حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صالة لواحد

روبن هود المحارب والسياسي قبل قاطع الطريق

 محمد رضا

نهاية فيلم "روبِن هود" هي بداية كل الأفلام السابقة التي تناولت هذه الشخصية التي عاشت في أواخر القرن الثاني عشر ومطلع القرن الثالث عشر. روبِن هود الذي تعوّدنا عليه هو فيما سيلي بعد انتهاء الفيلم، أما ما يسبق تلك النهاية، فهي حكاية رجل ينتقل من المحارب العادي إلى المحارب ذي القضيّة الاجتماعية. من المواطن الصالح إلى المواطن الذي يجد أن الطريقة الوحيدة لتخليص الرعايا الفقراء من تلك الضرائب الباهظة التي يفرضها الملك، هي قطع الطرق والاستيلاء على الأموال والثروات لتوزيعها على الفقراء والمعوزين.

طالما بدت الحكاية مثيرة وبطلها محق وقضيّته فيها عادلة. لكن الأفلام الأولى، سواء نسخة المخرج مايكل كورتيز سنة 1938 التي قام ببطولتها ايرول فلين  أو نسخة  ألان دوان  التي أنجزها صامتة سنة 1922  مع دوغلاس فيربانكس في دور البطولة، تمتّعت بمسحات رومانسية مناسبة  في أزمنة كان معظم الجمهور يبحث عن هذه الرومانسية في كل الأفلام المتعاطية مع التاريخ، من "علاء الدين" إلى "على بابا" ومن "لص بغداد" إلى لص مقاطعة نوتينغهام روبِن هود..

اعتقال وهروب

كان عنوان الفيلم سنة 2007 حين أمّ المخرج  ريدلي سكوت العمل هو اسم تلك المقاطعة الساكسونية البريطانية. لكن المخرج، كما قال لي مؤخراً، وجد أن على الفيلم أن يفصح ما يقصده بالعنوان: "ما حاجتي لعنوان يجهله الناس وعليه أن يفسّر نفسه بكلمات أخرى؟". تغيير العنوان كان  صائباً لكنه ليس الفعل الأهم، فأفضل ما قام به سكوت هو تحويل الحكاية من محض عاطفية إلى بحث في الحياة ومكوّنات الأسطورة والتعامل والتاريخ بنظرة جدالية تطرح رؤيته ورؤية العمل ككل فيما اتّفق الناس من قبل على اعتباره مجرّد حكاية قاطع طريق سليم النيّة واقع في حب ابنة السيد وولتر لوكسلي (ماكس فون سيدو) التي أسمها ماريون (وتقوم بها كايت بلانشيت)

الملك رتشارد قلب الأسد (داني هوستون)، عاد من توّه من الحرب الصليبية. عاد منهكاً ومتراجعاً ومهزوماً روبِن لونغسترايد، أو روبِن هود كما اشتهر لاحقاً (راسل كراو) من بين الذين عادوا معه كونه خدم كجندي. هناك اقتحام لقلعة بريطانية في مطلع الفيلم تشي بما يختزنه المخرج لاحقاً من مشاهد قتال بارعة التصميم والتوليف. لكن الآن هناك نزاع بين روبِن هود الذي يلعب الثلاث ورقات، وبين محارب عملاق يتّهم روبِن بالتزوير. معركة تنشب بينهما فيمتثلان أمام الملك الذي يسأل من بدأ المعركة. ينبري روبِن لتحمّل المسؤولية فيمتدح الملك شجاعته، ثم يسأله ما رأيه بالحرب الصليبية فيقول له روبِن أن قيام الصليبيين بقتل 2500 مسلم في قلعة عكّار هي مجزرة وليست حرباً وأنها لم تكن مباركة من الله. يقول له الملك: أنت لست شجاعاً فقط، بل ساذج أيضاً ويأمر بحبسه. خلال ذلك يُصاب الملك ويُقتل وروبِن هود وصحبه (بينهم العملاق الذي كان في نزاع معه) يهربون من الاعتقال ليكتشفوا أن آل على نفسه تسليم التاج إلى العائلة المالكة قد أصيب في محاولة سطو قادها المتمرّد غودفري (مارك ستون) ووصيّة هذا قبل موته هو أن يُعيد روبِن سيفه إلى والده السير وولتر لوكسلي. روبِن يعد ويدفن الجثّة لكن ليس من قبل أن يرمي غودفري بسهم لامس وجهه وكاد يقضي عليه. روبِن يريد تسليم شيء آخر: التاج الملكي بات معه ويريد التوجّه به إلى الأمير الشاب جون (أوسكار إيزاك) شقيق الملك الراحل لكن حتى يقوم بالمهمّتين معاً عليه أولاً أن يتقمّص شخصية المحارب المقتول مدّعياً بأنه إبن السير لوكسلي الأعمى

بعد هذا التأسيس تنطلق الحكاية في دروب تفحص العلاقات البشرية في عالم مضطرب: الأمير الذي اعتلا المنصب الجديد فأصبح ملكاً قبل أن ينضج. وأمه التي تريد أن تلجمه إذا ما استطاعت وزوجة المحارب القتيل ماريون (كايت بلانشيت) التي كانت تنتظر عودته، ثم علاقتها الحذرة بروبِن هود التي تتحوّل الى إعجاب وتقدير ثم حب

في الوقت ذاته، هناك تلك المؤامرات الخفية: الفرنسيون يريدون غزو البلاد والملك الجديد لا يدري أن غودفري، الذي تم تعيينه رئيساً للجيش عوض وليام مارشال (وليام هيرت) هو خائن على صلة بالفرنسيين وسيقود الحملة المضادة للملك بنفسه

أسباب إبداعية

خلال ذلك،  سنسمع الكثير من  الحوار حول الضرائب الفادحة والحرب الخاسرة التي كان على الشعب البريطاني آنذاك أن يدفع ثمنها وعن العلاقة الصحيحة الغائبة بين الحاكم والمحكوم والتي يدعو روبِن هود في خطاب له الملك لتنفيذها. فيعد هذا بأنه سيفعل إذا ما ساعد روبِن هود في الحملة التي ستعترض عملية إنزال الفرنسيين لجنودهم عند الساحل الإنكليزي

روبِن سيفي بوعده وسيشترك في قيادة المحاربين الأفذاذ في معركة من تلك التي يجيد المخرج تصميمها مع فريقة وشحنها بالمشاهد الواقعية غير المفرطة لا عنفاً ولا واقعية ولا خيالاً أيضاً. فقط المقدار اللازم لكي تبدو حقيقية. سيلتقي روبِن بغودفري في رحى المعركة وسيعود منتصراً وسوف نرى الملك الشاب وهو يتنصّل من وعده ويأمر بإعتبار روبِن هود خارجاً عن القانون هو وكل من يساعده ويؤيّده، وهنا المكان الذي سينطلق منه الجزء الثاني إذا ما أنجز هذا الفيلم النجاح الجماهيري الذي يصبو إليه.

الفيلم ممتع لعدّة أسباب: هو خامس فيلم تاريخي يقدم عليه المخرج مقترحاً مدى رغبته في التعامل والمسائل التاريخية التي لم تحسمها الأفلام السابقة. إنه هو ذاته مخرج "غلادياتور" الذي بمثابة رسم خارطة طريق للأفلام التاريخية التي تبعته، وهو مخرج "مملكة السماء" الذي تناول فيه تحديداً الحرب الصليبية فوق الأراضي المقدّسة وأدانها وصوّر غياب القضيّة الحقّة واختلاف الأوروبيين فيما بينهم حول منهجها ورغباتهم منها. كما سبق له وأن رسم رؤيته الخاصة لحملة كريستوفر كولومبوس التي "اكتشف" فيها أميركا وذلك في  فيلم "1492: قهر الفردوس". وقبل ذلك هو من تناول حقبة نابليون بونابرت في "المتبارزان" (1971) حيث يقود صراع فردي مجنّدين فرنسيين للإقتتال في أكثر من مناسبة مشحونين بالثأر والفخر والحاجة لإثبات القوّة والذات

أيضاً، هو خامس لقاء بين المخرج وممثله راسل كراو بعد "غلادياتور"  (2000)، "سنة طيّبة" (2007) و"أميركان غانغستر" (2008) ثم "كيان من الأكاذيب" (2009). والإثنان يعملان جيّداً معاً. راسل يجسّد شخصية البطل الحامل اخلاقيات ومزايا الرجولة الغابرة، والمخرج يمنحه الإدارة التقنية والفنية لكي يساعده على التألّق حتى حين يمثل شخصية العميل الخبيث (في "كيان من الأكاذيب")

لكن أهم من هذا كلّه، هو أن سحب عنصر الرومانسيات ليس كاملاً. هناك قصّة حب ترتفع عن أرض العراك ولو أن شخصية ماريون ليست معمّقة بل تقف عند حدود العناوين الكبيرة، وقصّة الحب هذه معالجة بالنظرات والحوارات ومشاهد ركوب الخيل كما بمشاهد في المعركة النهائية للفيلم ووسط كل ذلك قبلة واحدة بمثابة ختم خاص لتطوّر العلاقة العاطفية بينهما. ريدلي سكوت لم يكن يوماً مخرج قصص حب، وهو حسناً يفعل  إذ يتجنّب أن يحاول ذلك الآن. يكتفي بالدلائل المشار إليها ويتجاهل تلك السذاجة التي عادة ما صاحبت حكايات المغامرات التاريخية حيث على المشاهد أن يضحك ويبكي ويقع في حب البطل والبطلة الواقعين في حب بعضهما البعض

فيلم واحد سبق "روبِن هود" في الحديث عن الحملة الصليبية ومذابحها هو فيلم "روِن وماريان" الذي أخرجه قبل نحو 25 سنة رتشارد لستر. هناك يصف روبِن (كما قام به شون كونيري) لحبيبته مايان (أدتها أودري هيبورن) الفظائع المرتكبة بتفاصيل أكثر. كلاهما، "روبِن وماريان" و"روبِن هود" عالجا الحكاية على نحو مختلف عن ذلك اللهو الترفيهي الذي ميّز كل ما تم إنتاجه عن هذه الشخصية من أفلام

التفاصيل الصغيرة مهمّة في هذا الفيلم ومستخدمة من دون إسفاف، لكن المشاهد الكبيرة، تلك التي تتناول المعارك الحربية الشرسة والتي يبدأ الفيلم وينتهي بها، تستولي على المُشاهد لنجاح معالجتها وتصاميمها الدقيقة. تلك المشاهد ملحمية شاسعة ولا يمكن تصوّر الفيلم من دونها هذه الأيام. الناتج هو فيلم يحمل رغباته على كفّة يده: يريد التماثل مع بعض أفضل ما تم تحقيقه من فانتازيات كبيرة (يذكّر مثلاً بـ "سيد الخواتم") كما يريد تقديم حكاية لا تبقى حكراً على المشاهدين الذين سمعوا بروبِن هود او شاهدوا بعض الأفلام السابقة له هناك قدر من التعميم الشعبي للشخصية والمواقف ولو أن العمل يبقى أكثر تعاملاً مع الراشدين وليس المراهقين

الجزيرة الوثائقية في

23/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)