حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

كتاب

فك مغالق النص مسألة أخلاقية

دمشق – فجر يعقوب

يميل الناقد السينمائي العماني عبدالله حبيب في كتابه «مساءلات سينمائية»، الصادر حديثاً عن مؤسسة الانتشار العربي في بيروت (2009)، إلى التخفف من أعباء الكتابة الفيلمية كنوع يتبع منهجاً بحد ذاته، لجهة قراءة الفيلم، والتحليل من طريق الاستعانة بأدوات النقد والنظرية السينمائية في الشكل والمحتوى. هنا في «المساءلات» يفارق هذا النوع من الكتابة الذي يقتصر على الفيلم، بوصفه مادة البحث السينمائي، وبالتالي نجده مشدوداً بنوع من الشغف إلى كتابة سينمائية، تتناول المخرج ودرجات اقتراب عيانية من تجربته وسيرته وأفلامه، كما في حال المخرج الأميركي (الألماني الأصل) دوغلاس سيرك، بحيث إن «مساءلته» افترضت من المؤلف البحث عن المفارقات في عوالم هذا المبدع الكبير. وهو ما ارتبط في شكل وثيق بحياته الشخصية والاجتماعية والسياسية بالمعنى المباشر. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على ثيو أنغلو بولوس في فيلمه «نظرة عوليس» الذي حاول المؤلف من خلاله سرد متعلقات «اليوناني الاستثنائي» من طريق مقاربة النسيان والتاريخ في ضباب الأمم، إلى درجة أن التوغل في «غبار الزمن» السينمائي أفضى إلى الغوص أكثر فأكثر في كتب كثيرة تدعم أو تقوي هذا الاتجاه. فهو يسوق قراءات خاصة به مستمدة من أندريه بازان «ما السينما؟»، جيل دولوز في كتابيه الهامين «الحركة – الصورة» و «الزمن – الصورة» وقد اتكأ الفيلسوف الراحل في كتاباته على الأطروحات الثلاث لمواطنه بيرغسون الخاصة بالزمن حين يعتبر أن السينما هي نشاط سينمائي من الطراز الرفيع، و «النحت في الزمن» لأندريه تاركوفسكي، و «السينما والتاريخ» لمارك فيرو.

وإذ يندرج الكتاب عموماً تحت بند «المساءلة»، فإنه هنا يفتح الباب مشرعاً على نوع من الأجوبة غير المكتملة، وتظل بحاجة لفك «مغالق النص»، كما في الفصل المعنون «غودار في موسيقانا: فلسطين والبوسنة وفلسفة السينما وأشياء أخرى»، ذلك أنه يبدو وكأنه محاولة لترميم الأشياء التي انهمرت خلسة من بصيرة ناقمة، اشتهر بها «الأيقونة الخالدة لسينما الموجة الفرنسية الجديدة»، وإذا كان المبتغى للوهلة الأولى هو فيلم «موسيقانا» إ فإن حبيب يتوغل عن سابق تصور وتصميم في عوالم هذه الشخصية السينمائية المثيرة للجدل، باعتبارها قادرة على الاستشراف في أي وقت. ففيلم «عطلة نهاية الأسبوع» (1968) حين حقق «هذا الغودار» هذه التحفة الاحتجاجية الكبرى، تضمن لقطة تتبع مدتها عشر دقائق، هي الأطول من نوعها في تاريخ السينما – يستثني المؤلف فيلم الحبل لهيتشكوك باعتباره فيلماً كاملاً من لقطة واحدة – وهي أيضاً «واحدة من أكثر اللقطات شراسة في هجومها عي قيم الحضارة الاستهلاكية الحديثة». تبدو اللقطة المشار إليها مفرغة إلا من النار والدخان والموت والدمار والجنون في مجزرة مروعة تقع على طريق سريع، وسرعان ما تستدعي الذاكرة «المسائلة» واقع لقطة أخرى تم تصويرها في نهاية حرب الخليج الثانية «عاصفة الصحراء» (1991)، وهي الصورة التي تردد في بعض الدوائر أنها أقنعت الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) بضرورة وقف العمليات الحربية الهجومية. وبصرف النظر عن صدقية ما إذا كان هذا هو السبب بالفعل، فإن اللقطة الغودارية تمثل استشرافاً مهماً. فغودار نفسه يعتبر في مكان آخر أن «الترافلينغ» بحد ذاته مسألة أخلاقية.

يقسم الناقد العماني «المشاكس» كتابه إلى أربعة أقسام تحتوي قراءات وانطباعات عدة منها: استشراق ادورد سعيد: محاولة نحو موضعة بصرية وسينمائية - مغامرة في العراق: مدخل إلى العلاقة بين السينما والتاريخ - أمام مراياهم: عن التلصص البصري في فيلم «الرمرام» لمسعود أمر الله - لقطة متحركة تفتح فمها بعد أن تتكلم: وداعا لفيلليني إعجاباً به ووداعاً له. وثمة حوارات أجريت في أوقات سابقة مع السينمائي السنغالي «الإشكالي والمارق» جبريل ديوب مامبيتي، وجون داوننغ (أحد أبرز رموز النظرية الاعلامية والبحث الأكاديمي في سينما العالم الثالث في الدوائر الأكاديمية الغربية) قام حبيب بترجمتها. كما لم يفته أن يترجم نص «لورنس لا يزجي للعرب أي جميل» وفيه كتب ذلك العابر الهائل ادورد سعيد مراجعة نقدية صارمة لفيلم لورنس العرب (إخراج ديفيد لين)، الذي صنفه معهد السينما الأميركية في قائمته الشهيرة بوصفه سادس أعظم فيلم أنتجته السينما الأميركية في المئة السنة الماضية. وينهي المؤلف كتابه بوثيقة سينمائية هي عبارة عن سيناريو خاص بفيلمه «هذا ليس غليوناً»، الفائز بالجائزة الفضية في مسابقة مؤسسة الثقافة والفنون في أبو ظبي 1992.

الحياة اللندنية في

21/05/2010

 

أسطورة القرن

فجر يعقوب 

يتناقل بعض الفضائيات «أخباراً فنية» عن نجوم الغناء العربي من دون انقطاع. بعض هذه الأخبار لا يستوفي الحد الأدنى من شروط بثه لجهة عدم التدقيق فيه، كأن يروج مثلاً للمغني المصري الشاب تامر حسني بصفته «أسطورة القرن»، على رغم أننا ما زلنا في العشرية الأولى من القرن الجديد.

بالطبع، لا يسع المرء إلا أن يصاب بالدهشة جرّاء هذه الخفة المبالغ فيها التي يتعامل بها بعض «الماكينات المتلفزة» مع شرائح شبابية محبطة ومنتشرة على امتداد العالم العربي باستغلالها من طريق حقنها بأخبار أقل ما يقال فيها إنها ساذجة وسطحية وغير مسؤولة. ذلك أن ليس في وسع اي ماكينة مهما بلغت من قدرات أن تحول نجماً مهما بلغت موهبته إلى أسطورة تمتد عبر قرن بأكمله، وكأن الحياة توقفت عنده. لكن هذا يحدث عندنا، وليست المرة الأولى التي توزع فيها الألقاب مجاناً. واذا كان في وسعنا مثلاً – أن نرنّم أغنيات عبدالحليم حافظ، كل أغنية على حدة، ونميز بينها باعتبارها عملاً فنياً متفرداً من دون الاستعانة بفضائيات من أي نوع، فهذا لأن العندليب الراحل كان مشغولاً بتغيير طريقة الاستماع إلى الأغنية العربية من دون ادعاء. بل بالاستناد إلى دربة فنية وموسيقية ومعرفية رفيعة المستوى لم تتوافر لكثر ممن جاؤوا بعده، حتى وهم مدعومون من فضائيات تمنح الجوائز والألقاب و «جماهير التصفيق» من دون حساب.

مفهوم «أسطورة القرن» قد لا يعني شيئاً في زمن الاعلانات والفجور الاستهلاكي. وقد لا يعني الشيء الكثير أن يكون صاحب الأسطورة، أي أسطورة، مؤلفاً وملحناً ومغنياً في زمن الصورة والخبر السريعين غير المنفصلين عن بعضهما بعضاً. ذلك أن ثمة من يروج لفضائل «لص القرن» عبرهما أيضاً. ففي الخبر أن محكمة في مدينة ليون الفرنسية قضت بسجن طوني موسولين بعدما اعترف بسرقة 11 مليون يورو نقداً قبل حوالى سبعة أشهر. وقد تمكن موسولين من الفرار بالسيارة المدرعة التي كانت تحمل المبلغ، وبعد يومين من السرقة عثرت الشرطة على 6 ملايين يورو من الأموال المسروقة في سيارة كانت متوقفة في مرآب. وعقب الجريمة بـ11 يوماً سلّم موسولين نفسه، ولم يعثر حتى الآن على بقية الأموال، كما نفى موسولين أمام المحكمة علمه بمكانها.

قد يبدو الخبر مسلياً وعادياً، وبالكاد يجد له مكاناً في زاوية صحيفة. وقد يلتقي مع الخبر الأول من خلال مفردة «القرن» فقط، وما عدا ذلك، فليس هناك من امكانية لعقد مقارنة بين الحالتين. ولكن حال موسولين لا تتوقف عند هذا الحد الجنائي. إذ أصبح له الكثير من المعجبين والمصفقين مثل النجوم بسبب قدرته على تنفيذ جريمته من دون اللجوء إلى العنف. وتمكن من مخاطبة جمهوره عبر صفحات «الفايس بوك»، وتردد أنه تمكن من اجتذاب 12 ألف صديق، وتلقى عدداً من طلبات الزواج وهو في السجن يقضي محكومية منذ ثلاث سنوات.

طوني موسولين «لص القرن»، قد لا يلتقي مع «أسطورة القرن» عندنا على شيء، ولكنه نجم من نوع آخر بالتأكيد!

الحياة اللندنية في

21/05/2010

 

الدراما والروايات الكبرى

راسم المدهون 

الأعمال الأدبية الكبرى، غائبة أو تكاد من الدراما التلفزيونية. ليس عربياً وحسب، بل وعالمياً، حيث الإنتاج التلفزيوني يحظى بإمكانات إنتاجية ضخمة، ويستطيع تحقيق ما يشاء من الروايات وهو مطمئن لسلطة الشاشة الصغيرة، واتساع انتشارها في فضاءات الكون كلّها.

هل يحدث ذلك بسبب مناخات اجتماعية عالمية تفارق ذلك النوع من «الأدب الرزين» وما يشيعه من جدّية قد لا تروق الجمهور العريض من مشاهدي أيامنا الرّاهنة؟

لا أظن أن السبب يكمن هنا، بل ربما في مكان آخر لعلّه تأثيرات العولمة ونموذجها الأبرز البث الفضائي بما يحمله من بحث عن المشترك بين المشاهدين الذين صاروا بعشرات الملايين، أي بأمزجة وذهنيات وهويات ثقافية متعدّدة.

الرواية هي فاكهة الدراما، وهي أيضاً حجر زاوية أحداثها وشخصياتها، وهي بالتأكيد «جنس فني» مغاير تماماً لتلك «المرويات» التي نطالعها في الأعمال الدرامية التلفزيونية. فالرواية (المكتوبة أولاً، والمصوّرة لاحقاً) هي سفر يستوعب عوالم وأجيالاً، وينفتح على حركة اجتماعية بالغة الغنى والتعقيد، يرى منتجو التلفزيون اليوم أنها «ثقيلة» على روح المشاهد، ولا تتوافق مع زحام الإعلانات التجارية المختلطة بأغاني الفيديو كليب، كما ببرامج المنوعات.

«العالم أقلُ جديّة ممّا يرغب فيه المثقفون». هكذا يردُ المنتجون، وهم حين يعودون بين وقت وآخر لإنتاج عمل عن رواية أدبية مهمة، يفعلون ذلك بروح من يقدم على «مغامرة كبرى»، لا يمكنه تكرارها كثيراً... ما يعيد الأمر للعادات التلفزيونية الجديدة في بحثها عن الاستهلاكي والسريع الذي تعيشه البشرية اليوم.

من هنا تصبح الروايات البارزة أقرب الى الشاشة السينمائية التي تظلُ تحتفظ بنخبوية وانتقائية، تحفظان لها رزانة المشاهدة ووقعها المختلف.

هي هواجس تمرُ ونحن في حمّى الإنتاج العربي تحضيراً لليالي شهر الصوم المقبل. وهو إنتاج بالغ في ابتعاده عن الأدب الروائي، والتحق أكثر فأكثر بعوالم المشاهير من أهل الأدب والفن الذين تحقّق مسلسلات سيرهم نجاحات جماهيرية بصرف النظر عن قيمتها أو بقائها في ذاكرة المشاهدين.

الحياة اللندنية في

21/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)