حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما العربية من ضياع الحلم إلى استعادته

بقلم: حكمت الحاج *

إن الكتابات الحافلة حول السينما العربية، كانت تفترض دائما أن هذا المصطلح يضم تحت جوانحه كل ما يُصنع في العالم العربي من أفلام. واليوم بعد انهيار صناعة السينما القومية، بما يعني المصرية تحديدا، نرى إننا في حالة مواجهة تحليلية مع تلك الكتابات التي لم تقم بتقديم تفسيرات واضحة فكريا وجماليا حول السؤال التالي: لماذا اضمحلت السينما المصرية، ولم تزدهر السينماءات القُطرية العربية الأخرى؟

إننا لا نريد أن نقول إن السينما الحقيقية هي ابتكار مصري خالص، بل ربما العكس هو الصحيح. فالتونسيون والسوريون والجزائريون ومن ثم المغاربة، كانوا أيضا من أوائل من اجترحوا صيغا مثلى للسينما في الفضاء العربي. لكنهم وبإصرار غريب، لم يغادروا أبدا الندرة في الإنتاج والاستبعاد المتقصد للجمهور عبر تناول موضوعات بعيدة عنه وطرق أساليب تعبير سينمائية مليئة بالتنطع الثقافي النخبوي. أما الذي انفردت به "هوليوود العرب"، أي مصر، التي اقترح أن نسميها من الآن "موليوود" تكريما لتاريخها في الصناعة السينمائية وأسوة بنظيرتها الشرقية الأخرى "بوليوود" أي الهند، أقول، ما انفردت به السينما المصرية كان تمسكها بالرؤية الصحيحة وحدها دون غيرها في مجال التصنيع السينمائي متمثلة في الثنائية المتراكبة مع بعضها البعض جدليا، ألا وهي الكثرة والجمهور، ولم تسمح أبدا بالخروج على هذا النهج إلا في حدود ضيقة جدا من الإبداع المتقون على أيدي فنانين قلائل كبار. وللأسف فإنه ما إن تبلورت موليوود (مصر السينما) كتيار رئيس للصناعة السينمائية، حتى جاء رد الفعل العكسي من الجميع في باقي العواصم العربية، فذهبوا يعملون فى صيغ إنتاجية وجمالية بديلة تحت شعارات مثل الوطنية والتاريخية والشاعرية والتجريبية والتجديدية وسينما المؤلف خاصة، وهى مبادرات جميعها لم تولي اهتماما لا للكثرة في الإنتاج ولا لاجتذاب الجمهور لصالات السينما، بل وجمعها شيء آخر، إضافة إلى الاعتياش الطفيلي على الدعم الحكومي في تلك البلدان العربية، ألا هو الفشل الحتمي وغير القابل للنقاش .

لقد تفننت "موليوود" عبر تاريخها العتيد في تقديم كل أنواع الخطاب السينمائي الموجه إلى الجماهير داخل مصر وخارجها. وهكذا شاهدنا الفيلم الكوميدي والفيلم السياسي والأفلام الحربية وأفلام الدراما والرومانسية والأفلام الاستعراضية والغنائية وأفلام المقاولات وأفلام الانفتاح الاقتصادي وأفلام الهشك بشك حسب التوصيف المصري الذكي اللماح. وأصبح الممثلون المصريون والممثلات نجوما ونجمات من المحيط إلى الخليج، يتبارك الناس بأسمائهم ويطلقونها على مواليدهم الجدد. بل وأضحت اللهجة المصرية بفعل هذه السينما الشعبية هي اللهجة التي يفهمها ويتكلمها كل العرب في كل مكان.

واليوم لا يختلف اثنان على إن السينما المصرية (موليوود) تتراجع بشكل لم يسبق له مثيل من جميع النواحي البشرية والتقنية والفنية والتجارية والفكرية. ولكن في الجهة المقابلة لا نشهد تقدما يذكر في السينماءات العربية الأخرى بخلاف اشتراكها في جل المهرجانات الإقليمية والدولية والقارية، الكبيرة والصغيرة حتى المجهولة منها، وحيازة بعض أفلامها على جوائز وتنويهات وتقريضات نقدية لكن بلا جمهور.

إن البعض من المتابعين يعزون هذا التراجع وذلك الركود إلى أسباب متعددة لعل من أهمها صعود المد الديني في المنطقة بأسرها وغلبة التلفزيون ومسلسلاته، وضعف القدرة الشرائية للمواطن وتزايد سطوة الرقابات في البلدان العربية وبشكل خاص في مصر. لكنني أرى إننا مدعوون إلى اعتبار إن السبب الرئيسي لانهيار السينما العربية إنما يعود في الأساس إلى غياب الحلم وانحساره على الشاشة الكبيرة. لقد بات الواقع المعاش بكل قرفه وشؤمه وانحطاط مستواه اللغوي وسقوط قيمه الإنسانية هو المادة الرئيسية لأفلام السنوات الأخيرة مما أدى إلى عزوف المشاهد العائش في واقع مرير قاتل للأحلام، عن سينما تحاول أن تعيد إنتاج واقعه المرير مرة أخرى بلا حلم ولا أمل.

إن النقاد والكتاب والإعلاميين وكل العاملين في الشأن السينمائي العربي والمعنيين به مدعوون إلى تحديد معنى التفاهة والسطحية في السينما وتمييزها عن العمق والأصالة على وفق فرز وتصنيف يضع الحلم الإنساني المشروع مقياسا لذلك. وعندما نصل جميعا وعلى سبيل المثال إلى القناعة بأن أفلام مخرجين مثل يوسف شاهين وخالد يوسف وإيناس الدغيدي هي أفلام تافهة وسطحية مليئة بالكذب وخالية من الحلم نستطيع عندها أن ندشن عهدا جديدا لعودة الجمهور إلى السينما وصالات العرض السينمائية. ليس لمشاهدة أفكار سقيمة تتراقص على القماشة البيضاء الساحرة، فالأفكار متناثرة على الطريق كما قال الجاحظ ذلك قبل أكثر من ألف عام، بل لمشاهدة أحلامه وآماله تتجسد أمامه بشكل درامي عميق أو كوميدي ساخر إنما في هذا وذاك بتعبير فني كله تشويق وسحر وجذب للانتباه. وإن من البيان لسحرا.

* ناقد من العراق يقيم في لندن

hikmetelhadj@gmail.com

عن مدونة "سينما إيزيس" في

26/04/2010

 

سيناريوات محبطة لصغار المخرجين وكبارهم

عارف حمزة 

نشأت فكرة كتاب «أفلام لن نشاهدها»؛ الصادر عن منشورات مؤسّسة السّينما السّوريّة بترجمة مروان حداد، من سيناريو سينمائيّ كتبه كالوس.هـ. كناب على شكل كوميديا ساخرة تقوم على اختطاف الكلاب من قبل عصابة من الأشرار للمطالبة بفدية. وهي ستبدو عصابة رابحة لأنّ أحداث الفيلم كانت ستدور في فرنسا التي كانت، في وقت كتابة ذلك السيناريو، تضمّ أكثر من سبعة ملايين كلب. سيطرق كالوس أبواب المنتجين والمخرجين بنفسه أو عن طريق الأصدقاء من أجل تحقيق فكرته الغريبة تلك. وسيقوم أحد المنتجين بالموافقة على صناعة الفيلم لكن بعد أن قدّم رؤيته التي حوّلت السيناريو من كوميديا ساخرة إلى كوميديا «تافهة». بينما سيقول له المخرجون بأنه لو وجدوا تمويلاً فإنّهم سيقومون بتحقيق أفكارهم الموجودة في الأدراج بدلاً من تحقيق فكرته تلك. هذا اليأس، من تحويل السيناريو الذي كتبه إلى فيلم سينمائيّ، سيجعل كالوس يبحث عن أقرانه في الخيبة. عن أولئك المؤلّفين والمخرجين الذين لن نشاهد أفلامهم، ليتفاجأ، ويفاجئنا نحن أيضاً، بوجود أسماء كبيرة ولامعة لم تستطع أن تخرج نصوصها من الأدراج بسبب من المنتجين أو الرقابة أو انتهاء الغاية منها. سيُفاجأ بوجود القلة النادرة من المخرجين الذين لم يُرفض لهم أي سيناريو مثل تروفو. لكن تروفو نفسه عليه الانتظار عدة أعوام، محتفظاً ببعض السيناريوات، حتى يتمكن من تنفيذ فيلم «فهرنهايت 451» وكذلك فيلم «الطفل المتوحش». كما سيبحث رينوار لثلاثة أعوام حتى يقبل أحد المنتجين بتمويل فيلمه «الوهم الكبير». بينما سيكون هناك مخرجون آخرون سيتجرّعون الأعظم؛ مثل كوروساوا الذي سيمضي خمس سنوات من دون تحقيق أي فيلم، أو روسيلليني وفيسكونتي اللذين سيموتان من دون أن يحقق روسيلليني فيلمه «كاليغولا» وفيسكونتي «البحث عن الزمن المفقود».

كالوس سيختار أربعة سيناريوات، من ضمن عشرات السيناريوات التي لن نستطيع مشاهدتها كفيلم سينمائي فلنتعرّف عليها بقراءتها كنصّ مكتوب. ورغم أنه سيتم تحقيق اثنين من السيناريوات المنشورة في الكتاب، في الفترة ما بين صدور الكتاب بلغته الأصليّة وما بين ترجمته للعربيّة، ومن موافقته المسبقة بأنّ «الفارق بين السيناريو السينمائيّ والنصّ المسرحيّ كبير للغاية. السيناريو، في الحقيقة، ليس أكثر من دليل لما قد يُصبح عليه الفيلم، ولذلك، فإنّ أفضل الأفلام هي تلك التي يشارك فيها المخرج بكتابة السيناريو». كما قال له المخرج المسرحيّ والسينمائيّ ليندسي أندرسون الذي يرى أيضاً بأن «من المستحيل تخيّل فيلم سينمائيّ بمجرد قراءة السيناريو»!. وهو موافق تماماً لما أكده تروفو من أنّ «سيناريو الفيلم ليس هو الفيلم». إلا أنّ وجود هكذا كتاب يفتح عين القارئ وذهنه كذلك على المصاعب والآلام والمواقف والأثمان التي يدفعها صناع السينما.

وهكذا فإنّ انطلاق غرابة هذا الكتاب سيكون من مشاغبة عنوانه وذلك من خلال أداة النصب «لن»، التي تنفي إمكانيّة حدوث فعل المشاهدة، والذي سيُلمّح، في ذهن القارئ قبل تصفح الكتاب، إلى أنّ منع إمكانيّة المشاهدة سيكون لسبب رقابيّ سلطويّ كما هو معروف في المقام الأوّل. ولكن هذا الملمح خاطئ، فسيناريو «نساء ماغليانو الحرائر» لفيديريكو فيلليني، المأخوذ من كتاب لماريو توبينو والذي يدور حول طبيب ومرضاه في مستشفى ماغليانو للأمراض النفسيّة، الذي سيعيش في المشفى لعدّة أسابيع ويكتب نصّاً خاصّاً بتجربته هو أكبر من الكتاب نفسه. ولكنه لن يجد منتجاً ليقوم بتمويل العمل. وبما أنّ فيلمه هذا عن المجانين سيداعبه المنتج دي لورينتس قائلاً: «لقد أخرجتَ فيلماً حول الشاذّين جنسيّاً، وآخر حول المحتالين. لماذا لا تقوم بتحقيق فيلم، على سبيل التغيّير، حول الناس العادييّن؟». كلّ ذلك بسبب أنّ فيلليني، مثله مثل كبار المخرجين العالمييّن، يذهب وراء ذائقته وإلهامه ومشروعه الشخصيّ الفنيّ والخالد من دون اهتمام بمسألة الربح التجاري التي تلهب مشاعر وجيوب وقرارات المنتجين. هذا ما يجعلنا نفهم المعادلة عندما رفض فيلليني أن يحقق تتمّة لفيلمه «لا سترادا» عندما حقق نجاحاً عالميّاً وتجاريّاً هائلاً في عام 1954.

أمّا سيناريو «ثلج» للمخرج اليابانيّ آكيرا كوروساوا، الذي قبل في المسابقة الوطنيّة للسيناريو وتلقى دعماً من قبل مجموعة من المجلات السينمائيّة اليابانيّة، فلم يكن أيضاً عملاً سياسيّاً، بل تناول مسألة الوعي والإدراك اللذين يحملهما أستاذ جامعيّ من طوكيو ويسعى لنقلهما الى الفلاحين المتضرّرين بسبب الثلج الذي يمنع نمو محصول الأرز لديهم. لكن، وقبل أن يبدأ تصوير الفيلم، تمّ التوصّل إلى استنبات نوع من الأرز يستطيع مقاومة الثلج والبرد. وهكذا أصبح «ثلج» موضوعاً عفا عليه الزمن، ولم يعد هناك من داعٍ لتحقيقه. رغم أنّ ذلك ليس سبباً مقنعاً لامتناع كوروساوا عن إمتاعنا بفيلم من أفلامه التي لا يمكن نسيانها، أو الحديث عن أفضل الأفلام السينمائيّة من دون التوقف عنده طويلاً. ولكن قرار عدم العمل سيكون أفضل لنا إذا ما عرفنا أنّ كوروساوا حاول الانتحار لأنّ فيلمه «دوديسكادين» فشل تجاريّاً في عام 1971.

سيناريو «العيد الوطني» للإسباني لويس بيرلانغا، «هو من أبرز أسباب ظهور هذا الكتاب»، كما يقول المؤلف كالوس. فهذا المخرج لطالما تعرّضت أفلامه للحذف والاقتطاع وقد مُنع له ستة وثلاثون مشروعاً. سيناريو العيد الوطني يمكن قراءته بمتعة شديدة، كما لو أنه قصة طويلة أو رواية كما يقول المؤلف، بسبب ذكاء كاتب السيناريو الأسبانيّ رافائي آثكونا الذي ألبس الأحداث المأسويّة خلال الحرب الأهليّة الأسبانيّة أسلوبه الفكاهيّ الخاص. هذا السيناريو سيرى النور مع السيناريو الآخر، «الزهور الجارحة»، الذي يضمّه هذا الكتاب. «الزهور الجارحة» كان من كتابة الأسبانيّ آلان رينيه الذي اتصل بمواطنه المخرج خورخيه سيمبرون للبحث عن منتج ما لتحقيق هذا الفيلم القريب من أجواء الخيال العلمي. ولكن لا أحد قبل تلك المخاطرة بسبب سمعة رينيه التي تلاحقه كسينمائيّ «صعب» تثير الرعب لدى المنتجين.

ربما تنطبق جملة تروفو الذهبيّة بأنّ «سيناريو الفيلم ليس هو الفيلم» على اثنين من السيناريوات التي يضمّها هذا الكتاب. ولكنها ليست كذلك بالنسبة لـ«ثلج» و«العيد الوطني». فهما نصّان يمكن لقارئهما، بسبب جمالهما ولغتهما، تصوّر الفيلم نفسه بنسبة ما. ولكن أيّاً كانت أسباب عدم إمكانيّة مشاهدة الأفلام، سواء كانت سياسيّة أو ماليّة أو شخصيّة.. فإنها تعتبر في غير صالح الفن السّابع الذي ظهر واستمرّ كأحد أهم أركان الثقافة والفرجة والمتعة على هذه الأرض. هو كتاب لا يذهب إلى أنّ «الكبار» أيضاً بحاجة لتضامن، وهو أمر محسوم، بل إلى أنّ السينما، بكلّ مفاصلها من مخرجين ومؤلفين وممثلين ومشاهدين... قد خسرت كثيراً بسبب أشياء لم نشاهدها ونعرفها في الوقت الذي كنا نظنها فيه الرابح الأكبر.

المستقبل اللبنانية في

25/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)