حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ملامح غامضة لموسم سينمائي قادم..

الامتحانات وكأس العالم وشهر رمضان.. يشكلون خريطة الشاشة الفضية

تحقيق:نسمة تليمة

انتبه الجميع منذ أيام قليلة لبداية موسم سينمائي يطرق الأبواب مبكرا في شهر مايو الحالي حيث امتلأت الشوارع بأفيشات الأفلام لكبار النجوم وأفلام لبطولات جماعية، ونشرت مواقع الإنترنت «بروموهات» لتلك الأفلام معلنين بقوة عن بداية موسم الصيف السينمائي حتي قبل نهاية موسم الامتحانات، علي الرغم أن السنوات الماضية كانت تشهد بدايات تقترب من نهاية شهر يونيو لانتهاء الامتحانات واستعداد السوق لاستقبال الموسم.

د تفننت شركات الإنتاج والتوزيع في لفت أنظار الجميع لهذه البداية المبكرة حيث استخدمت الإعلانات الخاصة في مواقع الأفلام وصور تنشر لأول مرة قبل العروض الخاصة لها.

من هذه الأفلام «عسل اسود» لأحمد حلمي والذي يكرر تجربته السابقة في العام الماضي بعدم وجود نجمة معروفة تشاركه البطولة واكتفي بنجوم كبار السن ووجوه جديدة، وأيضا فيلم «نور عيني» لتامر حسني وتشاركه البطولة لأول مرة منة شلبي وفيلم «الديلر» لأحمد السقا هذا بخلاف أفلام أخري لم تهتم بالموسم الصيفي وفضلت النزول مبكرا للمراهنة علي الموضوع ليس من بينها «عصافير النيل»، «تلك الأيام».

رأي النقاد والموزعين في توقعات موسم سينمائي قصير ومبكر، والذي يطرح تساؤلات مهمة حول قرب شهر رمضان هذا العام عن العام الماضي، ومحاولات المنتجين إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتأثير هذه الملامح علي طبيعة الأفلام المعروضة وجودتها.. هذا ما ستطرحه السطور القادمة..

مغامرة النجوم

تقول الناقدة ماجدة خيرالله إنها لا تعتقد أن قصر الموسم السينمائي الصيفي سيجعل كبار نجوم الشباك يغامرون بأفلامهم خاصة أن فيلم أحمد السقا «الديلر» أخذ وقتا طويلا في تحضيره وتكلف الكثير وأيضا فيلم حلمي، ولهذا تعتقد وجود أفلام جيدة خلال الموسم ليس لها علاقة بالسوق ودرجة تحقيقها لإيرادات هي التي ستخضع لحدود السوق ولو أن قصر مدة الموسم قد تؤثر بعض الشيء، حيث شهر رمضان ومباريات كأس العالم ولكنها تتصور استمرار عرضها والإقبال عليها خلال شهر رمضان وحتي عيد الفطر، أما عن نوعية الأفلام فتري خيرالله أنها ستأخذ الشكل المتنوع حيث الجمهور فضل تجربة الأفلام الاجتماعية والكوميديا البسيطة لهذا فالكوميديا لن تتخذ الشكل العام في الموسم نتيجة سوء حالة هذه الأفلام في المواسم الأخري هذا مع خروج حلمي من هذا التصنيف لاعتماده علي أدوار إنسانية راقية بها جزء كوميدي جيد، وتعتقد خيرالله أن المواسم السابقة في اعتمادها فقط علي الكوميديا كان يمثل لها خطأ وقد بدأت تصححه بوجود نوعيات مختلفة في الموسم الصيفي من الأفلام.

أما عن نزول الشباب في رمضان لدخول السينما فتري خيرالله أنه من المنطقي لحلول شهر رمضان في «عز الصيف» مما سيجعلهم لا يرتبطون بالشاشة الصغيرة والمنزل ويدفعهم للنزول للسينما لهذا نتوقع موسما سينمائيا جيدا.

موسم عادي

ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما والذي تخرج مؤسسة «جهاز السينما» من هذه المنافسة حيث سيبدأون في الإعداد لأحد الأفلام ولن يدخلوا موسم الصيف بأي فيلم، يقول إنه يتوقع نزول عدد قليل من الأفلام لن يتجاوزوا العشرة أفلام في موسم الصيف، منها ثلاثة أفلام لنجوم كبار، ويتوقع أفول أفلام أخري نزلت مبكرا مثل «تلك الأيام»، «عصافير النيل» وعن خروج جهاز السينما من السباق يقول الليثي إنهم يتوقعون كل شيء خاصة قصر الموسم الصيفي ووجود شهر رمضان الذي سيربكه لهذا فضلوا عدم المغامرة ووصف الموسم بـ «العادي» لا خسارة ولا ربح قوي.

مغامرة محسوبة

أما أحمد حسنين «مدير مجمع كوزموس السينمائي» والمتحدث باسم شركة «الأخوة المتحدين» والتي

تشارك في الموسم بأقوي فيلمين حتي الآن «الديلر» و«عسل أسود»، يقول إن المغامرة هذا الصيف هي مغامرة محسوبة لأن العام الماضي الشركة طرحت فيلم «عمر وسلمي 2» في منتصف مايو وفي نهاية الموسم خرج بإيرادات عالية وصلت إلي 25 مليون جنيه ولهذا تكرر الشركة المغامرة هذا العام بفيلميها المعروضين خاصة أن شهر رمضان سيأتي مبكرا بعشرة أيام عن العام الماضي وأيضا قد بدأ عرض فيلم أحمد حلمي العام الماضي في منتصف يوليو وحقق إيرادات 20 مليون جنيه رغم قصر المدة ولهذا فضلت الشركة نزوله مبكرا شهرين ونصف مع تبكير الامتحانات هذا العام وفي كل الحالات يراهن حسنين علي جذب الجمهور لشباك التذاكر ومازالت الشركة تنتظر نزول فيلمها الثالث (8 جيجا) لمحمد سعد أما عن ملامح هذا الموسم من وجهة نظر أحمد حسنين فيري أنه سيكون موسما أفضل من العام الماضي لسببين الأول عدد الأفلام المطروحة ليس بكبير والثاني لوجود موسم عيد الفطر التالي له وهو سيكون من 10 إلي 15 يوما مما قد يؤدي لنتائج جيدة إذا ما ظهرت أشياء أخري مثل أنفلونزا الخنازير كما حدث العام الماضي، وتنوع الأفلام بين الكوميدي والأكشن مشيرا إلي مصطلح «تورتة» سيتم توزيعها كما يحلو للجمهور.

المراهنة علي الكبار

«المراهنة علي الكبار» كان تفسير الناقد محمود قاسم في نزول أفلام الصيف مبكرا لهذا تظهر الإعلانات تبعية لاستغلال الوقت المتاح والمراهنة علي الكبار يفسرها قاسم بأن موسم الامتحانات «وقت ميت» لهذا قد يراهن المنتجون علي دخول كبار السن للسينما خلال هذا الوقت بجانب فترة دخول الشباب التالية للامتحانات.

ويستبعد قاسم المراهنة علي نوع واحد من الأفلام هذا العام ويتوقع التنوع ولا يعتقد خسارة المنتجين لوجود وسائل عديدة للمكسب في جعبتهم.

دورة رأس مال

ويري د. عبدالعليم زكي - الأستاذ بمعهد السينما - أن إنتاج التليفزيون في رمضان يؤثر علي السينما وعدد روادها ولكن يبقي جمهور السينما مهما كان التوقيت وهذا ما يراهن عليه المنتجون لنزول هذه الفئة مهما حدث، ويستبعد زكي استمرار أفلام العنف والعشوائيات في هذا الموسم أيضا والتي كانت لها نصيب الأسد في المواسم السابقة ويري أن المنتجين لا يرغبون بالطبع في الخسارة ويضعون كل التوقعات للموسم حتي وإن حدث قلة الإقبال علي شباك التذاكر ولكن التوزيع الداخلي والخارجي يقلل الخسارة ويغطي التكلفة فالفيلم الناجح هو «دورة رأس المال».

أما الكاتب هاني فوزي فيتوقع تغيير ملامح الموسم السينمائي الصيفي لوجود شهر رمضان وقربه كل عام عن العام الآخر ولو أنه يري أن الأفلام هي حاجة إنسانية مهمة طوال العام وليس في الصيف فقط ويتذكر منذ سنوات عدة لم يكن هناك موسم صيفي أو شتوي للسينما وهذه التغييرات كلها خلال السنوات الماضية جعلت هناك أفلاما في رأيه لا تصلح للصيف ولهذا يفضل منتجها أو العاملون عليها نزولها في أوقات أخري ويعيد فوزي كل شيء للإنتاج وحجمه والقنوات الفضائية التي هي الممول الأساسي لهذا.

ويقول الناقد الكبير رفيق الصبان إن الأفلام قد تم عرضها مبكرا لاكتساب وقت قبل رمضان وهي مجازفة من نوع خاص لأن الأفلام التي بدأت تعرض جمهورها بالدرجة الأولي جمهور شباب، ويضيف الصبان أن الأفلام السابقة لها هي أفلام مهرجانات مثل «هليوبوليس»، «تلك الأيام»، «عصافير النيل» وهي لم تنجح لأن الجمهور اعتاد علي نوعية أفلام معينة موسم الصيف سيحققها له وتستجيب لرغباته، ويري الصبان أن الموزعين والمنتجين هم المسئولون عن خلق أفلام الصيف والمواسم والتي لم تكن موجودة من 10 سنوات.

الأهالي المصرية في

28/05/2010

 

محمد عبدالمنعم الصاوي يتحدث عن «ساقيته» لـ«الاهالى":

وضعت خطوطاً حمراء للساقية ولا أرفض الندوات السياسية

حوار:نسمة تليمة  

«الناس تشعر أنها تتعامل مع مكان يخصها.. قريب من اهتماماتها وأفكارها، مهما تفاوتت درجة التعليم والثقافة لديهم».. هكذا يري سر نجاحه الذي لم يكن يتوقعه عندما اهتم بهذا المكان الواقع تحت كوبري 15 مايو، والذي كان يمتلئ بالقمامة وتواجد قوي للعاطلين والمشتبه فيهم، محمد عبدالمنعم الصاوي صاحب «الساقية» هذا الرجل الذي اكتسب احترام الجميع، ودخل في مغامرة من نوع خاص ليتحمل اعتذارات الفنانين والشخصيات العامة في البداية عن الحضور عندما كانوا يرددوا «تحت الكوبري؟» حتي استطاع أن يثبت رؤيته وفكرته التي آمن بها كما آمن بالشبان. < <

·         هل ساقية الصاوي كانت مغامرة بالنسبة اليك؟

- لم أشعر أنها كانت مغامرة لأن هذه الكلمة مرتبطة بالربح وأنا لا أنظر لها بهذا الشكل، وفي الحقيقة كثيرا ما تحدثت عن هدفي ولكن في بعض الأحيان لم أهتم بتصديق الناس لي فأنا أعمل ما أريده ومن يريد أن يعتقد في أي شيء فليعتقده، ولو أنني محظوظا لأن غالبية الناس محسنة الظن بي، لهذا أعتبر الناقد شخصا مخلصا، أمينا، والساقية كانت حلم راودني كثيرا وكنت مستعدا حتي أقبل بأقل كثيرا من هذا النجاح.

·         ما الذي حرصت علي عدم تواجده بالساقية لتتميز عن المؤسسات الثقافية الأخري؟

- أقتنع أن أفضل ما في الساقية أننا لا نميز بين شخص وآخر الجميع نعامله نفس المعاملة سواء جمهورا عاديا أو سفيرا أو محافظا أو حتي حارس عقار بالزمالك، أيضا لا نسأل أحدا عن هويته، ولا نميز بين المصري وغير المصري في أي شيء ولا حتي أسعار التذاكر بجانب أننا لا نعمل بروتين يومي معتاد قد يعطل العمل.

خطوط حمراء

·         وماذا عن برنامجكم الثقافي.. ومميزاته؟

- التنوع والتجربة الأولي أرحب بهما بشدة، فنقبل كل الإبداعات حتي التي يجرمها البعض مثل «موسيقي الروك» والتي قال البعض عنها إنها مرتبطة بعبدة الشيطان، هي «مزيكا» مهمة وفن جيد أما السلوكيات المصاحبة لها من البعض غير مرتبطة بها ومن الأفضل أن تكون أمامنا حتي نقيمهم فلسنا مجردين من المسئولية.

·         نتعامل مع السياسة بحدود.. ما هي الخطوط الحمراء لساقية الصاوي؟

- بشكل عام أرفض التجريح في أي شخص ولكني أقبل نقد القرارات والسلوكيات الخاطئة والسياسات، وأفضل أن نتحدث عن ظواهر بعينها، ولا يجوز الحديث عن الأشخاص هذه هي خطوط حمراء وضعتها أنا للساقية.

·         إذن لماذا تختفي الندوات السياسية من برنامج الساقية؟

- لم تختف فعليا ولكنها قد تكون قليلة والأغلب هي ندوات إعلامية تتحدث عن سياسات البلاد والمجتمع بشكل عام مثل ندوة أحمد المسلماني، وسنحاول استعادة الندوات السياسية مرة أخري لأني مقتنع بأنه لا يجوز عزل الثقافة عن أي مجال في الحياة ولا حتي السياسة ولكني أعزل الحياة الحزبية فقط لأن المجتمع يهيمن عليه الحزب الوطني فقط ولن تصبح الساقية منبرا آخر للحديث عنه.

·         كيف تري المنافسة مع وزارة الثقافة؟

- أراها غير عادلة والميزة ستكون في صالح الساقية لأن موظف الحكومة مقيد بكم كبير من التعقيدات والروتين الذي يمنعه من الإبداع فهو يعامل معاملة المصانع وقياس الإنتاج أما نحن محظوظون باختفاء هذا الأسلوب من الساقية.

·         وهل حلم الساقية راود الصاوي الكبير؟

- حلم والدي عبدالمنعم الصاوي كان عبارة عن دراسة لمشروع مشابه للساقية يقوم علي استقلال مراكب في النيل لتمر حول المكان «الزمالك تحديدا» والاستماع لشخص يروي تراث المنطقة من خلال المرور علي أهم معالمها.

·         ردود أفعال الناس علي مشروعك في البداية.. كانت محبطة مثل رفض بعض المسئولين الاستضافة تحت الكوبري.. كيف واجهت هذا؟

- الممارسة أثبتت للناس أن المكان جيد ولا علاقة له بتحت الكوبري أو فوقه فالعمل القائم علي الإحساس يدخل القلب وهو ما حدث مع الساقية.

·         صرحت من قبل بأن الحكومة عليها التفرغ للمشروعات الكبري وترك المشروعات الثقافية لجمعيات أهلية.. ألا تري هذا دعوة لتخلي الحكومة عن دورها في نشر الثقافة؟

- العالم كله يفعل هذا، وقديما كان الموقف مختلفا والآن الاتجاه للمجتمع المدني في تقديم الخدمات، أتمني ألا نخشي نية الناس بل نسلح المواطن العادي ونتركه يقيم التجربة بنفسه.

·         السؤال عن تصاريح الساقية بعد سبع سنوات عمل ماذا جاء في ذهنك وقتها؟

- للمرة الأولي لم أخش شيئا ورحبت بردود أفعال الناس وافترضت حسن نية «المحافظة» والمسئولون عندما قدموا في التقرير أن المكان يشكل خطرا علي الناس لوجود باب واحد افترضت أنهم لم يروا الأبواب الأخري، وعندما قالوا هناك 800 كرسي افترضت أنهم لم يعدوا جيدا لأنهم 500 كرسي فقط ولم أقلق تماما.

تثير الضحك

·         ماذا كان رد فعلك؟

- أرسلت لوزير الداخلية بنفسه والذي أكد لي عدم وجود نية إطلاقا لإغلاق الساقية فحولوا التقرير لإعادة دراسة وتم تغيير الملاحظات وأصبحت محددة أكثر لأن الحجة الأولي كانت تثير الضحك «ماعندكوش رخصة من المحافظة» ولم أغلق الساقية ساعة واحدة واطمأننت أنني علي حق وحاولنا تنفيذ مطالبهم الجديدة.

·         2010 عام النور لماذا اخترته شعار الساقية هذا العام؟

- النور قيمة تاريخية بشكل غير عادي فكل الثقافة في العالم تدعو إلي التنوير، والثقافة نور عكس الظلام والتخلف والرجعية والجهل.

الأهالي المصرية في

28/05/2010

 

إسماعيل ياسين مرة واحدة في الحياة

أشرف بيدس  

"أهو أنا .. أهو أنا.. ولا حد يقدر الا انا.. شكلي صحيح ملوش دوا.. لكن اختصاصي في الهوي" .. لا يستطيع احد أن يغني تلك الكلمات سواه.. انه إسماعيل ياسين الحالة الاستثنائية والجميلة في تاريخ الفن والتي لم تتكرر مرة أخري بتفاصيلها وملامحها وقفشاتها ومواقفها .. إسماعيل ياسين مرة واحدة في العمر.. ولا يمكن وجود نسخة اخري تحمل تلك الملامح الفريدة من نوعها.

ورغم ان الرائحة يفوح منها عطر الفكاهة، تبدو التفاصيل شديدة القسوة، لرجل افني حياته لاسعاد الناس، وصنع تاريخه دون مساعدة سوي موهبته الخالصة، رحلة طويلة من القاع الي القمة، بدأت من ارصفة الشوارع حتي توج اشهر كوميديان في مصر والشرق، وذاع صيته ليملأ الدنيا، ويصبح صاحب الرقم القياسي في عدد الافلام (أكثر من 400 فيلم)، حتي وصل به الامر في عام 1957 أن يتصدر اسمه 18 افيشا سينمائيا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ السينما العربية والعالمية، ومن الصعب أن يتم تجاوزه بأي حال من الاحوال.

ولد اسماعيل ياسين في مدينة السويس ولد في 15-9-1912، وفي سن التاسعة توفت امه، ودخل والده السجن بعد ان صادفه سوء الحظ في تجارته، ليجد نفسه وحيدا مضطرا للعمل ليسد جوعه متنقلا من مهنة الي اخري، لكن ظل الفن هاجسه ومبغاه وان حالت ظروفه التعسة من أي رفاهية ينعم به اقرانه، فكان عليه ان يمشي المشوار من أوله، لا يملك زاد ولا زواد، صارع الدنيا وصارعته، ارتمي في حضنها فلفظته، وظل سعيه وايمانه ومثابرته اشياء لم تقبل الانكسار، حاول ان يجد لنفسه مكانا، تصدي لكثير من الهجوم والسخرية ما فاق حدود البشر.. تحامل وواصل طرق الابواب التي كانت مغلقة دوما، فكانت القاهرة قبلته هربا من ذكريات مريرة، يلتحق بكازينو بديعة مصابني بعد جولات شاقة من الغناء في الافراح، ويبدأ الغيث في السقوط، وتلتقطه السينما بدور صغير في فيلم " خلف الحبايب" عام 1939، ثم تتوالي ادوار اخري بعد ذلك، ويتردد اسمه هنا وهناك ويشغل حيزا من اهتمامات الجماهير التي كانت شغوفه لفنان خارج السياق يأتي بالاشياء غير المألوفة ولا يتوقع ردود افعاله، شخص يخاف من خياله ويرتعد من صدي صوته، ورغم ذلك يواجه ريا وسكينة وفرانكشتين وعفريت المصباح والاشباح والمومياوات والغوريلات والعصابات وينتصر عليهم جميعا، ويقدم اول واخر مشهد في السينما لرجل يقوم بعملية ولادة.. برحيل نجيب الريحاني وتوقف علي الكسار عن البطولات السينمائية اصبحت الساحة ممهدة لاستقبال نجم جديد يلعب في هذا الفراغ الذي تركه هذان العملاقان، وبالفعل ينزل "سمعة" الملعب ويحتل المشهد الكوميدي بأدوات وقدرات تختلف عمن سبقوه، وهذا ما جعله يرسخ اقدامه ويزيد من شهرته اضافة لبراعته في القاء المنولوجات (اكثر من 300 منولوج) التي لاقت هوي عند الجماهير، ويصبح صاحب الفضل في عدم اندثار هذا الفن الذي مازالت الجماهير تتذكره عند مشاهدة فيلم من أفلامه.

عندما أنتج أنور وجدي له فيلم (المليونير) 1950 أمام الفاتنة كاميليا كان يدرك جيدا بحسه الفني والتجاري انه صفقة مضمونة 100%، فالمغامرة والمقامرة ليست لها مكان في حساباته، وبالفعل ينجح الفيلم نجاحا كبيرا ويقدم فيه ثلاثة من اشهر منولوجاته مع سعاد مكاوي، والغريب في الامر ان هذا النجاح الكبير، والبطولة الاولي لم يتم استثمارهما علي الوجه الاكمل، ليعود مرة اخري للادوار الثانية وهو امر شديد الغرابة لم يتكرر مع احد من قبل، وفي عام 1955ينتبه مرة اخري فطين عبد الوهاب لموهبته ويقدمه في سلسلة هي اشهر في تاريخ السينما "إسماعيل في الاسطول، والجيش والبوليس، وكان الغرض منها التعريف بالمؤسسات العسكرية للثورة، ولم يكن هناك خيرا منه لهذه المهمة الذي قبلها عن طيب خاطر رغم ما كبدته من معاناة وجهد، حتي عندما تمت الوحدة ما بين مصر وسوريا انتجت السينما في ذلك الوقت ما عرف بـ "إسماعيل ياسين في دمشق". وتتوالي سلسلة الافلام التي تحمل اسمه لتصل الي 15 فيلما. حاول المنتجون استثمارها بكافة الطريق، حتي المؤلفين لم يجهدوا انفسهم في البحث عن موضوعات تلائمه واستسهلوا الامر معتمدين علي اسمه فكانت «إسماعيل ياسين للبيع والايجار » وغيرها .

بين ليلة وضحاها اصبح القاسم المشترك في العديد من الاعمال، فكان يقبل كل ما يعرض عليه سواء تناسب مع نجوميته او كان اقل من المستوي، والمؤسف ان الكثير كان دون المستوي، ولم ينجح في استثمار جماهيريته، لانه اقتصر تعامله علي اشخاص بعينهم، وجعل من نفسه وبارادته كعكة يتسابق الجميع لالتهامها، واستثمر المخرجين والمنتجين نجاحاته ودأبوا علي تكرارها دون تطوير، وظل إسماعيل ياسين يؤدي بطريقة نمطية لم تتغير طيلة ثلاثين عاما، نفس الحركات والايماءات والقفشات، ومع الوقت اصبحت ادواره صورة بالكربون من مثيلاتها إلا في حالات نادرة جدا وتعد علي أصابع اليد الواحدة، حدث كل هذا بعد التف الحبل حول موهبته، في الوقت الذي كانت تشهد الساحة حراك جيل جديد من الكوميديانات (عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وامين الهنيدي ومحمد عوض) وكثيرون غيرهم، وباشكال وقدرات مختلفة، فقلما تجد صفات متشابهة بينهم، وجاء هذا الاجتياح الكوميدي لينسف الشكل القديم وتبدأ مرحلة جديدة لم يكن له مكان فيها. والمحزن ان من اول من استفاد هم اول من تركوه وراحوا يبحثون عن وجوه جديدة تناسب الزمن الجديد.. عاش إسماعيل ياسين في زمنه وكان الاول، ورغم ظهور اباطرة للكوميديا ظلت مكانته في قلوب الجماهير لم تتغير، لانه كان صادقا فيما يقدمه - سواء اختلفنا او اتفقنا- تحلقت حوله الناس واحبوه، سعي قدر جهده ان يكون نفسه، بملامحه الكاريكاتورية وسريرته الطفولية ونقائه الانساني، فلم نجده يمرر لفظا يخدش الحياء أو يؤدي مشهدا مثيرا يتضمن احضان او قبلات، كان يعي بفطرته حدوده ولم يحاول تجاوزها، قد يظن البعض انها البلاهة، ولكنها ليست كذلك فأي بلاهة تلك التي تجعله يعيش كل هذه السنوات؟ وكيف لنا نحن الاذكياء ان نحتملها؟.. وإذا كانت السينما قد ادارت له ظهرها بعد سنوات من العسل ، فأن المسرح لم يكن أحسن حالا وبدأت ستائر البهجة تسكب الوان رمادية، وراحت فرقته التي كونها مع أبو السعود الابياري تنهار بعد تراكم الضرائب عليها، فعزوف المنتجين أوقفه عن الصرف عن فرقته المسرحية التي قدم من خلالها 51 مسرحية منذ 1954 وحتي 1996 وشهدت وقوف نجوم كبار علي خشبته امثال محمود المليجي وتحية كاريوكا وشكري سرحان واستفان روستي وعبد الوارث عسر وحسن فايق وزينات صدقي، ويظهر مسرح التليفزيون بدعمه الحكومي ليلفظ مسرحه انفاسه الاخيرة. ولم يسجل التليفزيون من اعماله سوي القليل، تم الاستعانة باشرطتها لتسجيل مباريات كرة القدم، اغلب الظن انها كانت بلا اهداف، والبعض اخر لحفلات غنائية تم تسريبها للمحطات الفضائية.

ان الحاجة هي التي دفعت إسماعيل ياسين في اخريات ايامه ليعمل بشارع الهرم حتي يسد حاجيات اسرته، وراح يعيد منولوجاته التي اسعدتنا علي اناس اغلب الظن انهم اتوا ليشاهدوا احتضاره الاخير.

الأهالي المصرية في

28/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)