حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«نونيا» الفراشة الطائرة

بقلم : إيريس نظمى

كنا صغارا حينما دعينا إلي فرح أحد أثرياء العائلة من زمن بعيد.. فرحت أنا وأخواتي لأننا سنقضي وقتا ممتعا في الحفل الذي ستحييه مجموعة من الفنانين.. لا أذكر منهم سوي الطفلة »نونيا« والمنولوجست اللبناني القديم إلياس مؤدب. وبدأت الطفلة تغني وترقص وتلقي المنولوجات فتشيع جوا من البهجة والمرح.. لا يمكن أن تتخيل أنه يخرج من طفلة في مثل سنها.. وأتذكر كلمات من منولوج غنته ربما لا تتذكره هي:

أنت اللي دائما تمشي ورايا

عامل نفسك إنك تعرفني

وأنا مالي

عارف لو عملت كده تاني

حقول لبابا مايدكش مصروف..

وهي تقول هذا لواحد »شحط« قد جدها وربما أكبر.

ومع نهاية الفقرة التي أدتها من رقص وغناء وتقليد الفنانين.. صعدت سيدة أنيقة من بين المدعوين إلي المسرح وأعطتها جنيها. ونظرت إلي أخواتي البنات.. تصوروا إنها أعطتها جنيها »بحاله«.. فقد كان الجنيه في ذلك الوقت له قيمة كبيرة. وبعد فترة قصيرة رأينا »نونيا« تمثل في السينما باسم »لبلبة« في أول فيلم لها »حبيبتي سوسو« لكن ما حكاية هذا الاسم؟

حين رآها نيازي مصطفي في إحدي المناسبات.. أعطي لأمها كارت باسمه لتتصل به.. وفي الموعد المحدد ذهبت »نونيا« وأمها إلي الاستوديو ليجري لها »تيست«.. وجاء أبوالسعود الإبياري ليري الطفلة المعجزة.. رفعها نيازي مصطفي علي مكتبه لتمثل وترقص فقال عنها أبوالسعود الإبياري »دي لبلبة« ومنذ ذلك الوقت أصبح اسمها الفني »لبلبة«.

< < <

تحمست الأم لها وشجعتها. فهي تحب الفن وكانت أمنيتها أن تكون مغنية.. لكنها استطاعت أن تحقق أمنيتها من خلال ابنتها الصغيرة.. كانت تلازمها في كل مكان.. وتجلس بالساعات في الاستوديو حتي تنتهي الطفلة من التمثيل.. وكان للأم الفضل الأكبر علي »نونيا« وحين تقدمت الأم في السن أعطتها الابنة الكثير من الحب والحنان.. وكانت تأخذها في الخارج للعلاج.. وفي أواخر أيامها أصيبت بالزهايمر.. وذهبت نونيا بها إلي مارينا لقضاء إجازة صيفية.. وتركتها مع جليستها الخاصة يومين فقط لحضور مهرجان الإسكندرية السينمائي.. وكانت لبلبة تتصل بها كل ساعة أو ساعتين للاطمئنان عليها.. وبعد انتهاء المهرجان كانت الأم في حضن ابنتها.. وحزنت لبلبة حزنا شديدا بفقدان الأم التي ساعدتها في كل خطوات نجاحها.

ولبلبة من أصل أرمني.. كان والدها تاجر جلود نزحوا من الإسكندرية إلي القاهرة، وحينما عرض عليها التمثيل لم يكترث الأب لذلك. ظهرت لبلبة بعد ذلك مع كبار النجوم مثل أنور وجدي ونعيمة عاكف في »أربع بنات وضابط« وتقول إن نعيمة عاكف شجعتها ووجهتها، وبلغت »نونيا« سن المراهقات لا هي طفلة ولا شابة لتختفي فترة عن السينما ثم تعود إليها فتاة جميلة متألقة دائمة الابتسامة تنجذب إليها حتي ولو لم تعرفها.. وبدأت تمثل أدوار الكبار. وبعد أن كان اسمها يوضع خطأ في المقدمة وهي طفلة أصبح يوضع في النهاية.

تعرفت إليها وكانت العلاقة بيننا كصحفية وفنانة ثم أصبحت علاقة شخصية أدركت مدي جمالها ليس من الخارج فقط بل من الداخل كإنسانة.. بسيطة جميلة تفرغت في حياتها للفن الذي أحبته أكثر من أي شيء آخر. وكان لزواجها بحسن يوسف حكاية.. لكن الشاطر حسن استطاع أن يخطفها علي حصانه الأبيض. لقد بدأت وهي طفلة  تتعلم الباليه واهتمت برشاقتها وحيويتها.. وحين طلب منها الزوج أن تتفرع للحياة الزوجية حدث الطلاق.. وتفرغت »نونيا« للفن الذي أحبته.. واستطاعت أن تطور نفسها مع كل فيلم.. وبدأت تذهب لمهرجان كان بانتظام لكي تصقل فنها وموهبتها.. تري الأفلام الأجنبية من كل بلاد العالم. وتري النجمات اللاتي يرتدين أفخر الثياب.. وعرفت لبلبة كيف تتعامل مع معجبيها وتختار أشيك وأبسط الملابس.

< < <

عمرها الفني أكثر من 60 فيلما.. قدمت الكوميديا الاستعراضية الغنائية والتراجيديا وعملت مع كبار النجوم.. اختارها عادل إمام لتشاركه البطولة في فيلم »عصابة حمادة وتوتو« و»خلي بالك من جيرانك«.. وفي »عريس من جهة أمنية«.. وقال عنها مرة إنها تمثل المرأة المصرية الصحيحة.. كما مثلت مع نور الشريف أحسن أفلامها »ليلة ساخنة« ومع أحمد زكي في »معالي الوزير« ومحمود حميدة في »جنة الشياطين« وغيرهم..

أما بالنسبة للمخرجين فقد قدم لها حسن الإمام أكبر عدد من الأفلام منها »بنت بديعة« و»حكايتي مع الزمان« و»السكرية« و»عجايب يازمن«.. وغيرها.. قالت لي لبلبة إن حسن الإمام يضفي نوعا من البهجة والسعادة أثناء العمل.. وكان محبوبا من كل الكومبارس. وحين قدمها حسين كمال في »مولد يادنيا« اتصل بها البعض ليخبروها أنها حصلت علي جائزة في الفيلم.. وحين علمت أن زميلة لها حصلت علي الجائزة ذهبت إلي المسرح وهنأتها. وعن حسين كمال قالت: كان ينبهني دائما إلي ضرورة الأداء بعيني لأنهما يفصحان عما بداخلي.. فهما أقوي بلاغة من الصوت. كما كان صريحا معي حين قال لي في إحدي المرات أنه يخفف من حضوري لكي لا يطغي علي حضور الآخرين.. فقد كان يري أن الممثلين كفريق الموسيقي. وكان دوري في الفيلم هو سنية التي تؤجر طفلا وتمديدها للتسول..

ومع نادر جلال في فيلم »إنهم يسرقون الأرانب« قمت بدور صحفية مجتهدة تتقمص عدة شخصيات. وقد أعجبني تحريكه للممثلين فضلا عن تلك الحيوية التي يتسم بها.

أما عاطف الطيب فقد كان حدوتة قدمني في »ضد الحكومة«، وأضاء حياتي الفنية علي نحو لم يحدث لي من قبل.. حين منحني دور البطولة مع نور الشريف في »ليلة ساخنة« دور يختلف تماما عن كل أدواري.. أخرج مني مشاعر لم أخرجها من قبل.. لقد أحببته بعقلي واحترمته بقلبي.. وفي يوم رحيله شعرت بأنني طفلة تركها أهلها عند الجيران وذهبوا ولم يعودوا. لقد رحل عاطف رحمه الله في عز شبابه وعطائه.

أما العمل مع يوسف شاهين فهو متعب وممتع مثلت معه فيلم »الآخر«.. وأمتع ما فيه شرحه للشخصيات وطرق أداء الدور.. أما أشرف فهمي فقد أعجبني أجواء الغموض في الفيلم الاستعراضي »بص شوف سكر بتعمل إيه«. وقدمني سمير سيف في دور ابنة رئيس النشالين في »الشيطانة التي أحبتني«.. أما أسامة فوزي فقد كان جريئا في »جنة الشياطين«

< < <

و»نونيا« مجاملة جدا لا أنسي أنها حضرت فرح ابنتي وقدمت استعراضا مع سمير صبري فأضفت البهجة علي ضيوف الفرح.

ومازالت لبلبة تقدم لنا الكثير من عطائها الفني.. وفي كل مرة تقدم الجديد.

آخر ساعة المصرية في

04/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)