حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"خارج عن القانون".. فيلم يشوه الثورة الجزائرية 2/2

أمير العمري

تحليل الفيلم....

أراد رشيد بوشارب أن يروي نحو أربعين عاما من تاريخ النضال الجزائري المسلح من خلال متابعة قصة أسرة جزائرية يستعرض من خلالها المراحل المختلفة من نضال نشطاء جبهة التحرير على الأراضي الفرنسية تحديدا، على أساس أن هذا الموضوع لم يتم التطرق إليه من قبل في السينما. والفكرة في حد ذاتها ممتازة، ويمكن أن تجد اهتماما بها في فرنسا، خاصة وأن التوزيع الأساسي للفيلم سيكون في السوق الفرنسية. ولكن كيف عالج بوشارب الفكرة والموضوع؟

أولا: اختار بوشارب ثلاث شخصيات ينتقل فيما بينها لكي يجسد من خلالها دراما النضال الجزائري في فرنسا: المتطرف، والوسطي، والمعتدل، أو بالأحرى: المناضل الأيديولوجي المتشدد (عبد القادر)، والمقاوم ذو النزعة الإنسانية (مسعود)، والقواد صاحب النزعة التي تميل إلى الاندماج مع الآخر والاستفادة من الوضع الراهن، ويرفض النضال المسلح (سعيد).

في أحد المشاهد يقول سعيد لشقيقه مسعود: دعك من الحرب التي لا فائدة منها.. تعالى انضم لي واعمل معي..

وهو يكرر أكثر من مرة لأمه قوله إنه يرفض حياة الضعة والفقر والهوان، كما يرفض منطق عبد القادر في أن الحرب هي وسيلة الحصول على الحرية، لأنه يجد ببساطة أنه "قد تحرر بالفعل" ألم يعد بمقدوره أن يفعل ما يشاء، وأن يحقق أحلامه في الثراء.

عبد القادر في الفيلم، شخصية جافة، متزمتة، عنيفة، فولاؤه الإيديولوجي يجعله لا يمانع حتى من قتل شقيقه سعيد. ونراه يقتل بيديه في مشهد بشع، عن طريق الخنق، كما يبرر القتل الجماعي، وهو أيضا بيوريتاني متشدد، يرفض الحب، ويعزف عن نداء الجسد، تحاول رفيقة فرنسية من رفيقات القضية أن تقيم معه علاقة عاطفية لكنه ينبذها أكثر من مرة بفظاظة. إنه نموذج "غير إنساني" فهو مثل "الروبوت" المبرمج لأداء وظيفة لا يمكنه أن يحيد عنها. وطبيعي أن شخصية بهذا التكوين، ستحدد نظرة الجمهور الأوروبي في الوقت الحالي، المشبع بكل تراث الأفلام التسجيلية والشرائط الإخبارية والإعلام السائد، وينظر إليه كصورة نمطية لـ"إرهابي" يقر بوضوح إن "المفاوضات غير مجدية" والعنف هو الحل، ويقتنع بأن "الحرب تخدم قضيتنا"، بل ويحكم بالإعدام شنقا، على منافسه السياسي في حزب الحركة الوطنية، في إطار الصراع بين الحزبين على جمع الأموال من الجزائريين العاملين في فرنسا في تلك الفترة.

هذا "الاستقبال" لشخصية عبد القادر ليس إسقاطا من عندي، بل هو ما تشي به قراءة تكوين الشخصية دراميا حسبما يعرضها الفيلم: في سلوكياتها وسيكولوجيتها، بغض النظر عن كونه ينتمي إلى حركة تستخدم "العنف الثوري". فالنظرة السائدة اليوم في فرنسا وأوروبا إلى "كارلوس" مثلا (الذي شاهدنا فيلما عنه في مهرجان كان الأخير أيضا) هي أنه "إرهابي" كان يقتل الشرطة ويقاوم الدولة "القمعية"، في حين أن كارلوس يرى نفسه "مناضلا" كان يخدم القضية الفلسطينية العادلة منطلقا من قناعات أيديولوجية. إذن ليس المهم هو ما تقوله عن نفسك، بل المهم كيف يراك الآخرون من خلال ما يعرض عليهم. وهنا، أي في فيلم "خارج عن القانون" يبدو عبد القادر كأنه "خارج عن القانون" أي قانون المجتمع (لاحظ أنه جاء من الجزائر إلى فرنسا، ولم يمارس العنف في الجزائر حيث الاستعمار المباشر) وهي نقطة أخرى ضد الفيلم. بل إن اختيار عنوان كهذا للفيلم يضر بالفيلم نفسه، ويحوله إلى نوع من الإدانة. وهو يموت في نهاية الفيلم، ولا يعيش لكي يرى بلاده تتحرر كما كان يحلم، في إشارة واضحة على أنه نموذج مدان ومرفوض.

إذن الشخصية "الثورية" التي تتعاطى الإرهاب الثوري، وتخلص لقضية الثورة حتى النهاية، وتثير وجدان الجزائريين بالشعارات والهتافات التي تتردد كثيرا في الفيلم، هي شخصية سلبية مقضي عليها بالموت.

أما مسعود، فهو المحارب السابق، الذي يبدو أنه خبر الحروب، وأدرك معاناتها، لكنه يجد نفسه تحت تأثير الدافع الوطني، إلى استخدام خبرته، في خدمة قضية يراها بالتأكيد عادلة. لكنه لا يبدو منسجما مع كل هذا التشدد: إنه يعترض على رفض أمه لسوكيات سعيد شقيقه، بل ولا يمانع من الحصول (هو وعبد القادر) على أموال الدعارة، لتمويل النشاط الثوري، يتقيأ بعد أن يخنق رجلا اتهم بسرقة أموال الجبهة بيديه، وهو أيضا يرغب في العيش الهانئ المستقر، ويتزوج وينجب، لكنه يموت في النهاية ميتة عبثية دون أن يحقق نصرا.

أما الوحيد من الأشقاء الثلاثة، الذي يبدو الأكثر منطقية وقبولا، بل وأكثر "إنسانية"، ضمن السياق العام للفيلم، فهو "سعيد" القواد، صاحب الكباريه، معتنق المنطق المادي النفعي (البرجماتي) وليس الثوري، الرافض للنضال المسلح ولفكرة الثورة، الداعي إلى التحرر عن طريق العمل الحر وكسب المال، الذي يبني ويؤسس في المهجر، كيانا يمكن أن يستمر، والذي يصنع أيضا (وهذا مهم رمزيا) بطلا من إبطال المستقبل "الجزائري" أي بطل الملاكمة (الذي سيكون أول ملاكم يرفع علم الجزائر- كما يقول حرفيا في الفيلم). وسعيد هو الذي يساعد بالمال: الشقيق، والجبهة، وبطل المستقبل. وهو الذي يريد انتشال الأم من وهدة الفقر والفاقة، وهو الوحيد من بين الثلاثة الذي يجعله صانع الفيلم يعيش ويبقى لأنه الوحيد الذي دعا إلى "الاندماج" مع الواقع، والاستفادة من النظام الرأسمالي.

الناحية السينمائية..

كان هذا من ناحية البناء وتكوين الشخصيات كما صنعها رشيد بوشارب وزميله في كتابة السيناريو أوليفييه لوريل. ولكن من الناحية السينمائية، كيف تعامل بوشارب مع تلك الشخصيات وما هي الأجواء التي وضعها فيها وكيف أدارها؟

من عنوان الفيلم وملصقه السينمائي يمكن للمشاهد أن يدرك أنه مقبل على مشاهدة فيلم من أفلام الجريمة.

يرتدي الأبطال الثلاثة بل والكثير من شخصيات الجزائريين في الفيلم، القبعات طوال الوقت، حتى في المشاهد الداخلية التي لا يكون معتادا فيها ارتداء القبعات (إلا في أفلام العصابات).

وتدور المعارك والمطاردات على طريقة أفلام "الأكشن" الأمريكية، وباستخدام الرشاشات الطويلة، ويكفي مثالا أن نتأمل في طريقة وأسلوب إخراج مشهد اقتحام مقر الشرطة: تمهيد من زوايا متنوعة، إيقاع سريع، لقطات قريبة، كاميرا مهتزة، إضاءة معتمة، عنف بالغ، بل إن المشهد منفذ بتأثر واضح من بناء مشاهد التصفيات العنيفة في فيلم "الأب الروحي" The Godfather

إن الفيلم يختصر نضال الثوريين الجزائريين في فرنسا في أنماط من هذا النوع، ويصورهم في أجواء أفلام العصابات، كما لو كانوا يقومون بانتقام شخصي مباشر (لاحظ مثلا كيف يعود عبد القادر ورفيقه مباشرة إلى القيادي في حزب الحركة الشعبية لكي يشنقه في مشهد بشع مقزز مثير للاستنكار). وعندما يبتعد الفيلم عن مشاهد القتل والعنف والاعتداءات والابتزاز والتهديدات، فإنه يكتفي بأن يصور لنا المناضلين وهم يرددون الهتافات والشعارات. إن المجموع هنا، يختصر في شرذمة من الأتباع الذين لا دور لهم سوى ترديد الشعارات كما في مشهد المترو.

وتأكيدا على طابع أفلام العصابات، نرى كيف يهدد عبد القادر رجلا جزائريا يبدو مسالما تماما (ضابط شرطة واضح أنه يعمل في الجانب المدني) يصوره وهو يقضي عطلة نهاية الأسبوع مع زوجته وطفلته في حديقة عامة، زوجته الفرنسية الجميلة الوديعة الوجه تتطلع إليه في حب وثقة، يتبادل نظرات الود والمحبة مع ابنته الطفلة البريئة في الحديقة. هنا لابد أن يتعاطف المتفرج مع تلك الأسرة المسالمة. وفجأة يظهر عبد القادر ومسعود في معطفيهما وقبعاتيهما: يلوحان له بما يمكن أن يصيب تلك الأسرة من ضرر إذا رفض أن يتعاون معهم، فلا يملك الرجل سوى الرضوخ لتفادي القتل. هل مثل هذا المشهد يخدم صورة الثوار الجزائريين؟

 ويصور بوشارب كيف يقوم مسعود بخنق "عمر" الذي يختلس بعض أموال تبرعات الجبهة لكي يشتري ثلاجة لأسرته، وذلك بدون شفقة أو رحمة أو محاكمة أو حتى مجرد الاستماع لتبريره، ألا تجعل هذه الصور كلها، جمهور المشاهدين ينفر من تلك الشخصيات، ويتماثل فقط مع شخصية القواد؟ وألا تعد هذه إساءة- من الناحية الفكرية والفنية- للثورة الجزائرية؟

أسلوب الإخراج الذي يستخدمه بوشارب هو تارة أسلوب أفلام العصابات gangsters الأمريكية تحديدا، مع بعض لمسات ما يعرف بـ"الفيلم نوار"، وتارة أخرى أسلوب أفلام الغرب الأمريكي أو الويسترن، مع مزيج من أسلوب الفيلم الوثائقي السياسي الذي يستخدم الوثيقة أحيانا ولكن بدون تحليل وفي سياق يشوهها تماما أو يكتفي بجعلها مجرد خلفية للحدث، غير أن الطابع الغالب على الفيلم هو طابع أفلام العصابات، وهو أسلوب مقصود تماما، وليس من الممكن أن يتبنى مخرج هذا الأسلوب في التعامل مع شخصيات فيلمه وأحداثه إلا إذا أراد أن يدينها، ويشوهها، ويحرفها عن الصورة المستقرة التقليدية عن "البطولة" و"الثوار"، بل ويجعل من "أبطاله" معادلا بصريا ودراميا لرجال المافيا الأمريكية، يتحركون بطريقتهم، ويتصرفون مثلهم.

"خارج عن القانون" ليس نموذجا للفيلم الثوري، فيلم البطولة الجماعية الذي يجسد حركة الناس، ويحلل، بصريا وذهنيا، كيف ينحاز البسطاء مع قضيتهم، لا بدافع الانتقام الفردي، بل من أجل قضية كبيرة.

كان هذا ما رأيناه في فيلم "معركة الجزائر" لبونتيكورفو، الذي يظل أعظم ما ظهر من أفلام عن الثورة الجزائرية حتى يومنا هذا. وكان الفيلم يعتمد على تحليل الصور من خلال مونتاج يعتمد على المختزن في الذاكرة الجماعية، كما يعتمد على إعادة تركيب وبناء وتجسيد الأحداث الكبيرة في الصراع من خلال الإيجاز والتوظيف المقتصد للسرد، بعيدا عن الرغبة المراهقة في "الإبهار" أو ذلك الميل الواضح هنا إلى الاستطرادات والثرثرة، بل وربما تكون نمطية الشخصيات هي التي أضعفت من أداء مجموعة الممثلين الذين سبق أن تفوقوا كثيرا في فيلم "البلديون".

إن فيلم "خارج عن القانون" في المحصلة الأخيرة، سواء عن وعي أو عن سذاجة في الطرح والمعالجة، يشوه نضال الشعب الجزائري ويجعله مجرد صراع طويل بين عصابتين، أو مجموعتين من الأشرار.

الجزيرة الوثائقية في

10/06/2010

 

"آفريكادوك".. نحو جيل جديد من الوثائقيين الأفارقة

محمد ولد ادوم . سيلوي ـ السنغال 

اختتمت يوم الأربعاء 9/6/2010 بمدينة "سيلوي" فعاليات النسخة الثامنة من "اللقاء الإفريقي للفلم الوثائقي"، "لوما".. الذي تنظمه كل سنة "أفريكادوك" المهتمة بدعم الفلم الوثائقي في الدول الإفريقية.. هكذا عاشت  مدينة "سينلوي" السنغالية الساحلية تسعة أيام بلياليها على إيقاع  السينما الوثائقية  التي بدأت حماها تدب في أوصال المخرجين الأفارقة منذ بعض الوقت، بل إن جيلا من الوثائقيين الأفارقة بدأ يتشكل معلنا ميلاد السينما الوثائقية الجديدة بنفس شبابي وبنظرة مختلفة إلى حد ما عن الأفلام الوثائقية التي صورها ويصورها المخرجون الأفارقة من جيل التأسيس فضلا عن مئات الوثائقيات التي أنجزت بواسطة مخرجين أوروبيين بغرض الاكتشاف وفض غشاوة الغموض الإفريقي.

"لوما" تعني في أغلب اللغات الإفريقية السوق، وقد أراد منظمو هذا الحدث له أن يكون سوقا بالمفهوم الواسع للكلمة و يضم عديد الأنشطة التي تهدف مجتمعة إلى تمكين المخرجين الأفارقة الشباب ـ ممن أنتجوا أفلاما، وممن ما زالوا يحملون أفكارا في أذهانهم ومشاريع أفلام على الورق ـ من لقاء أكبر كم ممكن من المنتجين في أوروبا وفي إفريقيا من جهة.. ومن جهة أخرى تمكينهم من لقاء قنوات البث العالمية في إطار سوق الأفلام الوثائقية الإفريقية حتى يكون لأفلامهم صدى ويتم بثها على نطاق واسع.. سلسلة الأنشطة تلك تجسدت في أربع حلقات أساسية.

أولى هذه الحلقات نظمتها جمعية "دوك. نت" وخصصت لمحاضرات حول الفلم الوثائقي وخصوصا الوثائقي الإفريقي وحضرها ممثلون عن منظمات السينما في غرب إفريقيا المهتمة بعروض الأفلام في الساحات العمومية وداخل الأحياء الشعبية والقرى والأرياف وتهدف إلى بحث عن مكان لأفلام هذه الجمعية في عروض السينما الرحالة التي تنشط في عدة بلدان إفريقية خصوصا مالي، بنين، التوغو، النيجر، بوركينا فاسو وموريتانيا.

الحلقة الثانية كانت سوق الأفلام "لوما"  وهو سوق جمع هذه السنة 170 فلما وثائقيا إبداعيا لمخرجين أفارقة ومنتجين من إفريقيا وأوروبا وحضره لفيف من ممثلي القنوات الفضائية الإفريقية والأوروبية من بينهم ممثلة الجزيرة الإنجليزية، إضافة إلى ممثلي مهرجانات عالمية.. والهدف هو البحث عن أسواق جديدة لبث المنتج الوثائقي الإفريقي داخل إفريقيا والعالم.

الحلقة الثالثة من هذا اللقاء هي  الــ"تينك" وهي ترجمة باللغة الوولفية للكلمة الانجليزية "بيتش"، والتي تعني تقديم مشاريع الأفلام بطريقة مختصرة أمام المنتجين، وهو لقاء مخصص لمجموعة من المخرجين الأفارقة الشباب يقدمون مشاريع أفلامهم أمام المنتجين ومبعوثي القنوات الفضائية الحاضرين بهدف التعاقد مع منتجين محليين وأوروبيين ومن أجل التعاقد أيضا مع القنوات الفضائية والتحري عن أيها قد تكون مهتمة بعرض الفلم إذا ما تم إنجازه وفي هذا الإطار تقدم 27 مخرجا إفريقيا بمشاريع أفلامهم التي أثار بعضها إعجاب شركات الإنتاج.

رابع هذه الحلقات هو مهرجان "فسبادوك" الذي ينظم عروضا في الفضاءات الطلقة بمدينة سينلوي يقدم من خلالها أفلاما وثائقية إفريقية بغية تعويد المشاهد والمساهمة في خلق ذائقة وجمهور للفلم الوثائقي،  الهدف من مختلف هذه المحطات ـ حسب القائمين عليه ـ هو دعم الوثائقي الإفريقي حتى يدخل سوق المنافسة العالمية من جهة، ومن جهة أخرى بحث عن سوق لهذا المنتج الذي ما زال في طور النشوء وعن فضاءات للبث سواء من خلال القنوات الفضائية خصوصا القنوات الإفريقية المحلية أو من خلال المهرجانات واللقاءات السينمائية العالمية.

السنغال، موريتانيا، المغرب، قطر، مالي، بوركينا فاسو، بنين، النيجر، جنوب إفريقيا، الكونغو برازفيل، جمهورية الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، الرأس الأخضر، غينيا بيساو، التوغو، ساحل العاج، الكاميرون، فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، البرتغال وكندا كلها دول كانت ممثلة في هذه التظاهرة من خلال مخرجين، منتجين أو قنوات فضائية.

الجزيرة الوثائقية في

10/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)