حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دينيس هوبر (1936-2010) دائماً كان يفاجئ الجميع بفرادته

صاحب الفيلم المؤسس لحركة التمرد في الستينات

ريما المسمار

مما لا شك فيه ان دينيس هوبر جسّد، أكثر من معاصريه، تلك الكلمات خلال أكثر من محطة من حياته الجامحة التي انتهت قسراً قبل ايام. ليس ذلك فقط ما يدعو الى الدهشة في مسيرة هذا الفنان المتفرّد. كثيرون يتساءلون كيف يمكن ممثلاً ان يُختزل بفيلم واحد (Easy Rider 1969) من دون أن يفقد حضوره او تبهت صورته. وآخرون يعجبون كيف استطاع الرجل ان يجتاز مرحلة الجنون والمخدرات ويخرج منها "سليماً" ولو بعد سنوات طويلة. "...فكرت جدياً ان ثمة قوة ترعاني لأنني لا أفهم كيف نجوت." كان هوبر يعني بكلماته تلك نجاته من حادث سير في العام 1999 مع ابنه "هنري" (ثماني سنوات وقتذاك) في الوقت الذي تعرض كل من في السيارة لجروح خطيرة. ولكن تعليقه ذاك ينسحب ايضاً على حياته برمتها التي تقلب خلالها بين ممثل صغير في الخمسينات الى مخرج "هيبي" متمرد في الستينات الى مدمن على المخدرات في السبعينات، مروراً بالثمانينات التي شهدت حضيض حياته المهنية والشخصية عندما عثر عليه رجال الشرطة عارياً في غابة مكسيكية وتحت تأثير الكوكايين.

لم تكن حياته العاطفية أقل فوضى. رافقت اشهر مرضه الاخيرة (عانى من سرطان البروستات طوال الأشهر الثمانية الأخيرة) أخبار انفصاله عن زوجته الخامسة فيكتوريا كاين دافي. إحدى زيجاته السابقة من المغنية ميشيل فيليبس في السبعينات صمدت ثمانية ايام فقط، أطلق عليها بمزيج من السخرية والغرابة "أروع شهر عسل".

حين يتحدث عن إدمانه الذي دخل بسببه مركزاً لإعادة التأهيل وخرج منه في العام 1983 "صاحياً"، تتكوّن صورة الانسان الذي ترك نفسه لمياه النهر، تحمله الى المجهول، بحسب كلمات أغنية "إيزي رايدر": "كنت كحولياً ولكنني، صدقاً، ما كنت أتعاطى الكوكايين إلا لأظل صاحياً وأشرب أكثر. سنواتي الخمس الأخيرة في إدمان الكحول كانت كابوساً. كنت أشرب نصف غالون من الروم، 28 قنينة بيرة في اليوم و3 غرامات من الكوكايين لأتمكن من النهوض والسير. وكنت أظن انني على خير ما يرام لمجرد انني لم أكن أزحف على الأرض سكران".

هكذا كان دينيس هوبر مفاجئاً على الدوام. فاجأ الجميع بموهبته وبجنونه وبسقوطه المدوي. ثم عاد ليفاجئهم من جديد بنهوضه وبعمق قدراته التي لم تُمنح الفرص الكثيرة لتتفجر.

عمل واحد كان المعجزة واللعنة في آن معاً. انه "إيزي رايدر" Easy Rider الذي كتبه وأخرجه ومثّل فيه في العام 1969 وكان بمثابة الفيلم المؤسس لحركة التمرد على السائد ورفضه. وعلى الرغم من ان الفيلموغرافيا الخاصة به تتضمن أكثر من 120 فيلماً خلال ستة عقود، الا أنه "بيلي" في Easy Rider الذي يبقى الاختزال الأقوى لهوبر، ممثلاً ومخرجاً وانساناً. بشعره الطويل وسترته الجلدية ودراجته النارية التي ينهب بها الطرقات على غير هدى، حفر دينيس هوبر صورته في الوعي الأميركي الجمعي.

في منتصف الستينات، اُخذ هوبر كما غيره من الشباب بالثورة الثقافية المضادة، فشارك في تظاهرات سياسية طالبت بحرية التعبير والاندماج. الجنس والمخدرات والروك أن رول كانت التعبير الحيوي عن تلك الحركة. " في تلك الايام، كنا كالخنازير، ننتظر الدواء الجديد المقبل."

قبلها، كان قد حقق الممثل المبتدئ ظهورين او اكثر في أفلام بارزة، كان أولها رفقة جايمس دين في فيلم الأخير الشهير Rebel without a Cause (1955).

في العام 1967 وبينما كان هوبر يختبر شتى صنوف المخدرات، اشتغل مساعد مخرج في فيلم صغير الموازنة حمل عنوان "الرحلة" The Trip، كتب السيناريو له شاب مبتدئ وقتذاك اسمه جاك نيكلسن وكان يمثل فيه مبتدئ آخر هو بيتر فوندا. سرعان ما اصبح الثلاثة اصدقاء. ومن هناك، خرج الثلاثة بفكرة فيلم عن روح الستينات فولد Easy Rider.

كتب هوبر السيناريو واخرج الفيلم ومثل فيه الى جانب فوندا، حيث لعب الاثنان دوري تاجري مخدرات صغيرين، يقومان برحلة طريق لاكتشاف الذات بينما يقودان دراجتيهما في بلد منقسم بين البارانويا والتعصّب. على الرغم من ان الفيلم تحول رمزاً للمرحلة ولثورة الشباب ولطراز الانتاج المستقل (انجز بأقل من 350 الف دولار)، إلا ان ظروف تصويره كانت بعيدة تماماً من الهدوء. فالخلافات بين فوندا وهوبر كانت قائمة باستمرار وغالباً ما كان يتم تجاوزها عن طريق تناول الكحول والمخدرات. يتذكر بول لويس، مدير الانتاج على الفيلم، ان نيكلسن عرفه بهوبر "كرفيق للشرب". ولكن دينيس "كان يقوم بكل شيء آخر. كان مجنوناً بامتياز ولكنه لم يوقف لحظة عجلة الابداع مهما بلغت درجة جنونه."

عندما خرج Easy Rider، كانت الستينات قد انقضت ولكن هوليوود لم تكن قد لامستها بأفلامها. "كانوا مازالوا يصنعون افلاماً مثل "أحاديث الوسادة" يقول هوبر مما أبعد الشباب عن السينما. أخيراً رأوا أنفسهم في Easy Rider.

"كانت لحظة لا تُصدق" يقول هوبر مستدركاً "ولكن هذا ما كانت عليه فقط. لحظة."

صنع الفيلم من ممثليه الثلاثة أبطالاً وحاز الفيلم جائزة في مهرجان كان لأفضل فيلم لمخرج جديد.

مع كل ما حصده من شهرة، تسبب الفيلم بخلاف بين هوبر وفوندا حول ملكيته الفكرية. ولكن بول لويس يؤكد ان هوبر هو من كتب السيناريو "لقد أمضيت مع دينيس 18 يوماً في السيارة ومعظم السيناريو جاء من أشياء عشناها." ولكن الخلاف لم يُحل أبداً.

بعد نجاح Easy Rider، اصبح هوبر فتى هوليوود السيئ الجديد. في العام 1971، أعاد كرة الكتابة والاخراج والتمثيل في "الفيلم الأخير" The Last Movie الذي، للمفارقة، كاد يكون كذلك. كان الفيلم بمثابة استشراف هوبر لتأثير عنف الاعلام على المجتمع. ولكن مرة أخرى طغت مشكلات الانتاج على كل ما عداها. فبعد أخبار حفلات هوبر الجنونية التي كانت تصل أصداؤها الى الاستديو ومن ثم قرار هوبر توليف الفيلم في بيته على طول نحو سنة ونصف، طالب الاستديو بإعادة توليف الفيلم ولكن هوبر رفض. وعلى الرغم من ان الفيلم فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان البندقية عامذاك، الا انه لم يعرض في أميركا الا على نطاق ضيق وتسبب لصانعه بتهميش كامل خارج نظام هوليوود.

السنوات التالية شهدت انغماسه في الكحول والمخدرات أكثر فأكثر وايضاً كسر مخرجين حصار هوليوود عليه. الأول كان هنري جاغلوم الذي أشركه في فيلمه Tracks عام 1976 في دور محارب متقاعد من حرب فييتنام. والثاني كان بالطبع فرانسيس فورد كوبولا في ملحمته Apocalypse Now. وفي العام 1980، أذهل النقاد عندما أحذ بقايا فيلم كان مثل فيه فأعاد كتابته وأخرجه ليشارك في مسابقة كان في عنوان Out of the Blue.

بعيد شفائه من الادمان، قدم هوبر أربعة أفلام قام بإخراجها ابرزها Colors (1988) مع شون بن وروبرت دوفال. وكان واضحاً التحول الذي أصاب أعماله من المادة الخام الى شيء من التلميع والتخطيط.

خلال حياته، كان دينيس هوبر إما يقلد فنه من خلال حياته او يقلد حياته بفنه. عندما جاء اليه دايفيد لينش بفيلم Blue Velvet كانت شخصية "فرانك بوث" تشبهه الى حد بعيد وذلك باعترافه الشخصي.

لقد منحته حياته على الهامش نظرة أعمق نحو الجانب المظلم، ومع الكحول والمخدرات كان هوبر يندمج مع شخصياته السينمائية بشكل شبه كامل. أدواره اللاحقة بعيد خروجه من المصح، أبرزت الجانب الهش الذي فيه ومن ذلك قوله في إحدى مقابلاته أن من الادوار المحببة لديه "شخصية جوزيف استاذ المدرسة المشلول عاطفياً وجسدياً الذي تتجدد حياته بشغفه بفتاة شابة". انه فيلم برونو باريتو Carried Away (1996).

هوبر عن جايمس دين

ولد دينيس هوبر يوم 17 ايار العام 1936، الولد البكر لوالديه. لم يحدث الكثير في طفولته الا ان ميله الى الدراما والنقاشات كان جلياً خلال دراسته الثانوية. لاحقاً حاز منحة لدراسة المسرح ولكنه لم يكن مولعاً بالدراسة. بعيد ظهوره في دور تلفزيوني صغير في شخصية رجل مصاب بالصرع، اتصل به اكثر من استديو ومن بينها كولومبيا. ولكن عندما طلب منه مدير كولومبيا هاري كوهين التخفف من الادعاء "الشكسبيري"، أجابه هوبر بأن "يحل عن ...". هكذا كانت بدليته اشكالية منذ اللحظة الاولى. الا ان ذلك لم يمنع وورنر بروذرز من منحه دوره الاول في Rebel without a Cause ولاحقاً في Giant حيث التقى "معلمه" كما يصفه جايمس دين.

"كان لجايمس دين التأثير الأكبر علي. ساعدني في التمثيل وشاهدته يهرم في Giant. كان أكبر مني بخمس سنوات. وكان يمر بقصتي حب عاصفتين مع بيير انجيلي واوروسولا أندريس. كنت أراه تقريباً كل يوم خلال الاشهر الثمانية من حياته. انه الممثل الاعظم الذي رأيت. كان متقدماً على الآخرين بأشواط. بينما كنت أقوم بالتدرب على الحوار والحركة، كان هو يعيش الدور لحظة بلحظة. "

بسبب هذا التأثير، التحق هوبر بمدرب دين على التمثيل، لي ستراسبورغ، الذي اعتمدت اساليبه التمثيلية على الذاكرة بما هي مهارة استخدمها هوبر في التمثيل والفن. وهناك من يعتقد ان هوبر اراد ان يملأ مكان دين بعيد وفاة الأخير التراجيدية ويكمل مسيرته المتمردة. ولكن هوبر واجه سريعاً الرفض عندما أجبره المخرج هنري هاثاواي خلال تصوير From Hell To Texas (1958) على تكرار لقطة ثمانين مرة حتى انهار الممثل الشاب وقال الحوار بالطريقة التي ارادها المخرج.

الى التمثيل والاخراج، مارس دينيس هوبر الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي على درجة عالية من الاتقان والإحتراف، ليضيف بذلك بعداً آخر الى شخصيته المتفردة والمتفرجة التي كانت خارج احتمال السينما وربما الحياة.

"النهر يجري، يجري الى البحر

أنى يذهب ذلك النهر، هناك أريد أن أكون

إجرِ أيها النهر إجرِ، دع مياهك تغسل

خذني من هذا الطريق الى بلدة أخرى

جل ما أردته أن أكون حراً

وهذا ما كان"

(من أغنية "إيزي رايدر" لروجر ماكغوين)

المستقبل اللبنانية في

01/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)