حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سينماتون طرائف سينمائيّة، قصيرة، وبُكائيات

الفيلم الأرخص، والأطول في تاريخ السينما

 صلاح سرميني ـ باريس

كتب المٌؤرخ الفرنسي "جان بول آرون" (1925-1988) :

"سينماتون"، تجربةٌ مُفيدةٌ، وصادمةٌ أكثرَ بكثيرٍ من كلّ أفلام الموجة الجديدة.

وتنبّأ الكاتب، والسينمائيّ الإسباني "آرابال" :

عندما تختفي السينما، سوف تبقى بورتريهات "سينماتون".

ووجد الفيلسوف الفرنسي "ميشيل فوكو"(1926 - 1984) في هذه الانطولوجيا علاقةً تجمعُ المُؤَفلِم، والمُؤَفلَم في معاهدةٍ من المُعاناة، والمُتعة.

وعبّر الكاتب الفرنسي "دومنيك نوغيز" عن رأيه، بأنّ :

"جيرار كوران" يُصور العالم بطريقةٍ مُتسلسلة.

حسناً، ما هي دوافع هذا الاحتفاء الأعظم من الكتاب، المُؤرخين، والفلاسفة ؟

وقبل الحديث عن "Cinematon" لمُخرجه الفرنسيّ "جيرار كوران"، يتوّجب الإشارة إلى "Photomaton" الفرع التجاريّ الذي انبثق في عام 1989 عن المجموعة البريطانية "PHOTO-ME International"، والتي تستثمرُ منذ عام 1936 أجهزة التصوير الفوريّ المُنتشرة في محطات القطار، المترو، والمراكز التجارية، ولا أعرف فيما إذا كانت قيّد الاستخدام في الدول العربية ؟

كانت البداية في نيويورك عام 1924 بمُبادرةٍ من المُخترع الأمريكي "أناتول ماركو جوزيفو"، وفي فرنسا، يُستخدم هذا الاصطلاح المُركب لغوياً للإشارة إلى عموم الأجهزة الآلية للتصوير الفوريّ التي عرفت ازدهاراً حقيقياً خلال الفترة من عام 1950- 1960 تأثراً بنمط الحياة الأمريكية.

وكما نعلم، لا تستعين هذه الأجهزة بشرائط السيلولويد المُستخدمة في التصوير الفوتوغرافي، والسينمائي، وتمنح مُستخدميها صوراً شخصية مُتعددة، ومختلفة على ورقٍ خاصّ.

وبعد أن كانت تُطبع بالأبيض، والأسود، أصبحت منذ عام 1970 مُلونة، وبدءاً من عام 1993 استبدلت الأجهزة القديمة تدريجياً بأخرى مُجهزة بكاميراتٍ رقمية، شاشة فيديو، وطابعة، ولم تعدّ تستخدم الومضات الضوئية.

وتطبع الأجهزة الحالية صورةً واحدةً مُكررةً أربع مراتٍ، أو أكثر، ويمكن للمُتفرج اختيار خلفيةٍ من أحد الأفلام الشهيرة التي تُعرض في الصالات التجارية.

ومنذ وقتٍ مُبكر، أثارت اهتمام الحركة السوريالية الفرنسية، حيث استخدم روادها نفس النظام لإنجاز واحداً من البورتريهات الجماعية الأكثر شهرةً، وبالتحديد، تلك الصورة المُركبة التي أنجزها "رينيه ماغريت" لأصدقائه السورياليين بعد أن دعاهم لالتقاط صوراً شخصيةً عن طريق الجهاز، وهم مُغلقي العينيّن، ومن ثمّ أحاط بها لوحةً له بعنوان "المرأة المُختفية".

بينما استخدم الكثير من الفنانين التشكيلييّن هذه الطريقة التعبيرية، كحال الرسام، والكاتب الفرنسي "رولان توبور" مؤلف عدداً من الأعمال تحت اسم (Topor-matons).

كما استوحى "أندي وارول" فكرة تعدّد الصور في صورةٍ واحدة، واستخدمها في الكثير من أعماله، وخاصةً بورتريه لـ"مارلين مونرو".

في السينما، ظهر هذا الجهاز عام 1936 في الفيلم الفرنسيّ "Samson" لمُخرجه "موريس تورنور"، ولكنه حظيّ على دورٍ جوهريّ في الفيلم الفرنسيّ "المصير الرائع لإميلي بولان" لمُخرجه (جان بيير جونيه).

وفي حياتنا اليومية، يعيش الجميع، بلا استثناءٍ، طقوساً مُشتركة عند الحاجة لصورٍ شخصية:

الذهاب إلى أحد محلات التصوير، الجلوس أمام كاميرا ثقيلة، وضخمة، صَغرَ حجمها مع مرور السنوات، وتصنّع الجدية، أو الحيادية الضرورية لإظهار ملامح الوجه بشكلٍ كامل، وإلاّ، فلن تقبلها المُؤسّسات الحكومية التي طلبتها من أجل بطاقة الهوية الوطنية، جواز السفر، أو شهادة قيادة السيارة،....

بالمُقابل، فقد عاش مُعظمنا تجربة الدخول إلى إحدى كبائن التصوير الفوريّ:

سحب الستار، الجلوس فوق مقعدٍ دوّار أمام عدسة كاميرا مُخبّئة خلف حاجزٍ زجاجي، وضع القطع المعدنية اللازمة في فتحةٍ خاصة، والاستعداد لالتقاط صوراً شخصية، أو تذكارية بدون الحاجة إلى تعليمات مصورٍ فوتوغرافيّ محترف يُعدّلُ من نظراتنا، جلساتنا، وحركاتنا.

في تلك الكابينة الصغيرة، والمعزولة عن أعين المارة، يُمكن لشخصٍ واحدٍ، أو أكثر(شاب، وفتاة غالباً) التقاط صوراً بحريةٍ تامّة، وتثبيت حالةٍ من الهزل الفرديّ، أو الجماعيّ، وتحويلها إلى "طرفةٍ بصرية" عند مُشاهدتها مع أفراد العائلة، والأصدقاء.

بدوره، كسينمائيّ مُختلف، التقط "جيرار كوران" طقوس هذه الحالات السلوكية الآنيّة، وحرية أن يفعل المرء ما يشاء أمام الكاميرا، وأوحت له بفكرة "Cinematon"، عملٌ يجمعُ بآنٍ واحدٍ تناقضاتٍ، وتوافقات، ويُعتبر حالةً فريدةً في الإبداع السينمائيّ، تاريخ الفنّ المُعاصر، وعلم النفس.

وعلى الرغم من معرفتي الشديدة به، تواصلي الدائم معه، زيارته من وقتٍ إلى آخر في "صومعته السينمائية"، ومشاهدتي لمُعظم أفلامه، يتحتمّ عليّ الاستعانة بسيرته التعريفية المُتوفرة في موقعه كي أقدمه للقارئ العربيّ، وأثير الانتباه نحو أعماله شديدة الخصوصية.

"جيرار كوران"، سينمائيّ، كاتبُ، ممثلٌ، شاعرٌ، ومنتجٌ فرنسيّ مُستقلّ، وُلد  في 4 ديسمبر من عام 1951 في "ليون"، أول مدينةٍ عرفت اكتشاف السينما، وهو واحدٌ من السينمائيين الأكثر غزارةً في الإنتاج، اكتشف، أخرج، وأنتج "سينماتون"، أطول فيلمٍ في تاريخ السينما (151 ساعة حتى هذه اللحظة، ويتكوّن من 4000 بورتريه مُؤفلمة)، وعدداً كبيراً من الأفلام (حوالي 260 فيلماً منذ منتصف السبعينيّات)، ويُقسّم هوسه بين السينما، وسباق الدراجات إلى حدّ اقتناء أشياء نادرة تتعلق بهذه الرياضة .

هذه النبذة المُختصرة لا تتضمّن أيّ مُبالغة، فقد تحوّل بيته إلى إستوديو، مختبر، ومكتبة.

متواضعٌ، وكريمٌ، أتمنى زيارته أكثر من المُعتاد كي أعود إلى بيتي مُحمّلاً بالكثير من نسخ أفلامه الجديدة، والقديمة.

في إحدى المرات، استأذنته بمنح بعضها لأحد السينمائيين الإماراتيين المُهتمّين بالسينما التجريبية (و "جيرار" لا يعتبر نفسه سينمائياً تجريبياً)، كان ردّه ينضحُ بالابتهاج :

ـ يُفرحُني جداً بأن يكون لي مُعجبين في البلاد العربية، اطلب منه أيضاً بأن ينسخها، ويوزعها على أصدقائه، يهمّني بأن تنتشر أعمالي في كلّ مكان، وأنتَ لكَ الفضل الكبير في ذلك.

"جيرار" لا يُضيره قرصنة أفلامه، وفي كلّ مرةٍ أطلب نسخاً منها بهدف محاولة برمجتها هنا، أو هناك، لم يكن يتحدث معي إطلاقاً عن حقوق العرض الثقافي، والأهمّ، لم ينزعج أبداً (كعادة الكثير من المُخرجين العرب، حتى المُبتدئين منهم) لأنني لم أتمكن بعد من تطعيم أفلامه في أيّ مهرجانٍ، أو تظاهرة سينمائية عربية (لخصوصيّتها الشديدة جداً).

"جيرار كوران" ليس ثرياً كي يُوزع مجاناً نسخاً من أفلامه بالجملة، مهما كانت تكاليفها منخفضة جداً، عرفته قانعاً بمسكنه القديم الصغير(في مدينة Vincennes المُحاذية لباريس)، والحاليّ الأكبر(في مدينة Montreuil المُحاذية لباريس أيضاً)، يكتفي بالعوائد القليلة التي تدرّها عليه حقوق عرض أفلامه في المهرجانات، التظاهرات، والمتاحف، ويُنجزُ من وقتٍ إلى آخر أفلاماً بتمويلٍ مؤسّساتيّ، ومثل غيره من العاملين في الحقل السينمائي، يعتمدُ على تعويضات البطالة .

فيما مضى، كان يستخدم كاميرا سوبر 8 مللي، ويحصل على تسهيلاتٍ مادية من شركة "كوداك"، وبعد اختفاء هذا المقاس الفيلميّ الأسطوريّ من الأسواق في نهاية عام 2005، أصبح "جيرار كوران" مُجبراً على استخدام الكاميرا الرقمية التي انتزعت من "سينماتون" الكثير من سحره.

تُشير سيرته التعريفية الطويلة جداً، بأنه بعد مغادرته مدينة "ليون" صغيراً، عاش على التوالي في (فالانس، سان مارسولان، وديجون)، ثلاثة مدنٍ خصصّ لها عدداً من الأفلام منها :

ـ عبر الكون .

ـ العودة المستحيلة.

ـ "سان مارسولان" كما يراها "جيرار كوران".

ـ نزهة في أماكن طفولتي في مدينة "ديجون".

 وخلال دراسته للقانون في جامعة "ليون" منتصف السبعينيّات، اهتمّ بإدارة نوادي السينما الجامعية، حيث برمج أفلاماً تجريبية لـ : جوناس ميكاس، أندي وارول، مايا ديرين، ستان براكاج، جان جينيه، غريغوري ماركوبولوس،....

وأفلاماً مُستقلة لمخرجين مثل : فيليب غاريل، مارغريت دوراس، فيرنر شروتر، شانتال أكيرمان، لوك موليه،...

وفي عام 1975 استقرّ في باريس، وشارك في نشاطات "جماعة السينما الشابة"، وهي واحدةٌ من أقدم، وأهمّ الجمعيات التي وضعت السينما التجريبية في قلب المشهد السينمائي الفرنسي.

كان "جيرار" أيضاً ناقداً سينمائياً في مجلة "سينما" خلال الأعوام 77-82، و art press، ومن خلال كتاباته دافع عن سينما حرّة، ومُستقلة.

وبمُساعدة السينمائيّ التجريبيّ "Patrice Kirchhofer" أخرج "جيرار" في عام 1976 فيلمه الأول بكاميرا سوبر 8 (مارلين، غي لوكس، والراهبات).

وفي عام 1977 أخرج فيلماً تجريبياً "بنائياً" طويلاً يحمل عنوان :

(عاجل، أو ما هو الدافع لتنفيذ مشاريع مع أنّ المشروع هو بحدّ ذاته متعة كافية ؟).

وعنه حصل على جائزة التحكيم الخاصة في مهرجان السينمائيين الشباب في مقاطعة "بلفور" الفرنسية.

وفيما بعد، أخرج أفلاماً طويلة :

ـ تأملية : أديتيّا / 1980

ـ غنائية:  قلبٌ أزرق / 1980

أموت من العطش، أختنق، لا أستطيع الصراخ/1979

ـ موسيقية : الحياة عبارة عن حلّ / 1980

ـ مغناطيسية (المقصود بأنها تضع المُتفرج في حالةٍ من التنويم المغناطيسيّ): يرتعدُ الثلج على الأشجار/1981.

ـ مُتكررة (يستوحي البناء السينمائيّ إيقاعه من موسيقى الـ Techno) : إنها سيدةُ جميلة جداً/1982

ـ مُبسّطة للغاية (يستخدم الحدّ الأدنى لمفردات اللغة السينمائية): علاقات حبٍ مُشوّهة /1997
وفي كلّ تلك الأفلام، كان يستعين غالباً بنساءٍ من نجوم الأندرغراوند.

كما أخرج أيضاً أفلاماً طويلة مُنجزة من صورٍ فوتوغرافية ثابتة : مغامرات إيدي تورلايّ/1987

وإعادة أفلمة(يعرض الفيلم على شاشة سينما، أو تلفزيون، ويصوره مرةً أخرى) : عن اليونان/1984

أو من صورٍ سالبة( يستخدم نيجاتيف الفيلم ويعرضه كفيلم قائم بذاته): مغامرات إيدي تورلايّ، الجزء الثاني/2008.

وفي لقطة واحدة بدون قطع، ولمدة ساعة: الصعود من كنيسة "NOTRE-DAME DE LA GARDE"، والهبوط حتى الميناء القديم في مارسيليا/2006 .

وصوّر (آلام المسيح 24) خلال 24 سنة (استغرق تصويره من عام 1980 وحتى 2003).
وتحوّل إلى مُتسابق دراجاتٍ في : "CHAMBÉRY-LES ARCS"، صورٌ من سباق الدراجات/1996
وفي (قائمة فيلميّة لشوارع حيّ لاكروا- روس في ليّون) سجل على الشريط 195 شارعاً من الحيّ الذي عاش فيه طفولته.

وفي عام 1978، بدأ بإنجاز الانطولوجيا السينمائية الأشهر "سينماتون"، والتي ترتكز على تصوير شخصياتٍ فنية تُواجه جميعاً نفس القواعد :

لقطةٌ كبيرةٌ صامتة، وثابتة بدون أيّ حركة كاميرا، وبمدةٍ زمنية 3 دقيقة، و20 ثانية (وهي المدة الزمنية لعلبة شريط الخام لكاميرا سوبر 8)، وخلالها تفعل الشخصية ما تشاء أمام الكاميرا.

ومنذ البورتريه الأول، وحتى اليوم، هناك 2274  شخصية منحت نفسها لهذه اللعبة السينمائية، يمكن الإشارة إلى بعضها :

جان لوك غودار، فيم فيندرز، فيليكس غوتاري، جوزيف لوزي، ناغيزا أوشيما، كين لوتش، صمويل فولر، جان فرانسوا ليوتار،....

وقد عُرضت البورتريهات مجتمعةً في مناسباتٍ كثيرة، ويمكن القول، بأنّ "سينماتون" لم يُعرض بكامله بعد، لأنّ "جيرار كوران" لم يتوقف أبداً عن إنجاز بورتريهاتٍ جديدة.

كما أوحت "سينماتون" بفكرة إنجاز دزينةٍ من السلاسل السينمائية، والتي ما تزال جميعها قيّد التصوير : بورتريهات ثنائية، ثلاثية، جماعية، سينما، قراءة، بورتريهات قطط، كلاب،...

بالإضافة لسلاسل أخرى : ترافلينغ للشوارع، من غرف الفنادق، محطات، أماكن سكني، من سيارتي،...

بالإضافة إلى يومياته المُؤفلمة، وأفلاماً مضغوطة ؟

وللتعريف، والتحليل بقية........

هامش: بعض المعلومات الأرشيفيّة عن "Photomaton" تمّ الحصول عليها من "موسوعة ويكيبيديا"، وتطويرها، وفيما يتعلق بـ"Cinematon"، و"جيرار كوران"، فقد اعتمدتُ على سيرته المهنية، وأثريتُها بإضافاتٍ مُعمّقة من خلال معرفتي الطويلة بالمخرج، ومشاهدتي لكلّ الأفلام المذكورة في النصّ، والكثير من بورتريهات سلاسله السينمائية.

الجزيرة الوثائقية في

03/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)