حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"أحكي يا شهرزاد":

صورة المرأة الثابتة في واقع متغير

رمضان سليم

في الفيلم السابق للمخرج يسري نصر الله، وكان بعنوان "جنينة الأسماك"" 2008"، ظهرت فكرة التواصل مع الجمهور والتأكيد عليها من خلال صوت المذيعة "هند صبري" وبرنامجها الليلي في الراديو، حيث يسترسل كل شخص في الحديث عن نفسه فيما يشبه اعترافات ما بعد منتصف الليل أو البوح الذاتي لجمهور محدود.

في الفيلم الجديد "أحكي يا شهرزاد"،شيء مما تقدم، مع بعض الاختلافات، حيث تسيطر فكرة التواصل مع الجمهور والخوف من هذا التواصل على الأحداث.

ولكن هذه المرة نجد أمامنا برنامجا مرئيا، يعتمد على الحوارات المباشرة، بإعادة فكرة المصارحة والحديث عن الذات والتجارب الشخصية بطريقة صادمة للجمهور، بل تبدو صادمة للواقع فى أكثر الأحيان.

ومثلما نجح الفيلم السابق فنيا ونقديا، حقق الفيلم التالي نجاحا أوسع، وربما صادفه بعض النجاح التجاري أيضا، بعكس أفلام هذا المخرج السابقة والتي ظلت حبيسة المهرجانات والعروض الخاصة وأحيانا القنوات الأجنبية الداعمة للإنتاج.

تدرج وتصاعد

والواقع أن هناك تدرج واضح في تعامل هذا المخرج مع الجمهور، ونقصد بذلك جمهور السينما التقليدي، فمن فيلم مثل "سرقات صيفية"" 1988" و هو أقرب الى السيرة الذاتية أو مقاطع من هذه السيرة، الى فيلم "مرسيدس"" 1993" و فيه الكثير من التجريب، وكان فيلم"صبيان وبنات "" 1995" أقرب الى الفيلم التسجيلي.

أما فيلم" المدنية "فكان أقرب أفلام المخرج الى الجمهور ،وكذلك فيلم "باب الشمس"" 2004 "وله طابع ملحمي.

أما هذا الفيلم الأخير "أحكي يا شهرزاد"، فهو فيلم من أفلام القضية أيضا، ولكن القضية الاجتماعية التي يمكن اعتبارها نسائية بالدرجة الأولى.

ولعل الجانب الفكري يظل من أهم مشاغل هذا المخرج، الذي بدأ ناقدا سينمائيا، ثم تلميذا في مدرسة المخرج يوسف شاهين، الى حين وصوله الى درجة عالية من التميز والخصوصية.

الأمر الثاني الذي لا يمكن إغفاله، إن هذا الفيلم هو أول تعاون بين السينارست وحيد حامد والمخرج يسري نصر الله، ويعرف عن الأول حسن اختياره لموضوعات أفلامه، وهو الذي قدّم أفلاما جيدة تحسب له باعتبارها سيناريست، وأحيانا، قبل المخرج الذي يتعامل معه، وبالتالي فنحن نقول إن هناك أفلام هي من كتابه وحيد حامد مثل "البريء" "الغول"،"الهلفوت"،"اللعب مع الكبار"، "النوم في العسل"، "الإرهاب والكباب"، "سوق المتعة" وغير ذلك من الأفلام الناجحة.

يحيلنا عنوان هذا الفيلم الى شهرزاد، الشخصية التاريخية الشهيرة التي اقترنت بقصص ألف ليلة وليلة، فهي التي سردت كل القصص بمختلف أنواع بدافع الحفاظ على أرواح بنات جنسها، فالحكايات بالنسبة لها إضافة حياة واستمرارها، بينما الصمت أو التوقف عن السرد يعني الموت.

لا يأخذ الفيلم إلا مسألة السرد نقلا عن التجارب الشخصية مدخلا لهذه المرأة التي اعتبرها شهرزاد. إنها امرأة تقص علينا تجاربها الصعبة، بسبب الرجل أولا وأخيرا ولعل النساء أو النماذج المختارة لهذا السرد، يحاولن التواصل مع الجمهور، من خلال البرنامج المرئي "نهاية المساء، بداية الصباح" وهو عنوان مقتبس من الجملة الشهيرة التى تتردد فى نهاية كل قصة من ألف ليلة وليلة "وهنا أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح".

بداية أولى

يبدأ الفيلم بداية، فيها شيء من المخاوف، وربما كان المروي مجرد حلم يفاجىء المذيعة هبة، وكأننا سوف نأتي في النهاية الى ما يشبه الكابوس، وهذا ما يحدث فعلا، ولكن في إطار العلاقة الزوجية بين هبة وزوجها الصحفي كريم.

سوف نرى في المقدمة لوحات من ثمار الطماطم وأحيانا البصل مع موسيقى هادئة ومتصاعدة، يصطحب كل ذلك العنوانين والأسماء، ولا نستطيع أن نعطي دلالة مؤكدة على هذا المعنى، فهو من اختيارات المخرج التي تكشف عن روابط الأكل بالحياة، والمقصود بذلك متع الأكل التي تخفي سيطرة وإجحاف في حق المرأة وهكذا نجد أن الزوج كريم يستخدم الجنس لإسكات صوت الزوجة ويجعلها غير قادرة على التمرد أو الاعتراض. كلاهما حاجة ومتعة ووسيلة ضغط.

هذا الأمر سنراه يتكرر مع نماذج أخرى، بل إن مشكلة المرأة الجنسية تبقى هي نقطة ضعفها، سواء أكان الأمر في شكل زواج رسمي أو زواج غير رسمي وعلى نفس الوتيرة، وبطريقة أفضل يستخدم الفيلم طريقه الشرائح الاجتماعية في استعراض فكرته، والتي لا نستطيع أن نحشرها في إطار الفكرة الواحدة الضيقة، بل هي تتعدى ذلك الى آفاق أرحب، وربما تقترب من السياسة أيضا.

اذ من الصعب اعتبار قضية التعبير العلني عند المرأة مجرد قضية نسوية خاصة، ولاسيما وأنها قد صارت تصل الى أكبر عدد من المشاهدين، وأظن أن برامج الحوارات المباشرة، ذات الطبيعة الساخنة، هي التى أو حق بفكرة هذا الفيلم، فالفيلم مرتبط بوسائط الاتصال الحديثة، حيث يتم الكشف عما كان بالأمس مجرد بوح شخصي بين شخصين أو أكثر.

إن البرنامج الذى تقدمه قناة "الشمس" عن طريق المذيعة هبة، يدعو النساء الى الكشف عن الخبايا الداخلية وعدم الاكتفاء بالصمت والتستر على ما وقع لهن، وهذا بالطبع يخالف ما درج عليه المجتمع، اذ يطالب المجتمع المرأة بأن تصمت وتتخفى في الظل.

كانت المذيعة هبة تسير نحو اتجاه مختلف في البداية، فهي تقدم حلقة معينة مثلا تستضيف فيها رجل أعمال يدعى أدهم "محمود حميدة" و تدخل معه في حوار بقصد إثبات وجودها أمامه، باعتبارها مذيعة ناجحة ولامعة.

لكن هناك تغيير وقع في حياتها عندما واجهتها فتاة تعمل في محل للملابس الراقية والعطور والإكسسوارات، حيث كشفت لها عن أن هناك عالم آخر، ربما كان عالم الحجاب الصغير، والذي يرغم فتاة مثلا على أن تكون امرأة مزدوجة الشخصية، تعمل في محلات راقية وتعيش في الظل وعلى الهامش في الإحياء الشعبية، حيث ترغم على ارتداء الحجاب وما تبعه من أوامر.

بداية ثانية

كان لابد من وجود نقطة بداية مختلفة لهذه المذيعة وهذا ما حدث فعلا، فقد تحوّل هدف البرنامج وبدلا من اختيار النجوم واللامعين، صار الاختيار يقع على من هو هامشي ووضعه أمام بؤرة الضوء من خلال الحكي وتقديم التجربة الحياتية.

بالإضافة الى المذيعة التي تتحوّل بالتدرج الى نموذج وليست مجرد وسيط فقط وفي مشهد نرى فيه المذيعة وقد ركبت حافلة عامة، مع فتاة أخرى تعرفت عليها، في هذا المشهد تجبر المذيعة على ارتداء حجاب الرأس بسبب نظرات النساء اللافتة إليها، باعتبارها مختلفة عن غيرها من النساء.

النموذج الأول هي أمانى "سوسن بدر" وهي امرأة تسكن في بيت اجتماعى لصالح النساء المسنات، وتعمل فيه في نفس الوقت، وما يميز هذه المرأة أنها لم تتزوج وظلت عذراء الى أن بلغت الشيخوخة أو كادت، إذا اعتبرنا أن ذلك ميزة.

والحقيقة أنه لا توجد قضية واضحة بالنسبة لهذه المرأة، ولذلك كانت نسبة الميلودراما ضعيفة أثناء سردها لحكايتها، وخصوصا وأنها اعتادت أن تعيش بلا رجل طوال حياتها. كما أن الفيلم استفاد منها في تقديم جرعة من الصراحة المكشوفة.

ولاسيما فيما يتعلق بحجاب العقل الذي يعيشه المجتمع، والمشكلة الجنسية التي تعاني منها المرأة أحيانا وكيفية التأقلم مع هذه المشكلة.

من ضمن ما روته "أماني" قصتها مع "أحمد فضل" وهو رجل طرح عليها صفقة زواج بشرط أن تكون كل الأمور بيديه، وهو ما رفضته أماني في مكان عام وأمام الجميع.

يبدو المشهد الذي اختير ليمثل هذه الصفقة وكأنه أقرب الى المشهد السافر، ولاسيما وأن أداء الممثل حسين الامام قد جاء متوافقا مع ذلك.

وقد بدا واضحا أن المشكلة تكمن في حاجة المرأة الى الرجل بشكل حاسم وحاد، ولذلك نجدها تضحي بكل شيء من أجل ذلك، وهذا ما لم تفعله أماني وهذا ما صرحت به أمام الكاميرا على الهواء مباشرة.

القصة الثانية تبدو كأنها منفصلة، أي أنها فيلم داخل فيلم وبالفعل، ينسى الجمهور المتابع للفيلم الموضوع الرئيسى بسبب حضور هذه القصة، وهى تتركب من ثلاثة نماذج والأهم نموذج صفاء وهي الأخت التى يتتبعها الفيلم، فهي قد دخلت السجن وخرجت منه بعد سنوات طويلة وهي تعيش مع السجانة بعد أن مرضت الأخيرة وتحتاج الى من يخدمها ويرعاها.

حكاية وأكثر

أما القصة فهي أقرب الى حكايات ألف ليلة وليلة "حكاية التاجر والشقيقات الثلاث"، ويشعر المتابع بأن الجانب القصصي فيها قد ساد على الجانب الواقعي.

إننا أمام ثلاث شقيقات، صفاء وهناء ووفاء، يستلمن محل والدهن بعد موته وبعد طرد العم المتلاعب بالمال، ولكن العامل في المحل التجاري "مواد بناء وأدوات صحية وغيرها" إبراهيم الخفيف ظل هو المشكلة، لأن الأخوات رغبن فيه زوجا بعد أن طال انتظار الزوج، وكل أخت تتوقع أن يتزوجها، إلا أنه يتزوج عرفيا صفاء.

وفي الوقت نفسه تكشف كل فتاة بأنها على علاقة معه وهي علاقة مباشرة وخفية، إلا أن الزوجة الفعلية تعتبرها جريمة، ولذلك تقوم "صفاء" بقتل إبراهيم وحرق المحل بكل ما فيه، وطرد الأختين من البيت وكان محمد الشريف متميزا في الدور.

كما قلت تبدو القصة سردية وبسب الحوادث المتلاحقة والشخصيات المتقاربة لا نكاد نشعر بوجود سبب حقيقي واضح لعملية القتل، وخصوصا وأن كل أخت تتصرف وكأنها على معرفة بعلاقات إبراهيم العاطفية. وبالطبع يذكرنا ذلك بقصة الخاتم ليوسف إدريس، والتي تحولت الى فيلمين قصيرين في انتاجين متلاحقين.

تصعب العودة الى باقي القصص والى القصة المحور "هبة مع زوجها ومع برنامجها" لأن قصة الأخوات الثلاث ظلت طاغية على الأحداث وهي طويلة نسبيا، لنصل في نهايتها الى تقديم صفاء القاتلة أمام الجمهور من أجل الاعتراف بأسباب القتل.

إن المشاهد في الفيلم تبدو طويلة نسبيا ولا يستخدم الفيلم طريقة المونتاج السريع ولا يركز على القطع، ولكن الأحداث يتم سردها ببساطة وبتقليدية واضحة، ليست بالطبع من سمات وخصائص وأسلوب المخرج من خلال أفلامه السابقة.

لقد نجح الفيلم في تقديم خلفيات غير متشابهة بالنسبة لتقديم البرنامج، فكل امراة لها خلفية تتناسب مع قصتها وطبيعتها.

يتصاعد الخلاف بين الزوج الصحفي كريم "ممثل ضعيف حسن الرواد" والزوجة المذيعة "هبة" والتي قامت بدورها الممثلة منى زكي بطريقة جيدة، يتصاعد الخلاف مع استمرار الفيلم.. الزوج يهمه مستقبله الصحفي ويتطلع الى أن يكون رئيس تحرير.

ولكن برنامج الزوجة التلفزي يسبب له المشكلات المتتالية، فضلا عن مراعاة الزوج للمسؤولين على حساب زوجته، ورغم إنه الزوج الثانى بالنسبة لهبة، إلا أنها مستعدة للتضحية به، إذا كان ذلك سيكون في مصلحة موقفها وموقف عملها الانتقادي الذي يجر معه تبعات وفضائح كثيرة، فقد صارت هبة صاحبة قضية ما ولو كانت غير واضحة.

زوج وزوجة

النموذج الثالث هي الطبيبة "درة" التي يتعرف عليها رجل الأعمال أدهم، ولكنه مثل الرجل السابق "أحمد فضل" يهمه النصب فقط، ولذلك يتزوج بها في مشهد "كتب العقد" والذى يظهر طويلا كأنه صفقة تجارية بالنسبة للزوج، وعندما يصبح هناك حمل.

يعلن الزوج عدم مسؤوليته ويعتبر الزوجة خائنة ويهددها بالفضيحة أو دفع مبلغ مالي كبير، وتستجيب الزوجة "نقطة ضعف في السيناريو" لكنها لا تدفع المال المطلوب وتتحول الى معارضة لهذا الرجل "ادهم" بعد أن تم تعيينه وزيرا. وهنا يربط الفيلم قليلا بين المشكلة الجنسية والمشكلة الاجتماعية السياسية، ولكن في حدود ضيقة، يغلب عليها النظرة البسيطة السريعة، فبدلا من رفع الدعوى القضائية تلجأ طبيبة الأسنان الى التظاهر في الشارع، تم القبض عليها مباشرة ـ والخاسرة طبعا هي الزوجة.

وهي تعترف بأنها قد تخلصت من الجنين لأنها لا تريد أن ترتبط بزوجها بأية طريقة كانت. رغم انها تكتشف خداعه من خلال تجربته مع زوجته الأولى المطلقة.

ربما لو ناقشنا الكثير من التفاصيل، لوجدنا بعض نقاط الضعف في تركيب بعض الشخصيات، ولكن هذا الخلل لا يمنع من الحضور القويّ للنماذج المختارة وحسن تأثيرها على المتفرج. مع حوار مختصر ومكتوب بطريقة فها إيحاء وإثارة، والأهم هو وجود سلاسة في السرد، وكأننا أمام ارتباط عفوي بين السرد عند شهرزاد والسرد في الفيلم.

لابد من التأكيد على أن التمثيل كان له الوقع الايجابي من خلال اختيار بعض الممثلين وخصوصا منى زكي فى دور مختلف نسبيا وكذلك سوسن بدر ومحمود حميدة وحسين الامام ودرة التونسية وأيضا الاختيارات الأخرى الجانبية والرئيسية في نفس الوقت، ومما يحسب للفيلم عدم وقوعه في الميلودراما، رغم إن القصص توحي بذلك.

ولكن، تبدو فكرة استبعاد النموذج الجيد للرجل ، فالمواجهة دائما بين نساء مظلومات ورجال طغاة ولا يوجد خليط بين الاثنين أو تداخل يسمح بالتعبير المحايد، فتحول الفيلم الى صراع بين الرجل والمرأة، لمصلحة المرأة طبعا والنظرة المحايدة المفقودة، ربما لا تساعد على إبراز الفكرة، ولهذا تخلص منها الفيلم لمصلحة المنظور الاحادي الجانب.

ينتهي الفيلم بالنموذج الرئيسي "هبة" وقد جاءت متأخرة الى برنامجها، وظهرت وهي شبه مشوهة بسبب اعتداء زوجها عليها بالضرب، بسبب صراع المصالح، ولاسيما وان التغييرات الإدارية قد استبعدته رئيسا للتحرير، رغم أن أحد الأصدقاء قد حلم به رئيسا جديدا متوقعا.

سوف نلحظ بأن المشكلة بين هبه الزوجة كريم الزوج، تقوم على صراع العمل والحضور الاجتماعي، لأن الزوج يتصور بأن برنامج زوجته الفضائحي كان هو السبب في استبعاده من الترقية في الصحيفة التي يعمل بها. أما باقي النماذج فإن القضية قد تبدو اجتماعية أو جنسية أو نفسية بالنسبة إليهن.

كما رأينا، فإن هذا الفيلم هو وليد الظروف الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، وتطور وسائل الإعلام، والانتقال من الصورة الخلفية الى الصورة الظاهرة، بالنسبة للمرأة ومن الاختباء وراء الجدران الى الحضور العلني والتصريح بالقول وعدم السكوت عن الكلام المباح.

العرب أنلاين في

29/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)