حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«لعبة عادلة»:

ماذا لو كان بوش الابن أقل شراً؟

إبراهيم العريس

كانت كل عناصر النجاح مؤمّنة لهذا الفيلم: موضوع شائك وشيق سينمائياً هو حرب العراق. نجمان كبيران يفترض بهما أن يلعبا دورين أساسيين من أدوارهما السينمائية، ضمن السياق الذي ميز دائماً بالنسبة إلى كل منهما هذه الأدوار. مخرج مجدد في كلاسيكيته هو دوغ ليمان، بارع في حس التشويق الذي يطبع عادة أفلامه التي يحققها بنجاح منذ سنوات. كاتبا سيناريو إنكليزيان لم يكونا يعرفان الكثير عن الموضوع حين عهد إليهما به، ما يفترض أنهما خاضاه كما يخوض المرء غابة بكراً فتكون النتيجة مرتبطة بلذة الاكتشاف. ومع هذا كله لم يحقق «لعبة عادلة» ذلك النجاح الذي كان مأمولاً له، على الأقل خلال الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي حيث عرض في المسابقة الرسمية وكان الوحيد ممثلاً للسينما الأميركية في هذا السياق. لم يحقق الفيلم نجاحاً لدى لجنة التحكيم التي نسيته تماماً خلال إعلان جوائزها، ولا حتى لدى النقاد والمتفرجين. بل نظر إليه الجميع على أنه أقرب إلى العمل التجاري من النوع السائد، على أنه فيلم تشويق «سياسي» عجز عن أن يغوص في موضوعه كما ينبغي. ذلك أن من أول ما تمكن ملاحظته على هذا الفيلم هو أنه ركز على ما هو خاص في موضوعه ولكن بإفراط، بحيث انتهى به الأمر إلى أن يكون حكاية عائلية إنسانية، أخلاقية النزعة، أي تنطلق من ذلك الصراع الأبدي بين الخير والشر وتصب فيه. ومع هذا كان أمام صانعي الفيلم موضوع سياسي مميز لو اشتغلوا عليه كما يجب لكان من شأنه أن يتميز عن نحو الدزينتين من أفلام حققت في السنوات السبع الأخيرة عن حرب العراق.

مهما يكن من أمر، فإن كاتبي سيناريو«لعبة عادلة» الأخوين الإنكليزيين باتروورث لم يخفيا أبداً أن هذا التوجه كان هو ما توخيانه منذ البداية، إذ ها هما يقولان – وحتى قبل العرض الأول للفيلم – «إننا لنأمل في أن ما سيبقى في أذهان الناس من هذا الفيلم، ليس معرفة من كان على حق ومن كان على خطأ، بل إن هذا الفيلم إنما هو حكاية رجل وامرأة، زوجين لم يخافا التصدي ضد إساءة استخدام السلطة، هما اللذان رفضا الانحناء أمام العاصفة رافضين أيضاً أن يتركا الأحداث تلتهمهما».

بأي ثمن

الزوجان المعنيان هنا هما فاليري بلام وجو ويلسون. وهما شخصان حقيقيان اندلعت فضيحة كبيرة في شأنهما خلال العام 2003، بدأت في البيت الأبيض لتنتهي في بيتهما العائلي، وحتى إذا كانت هذه القضية قد بدت منسية بعض الشيء خلال السنوات الفائتة، أمام هول الحرب العراقية وما أسفرت عنه، فإنها شغلت في حينه الرأي العام الأميركي، في ارتباطها المباشر بحرب العراق من جهة، وخارج هذا الارتباط، أي في ارتباطها هنا بممارسات السلطات الأميركية أيام حكم الرئيس بوش «الابن»، الذي كان راغباً بأي ثمن في احتلال العراق وإسقاط نظام ديكتاتور بغداد صدام حسين، وهذه الممارسات أتت هنا لتعكس كيف يمكن السلطة السياسية أن تفعل أي شيء بغية الوصول إلى مآربها، بما في ذلك تدمير حياة أناس هم في الأصل من أهلها وأمضوا حياتهم في خدمتها...

الاحداث التاريخية الحقيقية التي بُني عليها الفيلم، تنطلق من السفير الأميركي السابق في الغابون في أفريقيا جو ويلسون الذي كلفته إدارة الرئيس بوش آخر عام 2002، بالتحقيق في دولة النيجر الافريقية حول ما كان تسرب عن أن نظام صدام حسين قد حصل من هناك على يورانيوم يمكنه من صنع أسلحة دمار شامل، وكان صنع هذه الأسلحة المفترضة هو الذريعة المثلى التي يريد منها بوش أن يبرر حربه المقبلة على العراق قبل شهور من اندلاعها، أمام الرأي العام الأميركي والعالمي، ومن هنا كانت خيبة أمل البيت الأبيض كبيرة إزاء النتائج التي توصل إليها ويلسون وفحواها أن التسريبات الاستخباراتية من النيجر والتي أطلقتها أجهزة الاستخبارات الإيطالية، لا أساس لها من الصحة، ومع هذا سكتت الإدارة الأميركية عن تقرير ويلسون الذي أكد بما لا يدع مجالاً لأي شك أن ليس ثمة يورانيوم من النيجر وصل إلى العراق، ثم شنت حربها مالئة الدنيا أخباراً حول الأسلحة المزعومة.

هنا، أمام ما يحدث لم يكن في وسع ويلسون السكوت، بل انتفض غاضباً وكتب مقالاً نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» يفضح ما حدث ويفند مزاعم بوش والبيت الأبيض، ومن الواضح أن هذا المقال أغضب البيت الأبيض، لكنه قانونياً لا يمكنه أن يعاقب ويلسون. فما العمل؟

الفضيحة

العمل كان بسيطاً وسريعاً، إذ إن الإدارة الأميركية كانت تعرف أن زوجة ويلسون فاليري بلام، هي عميلة ناشطة ومسؤولة في وكالة الاستخبارات المركزية، وعملها السري يتعلق تحديداً بملفات أسلحة الدمار الشامل في العالم، وهي تحت قناع ربة البيت الهادئة الحسناء والمسالمة، تزور بلداناً كثيرة سراً، وتجري لقاءات بعيداً من الأضواء، متصلة بعملائها هنا وهناك، لا سيما في العراق، وكما قلنا، كل هذا العمل سري، من شأنه لو كشف أن يعرض ليس فقط مهام بلام للخطر، بل كذلك يعرض للموت حياة عملائها المحليين وبرنامج عملها، ويحرقها مهنياً وإنسانياً.

وهكذا عمل البيت الأبيض، تحت إشراف ديك تشيني، نائ‍ب الرئيس، على حرق فاليري بلام من طريق صحافي يعمل في مكتب تشيني، في وقت كانت الحرب في العراق قد استشرت ولم يعد السكوت ممكناً، إذا وبفضل ذلك الصحافي كان من الواضح أن حياة فاليري بلام صارت في خطر، وأن مهنتها توقفت ها هنا، وأن الـ «سي آي إي» لم يعد في وسعها استخدامها بعد الآن. ففي هذه المهنة لا يعني الكشف أقل من النهاية.

طبعاً، نعرف – فنياً – أن من يحاول أن يتصدى لموضوع كهذا تكون أمامه اختيارات عدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو تشويقي ومنها ما هو تاريخي بحت – أي يروي ما حدث من دون أي تعليق – ومنها ما هو إنساني وما إلى ذلك. وفي أحيان كثيرة يكون الحل مزيجاً من هذا كله، أما هنا، في فيلم «لعبة عادلة» الذي قامت فيه نومي واتس بدور فاليري، وشون بين بدور جو ويلسون، فقد وقع اختيار صناع الفيلم على الجانب الإنساني، وإلى حد كبير، الجانب المرتبط بالبعد الأخلاقي للقضية، وعزز هذا أن السيناريو اعتمد أصلاً على كتابين أصدر كل واحد من فاليري وجو، واحداً منهما، واللافت أن الكتابين المتشابهين، يدنوان من القضية من منطلق مشترك: كيف دمرت الحكاية والفضيحة حياتهما، وكيف تصارعا حيناً واتفقا حينا آخر بغية انقاذ ما يمكن انقاذه، وطبعاً لا يعني هذا القول إن الحدث العراقي الكبير نفسه قد نسي. لكنه يعني أنه صار أمراً ثانوياً، لنطلع من الفيلم في نهاية الأمر بنتيجة فحواها أن سياسات البيت الأب‍يض، أيام بوش، سياسات غير أخلاقية، ليس لأنها أدت إلى غزو العراق بناء على سلسلة من الأكاذيب، بل لأنها أدت إلى تدمير الحياة العائلية لشخصين. ما يجعلنا هنا أمام سؤال بديهي: لو أن التفاهم بين البيت الأ‍بيض والـ «سي آي إيه» كان أعمق، ولو أن حياة او مهنة فاليري بلام لم تدمر، وبالتالي لم يقتصّ من زوجها من طريقها ما خلق دمار الاثنين، هل كان علينا أن نتقبل الحرب العراقية التي شنها بوش في شكل أفضل؟

لا نزعم هنا أن الفيلم يقول هذا، لكنه بالتأكيد الانطباع الذي يطلع به، من مشاهدة «لعبة عادلة» متفرج، أحزنه مصير الزوجين، أكثر كثيراً مما أحزنه مصير العراق، وتنفس الصعداء أخيراً، لأن الفيلم أنصفهما. وكذلك لأن جورج دبليو بوش لم يعد في السلطة.

الحياة اللندنية في

09/07/2010

 

خيبات عاشق للفن السابع المصري

الرباط - «الحياة» 

يعتبر المخرج المغربي مومن السميحي (مواليد 1945) واحداً من أبرز مؤسسي السينما الجادة وذات المضمون، في المغرب... ما يجعله في صف واحد مع زملاء مجايلين له من السينمائيين العرب، من أمثال يسري نصرالله ومحمد ملص وفريد بوغدير. أما مكانة أفلامه، على قلة عددها، فلا تقل عن مكانة أفلام مثل «مرسيدس» و «شرفات صيفية» و «أحلام المدينة» و «صفائح من ذهب». ومن أبرز أفلام السميحي «الشرقي» و «أسطورة الليل» و «العايل». كما ان له فيلماً من المؤسف أنه لم ينل حظه من الانتشار، على أهمية، كونه يسجل نقطة لصالح التقارب الفني بين بلدين عربيين كبيرين مصر والمغرب، ونعني به «سيدة القاهرة». والحقيقة أن تحقيق السميحي لهذا الفيلم قبل نحو عقدين من الزمن، في مصر وحول موضوع مصري لم يكن صدفة... فهذا المخرج الذي لا يكف عن التصريح بأنه، قبل دراسته السينما في باريس، كان قد اغتذى من السينما والثقافة المصريتين، يعتبر الارتباط الروحي والفني بالقاهرة أمراً حاسماً في حياته العملية والنظرية. ولما كان السميحي كاتباً، الى كونه سينمائياً... نلاحظ أنه في كتاباته النظرية، التي أصدرها حتى الآن في أكثر من خمسة كتب، كثيراً ما دنا من السينما المصرية خصوصاً، والعربية عموماً، باحثاً ناقداً متسائلاً متأملاً... أما ذروة هذا الاهتمام ففي كتابه الأخير الذي صدر في طنجة بعنوان «في السينما العربية».

يقع هذا الكتاب في نحو 140 صفحة من القطع المتوسط وهو يضم ثلاث دراسات أساسية: («السينما العربية في مصر»، «السينما في المغرب العربي» و... «السينما العربية فقط لا غير»)، اضافة الى ملحق عنوانه «... واليوم». وإذا كان أسلوب التأمل، على طريقة روبير بريسون في كتابه الشهير «ملاحظات حول السينماتوغراف» (الذي ترجمه العماني عبدالله حبيب الى العربية قبل سنوات وأصدره في دمشق)، هو الذي يطغى على كتابات السميحي العميقة والجزلة، فإن الملحق يبدو في هذا الإطار أشبه بفعل إيمان يعود فيه بعد عشرين سنة من بدء تساؤلاته الى ملاحظة ما آلت اليه الأوضاع التي طاولتها تلك الملاحظات. وهو يقول في هذا الملحق: «كتبت هذه الخواطر في السينما المصرية وأنا أتردد بين الحيرة واليأس والأمل والدمع المر والإحباط أيام كنت أحضر بالقاهرة في 1990 إنتاج وإخراج فيلم «سيدة القاهرة» وأنا أنتظر المكالمات التليفونية من المنتج والممثل والتقني والموزع انتظاراً طويلاً مقلقاً مرهقاً. وكنت أقاوم هذه الحالة النفسية بالحرص على القراءة ومشاهدة الأفلام. والكتابة بانتظام يومياً».

«كتبت هذه الملاحظات وأنا إنما أتيت الى القاهرة لأنتج وأخرج فيلماً اقتناعاً مني وإيماناً بالسينما العربية وأنا أناضل وأجهر بحلمي بها كلما أتيحت لي الفرصة بذلك في ندوة أو مهرجان أو استجواب صحافي».

واليوم؟ عشرون سنة من بعد ما كتبت هذه التساؤلات فإن التغييرات التي ألاحظها هي تغييرات كمية وسلبية أكثرها ذات قيمة ايجابية وهي في سطور:

تفاقم عدد القنوات التلفزيونية وهيمنة الفضائيات وطغيان البرامج الساقطة، تشويه وبتر الأفلام بالقنوات المدعية الاختصاص بالسينما والحشو الإشهاري المستمر الاستفزازي البشع، احتضار ثم موت القاعات السينمائية أمام الملأ واللامبالاة، انفجار عدد المهرجانات ذات الهوية التهريجية المحضة، تقلص انتاج بعض البلاد العربية كالجزائر وتطور انتاج بعضها الأخرى كالمغرب وتونس، والكم دائماً هو المهيمن على الساحة والعمل القيم والجيد نادر نادر (تحية الى المخرج الجزائري الشاب طارق التقية وفيلمه «روما ولا أنتم»)، وانتاج فيلم عربي لدخول السوق العالمية مستحيل اليوم كما كان مستحيلاً بالأمس، بيد أن تقريباً كل سنة ومنذ سنين عدة يعرض هنا أو هناك الفيلم الانكليزي الشهير «الأرنس» وهو فيلم عن العرب بمنظور غربي ولا يوجد الى يومنا هذا طرق الموضوع نفسه بمنظور عربي، وأخيراً هيمنة إغراءات السوق والشباك فلم تعد السينما السوقية تنحصر في مصر بل هي تغزو الآن المغرب وتونس، وهي ظاهرة تكتسح كذلك ما يمكن نعته بسينما المهجر وهي بعيدة كل البعد من أدب المهجر إذ لا تهتم إلا بالشباك الأوروبي أو الأميركي».

«وتلخيصاً فالسينما العربية اليوم تهتم بالكم أكثر مما تفكر في القيمة والقيم، وهي استهلاكية أكثر مما هي منتجة، وكل هذا والعالم على أبواب الثورة السمعية البصرية الجديدة ألا وهي ثورة الرقمي».

«كتبت هذه الخواطر والملاحظات والمساءلات عشرين سنة مضت وكنت آنذاك كما أنا اليوم أحس وأعتقد وأعي أنني ما كنت أكتب إلا عن نفسي كما كان طه حسين يكتب عن نفسه ويكتب عن المتنبي» وهو يقول: «اني أبعد الناس عن حسن الرأي فيما أمليت. ولا تظن أني أريد اصطناع التواضع. أو أن أغض من هذا الجهد الذي أنفقته حين كان ينبغي أن أستريح. وانما أريد أن ألاحظ أن هذا الكتاب ان صور شيئاً فهو خليق أن يصورني أنا في بعض لحظات الحياة أكثر مما يصور المتنبي. وانه لمن الغرور أن يقرأ أحدنا شعر الشاعر أو نثر الناثر، حتى إذا امتلأت نفسه بما قرأ أو بالعواطف أو الخواطر التي يثيرها فيها ما قرأ، فأملى هذا أو سجله في كتاب، ظن أنه صور الشاعر كما كان، أو درسه كما ينبغي أن يدرس، على حين أنه لم يصور إلا نفسه، ولم يعرض على الناس إلا ما اضطرب فيها من الخواطر والآراء».

الحياة اللندنية في

09/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)