حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

افلام علياء أرصغلي تصرخ :هاي مش عيشة !..

بشار إبراهيم

بعد مرور قرابة عقد من السنوات على إنجاز فيلمها الوثائقي الأول «حياة ممزقة»، الذي حققته عام 1993، وقاربت فيه، انطلاقاً من تجربتها الذاتية، «موضوعات المنفى والهوية، والتأقلم أو التعايش مع الهويات المختلفة»، خاصة وهي الفلسطينية التي قضت سنوات من عمرها في الولايات المتحدة الأمريكية، تعود المخرجة علياء أرصغلي في فيلمها «هاي مش عيشة»، عام 2001، (وثائقي مدته 42 دقيقة)، إلى موضوع يبدو أثيراً لديها، وهو الاشتغال على رصد واقع المرأة الفلسطينية، عبر نماذج نسوية، يمكن لها أن تقدم من خلال تجاربها الفردية نظرة بانورامية على الواقع الفلسطيني، في مختلف تنوعاته.

هنا سنجد أنفسنا، مع فيلم «هاي مش عيشة»، أمام سبعة نماذج أساسية، منتقاة بعناية وتنوع وتوزع، بحيث يمكن لها أن تلقي بظلالها على المجتمع الفلسطيني، في لحظة زمانية صعبة، إذ ضاقت الحال الفلسطينية إلى درجة أمكن إطلاق هذا العنوان، الذي لا يعدو أن يكون صرخة استنكار، وتأفف: «هاي مش عيشة»!..

النموذج الأول، لامرأة تعمل في محل بيع ألبسة نسائية. وعلى الرغم من أن الأحداث الجارية في الوقاع الفلسطيني تطيح بكل ما هو طبيعي في الحياة.. وليس من المناسب توقع أن تأتي إحداهن لشراء ملابس فارهة، في وقت ينصرف التفكير إلى كيفية تدبير شؤون العيش، وتدابير السلامة في التنقل للوصول إلى ما ضروري.. على الرغم من ذلك كله، فإن هذه المرأة تصر على الذهاب كل صباح، من بيتها إلى محلها، عابرة المخاطر التي يمكن أن تصادفها في الطريق.

«لا أستطيع البقاء في البيت. أشرد. وانتظر تحسن الأوضاع»، تقول المرأة، وتكمل دون تردد: «من أجل نفسيتي، لا بد أن أخرج من البيت، والقدوم إلى المحل، حتى لو لم يكن هناك من يشتري. لازم أطلع». هكذا كأنما البيت بات يضيق الخناق على المرأة، التي من المفترض، في ثقافتنا العامة على الأقل، أن يكون البيت جنتها، تؤثث أركانه بالبهجة.

النموذج الثاني، لامرأة من وسط شعبي، تتحدث عن الانتقال الدائم من مكان إلى آخر، خوف ما يمكن أن يقوم به المستوطنون.. انتقلت من قرية إلى مخيم. ومن مخيم إلى مخيم. مثقلة بظروف عائلية صعبة، وهموم لا تنطفئ. لم يعد لدى هذه المرأة من حلم سوى العودة إلى بلدها وأرضها، والخلاص من هذا الشتات. ستتحدث عن جمال قريتها، وبساتينها، وبياراتها.. وهي المرصودة اليوم لحياة صعبة، ومشقات لا تنتهي، والعيش في المؤقت. بيت هنا، وبيت هناك، تنتقل من هذا إلى ذاك، باحثة عن لحظة أمان، دون أن تفكر بالاستقرار إلا قي قريتها.

النموذج الثالث لامرأة تعمل في الوسط التربوي الثقافي (مركز خليل السكاكيني). التي بسبب من وعيها لذاتها، يزعجها أن لا تجد دوراً لها، كما يزعجها أن تبقى قاعدة في البيت، دون عمل، أو فاعلية.. فكان أن اختارت العمل مع الأطفال، من خلال مركز لم تكن تدرك أن الدمار سيلحق به عما قليل!..

النموذج الرابع لامرأة تعمل في الوسط الإعلامي. تبدو الأكثر قدرة على التعبير عن نفسها، وعن واقع المرأة الفلسطينية، ودورها سواء في البيت أو في العمل. نموذج أكثر نضجاً ودراية ومعرفة بما يحيط بها. وهي إذ تنبته إلى أن حياتها مقسومة بين حياتين: «عندي حياة النهار، وحياة الليل»، فإنما تكشف عن حقيقة المعاناة المضاعفة التي تواجهها المرأة الفلسطينية في ظل الإحتلال.

وإذا كان لها أن تتشارك معاناة «حياة النهار» مع زملائها في العمل، من قلق وتوتر، ومخاطر قاتلة، فإنها متروكة في «حياة الليل» وحدها، لهواجسها وخوفها وقلقها على أولادها، وقد جعل جيش الاحتلال من البيوت ساحات معارك!..

«أشعر مثل القطة التي تريد حماية أولادها. أنتقل من زاوية إلى أخرى في البيت. هذا الشباك، ممكن تأتي منه رصاصة من هنا. أنتقل إلى الغرفة الأخرى. ممكن تأتي قذيفة، من هنا». تقول، وهي تصف ليلها الذي تمضيه، وأجواء القتل والتدمير تلقي بظلالها البشعة على المكان.

البيت الفلسطيني بات مكشوفاً للعراء. بات هدفاً لإطلاق النار، للرصاص والقذائف، الطائش منها، والعابث، القاتل والمدمر في كل حال، حتى تغدو النجاة أعجوبة بحد ذاتها. لم يعد للبيت مقدرة على الحماية، ولا على توفير الأمان. والمرأة تقول: «المرأة تفتش عن الأمان في بيتها. المفروض أنه آآمن شيء موجود عند الإنسان. المفروض أن الإنسان عندما يغلق على نفسه بيته، يجد الأمان والراحة والاستقرار.. ما في أي نوع من الحماية. أنا يمكن أن أحميهم من واحد، يتهجم عليهم.. يمكن أحميهم من رصاصة، بأن أبعدهم عن الشباك.. لكن عندما تدخل القذيفة من الجدار وتتفجر.. مستحيل أقدر أن أحميهم».

النموذج الخامس لامرأة تعمل في المسرح. تكتب لأصدقائها، وأصدقاء المسرح، عما جرى في القصف الذي طال بيتها، ولم تكن تدرك أن القصف سيطال المسرح ذاته. تتكرر الحكاية، بتفاصيل لا تتفارق كثيراً، سوى أن المعجزة حضرت فنجا الأطفال من قذيفة اخترقت جدار البيت. العناية جعلت الوالدين يقومان بنقل الأطفال من مكان اعتادوا الاختباء فيه، قبل أن تأتي القذيفة. وجعل وجود الغسالة الآلية، يصدّ الموت عنهم!.. حتى في بيته، بات الفلسطيني يحتاج لمعجزة وعناية، تنجيه من براثن القتل.

النموذج السادس لامرأة ريفية، وآثار الطلقات على جدار البيت تترك الثوقب ندباً من موت. «لم يسمحوا لنا بقطاف الزيتون»، تقول المرأة، والكاميرا ترينا جنود الاحتلال، وقد انتشروا بدباباتهم ومدرعاتهم بين الأشجار.. المستوطنون والجنود يتعاونون بالاعتداء على الريفيين الفلسطينيين، في مزارعهم، فيمنعونهم من جني محاصيلهم، ويتلفون ما تمكنوا من جنيه.. وبين هذا وذاك يقتلعون أشجارهم، ويدمرون محاصيلهم، ويصادرون أراضيهم.. وفي بيوتهم يرشقون بوابل الرصاص.

النموذج السابع لفتاة مضى شقيقها شهيداً. وترك في البيت، ولدى العائلة، ذكرى حزينة، وأشياء توقظ الحزن والفجيعة. هكذا يفرغ مكانه في البيت، ولكنهم سيبقون يشعرون به، وكأنه معهم، لم يفارقهم. ولن تجد الفتاة إلا القول: «إذا إسرائيل بتروح، وبيصير حل، بنضحي كمان بأنفسنا».

من القدس؛ عاصمة الفلسطينيين، ومهوى أفئدتهم، تبدأ المخرجة علياء أرصغلي فيلمها. هناك عند بوابات القدس العتيقة، وعند مداخل الحرم القدسي، حيث يعسكر جند الاحتلال وشرطته مدججين بكل ما يمكنهم من أدوات سيطرة وتحكم وقمع، يسدون المنافذ حتى أمام من ينوي الصلاة!..

بمونتاج متوازن، تبني المخرجة مدخل فيلمها، مثيرة التحفز والتشوق للمراقبة والمعرفة، منتقلة بسلاسة بين لقطات متعددة، تبلغ قرابة الخمسين لقطة، تتصاعد درامياً في تكثيف لحكاية الفلسطيني تحت الاحتلال، بين أيدي شرطة وجند، هراوات وأحصنة وبنادق، وتفتيش وتدقيق في الأوراق والتصاريح والهويات الشخصية.

التمهيد الذي صنعته المخرجة بمونتاج حاذق، مصحوباً بمؤثرات موسيقى متحفزة، ماهر تماماً في خلق حالة التشوّف لدى المشاهد للدخول في عالم الفيلم، واستكشاف ماذا سيقول، والذهاب معه إلى حيث يريد. ويعرف الجميع أن الدقائق الأولى من الفيلم، روائياً كان أو وثائقياً، هي الركن الأساس الذي تتكئ عليه عملية تلقي الفيلم، بالنسبة للمشاهد، فيكون أمام خيارين، لا ثالث لهما: إما الاستمرار بالمشاهدة، والدخول في عالم الفيلم، والمتابعة.. أو النفور، وانقطاع الصلة بين الفيلم، ومتلقيه!..

وإذا كانت واحدة من أهم النصائح لكاتب سيناريو الفيلم الروائي الطويل، هي العناية بالدقائق العشر الأولى، لأنها الأساس في خلق الصلة بين الفيلم ومشاهده، وتعميق العلاقة بينهما، للمتابعة والاستمرار حتى النهاية، فإنها في الفيلم الوثائقي قد تغدو دقائق معدودات.

هنا، في فيلم «هاي مش عيشة»، استطاعت المخرجة علياء أرصغلي، وعبر ثلاث دقائق ونصف، تقريباً، فعل ذلك، إذ تمكنت، في هذه الدقائق الأولى، من تقديم قصة درامية كاملة، تعتمد على المونتاج، مع مؤثر موسيقي متحفز، وأصوات تتصادى متناثرة، لنرى ونفهم ونشهد على حكاية الفلسطيني، وعلاقته بالقدس، وإشكالية وجود الاحتلال، وما يمارسه من عسف بحق المدنيين الفلسطينيين، الذين لا همَّ لهم، في هذه الحالة، سوى المرور من بين أصابع الحواجز وقبضته الصارمة، والوصول إلى مكان الصلاة، في المسجد الأقصى.

فيما يلي من الفيلم، تعتمد المخرجة على العديد من الأساليب الاحترافية في عمل الوثائقي، حيث تتوفر المقابلة الشخصية، مع المراقبة والمتابعة، والانتقال من الشخصيات من البيت إلى العمل إلى حيث تكون.. كما تتعامل مع تقنية افتراق الصوت عن الصورة، الأمر الذي يجعل من المهم متابعة شريطي الصورة والصوت، في الوقت نفسه، إذ بافتراقهما، وتكاملهما، يغدوان عنصرين أساسيين في بناء الفيلم.

تحاذر المخرجة علياء أرصغلي أن يكون شريط الصوت شارحاً لشريط الصورة، أو مفسراً له، بل تعمل على أن تجعله متناغماً ومنسجماً ومكملاً له.. وتنجو بذلك من مأزق وضع الشخصية أمام الكاميرا، وجعلها تقدم حديثها بشكل إذاعي!..

في هذا النوع من التقنية، ينجح صانع الفيلم الوثائقي، في دفع المشاهد للانتباه والانشداد إلى ما يرى ويسمع، ويراكبهما ويمازجهما، وتنخلق الصلة الوطيدة بين المشاهد والشخصيات التي يتعرف عليها، والحكايات التي يسمعها، والصور التي يراها، خاصة عندما تكون الصورة مدروسة بعناية، ومنسوجة بمهارة مونتاجية نابهة، ومؤثرات صوتية ذكية، سواء أكان المؤثر الصوتي من الصورة نفسها، أو عبر الموسيقى المُضافة.

يجدر بنا القول، إننا، ومع انتفاضة الأقصى، شاهدنا المئات من الأفلام الوثائقية الفلسطينية، منها ما استطاع النجاح المتوازن، بين أهمية الموضوع، ومهارة البناء الفني.. ومنها ما أخفق، متكئاً على أهمية الموضوع، فقط. ذاك الذي لا يكفي لصناعة فن جدير بالاهتمام، انسجاماً مع مقولة «إن القضية العظيمة لا تصنع فناً عظيماً»، بل ينبغي للفن أن يرتقي إلى مستوى قضيته، بناء وطرحاً وتناولاً وعرضاً..

ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إن فيلم «هاي مشة عيشة»، وعلى الرغم من أي هنة شابته، استطاع الانتماء إلى نسق الأفلام الجيدة والجادة، التي تبقى على مر الأيام، وتحول الأزمان، فهي وثيقة فنية ودرامية شاهدة، بشخصيات من لحم ودم وهمّ، على ما كان، توقاً لمستقبل أفضل.. لعلنا نكفّ يوماً عن الصراخ: «هاي مش عيشة»!..

الجزيرة الوثائقية في

12/07/2010

 

فيلم دواحة التونسي / الخوف من الخارج

لمى طيارة  

رغم تراجع الانتاج  السينمائي التونسي في السنوات الاخيرة ، بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور لهذا القطاع ، تبقى هناك افلام سينمائية تنتج سنويا قد لاتتجاوز العملين في احسن الاحوال ولكنها على الاقل اعمال  تحظى باهتمام دولي وعربي و بمشاهدةٍ عاليه نظرا لاهميتها موضوعيا واخراجيا .
ومن ضمن هذه الاعمال ، ما قدمته المخرجه الشابه (رجاء عماري )في فيلمها الاخير " دواحة "من انتاج تونسي سويسري فرنسي ،وهو ثاني عمل سينمائي لها بعد فيلم"الساتان الاحمر" الذي فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان تورينو السينمائي وجائزة أفضل مخرج جديد في مهرجان سياتل السينمائي.

تدور احداث الفيلم والذي اسمه يوحي بمضمونه الدواحة" ارجوحة الطفل "او كما جاء بالفرنسية " اسرار دفينه" في خطين متوازين ، الخط الاول الظاهر والعلني يحكي عن غياب دور الرجل ( الزوج ، الاب ، العشيق) وأثره النفسي والجسدي  لدى ثلاثة اجيال من النساء ( الام والابنه والحفيده ) رغم عدم وجود اي دليل قطعي لهذه العلاقة التسلسلية والتي تظهر للمشاهد انها قصة ام وابنتيها، مما يدفع بالام لاخذ دور المؤسسة العائلية برمتها ونتيجة خوفها تقوم  وبشكل ارادي باختيار العزلة والاختباء ضمن قبوا قديم تابع لاحد القصور المهجورة ، الى ان يدخل العالم الخارجي اليها حينما يعود صاحب القصر بصحبة عشيقته ، فينكسر هذا الحصار وتتدمر هذه الرابطة .

اما الخط الثاني والذي قد لا يبدو ملموسا او واضحا لدى الكثيرين ممن تابعوا الفيلم فهويتجلى في طرح فكرة الحداثة والانفتاح على الآخر ضمن بيئة ترفض وتخاف الآخر بكل اشكاله لما تحمله من صورةٍ ذهنية نمطية ومشوهه عنه ، رغم انه قد يكون سببا في رخائها الاقتصادي (حين تخرج البنت الكبرى وتبيع ما حاكت .

رغم ان قصة الفيلم ونهايته تقليدية نوعا ما  ،حيث كثرة الضغوط تولد صراعا قد ينتهي بجريمة  الا انه ضمنيا يجمع ما بين البساطة والعمق ، الوضوح والغموض .. وتأتي بساطته في طرحه لموضوع قد لا يحتمل أي تأويل لدى البعض في حين ان عوالمه غامضة واشبه بالخرافية ، ويأتي العمق فيه حين نشعر انه يستدرجنا كمشاهدين للبقاء في أماكننا حتى نهايته منتظرين حل لغزه ومعرفة هذا  السر الدفين وراء اختفاء هؤلاء النسوة وهذا في  حد ذاته ذكاء لمخرجة ومؤلفة العمل .

 يعتبر فيلم " دواحة" احد الافلام التي تنقل الواقع للسينما ولا تنتقده على حد تعبير مخرجته  رغم انها أشارت في مرات عديدة  الى ان شخصيات العمل ليست نموذجا للمرأة التونسية وانها  استندت للخيال  لخلقها بهذه الطريقة  الفريدة ، مع ذلك تبقى قصة الفيلم بحد ذاتها قابلة للتصديق والقبول ضمن فئات مجتمعية ضيقة مرت بنفس الظروف وعاشت نفس المشاعر .

الجزيرة الوثائقية في

12/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)