حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مكي يسلم نفسه لـ.. سعد

كتب مها متبولى

محمد سعد وأحمد مكي .. صاروخان في عالم الكوميديا لكنهما رغم ذلك ينطلقان من قاعدة واحدة هي مدرسة الأداء الحركي، صحيح أن سعد بدأ تجربته السينمائية الفعلية مع فيلم «الناظر» عام «2000» بشخصية «اللمبي» إلا أنه واصل تجربته في تقديم الشخصيات الغريبة والنماذج البشرية العشوائية وهو نفس الأمر الذي اعتمد عليه أحمد مكي منذ أن قدم شخصية هيثم «دبور» في مسلسل تامر وشوقية حيث استغل نجاح الدور ليقدم فيلماً كوميديا علي نفس الوتيرة وإذا كان قد حاول أن يخرج من أسر هذه الشخصية في فيلم «طير أنت» فإن مكي قد عاد ليقدم لنا شخصية نمطية جديدة في فيلمه الجديد «لا تراجع ولا استسلام»، ورغم تفرد الشخصية فإنها لا تخرج عن الإطار العام الذي تدور فيه شخصياته وهو نفس الأمر الذي لجأ إليه محمد سعد في فيلمه «اللمبي 8 جيجا» حيث عادت شخصية اللمبي مرة أخري لفرض حضورها علي شاشة السينما مما يطرح مجموعة من التساؤلات أهمها:

هل تعجز مدرسة الأداء الحركي عن تقديم أنماط لشخصيات مختلفة ومتعددة أم أنها ستدور في نفس الدائرة المفرغة التي انطلقت منها؟

محمد سعد وأحمد مكي يبنيان السياق الكوميدي لأفلامهما علي الشخصية، فهي محور الأحداث وصمام التحكم في إطلاق المفارقات الكوميدية إلا أن الفرق بين سعد ومكي أن الأول قد وصل إلي المرحلة التي تؤهله لتجاوز تجاربه الفنية السطحية ويحاول البحث عن صيغة أكثر عمقاً يتفاعل بها مع جمهوره وهو في هذه التجربة يحاول أن يتجاوز كل عيوب أعماله السابقة، أما أحمد مكي فقد وقع في بعض الأمور التي وقع فيها محمد سعد خلال فترة نجوميته الساطعة، التي كان أهمها الاستسهال والجري وراء تقديم فيلم في كل موسم صيفي بغض النظر عما يضيفه الفيلم من عمق فني أو حتي تجربة فنية راسخة لنفاجأ به بعد أن قدم فيلماً مميزاً في العام الماضي ينزل إلي منحني صعب. صحيح أنك لا تستطيع أن تمسك نفسك من الضحك إلا أنك تخرج في نهاية الفيلم كما دخلت لأنك تعجز عن التقاط أية ملامح لتجربة كوميدية مغايرة للنمط السائد، فالفيلم يعتمد علي الفانتازيا بشكل أساسي لأنه يطرح علاقته الجدلية بكل أفلام السينما التي قدمت عن الجاسوسية من قبل وعبر الصدام مع الذاكرة السينمائية يطرح رؤية عبثية لقصة البطل الذي يتحول من «حزلقوم» إلي «أدهم» ويجد نفسه في ظروف اجتماعية ونفسية أكبر من قدراته كأنه دمية في يد الضابط «ماجد الكدواني» وعبر هذه النقلة النوعية تتفجر مفارقات الكوميديا بعد أن يحل الشبيه محل الشخصية الأخري ويبدأ في مهمته الوطنية، وعلي الرغم من تأكيد أحمد مكي علي أنه لا يكرر فيلم «كتكوت» لمحمد سعد فإنك لا تستطيع أن تبعد شبح هذه الفكرة عن ذهنك وأنت تشاهد فيلم «لا تراجع ولا استسلام»، إلا أن الجديد الذي يقدمه مكي هو إعادة قراءة لأفلامنا السينمائية التي قدمت فكرة الشبيه بدءاً من «سي عمر» حتي «كتكوت» والسخرية من سذاجتها الفنية وهذا ما يجعل الفيلم يحمل نوعاً من كسر التوقع والدهشة، لأنه يقدم الحدث الذي يؤدي إلي نتيجة عكسية فالبطل لا ينجز المهمة بل يسهم في تداخل خيوطها وتعقدها ولخبطة كيانها لينتهي بنهاية تقليدية يطلب فيها البطل يد البطلة للزواج، مؤكداً أنه أصبح إنساناً جديداً له قيمة في الحياة بعد أن نجح في القيام بمهمة وطنية وهذه هي الرسالة التي يؤكد الفيلم عليها وهي فكرة إيجابية ولكنها ليست جديدة سواء علي المستوي العام لأحداث الفيلم أو علي مستوي صناعة الكوميديا فقد استمد مؤلف الفيلم روافده الكوميدية من أنماط تقليدية تعتمد علي الإفيهات اللفظية والحركات الجسدية ويحسب له أنه كثف ذلك بطريقة أكثر حدة لتجد نفسك أسيراً لحملة شرسة من الإضحاك والكوميديا.

ذوبان مكي في شخصية سعد

وقد نتج عن ذلك مجموعة من المشكلات علي مستوي السيناريو أولها أنك تشعر خلال متابعة الأحداث بأنك تتنقل بين عدة اسكتشات كوميدية صارخة يكون الرابط بينها ضعيفاً جداً بدءاً من استضافة معتز الدمرداش لـ«حزلقوم» في برنامجه وذلك عبر حوار ممل لا طائل منه داخل الأحداث إلا في تعرف طبيب التجميل عليه و إذا كان هذا المشهد رغم طوله الزائد له مبرر فإن هناك مشهد رقص أحمد مكي علي أنغام موسيقي إحدي الأغنيات الشعبية الذي جاء من باب الحشو لا أكثر ولا أقل بالإضافة إلي مشاهد المطاردات في بداية الفيلم ونهايته وتضييع وقت المشاهدين في استعراضات الكاراتية التي تكررت كثيراً بطريقة فجة.

نجحت «دنيا» في أن تكون نداً لأحمد مكي سواء علي مستوي الأداء التمثيلي أو علي مستوي حجم الدور وأهميته، ويبدو أن روح التفاهم بينهما ستجعلهما من الثنائيات السينمائية. مشكلة أحمد مكي في الفيلم ليست تكرار فيلم «كتكوت» كما يؤكد البعض وإنما في ذوبان مكي في شخصية محمد سعد السينمائية فهو يؤدي دور «حزلقوم» كأنه صدي لطريقة سعد في اصطناع البلاهة ومضغ الكلمات بل وإظهار السذاجة في المواقف الأكثر بساطة ولا يعرف أحد كيف وقع مكي في هذا التشابه الواضح!

«اللمبي 8 جيجا»

فكرة الفيلم مقتبسة من فيلم أجنبي للكاتب «فيليب ك. ديك» واسم الفيلم هو «باي شيك». صحيح أن محمد سعد يطرح ملامح مغايرة تماماً إلا أنها في كل الأحوال لا تخرج عن نطاق هذه القضية وهي إلغاء إنسانية البشر وتحويلهم إلي مجرد وسيلة لأداء غاية محددة عن طريق تعطيل كل الحواس فتكون النتيجة عبارة عن مخلوقات مشوهة.

تكرار شخصية اللمبي

لم أر في الفيلم تكرارا لشخصية اللمبي إلا الاسم فقط، لأن محمد سعد تخلي عن سذاجة الشخصية في مراحلها الأولي منذ أن ظهرت في فيلم «الناظر» عام 2000 ، وتخلي أيضا عن سلبياتها المفرطة في فيلم اللمبي عام 2002، ولم يقدمها بالشكل الذي ظهرت عليه في فيلم «اللي بالي بالك»، وإنما قدم الصورة المناقضة لذلك تماما، وهي الشخصية الأكثر عمقًا، صحيح أن سعد كان من الممكن أن يقدم فيلمه الجديد، دون أن يطلق اسم «اللمبي» علي الشخصية، لكنه أراد أن يراهن علي قدراته الجماهيرية وأن يستعين بتميمة الحظ التي ضمنت له النجاح طوال عشر سنوات كاملة، وقد استفاد محمد سعد من تجاربه السينمائية الأخيرة، ولم يقع في الأخطاء التي زلت فيها قدمه، بفيلمي «بوشكاش»، و«كركر»، وما صاحبهما من تفريغ للعمل من الممثلين حتي يصبح هو النجم الأوحد، بل اجتهد في فيلمه الجديد علي أن يبرز العناصر الأخري في العمل لتظهر أكثر قوة بدءًا من دور مي عز الدين التي صنعت صورة كاريكاتيرية للمرأة المصرية.

فيلم «اللمبي 8 جيجا» لا يقدم فانتازيا مثل فيلم أحمد مكي «لا تراجع ولا استسلام» وإنما يطرح رؤية عبثية للحياة ويركز علي تحطم أحلام البطل وانكسارها لأنه يعيش معذباً لعدم قدرته علي الإنجاب وما وراء ذلك من صراعات نفسية واجتماعية، وقد نجح السيناريست نادر صلاح الدين في تضفير الخيوط الكوميدية بالأزمات الاجتماعية فلولا الكوميديا لأصبح الفيلم كابوساً قاتماً إلا أن الكوميديا نجحت في كسر هذا الإطار والتقدم بالأحداث.

لم يدخر محمد سعد في فيلمه الجديد شيئاً لأنه قدم كل الروافد الكوميدية لتصب في مجريات الأحداث بدءاً من الاعتماد علي الإفيهات اللفظية حتي طريقة إبدال الحروف واستخدام ملامح الوجه في التعبير عن ردود أفعال غير متوقعة. لقد استغل سعد كل طاقاته وإمكاناته الفنية من قدرة علي الأداء الحركي وتطويع حركات الجسد لاستكمال الصورة الكوميدية إلا أنه أكثر تلقائية وإتقاناً لحركاته من أحمد مكي فهو يستغل كل شيء سواء حركة الأقدام واليدين ونظرات العينين بالإضافة إلي الذوبان في تفاصيل الشخصية.

وإذا كان أحمد مكي متهماً بتكرار شخصية «كتكوت» فإن محمد سعد يواجه اتهاماً من نوع آخر وهو تكرار شخصية «اللمبي» التي يعيد تقديمها في فيلم جديد للمرة الرابعة منذ أن قدمها لأول مرة في فيلم «الناظر» منذ عشر سنوات.

الأداء التمثيلي

قدرة محمد سعد التمثيلية تتيح له تجسيد الشخصية في كل حالاتها فهو يتحول من الدراما إلي الكوميديا وبالعكس خلال مشهد واحد وفي كل حالة يتم احتواء المشاهد دون أن ينفر منه ومن هذه المشاهد مشهد انهيار البطل علي السلم واعترافه بأزماته الحياتية، في هذا المشهد يدور سعد حول نفسه كأنه يتقي شبحاً خفياً أو كأنه يتلقي ضربات مجهولة المصدر حتي يرتمي بين يدي مي عزالدين صريعاً.

تجربة فيلم «اللمبي 8 جيجا» وليدة العصر الحديث الذي يتحول فيه الإنسان إلي رمز أو رقم أو حرف وتتراجع صفته الإنسانية ليصبح مجرد شيء في رحلة الحياة.

«اللمبي».. «حزلقوم».. وجهان لعملة واحدة هي الشخصية العشوائية.. إلا أن هذا النوع من الشخصيات بقدر نجاحه يكبل صاحبه بقيود حديدية ليس من السهل الفكاك منها لأنها شخصيات استثنائية فمتي تتخلص أفلامنا من سيطرة هذه الشخصيات وتخرج إلي آفاق إبداعية أخري؟

روز اليوسف اليومية في

15/07/2010

 

خواطر سينمائية

لـــــو النـــــــاس تتـــــــــربي‏..‏؟

ضياء حسني 

قد يجد البعض العنوان غريبا بعض الشيء لمقال سينمائي أو لكتابات تخص السينما‏,‏ لكن الفكرة التي يستدعيها العنوان ليست غريبة علي المجتمع المصري‏,‏ فنحن نعيش فيها منذ أكثر من ثلاثين عاما‏

نعم فمع التغيرات التي شهدها المجتمع المصري والتي ألقت بظلال السلبية علي الكثير من المجالات في المجتمع المصري ـ إن لم تكن علي كل المجالات ـ أصبح الكثير من دعاوي الإصلاح يحمل هذا المعني‏(‏ فلنرب أولادنا تربية صالحة لنحصل علي مجتمع صالح‏),‏ هذه الدعوة نابعة من التصور أن أفراد المجتمع لم يعد عندهم ضمير ولا إخلاص في العمل فانعدمت الأمانة وتراجع الشرف أمام الكذب والغش وغيرها من الموبقات التي تنتشر كل يوم في أرجاء المجتمع‏.‏ بالطبع لا يخفي علي أحد أن تلك الدعوي صائبة في رصدها للسمات التي يمر بها المجتمع المصري‏,‏ ولكن يجانبها الصواب في الطرح الذي تقدمه كحل‏..‏ لماذا؟ لأنها تري بشكل مثالي أن المجتمع ليس سوي مجموع أجزائه أي هو مجموع تكويناته الثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها من التكوينات والكيانات المكونة للمجتمع‏,‏ ومنها أن المجتمع هو مجموع الأفراد الذين يعيشون فيه في لحظة فترة معينة‏.‏ ولكن هذا غير صحيح لأن المجتمع هو مجموع الكيانات والتكوينات المكونة له والأفراد الذين يحيون بين جنباته‏...‏

بالإضافة ـ ونضع بالإضافة تلك وأسفل منها مليون خط ـ للتأثير المتبادل الذي تمارسه كل تلك المكونات علي بعضها البعض‏.‏ بمعني أن المجتمع ليس كيانا ساكنا لا حراك فيه بل هو كيان متفاعل بين عناصره وهذا التفاعل بين العناصر يحدث تغيرات في تلك العناصر منها الإيجابي ومنها السلبي وبالتالي جاءت القوانين والنظم لتنظم حركة التفاعل بين عناصر المجتمع لتلافي كل السلبيات الناتجة عن هذا التفاعل‏(‏ أو علي الأقل الخفض منها‏).‏ أما الفكر المثالي الأسطوري‏(‏ بتاع نهد البلد ونبنيها من جديد‏)‏ وكأن أفراد هذه المجتمعات يصيبهم فيروس‏,‏ لذا يجب التخلص منهم عن بكرة أبيهم والإتيان بغيرهم‏,‏ فهو يصلح لألف ليلة وليلة وحواديت قبل النوم‏(‏ بغض النظر عن استحالة تنفيذه‏).‏ لقد أرسل الشيخ محمد عبده رسالة إلي أستاذه جمال الدين الأفغاني في المنفي بعد هزيمة الثورة العرابية يقول له فيها إن‏:-‏ الأمل الوحيد أن يقوم كل منا‏(‏ يقصد رجال الثورة المهزومين‏)‏ بتربية عشرة أفراد علي الفكر القويم علي أن يقوم كل فرد من هؤلاء بعد ذلك بدوره بتربية عشرة آخرين وهلم جر ليتولد مع الزمن جيل وطني واع يصل بمصر إلي بر الأمان‏.‏ بالطبع كان رد الإمام الأفغاني علي محمد عبده‏(‏ وكان أكثر منه وعيا ووطنية‏)‏ بأن ذلك أمر شديد السذاجة وهو نتاج حالة الإحباط التي يعانيها نتيجة هزيمة الثورة‏,‏ كان ذلك قبل أن يرتمي محمد عبده في أحضان الإنجليز واللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر مخطط مذبحة دنشواي‏.‏ وبالتالي الفكرة موجودة في المجتمع المصري من قديم الأزل فهي مريحة للجميع حيث لا يطلب من أحد أي مجهود يبذل لإصلاح المجتمع بل علي غيره أن يفعلوا ذلك عبر تربية أولادهم تربية حسنة او دينية أو وطنية‏..‏ والمسميات كثيرة‏.‏ هذا الفكر الجدير بكتب الأساطير لم يضع في اعتباره أن من هم مطالبون بتربية الجيل الجديد من الأبناء الذين سينشئون المدينة الفاضلة ليسوا سوي الاهالي البالغين الذين يعيثون في الأرض فساد‏,‏ا فلو كانوا علي قدرة لنقل الفضيلة لأبنائهم لطبقوها هم أنفسهم في الواقع‏...‏ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه‏.‏ كل تلك الخواطر تداعت أمامي وأنا أشاهد مرة أخري فيلم‏Affliction‏ أو مصيبة من إخراج المخرج وكاتب السيناريو الكبير‏(‏ بول شرادر‏)‏ وهو كاتب السيناريو للعديد من الأفلام التي تعد علامات في تاريخ السينما الأمريكية بل في تاريخ السينما ككل منها أفلام مثل‏(‏ سائق التاكسي‏-‏ سكور سيزي‏),(‏ الثور الهائج سكورسيزي‏)(‏ الإغواء الأخير للمسيح ـ سكورسيزي‏),‏ ياكوزا سيدني بولاك‏),‏ وغيرها وغيرها من الأفلام التي تعد تيارا مختلفا في السينما الأمريكية‏.‏ وبدء شرادر إخراج الأفلام في السينما الأمريكية منذ عام‏1978‏ ومازال يقدم العديد من الأفلام المختلفة عن تلك النوعية السائدة في السينما الأمريكية‏,‏ فيلم مصيبة يحكي عن شخصية‏(‏ واد وايت هاوس‏)‏ يقوم بالدور الممثل الكبير نيك نولت الذي تربي في أسرة تعاني من أب سكير يقوم بضرب أمه وأخواته‏,‏ ويدافع هو عنهم منذ نعومة أظافره‏.‏ يعمل واد كضابط بوليس محلي في احدي القري النائية وتحدث حادثة في البلدة يموت فيها رجل أعمال كبير‏,‏ ولكن واد يعتقد بأن الحادثة وراءها جريمة قتل وأن صديقه قد اشترك في قتل رجل الاعمال هذا بالإيعاز من زوج بنت رجل الأعمال ومقاول كبير في البلدة يحاولان انتزاع ملكيات السكان لبناء مدن سياحية‏.‏ واد لم يترب في البيت وفقا للنظرية المصرية التي سبق لنا التعرض لها ولكنه إنسان صالح يحاول كشف الفساد‏(‏ أو هكذا يتخيل‏)‏ وهو ما يؤدي إلي فصله من عمله لنفوذ من يحاول اتهامهم‏.‏ وهو في نظر الكثيرين إنسان فاشل فزوجته تتركه وترحل مع ابنته لتنفصل عنه‏,‏ ويحاول أن يتزوج من عاملة في بار تقبل به من جديد كما هو‏,‏ أخوه أستاذ جامعي وأخته متزوجة من شخصية محترمة‏,‏ بالرغم من أن الأب سكير وأحمق‏.‏

تموت والدة واد وايتهاوس ويضطر للعيش مع والده السكير حتي لا يتركه بمفرده‏.‏ هو حتي الآن مثال للشخصية الوفية الأصيلة بالرغم من كل مشاكل الطفولة والتربية الجديرة بنسج سيناريو كفيلم‏(‏ جعلوني مجرما‏)‏ أو حتي‏(‏ المراهقات‏),‏ لكن التفاعل بين عناصر هذا المجتمع الصغير‏...‏ أسرته‏,‏ تحوله لمجرم‏,‏ فابنته لا ترغب في الحياة معه وخطيبته تتركه من بعد سخافات أبوه عليها وفصله من العمل‏,‏ وأبوه يذكره دائما بعنفه مع أمه ومعه شخصيا‏,‏ وفي إحدي الليالي يتطاول أبوه عليه وهو سكران فيدخلان في مشادة يسقط علي أثرها الأب ميتا فيقوم واد ويتهاوس بحرق جثه أبيه في جرن المزرعة التي يعيشون فيها ويهرب‏,‏ وقبل هروبه يقتل صديقه الذي يعتقد انه متورط في مقتل رجل الأعمال‏.‏ الفيلم شديد الروعة في تقديمه بأن عقد الطفولة التي نشأ فيها وعدم تربيته تربية صحيحة لم تجعل منه مجرما أو خارجا علي القانون‏(‏ بل كان رجل بوليس‏)‏ بل إن تفاعل عناصر الواقع مع شخصيته هما ماجعل منه شخص عاديا وطيب مجرما هاربا‏,‏ فالبرغم من تحمله سخف الأب وحمقه‏,‏ ولكنه دفعه للجنون ليموت الأب في مشادة ويصبح الشخص العادي مجرما‏.‏ بل إن نظرة المجتمع له بأنه فاشل لعدم تحقيقه النجاح بمفهوم هذا المجتمع‏(‏ ثراء ـ مكانة‏)‏ هي ما جعل حياته الزوجية تفشل‏.‏ بل إن هذه الحالة أو همته بأن الأثرياء الجشعين الذين يستولون علي أراضي البلدة هم وراء جريمة قتل وهمية غير موجودة إلا في خياله‏,‏ ليصبح كشفهم هو الحالة الإيجابية الوحيدة التي من الممكن أن تجعل منه ذا قيمة‏.‏ ليست التربية هي من تجعل منك‏(‏ أو ليست وحدها‏)‏ شخصا صالحا أو طالحا في المجتمع بل التفاعل مع عناصر هذا المجتمع و أفراده والقوانين المنظمة لحركته والقيم العليا السائدة هو الذي يحدد سلوكك وردود أفعالك إلي حد كبير‏.‏ أن لم تكن وجهة النظر تلك ذات قيمة للبعض فعليهم بنظرية الشيخ محمد عبده الخاصة بتربية عشرة أفراد فقد تكون حلا‏.‏

diaahosny@gmail..com

الأهرام المسائي في

15/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)