حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

علي نصار:

مسيرة الشعوب السينمائية تبدأ بالوثائقي 2

حوار: سعيد أبو معلا/ رام الله

تحدثنا في الجزء الأول من الحوار مع المخرج الفلسطيني "علي نصار" عن واقع السينما في الداخل الفلسطيني والجدل الذي تثيره دوما سواء من خلال التمويل أو العرض حتى التمثيل أو المشاركة في لجان تحكيم في مهرجانات إسرائيلية، وهنا في الجزء الثاني من الحوار نرحل مع المخرج في عوالم أفلامه وتفاصيلها وما تستثيره فينا كمشاهدين وما يقف خلفها من أفكار ورؤى.

·         أنت مخرج إشكالي لأسباب لها علاقة بالطريقة التي تصنع فيها أفلامك ونوعية طروحاتها .. هل ترى أن هذا الجدل هو جزء من دور السينما بعيدا عن اليقينيات المعتادة؟

مواضيع أفلامي التي اقدمها تنبع من إيماني أن مسؤولية السينما ووجودها جاء ليغور في هذا العالم ويخضو في المضمار، فما بالك إذا أجتمعت بداخلي كمخرج فلسطيني الهم الجماعي والذاتي، لتصبح الانا متقاطعة أحيانا مع الذاكرة وحلم المستقبل؟

في كل فيلم على الرغم من ملامسته لحقبات زمنيه من حياتنا الفلسطينيه، لا بد أن تتداخل فيه تجربتي الشخصية، أما من طفولتي أو حاضري المعاش. تفاصيل كثيرة انخرطت بذاكرتي وولفتها بأفلامي، لتكون مزيجا من عالم أشبه بالخيال في واقع صعب ومربك، أشبه بملحمة بقاء وبحث عن الذات.

·         تستند في أفلامك على الأساطير والخرافات والحكاوي الشعبية......

الحكايا والاساطير الشعبيه هي أكثر القصص التي تعبر عن هواجس الشعب وهموم الأمة، فشعبنا الفلسطيني هو أمتداد لثقافة أمة تزخر بالحكايا والأساطير والتي من خلالها أحيانا نستطيع إعطاء ملامح الحقبة التاريخية، وزمن الحكايا، فالحكاية أو الاسطورة في أفلامي كان لها دور كأداة تعبيرية ذات بصمة تتعلق بهوية كادت أن تزول على مر التاريخ، فالحكاية تعطيني المساحة في التعبير ومساهمة مني أيضا في إحياء حكايانا دفاعا عنها من أجل البقاء.

·         القرية ايضا حاضرة بقوة وكأنك تكتب تاريخ لهذا الهامش المسمى قرية...

ولدت في قرية جميله بتضاريسها، وبأهلها البسطاء، عشت وتنفست رائحة الأرض ومع الوقت اصبحنا جزءا منها، وأصبح لوننا كلون الارض، فمن لفحها نحن سمر، لم أعرف المدينة و"عجقتها" ورائحة مشاوي الشارع وأكشاك الفلافل إلا بعد أن صلب عودي واكتنزت هامتي من خيرات سهل البطوف، فسافرت الى المدينه باحثا عن العلم لاتمام الدراسة الثانوية، وكانت أول مره أحصل على صورة شمسية لي عندما سافرت إلى حيفا كي التحق في الكلية الأرثوذكسية، ولكن الحظ لم يحالفني، فتكلفة التعليم كانت مرتفعة، عدت خائبا ولكن مع صور شمسية تثبت لأصدقائي أنني كنت في المدينة.

·         تجربة الفيلم المنقول عن نص روائي كيف كانت معك وكيف تصفها؟ وتحديدا عندما يكون العمل الروائي ساخرا؟

دعني أقول أن السينما منذ بداياتها وحتى اليوم أعتمدت على النصوص المكتوبة "الرواية"  أو النصوص المعده مباشرة لاجل السينما أي كتابة السيناريو. ومن الواضح أن السيناريو هو القالب النهائي للنص السينمائي، أما الرواية فمهما كانت مكتوبة برؤية صورية وسينمائية من قبل كاتبها فإنها تبقى بحاجه إلى صياغتها في قالب السيناريو. أي تحويل الرواية الى صور سينمائية وحوارات، لذا لن تجد النص السينمائي مطابقا للرواية، حتما ستدخل رؤية وفهم كاتب السيناريو للرواية، إذا هنا لدينا وجهة نظر اخرى تدخل في التركيب العام وتوليف المشاهد مع بعضها لتكون وجهة نظر الكاتب من الناحية الدرامية.

ولا بد هنا من التنويه الى بعض التقاطعات ما بين الروائي وكاتب السيناريو وربما تعارض في الرؤى ووجهات النظر وهنا تدخل قوانين العلاقة ما بين الروائي وكاتب السيناريو وصولا إلى المخرج . فعلاقات العمل وتحديدها تخفف من حدة المواجهة أحيانا، وأحيانا أخرى يتنكر الكاتب الروائي للنص المنقول أي السيناريو يحصل ذلك كثيرا.

ربما كفة الكتابة المباشرة للسينما هي الارجح والأقل اشكالية من وجهة نظري، ولكنني هنا أنحاز لنص روائي رائع ليتم تحويله لعمل سينمائي.

دائما الأعمال الروائية الرائعه كانت ولا تزال طعما مغريا للسينما. وهذا يساعد أحيانا على تسويق الفيلم في حال كانت الرواية مشهورة ومعروفة.

·         "في الشهر التاسع" تعود إلى أسطورة سائدة بوجود رجل يختطف الاطفال ويبيعهم إلى اليهود كي تروى جزء من معاناة الفلسطيني المشرد تارة والموجود على أرضه تارة أخرى.. انت هنا كما في جميع أفلامك تحاول أن تزاوج بين الواقع والأسطورة حدث ذلك أيضا في فيلم "درب التبانات" لماذا تلجأ إلى الأساطير في محاولة طرحك الواقع؟

نحن كشعب له خصوصياته وميزاته الثقافية والاثنية والتاريخية، وكثرت في تراثنا الأساطير والحكايا وهي  جاءت لتعبر عن هواجسنا وطموحاتنا، عبرت عن قلقنا من الحاضر والمستقبل أيضا، جاءت الاساطير لتحكي عن كل هذا.

وبصراحه أنا أعشق تراثنا وأساطيرنا، هي ترسم لنا "أناتوميا" (تشريح) الواقع المعاش بكل تفاصيله وتفرعاته. فيها قراءات عديده وتعطينا مساحات من الصور والتفكير، ببساطه أعشق الأساطير الفلسطينيه وأعتبرها أكبر معبر عن ذاتنا، على مدار كل محطاتنا التاريخية .

هنا لا أرى فرقا شاسعا ما بين واقعنا وخرافاتنا التي تناقلناها عن ابائنا وأجدادنا، فالذي يفصل بين الواقع والخرافة هو خيط رفيع، خيط يختلط علينا الواقع بالاسطورة، هكذا حالنا هنا. فما كانت تحكيه لي والدتي وجدتي من حكايا واساطير لا يختلف كثيرا بأثاره عن واقعنا، وحكاية "حمال طيزه بالسل" الذي يقوم بخطف الأطفال ويبيعهم لليهود خي حكاية توارثناها من قديم الزمان، نفهم منها القلق الذي أحاط باهلنا والخوف وعدم وضوح الرؤيا وهاجس الاختطاف، فهل تغير حالنا الان عن الأسطورة في فيلم "في الشهر التاسع".

لن أبالغ أن قلت بأن حياتنا هنا أشبه بأسطورة، ويعجبني جدا هذا التمازج ما بين الأسطورة والواقع في أفلامي... ففيها يختفي الخيط الرفيع الذي يفصل بين الواقع والأسطورة، وكأنني أحكي عن واقع الأسطورة أو أسطورة الواقع.

·         تبدو في جزء من أفلامك راغب بالتأريخ لمرحلة مهمة في تاريخ فلسطين، مثلا فيلم "جمر الحكاية" وكأنك تقول أن ما وصلنا إليه اليوم هو نتاج حدث جرى في مكان لا يخصنا ممثلا بانهيار الاتحاد السوفيتي حدث عام 1991. وفي سنة 2002 قمت بإنجاز فيلم بعنوان "في الشهر التاسع" عن أحداث تعود لعام 1991، وفي فيلمك "درب التبانات" تعود لتقدم حياة قرية ما بعد عام 1967، وكأنك هنا غير معنى باللحظة الراهنة أم أن الأمر محاولة للاطلاع بمهمة التأريخ وحفظ الهوية المرتبط بواقعنا اللحظي؟ أم كأنك تقول أن ما يجري لنا اليوم هو انعكاس لذلك الماضي القريب أو حتى البعيد؟

أنا لست بصدد أفلام تأريخية هذا الأمر لا يعنيني، ومع ذلك  شئت أو أبيت هنالك محطات زمنية في عمر شعبنا لها أسقاطاتها وأثرها على الناس الذين عايشوا أحداث تلك الفترة. وربما بعضها كان مفصليا في حياتنا، فكان لا بد لي أن أنوه للفتره وأسلط بعض الضوء عليها، دون الابحار والتوغل الى التفاصيل الممله والتأريخية، وانما لتعينني في رسم معالم ولو بسيطه لتكون عاملا دراميا يساعد المشاهد على معايشة الفترة الزمنيه المعنية.

وهكذا في كل أفلامي وان كانت تتحدث عن فترة زمنيه بعيده أو عن الواقع فنرى ما يجمع بينها اسطورة الواقع وواقع الاسطورة، ناس تعيش الشقاء لكنها لا تفقد الأمل، بشر طموحون يعيشون القلق بأنواعه المختلفه والذي مصدره واحد، تحب وتفرح ولكنها تخاف على تلاشي هذا الفرح بسب عدم الاستقرار.

وفي أفلامي يتقطاع الهاجس الجماعي بالهاجس في عدة قضايا مشتركة، على الرغم من أنني أضع الانا والذاتية في المرتبه الأولى، لأنها مقياس للارادة الذاتية على التمرد والتألق وليست بالضروره أن تكون مناقضه للهم الجماعي.

·         لماذا حولت اسم فيلمك الأخير من «في انتظار صلاح الدين» إلى "جمر الحكاية"؟

الاسمان لي، وهما عصارة تفكيري، لكنني تحيزت بالنهاية لتسمية "جمر الحكاية" خوفا من المباشره في التسمية الأولى، ورأيت في تسمية "جمر الحكاية" عنصر تشويق ويمنح العمل قراءات عديدة.

·         شخصية رجل الدين بدت نوعا ما كاريكاتورية في أفلامك،...

لم أكن يوما من الأيام ضد الدين الثوري، على الاطلاق، فأنا أتيت من بيت متدين ومحافظ ولم أرى نفسي يوما من الايام في مواجهة مع الدين رغم أفكاري الاشتراكية. أؤمن دائما بأن الوطن فوق الجميع ومن أجل الوطن على كل التيارات والاتجاهات أن تتحد، من أجل الخلاص.

·         لماذا هجرت الوثائقي؟

دراستي كانت سينما وثائقية، لكن لحسن حظي وخلال دراستي تعلمت كتابة السيناريو والتمثيل والتصوير، أما ميولي فكانت من البداية روائية، ومع ذلك كان أول فيلم وثائقيا وأنا أعتقد أن مسيرة أي شعب السينمائية تبدأ في الفيلم الوثائقي، ومع ذلك أحببت ان اذهب مع خيالي وذهني وشقاوتي لاعبر عن نفسي أكثر من خلال السينما الروائية.

·         سمعت أنك تفكر في الاقتراب من عالم الفيلم الوثائقي مجددا بعد عملك الأخير هل لك ان تخبرنا عن أهمية ذلك بالنسبة لك؟ والقضية الفلسطينية تحديدا؟

هناك أسلوب عمل يروقني، وهو ينبع من إيماني بالمزج ما بين الوثائقي والروائي، هنا تكون أداتنا السينمائية أكثر أبهارا واقناعا. أكثر ملامسة للواقع، هي وجهة نظر سينمائية بحته لدي، ربما يساعدني إلى ذلك كون واقعنا كفلسطينيين نعيش فيه ما بين أسطورة الواقع وواقع الاسطورة، أضافة إلى وجودنا في عالم متسارع الأحداث يقربنا أكثر من أيقوناتنا الفلسطينيه الحقيقية. هناك فكرة فيلم وثائقي أعمل عليها حاليا وأتمنى أن أجد جهة تنتجه.

·         بعد تجاربك الثلاث أو الأربع الروائية ما الذي تحلم به؟ وما هو سقف مشروعك السينمائي؟

أحلم أن تكون لدينا صناعة سينما فلسطينيه، لأن ما نقوم به حتى الان عبارة عن محاولات ومبادرات ذاتية تكلفنا العناء الكبير، وذلك لعدم وجود جهة ترعى هذه المحاولات الجبارة، والتي تركت بصماتها على السينما العالمية.

أحلم بظروف أفضل حتى يكون باستطاعتنا والاجيال القادمة أنجاز أفلام أكثر وبمستويات عالية، كي نحقق أكبر قدر ممكن من طموحاتنا. أحلم بحياة ثقافية ودور عرض تمتلء بأفلامنا الفلسطينية، واهتمام أكبر من قبل شبابنا وكتابنا، احلم بأوسع انتشار لثقافتنا السينمائيه في العالم، السنا في حوار الحضارات؟ ألسنا جديرين بنشر أسمى وأعرق ثقافة إلى العالم الا وهي ثقافتنا العربية الفلسطينيه؟ 

الجزيرة الوائقية في

30/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)