حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حوار

هارون فاروقي: آثار الحرب حاضرة في برلين أكثر من بيروت

هوفيك حبشيان

في الـ65 من العمر، لم يفقد هذا الالماني الذي ولد "من اب هندي مسلم"، شيئاً من حماسته. استهل حياته المهنية صانع افلام وحلقات تلفزيونية. كتب مقالات وألّف كتباً، وجرى الترحيب بأعماله. دخل حرم الجامعات محاضراً، وتناول افلام الآخرين نقداً وتحليلاً في مجلة "فيلم كريتيك". تطرق هارون فاروقي الى الحرب وتداعياتها الاجتماعية والنفسية في أكثر من فيلم. مدينته برلين والنزاع الذي اتى ليدمرها، ساهما في دفعه في اتجاه هذا الموضوع. "اثار الحرب حاضرة في برلين أكثر منها في بيروت. الكلام عن الحرب في المانيا اليوم مثل الكلام عن الجنس في القرن التاسع العشر"، يقول مع ابتسامة صغيرة.

·         ماذا تريد أن تقول عبر افلامك؟

- الصور ليست سوى تأويل وترجمة للواقع. فالصورة ليست خدعة، وواقعها مستقل عما يراه المرء بالعين المجردة. الصورة الحقيقية غير موجودة.

·         لا تظهر لديك أي أعراض لأزمة هوية؟

- أعتبر نفسي المانياً مئة في المئة ولم يأخذني فضولي يوماً الى البحث عن جذوري الهندية. كان والدي يدرس الطب في برلين عندما التقى والدتي. انا منصهر جداً في المجتمع الالماني، ونسيت تماماً جذوري الغريبة التي لا تعني لي الكثير. خلافاً لشقيقتي التي اقترنت برجل مسلم، استبدلت الماضي بواقع صنعته لنفسي.

·         دخلت معهد السينما في برلين قبل سنتين من أحداث ايار 1968.

- عندما افتتح اول معهد للسينما في برلين، كنت من الاوائل التحقوا به. اجواء الثورة الطالبية لم تسمح للطلاب آنذاك بمتابعة الدروس بجدية. كان الهم السياسي يطغى على غيره من الهموم. لم تسد تلك الفورة الشعبية والشبابية خدمة كبيرة لي، اذ منعتني من تعلم تقنيات السينما بأساليب اكاديمية. ولم يأت الاتقان المهني الا بعد الممارسة وتطبيق النظريات على الارض.

·         هل تتذكر اعمالك الاولى؟

- لا أذكر تحديداً كيف بدأت في صنع الافلام. بالاحرى، لي ذكريات مشوشة عن تلك المرحلة من حياتي. كانت اشياء صغيرة لا تستحق التعليق. ثم جاء فيلمي عن مادة النابالم التي استخدمت في صنع القنابل اثناء حرب فيتنام، ولاقى الاستحسان. كان فيلماً بريختياً (نسبة الى بريخت)، اذ لا يدعي ان ما يظهره هو الحقيقة. كذلك يتأمل في المسافة التي يتخذها من موضوعه خلال التصوير. جاء هذا من التأثير الذي مارسه غودار فيّ، وكان آنذاك أكثر السينمائيين في العالم تأثراً ببريخت. تعلمت منه ان ابحث عن طريقة للتعليق على الصورة من دون ان الجأ الى الكلام.

أتكلم عن زمن الستينات، حيث كانت السينما التجارية في المانيا شبه غائبة، وتعاني من "مضايقات" السينما البديلة والموجة الجديدة الفرنسية التي جعلت ممكناً ما كان يصعب تخيله قبل سنوات قليلة من انطلاق حركات التغيير السينمائي. ان يصنع غودار أو بازوليني فيلماً كل عام، ويذهبا به الى نحو 12 بلداً، هذا ما لم استوعبه من التطور الذي طرأ في تلك المرحلة. في كل حال، ذلك الامر ساعدنا في ان نقبل السينما كأداة للتأمل. المهمة التي أوكلت سابقاً الى أشكال فنية اخرى مثل الادب او المسرح.

·         هل انطلقت رغبتك السينمائية من هَمّ سياسي واجتماعي؟

- خلافاً للكثيرين ممن عاصروني، لم تكن رغبتي في صنع الافلام نتيجة ازمة اجتماعية او غضب من الاوضاع الاجتماعية المتردية. جاءت من ارادة في ان أرفع صوتي عالياً. ادركت اننا لم نتأمل بما فيه الكفاية في مجتمعنا: تفاصيل الحاضر، طبيعة محيطنا، وما هي القوة المركزية التي تحركنا؟

·         كيف تكوّن لديك الوعي بالواقع البصري الذي نعيشه؟

- بعد تجربة غنية، تكوّن عندي وعي بالواقع البصري الذي نعيشه والذي يخترق بيوتنا وحميميتنا عبر وسائل الاعلام المتنوعة. على مر الزمن، اجتهدت وابتكرت وطرحت افكاراً واكتشفت مصطلحات.

·         ماذا تعني بـ"كاميرا انتحارية"؟

- انها الكاميرات ذات الاتجاه الواحد التي تركب على رأس الصاروخ وتدمَّر في لحظة انفجار الصاروخ. اليوم اصبحت الكاميرات رخيصة الثمن، يمكنك تبذيرها.

·         ماذا تعني بـ"الصورة المزعجة"؟

- هي الصورة التي أميل اليها، يجب ان ندرك الفرق بينها وبين الصورة ذات الكليشيه الصادم التي نراها على الشاشة الصغيرة اثناء تغطية الحروب: رؤوس مقطعة واشلاء وأجساد ميتة مرمية في الشارع. كي أتفادى التلصص الشنيع في افلامي، أستخدم طريقة الكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير الذي لم يستخدم فعل الادانة في كتابه "مدام بوفاري" على رغم انه لم يكن كثير الاعجاب بالشخصيات. ذلك لأن المصلحة التي كانت تربطه بهؤلاء قوية ووّلدت اخلاقية من نوع آخر، كافية ليلقي الضوء على آلية السلوك بين الرجل والمرأة. على غرار فلوبير، لا تستهويني دوماً شخصيات افلامي، لكن الاهتمام الجدي بها يجعلني اتفادى التلصص.

·         الى اي مدرسة وثائقية تنتمي الافلام التي أنجزتها؟

- انا معجب بجان روش وريمون دوباردون.

·         ما رأيك بنوع "الوثائقي الكاذب"؟

- انه نوع راج في الغرب. المخرجة انييس فاردا اختبرت هذا النوع قبل نحو 30 عاماً في فيلم كان الجميع فيه من الممثلين. تسألني إن كنت مع هذا النوع؟ لِمَ لا؟ لأن التناقض يمكن ان يكون منتجاً. لكنني لا اراه ملائماً لي. ثمة فرق بين ما نشاهده في وثائقي كاذب، انجز لهدف محض فني، و"الغش الاعلامي" الذي يعتمد على تلك الصور لغاية سياسية.

·         ما أكثر صورة صدمتك في حياتك؟

- صورة البلدوزر المحمل جثثاً، وقد رمى محتواه في حفرة كبيرة. ليس استخدام البلدوزر الذي اثار سخطي، انما هذا الخيار في عدم لمس الاجساد الميتة، كأنها حيوانات.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

هتلر الحاضر الغائب في السينما

الى أي مدى وسم هتلر مخيلتنا التصويرية؟ هذا ما جسّده على أفضل وجه الفنان والكاتب آرت شبيغلمان في كتاب الرسوم الهزلية "الفأر - قصة رجل نجا من الموت". تكفي ملامح وجه بشعر متهاو الى الأسفل كحد السيف للتعرف الى هذا الرجل فوراً، كما نتعرف الى ايقونة. وجه لا انساني في وجه انسان. حين تصدّر فيلم "السقوط" من اخراج اوليفر هيرشبيغل وسيناريو برند آيشبنغر، عروض دور السينما الألمانية، رافق هذا النجاح نقاش مبدئي حول مسألة ما اذا كان يسمح في الأساس بعرض وجه هتلر في فيلم ما. كما طرحت قضية الخوف من تحويل الفظائع النازية مسألة نسبية من خلال اضفاء طابع الشخصانية عليها، الأمر الذي يخفف من هولها الى حد الابتذال، كما يهوّن من الشخصية نفسها، وقد يجعل دوافعها قريبة الى الفهم. الحجج المضادة كانت جاهزة على الفور، أهمها مسألة حظر الصور، التي يرى اصحاب هذه الحجج، انها تشجع على التكهنات اللاعقلانية التي تطلق العنان للخيال لرسم حدود لانهائية للشرّ.

لم يكسر هيرشبيغل وآيشنغر التابو على الاطلاق حين اضفيا على ملامح الطاغية صورة آدمية وتركا برونو غانز، الممثل الألماني الذي لعب دور هتلر، يربت خدّ الحسناء ألكسندرا ماريا لارا (باعتبارها سكرتيرة هتلر الشابة تراودل يونغه). كما لقيت الأفلام المميزة التي عالجت قضية النازية عام 2005 تحديداً، وهو العام الذي صادف ذكرى مرور 60 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقبالاً جماهيرياً كبيراً. ليس هذا فحسب، بل عرضت القناة الاولى من التلفزيون الالماني فيلم هاينريش بريلور "شبير وهو" (أي شبير وهتلر) الذي لعب فيه توبياس مورتي دور هتلر وسباستيان كوخ دور صديقه المفضل وزير التسلح المهندس المعماري شبير. في السينما قدّم مارك روتموند فيلم "صوفي شول"، وفولكر شلوندورف "اليوم التاسع" ولايوس كولتياس فيلمه المقتبس من راوية "كائن بلا مصير" للكاتب المجري الحائز جائزة نوبل للآداب ايمري كيرتيش، بالاضافة الى العديد من الأفلام القصيرة التي اقتربت من الموضوع بطريقة وثائقية: حوار مالتيه لودين مع والده النازي، الذي حكم عليه بالاعدام بعد نهاية الحرب (تحت عنوان "قضيتان أو ثلاث تعلمتها منه") أو دراسة عن علم الجمال النازي بعنوان "الجمال السرمدي". وقد حظيت هذه الأفلام باهتمام بالغ، بدليل ان العديد منها احتفل بعرضه الأول في مهرجانات سينمائية مهمة.

بيد أن فيلم "السقوط" لهيرشبيغل لا يعدّ اللاعب الوحيد في طبيعة الفيلم من منظار راهن وتاريخي أيضاً، مع ان اهتمام الجمهور والنقاش الذي رافق الفيلم جعلا منه مثالاً رائعاً لانشغال السينما بالنازية. اذ سبق للمخرج غ. ف. بابست عام 1955، ابان عهد المستشار الألماني الأول بعد الحرب كونراد أديناور، أن قام بعرض أيام هتلر الأخيرة، في ما سمّي بمخبأ القائد تحت مبنى المستشارية. بذلك، لا يكون قد سبق موضوع فيلم "السقوط  وحسب، انما كذلك قد ألهم برونو غانز أداء دور الديكتاتور. وحين قام ألبين سكودا ببطولة فيلم "الفعل الأخير"، الذي جاء معبّراً عن ارادة الكبت لفترة ما بعد الحرب في ألمانيا، لم تحصل حينذاك نقاشات حادة، اذ كان الناس يفضلون غض الطرف عن تلك المرحلة.

 

الملصق المتقن مروّج للفيلم ويجذب الهواة

قد نعتقد أن جلّ ما نحتاج إليه في إعداد ملصق إعلان جيّد، هو فكرة جيّدة، وأنه يكفي قلب قوانين الجاذبية ووضع الأشخاص بـ"المقلوب"، كما هي الحال في فيلم "نهر غامض" لكلينت ايستوود، لجذب انتباه الجمهور. قد يكون هذا الأمر صحيحا إلى حدّ ما. فمن الواضح أن ملصق هذا الفيلم، يتميّز من غيره من الصور والملصقات التي نصادفها كلّ يوم من دون أن ننظر إليها حقيقة. فهذا الملصق الذي يضع صورة الأبطال بطريقة معكوسة، ومن خلال فكرته التي تكاد تكون جديدة أو خارجة على المألوف، يحقق هدفه الأوّل وربما الأقسى في زمن الشراهة السينمائيّة: لفت انتباه المارة.

وحده ملصق إعلان السينما، لا يستطيع الاكتفاء بأنه لا يجذب إلا للحظة. فعليه أن يدفع المشاهد إلى ارتياد صالة السينما في وقت لم يكن يرغب في ذلك. فالأمر لا يتعلّق بإيجاد حيل ما لاستقطاب الأنظار إلى الملصق الاعلاني، بل توجيه رسالة مؤلّفة من سلسلة رموز، تدفع أحدهم إلى صرف ماله الخاص لحضور فيلم مدّته ساعتان وهو جالس في كرسي. لبلوغ هذه الغاية التي لا يصل إليها إلا عدد ضئيل من المعلنين، يجب اتقان التفاصيل. التفاصيل هي القوّة الكبرى في ملصق فيلم مثل "نهر غامض" مثلاً. فالرصانة هي الصفة التي تتمتع بها سياسة تركيب الحروف المختارة والمرتبطة بأسلوب كلينت ايستوود الكلاسيكيّ. كُتبت كلمات العنوان أو أسماء الممثلين بخط كلاسيكيّ من دون زخرفات. كذلك، فإن الأحرف صغيرة جدا مقارنةً بالحجم العام، أمّا العنوان فيشغل مساحة صغيرة من الملصق. اللون الأبيض الذي اختير للأحرف على خلفيّة سوداء، يبدو بارزا للعيان أكثر مما لو سيطر على الملصق كله. لا يفصل بين الكلمتين اللتين تشكلان العنوان Mystic River الا مساحة صغيرة، مما يعزّز صرامة شكل الخطّ المعتمد في الكتابة. باختصار، الاحساس بالصلابة أو "القوّة الهادئة" النابعة من الملصق، يعود في المقام الأوّل إلى عنوان الفيلم الذي قُدّم بطريقة بسيطة (يستطيع أيّ كان تنفيذها على الكومبيوتر)، لكنها محكمة الاتقان.

إذا كانت الكتابة مهمّة، فللون أيضاً أهميّة كبيرة. فالتناغم رائع بين الأسود والأزرق المائل إلى السواد لأنه يشير إلى طبيعة الفيلم . فيتبادر فورا إلى الأذهان أنه فيلم بوليسيّ. هناك تفصيل مهم آخر بالنسبة إلى الألوان، يتعلّق باختيار اللون الأسود لأطياف الممثلين. من الممكن أن يكون هذا الخيار غير موفّق لأن أبطال الفيلم قد وضعوا بهذه الطريقة خارج "اللعبة". غير أن شون بن وكيفين بايكن، ليسا الممثلين الأكثر "مردودية" في هوليوود، ويستقطبان باسميهما وخصوصا بوجهيهما عددا كبيرا من المشاهدين. لكن من خلال قلب الموازين عبر تقديم الممثلين الأساسيين من جهة الظهر وباللون الأسود أيضاً، خاطر مصممو الملصق بعض الشيء. لكنهم نجحوا في مغامرتهم هذه، لأنهم فاجأوا المشاهد وأثاروا فضوله لمعرفة الشخصيات الغامضة وراء هذه الظلال.

من ناحية أخرى، كُتبت أسماء الممثلين من اليسار إلى اليمين بترتيب لا يمت إلى العشوائيّة بصلة لأنه يرتبط بالأهمية المنسوبة إلى كلّ دور: كُتب الإسم الأوّل بأحرف صغيرة زرقاء، والكنية بأحرف كبيرة بيضاء. لكن السؤال الذي نطرحه هو لماذا كُتب اسم المخرج كلينت ايستوود بأحرف صغيرة مماثلة لأسماء الممثلين الأولى! مع ذلك، يعتبر ملصق هذا الفيلم تحفة تصميمية رائعة بفضل رزانتها التشكيلية وإخلاصها لفحوى الفيلم وقصّته.

كان في مقدور الملصق أن يكون خاليا من العيوب بل كاد يعتبر نجاحا حقيقيا لو أن الموزعين لم يشعروا برغبة ملحة في إدراج نقد سينمائي إيجابي بل طنّان على الملصق، لتشجيع الناس على مشاهدته. مثال ذلك، تعليقات كـ"رائع" أو "مذهل"، اقتبست من مراجع أو من صحف متخصّصة بالسينما، مما يدلّ على احتقار رأي المشاهدين. لم نعد نثق بذوق المشاهد، وإعجابه بممثل ما، بملصق أو باعلان، فبتنا نملي عليه ما يجب رؤيته ونقرّر عنه، إذ نجد أن رأي صحيفة "بروميير" قد كُتب بحروف أكبر من اسم كلينت ايستوود الذي هو في نهاية الأمر مخرج الفيلم! كاد يكون الملصق ممتازا لأنه تمكن من الجمع بين جمال التصميم والفاعلية التسويقية، ولكن انتهى به الأمر الى الوقوع تحت عبء الضرورات التجارية.

 

3 أسئلة الى...

جوني كارليتش

في سن المراهقة، اكتشف جوني كارليتش حبه للسينما والتصوير الفوتوغرافي، وبعد سنة بدأ مسيرته مستعينا بالمعدات المتوافرة في "المركز الوطني للسينما" في بيروت، حيث اعتاد تمضية أكثر اوقاته في مشاهدة روائع ايزنشتاين وويلز وغودار. لكن حياته انقلبت مع اندلاع الحرب اللبنانية عندما انتقل الى باريس من أجل الانتماء الى احد معاهد السينما، فباءت محاولاته بالفشل. في منتصف التسعينات، كرّس نفسه لتحضير المشاريع السينمائية. لضمان لقمة عيشه بدأ بتصوير افلام وثائقية لحساب وزارة الثقافة برؤية سينمائية تخالف الواقع المألوف وتناقض القوانين الانتاجية المتعارف عليها، وصولاً الى تأسيس حركة "سيني غيريلا" او السينما الفدائية الداعمة للأفلام ذات الموازنات الضئيلة. من خلال كاميرا رقمية، صوّر الـ"وان مان شو" باكورة افلامه، "اكواريوس" الذي شارك في اول مهرجان دولي للسينما الفقيرة في كوبا، ومن ثم فيلم "المرسال الثامن" وLost In Lynch، اللذين يمثلان نموذجين للـ No Budget Film، ويؤكدان ان السينما في استطاعتها ان تكون فقيرة ونبيلة في آن واحد.

·         تصور بموازنة ضعيفة أو بلا موازنة. فما الصعاب التي تواجهها في محاولاتك لابتكار مسيرة سينمائية خاصة بك في ظل غياب كل اشكال الدعم؟

- عندما يكون في داخلي رغبة في تقديم فيلم، لا أمضي في البحث عن موضوع يكفل لي امكان جذب المشاهد في اتجاهه، او الحصول على نجاح جماهيري ما، خصوصاً ان السينما أداة تخوّلني ابداء مخاوفي واضطراباتي، وطرح نظرة شخصية للعالم. اعتبر ان عملي اذا اقتصر على واقع ان أنقل الى الآخر "حقيقة مقولبة" مبنية على قواعد، اكون قد اخفقت في طرح نظرة ذات قيمة. الفن بالنسبة اليَّ، يجب ان يرتكز على نحو اساسي على نظرة شخصية الى العالم والأمور. أنطلق من مبدأ ان على المشاهد ان يكتشف من خلال القضية المطروحة زاوية لم يسبق التطرق اليها، وهذا بالتأكيد سيروي غليله.

عندما ادركت ان في إمكاني التصوير باستقلالية تامة، ومن دون ان يكون لي اي علاقة بالسلك التجاري والانتاجي، فتحت لي ابواب كثيرة. لكني توصلت الى هذا الاستنتاج بعدما أيقنت انني من أجل التواصل ومخاطبة المشاهد، لست في حاجة الى آلية هوليوودية ضخمة، وما يتصل بها من قيود ابداعية وجمالية. هذا الأسلوب في التعاطي مع السينما لا يأتي على حساب النوعية.

·         هل التصوير في شروط مماثلة وفي إمكانات يمكن وصفها بالمحدودة جداً، قرار ام أمر مفروض عليك؟

- ان نكون سينمائيين يعني ان نخضع لقيود ايديولوجية واقتصادية وتقنية. واحيانا بعد كل الجهود المبذولة، نخسر امكان التحكم بالعمل. كنت ارغب في المحافظة على السيطرة الكاملة على انتاجي، حتى لو كنت مخطئا. لأجل اتمام أعمالي، قمت بالخيارات التي تناسب شخصيتي، فأخذت كاميرا وبدأت بالتصوير من دون ان يحاسبني أحد.

·         هل كان من الصعب ان تجمع حولك مجموعة متطوعين يتقنون المهن السينمائية التطبيقية، وتالياً يضمنون نجاح عملية التصوير؟

- في المشروع الانتاجي الذي اطلقت عليه تسمية "سيني غيريللا" كان هدفي ان نتملك من جديد الامكانات الانتاجية، والعمل على هامش القطاع التجاري للانتاج العام او الخاص. الثورة الرقمية التي أدت الى تكاثر الكاميرات المحمولة باليد وذات الوزن الخفيف، سمحت لنا بأن نصور من دون الاستعانة بمبالغ طائلة. من الواضح ان هذا الاسلوب في العمل لا يقلل من اهمية العمل من المنظور الفني. هنا اريد التذكير بأن على السينمائي ان يكون صاحب رؤية سينمائية متطورة ولغة سينمائية سليمة، بالاضافة الى ان على السيناريو ان يتمتع بكل الصفات الحسنة، وهذه العناصر يمكن الحصول عليها من دون السعي وراء الموازنة.

للكاستينغ ايضا دور بارز يساعد في اجتذاب جمهور معين من المثقفين سينمائيا. هذا الجمهور قد نجده في المهرجانات التي تشجع هذا النوع من الاعمال المستقلة. لم أجد صعوبة في توحيد صف العاملين على الفيلم، وكان ذلك أسهل مراحل المهمة. يبدو ان الشغف ينتقل من الواحد الى الآخر كالمرض، ويكشف مواهب متعددة ومبعثرة لم يتم اكتشافها بعد. كانت لديَّ الفرص لأتعامل مع فنانين وتقنيين محترفين وناشطين في مجال السينما، وابدوا موافقتهم على الانضمام الى الفريق بعدما اقتنعوا بالمشروع.

النهار اللبنانية في

06/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)