حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

النسوية موضوعاً والواقعية المباشرة أسلوباً في «واحد - صفر»

القاهرة - هاشم النحاس

فوز فيلم «واحد-صفر» للمخرجة كاملة أبو ذكري بالجائزة الكبرى في المهرجان القومي السادس عشر للسينما المصرية، يغرينا بأن نمعن النظر لاكتشاف الجديد في هذا الفيلم الذي استحق عليه الجائزة من لجنة تحكيم يرأسها المخرج الكبير توفيق صالح.

يمكن إدراج الفيلم ضمن تيار السينما النسوية، وإن كان أسلوبه غير المباشر في المعالجة قد يحجب – نوعاً ما- إدراك هذه السمة. فهو لا يناقش قضية محددة من قضايا المرأة الصارخة كما في فيلم «عفواً أيها القانون» مثلاً أو «لا عزاء للسيدات»، كما أنه لا يقتصر على الكشف عن تسلط الرجل وابتزازه للمرأة كما في «احكي يا شهرزاد»، وإنما يكشف من خلال حكاياته المتناثرة عن النسوة والمتداخلة مع حكايات أخرى عن مهانة المرأة عموماً بفعل النظام الثقافي العام الذي يحكم حياتنا اليومية.

ولا شك في أن أحداثه الساخرة بمرارة من أوضاع المرأة المصرية هي بمثابة صرخة مكتومة تنذر بالانفجار وهي تعري الأوضاع المهينة التي شملت المرأة المصرية على مختلف المستويات: الفقيرة والميسورة، الشابة ومتوسطة العمر، المسيحية والمسلمة، العاملة في مهن بسيطة أو مهن ثقافية... ولعل نظرة على شخصيات هذا الفيلم تعطي صورة أوضح:

إلهام شاهين تجسد دور سيدة تحرمها الكنيسة من حقها في ممارسة حياتها الطبيعية بالزواج بعد طلاقها، على رغم أن مطلقها ينعم بهذا الحق ويتزوج بأخرى. والسبب أنها هي التي طلبت الطلاق. المشكلة هنا ليست مشكلة قانونية فقط، وإنما مشكلة دينية أيضاً، وبهذا يقتحم الفيلم حاجز الدين مضيفاً خطوة جريئة في هذا الاتجاه إلى ما سبق أن قدمه فيلم «بحب السيما».

ونيللي كريم تلعب دور شابة فقيرة محجبة تعمل ممرضة خاصة تتعرض لتحرش أمين الشرطة عندما يجدها وحدها على كورنيش النيل، وهي منتظرة في أول لقاء غرامي لها الشاب الذي يبيعها الفول كل صباح. وعندما يأتي الشاب يجد أمين الشرطة فرصته للانتقام منها لسابق رفضها الاستجابة له، فيقبض عليهما ويرحلهما إلى مركز الشرطة بتهمة ارتكاب فعل فاضح على الطريق.

وزينة التي تقوم بدور مغنية «الكليبات» يدبر لها مقدم البرنامج مقلباً مهيناً حين يتفق مع أحد الأشخاص على أن يقوم بمداخلة من الخارج أثناء حواره معها في برنامجه. ويقدم الشخص نفسه على أنه موزع موسيقي، فترحب زينة به وهي تنتظر منه كلمات طيبة وعلى وجهها ابتسامة عريضة، لكنه يسخر منها بمرارة تدفعها إلى أن تنسحب من اللقاء غاضبة لما لحق بها من مهانة. ثم لا تلبث أن تعود بعد استراحة الإعلانات لتدافع عن نفسها وتدين هذه الخدعة التي دبرها مقدم البرنامج، لمجرد الإثارة والكسب الرخيص على حساب كرامة الآخرين. غير أن المهانة الأشد تتلقاها من منتج أغانيها الذي يكسب من ورائها الملايين ويمنحها الملاليم وهو ما لا يتيح لها بشراء شقة مناسبة تضمها مع أمها وأختها.

وتلعب انتصار دور «بلانة» تبيع بعض السلع النسائية لزبائن الطبقة الراقية. تتلقى أول إهاناتها على يد زبونة تتهمها بالغش، وتأمر حراسها باسترداد ما دفعته عنوة من حقيبتها، ثم يلقى بها في الخارج هي والحقيبة، من دون أن تشفع لها دموعها المتوسلة ولا تنفعها المقاومة. ثم تأتي المهانة الأكبر بعد ذلك على يد ابنها الشاب الصغير الذي يحاول أن يبتزها ويستولي على أموالها بالقوة ليمتلك محلاً للحلاقة. وعندما تقاوم يتهمها في شرفها هي التي أفنت عمرها على تربيته. وفي مشهد نادر نراها في أتوبيس عام يحاول شاب يجلس إلى جانبها أن يمد يده إلى جسدها، وتستسلم لضعفها لكنها تفاجأ به يندفع في احتضانها عنوة فتصرخ درءاً للفضيحة التي لحقت بها أو دفعاً للعدوان الذي يقع عليها.

ويبدع كل من الممثلات الأربع في أدوراهن وبخاصة إلهام شاهين عندما لا يجد المحامي حلاً لتحررها من قيد الكنيسة إلا في أن تغير دينها، فيبدو الفزع في عينيها وهي تمد كفها أمام وجهها بأصابع مرتجفة وكأنها تدفع عنها جسماً ثقيلاً يكتم على أنفاسها (يدعم تعبيرها تصويرها في لقطة قريبة متوسطة)، وهي ترفض هذا الحل القاصر الذي يمنحها حق حرية الزواج بينما يسلبها حق حرية العبادة.

الفيلم إذ يقدم أحداثه النقدية الساخرة باعتبارها مما يجري الآن يتخذ الاتجاه نفسه الذي سار عليه عاطف الطيب وأبدع فيه في معظم أفلامه، ويمكن أن نطلق على هذا الاتجاه اسم الواقعية المباشرة. فالفيلم لا يحيلنا إلى أحداث ماضية كما نراه في أفلام الواقعية التي ظهرت في أعقاب الثورة وتدين العهد البائد، كما أنه لا يحيلنا إلى رمزية علينا أن نفك شفرتها كي نفهم دلالتها، كالبيت المهدد بالانهيار رمزاً للوطن في فيلم «القاهرة 68»، وإنما تأتي أحداث الفيلم لتواجهنا بالواقع من دون إحالة تاريخية أو رمزية. ولكل حدث دلالته.

ولتأكيد الإحساس بالواقعية المباشرة واكتساب مصداقية الواقع، يستخدم الفيلم بعض المشاهد التسجيلية التي لا تبدو منفصلة عن بقية الأحداث بل ملتحمة بها. ولتأكيد هذا الالتحام وتأكيد الطابع التسجيلي، تأخذ الكاميرا في تصويرها للأحداث (الخيالية) نفس تكنيك التصوير للوقائع التسجيلية. يبدو ذلك في ما تحمله من رعشة خفيفة تؤكد التصوير بكاميرا محمولة على الكتف. فضلاً عن عدم القطع في تصوير بعض المشاهد، وبخاصة في الاشتباكات اليدوية لتبدو الحركة غير مصطنعة بتدخل المونتاج، أو في الحوار حيث تنتقل الكاميرا بين المحتدين في حوارهم من دون أن تقطع بينهم.

ولا يقتصر الفيلم على تقديم ممثليه وهم يتحركون في الشوارع والأماكن الواقعية كما يفعل محمد خان مثلاً في أفلامه، وإنما يضيف إلى ذلك تقديم الأحداث من خلال حدث حقيقي واقعي هو يوم المباراة الفاصلة للفريق القومي على كأس الأمم الأفريقية، حيث تستغرق أحداث الفيلم نصف دورة شمس، يبدأ مع أول النهار والناس في الشوارع ينتظرون المباراة ويستعدون للاحتفال بها وينتهي الفيلم بنهاية المباراة.

وبهذا التأطير الزمني المحدد للأحداث يقارب الفيلم فيلمي «كباريه» و «الفرح». لكنه لا ينحصر في مكان محدد أو حدث معين، وإنما تتسع مساحته المكانية لتشمل أماكن عدة في القاهرة، ما يتيح له تقديم رؤية شاملة لما يجري في هذه المدينة بخصوص موضوعه.

ولا يأتي حادث المباراة باعتباره مجرد تأطير للزمن أو تحديداً له (كما في أفلام أخرى)، وإنما يُوظّف مع الأحداث بحيث يصبح جزءاً فاعلاً في حركته الدرامية، بل ويمثل الجزء الأساسي الذي يمنح الأحداث أهم دلالتها. فمثلاً المشهد الذي يجري بين المنتج المخرج للكليبات (حسين الإمام) والمغنية الشابة (زينة)، وهو يدفعها لأداء الأغنية التي يعدها للبث التلفزيوني عقب فوز الفريق القومي مباشرة. تعتذر «زينة» عن أداء الأغنية لإرهاقها وسوء حالتها النفسية (بسبب ما تعانيه من إحباط يتفهمه المشاهد مما سبق)، لكنه يسخر من رفضها ولا يقبل اعتذارها ويجبرها على الخضوع لأوامره. وعندما تسأله مستنكرة عن جدوى الأغنية إذا لم ينل فريقنا الفوز، فيرد ساخراً وبطريقة مبتذلة ذاكراً المناسبات المتعددة والأعياد المتكررة التي يمكن أن يستثمر فيها الأغنية (!). وعندما نراه في المشهد التالي وهو يرقص صارخاً بتوجيه حركاتها أثناء تصوير الأغنية، يتكشف لنا مدى ابتذاله في ما يلقي عليها من توجيهات.

وفي مشهد اللقاء الغرامي على رصيف أحد جسور النيل بالقاهرة بين نيللي كريم والشاب بائع الفول، نرى بالصورة ونعلم ضمن سياق الحوار أن الناس اختفوا من الشوارع لتجمعهم حول أجهزة التلفزيون لمشاهدة المباراة، فيتأكد لنا على المستوى العام مدى انشغال الناس بالكرة من ناحية، ومدى حرص الشاب على الوفاء بموعده الأهم مع الحبيبة من ناحية أخرى.

غير أن أهم المشاهد التي تربط بين أحداث الفيلم وحدث المباراة وتكشف لنا عن دلالته الأعمق ما يأتي في نهايته: عندما يصدم مقدم البرنامج خالد أبو النجا بسيارته أحد أطفال الشوارع، ويأخذه إلى المستشفى، فنجد الأطباء مشغولين بمشاهدة المباراة وغير مستعدين لإنقاذ الطفل. وعندما نصل معه إلى قسم الشرطة وكنا قد ذهبنا إليه من قبل مع نيللي والشاب، يقودهما أمين الشرطة الذي يتهمهما بارتكاب فعل فاضح في الطريق، نجد الضابط جالساً على أحد المقاعد أمام شاشة التلفزيون وخلفه يقف صف من جنود الشرطة يتابعون المباراة، غير عابئين بما يحدث من حولهم خارج الشاشة الصغيرة إلى أن تنتهي المباراة، لننتقل عندها إلى شوارع القاهرة التي تمتلئ بجموع غفيرة من الشباب الذين يعبرون عن فرحتهم بالفوز بكثير من الصياح والقفز واللعب بالنار. ولكن لعل هذه الفرحة بالفوز «واحد- صفر» تبدو أعمق ما في الفيلم من سخرية عندما نربطها بما سبق من أحداث، وبها يتجاوز الفيلم الهدف النسوي إلى ما هو أشمل منه.

الحياة اللندنية في

28/05/2010

 

4 بلايين

فيكي حبيب 

6.8 بليون نسمة عدد سكان الأرض. أكثر من 4 بلايين منهم يشاهدون التلفزيون. أقل من بليونين يتصفحون الإنترنت.

الفئة الأخيرة في تصاعد ملحوظ. لكنها، حتى الآن، لم تقضِ على ما قبلها. او بكلام أكثر حداثة، لن تتذوق طعم هذه المتعة. على الأقل في المستقبل القريب.

وصول الثورة التكنولوجية الى اوجها لم يؤثر سلباً على وسيلة الإعلام الأكثر شعبية في العالم. التوقعات بأفول العصر الذهبي للشاشة الصغيرة لم تتحقق. توقعات مضادة صارت أكثر رسوخاً اليوم: التلفزيون سيظل محتفظاً بموقعه في صدارة وسائل الإعلام، وإن تغيّر شكله بعض الشيء.

التجارب الماضية لم تشكّل دروساً ذات مغزى. تربع كل جديد على عرش وسائل الإعلام لم يسر وفق سيرورة التاريخ. احتلال الترانزيستر مكان الصحيفة الورقية والـ «أف أم» مكان الترانزيستر والتلفزيون مكان الـ «أف أم»، لم يماثله تسلم وتسليم مشابه بين التلفزة والإنترنت. أبت الشاشة الصغيرة ان تترك مقعدها للشبكة العنكبوتية. لم تستسلم أمام رشق المحللين الذين نعوها مع دخول الإنترنت بيوتنا. ظنوا ان الحكاية ستتكرر. راهنوا على عامل الوقت. لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث. حتى الوقت يبدو أنه خانهم. سطوة التلفزيون بدّلت الموازين. التوقعات تبدّلت. التلفزيون سيعيش فترات عز طويلة. وربما، الى حدّ كبير بفضل وسائل الإعلام الحديثة.

دخول «غوغل» هذا المضمار عزز الاستنتاجات. لم يكن سهلاً على المراهنين على الشبكة العنكبوتية إعلان أشهر محركات البحث على الإنترنت عزمه إطلاق تلفزيون. صفعة كبيرة تلقتها وسيلة إعلام حديثة (الإنترنت) من وسيلة تقليدية (التلفزيون). اعتراف بسطوة الشاشة الصغيرة لا جدال فيه. ثم أتى الحديث عن «حاجة كبيرة للتلفزيون كمرجع أساس للمشاهدة» ليحسم النقاش.

لكنّ التلفزيون لن يبقى وسيلة تقليدية. «وحدهم الأغبياء لا يتغيرون»، عبارة استعارها هذا الأخير من تشرشل وبدأ تطبيقاته لها. لم يخش ان يغيّر جلده ويرتدي ثوباً جديداً. اساساً المنافسة لا تفسح اي مجال للخوف. إما الانسحاب من المعركة والانصياع لضرورات التكنولوجيا وإما جعلها تدور من حوله. وهكذا كان.

الإعلام المتعدد الوسائط هو الكلمة السحرية. الرابح الأكبر هو التلفزيون. عرف كيف يجعل التكنولوجيا الحديثة تأتي اليه بدلاً من ان يذهب إليها. كل الوسائل ستصبّ في منبعه.

أرباب الشاشة الصغيرة أدركوا هذه التحولات. أحاديثهم حول «عصر الإعلام المتعدد الوسائط»- بمناسبة وبغير مناسبة - تعزز هذه الفرضية. واتجاهاتهم لتطبيقها اسرع مما يكون. لن يكون التلفزيون بعد اليوم بمعزل عن الإنترنت او الراديو... الأمر سيشبه دوران الكواكب حول الشمس. كواكب تسير. والشمس صامدة.

لم يكن سهلاً ان يتحوّل المنافس الى باب النجاة.

الحياة اللندنية في

28/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)