حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«هوليوود والهنود» وثائقي لنل دياموند

العلاقة الملتبسة بين السينما والسكّان الأصليين

نديم جرجورة

يُُقدّم الفيلم الوثائقي «هوليوود والهنود» (2009، 87 د.) لنل دياموند، صورة شاملة عن العلاقة السينمائية الملتبسة بين صناعة السينما الهوليوودية والهنود الحمر، السكّان الأصليين في القارة الأميركية الشمالية تحديداً. فالالتباس ناتجٌ من التبدّل الحاصل في تاريخ النظرة السينمائية الخاصّة بهؤلاء، المرتكزة أساساً على موقف سياسي وثقافي عنصريّ وعدائي بالدرجة الأولى؛ في مقابل سينمائيين التزموا ثقافة أخلاقية/ إنسانية منفتحة ومتسامحة وموضوعية إزاءهم.

أكثر من أربعة آلاف فيلم خاص بهنود أميركا تمّ إنجازها في هوليوود، أراد نل دياموند (من أصول هندية تابعة لقبيلة «كري») بواسطتها سرد الحكاية المعقّدة لكيفية تقديم الهنود على الشاشة الكبيرة. استقلّ سيارة قديمة، قادها على مدى ستة آلاف كيلومتر، لمقابلة عشرات الشهود. في النهاية، أثمرت هذه الرحلة فيلماً وثائقياً ثرياً بشهادات ممثلين ومخرجين ومؤرّخين ونقاد، وبمقتطفات بصرية مضحكة غالباً، مأخوذة من أفلام «ويسترن» قديمة، ومن أفلام صامتة أيضاً. ففي نهاية القرن التاسع عشر، صوّر توماس إديسون، بكاميرا ثابتة، هنوداً ملطّخين بالألوان ومسلّحين، يرقصون بحسب طقوسهم الخاصّة.

في مقالته المنشورة في الملحق التلفزيوني الصادر عن الصحيفة الفرنسية اليومية «لو موند» بتاريخ 23/ 24 أيار الجاري، ذكر آلان كونتان أن «صورة الهندي في السينما الأميركية عرفت مراحل عدّة»، معدّداً الأشكال التي صُوِّر فيها هذا الهندي بأنه «وحشيّ طيّب، نبيل وحرّ، ثم قاس ودموي، قبل أن يستعيد مجدّداً كرامته وحساسيته». أضاف أنّه في الثلاثينيات، «كان الهندي لا يزال شخصية شعبية في الثقافة الأميركية». غير أنّ صورة الهندي تبدّلت كلّياً في ما بعد: ففي «مركبة السفر» (1939) لجون فورد، ظهر الهنود، الذين مثّل بيضٌ أدوارَهم بعد أن صبغوا وجوههم وأجسادهم بماكياج ملائم، «متخلّفين ودمويين»، يُطاردهم جون واين «الرمز الأسطوريّ»، بهدف إبادتهم بطريقة منهجية: «هذه هي حال بعض أعمال الرسوم المتحرّكة أيضاً». أما الصورة الجديدة للهنديّ الأحمر، التي قدّمتها صناعة السينما الهوليوودية، فجاءت عبر فيلم «رجل صغير ضخم» (1970) لآرثر بن. وفي عهد قريب جداً، بدءا من مطلع التسعينيات الفائتة، عبّر سينمائيون عديدون عن التزام إنساني واضح إزاء الهنديّ، أمثال كيفن كوستنر في «الرقص مع الذئاب» (1990) وزكريا كونوك في «آتانارجويات» (فاز بجائزة «الكاميرا الذهبية» في مهرجان «كان» في العام 2001) وكلينت إيستوود في «رايات آبائنا» (2006): «صوّر هؤلاء المخرجون شخصيات هندية أكثر تركيباً وإثارة للاهتمام».

حاور دياموند في فيلمه الوثائقي هذا مخرجين عديدين كجيم جارموش وكلينت إيستوود، وممثلين أميركيين ذوي أصول هندية أيضاً كغراهام غرين ووِسْ ستودي، بالإضافة إلى الموسيقي روبي روبرتسون، ابن امرأة منتمية إلى قبيلة «موهاوكس». بهذا كلّه، «سلّط دياموند الضوء على هذه الإشكالية بشكل أخّاذ» كما كتب كونتان، مضيفاً أن ريتشارد لاموت، مصمّم الأزياء الشهير في هوليوود، «روى حكايات مضحكة متعلّقة بطريقة ارتداء الممثلين، المفترض بهم تأدية أدوار شخصيات هندية، الأزياء الهندية المطلوبة». أضاف الناقد الفرنسي أنّ الفيلم ارتكز على محفوظات استديوهات هوليوود، وانتقل إلى مخيّمات صيفية لشباب يُقلّدون الهنود: «هذه صورة ما عن أميركا، يُقدّمها الفيلم»، الذي لم يتغاضَ عن المآسي اللاحقة بالسكّان الأصليين، مستلاّ حكاياتها من أرشيف «الحوليات اليومية»، ومتوقّفاً عند «ونديد ني»، المكان الذي شهد مجزرة تاريخية، وتحوّل، في العام 1973، إلى «ساحة مواجهة عنيفة بين هنود مسلّحين بالبنادق ومصفّحات الجيش الأميركي ورشّاشات جنوده».

يُعرض على شاشة «آرتي» الأحد عند الحادية عشرة والنصف مساء

السفير اللبنانية في

29/05/2010

 

"أنت لا تعرف جاك !"

العذاب العبثي أم الموت الرحيم

بقلم : مهند النابلسي* 

في الفيلم المثير للجدل "أنت لا تعرف جاك؟",يتقمص الممثل العبقري "ال باشينو" (المعروف بادائه العصبي المقنع) بشكل مذهل شخصية الطبيب الامريكي  (الارمني الاصل) جاك كيفوركيان,ويستعرض أحداث حياته بشكل شبه تسجيلي في تسعينات القرن الماضي, والتي قادته في النهاية لان يسجن لثماني سنوات وذلك لاتهامه بمساعدة المرضى اليائسين على الانتحار والموت الرحيم بواسطة تخديرهم أولا ومن ثم اعطاءهم حقنة قاتلة.

لقد كانت أول مرضاه جانيت ادكينس ذات الاربعة والخمسين عاما والتي كانت تعاني من الزهايمر,ثم قدم خدماته لحوالي مئة مريض حسب طلبهم وعلى مدى ثمان سنوات في تسعينات القرن الماضي.وعندما شاهدت بشغف هذا الشريط التلفزيوني المتقن,افترضت أن "ال باشينو" قد جلس لساعات طوال مع الدكتور جاك الاصلي ليتمكن من تقمص شخصيته بهذا الشكل اللافت,ومن ثم تأكدت من ذلك عندما وجدت له صورا عديدة مع جاك كيفوركيان أثناء تصوير الفيلم.

استمرت أبحاث الدكتور كيفوركيان لمدة 33 عاما ,وعرف باسم "دكتور موت" في العام 1956,وبدأت أبحاثه تلفت الانتباه عند ملاحظته من تحليل صور عيون المرضى لحظة موتهم:أن شرايين الدم تصبح غير مرئية عند توقف القلب !!

تخرج هذا الطبيب العبقري في العام 1952من جامعة ميتشيغان,وخرج في العام 2007 من السجن ليمارس كالعادة هواياته الفنية كرسم اللوحات والموسيقى  وكأن شيئا لم يكن ! أما الشيء الطريف هنا فهو المقولة التي تظهر على أفيشة الفيلم"هذا الرجل يريدك أن تموت حسب شروطك"!

وقد أبدع ال باتشينو بحق في عكس قناعات وعناد جاك كيفوركيان والمتمثلة في وضع نظام معتمد "للموت بكرامة",وفي اعطاء الحق للمرضى الميوؤس من شفاؤهم واللذين يعانون من الكابة والعذاب لان ينهوا حياتهم بطريقة لائقة,والذي دعى طوال حياته لما يسمى "الموت الجيد"! نجت عائلته من مذبحة الارمن في بدايات القرن الماضي ,وكانت شقيقته التي عملت كفنية مختبر تدعمه وتساعده في عمله,والمفارقة انها ماتت أثناء نومها بالسكتة القلبية ولم تحتاج لخدماته,كذلك فقد عمل صديق له على تصوير وتوثيق حالات الموت بأدق تفاصيلها,كذلك فقد وجد محامي شجاع يدافع عنه في معظم المواقف الصعبة,ولكن ذلك لم يمنع المحكمة الفدرالية من ملاحقته على مدى السنوات وتتبع حالات الانتحار واتهامه ومقاضاته ووضعه في السجن .

نجح المخرج البارع (باري لافينسون) في انجاز شريط شبه تسجيلي ضمن سيناريو مترابط,وتمكن بحرفية من تصعيد مجريات الامور لتصل لنهاياتها المحتومة,وهو يطرح هنا عدة تساؤلات أخلاقية ودينية  تثير الجدل في كافة المجتمعات:هل يريدنا الخالق عز وجل أن نتعذب (وهو الرحيم بعباده)قبل أن نغادر هذه الدنيا الفانية؟وما المغزى الكامن وراء  العذاب والمعاناة؟وهل يحق للانسان ان ينهي حياته باختياره وخاصة اذا أصبح استمراره فيها معاناة وعبثية وعبأ على الاخرين المقربين؟ أسئلة مصيرية يطرحها الانسان في كافة المجتمعات ومن كافة الملل والاديان والعقائد,ولا يجد لها اجابة شافية ومقنعة !

لقد طرح هذا الفيلم هذه التساؤلات بشجاعة غير مسبوقة وبجرأة غير معهودة,وباسلوب أخاذ,وأحدث في اعتقادي صدمة "ميتافيزيائية- روحية" في وعي المشاهد المثقف,داعيا اياه للتفاعل مع هؤلاء اللذين كتب لهم القدر هذا المصير,كما أجبرنا وبشكل غير ارادي على الاعجاب بشخصية هذا الطبيب وشخصيته العنيدة الكاريزمية,والتي صقلها ال باتشينو بتمثيله الواقعي المدهش.كما انه سلط الاضواء على شجاعة  هذا الطبيب,الذي واجه وصارع المؤسسات القانونية والقضائية في معركة خاسرة لاثبات رجاحة رأيه  وقناعاته وكأنه يحمل رسالة. أكاد اجزم هنا أن ال باتشينو  قد قدم  في هذا الشريط التلفزيوني اعظم عمل واداء تمثيلي في تاريخه الفني الطويل,وهنا تكمن عبقرية الممثل الذي يقنعك انه يمكن أن يكون زعيما لا يرحم للمافيا,كما يمكن ان يتقمص دور طبيب مثابر وصاحب رسالة,وكما استطاع "روبرت دوفال" باداءه الهادىء والخجول أن يتقمص  شخصية ستالين الطاغية والاجرامية والسادية في الفيلم التلفزيوني الشهير الذي يحمل اسمه و الذي انتج في تسعينات الفرن الماضي,استطاع ال باتشينو هنا أن يعكس ييراعة شخصية الطبيب التي لا توحي الا بالطيبة  والاستقامة والمهنية,حتى أنه يفاجىء هيئة المحلفين في احدى الجلسات بالقول:"هل هذا وجه مجرم؟",كما انه يبقى مصرا ومتمسكا بقناعاته حتى انه يضرب عن الطعام والشراب في احدى حالات اعتقاله متجاهلا المضاعفات السيئة على صحته . يقول ادونيس ان الناس تنذهل بشخصية القاتل اكثر مما ينذهلون بشخصية القديس,من هذا المنطلق نجحت أفلام الجريمة بل وقصص الجريمة على كافة المستويات بل ولاقت الرواج والشعبية,ولكن التحدي هنا يكمن في تحويل فعل "القتل" الاجرامي الطابع الى عمل انساني رحيم ذي طابع تقني وطبي وأن يغلف الموضوع بشكل "رسالةومتطلب",هنا تكمن  الغرابة والاثارة في هذا العمل الفني ! أخيرا متى تخرج السينما العربية من غيبوبة التهريج والعشوائيات وقصص

المخدرات والغانيات والجنس والاكاذيب, وتتوجه لتسليط الاضواءعلى النماذج الانسانية المشرفة  للشخصية والانسان العربي في طول الوطن العربي وعرضه وفي دول المهجر ؟ سوأل موجه  لكافة العاملين وأصحاب الاموال والقرار في حقول السينما  والتلفزيون والفضائيات والاعلام الفني,كما أنه مطروح للنقاش من قبل نقاد الفن والسينما العرب.

*كاتب وباحث من الاردن

موقع "أوروك" في

29/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)