حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دعاء سلطان تكتب:

السقا اعتذر عن فيلم «الديلر».. فلماذا لا يعتذر عادل إمام عن «بوبوس»؟

أحمد السقا اعتذر عن خطئه في فيلم «الديلر».. فلماذا لا يعتذر عادل إمام ويسرا عن «بوبوس» ومحمد سعد عن «كركر» و«بوحة» و«كتكوت».. الاعتذار سيد الأدلة علي الاحترام يا إخوانا! 

حقق حوار الدستور مع النجم أحمد السقا ردود أفعال قوية في الوسط السينمائي والصحفي وبين القراء والجمهور، فالحوار كان انفرادا حقيقيا لجريدة الدستور مع النجم أحمد السقا بعد عرض فيلم «الديلر»، ثم أنه كان الأول من نوعه الذي يتحدث فيه السقا الإنسان بعيدا عن فلاشات الكاميرا التي تزيف الابتسامة وتهذب الانفعال وتجمل الكلمات.. كان السقا حقيقيا أو بالأحري غير متحفظ لأول مرة.. لقد أجرينا حوارا مع أحمد محمد صلاح الدين السقا، وليس مع النجم أحمد السقا.. حتي إننا أجرينا الحوار في بيته.. ذلك المكان الحميمي الذي يخلع فيه الفنان ثياب النجومية ويطلق سراح طبيعته لتفعل ما تشاء دون قيود.. من فرط جرأة الحوار، أدعي البعض أنه مفبركا، ثم أكد البعض أن السقا من المستحيل أن ينطق بما صرح به في الحوار، ثم تخيل البعض أن إجراء الحوار هدفه ضرب خالد النبوي، وأخيرا أشار البعض إلي أننا ضغطنا علي السقا لإجراء الحوار! وكانت هذه أطرف إدعاءات عجائز الفرح.

بالطبع لن ندافع عن أنفسنا، فلسنا متهمين، لكننا مهتمون بكشف ضعف وركاكة حجج الكسالي، ولنبدأ من اتهام فبركة الحوار، فهذه مردود عليها بشريط مسجل عليه الحوار كاملا، وكذلك يمكن الرد علي الحجة الثانية بنفس الرد علي الحجة التي تسبقها، فالسقا بشحمه ولحمه هو من أجاب عن أسئلتنا، ويبدو أن بعضا ممن فبركوا حوارات للسقا قد انزعجوا من اعترافاته الأخيرة للدستور.

أما ردنا علي الحجة الثالثة التي تؤكد أن هدفنا من الحوار هو ضرب خالد النبوي الذي يشارك أحمد السقا بطولة الفيلم، فهذه مردود عليها بأننا بالفعل طلبنا إجراء حوار مع خالد النبوي، لكنه أكد أنه مرتبط بحوار مع جريدة أخري، ولم نجر الحوار معه بسبب التزامه مع الجريدة الأخري، وأجرينا بعد ذلك مباشرة حوارنا مع السقا، فهل لهذا علاقة بضرب خالد النبوي؟!

أما عن حجة الضغط علي السقا لإجراء الحوار، فمردود عليها بأن السقا لم يوقع لنا «كمبيالات» أو «وصلات» أمانة لنهدده بها، كما أننا لن نذكر لكم كيف وصلنا إليه وأجرينا معه الحوار في الوقت الذي عجزتم أنتم في الوصول إليه.

وإجمالا، كل ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن السقا واحد من أهم نجوم هذا الجيل، وأن قسم الفن في جريدة الدستور أحد أهم أقسام الفن في الصحف المصرية، ومن أكثرها مصداقية واحتراما، وهذا ما يشهد به السوق السينمائي علي اختلافه وتشعبه.

ننتقل إلي النقطة الأهم في هذا الموضوع.. وهي ما جاء في حوارنا مع أحمد السقا من اعترافات وما استدعاه هذا الحوار لدي كل متابع للسينما، وكل متابع للصحافة الفنية.. ألا وهو ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه.

أقوي البشر.. أقدرهم علي الاعتذار والتراجع إذا ما اكتشف أنه قد ارتكب خطأ يستحق الاعتذار.. الاعتذار من شيم الكبار أصلا، وفي المقابل وبما أن المرء اعترف بخطأه، ففي هذه الحالة لا يجوز ذبحه والتشهير به وتصفيته، فيكفيه إحساس الندم الذي يدغدغ روحه، قبل أن يستقبل سكاكين المحيطين به.

أحمد السقا أول نجوم السينما الشباب اعترافا بخطأه، وإن كان الفنان عمرو واكد قد سبقه في ذلك بتبرأة من فيلم «المشتبه»، لكن يظل السقا هو النجم الأول بمقاييس الجماهيرية وشباك التذاكر اعترافا بالخطأ، وهذه شجاعة لا يمتلكها سوي الواثقين، فالسقا هو أهم نجم جماهيري، وأول نجم من جانات سينما ما بعد العام 1997 يعلن عن ندمه لبطولته فيلم سينمائي أو عمل فني عموما، فقد اعتدنا من نجوم السينما الجدد - أو الذين لم يصبحوا جدد- أن يفخر كل واحد منهم بالفشل، وأن يعمي الله عينه وقلبه عن رؤية مظاهر القصور في أفلامه، وأن يخترع كل منهم حجة واهية وعقيمة للإخفاق، ليتبجح كل واحد منهم بعدها بأن فيلمه لم يفشل، وأن فيلمه جيد، بل وممتاز، لكن كل الظروف تضافرت لمنع وصول الفيلم إلي الناس، وهذه الظروف أصبحت «أكلشيه» يردده كل نجم من كتاب محفوظات النجوم، وتتلخص أسباب الفشل في الآتي: 1- كأس العالم 2- رمضان 3- حرب المنتجين 4- حرب الموزعين 5- الامتحانات 6- إنفلونزا الخنازير 7- ولادة زوجته 8- طهور ابنه!

لكن أن يعترف أحدهم أن السيناريو سيئ وأن الإخراج فاشل، وأن العمل كله بلا قيمة، فتلك شيمة لا تفخر الغالبية العظمي من نجوم هذا العصر بامتلاكها، ليختلق كل منهم سببا يناسبه.. بعضهم يعلق عدم اعترافه علي شماعة الأدب وعدم الرغبة في التشهير بفيلمه، حتي وإن كان اعترافه بالخطأ هو الوسيلة الوحيدة لتسجيل احترامه في سجلات تاريخ السينما، بينما يتشبث آخرون بقشة النجاح التجاري، والتي تنقذهم من مطاردة الفشل لهم، فيعترفون علي مضض بنجاح الفيلم رغم قناعتهم الأكيدة بأن الفيلم نجح بالصدفة!

أحمد السقا اعترف ن الجميع يحسده عليهافي حوار انفردت الدستور بإجرائه معه بجرأة، بأنه ارتكب خطأ في حق نفسه أولا ثم في حق جمهوره، لقصور رؤيته ورأيه قبل تصوير «الديلر»، ثم إنه اعتذر عن تسليم نفسه لمخرج قام بتشويه السيناريو.. هذا بخلاف استهتار المخرج بقيمة العمل من الأساس، كل ذلك فعله السقا رغم علمه ومعرفته بأن فيلمه يحقق إيرادات جيدة في ظل قصور مزعج في توزيعه، فالفيلم يعرض في خمسين نسخة فقط، بينما تعرض الأفلام المنافسة له في أكثر من مائة دار عرض، لكن النجاح الجماهيري، لم يغر السقا علي خداع نفسه، فالرجل بمنتهي النبل، وبأخلاق الفرسان أكد أن رؤيته للفيلم منذ البداية كانت قاصرة، والحقيقة أن الاعتراف بهذا الأمر - رغم أنه طبيعي وعادي- إلا أن ندرة حدوثه بين أبناء الجيل الحالي، وأبناء الجيل الذي يسبقه، تصنع من اعتراف السقا بطولة استثنائية.. كان السقا في الحوار منطلقا.. لا يرتدي قناع المجاملة الذي دأب علي ارتدائه من باب الأدب واحترام الآخرين.. كان لأول مرة منفعلا متمردا علي تربيته في بيت فنان محترم اسمه صلاح السقا.

السقا في الحوار خرج لأول مرة من عباءة «ابن الناس المتربي الطيب المجامل الذي لا ينفعل ولا يخطيء في حق أحد»، وتقمص شخصية «الثائر المنزعج.. المتربي أيضا»، فالرجل رغم انزعاجه الكبير من تجربة «الديلر» كلها، إلا أنه احتفظ بأخلاقه، ولم يكن قاسيا إلا علي نفسه.. لام المخرج، ولم يلم زملاءه الممثلين في الفيلم، وحتي لومه للمخرج، كان لوم شخص محترم لا يعرف التجاوز والخروج عن اللياقة.. كان السقا حريصا علي جمهوره أكثر من حرصه علي نفسه.. في الحوار وجه أحمد السقا كلماته لجمهور شعر أنه خذله، بينما لم يخذله الجمهور وأخلص له، حتي أن فيلم «الديلر» مازال ينافس فيلمي «عسل إسود» و«الثلاثة يشتغلونها» علي الإيرادات!

الحقيقة أننا كجمهور سنكتفي بهذا الاعتراف، وسننتظر عمل السقا القادم كبرهان وتأكيد بأن اعتذاره كان تمهيدا لفيلم مختلف ومتميز، وهو «ابن القنصل» والذي نتمني أن يتفوق بمراحل بعيدة علي «الديلر»، وأعتقد أن ذكاء السقا بإعلان اعتذاره عن «الديلر» يعطينا مؤشرا ذكيا بدوره علي أن الفيلم القادم هو نقلة مهمة في مشواره.. وإجمالا وبلا تحليلات مسبقة، فإنه ووفقا للقاعدة المدهشة: «لا يعتذر إلا الكبار»، كان السقا ومازال كبيرا بين أبناء جيله وبين جمهور وضعه علي قمة هذا الجيل، فهو أول من يتلقي الهجوم علي المغامرات، وهو أول من يحصد ثمار نجاحها، ومازال حتي الآن واحدا من أكثر نجوم جيله قبولا للنقد والهجوم الخشن أحيانا، ومازلنا نتصالح معه أحيانا ونهاجمه كثيرا، ومازال هو يحترم كل كلمة نقد توجه له، ولا ينزعج من نصيحة من يهاجمه، فهو يعلم جيدا أن متقدمي الصفوف أول من يتلقون الطلقات، وسيستمر الهجوم والدفاع متوازيين حتي ينتهي هذا النجم أو تمل السينما والصحافة من سيرته.

بعد هذا المقدمة الطويلة عن بطولة السقا وجرأته، هل يمكن أن يعترف باقي نجومنا عن سقطات فنية قد سجلتها ذاكرة السينما التي لا تغفل؟ أم أنهم سيكتفون في حواراتهم الصحفية والتليفزيونية، بالإعلان عن ندمهم عن فيلم معين، ولكنهم يخجلون من ذكر اسمه لعدم جرح باقي فريق عمله، أو لعدم جرح الجمهور الذي أحب الفيلم وعلينا نحن أن نحل الألغاز ونبحث عن الفيلم الذي ندم عليه النجم! ثقافة الاعتراف والاعتذار غائبة طبعا عن مجتمعنا، لكن استعادتها ليست مستحيلة، واستيرادها من هوليوود ليس عيبا!

ألا يعلم نجومنا الأفاضل، والذين نعتز ونفخر بهم، أنهم بإخفائهم لاسم العمل الفني الذي يتبرأون منه، فإنهم يجرحون سيرتهم بعد موتهم، ويشوهون سمعتهم عند ذكر فيلم سيئ السير والسلوك، والذي يظهر في صحيفة سوابقهم ليشهر أصابع بصماته العشر في سمعتهم، ويوصم تاريخهم كله.. ذاكرة السينما تحفظ الرديء، كما تحفظ السيء، وذاكرة التاريخ تحفظ الناجحين وتؤيد قصص نجاحهم وأرقام إيراداتهم، كما تحفظ الفاشلين وتضعهم في مزبلة التاريخ، خصوصا إذا كانوا يمتلكون أدوات النجاح، لكنهم تكاسلوا. أما الكاذبون فنصيبهم الكشف وتعرية ما يرددونه من أكاذيب وحيل في محاولة لتجميل حقيقة الفشل.

عموما.. موجود في ذاكرة السينما أن أفلام «بوحة» و«كتكوت» و«بوشكاش» و«كركر» أفلام فاشلة بجدارة.. فمتي سيعترف محمد سعد بندمه عليها؟ وموجود في ذاكرة السينما أن فيلم «بوبوس» من أسوأ الأفلام التي أنتجت مؤخرا، فمتي سيقر عادل إمام ويعترف بأنه أساء الاختيار في هذا الفيلم؟ ومتي ستعترف يسرا بمشاركة عادل إمام هذه الجريمة؟ وهل سيعترف محمد هنيدي ذات يوم بأن فيلم «بلية ودماغه العالية» فيلم سخيف لم يحظ بأي قبول فني؟ ثم هل سيواجه خالد سليم نفسه بأن فيلم «كان يوم حبك» من أسوأ الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية؟

ولماذا لم تعترف منة شلبي ومي عز الدين بأن فيلم «كلم ماما» واحد من أسوأ أفلامهما؟ ولماذا لا يعلن مدحت صالح وداليا مصطفي عن خجلهما من الاشتراك في بطولة فيلم اسمه «علموني الحب»، رغم أن الفيلم يعد واحداً من أسوأ أفلام السينما المصرية في الألفية الثالثة؟ ومتي سيعترف المخرج عاطف شكري بأنه هو المحرض علي جريمة اشتراك مصطفي كامل في بطولة أخطر جريمة سينمائية ارتكبت عام 2004 بعنوان «قشطة يابا»؟! ثم السؤال الأهم: ما الذي تنتظره ريهام عبد الغفور لتعلن عن تبرئها الكامل عن جريمتي «بالعربي سندريلا» و«عليا الطرب بالتلاتة»؟ وهل هناك ما يجعلنا نثق في عزت أبو عوف الذي هو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سوي أن يبدي الندم ويبوس القدم علي غلطته في حقنا عندما وافق علي المشاركة في فيلم اسمه «أيظن»؟! ولا اعترف إطلاقا بإعلان الندم بالجملة علي مجموعة أفلام في فترة معينة دون تحديد اسم كل فيلم كما فعل أبو عوف في أحد حواراته، فكل فيلم هو جريمة مستقلة بذاتها.

عموما مازلنا ننتظر أن يقرر أي من مجهولي الهوية الذين شاركوا في فيلمي «مجانين نص كم» و«الفرقة 16 إجرام» و«فلاح في الكونجرس» و«كاريوكي» و«ماشيين بالعكس» و«الأكاديمية» و«مجنون أميرة» و«الحكاية فيها منة» و«الزمهلاوية» و«علقة موت» و«لحظات أنوثة» و«قاطع شحن» ليعلن أي منهم مسئوليته عن الحوادث المروعة في حق الإنسانية كلها، وليس في حق السينما فقط.

نعذر جميعا الفنانين في بداية حياتهم الفنية، والتي نتواطأ جميعا في التغاضي عن أخطائها، ونطلق عليها اسم الدلع، ونقول إنها «مرحلة الانتشار»، فبالتأكيد أن جميعنا يتغاضي عن المشاركة الساذجة لمحمود حميدة في فيلم «كيد العوالم»، لكننا أبداً لن نغفر له أن يقدم مثله في هذه المرحلة من حياته، بعد أن قدم أفلام «المصير» و«بحب السيما» و«جنة الشياطين» و«المهاجر»، و«إحكي يا شهر زاد»، وغيرها.

وطبعا لن نسامح ليلي علوي إذا قدمت لنا الآن أفلاما مثل «قبضة الهلالي» و«نور ونار»، وها نحن ندرك جميعا أن احترامنا وعشقنا لقيمة الفنان الراحل أحمد زكي، يمنعنا من الخوض في سمعته وتلويثها بذكر أنه قدم فيلما من أردأ أفلام السينما المصرية، وهو فيلم «أبو الدهب»، ولا أعرف إن كان قد اعتذر عنه أم لا، لكننا في النهاية وبمنتهي الوضوح - بلعنا زلط أبو الدهب- لأنه كان السقطة الكبري الوحيدة لأحمد زكي.. نور الشريف أيضا له سقطات مزعجة تتلخص في «عفريت النهار» و«لهيب الانتقام» و«فتي الكاراتيه» و«بنات في الجامعة» و«كراوانة» و«أقوي الرجال» و«الزمن والكلاب»، ولم أسمع ذات يوم أن نور الشريف اعتذر عن هذه السقطات، رغم أنني متأكدة تمام التأكد من أنها أكثر عارا من أي اتهام كاذب ومقيت قد لحقه مؤخراً، وسعي لتبرئة نفسه منه.. بالتأكيد كنا سنحترمهم جميعا.. «محمود وليلي وزكي ونور الشريف» أكثر إذا اعترفوا بما ارتكبوه في حق أنفسهم وفي حق السينما والفن، وفي حقنا كمشاهدين من أفلام قدموها بحجة الانتشار أو لقمة العيش أو بناء علي القاعدة العقيمة «الجمهور عايز كده»، أو بناء قاعدة جماهيرية، فالتاريخ كما يذكر أنهم ارتكبوا أخطاء، فإنه يذكر أيضا أنهم اعترفوا بها وندموا عليها، ودائما يتم ذكر الجريمة - «الفيلم» جنبا إلي جنب بجوار الندم والاعتذار وإبراء ذمة الفنان أمام نفسه وأهله وجمهوره، ولذا فليعلم الفنانون أن الحوارات الصحفية الجريئة التي يعترفون فيها باعترافات حقيقية قد تصدم جمهورهم، ولكنها تريح بال الفنان، وتوضع في ذاكرة الصحافة أيضا، والتي لا تقل أهمية وقيمة عن ذاكرة السينما، وأن حواراتهم المتميزة القيمة، هي تأريخ لهم ولكلماتهم وفكرهم وقيمتهم، وأن هذه الحوارات هي التي تعكس أهميتهم وقيمتهم وصدقهم وجرأتهم.. باختصار إن الصحافة الفنية هي التي تؤرخ لحقيقة الفنان، وهي التي تحدد قيمته بين أبناء جيله ومن سبقه ومن لحقه من أجيال، فالتاريخ له أكثر من باب، ولا يجب أن يجعله البعض ضيقا برفض الحوارات أو جعلها مجرد سلم للتلميع وتجميل الصورة، فكل هذه الأمور مؤقتة، والصورة لن تتجمل برتوش الكذب وإن أوهمت الجمهور بعض الوقت، وإنما تتجمل الصورة وتصبح مذهلة كل الوقت برتوش الصراحة وتطهر الاعتراف!!.

الدستور المصرية في

15/06/2010

 

طارق الشناوي يكتب:

قديمة.. يا «لمبي».. «سعد» بين مطرقة «حلمي» وسندان «مكي»!! 

يعرض اليوم فيلم «محمد سعد» الجديد «اللمبي 8 جيجا».. كان من المفترض أن يبدأ العرض الأربعاء الماضي ولكن شركة التوزيع المسئولة عن فيلم «سعد» رأت أن النجاح الجماهيري لفيلم «عسل اسود» لن يسمح بتوافر دور عرض كافية لاستقبال فيلم «سعد».. قوة النجم في السينما المصرية هي التي عادة ما تحدد عدد شاشات العرض التي ترصد لتستقبل فيلمه الجديد وهذه الجاذبية تخضع لمعايير كثيرة أهمها قدرته علي حصد الإيرادات وغالباً فإن إيرادات الفيلم الأخير أحد المؤشرات المهمة علي إفساح العدد الأكبر من الشاشات وأفلام سعد الأخيرة علي الأقل منذ «كتكوت» ثم «كركر» وصولاً إلي «بوشكاش» والحالة غير مرضية علي الإطلاق.. لا نستطيع بالطبع أن نحكم علي الفيلم الجديد قبل مشاهدته ولكن «التريلر» الذي يعرضه التليفزيون وتتم الإشارة إليه في دور العرض يؤكد أننا بصدد «لمبي».. ولهذا جابها «سعد» علي بلاطة ومن الآخر لأن عنوان الفيلم هو «اللمبي 8 جيجا».. لا شك في أن «اللمبي» منذ أن قدمه «محمد سعد» وهو يقترب من مشاعر الناس وذلك مع انطلاق فيلم «اللمبي» عام 2002 والذي اعتلي من بعده «محمد سعد» عرش الإيرادات مطيحاً بمحمد هنيدي إلا أن ولادة شخصية «اللمبي» درامياً بدأت قبلها بثلاثة أعوام من خلال فيلم «الناظر» منذ هذه اللحظة وهناك توافق بينه و الجمهور وتتابعت التنويعات «اللي بالي بالك» وبعدها «عوكل»، «بوحة» ستجد في كل هذه الأفلام شيئاً من «اللمبي» برغم أن في اللحظات القليلة التي سمح فيها «محمد سعد» للممثل «محمد سعد» بأن ينطلق بعيداً عن شخصية «اللمبي» كنا نري هذا الممثل الكامن داخل الفنان الكوميدي.. الناس يخضعون لنجم الكوميديا طبقاً لنظرية الارتباط الشرطي يشاهدونه فيضحكون.. ويسامحوه عندما يكرر نفسه ولكن إلي حين.. بعدها فإن عليه أن يدفع الثمن وبدأ «سعد» دفع الثمن خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. الإيرادات تنهار حتي إنه اضطر إلي الغياب تماماً في 2009 ولم يكن القدر رحيماً به.. يظهر في الأفق «حلمي» منذ ثلاث سنوات بإيرادات ضخمة يدعمها وعي في الاختيار ويأتي «أحمد مكي» بعده بقدرة علي الجذب الجماهيري تتأكد من فيلم إلي آخر، بينما «سعد» لا أقول «محلك سر» ولكن للخلف «دُر».. وكأنه يعيد إلينا حكاية «إسماعيل يس»، هذا النجم الأسطوري بكل المقاييس، حيث قدم باسمه أكثر من 35 فيلماً وهو النجم العربي الوحيد الذي حملت الأفلام اسمه الحقيقي باستثناء «ليلي مراد».. الفارق أن ليلي قدمت فقط 7 أفلام تحمل اسمها!!

«إسماعيل يس» بالطبع نجاحه الجماهيري لم يصل إليه «محمد سعد» لا في كم الأفلام ولا عدد سنوات تربعه علي العرش، ولكن ما يجمعهما هو ما يمكن أن نطلق عليه مرحلة التشبع التي تحدث بعد تراكم عدد من الأفلام وسوف أروي لكم هذه الحكاية علي مسئولية شاهد إثبات - متعه الله بالصحة والعافية - وهو النجم الكبير «كمال الشناوي».. كان «إسماعيل يس» في الخمسينيات هو الورقة الرابحة في سوق السينما المصرية.. أفلامه تدر الآلاف علي منتجيها والآلاف في تلك السنوات تساوي الآن الملايين.. في إحدي السنوات 1955 وصل عدد الأفلام التي لعب بطولتها «إسماعيل يس» إلي 25 فيلماً وهو رقم يدخل مباشرة الموسوعة العالمية للأرقام «جينز»، فلا أحد في العالم يستطيع تقديم هذا الكم من الأفلام سنوياً.. كان «إسماعيل يس» يرتدي حذاءً خفيفاً لكي ينتقل من استديو إلي آخر وكان المنتجون يضعون جدولاً زمنياً فيما بينهم حتي يأخذ كل منهم نصف ساعة أو ساعة علي الأكثر من وقت «إسماعيل يس» المتخم بالعديد من مواعيد التصوير ووصل ذروة الصراع إلي أن المنتج والمخرج «حلمي رفلة» أراد يوماً أن يخترق النظام وكان «إسماعيل يس» يعرض في المساء مسرحية له في الإسكندرية ويأتي في الصياح الباكر لتصوير الأفلام في القاهرة ليعود في قطار السابعة مساء للإسكندرية حتي يلحق بموعد فتح الستار وهكذا كان الجدول صارماً لا يسمح بأي تلاعب.. قرر «حلمي رفلة» ألا ينتظر مثل الآخرين في القاهرة «إسماعيل يس» ولهذا سارع ببناء ديكور قريب من محطة القطار في مدينة بنها التي تسبق محطتها القاهرة وأنزل «إسماعيل يسن» بالقوة الجبرية من القطار ليصور اللقطة قبل أن يعود للقاهرة مواصلاً تصوير باقي الأفلام!!

هكذا كان نجاح «إسماعيل يس» يدفع الجميع إلي التسابق من أجل الحصول علي توقيعه لإنتاج الفيلم.. ولاحظ المنتجون أن «إسماعيل يس» يغالي في أجره ولا يخلص في أداء دوره بسبب كثرة الطلب عليه ولهذا اجتمعت غرفة صناعة السينما في صباح أحد الأيام وقرروا بالإجماع مقاطعة «إسماعيل يس» وعدم التعاقد معه علي أفلام جديدة حتي يخفض من أجره ويعود لالتزامه ولكنهم في المساء وقفوا جميعاً أمام باب بيته يريدون توقيعه علي عقود أفلامهم.. الكل أراد أن يكسب من «إسماعيل يس» ولا يعنيه ما الذي سوف يحل بصناعة السينما وظل «إسماعيل يس» هو الورقة الرابحة في سوق السينما حتي منتصف الستينيات.. وتضاءل الطلب بعد ذلك عليه.. وعندما استجار بالمسرح ليعيد إليه بريقه السينمائي المفقود فقد كل أمواله.. وقبل أن يرحل في عام 1972 لم يجد أمامه سوي أن يعود مرة أخري إلي كباريهات شارع الهرم ليلقي بعض المونولوجات والنكت وكثيراً ما استمع إلي تعليق الجمهور وهم يقولون له قديمة يا «سمعة»!!.. ثم رحل ولم يكن يملك في حسابه الجاري سوي عشرة جنيهات.. لقد أرسل «إسماعيل يس» رسالة إلي وزير الثقافة «بدر الدين أبو غازي» في منتصف الستينيات يؤكد فيها أنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة ولكن موظفي الدولة - حيث كانت مؤسسة السينما حتي تلك السنوات تنتج أفلاماً - قال «سمعة» في شكواه إن هؤلاء الموظفين لا يقدرون فنه ولهذا لا يتعاقدون معه.. لم يذكر «إسماعيل يس» لماذا لم يعد أيضاً القطاع الخاص - الذي لا يعنيه سوي الربح - يتعاقد معه.. كان مسرح التليفزيون قد طرح حالة كوميدية أخري لم يستطع «إسماعيل يس» أن يدركها.. كان يري مثلاً أن «فؤاد المهندس» فنان جماهيري ناجح وكثيراً ما أثني عليه بل في فرقته المسرحية استعان بعبد المنعم مدبولي ليخرج له إحدي مسرحياته إلا أنه إجمالاً كان يري أنه الأصدق والأكثر جماهيرية وأن الناس سوف تعود إليه ولم يدرك أنه لا يزال ينتظر علي المحطة بينما القطار انطلق بعيداً عنه وأعني به قطار شفرة الضحك.. «سعد» أيضاً كانت تلاحقه شركات الإنتاج كل منها يعرض عليه أجراً يتجاوز الأخري بل إن الصراع الذي نراه الآن بين أكبر شركتي توزيع وإنتاج في مصر سببه الأول الصراع من أجل الاستحواذ علي «محمد سعد».. إلا أنه الآن بعد أن وصل إلي مرحلة التشبع بدور «اللمبي» وفقد الكثير من قوته علي الجذب الجماهيري وجد نفسه وقد وقع بين مطرقة «أحمد حلمي» وسندان «أحمد مكي».. «حلمي» الذي انطلق إلي آفاق بعيدة بأفلامه وآخرها «عسل اسود» و«مكي» بمفردات كوميدية جديدة أكثر طزاجة يقدمها من «إتش دبور» إلي «طير انت» وينتظر أن يعرض له فيلمه الثالث الأسبوع القادم «لا تراجع ولا استسلام».. بينما «سعد» لا يزال واقفاً ينتظر ما الذي سوف يسفر عنه «اللمبي 8 جيجا» ودعونا ننتظر معه أيضاً لنلتقي بعد الفاصل.. هل الجمهور الذي قال «قديمة يا سُمعة» سيقول لسعد بعد أن يشاهد «8 جيجا» قديمة يا لمبي!!

الدستور المصرية في

15/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)