشقيق ليلي مراد‏,‏ أنه أذن سليل أسرة فنية حفرت لنفسها مكانا بارزا في عالم الموسيقي والغناء‏,‏ غير أن منير مراد‏1922‏ ــ‏1981‏ خط لنفسه طريقا بدا مغايرا سواء عن أبيه وشقيقته‏, فهو لم يستمرطويلا في الغناء رغم طراوة صوته وتميزه‏,‏ عاكفا علي وضع ألحان تغني بها آخرون‏,‏ مازالت أصداؤها تطرب لها الأذن حتي الآن‏,‏ وهذا لاشك يعود إلي تميزها وسمتها التجديدية الشعبية‏,‏ فالصياغات الموسيقية التي أبدعها مراد جاءت متجاوزة السائد والمألوف‏,‏ من حيث الأسلوب التلحيني‏,‏ بيد أن هذا الكائن الجميل الذي غادر دنيانا وهو في قمة عطائه الفني‏,‏ استلهم مفردات اقتربت بصورة أو بأخري من الموسيقي الغربية‏,‏ فالثابت أنه تأثر بتلك الامواج الهادرة من عوالم موسيقية انطلقت من عواصم الغرب الاوروبي واللاتيني وكان حلمها أن تتلاحم مع جمهور يعيش في الشوارع والمصانع والأزقة‏,‏ يلهث من أجل قوت يومه‏,‏ كان هذا مناخ عقدي الخمسينيات والستينيات وبطبيعة الحال لم ينفصل منير مراد عن تلك الاجواء فجاءت إيقاعات الحانه سريعة قصيرة موحية في دلالتها الموسيقية‏.‏

في السينما‏,‏ وتلك مفارقة‏,‏ لم يترك منير مراد سوي أفلام اربعة‏,‏ فيلمان منهما شارك بأدوار ثانوية‏,‏ وآخران كان هو بطلها الاساسي‏,‏ ومكمن المفارقة هو ان هذين الشريطين في تصوري شكلا علامتين بارزتين في مسيرة الطرب والمطربين في السينما المصرية‏,‏ فكلاهما استحق بحق أن يوصفا بالافلام الغنائية والاستعراضية قولا وفعلا‏,‏ فلا إقحام للاغاني أو للاستعراضات التي شكلت جزءا لا يتجزأ من نسيج الفيلم‏,‏ والدليل علي ذلك أنهما ينالان الاعجاب حين يعرضان علي شاشات التلفاز ولا مبالغة في القول بأن المرء وهو يشاهدهما يناتبه أحساس أنه يشاهدهما للمرة الاولي مستمتعا بالألحان وجمال الاداء التمثيلي معا‏.‏ أن شئت فقل أنه الظرف بضم الظاء والخفة واللطافة‏,‏ وفي نفس الوقت يمكن اعتبارهما درسين في الرقي دون إسفاف أو السقوط في متاهات التفاهة والحط بعقول المتلقين‏.‏

هنا القاهرة

في فيلم أنا وحبيبي كان هناك هدف هو أن يكون منير مراد هو محور العمل‏,‏ غير أن الحاصل هو أن كل شخوص الشريط اعتبروا أبطالا وهذا يعود إلي روح الفريق‏,‏ فيبدو أنهم اتفقوا فيما بينهم علي أن يقدموا ما في جعبتهم من أفيشات طريفة من إجل إسعاد الجمهور‏,‏ وها هو عبدالسلام النابلسي‏1899‏ ــ‏1967‏ رغم أنه يؤدي دورا ثانويا كعادته إلا أن أداءه زاد من ثراء هذا الفيلم البسيط وكيف لنا أن ننسي طريقته في التمثيل وإطلاق العبارات ذات الكلمات الفرنسية والتي لا يمكن أن تسمعها سوي من النابلسي نفسه‏.‏ في السياق ذاته تلمع أسماء مثل عبد الغني النجدي‏1915‏ ــ‏1980‏ فضلا علي زينات صدقي‏1913‏ ــ‏1978‏ وصرخاتها الدائمة‏:‏ مدموزيل من فضلك ثم رد محمد التابعي‏1907‏ ــ‏1978‏ حاضر يامدام‏!!‏

ويأتي منير مراد بخفة دمه وأدائه السلسل ليشكل مع النابلسي دويتو كان في غاية الروعة‏,‏ حتي الجنوح إلي الشر كما فعل النابلسي في محاولاته تارة لطرد غريمه منير من قبل صاحب التياترو عبد الحميد زكي‏1899‏ ــ‏1970‏ وتارة أخري لإفساد غرام بطلي الفيلم شادية ومنير مراد إلا أننا إستمتعنا به وليت شر العالم يكون مثل هذا الشر الجميل‏,‏ نعود إلي الحكاية وفيها رأينا هذا الشاب البائس موهوبا ولكن لا احد يعرفه يعمل في تياترو بروض الفرج مرة بائع تذاكر ومرة أخري منولوجست إلي أن تأتي شادية الفنانة المشهورة لتشاهد عرضا من تلك المسارح الشعبية وهنا يلتقيان دون موعد وتتالي الاحداث الكوميدية ممزوجة بكم من الاستعراضات التي انطلقت بدورها من افكار بسيطة ولكنها ثرية بيد أنها كانت نسيجا متكاملا من رشاقة الحركة مع قدر من الفكاهة الراقية مثل هنا القاهرة‏,‏ وإحنا تلاتة‏,‏ وأهلا أهلا من كلمات فتحي قورة‏,‏ وكذلك اسكتش الكورة وقرب قرب وكلاهما من تأليف فتحي قورة ولاحظنا في كلمات الأغاني أنها مستقاة من لغة الناس العاديين ومن ثم فهي لا تبعث علي الضجر بل علي السعادة‏.‏ ولا بأس من مؤازة الواقع المعيش فلان الشريط انتج عام‏1953‏ أي بعد شهور من قيام ثورة يوليو‏,‏ جاء أسكتش النهاية والذي وضع كلماته جليل البنداري بمثابة دعوة لمصر كي تقوم وتنهض‏.‏

علي غرار سامي سامي سامي المحامي في فيلم إسماعيل ياسين المليونير والذي أداه عباس فارس‏,‏ يأتي سراج منير‏1904‏ ــ‏1957‏ في نهارك سعيد قصة ابراهيم مراد وحوار سيد بدير‏1915‏ ــ‏1986‏ وسيناريو واخراج فطين عبد الوهاب‏1913‏ ــ‏1972,‏ باسم شاكر شاكر شاكر‏,‏ التفاصيل جد مختلفة‏,‏ ولكن الشخصيتين تفقان في روح الكوميديا المفرطة في رقيها ان الأخير رجل ثري يريد أن يكون ابنه مثله رجل اعمال بحيث يدير المصنع الذي يملكه بدلا من غريب لكن الابن ينحو منحي آخر فجل أمله هو الغناء والطرب وبالطبع يرفض الاب رفضا قاطعا أن يكون ابنه موسيقيا‏,‏ لذا يطرده من منزله بشكل كوميدي في غاية الابتكار دون ميلودراما أو تراجيديا فجة بيد ان الجماهير تضحك من قلبها وهي تشاهد صراع الاب مع ابنه‏.‏

وتأتي المفارقات الضاحكة فالرجل الثري الذائع الصيت يعلن عن مسابقة لاسم منتج يقوم بتصنيعه وهو الصابون‏,‏ يتقدم ابنه الذي يحلم بأن يتحول أوبريت من تلحينه إلي واقع يراه الناس إلي المسابقة لعله يكسب الجائزة ويستطيع توفير المال اللازم كي يخرج الاستعراض إلي النور‏,‏ ويوافق عليه والده دون أن يدري أن صاحب الابتكار هو نجله فيشتاط غضبا ولكن كان عليه اعطاءه مبلغ الجائزة‏,‏ وبالفعل يتم الاستعراض ويصل إلي الشهرة التي كان يتمناها‏.‏ كل هذا جعل والده يغير نظرته للفن ويوافق أن يتيح له الفرصة أن يتزوج من الفتاة الذي أحبها‏.‏

المهم أن القائمين علي الفيلم لم يبخلوا علي المشاهدين بشئ فأعطوهم لقطات ممتعة حملت أغاني هادفة وراقية والحانا مبتكرة سريعة تدغدغ مشاعر مستمعيها وأفكارا درامية يمكن تصديقها والاقتناع بها بل والسير علي نهجها الم يسع أبطال الفيلم إلي النجاح‏,‏ وأن الأخير لا يمكن أن يأتي دون مجهود‏,‏ كل هذا كان من شأنه أن يدفع المشاهدين إلي تكرار مشاهدتهم للشريط‏,‏ وها هي الاجيال نفسها تحذو حذو السلف وأمام الشاشات الصغيرة تجلس مستمتعة مرة مع أنا وحبيبي وأخري مع نهارك سعيد‏.‏

الأهرام المسائي في

23/07/2010

 

مع السينما

الطرب والمطربون في مسيرة السينما المصرية‏ (5)‏

محمد فوزي‏..‏ وسينما تمزج الفكاهة بالغناء

سيد عبدالمجيد 

في الحلقة الماضية كنا مع الموسيقي والملحن والسينمائي منير مراد‏,‏ وفيها وصفناه بالفنان الظريف‏,‏ صاحب إبتسامة وأداء اتسم بالخفة والبساطة‏,‏ واليوم وعلي مدار الاسبوعين القادمين سنكون علي موعد مع فنان عظيم الشأن في التجديد والحداثة وهو نفس الوقت‏,‏ أبو الظرف‏,‏ وملك الخفة والرشاقة في التمثيل وقبل ذلك الطرب والالحان‏,‏ أنه محمد فوزي‏1918‏ ـــ‏1966,‏ لكن السؤال الذي قد يصادفنا‏,‏ ما الذي يمكن أن نقوله عن محمد فوزي تلك الاسطورة الغنائية المفعمة إثارة حيوية ؟ فرغم حياته القصيرة التي لم تتجاوز الـ‏48‏ سنة إلا أنه ترك أثرا وعلامة في عالم الطرب من خلال عشرات الالحان سواء تلك التي تغني بها أو التي شدي بها مطريون آخرون‏,‏ وبالقدر ذاته علي الشريط السينمائي‏,‏ ومجموعة الافلام التي قام ببطولتها غناء وتمثيلا‏,‏ حفرت لنفسها مكانا عزيزا في ذاكرة السينما المصرية‏,‏ بيد أن نهجا متميزا اختص به هذا الفنان في مسيرته بعالم الفن السابع عندما مزج وعلي نحو فريد الفكاهة الراقية بالغناء‏,‏ فالرجل وحسب أقوال لمعاصريه لم يكن بطبعه ميالا للتراجيدية أو الميلودراما‏,‏ من هنا سلك موضوعات اتسمت بمعالجات كوميدية تتناسب وطريقة صياغته للالحان التي وضعها في أفلامه ولهذا شكلت جزءا لا يتجزأ من نسيجها‏,‏ ايقاعات ومقامات بدت كالفالسات وموسيقي لتانجو كانت في زمنها نقلة نوعية وحتي الان نجدها بنفس شبابها رغم مرور أكثر من نصف قرن علي تلحينها بطبيعة الحال كانت هناك هنات ولكنها قليلة لا تقارن بإعمال مازالت تلقي صدي وحب الجمهور‏.‏

كل من له نبي يصلي عليه

يقينا لم يدر بخلد القائمين علي فاطمة وماريكا وراشيل والذي أنتج قبل واحد وستين عاما‏,‏ أن فيلمهم سيصبح نموذجا وذكري تثير الحسرة علي المعاني الجميلة والنبيلة التي كانت معاشة في ذلك الماضي ولم تعد موجودة‏,‏ وليس هناك في الافق أن يوما ما‏,‏ في المستقبل المنظور علي الاقل‏,‏ سيشهد ذلك التجانس والتعايش بين طوائف مختلفة ومعتقدات متباينة بيد أنه عكس دون مغالاة أومزايدة عصر وحقبة اتسمت فيها العلاقات الانسانية والاجتماعية بالوئام بين الاديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية دون أن تكون دعوات حسبة وتكفير عباد الله‏,‏ انطلاقا من إيمان البشر المصريين بأن موسي نبي وعيسي نبي ومحمد نبي وكل من له نبي يصلي عليه‏.‏

في هذا الشريط والذي أخرجه سينمائيا حلمي رفلة عام‏1949‏ سنجد صورة حقيقية للواقع المصري في سنوات الاربعينيات قبل الثورة المظفرة‏,‏ وحكاية الفيلم الذي كتب قصته ووضع لها السيناريو والحوار والاغاني ابو السعود الابياري‏1910‏ ــ‏1969,‏ كما لخصها ناقدنا الكبير محمود قاسم تتمحور حول فتي ثري محمد فوزي مستهتر يعشق العذاري لينال متعته معهن‏,‏ يلتقي بفتاة يهودية تدعي راشيل أدت الدور نيللي مظلوم المولودة عام‏1925‏ فيدعي أن اسمه يوسف وأنه علي ديانتها‏,‏ ويمارس عليه أبوها بخله الشديد ويستنزف أمواله وتعرض عليه راشيل أن يذهب معها إلي خياطتها والتي تدعي ماريكا‏(‏ لولا صدقي مواليد القاهرة‏1923‏ من أجل أن يدفع لها حساب الفساتين‏,‏ وهناك يلتقي يقع يوسف في غرام ماريكا ويعجب بها‏,‏ ويعرف أنها من أصل يوناني فيدعي أنه من أصل يوناني أيضيا ويقيم علاقة معها حتي تكتشف راشيل هذه العلاقة فتحدث مشاجرة بينهما ويتمكن يوسف أن يفر منهما‏.‏

بالتزامن يرسل له والده الريفي طالبيا منه أن يتزوج من فاطمة‏(‏ مديحة يسري‏)‏ ابنة صديقه والتي تقيم في القاهرة‏,‏ وإلا حرمه من الميراث‏,‏ وكان عليه أمام إصرار الأب أن يخطط ويبحث عن حيلة يخرج بها من ذلك المأزق فيخترع مع صديقه‏(‏ إسماعيل ياسين‏1912‏ ــ‏1972‏ تمثيلية مؤداها أن يذهبا متنكران في ملابس قرويين بسطاء ومعهم حزم من عيدان قصب السكر إلي فاطمة والهدف هو أن تنفر منهما‏,‏ وتتلعب فاطمة نفس الحيلة حتي تتخلص من هذا العريس الوغد فتنتحل خادمتها شخصيتها والعكس‏,‏ وبناء عليه ترفض فاطمة العريس ويرفض الفتي العروس‏,‏ وبعد عدة مواقف هزلية ضاحكة‏,‏ وأغاني طريفة متواكبة مع النص والمشاهد‏,‏ يخبر بطل الفيلم أباه أنه سيتزوج من فتاة يحبها ولا يهمه الميراث‏,‏ كذلك تخبر الابنة أباها أنها ستتزوج ممن أحبت‏,‏ ويعترض الأهل وحين يلتقي الجميع تظهر الحقيقة ويتضح ان الفتاة التي أحبها هي فاطمة والفتي الذي أحبته فاطمة هو الشاب يوسف المرشح للزواج منها فيتزوجان برضاء الأهل والثروة ليقدم الشاب دليل استقامته مع زوجته فاطمة‏.‏ المهم في أنه أتون الحبكة وصراع راشيل وماريكا علي يوسف لم نجد ذكرا لمعتقدات الشخوص أو أن الأخيرة تقف حائل دون تلاقي الناس ليس ذلك فحسب بل ذهب صناع الفيلم إلي ابتكار أغنية يغنيها فوزي مع اسماعيل ياسين وقد عنونت مفرداتها بفاطمة وماريكا وراشيل‏,‏ فالدين له والوطن للجميع‏.‏

المطرب عندما يصبح طبيبا نفسيا

في المجنونة والذي عرض عام‏1949‏ وقام بكتابة السيناريو له وإخراجه حلمي رفلة وجدنا ومن خلال مشاهده الأولي تخيل المتلقي أنه سيكون أمام دراما تراجيدية مغرقة في المأساة غير أن توالي المشاهد بدد هذا الانطباع بيد أننا شاهدنا شريطا غنائيا بديعا رغم مأساة بطلته فالدكتور عادل‏(‏ محمد فوزي‏)‏ طبيب نفساني يقضي إجازته بالإسكندرية‏,‏ يلتقي بليلي‏(‏ ليلي مراد‏)‏ زميلته القديمة التي تقيم هناك مع عمها‏(‏ السيد بدير‏1915‏ ــ‏1986‏ وزوجته ماري منيب‏1905‏ ــ‏1969,‏ يلاحظ عادل أن ليلي تشك في كل شيء بينما يحس إحساسيا خفييا أن هناك من يدبر لها في الخفاء شيئيا رهييا‏,‏ يتولي عادل علاجها بإحدي المصحات ومن خلال رحلة العلاج يعرف أن لعمها ابنين وأن الأول هو الوصي علي ثروتها‏,‏ ثم يكتشف أن الثلاثة يدبرون خطة محكمة تستهدف في النهاية التدمير ليدمروا عقل الفتاة بالايحاء أنها غير سوية كل هذا بهدف أن يظل وصييا علي ثروتها الكبيرة‏,‏ ومع رحلة العلاج والتحري والنبش في حياة المريضة‏.‏ نكتشف أن عمها هو نفسه الذي دبر موت أخيه وزوجته‏.‏ ومن الطبيعي أن يبدأ العم بمساعدة ولديه في التدبير لمنع عادل من علاج ليلي‏,‏ لكن عادل يستعين بالبوليس الذي يحبط هذه المؤامرة ويكشف أسرار مرض ليلي ليقبض علي العم وأبنيه وتستمر رحلة علاج ليلي مع عادل حتي تشفي وتعود لتبدأ حياة جديدة معه بعد أن أحبها خلال تجربته مع مرضها ولم تستطع ليلي رغم شكوكها وتجربتها القاسية أن تمنع نفسها من حبه ليتزوجا أخيريا‏.‏

الأهرام المسائي في

23/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)